تاريخ عمان

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني

تاريخ عمان

المؤلف:

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني


المحقق: عبد المجيد الحسيب القيسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٦٢

ولم تزل الحرب قائمة بينهم وبين أهل نزوى حتى وصل محمد بن ناصر الغافري بجيشه من الغربية بعد حروب كانت بها ووقعات عظيمة ، منها وقعة بوادي الصقل ، ومنها بالجو ومنها بضنك ومنها بالغبي لم أشرحها لشهرتها وخوف الإطالة.

فلما وصل محمد بن ناصر أمر بالركضة على من بالمخاض من العدو فركضوا عليهم وأحاطوا بهم ووقع الحرب والرحى بالتفق من الصبح إلى الليل فلما جن الليل أمر محمد بن ناصر أن يفسحوا لهم من الجانب الأسفل من الوادي ما يلي فرق ففسحوا لهم فأصبح منزلهم من الليل خلاء ليس فيه أحد وتفرقوا ، ورجع محمد بن ناصر إلى نزوى وكان الإمام يعرب مريضا فأقام محمد بن ناصر بنزوى أياما قلائل وكان الحصار لنزوى قدر شهرين إلا ستة أيام.

ثم ان محمد بن ناصر أمر بالمسير إلى الرستاق فسار إليها بجيش فدخلها ونزل بفلج الشراة وأراد أصحابه أن يركضوا على البومة التي فيها علي بن محمد صاحب العنبور فنهاهم عن الركضة إلى أن ركض صاحب العنبور وأصحابه فأمر محمد بن ناصر قومه فركضوا فوقع بينهم حرب عظيمة فقتل صاحب العنبور وقتل من قتل من قومه وانكسر الباقون ورجع محمد بن ناصر إلى فلج الشراة ودخل في اليوم الثاني إلى فلج المدرى فالتقاه بلعرب بن ناصر طائحا فصالحة على تسليم قلعة الرستاق وجميع الحصون التي في يده ومضوا جميعا إلى قلعة الرستاق ، فأراد بلعرب أن يخدع محمد بن ناصر وكان محمد فطنا حذرا فأبى أن يدخل إلا أن يدخل جميع القوم فلما دخل كافة قومه دخل هو ووقع من القوم في البلد السلب والنهب والسبي في الذراري حتى إنها بيعت وحملت إلى غير عمان وذلك بما كسبت أيديهم جزاء بما كانوا يعملون ، وبما

١٢١

فعلوا في قاضي المسلمين عدي ابن ناصر والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما فأنفسهم والله سميع عليم.

ومات يعرب بن بلعرب في نزوى وكان محمد بن ناصر بالرستاق لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الأخر سنة خمس وثلاثين ومائة وألف سنة (١) وكتم أهل نزوى موته خيفة أن يقوى عليهم العدو نحوا من خمسين يوما ثم إن محمد بن ناصر أمر بتقييد بلعرب بعد ما أمر بلعرب بتخليص الحصون التي بيده ولم يبق إلا مسكد وبركا في يد بني هناة وفي كوت مسكد جاعد بن مرشد بن عدي اليعربي فاحتالوا حتى أخذوه منه وأوصلوه بلد نخل.

وأقام محمد بن ناصر بالرستاق وأشهر أن الإمام هو سيف بن سلطان وهو مع ذلك غير بالغ الحلم وتفرق أصحاب الرستاق في الجبال والأودية فسمعت أنه وجد بكهف من جانب حلاة المهاليل مائة نفس من صبيان ونساء ميتين من العطش خافوا أن يرجعوا إلى الرستاق فيحملونهم ويبيعونهم ، وجاءت كتيبة لمحمد بن ناصر بعد أخذ الرستاق بثلاثة أيام قدر ألف ونصف من بني قليب وبني كعيب أصحاب تفاق ورماح ووصل رحمة بن مطر بن رحمة الهولي بقدر خمسة آلاف من بدو وحضر وفيهم من لا يعرف العربية ولا يعرف صديقه من عدوه.

٤٤ ـ الحرب الأهلية أو الهناوية والغافرية :

وكان خلف بن مبارك المعروف بالقصير من أهل الغشب لم يكن بالرستاق وقت الحرب فقهر حصن بركا ومسكد في يده ومعه بنو هناءة فأرسل محمد ابن ناصر علي بن محمد الخروصي ويكنى أبا جامع واليا لحصن بركا فقتل ورجع أصحابه إلى الرستاق مع محمد بن ناصر ، فأمر محمد الجيش بالمسير

__________________

(١) ١١٣٥ ه‍ ـ ١٧٢٢ م.

١٢٢

إلى بركا فسار رحمة بن مطر الهولي بقومه وحمزة بن حماد بن ناصر ومحمد ابن عدي بن سليمان الذهلي بالقوم الذين جاء بهم من جانب الصير ومحمد ابن ناصر الحراصي بقومه ، فسار هؤلاء كل وال على قومه حتى نزلوا المصنعة ثم ورد كتاب من قرع الدرمكي من بني هناءة إلى رحمة بن مطر يقول : «إنك لا تصل إلينا فنحن واصلون إليك» على سبيل التهدد ، فلما قرأه رحمة وعرف معناه أمر بالمسير إلى بركا ، وقدم عيونا من أصحابه إلى بركا فوجدوا قراعا وأصحابه مقبلين قاصدين إلى رحمة بن مطر فرجعت العيون وأعلموه أنهم وجدوا قراع وأصحابه مقبلين إليه فالتقاهم رحمة بمكان يسمى القاسم فوثب عليهم قضيب الهولي على فرس والقوم على أثره فقتل منهم عشرة رجال وانكسرت أصحاب قراع وجرح قضيب جرحا هنيا وسار رحمة مشرقا بالقوم حتى نزل بالحفرى ، التي هي للجبور حتى يستريحوا ويأكلوا.

