تاريخ عمان

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني

تاريخ عمان

المؤلف:

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني


المحقق: عبد المجيد الحسيب القيسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٦٢

ابن منير بمن معه من العسكر وأهل أزكي وبنو ريام إلى بهلا يوم تاسع عشر صفر ودخلوها يوم واحد وعشرين واستولوا عليها وتحصن العجم في الحصن فحاصروهم ثم خرج منهم قوم فقتل أكثرهم وبقي من بقي من العجم لم يخرجوا من الحصن خوف القتل إلى أن جاءهم سيف بن سلطان ومن معه فأخرجوهم بسلاحهم ومتاعهم ودوائهم وأوصلهم بأمان وأصحبهم مبارك بن مسعود الغافري (١) إلى صحار.

وكان أحمد بن سعيد البو سعيدي واليا على صحار من قبل سيف بن سلطان فقيل إن العجم لما وصلوا صحار حبسهم أحمد بن سعيد بصحار حتى مات أكثرهم وإن ذلك من أول الأمور التي ظهر بها أحمد بن سعيد ، وأما العجم الذين انكسروا من مسكد فإنهم ساروا إلى الصير وفيها إخوانهم وركب منهم ناس إلى بلدانهم وبقيت منهم بقية بالصير إلى يومنا هذا.

وسار إليهم سيف بن سلطان بجيش عظيم من البر وسير إليهم المراكب من البحر فلما وصل بلد خت قرب الصير جاءه الخبر ان مركب الملك قد احترق وغرق بمن فيه وذلك يوم الجمعه لتسع عشرة ليلة خلت من شهر شوال من عام ١١٥١ ه‍. فعزم على الرجوع فرجع عنهم إلى عمان وبقوا هم بالصير ودانت له جميع حصون عمان وأدت له الرعية الطاعة فلبث على ذلك ثم ظهرت منه أحداث لم يرضها المسلمون ولا رضوا مبدأ أمره ولا منتهاه وحط الخراج على الرعية.

٥٠ ـ إمامة سلطان بن مرشد :

فاجتمع من شاء من مشايخ العلم من بهلا ونزوى وأزكي ورؤساء القبائل من بني غافر وغيرهم من أهل الظاهرة ووادي سمائل ومشايخ المعاول فقعدوا الإمامة إلى سلطان بن مرشد بن عدي اليعربي بجامع نخل ليلة الحج أي ليلة

__________________

(١) ذكره ابن رزيق بإسم مبارك بن سعيد الغافري. أنظر الصحيفة القحطانية.

١٤١

عرفة سنة أربع وخمسين ومائة وألف (١) فاستقام بحمد لله على الحق والعدل وخلصت له الحصون من سمايل ونخل وازكي ونزوى وبهلا والشرقية وسالمته القبائل من الفريقين والحمد لله كثيرا.

ثم جهز الإمام جيشا إلى الرستاق وسار فيه بنفسه وكان سيف بن سلطان قد جمع قوما كثيرا من أهل الرستاق وغيرهم خارجا عن البلد نحو ثقاب فلج الميسر يريد لقاء الإمام فلما أحس أن لا طاقة له بحرب الإمام انهزم ليلا عن أصحابه وترك بعض المؤنة من تمر وغيره فلما وصل الإمام صباح الجمعة آخر شهر شعبان لم يجد سيفا ودخل الإمام الرستاق فتلقاه أهلها بالكرامة ودخلها على حال السلامة لما رأوه أهلا للإمامة وآزروه واحتوى على جميع رعاياها ولم يبق إلا الحصن فلبث في حصاره سبعين ليلة وافتتحه وقد كان سيف ترك فيه عبيده ووالدته وبعض عياله.

ثم سار سيف بن سلطان إلى مسكد وجمع قوما من المطرح ومسكد والسيب وبركا ، ولبث ببركا فبعث إليه الإمام بعض قومه وأمر عليهم أخاه سيف ابن مهنا إلى بركا فالتقاهم سيف بن سلطان بقومه فاقتتلوا فقتل من قوم الإمام قليل وقتل من أصحاب سيف بن سلطان كثير ولم ينج إلا من انهزم أو ألقى بما في يده وأذعن بالطاعة للإمام.

وأما سيف بن سلطان فإنه انهزم إلى مسكد ورجع سيف بن مهنا إلى الرستاق منصورا من الخلاق ثم جاءت لسيف بن سلطان ثيبة من بدو الظاهرة مقدار خمسمائة رجل فيما قيل فلما وصلوا الحزم طلع هو من مسكد وأقام يجمع قوما من الباطنة فجاءته عساكر كثيرة من عامر ربيعة مرادهم نصرته وكان من قضاء الله وقدره السابق في عمله أن البدو الذين معه اقتتلوا وقتل.

__________________

(١) توافق ليلة الحج لعام ١١٥٤ ه‍ منتصف شباط من عام ١٧٤٢ ميلادية.

١٤٢

من عامر ربيعة كثير وانهزم الباقون منهم وبقي البدو الذين من الظاهرة مع سيف بالحزم يزعمون دخول الرستاق ثم إنهم لم يجدوا قدرة على ذلك فرجعوا إلى بلدانهم.

