شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

مقدّمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه ثقتي

ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري ، إنّك على كلّ شيء قدير ، وبالإجابة جدير.

الحمد لله الّذي أمال قلوبنا برحمته إلى صرف الهمم نحو إقتناء الكمال ، وتفضّل علينا برأفته بادغام النّعم في النّعم على كلّ حال.

والصّلاة على من ختم به الرّسالة ، وحفظ شريعته عن تطرّق النّسخ والأبدال ، وأيّده لتكسير جموع أهل الغيّ ، ونقض أبنية الضلال ، وآله الطّاهرين الّذين باتّباع كلّهم وامتثال أمرهم ونهيهم يفاز بالصحّة ، ويصان عن الإعتلال.

أمّا بعد :

فيقول أفقر المذنبين إلى عفو ربّه ورحمته ، وشفاعة سيّد المرسلين وعترته ، محمّد الشهير بكمال الدّين بن محمّد الشهير بمعين الدّين الفسويّ (١) ، [أفاض الله عليهما شئآبيب (٢) الغفران ومنّ عليهما بالعفو والإحسان].

هذه عجالة أجريتها مجرى الشرح لشافية «جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر ابن أبي بكر المعروف بابن الحاجب» ، راجيا من الله عمّت آلائه أن ينفع بها كلّ

__________________

(١) فسا : بلدة تابعة لمدينة شيراز الإيرانية.

(٢) جمع الشؤبوب وهو : الدفعة من المطر أو غيره.

١

طالب ، واقتصرت فيها على كشف المقاصد ، وطويت الكشح عن الزوائد ، إلّا ما ناسب المقام واقتضته الحال من النّكت والفوائد ، ليوافق مبتغى من حداني ابتغائهم على هذا التّعليق ، مع كثرة الشواغل عن الأمعان في التحقيق والتدقيق وقلّة البضاعة خصوصا في هذه الصناعة.

والمرجوّ من الناظر أن يمنّ عليّ بصالح الدّعوات ، ويعفو عمّا عثر (١) عليه من العثرات (٢).

وها أنا اشرع ، وعليه أتوكّل ، وإليه أفزع.

فأقول : إفتتح المصنف بالتّسمية والتحميد ، لما ورد في الرّوايات من الحثّ عليه.

واختار الأسلوب الواقع في الكتاب العزيز ، تيمّنا وحيازة لما فيه من الحكم والفوائد الّتي لا تحصى ، وفصّل ما اهتدى إليه العقول في موضعه.

وقال :

__________________

(١) عثر أي : إطّلع.

(٢) أي : الزلّات.

٢

[بسم الله الرّحمن الرّحيم]

[ألحمد لله ربّ العالمين] ثمّ عقّبه بقوله : [والصّلاة على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين ، وصحبه أجمعين] ليتوسّل بهم في رفع حمده إلى درجة القبول ، واستفاضة التوفيق لما رامه (١) من هذا التأليف ، بل لنيل كل مأمول.

وبعد :

(فقد إلتمس منّي) والفاء لتوهّم : أما ، أو تقديرها ، (من لا يسعني مخالفته) أي : لا أطيق مخالفته لجلالة قدره ، أو كثرة إنعامه ، أو فرط ألفته ، [أن ألحق بمقدّمتي] الكائنة[في] ما يسمّى علم [الاعراب] من جملة النحو وهي الكافية.

التسمية بالاعراب مع الاشتمال على البناء أيضا ناظرة إلى أعظم الأبواب ، وأهمّها ، وربّما زعم بعضهم أنّ مباحث المبني فيه استطرادية.

[مقدّمة] كائنة[في التصريف] الّذي هو القسم الآخر من النحو ، فإنّه داخل فيه بالاتفاق ، [على نحوها] أي : على مثلها وطريقتها في وجازة اللّفظ ، وغزارة المعنى والجودة ، ولفظ النحو لا يخلو عن لطف ، ولذا إختاره على المثل ونحوه.

[ومقدّمة] كائنة[في الخط] وبيان رسمه ، ويجوز تعلّق الظرف في المواضع الثلاثة بالمقدّمة ، ولو باعتبار معنى المؤلف ونحوه مثل : أسد عليّ ، وفي الحروب نعامة ، وترك قوله : على نحوها أو ما يؤدّي معناه ههنا إشعارا بأنّ الاعتناء بالخط دون الاعتناء بالاعراب والتصريف ، فلذلك لم يكلّفه السائل غير مقدّمة ، كيف كانت ، وان قدّرته فيه حصل الإشعار المذكور من ترك التصريح ههنا ، وعدم المبالاة بالغفلة عنه.

__________________

(١) رامه أي : قصده.

٣

(فاجبته سائلا) وترك ذكر المسؤل عنه لظهور أنّه لا يصلح لذلك غير الله تعالى ـ سبحانه ـ ، (متضرّعا) أي : مبتهلا ، متذلّلا ، (أن ينفع بهما) أي : بالمقدّمتين (كما نفع بأختهما) الكافية ، وما مصدريّة أي : نفعا كالنفع بالأخت.

وقوله : (والله الموفّق) إنقطاع إلى الله ـ جلّ إسمه ـ وحصر للتوفيق فيه على ما يفيده تعريف الخبر ، وإشعار بأنّه لا يستبدّ في إجابة الالتماس والتأليف ولا غيرهما.