ثم إنه بعث عيونا فوجدوا خلف بن مبارك القصير قد طلع بقومه برا وبحرا بجيش لا يعلم عدده إلا الله وكان عدد القوم الذين هم أصحاب محمد بن ناصر خمسة عشر ألفا من بدو وحضر من سائر القبايل ، فالتقوا غربي بركا فوقعت بينهم صكة عظيمة وكانت عند أصحاب رحمة مدافع فضربوا الخشب التي بالبحر فأغرزت الخشب بحرا وانكسر خلف بن مبارك وأصحابه وركب ناقته واتبعهم أصحاب محمد بن ناصر يقتلون ويأسرون فلم يجدوا ملجأ من القتل فكانوا يدخلون البحر ليتخلصوا في المراكب فأغرزت بحرا ولم ينالوها والقوم تضربهم بالتفق فهلكوا جميعا وأخذوا سلبهم من سلاح وغيره وجميع ما معهم فلفظهم البحر ، فوجد جميع القتلى ألف واثني عشر رجلا. ولم يزالوا يتبعونهم حتى دخلوا حصن بركا ثم نزل أصحاب محمد بن ناصر الغافري بجانب الجبل من بركا فحاصروا الحصن فأقاموا أربعة أيام ، ثم إن أهل الحصن تخلصوا في المراكب إلى مسكد ، ولم يبق به إلا قليل وليس في البلد أحد.

١٢٣

ثم إن أحمد بن محمد بن ناصر وجيشه رجعوا إلى الرستاق ولم يطمعوا بالحصن ورحمة رجع إلى بلده فأقام محمد بن ناصر بالرستاق وأصابه جدري شديد حتى خيف عليه منه لشدته ثم عوفي. ثم إنه أمر بالمسير إلى ينقل وجعل محمد بن ناصر الحراصي واليا بالرستاق وعنده أصحاب بهلا وسنان بن محمد بن سنان المحذور الغافري قائما بقلعة الرستاق ، وسار محمد بن ناصر وسيف بن سلطان وهو صغير وحمل معه كافة اليعاربة وبلعرب بن ناصر مقيدا حتى نزل مقنيات وكانت إقامته بالرستاق قدر شهرين ، فلما نزل بمقنيات أرسل إلى قبائل الظاهرة وعمان يستمدهم وبني ياس فجاء إليه القوم وأناخوا عنده عساكر كثيرة قدر اثني عشر ألفا ، وكان نزوله بفلج المناذرة من طرف ينقل ، فأرسل إلى أهل البلد أن يسلموا له الحصن فأبوا ولم يردوا له جوابا فارتفع وقت الصبح يريد الانتقال منها إلى الجانب الأعلى على شريعة فلج المحيدث من البطحاء فالتقاه بنو علي بمن معهم من أهل ينقل فوقعت بينهم صكة عظيمة وقتل من بني علي قوم كثير ، فالمعروف منهم ابن شيخهم سليمان بن سالم ومن أصحاب محمد بن ناصر ، سالم بن زيادة الغافري وسيف بن ناصر الشكيلي كان واحدا من الجرحى ، ثم إنه نزل بشريعة المحيدث من الجانب الأعلى وأقام يحاصرهم ويضربهم بالتفق والمدفع ثم وقعت بينهم صكة فقتل خلق كثير وقتل من أصحاب محمد بن ناصر الوالي محمد بن خلف القيوضي وواحد من بني عمه ، ثم إنهم كسروا الماء فلم يبق معهم ماء فعند ذلك صالحوا على تسليم الحصن.

ووصل الخبر إلى محمد بن ناصر أن سعيد بن جويد دخل السليف مع الصواوفة من بني هناءة بقومه فأمر القوم بالمسير إلى السليف فلما وصلها أرسل إلى سعيد بن جويد وأهل السليف أن يؤدوا له الطاعة فأبوا ووصل إليه الصواوفة من أهل تنعم مؤدين الطاعة ، ثم إنه أمر بالركضة على حصن المراشيد من السليف فركضوا عليه وهدموه على من فيه من رجال ونساء وأولاد ثم إن

١٢٤

سعيد بن جويد طلب التسيار إلى بلده هو وأصحابه ، فسيره محمد بن ناصر وزوده ، وبقي بالسليف حصن الصواوفة وحصن المناذرة ، فأما حصن المناذرة فلما رأى أصحابه ما أصاب المراشيد صالحوا وأدوا الطاعة لمحمد بن ناصر فسلموا ولم يصبهم بأس وأقرهم مكانهم ، وأما الصواوفة فلم يؤدوا الطاعة فأقام فحاصرهم بقطع نخيلهم والقتل فيهم كل يوم ، وفسح للبدو من أصحابه إلا بني ياسر وقبائل الحضر ، وكان الحصار فوق شهرين ثم إنهم صالحوا على هدم حصنهم بأيديهم فهدموه.

وكان خلف بن مبارك القصير لما رأى محمد بن ناصر مشتغلا بحرب السليف جمع قوما وحاصر الرستاق ، فلما قتل سنان بن محمد المحذور الغافري القائم بالقلعة خرج محمد ابن ناصر الحراصي وأصحابه من حصن الرستاق بعد شدة القتال ؛ وهدموا أبراجا من الحصن. فعند ذلك خرج محمد ابن ناصر الحراصي ودخله خلف واستقر أهل الرستاق في أموالهم وبيوتهم وكان سباع العمودي قد أخذ حصن صحار ولم ير محمد بن ناصر بدا من الرجوع عن السليف فمضى إلى الرستاق خوفا منهم أن يتفقوا عليه.