وأما سيف فإنه لما آيس من الناصرين سار إلى مسكد وترك عياله وعبيده محصورين وذلك قبل فتح حصن الرستاق للإمام فلما آيس من في الحصن من نصرة سيف لهم أرسلوا يطلبون الصلح من الإمام والأمان ليخرجوا بما عندهم من المتاع فأمنهم الإمام وخرجوا من الحصن ودخل الإمام الحصن في اثني عشر من ذي القعدة من هذه السنة (١) وجعل في الحصن واليا ومعه عسكر من جنابه وجعل معهم اخاه سيف بن مهنا ثم ارتفع منها بعد خمسة أيام ببقية قومه وحشد من الرستاق ومر إلى نخل وحشد منها ومن رعاياها قوما ، ثم وصل إلى بدبد وحشد من وادي سمايل ومن أزكي ورعاياها وسار متوجها إلى مسكد يوم الخميس ثاني ذي الحجة من هذه السنة وقد اجتمع عنده قوم كثير فلما وصل إلى روي ليلة رابع من هذا الشهر ترك المعقل في روي فسار بأكثر قومه ليلا إلى مسكد وركض عليهم بقومه على الجبال فأحدروهم من الجبال وجميع المقابض وهزمهم الله وافتتح الإمام مسكد بجميع مقابضها ومعاقلها وقت الضحى من يومه سوى الكيتان فإنهما بقيا محاربين ، وأما كوت المطرح فبعث له الإمام بعض القوم في تلك الليلة فأخذوه قهرا وحباه الله من لدنه نصرا.

٥١ ـ عودة الفرس إلى عمان :

أما ما كان من سيف بن سلطان فإنه ركب البحر وبعث له الإمام مراكب في طلبه فيهن بجاد بن سالم وعسكر من قوم الإمام فجاءتهم ريح وفرقت المراكب دون خور فكان ورجع بجاد بمن معه ، ثم إن سيفا انكسرت من مراكبه بعض

__________________

(١) سنة ١١٥٥ ه‍ / ١٧٤٣ م.

١٤٣

دقالته وأجرى أخشابا توصله إلى خور فكان ونزل بها ومعه قدر ثمانية أنفس على خيل قاصدين العجم فقيل إنه لما علمت العجم بوصوله أتاه قوم منهم على خيل وأخذوه وساروا به إلى الصير وبقى المركب في خورفكان فأخذه أحمد ابن سعيد البوسعيدي.

أما ما كان من سيف بن سلطان فإنه أقام مع العجم بجلفار وهي الصير وكاتب أهل شيراز ليأتوه بقوم فجاءوا إلى عمان ونزلوا بصحار وهم مقدار عشرين ألفا فيما قيل والله اعلم ، فعلم بذلك الشيخ أحمد بن سعيد بن أحمد ابن محمد البوسعيدي وهو يومئذ وآل بصحار وهو في ذلك اليوم في بلد العوهى ونزلت العجم حول حصن صحار وحاصروه حصارا شديدا حتى كاد الحصن أن يتهدم من شدة ضربهم إياه بالمدافع حتى قيل إن رصاصة المدفع كل رصاصة خمسة أمنان وستة أمنان وثلاثة أمنان بالمن المسكدي ، فحاصروه وبنوا فيها بنيانا قويا وكان الإمام سلطان بن مرشد محاصر الكيتان بمسكد وفيهن عبيد سيف بن سلطان ، فأرسل الإمام أخاه سيف بن مهنا إلى وادي سمايل والظاهرة فأخذ منهم قدر خمسمائة رجل أو أكثر فوق من معه وساروا إلى صحار ووقع الحرب بينهم ليلا ونهارا وقيل إن في يوم واحد ضربت العجم ألفا واثنتي عشرة ضربة مدفع فعلم الإمام بذلك فسار هو وأخوه سيف بن مهنا إلى الظاهرة فحشدوا منها من بدو وحضر.

(م ١٠ ـ كشف الغمة)

١٤٤

٥٢ ـ العجم يغزون المطرح :

ثم إن العجم ومن معهم من عبيد سيف بن سلطان أوجب نظرهم أن يغزوا مطرح ، وكان فيها الإمام سلطان بن مرشد ، وكان يرسل كل يوم عيونا إلى جانب ساحل الغبرة لما علم أن بإرادتهم غزو المطرح ، وفي العيون ناجم بن راشد الهندي على خيل ، فرجع إليه ناجم ان العجم أقبلوا إلى روي فأمر الإمام بضرب الطبل لجمع العساكر واجتمع عنده قوم لا يعلم عددهم إلا الله ، حتى خرج من المطرح فقامت القوم ترجع عنه إلى ان وصل خراشيف مطرح وجد قومه بقدر خمسة واربعين رجلا ، فوقف الإمام دون الخراشيف والعجم بسيح الحرمل هبطوا عن خيلهم وتركوها سائمة وزحفوا على الإمام ومن معه ، فطلع عليهم سالم بن سليمان بن أحمد بن رمضان السروري من الجبل الشرقي وأحذرهم منه ورجع إلى الإمام وقال إن العجم انكسروا وأحمل عليهم بمن عندك من الرجال ، ورجع سالم بن سليمان إلى الجبل وأحذرهم منه وصاح عليهم بالحملة وانكسر العجم ومن معهم ووقع فيه القتل وقتل أخ الإمام سلطان ابن مهنا وكان ذلك قبل صلاة الفجر. ولما بان الفجر رجع عنهم الإمام من عند حصاة السائس بعد ما قتل منهم خلقا كثيرا ورجع لمطرح منصورا وأخذوا منهم خيلا كثيرا.

ثم إنه بعد مدة من الأشهر رجع العجم للمطرح وعندهم مراكب ولم يكن عند الإمام أخشاب بها تقاوم أخشاب العجم ، ولم تكن له قدرة على حربهم بحرا فعزم الرجوع عن حصار الكيتان ودبر لأصحابه الذين هم محاصرون الكيتان وهبطوا من المقابض ولما وصلوا نهض من المطرح راجعا بعد أن ناظر المسلمين في الرجوع عنها والخروج منها لأنه لم يقدر على أمر من الأمور إلا بمشورة أهل العلم.