وليعلم ان أسماء العلوم تطلق على المسائل ، وعلى التصديق بها ، وعلى الملكة الحاصلة من ممارستها.

ثمّ إنّ الجزئيات لما كانت غير محصورة ولا منضبطة قصدوا في كلّ علم إلى قواعد كليّة تشترك في رجوع أحكامها إلى البحث عن أحوال أمر ، أو امور متناسبة على وجه فصّل في موضعه ، وتلك القواعد تسمّى اصولا لبناء الأحكام الجزئيّة المستنبطة عنها ، الّتي تسمّى فروعا عليها.

وتلك الاصول مسائل العلم ، وما يكون البحث فيها عن أحواله موضوع ذلك العلم ، ثمّ إنّ تعريف العلم ، وبيان موضوعه ، ووجه الحاجة إليه ممّا يفيد زيادة البصيرة للشارع ، فلذلك بادر المصنّف إلى تعريف هذا العلم على وجه يشعر بموضوعه ، وجهة الاحتياج إليه (١) ، وتبع الاستعمال الوارد في تعليق العلم بالكليّ ، والمعرفة بالجزئيّ.

وقال :

__________________

(١) وجهة الاحتياج إليه هو : الاحتراز عن الخطأ في أحوال الأبنية.

٤

[تعريف علم الصّرف]

[التصريف : علم باصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم الّتي ليست بإعراب].

(التصريف علم) أي : تصديق باصول ، أو ملكة متعلّقة ، (باصول) موصوفة بأنّها : (تعرف بها) الأحكام الجزئية ، الّتي هي : (أحوال أبنية الكلم) لا مطلقا بل أحوالها(الّتي ليست باعراب) أي : ليست من أحوالها المتعلقة بعلم الاعراب ، إعرابا كانت أو بناء.

والمراد ببناء الكلمة هو : اللفظ باعتبار ما فيه من الحروف الأصليّة والزائدة والحركات ، والسّكنات الوضعيّة من حيث كونه مادّة ، لما يعرضه من الأحوال العارضة له في نفسه.

واضافتها إلى الكلم إمّا بيانية : أي الكلم الّتي هي الأبنية كالمصدر ، والمفرد ، والمكبّر ، من حيث كونها موادّ لما يعرضها من الأحوال ، وإمّا بمعنى اللّام : أي الأبنية التي للكلم ، والاصول الّتي ترجع هي إليها ، فالكلم على هذا (١) هي : الألفاظ المخصوصة الحاصلة بطريان الأحوال على الأبنية ، بحسب الدواعي السانحة المختلفة ، كألفاظ المشتقّات من المصدر ، والجمع ، والمصغّر.

وأحوال الأبنية هي : العوارض الّتي إعتبر الواضع بالوضع النّوعي طريانها عليها لحصول ألفاظ مخصوصة اخر بحسب الدواعي والأغراض ، كالإبدال ، والإعلال ، وما يتعلّق ـ بتحصيل صيغ الماضي والمضارع ، والمصغّر ، والجمع وغيرها ـ من الحركات والسكنات والزيادات وغيرها ، ممّا يطرء على الأبنية طريانا جاريا على

__________________

(١) أي بناء على انّ الاضافة لاميّة.

٥

قانون الوضع ، فيحصل الماضي والمضارع وغيرهما ، وهو المراد (١) من عدّ نحو ذلك من «الأحوال» فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّه لا يجب كون البناء لفظا مستعملا جاريا على القياس ، بل قد يكون على خلافه كصون فانّه بناء لما يحصل بالتصرّف الاعلاليّ الواجب فيه كصان ، ولا يقدح في كون تلك الأحوال مبحوثا عنها زوال صور الأبنية وتغيّرها عند طريانها ، فإنّ الأحوال المبحوث في العلوم تشمل نحو ذلك.

إذا تمهّد هذا فنقول : (العلم) في التعريف كالجنس ، وخرج بالتقييد(بالاصول) ، ما ليس متعلّقا بها ، كالعلم بالجزئيات.

والمراد ب(أحوال الأبنية) أحوالها العارضة لها من حيث أنّها أبنية ، كما تشعر به إضافتها إليها مع شيوع اعتبار الحيثية في التعريفات ، فحيث قيّدت [الاصول] بكونها[تعرف بها] تلك [الأحوال] ، خرج ما لا دخل له في معرفة حال البناء أصلا ، كالاصول المتعلّقة بمعرفة أحوال الأجسام والأعراض ، وما يعرف به أحواله من غير تلك الحيثيّة ، كالعارضة له من حيث كونه لفظا وصوتا ، والأحوال الاعرابيّة الطّارية في أواخره باعتبار التركيب مع الغير فإنّها خارجة عن الحالات الوضعيّة المعتبرة في كون اللّفظ بناء.

فتلك الحيثيّة مغنية عن التقييد بكونها[ليست باعراب] كما ذكره بعض المحققين ، ولعلّه صرّح بنفي الاعراب من جملة ما نفى بتلك الحيثية لزيادة الاهتمام بالتنصيص على الاحتراز عن علم الاعراب ، لأنّه أنسب من غيره بالمعرّف ، واحتمال الالتباس فيه أظهر ، فتأمّل (٢).

__________________

(١) ردّ على السيّد عبد الله ومن تبعه حيث قالوا المراد منها مفهوماتها لا ما صدقاتها لذا عدّت من الأحوال.

