شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

أبنية المصدر الميمي

(ويجيء) من هذا القبيل ـ أيضا (١) ـ (المصدر من الثلاثي المجرّد على «مفعل») ـ بفتح العين مع التجرّد عن التاء ـ (قياسا مطردا) من غير توقف على السماع ، (ك ـ مقتل ، ومضرب) ـ بمعنى القتل ، والضرب ـ ، وما عداه شاذ ، موقوف على السماع ، كالمرجع ـ بالكسر في العين ـ ، وك ـ المسعاة ـ بالتاء ـ ، والمحمدة ، والمظلمة ـ بالكسر في العين أيضا والتاء ـ ، والميسرة ـ بالضمّ والتاء ـ ، وجاء في هذه الثلاثة الفتح ، ـ أيضا ـ.

وربّما جاء الكسر مع التاء فقط في الناقص ، ك ـ المعصيّة ، والأجوف ، ك ـ المعيشة.

وقد دلّ الاستقراء على اهتمامهم في التحرز عن غير ذلك القياس ، وخصوصا عن الضم مع التجرّد عن التاء.

(وأمّا : مكرم ، ومعون) ـ بالضمّ مع التجرّد عنها ـ (ولا غيرهما) ثابتا في الأفصح ـ (فنادران) ، والضم في غيرهما ك ـ المألك للألوكة وهي الرسالة ـ غير ثابت في الأفصح.

ونوقش في المكرم ، والمعون ـ أيضا ـ (حتّى جعلهما الفراء ـ جمعا ل ـ مكرمة ، ومعونة) ، ك ـ ميسرة ، ـ بالضم ـ استبعادا ل ـ مفعل ـ بالضم ـ في المصدر ، وسيبويه : انكر ورودهما جمعين أيضا ، فكأنّه يحمل ورودهما في بعض الأشعار على الضرورة.

ويظهر من كلام الجوهري : ان مكرمة ليست من المصادر ، فانّه قال : يقال أرض

__________________

(١) أي المصدر الّذي ليس مبدأ الاشتقاق.

٨١

مكرمة للنبات ـ أي جيّدة ـ ، ولم يتعرض لمجيئه مصدرا.

وقيل : المعونة اسم بمعنى الاعانة ، ك ـ الغارة ـ للاغارة ـ.

وأمّا : احتمال كون معون مصدرا على زنة «مفعول» ك ـ ميسور فاستضعفه بعضهم بلزوم كثرة التغير بنقل الحركة وحذف الواو ، مع مشاركته ل ـ «مفعل» ـ بالضم ـ في الندور.

هذا (١) فيما عدا المثال ، وامّا فيه فانّما ينقاس فتح العين بأحد الشرطين : أمّا بثبوت فائه في المضارع ، ك ـ الموجل ، في يوجل ، على ما حكاه يونس ، وأمّا بكون لامه ـ أيضا ـ حرف علّة ، ك ـ الموقي من وقى ، يقي ، ومع انتفائهما قياسه الكسر ، ك ـ الموعد ، والموضع ، والموجل فيمن قال : يجل ـ بحذف الواو ـ ، ولعل المصنف لم يلتفت إلى استثنائه ، لشهرة أمره.

ويقال : لهذا النوع من المصادر المصدر الميميّ ، وحكمه في الثلاثي المجرّد ما ذكر.

(و) يجيء قياسا مطردا ، (من غيره) ـ سواء كان ثلاثيا مزيدا فيه أو رباعيا مجردا أو مزيدا فيه ـ (على زنة المفعول) منه ، (ك ـ مخرج ، ومستخرج) ـ بمعنى الاخراج والاستخراج ـ (وكذلك البواقي) ، ك ـ مدحرج ، ومحرنجم ـ بمعنى الدحرجة ، والاحرنجام ـ.

(وأمّا ما جاء) من مصدر الثلاثي المجرّد(على) زنة(مفعول) (كالميسور ، والمعسور ، والمجلود ، والمفتون) ـ بمعنى اليسر ، والعسر ، والجلادة ، والفتنة ـ ، كما قيل : في قوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(٢) (فقليل) مقصور على السماع ، وكأنّه للتشبيه بما مصدره الميمي على زنة اسم المفعول وانكره بعضهم ، وجعل الأوّلين بمعنى الحال والشأن الّذي يوسر فيه أو يعسر فيه ، والمجلود : بمعنى الصبر الّذي يجلد

__________________

(١) أي كون المفعل بفتح العين قياسا مطردا.

(٢) الآية : ٦ القلم.

٨٢

فيه ، وقال : انّ الباء في (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) زائدة ، والمفتون : اسم مفعول.