١٤٥

٥٣ ـ منازلة الجيش الفارسي حول صحار :

ولما رجع عن المطرح ومسكد عزم على إيفاد جيش إلى صحار يثبت الشيخ أحمد بن سعيد بن أحمد البوسعيدي فأخذ في جمع العساكر من وادي سمايل ونخل ووادي المعاول والرستاق والشرقية وأزكي ونزوى وبهلا والظاهرة من بدو وحضر ، وسار فيهم بنفسه وأخوه سيف بن مهنا وترك بوادي سمايل الشيخ محمد بن ناصر الحراصي وعنده سالم بن سليمان ومن معه لمقابلة العجم الذين بمسكد لأن عبيد سيف بن سلطان خلصوا الكيتان للعجم بأمر سيف بن سلطان ووقعت الغزوات بين العجم واهل وادي سمايل والإمام توجه إلى صحار بمن معه من جانب الظاهرة ، ولما أن وصلوا إلى طلائع صحار عزم الإمام على محاصرة العجم في بنيانهم وأرسل للشيخ احمد بن سعيد أن يخرج من الحصن ليلتقوا عليهم ليقاتلهم ، فلم يكن للقوم صبر ولا نظر للإمام وأخيه إلى آخر الليل ، ركض قوم الإمام على أردو العجم أعني بنيانهم (١) وصاحوا صيحة عظيمة فسمع الإمام الصيحة فسأل عن ذلك فقيل له إن قومك ركضوا على العجم فلم يمكنه الوقوف عنهم فركب خيله هو ومن معه وأخوه وجميع صناديد قومه ودخلوا الأردو وأوقعوا القتل في العجم إلى أن أصبح الصباح وأشرق بنوره ولاح ، ولم تبق من العجم إلا شر ذمة قليلة وذلوا وطلبوا الأمان من الإمام والشيخ أحمد بن سعيد والسيد محمد بن سليمان بن عدي اليعربي لأنه بصحار عند الشيخ أحمد بن سعيد بقومه الذين دبرهم الإمام لنصرة الشيخ أحمد بن سعيد.

وكان من قضاء الله وقدره ليقضي الله أمرا كان مفعولا أن فرقة من العجم بقدر خمسمائة فارس خرجوا من صحار إلى جانب صحم ولما سمعوا بالإمام وصل إلى صحار أو وصلهم رسول من أصحابهم (الشك مني) رجعوا إلى

__________________

(١) الأردو هو معسكر الجيش ومنه سميت لغة أهل الباكستان الأردو أي لغة معسكرات الجيوش.

١٤٦

صحار عند أصحابهم ودخلوا الأوردو عند إعياء الناس ، وأكثر قوم الإمام إشتغلوا بالنهب والسلب حيث ظنوا أنهم ظافرون.

ثم إن العجم طلعوا البروج الذين بالأوردو وقاموا يرمون الإمام وأصحابه بالبنادق كالرعد القاصف فقتل السيد سيف ابن مهنا أخ الإمام وصالح بن محمد الحضرمي الوالي الأكبر ، ومحمد بن صالح الإسماعيلي وأحمد بن سليمان المزروعي وكثير من قوم الإمام لا أحصيهم عددا ، وأصابت الإمام ضربة بندوق بالصدر والله أعلم.

وكان راكبا على حصان جيد يقال له ولد شاهين فرادفه السيد محمد بن سليمان اليعربي عليه وخرجوا من الأردوا طالبين حصن صحارهم والشيخ أحمد بن سعيد البوسعيدي ومن معه من سائر القوم ودخلوا حصن صحار لا فرحين ظافرين ، بل إن الإمام أثقل من الجروح وصار ينوح على أخيه ، إبن سيف بن مهنا وابن صالح بن محمد وابن محمد بن صالح وابن فلان وفلان ، إلى أن امتنع عن الطعام والشراب من شدة حزنه عليهم وتوفاه الله إلى رحمته والمسلمون عنه راضون وله مؤازرون ، ولم نعلم أن أحدا من المسلمين تكلم بعيب في إمامته ، وهو إمامنا وولينا وجزاه الله عنا وعن الإسلام خير وأفضل ما جزى إماما عن رعيته.

وكانت وفاته بحصن صحار نهار الخميس سبعة وعشرين من شهر ربيع الآخر من شهور سنة ست وخمسين سنة ومائة سنة وألف من الهجرة النبوية الإسلامية (١) وقبر في حصن صحار وقبره معروف مشهور عندهم بالفضل والله أعلم.

__________________

(١) ٢٧ من شهر ربيع الاخر عام ١١٥٦ يوافق ٢٠ حزيران عام ١٧٤٣ م.

١٤٧

٥٤ ـ إمامة السيد بلعرب بن حمير :

ثم إن الشيخ الوالي أحمد بن سعيد لما ايس من الناصر والمعين صالح العجم على تسليم المركب السلطاني الذي أخذه من خور فكان من سيف بن سلطان وتسليم ما فيه من المال ، لأن سيف بن سلطان حمل فيه مالا جزيلا وأسلحة وفرشا وغيرها ، وثم صالحهم على ذلك وبقي الوالي أحمد بن سعيد بصحار ومحمد بن سالم بن صالح الندابي في بركا والعجم بمسكد وكل وال في حصنه ومكانه على حاله الأول إلى أن اجتمعت الأشياخ من عمان وأوجب نظرهم على إقامة السيد بلعرب بن حمير بن سلطان بن سيف اليعربي ، واجتمع الأشياخ في قرية نزوى وعقدوا له الإمامة وذلك في يوم العشرين من شهر ربيع الاخر من شهور سنة سبع وخمسين سنة ومائة سنة وألف سنة من الهجرة (١) وذلك بعد ملكه الأول واستقام أمره بعمان وخلصت له الحصون من عمان بهلا ونزوى وأزكي وحصون الشرقية وحصون وادي سمايل ، وأما حصن صحار في يد الوالي أحمد بن سعيد وحصن بركا خلصه الشيخ الوالي محمد ابن سالم بن صالح الندابي السليمي كذلك بيد أحمد بن سعيد وابن عمه الوالي خميس بن سالم البوسعيدي ولبث ما شاء الله من الزمان.