(٢) وجه التأمّل : انّ التصريف وعلم الاعراب عدّا علما واحدا ، أو جمع البعض في محل واحد ويسمّيان شيئا واحدا كالنحو. «ابن الحاج»

٦

بقي ههنا كلام وهو : انّه عدّ المصدر فيما بعد من الأحوال ، مع ظهور أن صيغ مثل : النّصر ، والضّرب ، ليست أحوالا طارية على بناء أخر ، ولعلّه عدّه منها باعتبار ما يشتمل من جنسه ، على التغيّر عمّا يفرض أصلا له كالانتصار ، فإنّ ماله مدخل في حصول صيغته من الأحوال الطارية على المصدر المجرّد الّذي هو أصله وبنائه ، وإن جعل لفظه من حيث كونه مادّة لما يعرضه من ماضيه ومضارعه وغيرهما بناء لها ، ولا منافاة بين كون لفظه بناء لشيء وكون صيغته حالا لبناء آخر كما لا يخفى.

ويكفي للحكم بكونه من الأحوال كونه منها في الجملة ، وكأنّه إنّما تعرّض للمجرّد عن التغيير من المصدر ، فيما بعد حيث انتهى الكلام إليه ، استتماما للبحث ، فيه استطرادا كما استطرد بيان الادغام والتحريك بالكسر العارضين بمدخلية كلمة اخرى نحو : إضرب بّعده ، واضرب الرّجل ، في بابي الادغام والتقاء الساكنين ، فإنّ التحقيق انّ مثل ذلك ليس من أحوال الأبنية المقصودة ههنا ، كالاعراب.

ثمّ المقصود من [أحوال الأبنية] في التعريف جميعها ، كما هو المتبادر ، ومن معرفتها التمكّن منها ، بحيث يقتدر على معرفة أيّة حال اريدت من تلك الأحوال.

ويكفي في معرفة حال البناء من أصل أن يرجع حكم ذلك الأصل إلى حاله بالآخرة ، وإن لم يكن ذلك البناء موضوعا بالفعل في القضيّة الّتي هي ذلك الأصل ، فقولنا : كل واو كذا انقلب ألفا ، في قوّة قولنا : كلّ بناء مشتمل على واو كذا يعرضه ذلك الإعلال.

والقصد في علم التصريف إنّما توجّه إليه بهذا الاعتبار ، وحيث أشير في التعريف إلى أنّ التصريف باحث عن أحوال الأبنية العارضة لها من حيث انّها أبنية ، علم أن موضوعه هي الأبنية ، من تلك الحيثية.

ولمّا كانت معرفة كلّ شيء يفيد الاقتدار على الاحتراز عن الحظأ فيه والاحتياج إلى هذا العلم ليس إلّا للاحتراز عن الحظأ في أحوال الأبنية كان التعريف كأنّه مشير اشارة ما إلى وجه الحاجة ، فقد تمّ الحدّ جمعا ومنعا ، على وجه يشير إلى الموضوع ، والحاجة بوجه ما كما ذكرنا.

٧

ثمّ إنّهم لم يتعرّضوا لأبنية الحروف لندور تصرّفها ، وكذا الأسماء الغير المتمكّنة الغريقة في البناء كمن ، وما ، بل إنّما تعرّضوا لأبنية الاسم المتمكّن والفعل لكثرة التصرّف فيهما.

٨

[أصول الأبنية]

والأبنية تنقسم إلى الاصول والمزيد فيها ، [وأبنية الاسم] المتمكن الموصوفة تلك الأبنية بأنّها : [الاصول : ثلاثية] موضوعة على ثلاثة أحرف وإن عرض النقصان ، كأب ، ويد[ورباعية] على أربعة[وخماسية] على خمسة.

وليس فيها أنقص من الثلاثي ، لأنّ الأوفق بالطبع أن يتحقّق في اللّفظ ما يبتدأ به ، وما يوقف عليه ، ولا يتحدان للزوم الحركة في الأوّل ، والسكون في الثاني ، ثمّ الأوفق به أن لا يتصل الابتداء بالانتهاء ، والشروع بالانقطاع.

ولا أزيد من الخماسي حذرا من الثقل في أصل الوضع ، ولئلّا يتوهّم انّه كلمتان.

وقيد بالاصول لجواز الزائد على الخماسي في المزيد إلى السباعي ، كاستخراج ، واحرنجام ، لأنّه ليس في أصل الوضع ، والطوارئ يتسامح فيها ما لا يتسامح في الأصل ، والثلاثي أعدل الأبنية.

[وأبنية الفعل] الاصول ، واكتفي في التقييد بما ذكر في الاسم ، [ثلاثية] اصالة وان طرء النقص نحو : ق ، [ورباعية] ، ولم يزيدوا عليها لكثرة تصرّفاته المناسبة لخفّته ، ولأنّ الضمير المرفوع المتصل به كالجزء منه ، فيجري الخماسي منه مجرى السداسي المرفوض في الاسم لثقله ، والمزيد فيه منه يجوز إلى السّداسيّ ، كاستخراج ، واحرنجام.

والعارف بالاصول والزوائد في الأسماء والأفعال ـ إذا أراد إعلام ذلك لمن لا يعرف ـ لو تعرّض للتفصيل في كل لفظ لأدّى إلى التطويل ، فوضعوا لذلك قانونا يسهل به (١).