ثم إن خلفا القصير صار على حصن الحزم وكان الوالي فيه عمر بن مسعود ابن صالح الغافري فحاصره ورد الفلج عنه وأرسل إليه خلف أن يخرج من الحصن هو وأصحابه بأمان فأبى وكتب إلى محمد بن ناصر يخبره الخبر وأنهم لم يبق معهم ماء إلا بركة قليلة فسار محمد بن ناصر إلى الحزم بعد ما صالح أهل السليف وهدم حصنهم بجيش عظيم لم يعلم عدده إلا الله تعالى فلما وصل الحزم ركض على أصحاب خلف فقتل من قتل منهم وانكسر أصحاب خلف وتركوا آلة حربهم من باروت ورصاص وطعام ورجع محمد بن ناصر من الحزم إلى الظاهرة وأعرض عن الرستاق وقصد بلادسيت وحشد من البدو والحضر واجتمع معه عساكر كثيرة وسار من الظاهرة إلى بلادسيت فأرسل إليهم ليؤدوا

١٢٥

له الطاعة. فأبوا ، فحاصروهم وأمر القوم بالهجوم عليهم فهجموا عليهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا ، ثم ركضوا على العارض وهي لبني عدي فأخذوها وأخذوا غمر وخلصت له البلدان بين هناة من العلو. ولم يبق أحد منهم فالذي قتل قتل ، والذي طلب التسيار سيره بأمان ، وقتل من أصحاب محمد بن ناصر عند الركضة على باب بلادسيت قدر عشر رجال وجرح ناسها.

ثم رجع محمد بن ناصر إلى نزوى بمن معه وأقام بها قدر ستة أشهر من الشتاء إلى أن استوى القيظ. وأرسل إلى أهل البلاد من قرية منح أن يؤدوا له الطاعة ، فأبوا فجهز لهم جيشا فحاصرهم وقطع نخيلهم من فلج الفيقين قبل أن يبنى لها حصنا. ثم أدوا الطاعة بعد أن ذهبت أموالهم.

وأخذ في جمع القوم حتى اجتمع معه خلق كثير من البدو والحضر وأمر على أهل الظاهرة أن يسيروا التمر إلى الحزم وصحبهم أهل وادي بني غافر ومن دونهم وسار هو وجميع من معه يريد بلدان العوامر من الشرقية فالتقوا هو والعوامر وآل وهيبة من بدو وبني هناة فوقع بينهم حرب عظيمة حتى كاد أن تكون الهزيمة على أصحاب محمد بن ناصر ثم إنهم ثابوا وثبتوا فوقعت الهزيمة على بني هناءة وقتل منهم خلق كثير واتبعوهم حتى دخلوا حجرة العاقل فرجع محمد بن ناصر ومن معه غالبا مظفرا وكان في صحبته السيد سيف بن سلطان إلى يبرين.

ثم إن محمد بن ناصر وصل إلى الظاهرة ليجمع قوما فاجتمع عنده خلق كثير فوصل بهم إلى نزوى وجمع أهل نزوى وأزكي وبهلا وبني ريام وسار بهم إلى سيفم ، وأرسل إلى سعيد بن جويد الهناوي ومن معه من أصحاب العقير والغافات أن يؤدوا الطاعة فأبوا فحاصرهم.

١٢٦

ثم خرج سعيد بن جويد ومر على الظاهرة ومضى إلى صحار يجمع قوما من صحار وينقل ، لأن ينقل نكثت الصلح فاجتمع معه خلق كثير ، ورجع وجاء إلى عملا «وضم» فلم يزل يضرب في عمان يمينا وشمالا فتراه يوما في الشرقية ويوما في الغربية يغشى أموال خصومه من أعوان محمد بن ناصر ، فكل يوم يقال إن سعيدا غشى بلدة كذا ، والبعض يصالحه والبعض يخشى عليه ومكث على ذلك مدة طويلة حتى توعثت منه الناس.

فلما وصل فلج العيشي وأراد أن يركض على محمد بن ناصر الغافري وأصحابه وكان مدة غيبة سعيد بن جويد سبعة أيام ومحمد بن ناصر قد فرق العيون في الأماكن خيفة أن يهجم عليه على غفلة فخبرته العيون أن سعيد بن جويد أقبل في جمع كثير فأمر أن يلتقوهم دون البلاد فالتقوا في صدر الغافرات فوقع بينهم حرب عظيمة وقتل سعيد بن جويد الهناوي وقتل من أصحابه غصن العلوي صاحب ينقل وجملة من أصحابه وانكسر الباقون من قومه ، وأمر محمد بن ناصر بالغزو في كل بلد بهلا ونزوى وبلدان الظاهرة لإظهار الناموس ، وسحب أصحاب محمد بن ناصر سعيد بن جويد بعد أن قتل إلى حصن الغافات وفيه عياله وأولاده حتى لينظروه وليؤدوا الطاعة فأبوا فحاصروهم قدر شهرين وفرغ ما عندهم من الطعام ، حتى أكلوا ما عندهم من الأنعام ، والقايد لأصحاب محمد بن ناصر مبارك بن سعيد بن بدر لأن محمد ابن ناصر رجع من بعد الصكة إلى يبرين. ثم إنهم صالحوا بعد ما فرغ ما عندهم وقتل من قتل منهم وذهبت أموالهم وكان الصلح على هدم الحصن فهدموه بأيديهم ووصلوهم بأمان. وبقي حصن العقير محاربا لم يؤد الطاعة وفسح محمد ابن ناصر لمبارك بن سعيد بن بدر وجعل مكانه راشد بن سعيد ابن راشد الغافري وأقام محاصرا حصن العقير ومعه أهل بهلا وأزكي ونزوى والظاهرة وبنو غافر وبنو ريام وداروا به فلا يخرج منه أحد ولا يدخل حتى

١٢٧

فرغ ما عندهم فطلبوا الصلح فصالحهم على هدم الحصن فهدموه بعد ما تلفت أموالهم ولم يبق لهم نخلة ولا فلج ، وقد أكملوا جميع أنعامهم ومواشيهم فعند ذلك صالحوا فأعطوهم الأمان ووصلوهم ورجع القوم كل إلى بلده.

