تاريخ عمان

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني

تاريخ عمان

المؤلف:

سرحان بن سعيد الأزكوي العماني


المحقق: عبد المجيد الحسيب القيسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٦٢

المحصورين بالطعام والة الحرب ، ثم كاتب أبناء محمد بن جفير يسعون في أنواع الصلح ، فعلم الوالي أنها خديعة فجهز لهم جيشا وأمر عليه محمد بن علي فسار محمد بمن معه فهجم عليهم الفجر وهم بالموضع المسمى منقل مما يلي الجنوب في الحصن على ساحل البحر ، فدارت بينهم رحى الحرب واشتد الطعن والضرب ثم رجع محمد بمن معه إلى حصن لوى فلم يزالوا محاصرين الحصن حتى أرسل إليهم سيف بن محمد يريد الأمان ليخرج من الحصن ، فأعطاه الوالي الأمان فخرج بمن معه ودخل الوالي الحصن ، وقد ساعد الوالي على حصر الحصن ناصر بن قطن ورجال العمور ، وجعل عبد الله واليا في الحصن من جانبه ورجع هو إلى الإمام.

ثم جهز الإمام جيشا وأمر عليه الشيخ مسعود بن رمضان وأمره أن يقصد بهم مسكد (١) فسار حتى نزل طوي الرولة من مطرح فدارت رحى المنون بين المسلمين والمشركين فنصر الله المسلمين فهدموا من مسكد بروجا باذخة ومباني شامخة وقتلوا من المشركين خلقا كثيرا ، ثم إنهم طلبوا الصلح فصالحهم الوالي على فك ما بأيديهم من أموال العمور وأموال الشيعة من صحار ، فأذعنوا بالطاعة فامنهم على ذلك وأخذ منهم العهود على الوفاء ورجع إلى الإمام منصورا.

ولم يزل مانع بن سنان كامن العداوة للإمام قادحا في الدولة ، فاستأذن مداد بن هلوان الإمام في قتل مانع بالخدعة فأذن له فكاتبه مداد ليدخله حصن لوى وأطمعه فيه بلطف كلامه ، وكان الوالي في لوى حافظ بن سيف ولم يزل مداد يكاتب العميري بالمودة والنصيحة ويحلف له بالأيمان الصحيحة لئلا تدخل في قلبه الظنون القبيحة ، ففرح بذلك مانع واستبد برأيه وكان مسكنه قرية دبا فركب مانع إلى صحار فأقام بها أياما ينتظر أمر مداد مجدد له مداد

__________________

(١) المقصود بها مسقط ، وكانت انذاك بيد البرتغال.

١٠١

العهد فركب مانع إلى لوى ونزل بها بعد ما ضمن له مداد بدخول الحصن وواعده على ليلة معلومة فلما كان تلك الليلة فرق الوالي العسكر يدورون في البلاد كأنهم يسيرون وتعاهدوا أن يلتقوا على مانع من اليمين والشمال فلم يدر مانع إلا وقد أحاطت به الرجال من يمين وشمال فأخذ حينئذ قهرا وقتل صبرا وتفرقت جنوده وقتل من بقي معه.

ثم إن الإمام جهز جيشا وجعل عليه علي بن أحمد وعضده ببني عمه من آل يعرب وأمره بالسير إلى قرية جلفار وهي الصير وكان المالك لها يومئذ ناصر الدين العجمي وعنده عساكره من العجم وبعض النصارى ، فحصرهم علي بن أحمد بحصن الصير فنصبوا له الحرب وقوى بينهم الطعن والضرب وظاهرتهم فرقة من أهل الصير على جيش الإمام وكان يحصن الصير برج معتزل له جدار متصل بالحصن وفيه قوم تقاتل بالليل والنهار ، وكانت عربان النصارى (١) في البحر تدفع مدافعها المسلمين عن الحصن ، فعزم المسلمون على الهجوم على البرج فهجموا عليه ليلا وأخذوه قهرا ومالوا على الحصن فافتتحوه وجعل فيه قائد الجيش واليا ، ثم أقبل الجيش وكان هناك حصن على الساحل للإفرنج فسار إليه بعض الجيش وفيهم رجال الدهامش وخميس بن مخزوم ، فدخلوا الموضع نهارا واحتووا على ما فيه ، فامتنع النصارى بالحصن فحاصرهم المسلمون وبنوا حولهم حصنا فذلت دولة المشركين وطلبوا الصلح فصالحهم الوالي فهبطوا من الحصن فجعل القائد فيه واليا وترك معه بعض العسكر ، ورجع علي بن أحمد بمن معه من العسكر إلى نزوى فاستبشر الإمام بقدومه وبفتح الصير.

ثم إن الإمام أمر والي لوى وهو حافظ بن سيف وكان معه رجال العمور شراة أن يسير إلى صحار وكان فيها يومئذ النصارى ويبني بها حصنا فأرسل

__________________

(١) المراد بالنصارى البرتغال لكننا لا ندري ما المراد ب «عربان النصارى».