__________________

(١) هذه العبارة أوجز واحسن ممّا تكلف الشراح السابقة فيه بأنّه لا بدّ من ميزان يتميّز به الزائد عن الأصلي مثل : فعل ، وإلى آخر ما ذكروه.

٩

[و] هو ان الاصول (١) [يعبّر عنها] عند الاعلام [بالفاء والعين واللّام] (وما زاد) من الاصول على تلك الثلاثة يعبّر عنه (بلام ثانية) ولام (ثالثة) وذلك لأنّهم ابتدؤا في ذلك بالفعل لكثرة تصرفاته بالزيادة والنقصان.

وأخذوا الزنة من لفظ فعل ، على الترتيب ، لاشتراك مفهومه بين جميع الأفعال ، ولم يخرجوا عن مادّته ـ فيما يحتاج إليه من الزائد ـ على حروفه في الرباعي ، فالتجأوا إلى تكرير بعض حروفه ، واختاروا اللّام لطريان الحاجة عنده ، ثمّ (٢) حملوا الاسم في ذلك على الفعل.

(ويعبّر عن الزائد) على الاصول (بلفظه) أي : بلفظ ذلك الزائد فرقا بين الزائد والأصليّ ، وهذه القاعدة مطردة عندهم في كل زائد ، كما يقال : ناصر على «فاعل» ومنصور على «مفعول».

إلّا المدّغم في أصليّ فانّه يعبّر عنه بما بعده ، مثل : إدّارك ، وازّيّن ، في تدارك وتزيّن ، فان وزنهما «افّاعل» و «افّعّل» ، بتشديد الفاء ، لا ادفاعل وازفعّل.

[وإلّا] الزائد[المبدّل من تاء الافتعال] كالدال في ادّكر والطاء في إصطلح ، [فانّه] أي : المبدّل المذكور يعبّر عنه في الزنة[بالتاء] لا بلفظه فيقال : في المثالين مثلا : انّهما على زنة «افتعل» لا افدعل وافطعل رعاية للأصل ، وحذرا عن الثقل فيما هو كثير في الاستعمال ، بخلاف ما ارتكبوه في فزد ، وفحصط ، فإن أصلهما فزت وفخصت ، وأبدل الدّال والطاء من ضمير المتكلّم ، وقالوا : في وزنهما «فلد» و «فعلط» ، لأنّه تصرّف نادر ، قليل ، فلم يبالوا فيه بالثقل ، وعدم رعاية الأصل ، وعبّروا عنه بلفظه الحاقا له بالغالب فيما ليس بأصليّ.

[وإلّا] الزائد[المكرّر] الّذي حصل بتكرير حرف أصليّ [للالحاق] بكلمة اخرى ، كالباء في جلبب للالحاق بدحرج ، [أو لغيره] أي : غير الالحاق من

__________________

(١) عام على الاسم والفعل.

(٢) أي بعد الابتداء بالفعل.

١٠

الأغراض الداعية إلى زيادة ما يفضي إلى التكرير ، ـ كالرّاء ـ في كرّم بالتشديد فان تكريرها ليس للالحاق ، بدليل الادغام ، فانّ المكرّر للالحاق لا يدغم حفظا لبناء الملحق به ، بل التكرير لحصول الغرض المتعلّق ببناء باب التفعيل من التعدية والمبالغة وغيرهما ، فالمكرّر لأحد الوجهين ـ أيضا ـ مستثنى عن القاعدة المطّردة في التعبير عن الزائد.

[فانّه] أي : المكرّر المذكور يعبّر عنه في الزنة[بما تقدّمه] أي : بما عبّر به ما وقع قبله ، فيقال : جلبب على زنة فعلل لا فعلب ، وكرّم على زنة فعّل لا فعرل.

والداعي إلى ذلك (١) ، أن التكرير مستكره عندهم جدّا ، فلا يرتكب إلّا مع شدّة العناية بما يتوصّل به إليه ، فارتكابه يدل على انّ الاهتمام بالمكرّر كالّذي قبله ، فيعبّر عنه بما عبّر هو به ، وهذا مطرد في كلّ ما كرّر.

[وان كان من حروف الزيادة] وهي : حروف سألتمونيها ، ـ كاللّام ـ في شملل ـ للالحاق ـ وفي علّم بالتشديد ـ للغرض الحاصل من بناء الباب ـ ، فيعبّر عنه بالمقدم.

فلا يتوهّم من شيوع التعبير من حروف الزيادة بلفظها أنّ التعبير عن المكرّر بما قبله مختص بما إذا لم يكن منها.

ولكون الظاهر في المكرّر بتكرير الأصليّ أن يكون تكريره عن قصد ـ مع عموم ما ذكر من الداعي إلى التعبير بالمتقدّم في كلّ ما كرّر قصدا ـ أعتبر ذلك الحكم في المكرّر المذكور متلبسا بأيّ حال من الأحوال ..

[إلّا] حال كونه متلبسا[بثبت] أي : دليل دالّ على انّ التكرير لم يقصد من حيث هو تكرير ، بل أرادوا زيادة حرف ، من حيث خصوصيّة ذلك الحرف ، فاتّفق كونه مكرّرا لوجود أصليّ مثله ، كالنون الّذي يقصد زيادته من حيث خصوص ذاته ، التحصيل بناء فعلان ، فربّما اتّفق تكريره لوجود مثله في المزيد عليه ، كما في

__________________

(١) أي : التعبير بما تقدم ، دون التعبير بلفظه.