ثم إن خلف بن مبارك جمع قوما ونزل وادي المعاول وانتقل إلى نخل فحاصرها وكان فيها مرشد بن عدي فمكث أربعة أيام ، ثم نزلوا من الحصن فأحرقوه وهدموا منه ما قدروا عليه ، ومع ذلك صالحه أهل الجميمي. ثم عقب عليهم من عقب ودخلوها وهرب أهلها إلى سمايل وبعض منهم التجأ في حجرة الجناة مع بني مهلل فاووهم. ثم إن الذين بقوا مع بني مهلل أرسلوا إلى نخل يجيئوا من جانب الحكام فجاءوا بقوم من حيث لا يدري بهم ال مهلل ، فدخلوا عليهم على حين غفلة منهم وقتلوا منهم من قتلوا فخرجوا إلى وادي المعاول حتى إن المعاول نصروهم وذمروا لهم الحرب إلى حجرة الجناة فمكثوا يحاربونهم ثلاثة عشر يوما لا يهفت ضرب التفق حتى إنهم انهزموا من الحجرة وكثر فيهم القتل.

ثم إن المعاول قالوا لا نبغي حجرة في الجناة فهدموها ومكث في نخل مدة من الزمان لم يجد فيها من الأنيس إلا الكلاب والسباع على القتلى. ومن بعد ذلك قسموها على بني هناءة ومكثوا فيها إلى أن ملك سيف بن سلطان بعد أن بلغ الحلم ، وأقامه المسلمون إماما. فعند ذلك سلموها لأهلها وذلك الوقت أدان تخليج النخل فصاروا يتوسلون بالقاضي ناصر بن سليمان المدادي من نزوى فجاءوا بخط إلى المعاول فسلموها لهم.

ثم إن محمد بن ناصر جهز جيشا من البدو والحضر فقصد به بلدان الحبوس من الشرقية من المضيبي والروضة ، والتقى بجيش خلف بن مبارك القصير والحبوس وغيرهم من بني هناءة بالمضيبي فوقع بينهم حرب عظيمة وانكسر خلف بن مبارك وتحصل في حجرة المضيبي فحاصرهم محمد بن

١٢٨

ناصر وقطع أموالهم فطلبوا الصلح والأمان ، فامنهم وأدوا الطاعة ولم يعلم محمد ابن ناصر أن خلف بن مبارك معهم في الحجرة فجاءه من جاءه وأخبره أن خلفا معهم بالحجرة فلم يستحسن أن ينكث عهده وصلحه.

ثم خرج خلف من المضيبي هاربا فأتبعه محمد بن ناصر بجيشه حتى وصل إبرا ودخل خلف إبرا ولم يظن أن محمد بن ناصر يتبعه إلى إبرا فأقام مع الحرث فأرسل إليهم محمد بن ناصر أن يؤدوا الطاعة ويخرجوا خلفا من عندهم فأبوا فأقام على حربهم كل يوم يقطع نخلهم ويدمر أنهارهم فظنوا أنهم ليست لهم قوة على حرب محمد بن ناصر فأخرجوا خلفا من عندهم خفية ، وكان خلف رئيس بني هناءة كافة ومضى إلى مسكد ، ثم إنهم صالحوه بعد خروج خلف وأعطاهم محمد بن ناصر الأمان ورجع عنهم وخلصت له جميع الشرقية وأقام في يبرين وكانت أكثر إقامته بها.

ثم إنه سار إلى الظاهرة وجمع منها خلقا كثيرا وغرب بهم ولم يعلم من قومه أحد أين يريد فمر ببلدان بني نعيم وجمع بني ياس وبني نعيم وغيرهم وسار بهم على نجد الجرى ومر على بلدان بني قليب فصحبه من صحبه منهم ومر على خط الباطنة حتى خاف منه أهل صحار فلم يغشهم ، ثم شرق فخاف منه أهل فلج الحواسنة أن يدمر واديهم واصحابه يأخذون كل ما وجدوا من إبل وغنم وفيهم من لا يعرف الصديق من العدو ، فعلم به خلف بن مبارك القصير فالتقاه عند أفلاج عرعر فوقعت بينهم صكة عظيمة فولى أصحاب خلف هاربين وحصل خلف في بيت واتبعه محمد بن ناصر بقومه ولم يعلم به أنه في ذلك البيت ، وظن خلف أن محمدا تركه بعد القدرة عليه فدخل محمد بن ناصر الرستاق وجعل يدمر أنهارها ويكاتبهم ان يؤدوا الطاعة فأبوا ودمر فلج الميسر وفلج بو ثعلب والحمام وقطع شيئا من النخل ولم يكن لأهل الرستاق قدرة على الخروج لحربه ومنعه حتى إنهم أرادوا أن يؤدوا له الطاعة فجاء إلى محمد بن

١٢٩

ناصر خبر أن راشد بن سعيد الغافري أخذ حصن مقنيات والوالي فيه مبارك ابن سعيد بن بدر وذلك حسدا منه لمبارك لتقدمه مع محمد بن ناصر. فأمر بالنهوص من الرستاق وتركها بعد ما دمر أنهارها ، ثم إن علي بن ناصر بن أحمد الكلباني مضى إلى راشد بن سعيد وناصحه وخلص له الحصن وضمن له أن لا تصيبه عقوبه من محمد ابن ناصر فقبض علي بن ناصر الحصن إلى أن وصله محمد بن ناصر فترك فيه مبارك واليا وترك معه الحواتم وسار قاصدا إلى يبرين فمكث بها ما شاء الله.

٤٥ ـ مبايعة محمد بن ناصر بالإمامة :

ثم فصل بمن معه إلى نزوى وأرسل إلى رؤساء القبائل وأهل العلم من غرب عمان وشرقها فاجتمعت إليه جموع كثيرة فطلب إليهم أن يبرأ من الإقامة بالحرب وبأمور المسلمين ، وأن يقيموا من أرادوا مع السيد سيف بن سلطان واعتذر إليهم فلم يعذره القاضي ناصر بن سليمان بن محمد بن مداد والوالي بحصن نزوى عبد الله بن محمد بن بشير بن مداد ومن حضر من المشايخ من رؤساء القبائل ولم يزالوا في معالجة هذا الأمر وغلقت أبواب حصن نزوى والعقر فلا يدخل أحد ولا يخرج يومهم ذلك وليلتهم حتى قريب الفجر وعقدوا له الإمامة وضربت مدافع قلعة نزوى ونادى المنادي بالإمامة له والعز والأمان لكل قبيلة تدخل نزوى وتريد المواجهة من يمن ونزار ومن بدو وحضر وكان هذا ليلة السبت لسبع ليال خلون من الشهر المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة وألف سنة (١) فمكث بنزوى حتى صلى الجمعة وارتفع بمن معه إلى يبرين وفسح للقوم. وأقام بها قليلا.