(وفاعلة) ـ بالتاء ـ في مصدر الثلاثي المجرّد وغيره (كالعافية) مصدر عافاه ، (والعاقبة) مصدر : عقب فلان مكان أبيه مثلا ـ ، (والباقية) ، (والكاذبة) ـ بمعنى البقاء والكذب أو التكذيب ـ (أقلّ) ممّا جاء على زنة «مفعول» ، لعدم مصدر من غير الثلاثي المجرّد على زنة اسم الفاعل منه حتّى يشبّه به ، وقيل : يجوز ان يكون العاقبة اسم فاعل من : عقب وكانه صفة النهاية ، والباقية ، والكاذبة في قوله تعالى : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ)(١) ، (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ)(٢) ـ بمعنى نفس باقية ، ونفس كاذبة ـ.

وقد يقام «فاعل» بدون التاء مقام المصدر نحو : قول امرأة ترقص ولدها : قم قائما قم قائما* صادفت عبدا نائما

أي قم قياما ، وقد يقال انّه حال مؤكدة ، وقوله :

على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما

ولا خارجا من فيّ زور كلام (٣)

أي ولا يخرج خروجا على ما قال سيبويه.

***

__________________

(١) الآية : ٨ الحاقة.

(٢) الآية : ٢ الواقعة.

(٣) هذا البيت للفرزدق ، والشاهد فيه في قوله : «خارجا» فانّه عند سيبويه مصدر حذف عامله ، وتقديره : لا أشتم مسلما الدهر ولا يخرج خروجا من فمي زور كلام ، أي كلام الزور والهجو.

٨٣

[أبنية الرّباعي المجرّد]

(و) الرّباعي المجرّد مطلقا (١) يجيء مصدره على «فعللة» ـ بفتح الفاء ـ قياسا مطردا ـ ، (نحو : دحرج ، على دحرجة) وزلزل على زلزلة.(و) يجيء أيضا فيما ليس بمضاعف منه على نحو : (دحراج) ـ بكسر الفاء فقط ـ ، (و) في المضاعف منه (نحو :

زلزل ، على زلزال) ، (بالكسر) كثيرا ، (والفتح) ـ أيضا ـ على قلّة ، ولعل أصله الكسرة ، وقلبت فتحة تخفيفا ، لثقل المضاعف ، على ما في شرح المفصل.

وأمّا الرّباعي المزيد فيه فظهر حكم نحو تدحرج منه من «تفعل ، وتفاعل» ، وحكم الباقي ممّا فيه همزة وصل من مصدر الثلاثي المزيد فيه نحو : اقشعرّ واقشعرارا ، واحرنجم احرنجاما ، وأمّا اقشعر قشعريرة ، واطمأنّ طمأنينة ، وهما على «فعلّيلة» ـ بضمّ الفاء وتشديد اللّام الاولى ـ فالمنصو بأن فيهما اسمان واقعان مقام المصدر كما في نحو : أغطي عطاء ، كذا قال نجم الأئمّة رضي.

***

__________________

(١) سواء كان مضاعفا أو لا.

٨٤

بناء اسم المرّة والنوع

ثمّ انّهم كثيرا ما يقصدون الدلالة في المصدر على واحدة من مرّات الفعل باعتبار حقيقته من غير قصد إلى خصوصيّة نوع منه ، وقد يقصد الدلالة على النوع ، والمراد بالنوع الحالة الّتي يوقع الفاعل الفعل عليها ، (والمرّة) المذكورة(من الثلاثي المجرّد ممّا لا تاء فيه) يكون في استعمالاتهم (على «فعلة») ـ بفتح الفاء ـ وان لم يكن مفتوحا قبل بناء المرّة ـ ، لأنّه الأصل في المصدر ، وزيادة التاء للوحدة ، (نحو : ضربة ، وقتلة) ، فان كان فيه زيادة حذفت للرد إلى «فعلة» ، نحو : جلسة ، ودخلة في : جلوس ، ودخول ـ بحذف الواو ـ ، وحسبة في : حسبان.

(وبكسر الفاء ـ للنوع ـ) ، فرقا بينه وبين المرة(نحو : ضربة وقتلة) بمعنى نوع منهما ، ثمّ إذا أريد الدلالة على التعدّد في المرّة والنوع ثنّى أو جمع ، نحو : ضربتين ، وضربات ، فهذا حكم الثلاثي المجرّد الخالي عن التاء.