١٠٢

الوالي إلى من بقربه من القرى من بني خالد وبني لازم والعمور ، فاجتمعت عنده عساكر كثيرة ، وكان رجال من صحار يدعونه إلى ملكها فمضى إليها بجيشه وبات بقرية عمق ، وصبح البلد ضحى ولم يعلم به أحد من الأعداء وذلك آخر يوم من شهر المحرم سنة ثلاث وأربعين بعد الألف (١) فأناخ بمكان يسمى البدعة من صحار وصال المسلمون على المشركين واشتد بينهم الطعن والضرب وكانت النصارى تضرب بمدافعها من الحصن ثم انتقل الوالي من مكانه إلى مكان آخر ولم تزل الحرب بينهم ، وضربت المدافع وجاءت ضربة مدفع فاخترقت القوم حتى وصلت مجلس الوالي فأصابت راشد بن عباد فمات شهيدا رحمه الله ، فعزم الوالي رحمه الله على بناء حصن فأمر بتأسيسه فأسس في الحال حتى إذا تم بنيانه نزل به الوالي ، ولم تزل الحرب بينهم قائمة في الليل والنهار.

ثم إن القاضي خميس بن سعيد الرستاقي سار بمن معه قاصدا قرية بوشر فأرسلت إليه النصارى بالصلح فأعطاهم الصلح ثم بعث رسله إلى مسكد ، ثم ركب حتى أناخ بمطرح وجاءت وجوه النصارى إليه فاصطلحوا وأمر خميس بفك المقابض عنهم ورخص الناس في السفر إليهم وكفت الأيدي عن القتال.

ثم إن الإمام جهز جيشا إلى صور فحاصرها الجيش حتى فتحها وسار بعض الجيش إلى قريات وكان بها حصن للنصارى فبنى المسلمون فيها حصنا وفتحوا حصن النصارى واحتوى على جميع إقليم عمان ما خلا صحار ومسكد.

ولم يزل ناصر بن قطن يغزو عمان بمن معه من الأحساء ويأخذ من بواديها المواشي ويسلب وينهب في كل سنة ويرجع إلى الأحساء فكتب الإمام لواليه محمد بن سيف الحوقاني أن يتجسس عن قدوم ناصر فإذا علم به التقاه بالحشود دون عمان فجمع الوالي عنده العسكر من البدو والحضر فلما علم

__________________

(١) ويصادف أواخر شهر تموز (يوليو) ١٦٦٣ م.

١٠٣

بقدوم ناصر تلقاه فلما علم ناصر بجيش الإمام قصد الظفرة ودخل حصنها وتعصب له بنو ياس ، ووجه ناصر رسله إلى الوالي يطلب الصلح وكان قد قل على الوالي الزاد وبعدت عليهم الدار ، فصالحه على رد ما نهبوه وغرم ما أتلفوه مما اكتسبوه.

ورجع الوالي بمن معه وأما ناصر فإنه جمع البدو من الظفرة وعزم على الهجوم على حصن الجو وكان فيه أحمد بن خلف واليا وتابع ناصرا كافة أهل الجو وأعانوه على الوالي وداروا بالحصن فعلم به الولاة من الباطنة والظاهرة فاتوا أحمد بن خلف فخرجت جيوش الأعداء منها ثم أقبل الوالي الأكبر من نزوى بجيشه فأمر بهدم حصون الجو كافة ما خلا حصن الإمام وتفرقت الأعداء.

وأما عمير بن محمد فقد مضى إلى صحار مع النصارى والباقون قصدوا العقبة من جلفار وكانوا يقطعون الطريق ويغزون البلدان فسارت عليهم الولاة فقتل من قتل منهم وانهزم من انهزم وأخذ الوالي إبلهم ورجع إلى عمان ، وأما ناصر بن قطن ومن معه فقد مضى إلى الباطنة فهجم على بلدان بني خالد وبني لازم فأخذوا وسلبوا ما على النساء من الحلي والكسوة ورجعوا بما أخذوا إلى الأحساء. ثم إن ناصر بن قطن رجع إلى عمان ثانية وقصد الباطنة للنهب والسلب فجهز عليه الإمام جيشا وأمر عليه علي بن أحمد وعضده محمد بن الصلت الريامي وعلي بن محمد العبري وأحمد بن بلحسن البوشري ، فمضوا إلى قرية لوى فأقبل ناصر بن قطن بقومه فوقع بينهم الحرب ، ثم ركب ناصر إلى مجيس فاتبعه الوالي بمن معه ، ثم ركب ناصر قاصدا أرض الشمال فركب الوالي في طلبه فكان أول من لحقه أحمد بن بلحسن البوشري ، ومراد وراشد ابن حسام وبعض الشراة بموضع يقال له الخروس ، فوقع القتل في المسلمين

١٠٤

قبل أن يتكامل جيش الإمام فقتل المتقدمون جميعا ولله الدوام. فلما وصل الجيش رأوا أصحابهم صرعى ولم يروا أحدا من جيش ناصر.

ثم إن ابن حميد وهو محمد بن عثمان غزا بلاد السر وكان فيها الوالي محمد بن سيف الحوقاني ، وكان بها يومئذ سعيد بن خلفان فطلب سعيد من ابن حميد المواجهة فتواجها بمسجد الشريعة من الغبي فسأله أن يرد ما كسبه ونهبه فأبى وازداد عتوا ونفورا ، فأمر سعيد بأسره فأسر وقيد في حصن الغبيّ فأمر الإمام بإتيانه إلى الرستاق فأتي به مقيدا في الحبس سبعة أشهر وتوفي.

ثم إن الإمام جهز جيشا وأمر سعيد بن خلفان وعضده بعمير بن محمد بن جفير فساروا قاصدين لأخذ إبل ناصر بن قطن الهلالي ، فالتقاهم بنو ياس دون الإبل بموضع يقال له الشعيبة قريبا من الظفرة فوقع بينهم الحرب وكان مقدام بني إياس صقر بن عيسى فقتل وجماعة من رجاله ، فغضب محمد بن عيسى لقتل أخيه ورأى الموت خيرا له من الحياة بعده فحمل على جيش الإمام فقتلوه فطلب بنو إياس العفو من الوالي فعفا عنهم.