__________________

(١) ١١٣٧ ه‍ ـ ١٧٢٤ م.

١٣٠

وبلغه أن مانع بن خميس العزيزي هجم على الغبيّ وقهر ونهب سوقها وأفسد فيها فسار اليه وغدف عليهم الحصن ومعه ستة رجال فلم يشعروا به إلا وهو في أعلى الحصن ، فخرج مانع العزيزي ومن معه هاربين خوفا ورعبا منه وقتل خادم لمانع بن خميس وأخذ الحصن وجعل فيه واليا ورجع إلى يبرين.

وأغار مهنا بن عدي اليعربي وعامر بن سليمان بن بلعرب الريامي وسليمان ابن حمير بن علي اليعربي على غالة البركة فأخذوها فعلم محمد بن ناصر الغافري بهم فقصد إليهم وأرسل إلى القاضي ناصر بن سليمان والوالي عبد الله ابن محمد ليلحقوه بالقوم من نزوى إلى البركة ، ولم يغش هو نزوى ولم يكن عنده إلا قليل من عسكره وخدامه فهجم عليهم وقت الضحى ولم يرد قتالهم وناصحهم على الرجوع ورد ما أخذوا من الغالة فأبوا إلا قتاله وحربه فصنعوا بومة في مسجد الشريعة الأعلى من البركة ، وقبضوا الجبل الشرقي وكسروا فلج البركة وصنع الإمام محمد بن ناصر بومة في مسجد الأسفل من شريعة البركة وجبل الأسفل فكان بينهما ضرب بالتفق وقتل رجل من عذاب الركاب من أصحاب محمد بن ناصر وجرح رجل ، ثم إنه أمر أصحابه بالركض عليهم فولوا منهزمين وأسر منهم ناصر بن بلعرب الريامي وعلي بن صالح صاحب كمه وكان هذا قبل أن يصله أحد من المدد. وأمر بالتمر أن يحمل إلى يبرين ، ورجع هو إلي نزوى وأقام بمساجد الغنتق منها وكان أراد حرب أهل تنوف وخرابها ثم أصلح الله شأنهم وواجهوه وأخذ منهم عهودا أن لا يخونوه فطابت عليهم نفسه.

ثم أمر بالحشد على جميع من بطاعته من أهل عمان فاجتمعت إليه جموع كثيرة فسار بهم من نزوى يريد ضنكا ليرجع الوحاشا إلى بلدهم ويبني لهم حصنهم بضنك الذي دمره عليهم حين كانوا في طاعة خلف بن مبارك ، فلم

١٣١

يرض ال عزيز برجوعهم إلى حصنهم وبنيانه فجمعوا أحدا من البدو وممن يشتمل عليهم وأرادوا حربه ومن معه من الوحاشا فالتقوا بضنك ووقعت الحرب بينهم ثم انكسروا وتبدد شملهم وعلموا أنهم ليست لهم قوة على حربه.

وقصد مانع بن خميس إلى السنينة مع النعيم فمضى في طلبه مع ناس قليلة من أصحاب الخيل والركاب السيارة فلم يشعروا به إلا وهو معهم فأمر مانع بن خميس ورجع إلى ضنك ، فلما رجع يريد الغبىّ مر على أفلاج بدو آل عزيز الذين نهبوا سوق الغبىّ فدمرها ورجع إلى الغبىّ وأقام بها ما شاء الله ، ثم حشد من قبائل الظاهرة من شاء من القوم وقصد يبرين فأقام بها أياما قلائل وجاء إلى نزوى فنزل بيت المزرع يجمع قوما منها ، ثم مضى إلى أزكي وأخذ منها قوما ومن جميع الشرقية فخافت منه بنو رواحة.

ثم إنه قصد سمايل فلم يزل يناصح البكريين وأهل الحيلي وقوم عكاشة فأما أهل الحيلي وأصحاب عكاشة صالحوه وأدوا له الطاعة فأرسلهم إلى البكريين ليناصحوهم فلم يقدروا عليهم فأمر بالركضة عليهم في ليلة شاتية مظلمة مطيرة ذات برق ورعد فلم يشعروا به إلا وهو في أعلى السور مع الحارس يقول له على من تحرس؟ فقال : مخافة أن يهجم علينا محمد بن ناصر فقال هذا محمد بن ناصر عندك ، فخذل أهل الحجرة وخرج الأكثر منها بأمان منه ولم يبق إلا برج وشيء من الغرف فيه بكر وأولاده وبنو عمه فكانوا يضربون بالتفق حتى قتلوا عن آخرهم ، وقتل من أصحاب محمد بن ناصر أربعة أحدهم يقال له بخيت النوبي مملوك له كان قدمه على ساير العبيد ضرب بتفق ، وهدمت الحجرة عن آخرها وسلمت سمايل زكاة ثلاث سنين وكان قبل قد أفسد فيها آل عمير وحازوا أموال الأغياب فرد محمد ابن ناصر كل مال إلى أهله وقيد أولاد سعد بو علي وهدم حجرتهم.

١٣٢

ثم إنه أمر بالمسير إلى الجبل من الباطنة ليقطع لخلف بن مبارك القصير حين نهوضه من مسكد إلى الرستاق ، فكان محمد يصل هو ومملوك له إلى الغبرة ، ثم علم خلف بن مبارك أن محمد بن ناصر قاطع له فلم يخرج من مسكد وجعل الحرس على الطرق والأسوار ولم يكن له قدرة على ملاقاة محمد ابن ناصر وأقام محمد بالحيل قدر نصف شهر وصالحه المعاول ثم نكثوا ، ثم رجع إلى سمايل.