١١

سمنان ، فحيث كان هذا التكرير اتفاقيا غير مقصود من حيث هو تكرير لم يجز فيه ذلك الداعي ، حتّى يخالف لأجله القاعدة المطّردة في التعبير عن الزائد بلفظه.

[ومن ثمّة] أي : لأجل انّ المكرّر يعبّر عنه بما قبله ، إلّا بثبت [كان «حلتيت»] ـ لصمغ الأنجدان ـ [«فعليلا»] ملحقا بقنديل (١) ونحوه ، [لا فعليتا] بالتاء كعفريت ، لعدم وجود دليل يقتضي العدول عن الظاهر الّذي هو وقوع التكرار قصدا.

(وعثنون) وهو : اللحية ، أو بعض مخصوص منها ، أو شعرات طوال تحت حنك البعير ، (وسحنون) يقال : لأوّل الرّيح والمطر ، [فعلول] بضمّ الفاء وتكرير اللّام ، ملحق بعصفور وغضروف (٢) ونحوهما ، [لا فعلون] بالنون [لذلك] الّذي ذكرناه من التعبير عن المكرّر بالمتقدّم لما ذكر ، (ولعدمه) أي عدم «فعلون» بالنون في كلامهم ، ووجود «فعلول» باللّام ، كالمثالين.

وهذا من باب الاستظهار ، إذ لو فرض وجود فعلون أيضا لم ينفع في ارتكاب خلاف الظاهر ، مع فقد الدليل المقتضي على ما قيل.

فقد بيّن إلى ههنا ما هو مقتضى التعبير عن المكرّر بالمتقدّم.

ثمّ أشار إلى بيان الثبت للعدول عنه بقوله :

[وسحنون إن صحّ الفتح] في أوّله على ما روي [ففعلون] بالنون ، [ك ـ حمدون ،] وزيدون ، وعبدون ، [وهو] أي فعلون بالنون ، [مختص بالعلم] اسما كان أو لقبا ، وان كان الصحيح في «سحنون» الضم كما هو المشهور ، فهو «فعلول» بتكرير اللّام ك ـ عثنون.

وإنّما قلنا : انّه على تقدير الفتح «فعلون» بالنون لا «فعلول» باللّام [لندور فعلول] باللّام ولم يأتي منه بناء محقّق الّا واحد ، نادر.[وهو] : [صعفوق] علم

__________________

(١) والقنديل : اسم جبل أو موضع بكردستان العراقية.

(٢) الغضروف : كل عظم رخو يؤكل.

١٢

لحيّ باليمامة ، أو لقرية ، وقيل : انّه أعجميّ ولذا جعل السببان في منع صرفه العلميّة ، والعجميّة ، ولم يعتبر فيه التأنيث باعتبار القبيلة ، أو القرية لأنّ العجمة أقوى ، والصعفوق ـ أيضا ـ اللّئيم وهو : حينئذ اسم جنس منصرف ، وان فرض انّه أعجميّ الأصل.

فندور هذا البناء دليل مقتضي للعدول عن قاعدة التعبير بالمتقدّم ، إذ لا تحمل الكلمة على ما ندر وجوده.

[وخرنوب] ـ بفتح الخاء المعجمة ـ وهو : ـ نبت يتداوى به ـ لا ينافي ما ذكرناه من وحدة البناء المتحقّق في فعلول ، لأنّه [ضعيف] لم يثبت في اللّغة الفصيحة ، حتّى انّ الجوهري منع فيه الفتح ، والفصيح المشهور فيه الضم ، ويروى بالفتح مع تشديد الراء من غير نون ، وهذا يدل على انّ النون عند لحوقه زائدة ، فلا تثبت به «فعلول».

[وسمنان] بفتح السين ، وهو ـ : ماء لبني ربيعة ـ غير منصرف للعلمية ، والألف والنون المزيدتين ، [فعلان] بالنون ، لعدم اعتبار «فعلال» باللّام في كلامهم ، في غير المضاعف ، نحو : زلزال ، وخلخال ، وكثرة «فعلان». وهذا أيضا دليل مقتض للعدول عن التعبير بالمتقدّم.

[وخزعال] وهو ـ : ناقة بها ظلع (١) ـ على زنة فعلال باللّام لا يقدح في عدم اعتبار هذا البناء ، لأنّه (نادر).

وقال الفرّاء : لم يأت فعلال من غير المصاعف سواه. والشقراق بفتح الشّين : ـ الطائر ـ ، لم يثبت ، بل قال البطليوسي : انّ الأقيس فيه كسر الشّين ، وكذا القهقار ـ للحجر الصلب ـ على ما حكاه ثعلب ، إذ الأكثرون على أنّه القهقرّ بتشديد الرّاء من غير ألف.

__________________

(١) الظلع : ضرب من العرج ومنه ظلع البعير كمنع إذا مال في رجله عند المشي.

١٣

وأمّا القسطال ـ للغبار ـ على ما حكاه أبو مالك ، فكأنّه ممدود القسطل ، والألف فيه مدّوا شباع للفتحة.

[ويطنان] ـ بضم الموحّدة ـ [فعلان] بالنون ، لعدم وجود «فعلال» باللّام في كلامهم ، وجودا يعتنى به.