ورجع الجيش فأمره الإمام أن يمضي إلى مورد يقال له دعفس به إبل لناصر ابن قطن فمضوا إليه فوجدوها ، ثم إنهم جعلوها أمانة مع عمير بن محمد بن جفير وكان له أخ يسمى عليا ، فأشار عليه بعض خدمه أن يدخل بها على ناصر ابن قطن فمضى بها إليه. فلم يزالو يغزون عمان حتى خافت منهم البدو والحضر والتجأوا إلى البلدان ، ثم أقبل ناصر غازيا وأناخ بجيشه ناحية الجنوب ووجه أصحابه لقطع الدروب فوجه إليه الإمام جيشا وأمر عليه سيف بن مالك وسيف بن أبي العرب وحزاما فبادرت أول زمرة من جيش الإمام على جيش ناصر بن قطن فقتلوا جميعا لقلتهم وكثرة عدد خصومهم ، وسار ناصر بن قطن إلى الأحساء ولم يسمع عنه بعدها خبر.

١٠٥

وأظهر الله إمام المسلمين على جميع الباغين فأخرجهم من ديارهم وقراهم واستوثق مردتهم وأهان عزيزهم وقمع ظالمهم ومنع غاشمهم وأمكنه الله منهم وأعانه عليهم وأيده بنصره وأمده بتوفيقه حتى علا الإسلام وظهر ، وخفي الباطل واستتر ، وغشي العدو بعمان وانتشر فيهم البدو والحضر ولم تبق إلا طائفة من النصارى متحصنين في سور مسكد بعد أن نصب لهم الحرب حتى وهنوا وضعفوا ووهى سلطانهم وتفرق أعوانهم وكان الموت والقتل يأتي على أكثرهم فتوفاه الله وجميع أهل الخير عنه راضون وله موالون مناصرون وكانت وفاته يوم الجمعه لعشر ليال خلون من ربيع الاخر من سنة تسع وخمسين وألف سنة (١) من الهجرة كما قال الشاعر :

فبالجمعة الزهراء مات ابن راشد

لعشر من الشهر الربيع المؤخر

وخمسون مع ألف وتسع تصرمت

لهجرة هادينا النبي المطهر

وكانت مدة ملكه ستا وعشرين سنة وقبر في نزوى مع مساجد العباد وقبره مشهور ومعروف.

فضائله : وللإمام ناصر بن مرشد فضائل مشهورة فمنها أنه كان رجل نائما في مسجد قصر الرستاق فرأى كأن في إحدى زوايا المسجد سراجا مضيئا فلما انتبه رأى في تلك الزاوية الإمام مضطجعا وذلك قبل إن تعقد له الإمامة.

وقيل إن أمه كان لها زوج بعد أبيه فكان الإمام رحمه الله يأمرها أن تصنع له طعاما قبل طعامهم لئلا تبقى بقية من طعام زوجها فتدخل في طعامه ، فخالفت أمره يوما فعجنت طحين زوجها ثم خبزته ولم تغسل الوعاء وصبت طحين

__________________

(١) يصادف ١٠ ربيع الأخر سنة ١٠٥٩ اليوم ٢٣ من شهر نيسان إبريل عام ١٦٤٩ ، وفي بعض المصادر أن تاريخ مبايعته هي ١٠٢٤ ه‍ وتاريخ وفاته ١٠٥٠ ه‍.

١٠٦

الإمام في ذلك الوعاء فقيل إن يدها لصقت بالطوبج ولم تقدر على نزعها حتى رضي عنها الإمام.

ومن فضائله رحمه الله بعد ما عقد له كان ناس من أهل النفاق مجتمعين في بيت رجل منهم يسبون الإمام بكلام قبيح فنهتهم زوجة ذلك الرجل فلم ينتهوا فخرجت عنهم فخر عليهم سقف البيت فماتوا جميعا.

ومن فضائله رحمه الله وغفر له قيل أن مطية أكلت من طعام بيت المال فتحرشت فلم تزل كذلك حتى رأت الإمام فأتت إليه فوضعت رأسها على منكبيه فلم تزل كذلك حتى جاء ربها فسأله الإمام عن حالها فأخبره إنها أكلت من طعام بيت المال فتحرشت فرضي له الإمام وأحله ومسح بيده الكريمة على رأسها فبرئت مما بها.

ومن فضائله رحمه الله قيل أن جراب تمر أشبع أربعمائة رجل وكذلك مورة رز أشبعت أربعمائة رجل.

ومن فضائله رحمه الله وغفر له ونوّر ضريحه أنه كان ذات ليلة نائما فوق سطح في أيام الحر إذ أتى إليه رجل يريد ليقتله فوقف على رأس الإمام وفي يده خنجر مشحوذ والإمام نائم فلم يقدر أن يضرب الإمام وأمسك الله على يده حتى انتبه الإمام فرآه واقفا على رأسه وبيده خنجر مشحوذ فسأله ما يريد فقال ما يسعني غير عفوك فعفا عنه ولم يعاقبه.