ذلك أن المعاول وقعت بينهم وبين خلف بن مبارك شرهة وعتاب ، وأخلوا عليه حصن بركا وأرسلوا إلى محمد بن ناصر فهبط والتقوه المعاول وعاهدوه على أن يخربوا مسكد ، ثم إن محمد ارتفع مغربا فظنوا أنه يريد حصن بركا فساروا ونزلوا الحراري وكان نزول المعاول وسط قوم محمد بن ناصر ، فجعلوا خادما لهم يعمل طعاما وفرشوا فرشهم وسار كل اثنين منهم نحو الخور ليصلوا المغرب أو العصر حتى خرجوا كلهم متسللين لواذا فدخلوا حصن بركا ليمنعوه من محمد بن ناصر ، وأما ركابهم فإنهم جعلوا عليه أطنابا وقالوا له سر كأنك تسير نحو الفلاة فما لبث حتى دخل بهم وادي المعاول ، وأما محمد بن ناصر فإنه أرسل إلى المعاول فأخلفوا من متاعهم في عسكره وارتفع هو إلى سمايل.

وحمل أهله ورجع يريد البدو من عامر بن ربيعة وأهل سعلى ومن يشتمل عليهم من سكان الباطنة فعقر عليهم إبلا كثيرة فكان راكبا على فرس وبيده كتارة (١) ورمح يضرب يمينا وشمالا يقطع أعناقها ويعرقب أرجلها ولم يرض لأحد أن يأخذ منها ووصل إلى فريق من فرقانهم وقتل رجالهم فصاحت نساؤهم الأمان يا خلف بن مبارك إنا في طاعتك يظنونه خلفا ، فأكثر في قتلهم

__________________

(١) الكتارة : السيف العماني وهو سيف ذو حدين.

١٣٣

وهو أمام القوم ولم يلحقه إلا أصحاب الخيل والإبل السيارة ، والسيد سيف بن سلطان معه لا يفارقه في

جميع حروبه وغزواته.

ثم رجع إلى الحزم فأقام بها أياما قليلة ورجع إلى سني من وادي بني غافر فأقام به أياما ورجع إلى يبرين وكان أكثر إقامته بها وكانت البدو قد أفسدت جميع الطرق من عمان ينهبون ويقتلون فلا يقدر أحد أن يسافر إلى مكان إلا في جماعة كثيرة وخاصة آل وهيبة ولهم رئيس يسمونه بو خرق ، فسار إليهم وحشدهم بجميع أهلهم وإبلهم وغنمهم وأمرهم بالنزول حوالي يبرين وذلك قهرا منه لهم حتى ماتت إبلهم وغنمهم ولم يقدروا على مخالفته ، فلما كان ليلة أحد عشر من شهر الحج خرج بمن معه من القوم قاصدا آل وهيبة فدمر بلدهم السديرة وقتل من فيها فكانوا يهربون إلى الرمل من أسافل عمان وخرابها ليس فيه ماء يظنون أنه لا يتوصل إليهم لقلة اهتداء الحضر بتلك الأماكن وقلة دلالتهم بمواردها فمضى إليهم هناك وقتل ستة وثلاثين رجلا من أكابرهم وأسر خمسة وتسعين رجلا وقتل إبلهم وأغنامهم وحمل الأسارى إلى يبرين مربوطين في الحبال ، وأما أبو خرق فإنه قصد مسكد ودخل مع بني هناة وقيد محمد ابن ناصر الأسارى بيبرين حتى مات عامتهم ، وأقام في يبرين شهرا وأرسل أبو خرق إلى محمد بن ناصر أنه لا يضر أحدا ولا يفسد ومن ذلك اليوم إلى يومنا هذا لم نسمع بأحد نهب ولا سلب في طريق من طرق عمان من شرقها وغربها.

ثم إنه بعد ذلك أمر بالحشد على جميع من أطاعه من عمان من غربها وشرقها فاجتمعت إليه في يبرين جموع عظيمة لا يعلم عددهم إلا الله وأرسل إلى بلدان بني هناة من وادي العلا والحيل وضم وعملا فأطاعته جميع بني هناة لم يعصه أحد وسار قاصدا إلى ينقل ونزل في أعلى البلد وأرسل إليهم ليخلصوا له الحصن فأبوا وشدوا الحرب فخرج ذات ليلة رجل من أهل ينقل يقال له عصام فصالح محمد بن ناصر إلا أن البلد ليست في يده ، فقال له :

١٣٤

ناصح جماعتك لأجل حقن الدم فلم يتبعوه وأقاموا الحرب وكان بيت عصام على السور وله باب صغير ، فأدخل محمدا ومن معه البلد فقتل من أهل البلد رجلين ثم طلبوا الأمان فأمنهم وقيد أشياخهم وحملوا إلى يبرين وترك فيها واليا وأدت له الطاعة ومضى قاصدا بمن معه إلى صحار.

وقدم ربيعة بن حمد الوحشي ليناصح بني عمه حتى يهبطوا من حصن صحار فلما وصلهم قال لهم شدوا الحرب ، فلما دخل محمد بن ناصر صحار التقته بنو هناة فوقعت بينهم الحرب وقتل من قتل منهم وخرج ربيعة بن حمد وأخذ أسيرا ، وانكسرت بنو هناة ورجعوا إلى الحصن ونزل القوم بالجامع ومحمد بن ناصر في بيت بن محمود ، وشاور محمد بن ناصر ربيعة بن حمد فقال له إن أردت أن تقيم معنا فعليك الأمان ، وإن أردت أن تسير إلى أصحابك بالحصن سيرناك بأمان ، فأراد المسير إلى الحصن فسيره وكان مع محمد بن ناصر اثنتا عشرة فرسا وكان يجعله عيونا تطالع المشرق لأنه بلغه أن خلف بن مبارك جمع بني هناة من الرستاق ومسكد وأنه نزل بحصن صحم.