وأما ما كان من سيف بن سلطان فإنه رجع إلى حصنه الحزم وبقى مريضا ما شاء الله وتوفاه الله من دار الدنيا إلى دار الاخرة. وأما أخوه بلعرب بن سلطان بقي عند العجم بشيراز ما شاء الله.

ثم إن العجم الذين بشيراز لما آيسوا من أصحابهم الذين بمسكد ولم تصلهم أخبارهم عنهم كتبوا إليهم كتابا بتخليص الكيتان بيد بلعرب بن سلطان وأرسلوه إلى عمان فتحصل في الأخشاب وتوجه إلى عمان فلما أن علم الإمام

__________________

(١) ١١٥٧ ه‍ ـ ١٧٤٤ م.

١٤٨

بلعرب بن حمير بذلك توجه إلى مسكد وجمع قوما كثيرا ودخل مسكد وأرسل للعجم الذين هم بالكيتان أن يؤدوا له طاعة وأن يسلموا له الكيتان فأبوا عن ذلك ونصبوا الحرب فحاصرهم الإمام بلعرب بن حمير أشد الحصار أياما ورجع عنهم بغير صلح وذلك من قضاء الله وقدره السابق في علمه أنه سيكون في خلقه.

ثم بعد أيام وصل بلعرب بن سلطان من عند العجم فالتقاه الوالي الشيخ أحمد بن سعيد في بركا لأن بندر أهل عمان صار في بركا والعجم بمسكد مثل المحصورين ، ولما وصل بلعرب بن سلطان في بركا تلقاه الوالي أحمد بن سعيد بالكرامة وحمله من الساحل على خيل مزينا بجميع الزينة وأدخل الحصن على حال جميل وبقي أياما على ذلك ، ولما أن أراد المسير إلى عند أهله بالحزم طلب الشيخ أحمد بن سعيد منه المكاتيب التي من عند العجم بتخليص الكيتان فأبى عن ذلك وأراد الشيخ الوالي أحمد بن سعيد حمله إلى صحار ، فلم يجد بدا من ذلك فأعطاه المكاتيب وخرج بنفسه على حال جميل مكرما محشما ، ثم إن الوالي أحمد بن سعيد أرسل إلى العجم الذين هم بالكيتان ليخرجوا منهن وأن يسلم لهم بعض المال وسارت الرسل ، بينهم محمد بن مشرف الشيحي ومن معه فتم أمرهم على ذلك وعزموا على النزول منهم ثم إن الوالي أرسل بن عمه خميس بن سالم بما اتفقوا عليه من المال وأخشابا تحملهم فلما وصلهم الشيخ خميس بن سالم نزلوا بما أرادوه من الكيتان في الأخشاب وتوجهوا إلى بلدانهم إلى عدال بركا تلقاهم الوالي أحمد بن سعيد وأنزلهم من الأخشاب لحال الضيافة والكرامة ، فنزلوا ودبر الوالي للأخشاب الذي فيهن ما حملوه من الكيتان وغيره فأنزله في بركا وقيد خانات العجم زين الشيخ والسلطون عميد ابن عمش والباقين منهم صاروا أشتاتا منهم من خرج إلى بلدانهم ومنهم من بقي بعمان إلى يومنا هذا ومنهم من قتل وذلك من فضل الله ووجود أحمد بن

١٤٩

سعيد بن أحمد البوسعيدي ولو لم يكن هو بصحار وقاتلهم لدخل العجم عمان مثل الأول وتملكها ، لأن مرادهم ملكها وخرابها وهلاك أهلها ، بل صدهن عنها رب العباد والشيخ أحمد بن سعيد جزاه الله عنا خيرا وذلك مشهور عند أهل عمان كافة.

رجعنا إلى خبر الإمام بلعرب بن حمير. ثم إن الإمام بلعرب بن حمير بدت منه أحوال أنكرها عليه المسلمون وحبس أشياخ عمان بنزوى مثل الشيخ حبيب ابن سالم وصالح بن ربيعه الرويحي ومحمد بن سالم بن صالح الندابي السليمي وغيرهم ثم إنه أرسل إلى الشيخ راشد بن عبد الله الغافري وأكرمه وأعطاه عطايا جزيلة وأراد منه قبض ابن عمه الشيخ الأجل مجاد بن سالم بن مجاد الغافري المشهور عند أهل عصره بالعفة والشجاعة وآمله على ذلك آمالا طويلة فعاهده على ذلك ثم إن راشد بن عبد الله توجه إلى قبض ابن عمه الشيخ مجاد بن سالم فوصل إلى بلده فوجدوه هنالك بلا سلاح ، فظن أنهم أضياف وصلوا إليه فتلقاهم بالكرامة ، فلما وصل إليهم أخذوه وقبضوه وأوثقوه كتافا وكروا راجعين إلى نزوى مجدين السير عن أن يلحقهم الطلب وضاعت شيمهم وذمامهم ولم ينظروا في قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : «والعار في رجل يقود رفيقه قود الذبيحة في يد الجزار» ، وهو كثير من مثل هذا إلى أن أوصلوه إلى الإمام بلعرب بن حمير فأخذه وقيده ورماه بسجن ضيق بقلعة نزوى وتوفاه الله بالسجن رحمه الله.