(وما عداه) سواء كان ثلاثيا مجرّدا مشتملا على التاء في الأصل ـ قبل اعتبار المرة والنوع نحو : رحمة ، ونشدة ـ أو ثلاثيا مزيدا فيه ، أو رباعيا مجرّدا ، أو مزيدا فيه ، يكون المرّة والنوع منه (على المصدر المستعمل) منه ، فان اشتمل على التاء فذاك ، والتفاوت بالقرائن ، (نحو : إناخة) واحدة ، ورحمة واحدة للمرة ، ولطيفة للنوع ، وقيل : ان مكسور الفاء من المجرّد الثلاثي كنشدة يفتح فائه في المرّة ، ومقتضى كلام سيبويه والجماعة : فيما اشتمل على زيادة ، نحو : دراية ، وبغاية ، حذف الزوائد والردّ إلى «فعلة» كدرية وبغية.

(فان لم تكن ـ تاء ـ) في المصدر المستعمل فيما عدا المجرّد الثلاثي المذكور ، نحو : إكرام ، واستخراج ، وتدحرج ، (زدتها) ، فتقول : اكرامة ، واستخراجة ، وتدحرجة.

٨٥

ثمّ ان كان للرباعي وذي الزيادة مصدران : فالوحدة تكون على المصدر الأشهر ان كان ، فيقال : دحرجة ، لا دحراجة ، ومقاتلة ، لا قتالة ، كذا قيل.

(و) ما جاء من مصدر المجرّد الثلاثي الخالي عن التاء المشتمل على الزوائد باثباتها وزيادة التاء للمرة ، (نحو : أتيته إتيانة ، ولقيته ... لقاءة) ـ بالحاق التاء على : إتيان ، ولقاء للمرة ـ (شاذ) ، والقياس : أتية ، ولقية ، ـ بحذف الزوائد ـ.

***

٨٦

أبنية أسماء الزّمان والمكان

(أسماء الزّمان والمكان) ما :

وضعت للزّمان والمكان باعتبار وقوع الفعل فيه مطلقا ، من غير تقييد أصلا ، فلا يكون لها مفعول ولا ظرف ، ولا نحوهما ممّا يفيد التقييد.

وقد يقال : انّ الذات الّتي ليست من شأنها العمل لما تعينت فيها بالزمانيّة والمكانيّة ، وتأصّلت في القصد خرجت عن حكم الصفات العاملة الّتي تكون الذات فيها على صرافة الإبهام ، ك ـ ضارب فان معناه شيء ماله الضرب ، والعمدة في القصد فيها معنى الفعل الّذي من شأنه العمل في نحو ذلك ، على ما حقق في موضعه ، فلذلك لم تجر مجراها في العمل فيها.

وحمل قول النابغة :

كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولها

عليه قضيم نمّقته الصوانع (١)

على المصدر الميمي ، ليعمل النصب في «ذيولها» ، وحذف مضاف ليصح حمل قضيم عليه ، وهو جلد أبيض يكتب فيه ، أي كأن موضع جرّ الرياح الّتي ترمس الاثار بالتراب ذيولها عليه قضيم زيّنته بالكتابة الصانعات الماهرات.

والتشبيه لأجل ما حصل في ذلك الموضع في التراب من نحو الخطوط ، بسبب الرّياح.

ثمّ ان هذه الأسماء تكون (ممّا مضارعه ـ مفتوح العين ـ) ك ـ يشرب ، وينام ،

__________________

(١) هذا البيت قائله النابغة كما ذكره المؤلف وشرحه الشارح بتمامه بحيث لا يحتاج إلى بيان. ترمس الاثار : أي يدفنها وتخفيها.

٨٧

(أو مضمومها) ، ك ـ يقتل ، ويدور ، (ومن المنقوص) بالحركات الثلاث في عين مضارعه ، ك ـ يسعي ، ويرمي ، ويغزو ، (على «مفعل») ـ بفتح العين ـ.

أمّا في مفتوح العين ، فلمناسبتها ، وأمّا في مضمومها : فلأنّهم حيث عدلوا عن الضم المناسب فيه ، استثقالا له ـ كما في المصدر الميمي الّذي هو نظير له ـ اختاروا الفتح ، لخفته ، وأمّا في المنقوص مطلقا : فلمّا فيه ـ مع الخفة ـ من التوسل به إلى انقلاب حرف العلّة ألفا ، مبالغة في التخفيف فيما يكثر دورانه.

وذلك (نحو : مشرب) ، ومنام ، (ومقتل) ، ومدار ، (ومرحى) ، ومسعى ، ومغزى ، وجاء : مأوى الابل من المنقوص بالكسر.