ومن فضائله أن بدويا ضلت له ناقة فمضى في طلبها هو يمشي إذ رأى أثر قدم إنسان فاستعظم تلك القدم فجعل يقصها حتى انتهت به إلى غابات شجر فسمع صوتا من داخل الشجر أن مطيتك في مكان كذا من موضع كذا فامض إليها وقل للإمام ناصر يلزم هذه السيرة فإنها سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فمضى البدوي مرعوبا وقصد الموضع الذي وصف له فرأى مطيته في

١٠٧

المكان الموصوف ثم مضى إلى الإمام وكان الإمام قدر رأى في نومه أن بدويا أتاه يبشره أنه على سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما وصل إليه البدوي راه في يقظته كما راه في نومه فحدثه ما جرى عليه وبما سمع فحمد الله الإمام على ذلك وأمر للبدوي بنصف جراب تمر ونصف جراب حب وثوب فمضى البدوي شاكرا ولفضل الإمام ذاكرا.

ومن فضائله رحمه الله وغفر له أنه كان يعطي نفقته له ولعياله من بيت المال ولم تكن لهم قدر يطبخون فيها طعامهم فكانت زوجته تنقص من النفقة يسيرا يسيرا حتى باعته واشترت به صفرية ، فلما راها الإمام سألها من أين لك هذه الصفرية فأخبرته بما صنعت فقال لها استعميلها وهي لبيت المال وأمر وكيل الغالة أن ينقص من نفقتهم قدر ما كانت هي تنقصه والله أعلم.

وقيل أن القاضي محمد بن عمر دخل يوما على الإمام فراه متغير الوجه فسأله عن حاله فلم يخبره فألح عليه فأخبره أنه لم يكن له ما ينفقه على عياله لسنة العيد ، فذكر الشيخ محمد للوالي أن يدفع للإمام شيئا من الدراهم من بيت المال فقيل إنه دفع له عشرة محمديات والله أعلم ، ففضائله كثيرة لا تحصى رحمه الله وغفر له وجزاه عنا وعن الإسلام خيرا بما قدم فيه بحقه وعدله أفضل ما جزى إماما عن رعيته.

٣٦ ـ الإمام سلطان بن سيف :

ثم إن المسلمين لما مات الإمام ناصر بن مرشد بن مالك عقدوا لابن عمه الإمام سلطان بن سيف بن مالك رحمه الله وغفر له في اليوم الذي مات فيه الإمام ناصر بن مرشد رحمه الله. فقام بالعدل وشمر وجاهد في ذات الله وما قصر ونصب الحرب لمن بقى من النصارى بمسكد وسار عليهم بنفسه حتى نصره الله عليهم وفتحها له ولم يزل يجاهدهم أينما يجدهم في بر وبحر ،

١٠٨

فاستفتح كثيرا من بلدانهم وخرب كثيرا من مراكبهم وغنم كثيرا من أموالهم (١) فقيل إنما بنى القلعة التي بنزوى من غنيمة الديو (٢) وقد لبث في بنائها اثنتي عشرة سنة وأحدث فلج البركة الذي بين أزكي ونزوى وهو إلى أزكي أقرب.

وربما تكلم في إمامته من أسباب التجارات لأن له وكلاء معروفين بالبيع والشراء له وقد جمع مالا واعتمرت عمان في دولته وزهرت واستراحت الرعية في عصره وشكرت ورخصت الأسعار وصلحت الأثمار وكان متواضعا لرعيته ولم يكن محتجبا عنهم وكان يخرج في الطريق بغير عسكر ويجلس مع الناس ويحدثهم ويسلم على الكبير والصغير والحر والعبد ولم يزل قائما مستمرا حتى مات رحمه الله وغفر له وقبر حيث قبر الإمام ناصر بن مرشد وكانت وفاته ضحى الجمعة السادس عشر من شهر ذي القعدة سنة تسعين وألف سنة (٣).

٣٧ ـ الإمام بلعرب بن سلطان :

ثم عقد من بعده لولده بلعرب بن سلطان بن سيف بن مالك فلم تزل الرعية له شاكرة ولفضله ذاكرة وكان جوادا كريما وعمر يبرين وبنى بها حصنا وانتقل من نزوى إليها.

__________________

(١) ما يؤسف له أشد الأسف : أن المؤرخين العمانيين لم يكتبوا لنا أخبار حروب الإمام سلطان مع البرتغال بالتفصيل الواسع الذي اعتادوا أن يكتبوا به معاركهم القبلية المحلية ، فمما لا شك فيه أن إجلاء البرتغال عن شبه جزيرة العرب على يد هذا الإمام الهمام كان مفخرة قومية وعملا رائعا ، وكان نقطة تحول هامة في تاريخ المنطقة.

وقد اختلف المؤرخون في تاريخ جلاء البرتغال عن مسقط فبعضهم يرتفع به إلى عام ١٦٥٨ وبعضهم ينزل به إلى عام ١٦٤٥. على أن المتواتر أن عام الجلاء هو عام ١٦٥١.

(٢) الديو موضع بأرض الهند غزاه الإمام سلطان بن سيف وعاد منه بغنائم.

(٣) ١٦ ذو القعدة سنة ١٠٩٠ ه‍ ـ ١٩ ك سنة ١٦٧٩.

١٠٩

ثم وقعت بينه وبين أخيه سيف فتن أصيب بسببها كثير من أهل عمان ومن فقهائهم ومشايخهم وأهل الورع والزهد والعلم فيهم بعقوبات كثيرة ، ثم إنه خرج من نزوى وقصد ناحية الشمال ثم رجع إلى نزوى فمنعه أهل نزوى من دخولها فسار إلى يبرين واجتمع أكثر أهل عمان وعقدوا الإمامة لأخية سيف بن سلطان ، وأحسب أن الأكثر دخل في الأمر تقية وأحسب أن بعضا عوقب بتركه في العقد.