وكذلك قيد عامر بن سليمان الريامي إلى أن توفاه الله ثم إن أهل الظاهرة لم يزالوا يكاتبون الإمام لملك الظاهرة وتخليص حصونها وعاهدوه على ذلك فاطمأن قلب الإمام بقولهم ، وركن إلى الخروج للظاهرة بعد ما أخذ منهم العهود والمواثيق فخرج من نزوى بمن عنده من الرجال وتوجه للظاهرة ولما وصل الغبي واجهه أهلها وتشاوروا على قبضه فأخذوه وقبضوه وأوثقوه كتافا بعد أن

١٥٠

عاهدوه وأرادوا قتله ، فلم يرض أصحاب الشيخ أحمد بن سعيد لأن عندهم بالظاهرة كثيرا من بني غافر فأخذوه وقيدوه وتركوه عندهم بالسجن وتفرق أصحابه عنه ولما أن قيدوه أرسل أهل نزوى للشيخ أحمد بن سعيد أن أقبلوا إلينا بمن عندك من القوم لنخلص لك نزوى ، فأرسل إليهم ابن عمه خلفان بن محمد بن خلفان البوسعيدي وعنده قوم كثير ، ولما وصلوا نزوى أرسلوا القائم بالقلعة وهو من آل يعرب غاب عني أسمه أن يسلم القلعة فلم يرض بذلك ونصب الحرب فحاصروه أياما وطلب الأمان فأمنوه وخرج منها بما عنده من الآلة والسلاح ودخلها الوالي خلفان بن محمد واستقام أمره بها واستراحت الرعية في ولايته.

ثم من بعد مدة أشار عليه أحد من الناس بحرب أزكي وكان فيها والي واحد من بني غافر ، الله أعلم مسعود بن علي ولد بليس أو غيره (الشك مني) فأخذ في جمع القوم وتوجه إليها ودخلها ونصب الحرب للحصن وطال الحصار وضربوا الحصن بالمدفع وهدموه إلا الأقل منه وطال عليهم الحصار وقل عليهم الطعام وأرسلوا إلى بني غافر يريدون وثبة منهم ، فلم يصل إليهم أحد من الظاهرة فطلبوا الأمان فأمنهم الوالي خلفان بن محمد وخرجوا من الحصن بما عندهم وأوصلوهم إلى بلدانهم ودانت له الرعية.

ثم إن بني غافر أخرجوا الإمام بلعرب بن حمير من السجن وتوجهوا به إلى جانب الباطنة وفيهم الشيخ ناصر بن محمد بن ناصر الغافري ومانع بن خميس النعيمي وراشد بن حميد وأولاد الهندي ومبارك بن مسعود الغافري وخميس ابن سالم ولد حارث وكثير من مشايخ بني غافر والبدو والحضر ، ووصلوا إلى وادي سمايل وأخذوا الإمام بلعرب بن حمير صحبتهم وأخذوا من وادي سمايل من أرادوه الشيخ سالم بن سليمان ومن عنده وتوجهوا إلى نزوى فعلم بذلك الشيخ الوالي خلفان بن محمد والوالي عبد الله بن محمد بن عبد الله

١٥١

وحشدوا قوما من الشرقية من بدو وحضر ، وتواقعوا هم وقوم الإمام بلعرب ابن حمير بقرية فرق وصح القتل في الفريقين ورجع كل فريق إلى بلده والإمام بلعرب بن حمير سار للظاهرة وبقي بها وانتقل إليها بأهله وخلفان بن محمد رجع إلى نزوى.

***

١٥٢

الفصل الثامن

في ظهور الإمام أحمد بن سعيد الالبوسعيدي

(١) ٥٥ ـ مبايعة السيد أحمد بن سعيد بالإمامة :

وبعد أيام دار نظر أهل العلم حبيب بن سالم ومن معه من الأشياخ على إمامة السيد أحمد بن سعيد بن أحمد البوسعيد وحضر الأشياخ كلهم بالرستاق وعقدوا له الإمامة ليلة الاثنين وثلاث وعشرين يوما من شهر جمادى الآخرة من شهور السنة اثنتين وستين سنة ومائة سنة وألف سنة من الهجرة (٢) واستقام له الأمر وخلصت له حصون عمان سوى حصن الحزم عند أولاد سيف بن سلطان وحصن نخل عند السيد محمد بن سليمان بن عدي اليعربي ، وأكثر آل يعرب بها وملك عمان وسار فيها سيرة حسنة.

ثم إن أهل الحزم بدت منهم أحوال غير جائزة وأضروا أهل الرستاق من النهب والسلب والسرقة ، فأرسل إليهم الإمام أحمد بن سعيد أن يكفوا عن أصحابهم فأبوا عن ذلك وازدادوا عتوا وطغيانا فسار إليهم بقومه ودمر فلجهم وجذ نخلهم ورجع عنهم ، ثم إنهم لم يرجعوا عن غيهم فزحف عليهم بقومه وحاصرهم أشد الحصار وطال الحصار عليهم ثم تحرك أهل الظاهرة ووصلوا إليهم تائبين بقوم كثير. ولما وصل الحزم خرج قوم الإمام منها وأصلح الله شأنهم.

ثم أختلفت الكلمة بين سيدنا محمد بن سليمان وسيدنا الإمام أحمد بن سعيد أعزه الله ونصره فعزم على حربهم وحشدوا قوما من بدو وحضر ومن

__________________

(*) وهو القسم الأخير من كتاب تاريخ عمان للمؤلف المجهول.