[وقرطاس] ـ بضم القاف ـ وإن كان على «فعلال» باللّام لكنّه [ضعيف] والفصح كسره ، وربّما يقال : انّه روميّ ، وقرطاط ـ للبردعة ـ وقسطاط ـ للسرادق ـ أيضا وان روي فيهما الضمّ ، ولكنّ الفصيح المعتبر كأنّه الكسر.

وبالجملة فعدم وجود هذا البناء وجودا يعتني به دليل مقتض للعدول في بطنان ، عن اعتبار قصد التكرير ، والتعبير بالمتقدّم ، [مع] وجود أمر آخر وهو : [انّه نقيض ظهران] ، لأن ظهرانا اسم لظاهر الريش وبطنانا لباطنه ، وظهران «فعلان» بالنون من غير شكّ لعدم التكرير فيه حتّى يكون فعلالا بالالحاق ، فبطنان ـ أيضا ـ مثله ، حملا للنقيض على النقيض ، لتنزيلهم التناقض منزلة التناسب ، لتقارن المتناقضين في الخطور القلبي ، ولا يخفى انّه وجه ضعيف ، في العدول عن الظاهر فكأنّه كالمؤيّد.

والّذي يظهر من «الصّحاح» أن ظهرانا وبطنانا جمعان ، للظهر والبطن من الرّيش ، مثل : عبد وعبدان ، فهو على «فعلان» بالنون لعدم «فعلال» باللّام في أبنية الجموع أصلا ، وان فرض وجوده في المفرد.

ثمّ انّ ما ذكر في الزنة إلى ههنا مطّرد عند الجمهور ، واعتبر الجميع في التصغير أوزانا اخر لمجرّد بيان صورة الحروف والحركات مع قطع النظر عن بيان الأصلي والزائد ، ليكتفوا بها عن ذكر الأوزان المختلفة المتكثرة بحسب الأبنية المختلفة الّتي لا تكاد تحصى كثرة ، ولم يخرجوا في مقابل الزائد ـ سوى الياء الّتي تقع في صيغ التصغير ـ عن الفاء والعين واللّام ، استغناء بها عن غيرها ، فاضطروا إلى تكرير أحدها ، ولم يكرّروا اللّام كما هو المعهود في باب الزنة ، تنبيها على مخالفة الغرض من

١٤

وضعها للغرض في ذلك الباب ، فكرّروا ما يتّصل به وهو العين.

فأوزان التصغير : فعيل ، وفعيعل ، وفعيعيل ، ويشترك في فعيل مثل : دريهم ووزنه الحقيقي في مقابلة الاصول والزوائد فعيلل ، واحيمر ووزنه أفيعل ، وجويرب ووزنه فويعل إلى غير ذلك ، وفي فعيعيل عصيفير ووزنه فعيليل ، ومفيتيح ووزنه مفيعيل إلى غير ذلك ، فهذا تحقيق الزنة.

***

١٥

أحكام القلب

[ثمّ ان كان قلب في الموزون] بتغير مواضع اصوله ـ بالتقديم والتأخير ـ وأكثر ما يقع في المعتلّ ، والمهموز على ما ذكره نجم الأئمّة ـ رضيّ ـ ، [قلبت الزنة] قلبا(مثله) للتنبيه عليه ، وذلك [كقولك : في آدر] ـ بالمدّ في أوّله ـ وهو : جمع دار ، وهو المحلّ الجامع للبناء والعرصة ـ [أعفل] بتقديم العين على الفاء ـ لأنّ أصل آدر أدور بالواو في وسطه على زنة «أفعل» لأنّه أجوف واويّ ، وأصله من الدّوران ، فقلبوا الواو همزة جوازا ، لجواز قلب الواو المضمومة همزة كما يجيء ـ إنشاء الله تعالى ـ ، ثمّ قلبوها إلى موضع الفاء فقلبت ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها.

[علامات القلب] :

(ويعرف القلب) في الموزون :

[١] (بأصله) المعلوم الّذي اشتقّ منه ذلك الموزون وذلك : (ك ـ ناء يناء) بمعنى بعد يبعد(مع النأي) الّذي هو مصدره وأصله المعلوم ، بعدم سماع مصدر له سواه ، فبذلك علم انّه مقلوب ممّا هو على ترتيب ذلك المصدر ، وهو نأي ينأي ، بجعل اللّام إلى موضع العين ، فوزن ناء يناء «فلع يفلع».

[٢] [و] يعرف القلب أيضا في الموزون [بأمثلة إشتقاقه] ، وهي : الكلمات الواردة من مادّته فيما يتعلّق بمعناه ، كالماضي ، والمضارع ، واسم الفاعل ، وأبنية المزيد فيه إلى غير ذلك ، [كالجاه والقسيّ والحادي] فانّ قولهم : وجه يوجه وهو وجيه إلى غير ذلك ، ـ عند الدلالة على حصول الجاه ، وهو : القدر والمنزلة ـ يدلّ على عود الجاه معها إلى أصل واحد كالوجه.

فيعلم انّه مقلوب من الوجه ، على «عفل» ، والقياس بعد القلب أن يقال : «جوه»

١٦

ـ بالواو الساكنة ـ كما قيل ، وكأنّهم بعد ما انفتح فيه باب التغير حرّكوا الواو ، لتنقلب إلى الألف الّتي هي أخفّ الحروف.