وخرج سيف على أخيه وأخذ كافة حصون عمان ولم يبق إلا حصن يبرين فسار إليه وحاصره فوقع بينهم الحرب حتى مات بلعرب في الحصار فطلب أصحابه الأمان ليخرجوا من الحصن فأمنهم سيف فخرجوا من الحصن ، وأحسب أن بعضا من أهل العلم لم يزالوا متمسكين بإمامة بلعرب حتى مات ويرون أن سيف بن سلطان باغ على أخيه.

٣٨ ـ إمامة سيف بن سلطان :

واستولى سيف على كافة عمان فلم يزل مقيما منصفا بينهم رادا قويهم عن ضعيفهم وهابته القبايل من عمان وغيرها من الأمصار وحارب النصارى في كل الاقطار وأخرجهم من ديارهم وابتزهم من قراهم ، وأخذ منهم بندر ممباسة والجزيرة الخضراء وكلوه وبات وغيرهن من البلدان من ناحية الزنج بأرض السواحل (١).

وعمر عمان كثيرا وأجرى فيها الأنهار وغرس فيها النخل والأشجار ، وجمع مالا جما فصارت الأصول التي له في عمان مقدار ثلث أصولها. والأفلاج التي أجراها سبعة عشر فلجا حدثا فهي أفلاج المسفاة من الرستاق وفلج الحزم وفلج الصائغي وفلج الهوب ، وأفلاج جملة في الجعلان وغيرهن كثير ، وغرس في

__________________

(١) هذه الجزر في شرق أفريقيا أخذها من البرتغال والده الإمام سلطان.

١١٠

عمان من ناحية بركا في الباطنة ثلاثين ألف نخلة ومن النارجيل ستة آلاف ، وله غير ذلك أموال في المصنعة من الباطنه لا تحصى ، وملك إماء وعبيدا سمعت أن قيل إن عددهم ألف وسبعمائة وكان شديد الحرص على المال. وغرس أشجارا مجلوبة من البحر وأشجارا في الجبل مثل الورس والزعفران والبن. وجلب له ذباب النحل ، وقويت عمان به وصارت خير دار. وقيل أنه ملك من السفن أربعة وعشرين مركبا وقيل ثمانية وعشرين مركبا فالكبار خمسة : الملك والفلك والرحمن وكعب الرأس والناصري ، والبواقي كبار ولكن ليس مثل هؤلاء. فالملك فيه ثمانون مدفعا أتته من الولاية طول الواحد ثلاثمائة شبر ، وعرض دفته قدر ثلاثة أذرع وعلوه سبع قامات دون الدقالة وأوصافه لا تحصى. ومن تلك المراكب الفلك أعرض منه وأما طوله مثله إلا أنه أخف وأوجز من ذلك بقليل ، وقيل رأس المال بيد وكيله بمسكد سبعة وخمسون لك محمدية.

وتوفى في الرستاق وقبره في القبة التي فوق القرن غربي قلعة الرستاق وكانت وفاته ليلة الجمعة الشريفة

وثلاث ليال خلت من شهر رمضان في سنة ثلاث وعشرين ومائة وسنة وألف (١).

٣٩ ـ إمامة سلطان بن سيف بن سلطان :

ثم عقدوا لولده سلطان بن سيف فقام واستقام وجاهد الأعداء في البر والبحر وحارب العجم في مواضع شتى وأخرجهم من بلدانهم ودمرهم في أوطانهم وأخذ البحرين والقسم ولارك وهرمز. وبنى حصن الحزم بالجص والحجر ، وانتقل من الرستاق إليه ، وأنفق ألوفا ولكوكا ، ولم تتحرك عليه حركة من أهل عمان ولا غيرها وربما ذلك بقية بقيت له من هيبة أبيه. ومات في حصن الحزم الذي بناه وقبره في البرج الغربي منه وكانت وفاته يوم الأربعاء في

__________________

(١) ٣ رمضان سنة ١١٢٣ ه‍ ـ ١٤ ت ١ عام ١٧١١ م

١١١

شهر جمادى الاخرة لخمس ليال خلون منه في سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف سنة (١).

٤٠ ـ إمامة مهنا بن سلطان :

وبعد وفاته فإن رؤوس القبائل الذين في قلوبهم العصبية والحمية أرادوا أن يكون مكانه ولده سيف وهو صغير لم يراهق. وأراد أهل العلم وبنت الإمام سيف أن تكون الإمامة لمهنا بن سلطان بن ماجد بن مبارك وهو الذي تزوج بنت الإمام سيف أخت سلطان هذا ، إذ هو فيما عندهم أنه أهل لذلك ، وأنه ذو قوة عليها ، ولم يعرفوا عنه ما يخرجه من الولاية وعرفوا أن إمامة الصبي لا تجوز على كل حال. لأن إمامته لا تجوز في الصلاة فكيف يكون إماما يتولى الأحكام ويلي الأموال والدماء والفروج ولا يجوز أن يقبض ماله فكيف يجوز أن يقبض مال الله ومال الأيتام ، والأغياب من لا يملك أمره.