٤٦ ـ نهاية زعيمي الفتنة :

وكان محمد بن ناصر قد خلصت له جميع صحار ورعاياها وأمّن أهل البلد من جميع الطوائف فلم يؤخذ على أحد منه شيء وكانت عنده البدو من بني ياس وبني نعيم ومن أشتمل عليهم من الحضر ، فأصبحت ليلة من الليالي وقد خرب زرع دخن من طوى من البلد ، فجاء صاحبها إلى محمد شاكيا فسأله من خرب زرعك؟ فقال بنو ياس والنعيم والبدو الذين عندك فقال كم غرامة زرعك ، خذ مائتي محمدية فأبى ، فقال خذ أربعمائة محمدية فابى ، فقال خذ خمسمائة فأبى ، فقالا لا أرضى إلا أن تنصف منهم ، فأرسل إلى أشياخهم فحضروا عنده فأمر بهم فصلبوا وما كانت نصفته إلا الجلد فجلدهم جميعا وهم يستغيثون به فلم يغثهم إلى أن انقضت النصفة فأطلقهم من الحبال وكانت هذه حيلة من بني

١٣٥

هناءة لينفر البدو ، ثم إن البدو خرجوا من عند محمد إلى بلدانهم راجعين فعلم خلف بن مبارك بخروجهم فزحف بمن معه من القوم على قوم محمد بن ناصر وهجموا عليهم على حين غفلة بعد أن طلعت الشمس قليلا فجاء من جاء إلى محمد بن ناصر أن خلفا وصل بمن معه من بني هناءة فقيل إنه حرك رأسه وقال هذه ساعة ليست لنا ولا لهم إلا ما شاء الله ، ثم ركب فرسه وركب أصحاب الخيل معه والتقوا خلفا ومن معه مع باب حصن صحار فوقع بينهم القتال فقتل خلف بن مبارك فانكسرت بنو هناة ومحمد بن ناصر يتبعهم حتى وصل جدار الحصن فضرب محمد بن ناصر من فوق الحصن ضربة تفق وأخذه أصحابه ومات ، وقتل من أصحابه خمسة عشر رجلا لم نذكر أسماءهم ورجع أهل مسكد والرستاق وأقاموا بعد ما دفنوه ثلاثة أيام (١) لم يعلم بموته إلا الخاصة ، وقد كاد أصحاب الحصن أن يسلموه ثم إنهم رجعوا بالسيد سيف ابن سلطان إلى نزوى فأقامه القاضي إماما للمسلمين يوم الجمعة بعد زوال الشمس في العشر الأولى من شعبان سنة أربعين ومائة وألف سنة من الهجرة. (٢)

إنتهى المقتبس من كتاب كشف الغمة

__________________

(١) جاء في كتاب قصص وأخبار جرت في عمان للمعولي ما يلي : ـ

فأما خلف فقد قبر في الحصن. وأما محمد بن ناصر فقد قبر في غربي الحصن عند حجرة الشيعة. وسار كل أحد إلى بلاده ، وقال قائلون إن أحدا أخرج محمد بن ناصر من قبره ورماه خارج البلاد والله أعلم وحساب الفريقين مع الله.

(٢) ١٠ شعبان ١١٤٠ ـ ٢٣ آذار ١٧٢٨ م.

١٣٦

الفصل السابع

في ذكر نهاية اليعاربة (١)

٤٧ ـ إمامة سيف بن سلطان وبلعرب بن حمير :

كان سيف بن سلطان هذا لم يفارق محمد بن ناصر لأن محمدا كان يحمله معه في جميع حروبه ومواقفه وسياسة منه وطمعا في انقياد الناس له بسببه ، فلما قتل محمد بن ناصر بصحار طلع به بنو غافر إلى القاضي ناصر بن سليمان بن محمد بن مداد في نزوى ونصبوه إماما إذ صار بالغ الحلم يوم الجمعة أول شهر شعبان سنة أربعين سنة ومائة ألف سنة ، ومكث ما شاء الله ثم عزلوه (٢) وأقام المسلمون السيد بلعرب بن حمير إماما لهم (٣). فتبعته فرقة من عمان وخلصت له سمايل وأزكي وبهلا ونزوى ونخل والشرقية وحصون الظاهرة وأما حصون الباطنة ومسكد والرستاق فإنها في يد سيف بن سلطان ، ثم جهز الإمام بلعرب جيشا إلى وادي بني رواحة وبعث سيف بن سلطان أخاه بلعرب بن سلطان ومن معه من القوم نصرة لبني رواحة ، فوقع بينهم الحرب وانكسر بلعرب بن سلطان وقومه وانهزم أكثرهم وبقيتهم تحصنوا في حجرة وبال فحاصرهم الإمام أياما يقطع نخيلهم إلى أن أدوا له الطاعة وفسح للقوم وأمنهم وارتفع عنهم بعد ما هدم بروجهم.

ثم سار إلى بلاد سيت فحاصرها أياما وافتتحها وهدم بنيانها وقطع نخيلها ودمر أنهارها. ثم سار إلى حصن يبرين وكان به بنو هناة تركهم فيه سيف بن سلطان فحاصرهم إلى أن أدوا له الطاعة فسيرهم بأمان هم وعيالهم ومتاعهم

__________________

(*) وهو القسم الأخير من كتاب المعولي وما قبل الأخير من كتاب المؤلف المجهول.

(١) كان عزله في عام ١١٤٥ ه‍ ١٧٣٢ ميلادية.

(٢) هو بلعرب بن حمير بن سلطان بن سيف بن مالك بن بلعرب اليعربي.

١٣٧

وأوصلهم إلى بلدانهم ، وأما سيف بن سلطان فإنه بعث إلى أهل مكران فجاءه قوم من البلوش أصحاب التفاق وحشد من معه من رعيته من الرجال وسار بهم إلى الجو (١) فالتقاهم الإمام بلعرب بن حمير بقومه فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كادت أن تقع الهزيمة على أصحاب الإمام بلعرب فصبروا فوقعت الهزيمة على أصحاب سيف والبلوش وانكسروا ووقع فيهم القتل والنهب في الطرق ومنهم من مات من العطش.

٤٨ ـ الاستعانة بالفرس.