(١) يوافق ٢٣ من شهر جمادى الآخر سنة ١١٦٢ ه‍ اليوم العاشر من شهر حزيران (يوليو) عام ١٧٤٩ م.

١٥٣

الشرقية ، وتوجه إلى نخل ودخلها ونصب الحرب للحصن وضربوه بالمدافع حتى انهدم أكثره ثم إن السيد محمد بن سليمان سار للظاهرة وجمع قوما من الظاهرة من بدو وحضر ورجع إلى نخل لنصرة أصحابه ولما وصلوا نخل خرج الإمام منها وأصلح الله حالهم بعد ذلك.

ثم إن سيدنا الإمام أحمد بن سعيد توجه إلى ينقل ومكث بها مدة من الأشهر ، وخرج مبارك بن مسعود الغافري لوادي سمايل والسيد بلعرب بن حمير وعلي بن ناصر اليعقوبي إلى نزوى وعندهم قوم كثير وحاصروا نزوى ، فعلم إذ ذاك الإمام أحمد بن سعيد وجمع قوما وتوجه إلى وادي سمايل وكان مبارك بن مسعود ومن معه من اليعاربة بالسعادي فزحف عليهم بقومه وانكسروا وقتل زعيم القوم مبارك بن مسعود ومن عنده قوم كثير ، ودخل الوادي وواجهوه مشائخهم ببومة وعفى عنهم ولم يؤاخذهم بما فعلوا ، وكانت هذه الواقعة يوم الأثنين التاسع من شهر صفر من شهور سنة ١١٧٦ ه‍ (١).

ثم توجه إلى نزوى وواجهه السيد بلعرب بن حمير وعلي بن ناصر بقرية فرق ، وقتل السيد بلعرب بن حمير وعلي بن ناصر وانكسر قومهما بعد ما قتل من الفريقين خلق كثير ، وكانت هذه الواقعة يوم السبت ١٤ من شهر صفر من هذه السنة (٢). ودخل نزوى على حال السلامة وتلقوه أهلها بالكرامة بعد أن رأوه أهلا للإمامة ، ورجع منصورا متوجا محبورا ظافرا وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون.

ثم من بعد ذلك بمدة سنتين أو ثلاث دبر ولده سيدنا هلال بن الإمام إلى

__________________

(١) يوافق ٩ صفر عام ١١٧٦ ه‍ اليوم الثلاثين من اب (أغسطس) عام ١٧٦٢ م.

(٢) وبهذا انتهى حكم اليعاربة الذي دام قرابة مائة وأربعين عاما من عام ١٠٣٤ ه‍ / ١٦٢٤ م إلى ١١٧٦ ه‍ / ١٧٦٢ م.

١٥٤

السر وهي الغبي ليخلصوا له معاقلها ، وسار إليهم ومكث عندهم مدة من الأشهر وخلصت له الغبي وأقام فيها واليا بن عمه مسلم بن عمير بن محمد ، ووصل عنده كبار بني غافر ومشايخهم الشيخ ناصر بن الإمام محمد بن ناصر ومسعود ابن علي ومن معهم لا أحصيهم بأسمائهم وواجهوه بمسكد وساروا بصحبته إلى الرستاق على حال جميل مكرمين محشمين إلى أن وصلوا إلى الرستاق فأشار من أشار على سيدنا الإمام بقبضهم فقبضهم وقيدهم ، ولا يخلوا الشيخ ناصر ابن محمد من ذلك ، وأرسلهم إلى مسكد. فلما وصلوا إلى مسكد وكان الوالي بها يومئذ خميس بن سالم بن محمد البوسعيدي أمر بحملهم إلى الكيتان فحملوهم وقيدوهم وأصبحوا ميتين ولم نعلم بما وقع عليهم والله أعلم بهم وذلك تقدير من العزيز الحكيم ، ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، والله في عباده سر خفي لأن الفتنة كالنار اليسيرة تحرق الأشياء الكثيرة. والفتنة أشد من القتل ، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، وأسباب موتهم من الله ليقضي به ما أراد في خلقه.

ولما علم بنو غافر بموتهم حاصروا الوالي السيد مسلم بن عمير بن محمد البوسعيدي وأحاطوا به فعلم مولانا الإمام أحمد بن سعيد بحصارهم فأرسل إليهم أن يكفوا عن ذلك فلم يقبلوا صرفا ولا عدلا ، فأخذ في جمع الأقوام من يمن ونزار ومن كافة عمان الشرقية ، وصحبه كافة الولاة وكافة السادات عبد الله ابن محمد والي سمد الشان ، وأخوه سيدنا المعظم خلفان بن محمد ووالي بهلا مهنا بن محمد بن خلفان ومن قدر الله ، من كافة عمان لم أحصيهم عددا لكثرة عددهم وخوف الإطالة وكانوا مقدار ثلاثين ألفا ، وتوجهوا إلى الغبي وهي السر فلما وصلوا السليف أراد مولانا الإمام المقيل بالسليف وأبى محمد بن عيسى ابن علي النيري ومحمد بن سليمان العني ومن معهم من الأقوام إلا الدخول والنزول في الغبي ، فالتقوهم الأقوام بمكان يسمى سيح الطيب وتصادمت الأقوام

١٥٥

وانكسر قوم مولانا الإمام أعزه الله بحيث أنهم خالفوا أمره ، ووقع فيهم القتل ويقال إن من قتل من قوم سيدنا الإمام بلغ ستة آلاف فيما رواه الراوي وأكثرهم مات عطشا من شدة الحر ، وكانت جملة خيل وركاب فيما قيل. ولم يطلبوهم بنو غافر حيث إنهم اشتغلوا بالنهب والسلب وذلك في شهر ربيع الثاني أو الجمادى سنة ١١٨٥ (١).