فلما رأى الشيخ عدي بن سليمان الذهلي القاضي ميل الناس إلى ولد الإمام ولم يجد رخصة ليتبعهم على ذلك وخاف أن تقع الفتنة لاجتماع الناس على الباطل ، وربما أشهروا السلاح ووقع بعض الجراح فأراد تسكيتهم وتفرق إجماعهم. فقال لهم أمامكم سيف بن سلطان بفتح الألف والميم الثانية من أمامكم ويعني قدامكم ، ولم يقل إمامكم بكسر الألف وضم الميم الثانية الذي يكون بذلك الملك والسلطان القائم بالإمامة ، قال ذلك على معنى المندوحة ، فعند ذلك نادوا بالإمامة وضربوا المدافع إظهارا وإشهارا. وانتشر الخبر في عمان أن الإمام هو سيف بن سلطان ، فلما سكتت الحركة وهدأ الناس أدخلوا الشيخ المهنا حصن الرستاق خفية وعقدوا له الإمامة في هذا الشهر الذي مات فيه سلطان هذه السنة. فقام بالأمر واستراحت الرعاية في زمنه وحط عن الناس العادات

__________________

(١) ١١٣١ ه‍ ـ ١٧١٨ ميلادية.

١١٢

بمسكد (١). ولم يجعل لها وكيلا وربحت الرعية في متجرها. ورخصت الاسعار ، وبورك في الثمار. ولم ينكر عليه أحد من العلماء وإن لم يكن هو كثير العلم ، إلا أنه يتعلم ويسأل ولم يقدم على أمر إلا بمشورة العلماء فلبث على ذلك سنة حتى قتل ظلما. وسأشرح لك كيفية قتله وسبب الفتنة وما آلت إليه أمور أهل عمان في باب مفرد ثان إن شاء الله.

__________________

(١) أي الرسوم الجمركية.

١١٣

الفصل السادس

في ذكر وقوع الفتنة في عمان وما آلت إليه تلك الأمور(١)

٤١ ـ إمامة يعرب بن بلعرب :

فلما عقد لمهنا بن سلطان لم تزل اليعاربة وأهل الرستاق مسرين العداوة له وللقاضي عدي بن سليمان الذهلي ولم يزالوا بيعرب بن بلعرب بن سلطان (٢) يحضونه على القيام بأمر سيف والخروج على مهنا حتى خرج على الإمام مهنا «وسار مختفيا إلى مسكد فما كان إلا وقيل إن يعرب بن بلعرب في الكوت الشرقي» (٣) وكان الوالي فيها يومئذ الشيخ مسعود بن محمد بن مسعود الصارمي الريامي. وكان الإمام مهنا خارجا إلى فلج البزيلي من ناحية الجو فبلغه الخبر فرجع إلى الرستاق فقام وشمر وجاهد وما قصر ، وطلب من أهل عمان النصر فخذلوه ولم ينصروه. ونصب له أهل الرستاق الحرب وحصروه في قلعة الرستاق ، ثم طلع يعرب من مسكد إلى الرستاق وسأل المهنا النزول من القلعة وأعطوه الأمان على نفسه وماله ومن معه ففكر في أمره فرأى أنه مخذول وليس له ناصر من أهل عمان ، وتبين له الخذلان فأجابهم إلى ما أعطوه من الأمان فنزل من القلعة فزالت بذلك إمامته ، فأخذوه وقيدوه وخشبوه هو وواحد من أصحابه من بعد ما أمنوه ، واستقام الأمر ليعرب ولم يكن يدعي الإمامة بل جعل الإمامة لابن عمه سيف بن سلطان وهو القائم له بالأمر إذ سيف

__________________

(*) وهو الباب الثامن والثلاثون من كتاب كشف الغمة.

(١) بن سيف بن مالك.

(٢) ما بين القوسين ورد في نسخة المتحف البريطاني «فقهر عليه مسكت ولم يدخلها بجيش وعسى ألا يعدم أهلها من خيانة للإمام مهنا».

١١٤

صغير السن لا يقوم بأمر الدولة وسلمت لهما جميع حصون عمان وقبائلها ، وكان هذا في سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف سنة (١) فلبثا على ذلك حولا.

ثم إن القاضي عدي بن سليمان الذهلي استتاب يعرب من جميع أفعاله وبغية على المسلمين ، وأن يعرب كان مستحلا خروجه هذا فإنه يلزمه ضمان ما أتلف لأن المستحل لما ركبه ليس عليه ضمان إذا تاب ورجع ، فعند ذلك عقد له الإمامة في سنة أربع وثلاثين ومائة وألف سنة ، فاستقام له الأمر وسلمت له حصون عمان.

٤٢ ـ خروج بلعرب بن ناصر على الإمام :

ولبث أياما قلائل في الرستاق ثم جاء إلى نزوى فدخلها يوم تسعة وعشرين من شعبان من هذه السنة فلم يرض أهل الرستاق أن يكون يعرب إماما فأظهروا العصبية للسيد سيف ابن سلطان فلم يزالوا يكاتبون بلعرب بن ناصر وهو خال السيد سيف بن سلطان ، وهو مقيم بنزوى مع الإمام يعرب. فلم يزالوا يحرضونه حتى خرج من نزوى ليلة ست مضت من شوال من هذه السنة وقصد بلاد سيت فحالف بني هناة على القيام معه على أن يطلق ما حجره عليهم الإمام ناصر بن مرشد رحمه الله وغفر له من البناء والسلاح وغير ذلك ، وأعطاهم عطايا جزيلة فصحبوه إلى الرستاق فاستقام الحرب في الرستاق حتى أخرجوا الوالي منها ، وذلك أنهم أحرقوا باب الحصن فاحترق مقدم الحصن جميعا واحترق ناس كثير من بني هناة من رؤسائهم ورؤساء بني عدي ، وفيما بلغناه أنه احترق مائة وخمسون رجلا واحترقت كتب كثيرة مثل بيان الشرع والمصنف وكتاب الاستقامة وجليات الطلمسات قدر أربعين مجلدا. واحترقت كتب كثيرة ولم يكن لها نظير في عمان. وظهر من هذا الحرق كنز عظيم به

__________________

(١) ١١٣٣ ه‍ / ١٧٢٠ م.