ثم إن سيف بن سلطان جعل يكاتب الأعداء من العجم لينصروه في ظنه وهم يريدون ملك عمان وخرابها فأجابوه فنزل جيش العجم بخور فكان اخر ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ذي الحجة سنة تسع وأربعين ومائة وألف (٢) وقصدوا الصير فخرج سيف بن سلطان من مسكد إليهم وحشد بلعرب بن حمير ومضى ليتلقاهم وخرج من نزوى أول شهر المحرم سنة خمسين ومائة وألف (٣) والتقى الجيشان بالسميني : سيف وعجمه والإمام بلعرب ومن معه وذلك في غرة شهر صفر سنة خمسين ومائة وألف ووقع بينهم حرب قليل آخر النهار وانكسر بلعرب وقومه واعتصموا بالجبل وقتل ناس قليل وبعضهم ضل الطريق وقتل بعضهم في الطريق ولم يرجع أحد منهم بدابة ولا سلاح ولا بشيء من حوائجهم إلا قليل منهم ونهبوهم في الطريق واستولى سيف بن سلطان على الجو وضنك والغبي وأدت جميع قبائل الظاهرة خراجا عظيما للعجم ودخلت حجرة عبري ووقع فيهم قتل عظيم وسلب جميع مالهم

__________________

(١) الجو هي توام أي البريمي.

(٢) ويوافق منتصف نيسان عام ١٧٣٧.

(٣) يوافق أول محرم من عام ١١٥٠ ه‍ يوم أول مايس ١٧٣٧.

١٣٨

وحملت نساؤهم وقتلت الأطفال وأصابهم ذل وهوان وبيعت نساؤهم وحملت إلى شيراز ورجعت العجم إلى الصير.

وأما سيف بن سلطان بن سيف فإنه مر إلى بهلا ووقع الحرب بينهم وبينه ثم تصالحوا وولى عليهم واليا وهو سالم ابن خميس العبري ومضى فبات في طيمسا فقيل إن أكثر العسكر من نزوى هربوا من الحصن ، وكاد بلعرب بن حمير أن يخرج هاربا من نزوى إلا أن سيفا لم يقصد نزوى ومضى إلى منح ومر على أزكي وقصد إلى سمايل وأناخ بفلج العد وكاتب قبائل وادي سمايل ليصل إليه مشايخهم فلم يلبث أن واجهوه فسار مجاوزا إلى مسكد ولم يتعرض للحصون ثم بعد ذلك وقع الحرب بين والي الغبي من قبل سيف بن سلطان وبين بني غافر واستولت بنو غافر على الغبي ووقعت المخادعة من أهل بهلا وأدخلوا بلعرب بن حمير الحصن واستولى على بهلا.

ثم إن سيف بن سلطان زاد قوما من العجم من شيراز وضمهم مع اصحابهم في الصير وتوجهوا إلى عمان وذلك في اليوم التاسع عشر من شوال سنة خمسين ومائة وألف وصالحتهم قبائل الظاهرة ووصلوا إلى بهلا فوقع بينهم الحرب وقتل من العجم كثير وكذلك من أهل بهلا ودخلت العجم بهلا في ثالث عشر من ذي القعدة واستولوا عليها فهرب من هرب من أهل البلد وقتل من قتل من الرجال والنساء والأطفال واستولوا على جميع ما فيها وتركوا في الحصن رابطة ومضوا إلى نزوى أول شهر الحج.

وهرب بلعرب بن حمير من نزوى إلى وادي بني غافر وثبتت بنو حراص في قلعة نزوى وصالح أهل نزوى العجم فلما تمكنت العجم من نزوى وضعوا عليهم الخراج وعذبوهم بأنواع العذاب وقتلوا الرجال والنساء الكبار والأطفال الصغار وحملوا من النساء من أرادوه وفعلوا في نزوى أفعالا قبيحة وأذاقوهم

١٣٩

أليم العذاب حتى قيل إنهم قتلوا من أهل نزوى مقدار عشرة الاف من النساء والأطفال ولم يسلم من أهل نزوى إلا من قدر على الهرب وهم قليل والله المستعان.

ولم تقدر العجم على القلعة والحصن من نزوى وخرجوا منها في سادس عشر من الحج ومروا على أزكي فصالحوهم وأدوا لهم الخراج وأقاموا يوما وليلة ومضوا قاصدين إلى الباطنة ودخلوا مسكد في أربعة وعشرين من ذي الحجة واحتووا على البلد وما فيه ولم يبق سوى الكيتان واقاموا محاصرين الكيتان إلى يوم خامس من صفر سنة إحدى وخمسين ومائة وألف (١) وانكسروا ومضوا إلى بركا وصحار فرد شر سيف عليه ، جاء ليقهر بهم صديقه الذي يزعم أنه عدوه فطلبوا قهره بنفسه وحاصروا حصونه وهرب هو عنهم في مراكب في البحر حتى نزل ببركا وخرج إلى الطو وتلقوه أهلها بغزوة وصحبوه إلى نخل وسار إلى الظاهرة والتقى هو وبلعرب بن حمير بوادي بني غافر ودار نظر من حضر من مشايخ بني غافر وغيرهم أن يستعفوا بلعرب ابن حمير عن الإمامة ويرجعوها لسيف بن سلطان نظرا منهم عن الفرقة في عمان والفتن وليجتمعوا جميعا على عدوهم العجم فجعلوا الإمامة لسيف بن سلطان.

٤٩ ـ تغلّب سيف بن سلطان على الأمر :

أما العجم الذين قعدوا في بهلا فإنهم لما أبطأت عنهم أخبار أصحابهم في مسكد وانقطعت عنهم اخبارهم بعثوا منهم نحو مائة فارس ليأتوا إليهم بخبر أصحابهم من مسكد فمروا على سمايل أول النهار يوم ثامن من شهر صفر فتلقاهم أهل وادي سمايل وحمير بن منير بقومه فقتلوا أكثرهم ثم سار حمير

__________________

(١) يوافق ٥ صفر عام ١١٥١ ه‍ اليوم ٢٦ من مايس عام ١٧٣٨ م.

١٤٠