ووصل سيدنا الإمام وعبد الله بن محمد والوكيل وصلوا سالمين والحمد لله رب العالمين ولم يقتل منهم

سوى مهنا بن خلفان بن محمد وعبد الله بن سالم بن مبارك من آل البوسعيد.

وأما ما كان من الوالي مسلم بن عمير لما أن رجع الإمام عنه وآيس من الناصر والمعين أرسل إليهم يطلب منهم الأمان وأمنوه وخرج بجميع ماله وعياله وبما عنده على حال جميل ، ولم يتعرض له أحد بسوء ووصلوا على أمان إلى حيث أراد من الأمكنة.

٥٦ ـ حملات فارسية جديدة ونصرة البصرة :

وفي زمان سيدنا الإمام أحمد بن سعيد أراد أن يتعرض كريم خان رئيس العجم وخانهم وأراد أن يسير قومه على عمان المحروسة وأرسل بقدر ستة آلاف وعبروا إلى الجزيرة ووصلوا إلى بلد سعيد بن قضيب الهولي وهي جزيرة لنجة ، فعلم مولانا الإمام وأرسل أولاده وبني عمه سيد خلفان بن محد الوكيل ، وخلفان بن محمد الوالي الأكبر ، ومن معهم من سادات البوسعيد والتقوا بتلك الجزيرة وحصروهم بها ، وطلبوا الأمان بعد عجزهم عن مصادمتهم فاحتلوها وعبروهم بالأخشاب إلى برهم في أمان ولم يغنموا منهم مالا ولا خيلا ولا سلاحا.

__________________

(١) أي شهر تموز أو اب عام ١٧٧١ م.

١٥٦

ثم من بعد ذلك أرسل (١) أخاه صادق إلى البصرة وحاصرها حتى ملوا الحصار فأرسل أهل البصرة إلى سيدنا الإمام يريدون منه النصرة فآمنهم بالأقوام والمراكب بقدر ثمانين مركبا محملا أدوات ووناجى (٢) وأرسل فيهم أولاده سادتنا قيس وسيف ابني الإمام احمد ومعهم الشيخ الأكبر ماجد بن سعيد بن قاسم المعري الحارثي البرواني.

فلما وصلوا جهة البصرة وجدوا العجمي قد صنع سلسلة من حديد أعظم ما يكون وركبها من البر في البحر إلى البر قاطعة على أهل عمان. فلم يجدوا سبيلا لدخول البصرة فأقاموا هنالك إلى أن أعانهم الله برحمته وجنده إذ ما كانت ليلة من الليالي إلا والسلسلة انقطعت من البرين جميعا ووصلت إليهم بأخشابها الحاملة لها ، فظنوها قوما عبروا إليهم بالبحر فضربوها بالمدافع فلم ترجع عنهم فبان لهم أن السلسلة قطعها الله وأوصلها إليهم ، فبان لهم النصر والفتح ودخلوا البصرة والمدافع تضربهم من البرين وضربهم مدفع بركان يسمى جردلان وفيه مدفع كبير كل رصاصة سبعة أمنان مسكد أو ستة ، ودخلوها على حال جميل.

وطال قيامهم بالبصرة ولم يصل إليهم أحد من المدد من جانب سلطان البرين وخاقان البحرين عبد الحميد خان ولا من عند باشا بغداد وقل الزاد عليهم والمعاش وطالت عليهم المدة فرجعوا عنهم على حال جميل وكان القائم بالبصرة سليمان باشا (٣) وثامر بن سعدون شيخ المنتفج ورئيسهم وكبيرهم ، وكان يقول للشيخ ماجد بن سعيد ماجد ياخوي ماجد نحن سقماء وانتم

__________________

(١) المقصود هنا هو كريم خان رئيس العجم.

(٢) لعل «وناجى» جمع ونج وهي لفظة إنكليزية تعني الآلة الرافعة.

(٣) هو سليمان آغا متسلم البصرة ، والذي صار فيما بعد واليا على بغداد باسم سليمان باشا الكبير ، وكان الحصار عام ١٧٧٦ م.

١٥٧

حكماء داوونا والمعافي هو الله ، وكثير من أخبارهم لم أذكرها لشهرتها وخوف الإطالة.

٥٧ ـ تمرد أولاد الإمام على أبيهم :

رجعنا إلى أخبار أولاد سيدنا الإمام وهم سعيد وسيف وسلطان. فقد اختلفت الكلمة بينهم ونزغ الشيطان ـ لعنه الله ـ بينهم ، فوصلوا إلى مسكد وقبضوا الكوتين وأخرجوا منها العسكر القائمين فيها من جانب مولانا الإمام أحمد بن سعيد ، وكان القائم لمسكد واليا سيدنا الثقة خلفان بن محمد الوكيل ، وكان زائرا اخاه الوالي عبد الله بن محمد بسمد الشان فبلغه الخبر فرجع إلى مسكد ووصل سيدنا الإمام إلى مسكد ، وصح الاتفاق بينه وبين ولديه أن يكون الكوتان بيدهما عاقبة لزمامهما عن الحوادث ، وكان ذلك منهما بأسباب أخيهما سعيد ابن الإمام حيث إن سيدنا الإمام ولاه نزوى وأزكي وسمايل وأكثر حصون عمان ، ثم ساروا سادتنا الوكيل وسيف بن الإمام لمواجهة سيدنا الإمام في بدبد ، ولما واجهوه قبض ولده سيفا وقيده وحمله للرستاق ، وسار الصلح بينه وبين أولاده ليتخلص له الكوت الميراني وهو كوت الغربي ويفسح لولده سيف فخلصوه وفسح لولده سيف وبقيا مدة من الأشهر ولهما حصن بركا فوصل إليهما أخوهما سعيد بن الإمام على أمان فقبضاه وقيداه وحملاه إلى الكوت الجلالي وهو الكوت الشرقي ، وبقي مدة مقيدا ، وأقام مولانا الإمام أحمد بن سعيد الحرب للكوت الجلالي وأحاط به من كل مكان بالمدافع والبنادق ، وركب له بوم برا وبحرا ، وكان في كوت الجلالي الشيخ المعظم جبر بن محمد بن محمد الجبري خال أولاد الإمام وأقام الحرب مدة إلى أن في بعض الليالي عامل سيدنا سعيد خادم من خدام الإمام يقال له سالمين منح مملوك الإمام وكان عندهما بالكوت وأخرجه ليلا من جانب البحر بحبل وأوصله إلى جزيرة مسكد وفيها سيدنا الإمام فاستبشر بقدومه وخلاصه غاية