١١٥

أموال جزيلة. فبلغ الخبر إلى الإمام يعرب بما صنع أهل الرستاق فبعث سرية وأمر عليها الشيخ صالح بن محمد بن خلف السليمي الأزكوي من حجرة النزار وأمره بالمسيرة إلى الرستاق فسار حتى وصل العوابي فلم يكن لهم قدرة على الحرب فرجعوا.

ثم إن بلعرب بن ناصر كتب إلى والي مسكد ان يخلصها لهم وكان الوالي فيها يومئذ حمير بن منير بن سليمان بن احمد الريامي الأزكوي ، يسكن حارة الرحى ، فخلصها لهم وخلصت لهم قرية نخل بغير حرب ثم أخرجوا سرية عليها مالك بن سيف اليعربي فوصل إلى سمايل وفتحها بغير حرب ، وأخرج الوالي منها ، ذلك في شهر ذي القعدة من هذه السنة وصحبه بنو رواحة فجاء إلى أزكي فأخذها بغير حرب وأخرج الوالي منها وذلك في شهر ذي القعدة من هذه السنة.

ثم إن يعرب خرج بمن معه من أهل نزوى وبني ريام والقاضي عدي بن سليمان الذهلي ووصل إلى أزكي فخرج إليه مشايخ أهل أزكي بالضيفة والطعام ، وقالوا له نحن معك فمكث يكاتب مالك بن سيف ليخرج من الحصن يومين فلم يخرج فنصب يعرب له الحرب فضربه ضربتي مدفع ثم وصلت بلعرب عساكر بني هناءة يقدمهم علي بن محمد العنبوري الرستاقي فتفرقت عساكر يعرب وكثر فيهم القتل ودخلت رصاصة مدفع عند الحرب في فم يعرب فكان ذلك من سوء الحظ ، وبقى مخذولا ، فرجع إلى نزوى.

وأما القاضي عدي بن سليمان فإنه قصد إلى الرستاق فلما وصل إليها أخذوه هو وسليمان بن خلفان وغيرهما وصلبوهم وجاءهم من جاءهم من

١١٦

أعوان بلعرب بن ناصر فقتلهما مصلوبين وسحبهما أهل الرستاق وذلك يوم الحج الأكبر من هذه السنة (١).

ثم مضى صاحب العنبور إلى نزوى وجعل يكاتب يعرب ليخرج من قلعة نزوى ودخل على يعرب ناس من أهل نزوى وسألوه الخروج منها لأجل حقن الدماء فلم يزالوا به حتى أعطاهم ذلك على أن يتركوه في حصن يبرين ولا يعرضوا له بسوء فأعطوه العهد على ذلك فخرج يومئذ من نزوى فزالت بذلك إمامته ، ومضى إلى يبرين.

ودخل صاحب العنبور قلعة نزوى وضرب جميع مدافعها ونادى بالإمامة لسيف بن سلطان وخلصت له جميع حصون عمان وسلمت لهم كافة القبائل والبلدان ، فاستقام أمرهم على ذلك شهرين إلا ثلاثة أيام حتى أراد الله ظهور ما سبق في عمله أنه سيكون على أهل عمان بما غيروا وبدلوا و(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)(٢) وفي ذلك الامتحان ليظهر المتشبث في دينه المخلص في سريرته ممن زلق في دينه وخالفت علانيته سريرته في علم الله ، قال الله جل علاه :

بسم الله الرحمن الرحيم : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(٣).

وقال الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ

__________________

(١) سنة ١١٣٤ ه‍ / ١٧٢١ م.

(٢) سورة الرعد الآية ١١.

(٣) سورة العنكبوت أيات ١ ـ ٣.

١١٧

بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ. وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)(١).

وعلم الله ها هنا ظهور ما سبق في علمه من القدر المحتوم فيظهر من كل ذي فعل فعله فيعاقب بما صنع ويثاب بما أطاع (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)(٢).

والفتنة ها هنا الاختبار كما يختبر الذهب الإبريز بالنار وقيل عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

٤٣ ـ إمامة سيف بن سلطان وخروج محمد بن ناصر :

فلما استقر الأمر لبلعرب بن ناصر على أنه القائم بالدولة وعلى أن الإمام سيف بن سلطان وفدت إليهم القبائل ورؤساء البلدان ينهونهم بذلك فوقع من بلعرب بن ناصر تهدد على بعض القبائل وخاصة بني غافر وأهل بهلا فقيل إنه لما قدم محمد بن ناصر بن عامر الغافري في جماعة من قومه وقع عليهم تهدد من السيد بلعرب فرجع محمد بن ناصر بمن معه مغضبا وجعل يكاتب يعرب بن بلعرب وأهل بهلا ليقوموا الحرب وركب هو قاصدا إلى البدو من الظفرة وبني نعيم وبني قتب وغيرهم.