وكذلك قولهم : استقوسوا أي : صاروا كالقسيّ في الانحناء من الشيخوخة ، وتقوسوا أي : معهم قسيّ ، ومتقوّس ، ومستقوس إلى غير ذلك ، يدلّ على رجوع القسي إلى أصل واحد هو القوس.

فيعلم انّه مقلوب قووس ـ بواوين ـ على «فعول» ، وبعد نقل اللّام إلى موضع العين ـ لكراهتهم اجتماع الواوين ، والضّمّتين ـ حصل قسوو ، فقلبت الواو الثانية ياء ـ لتطرّفها ـ وقلبت الاولى ـ بعد اجتماعها مع الياء وسكون السابقة منها ـ ياء ، ثمّ كسرت السين للمناسبة ، والقاف للاتباع (١) فوزنه «فليع».

وكذلك : توحّد ، ووحّد ، والواحد ونحوها ، ممّا يناسب الحادي ، يدلّ على عوده معها إلى أصل واحد ، وهو الوحدة ، فاصله الواحد ، فقلبت الحاء إلى موضع الواو ، والواو إلى موضع الدال ، وقلبت ياء ـ لتطرّفها وانكسار ما قبلها ـ فوزنه «عالف».

وجملة القول : انّه إذا لم يرد تصاريف لفظ إلّا على خلاف ترتيبه ، علم انّه مقلوب من أصل يكون على ترتيبها ، وهو يشاركها في العود إلى ذلك الأصل.

ففي المعرفة بأمثلة الاشتقاق ، ينتقل من ملاحظة الأمثلة إلى الأصل والقلب معا ، وفي المعرفة بالأصل يعرف القلب بالأصل المعلوم قبله ، فلذلك جعلهما وجهين (٢) ، فتأمّل.

[٣] [و] يعرف القلب ـ أيضا ـ في الموزون ، [بصحّته] أي : عدم اعلاله مع وجود سبب الاعلال ، ووجود ما يوافقه معنى وحروفا ويخالفه في ترتيب الحروف ، حتّى يمكن اعتبار القلب ، فلا قلب في مثل : حور ، واحتور والحيرى ونحوها ، ممّا

__________________

(١) وليس هذا الاتباع بواجب ، فيجوز بقاء الضمّة. «ابن جماعة»

(٢) فلا يرد ان معرفة القلب في الوجهين بالأصل ، فيرجعان إلى وجه واحد ، فلا وجه لجعلهما وجهين «فتأمّل فيه».

١٧

يصح ـ مع اشتماله على سبب الاعلال ـ لفقد الموافق معنى وحروفا مع الاختلاف في الترتيب ، بخلاف ما يوجد فيه الموافق على هذا الوجه ، (ك ـ أيس) ، فانّه مشتمل على سبب الاعلال ، وهو : تحرّك الياء وانفتاح ما قبلها ـ مع وجود ما يوافقه معنى وحروفا ، ويخالفه في ترتيبها وهو يئس ، فعدم قلب يائه ألفا ، يدلّ على انّه مقلوب منه ، وترك الاعلال فيه لعدمه ، لعدم السبب في ذلك الأصل ، فلذلك (١) لو وقع الاعلال في الأصل وقع في المقلوب «ك ـ ناء ونأى» بقلب الياء فيهما ألفا.

فهذا (٢) هو الفارق ، مع أنّ العلامة لا يلزم إنعكاسها أي تحقّقها في جميع موارد ما هي علامة له ، فلا يلزم من الصحّة الّتي هي علامة القلب في أيس تحقّقها في كلّ مقلوب كذا قيل.

نعم ، اطراد العلامة ـ وهو عدم تحقّقها في غير ما هي علامة له ـ واجب ، وإلّا لم يكن علامة له ، وعدم مصدر لأيس بهذا المعنى ـ سوى اليأس ـ يدلّ على القلب فيه أيضا.

[٤] [و] يعرف القلب أيضا في الموزون المقلوب (بقلّه استعماله) أي كون استعماله قليلا في نفسه ، مع كثرة ما يمكن إعتبار قلبه منه ، فلو كثر استعمال كلمة ـ ولكن كان أقل من إستعمال ما يمكن قلبها منه ـ لم يحكم بالقلب بمجرّد هذا.

وذلك : (ك ـ آرام ،) ـ بالهمزة الممدودة في أوّله ـ فانّه قليل الاستعمال ، والكثير هو : الأرآم ، ـ بتقديم الراء السّاكنة على المدّ ـ وهو جمع رئم ، وهو ـ : الظبي الخالص البياض ـ ، فهو مقلوب منه ، ووزنه «أعفال» ، وعدم أصل له سوى ـ الرّئم ـ يدلّ على قلبه أيضا ، كناء مع النأي.

(و) مثل : (أدر) ، فانّه قليل ، والكثير أدور ، فهو مقلوب منه ، وعدم أصل له

__________________

(١) أي الّذي علم من تبعية المقلوب للأصل.

(٢) أي الاعلال في ناء بقلب يائه ألفا لوجوده في الأصل وهو نأي ، وتركه في أيس لعدمه في الأصل وهو يئس هو الفارق بينهما في انّه يعل الأوّل دون الثاني.

١٨

سوى ـ الدّار ـ يدلّ عليه أيضا.