١٥٨

البشرى وحباه الله عزا ونصرا ، وكان القيد أعظم ما يكون والحلق التي برجليه كل واحدة بقدر نصف من مسكد أو أقل.

واستقام الحرب ليلا ونهارا إلى أن خرج من الكوت أكثر القائمين وبقي الشيخ جبر فيه وسادتنا لا قدروا على الوصول إليه لا من البحر ولا من البر.

ثم وصل المشايخ سلطان بن محمد بن سلطان البطاشي والشيخ علي بن المصطفى المدني ساكن ريام ومن معهما من المشايخ والشيخ ماجد بن سعيد والله أعلم ومن معه وناصحوا الشيخ جبر أنك أخرج على أمان بجميع ما عندك وكان هو مريضا من ألم برجليه لا يقدر عليهما فقال لا أقدر أخرج إلا بنظر من أولاد الإمام. فكتبوا لهما طروسا وتوجه إليهما الشيخ علي بن المصطفى وناصحهما وقبلا النصيحة وأمروه بالخروج من الكوت وخرج على حال جميل وأوصلوه إلى بركا في الأخشاب بجميع ما عنده من رجال ومال ، وبقي في بركا أولاد الإمام هما ومن معهما إلى أن قدر الله خروجهما من عمان إلى جانب مكران ، وقصدوا إلى عند نصير خان وأعطاهما بلدانا ومكثا هنالك على حال جميل.

٥٨ ـ وفاة الإمام :

وبعد بعض المدة مرض سيدنا الإمام وتوفاه الله من دار الدنيا إلى دار الآخرة وذلك يوم الأثنين ١٩ من الشهر المحرم سنة ١١٩٨ (١) وسادتنا لم يصلوا من جانب مكران فعقدوا الإمامة لأخيهما سيدنا سعيد بن الإمام وذلك ليلة ٢٣ والجمعة من الشهر نفسه.

__________________

(١) يوافق ١٩ محرم عام ١١٩٨ ه‍ اليوم ١٤ من شهر كانون الأول (ديسمبر) ١٧٨٣ م.

١٥٩

٥٩ ـ إمامة سعيد بن الإمام أحمد :

ثم وصل سادتنا أعزهم الله سيف وسلطان ابنا الإمام أحمد بن سعيد إلى عمان من جانب مكران ، فوجدا والدهما متوفيا ، والإمام أخاهما سعيدا ، فأقاما برهة من الزمان ولم يكن بينهم اتفاق وصفاء هم وسيدنا سعيد ، والشيخ جاعد ابن خميس بن مبارك الخروصي عاهدهما على دخول نزوى ووصل الشيخ جاعد وقبض العقر هو ومن معه وسيدنا الإمام بنزوى وخرج منها هاربا على فرس أو حصان أو مطية ، وسيدنا سيف ابن الإمام لم يتفق له وصول إلى نزوى من معان شتى لم أشرحها لشهرتها وخوف الإطالة.

وسيدنا سعيد وصل إلى سمد الشان وجمع قوما من الشرقية وسار بهم إلى نزوى فخرج الشيخ العالم جاعد بن خميس منها والقوم حاصروا سمد الكندي وخرج الشيخ عبد الله بن محمد الكندي وارتقى الجبل وهدموا له بيته من سمد الكندي وفسحوا للقوم واستقام أمره على ذلك.

ثم إن سيدنا سيف بن الإمام ركب إلى السواحل ودخلها وخرج سيدنا سيف إلى جزيرة لامو وتوفاه الله بها ورجع سيدنا حمد بن الإمام سعيد إلى مسكد وقبض مسكد ومات سيدنا الإمام والده (١) ، وبقي مدة قليلة وتوفاه الله عن علة الجدري. واحترق مركب سيدنا الإمام المسمى الرحماني بمكلا مكة.

٦٠ ـ تغلب السيد سلطان بن الإمام على الأمر في عمان :

ثم إن سيدنا الإمام ولى بن أخيه علي بن هلال مسكد فبان خلاف لسادتنا قيس وسلطان بما كان من علي بن هلال وتوجه سيدنا المعظم سلطان بن الإمام إلى عند أخيه قيس مناظرا فلم يجد عنده حركة لوصول مسكد ، فقال له سيدنا

__________________

(١) هنا خطأ كبير ، فالإمام سعيد قد عمر طويلا ، ولم يمت إلا في منتصف حكم السيد سعيد ابن سلطان في الثلاثينات من القرن التاسع عشر ، وما سيأتي من كلام المؤلف يقطع بحياة الإمام سعيد بعد هذا التاريخ.

١٦٠