وأما بلعرب بن ناصر فقد أرسل إلى رؤساء نزوى ليصلوا إليه فاجتمع كثير من رؤسائها ومضوا إليه فرأوا منه محلا وكرامة ، وأمرهم بالبيعة لسيف ابن سلطان ، ثم إنه سير سرية وأمر عليها سليمان بن ناصر أعني أخاه وأمره بالمسير من جانب وادي سمايل إلى يعرب ليأتي به إلى الرستاق ، وأمر على أهل نزوى أن يصحبوا تلك السرية فلم يزالوا يتشفعون برؤساء أهل الرستاق

__________________

(١) سورة العنكبوت ايتا ١٠ ، ١١.

(٢) سورة النجم الآية ٣١.

١١٨

إليه ليعذرهم من ذلك فعذرهم ، ومضت السرية حتى وصلت فرق وباتت فيها ، فبعث لهم أهل نزوى بطعام وعشاء ، فبينما هم كذلك إذ سمعوا ضرب المدافع في قلعة نزوى ، فسألوا ما الخبر فقيل لهم إن يعرب بن بلعرب دخل القلعة ، فعند ذلك رجعوا إلى أزكي وكان بلعرب بن ناصر قد سرى سرية أخرى إلى يعرب وبعثهم من جانب الظاهره فلما وصلوا بهلا قبضهم أهل بهلا وقيدوهم بها ، وبعث سرية أخرى إلى وادي بني غافر فانكسرت ورجعت إلى الرستاق.

وأما يعرب فإنه بعث سرية إلى أزكي تسحب مدفعين ، فلما وصلوا إلى أزكي ركضوا على الحصن ثم انكسروا وقتل منهم ناس ، ورجعوا إلى نزوى ، ثم سرى سرية ثانية فوصلوا إلى أزكي فأقاموا بالجني الغربيات يضربون الحصن بمدفع فمكثوا على ذلك قدر عشرة أيام ثم وصل مالك بن ناصر من الرستاق إلى أزكي ، فخرج هو وأهل الحصن إلى قوم يعرب فانكسر مالك بمن معه فأغارت البدو من قوم يعرب إلى سدي وحارة الرحى من أزكي فنهبوا من طرفيها وأحرقوا مقام حمير بن منير وكان خارجا من حارة الرحى ، ثم ركض ولاة سرية يعرب على أهل اليمن من أزكي فانكسروا وقتل والى السرية محمد بن زياد البهلوى وقيل لمالك بن ناصر إن أهل النزار خرجوا مع سرية يعرب حين ركضوا على اليمن فأرسل إلى مشايخ النزار وقيدهم بالجامع من أزكي ثم إنه أرسل إلى أهل الشرقية فجاءت منها عساكر كثيرة وجاء بنو هناة بخلق كثير واجتمعت العساكر بأزكي فركضوا على سرية يعرب وأخرجوا الطبول وأناسا قليلا من جانب المنزلية وخرجت العساكر من جانب العتب يوم الجمعة عند زوال الشمس فكانت بينهم وقعة عظيمة تسمع فيها ضرب التفق (١) كالرعد القاصف وبريق السيوف كالبرق المتراسل ، فانكسرت سرية يعرب ووقع فيهم قتل كثير وقتل من الفريقين قدر ثلاثمائة رجل على ما سمعت والله أعلم.

__________________

(١) التفق : بمعنى البنادق وهي لفظة شائعة في عمان والعراق.

١١٩

ثم إن مالك بن ناصر ارتفع بمن معه من العساكر وقصد قرية منح وأغارت شرذمه من قومه على فلج وادي الحجر فقتلوا منه ناسا ونهبوا مافيه وأحرقوا بيوتها وقتلوا من قتلوا وتفرق أهلها ، ثم ساروا إلى نزوى ووصلوا إلى مسجد المخاض من فرق فضربوا هنالك معسكرهم وأقاموا محاصرين نزوى وأفسدوا الزروع وأحرقوا سكاكر كثيرة من الحيلى والخضرا وأحرقوا مقامات من فرق وعاثوا في البلاد.

ثم خرج إليهم أهل نزوى ومن معهم من عساكر يعرب فوقع بينهم الحرب ثم رجع كل فريق منهم إلى مكانه وقتل من قتل من الفريقين فكانت الحرب والقتل بينهم كل يوم إلى ما شاء الله ، واشتد على أهل نزوى البلاء ثم وقعت بينهم وقعة عظيمة لم نسمع بمثلها إلى ما شاء الله وكادت تكون الهزيمة على قوم مالك إلا أنهم لم يجدوا سبيلا للهزيمة والهرب إذ قد أحاطت بهم الرجال كحلقة الخاتم بعد ما انهزم منهم خلق كثير وبقي من بقي وظنوا أنهم غالبون لا محالة فاشتغل أكثرهم بالنهب والسلب واتكل بعضهم على بعض فعطف عليهم القوم بعزم ثابت وجد واجتهاد فولوا منهزمين فكثر فيهم القتل والجراح واتبعهم القوم يقتلون ويسلبون إلى الموضع المعروف بجنور الخوصة قريبا من جناة العقر فقتل كثير من أهل نزوى في ذلك اليوم.

ورجع قوم مالك إلى معسكرهم ولم تزل الحرب بينهم قائمة بكل يوم ثم أن مالكا خرج بكافة أصحابه إلا قليلا تركهم في المعسكر حتى وصل قريبا من جناة العقر فأراد أن يحاصرهم في بستان شويخ وليثقب جدرها لمرمى التفق ، فخرج عليهم أهل نزوى فدارت رحى الحرب بينهم ساعة من النهار ثم قتل مالك ابن ناصر فانكسر قومه ورجعوا إلى معسكرهم وأقاموا هنالك إلا أن قوتهم ضعفت بموت مالك.

١٢٠