ولا حجر في اجتماع العلامات الّتي هي امارات ، وهذه العلامة أيضا غير منعكسة ، فانّ المقلوب قد يكون كثير الاستعمال كالجاه ، والحادي ، وقد يكون الأصل مرفوضا كالقسيّ ، فانّ أصله غير مستعمل أصلا ، فضلا عن الكثرة.

ثمّ انّ هذه الوجوه الأربعة لمعرفة القلب متّفق عليها.

[٥] [و] يعرف أيضا(بأداء تركه إلى اجتماع همزتين) ، ولكن ليس ذلك إتفاقيا بل ، (عند الخليل) ، وذلك في اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللّام ، (نحو : جاء) وهو : اسم فاعل من جاء يجيئ ، فزعم الخليل ، انّ اللّام قلب إلى موضع العين ، فحصل جاءي ـ بتقديم الهمزة على الياء ـ على وزن «فالع» ، ثمّ أعلّ اعلال قاض ، إذ لو لم يقلب لوجب أن يقلب يائه همزة ـ على ما هو القاعدة في اسم الفاعل الأجوف ـ فتجتمع همزتان ، وذلك مستثقل.

وسيبويه : امتنع من القلب واعتبر اعلال اسم الفاعل الأجوف ، واعتذر عن استثقال اجتماع الهمزتين بزواله بانقلاب الثانية ـ ياء ـ على ما هو القياس في تخفيفهما عند اجتماعهما متحركين ، مع انكسار الاولى ، ثمّ يعلّ اعلال قاض ، وكأنّه ـ مع تعدّد الاعلال ـ أحسن من القلب الّذي اعتبره الخليل ، وان لم يكن فيه سوى اعلال قاض ، لندور القلب وشيوع تلك الاعلالات.

واعترض عليه أصحاب الخليل : بأن كل ياء ـ منقلبة عن الهمزة ، المكسور ما قبلها ـ يجوز فيها الاعلال المناسب ، للياء الحاصلة بعد القلب ، كالحذف رفعا وجرّا في جاء ، وتركه مع رجحان الترك ، ومن ثمّة كان الأفصح تركه في : داري ، ومستهزيون ، عند قلب همزتهما ـ ياء ـ مع لزوم اعلال قاض في باب جاء.

وأجيب عنه : بمنع تلك الكلمة ، بل ان كان إنقلاب الياء عن الهمزة على سبيل الجواز ـ كما في المثالين ـ لوحدة الهمزة فيهما ، جاز الاعلال المناسب للياء الحاصلة بعد الانقلاب ، مع رحجان الترك كما ذكر.

١٩

ويشترط مع ذلك ، أن لا يكون الداعي إلى الانقلاب إلى الياء مقتضيا للاعلال لوجوبه عند اقتضاء ذلك الداعي ، كما في خطيئة ، فإن انقلاب همزتها ياء ، وإن كان جوازا ـ كما سيجيء إنشاء الله تعالى.

لكن لمّا كان الداعي إليه التوسّل به إلى الادغام ، وجب الاعلال بالادغام حيثما وقع الانقلاب وإن (١) كان الانقلاب إلى الياء وجوبا ـ كما في جاء ـ وجب الاعلال ، إلّا عند تحقّق ما يقتضي تركه ، كما إذا كانت الهمزة المنقلبة إلى الياء فاء الكلمة ـ كما في أيّمة ـ وأصلها القريب أئمّة ، ـ بهمزتين وميم مشدّة ـ فانّ همزته الثانية ـ الّتي تقلب ياء ، للمقتضي عن اجتماع الهمزتين ـ فائه فلذلك لم يعلّ بقلبها ألفا مع تحرّكها وانفتاح ما قبلها ، وذلك لاختصاص انقلاب الواو والياء المتحركتين ، المفتوح ما قبلهما ـ ألفا ـ ، بما إذا كانتا عينين أو لامين ، ولذلك : لم يعلّ في أودّ مضارع ودّ ونحوه ، كما يجيء في باب الاعلال ـ إنشاء الله تعالى ـ.

وقال المصنف : انّ ترك الاعلال في أيّمة لأن أصلها ـ أءممة ـ بسكون الهمزة ـ على زنة «أفعلة» ، ثمّ نقلت حركة الميم الاولى إليها للادغام ، فكانت حركة الياء المنقلبة عنها عارضة ، فلم يعتبر كما لم يعتبر الحركة العارضة لملاقات الساكنين في «أخشي الله» ، للتحرّز عن التقاء الساكنين.

هذا بعض ما يقال ههنا ، ولا يتعلّق لنا غرض بزيادة الاطالة ، بل الغرض مقصور على أنّ القلب عند البعض يعرف بأداء تركه إلى همزتين.

[٦] [أو] بأداء تركه (إلى منع الصرف ـ بغير علّة) ، وان لم يكن الأداء إليه على جميع الوجوه المحتملة ، على تقدير الترك ، بل كان أدائه إليه (على الأصحّ) من جملة تلك الوجوه.

فانّ منع الصرف بلا علّة لم يعرف في لغتهم أصلا ، فيحكم بالقلب الّذي ثبت في لغتهم في الجملة ، تفاديا عن ذلك الأصح ، لذلك ، وعن غيره من الوجوه المحتملة

__________________

(١) عطف على قوله : إن كان انقلاب الياء عن الهمزة إلخ.

٢٠