(و) هي (من مكسورها) ـ في المضارع ـ ك ـ يضرب ، ويسيل ، (و) من (المثال) الواوي الّذي ليس بمنقوص وحذفت فائه في المضارع ، ك ـ يعد ، ويضع ، (على «مفعل») ، ـ بكسر العين ـ لمناسبته حركة المضارع في غير المثال المذكور ، وأمّا فيه فلمّا ذكروه من كون الكسر أخف مع الواو من الفتح ، مع المناسبة للمضارع في نحو : يعد منه ، وذلك (نحو : مضرب) ، ومسيل ، (وموعد) ، وموضع.

والمثال اليائي في حكم الصحيح في التفصيل المذكور سابقا ، فيقال : في يقظ ـ من اليقظ ضدّ النوم ـ ك كرم ، وفرح ، ييقظ ـ بضمّ العين وفتحها ـ الميقظ ـ بالفتح ـ والمنقوص من المثال كغيره من المنقوص في لزوم الفتح ، ك ـ الموقى ، من وقى يقى ، وما يثبت فائه في المضارع ك ـ يوجل حكمه ههنا حكمه في المصدر الميمي.

(و) قد(جاء) : بعض الأسماء ممّا مضارعه مضموم العين على خلاف القياس ـ الّذي هو فتح العين ـ حيث جاء فيها كسر العين ، وهي : (المنسك) ـ لموضع النسك الّذي هو الذبح ـ.

(والمجزر) ـ بالجيم وتقدم المعجمة على المهملة ـ لموضع الجزر وهو نحر الابل ـ.

(والمنبت) ـ لموضع النبات ـ ، (والمطلع ، والمشرق ، والمغرب ، والمفرق) ،

٨٨

لوسط الرأس لأنّه موضع فرق الشعر ـ (والمسقط) ـ لموضع السقوط ـ ويقال : مسقط الرأس لموضع الولادة ، (والمسكن ، والمرفق) ـ لموضع الرفق ضدّ العنف ـ ويقال : لموصل الذراع والعضد ، كأنّه موضع الرفق والملائمة ، (والمسجد ، والمنخر) ـ بالنون والمعجمة فالمهملة ـ لثقب الأنف ـ لأنّه موضع النخير وهو صوت يخرج من الخيشوم.

فالكسر على خلاف القياس في هذه الأسماء ، لضم عينها في المضارع ، وجاء الفتح على القياس في المنسك ، والمرفق ، والمرفق ، والمسكن والمطلع ، والمسجد.

وقال الفرّاء : يجوز فيها الفتح وان لم يسمع.

وقد يوجّه خروجها عن القياس في اللفظ بأنّه باعتبار خروجها عن الأصل في أسماء المكان من حيث المعنى ، وهو الكون لمكان وقوع الفعل مطلقا مع اعتبار القصد إلى وقوعه فيه ، وذلك لاختصاص المنسك مثلا بموضع نسك مخصوص ، أي عبادة مخصوصة وهي الذبح ، والمفرق بوسط الرأس ، والمشرق ، والمغرب ، بمواضع مخصوصة للشروق والغروب ، والمنخر صار اسما للأنف ، من غير قصد إلى وقوع النخير فيه ، كما قال نجم الأئمّة رضي ، والمسجد مخصوص بما هو المعروف ، ولذلك يتعيّن الفتح عند إرادة موضع السجود مطلقا ، كما قال سيبويه ، ويمكن اعتبار نظير ما ذكر في البواقي.

وقد علم ممّا ذكر انّ الميم من أسماء الزمان والمكان مفتوح ، كيف ما كانت العين.

(وامّا منخر) ـ بكسر الميم والخاء كليهما ـ لموضع النخير ـ (ففرع) على منخر ـ بفتح الميم وكسر الخاء ـ ، لطريان كسرة الميم لاتباع كسرة الخاء ، وذلك (كمنتن) ـ بكسر الميم وسكون النون وكسر التاء ـ في غير هذا الباب ، فإنّه فرع على منتن ـ بضمّ الميم ـ اسم فاعل ، من انتن كأكرم ـ من النتن ضدّ الفوح ـ ، وليس في كلامهم «مفعل» ـ بكسر الميم والعين معا ـ سوى هذين ، (ولا غيرهما) موجودا في كلامهم ، فلذلك جعلا فرعين على البناء المتحقّق.

٨٩

وأمّا مجيء مطبخ ، ومربد ـ بكسر الميم مع فتح الموحدة فيهما ـ فعلى الشذوذ ، وقال سيبويه : انّهما ليسا لموضع وقوع الطبخ والربود على الاطلاق ، كما هو قياس الباب ، بل المطبخ للموضع المعمول للطبخ ، والمربد لمحبس الابل ، والربود : الاقامة.

ثمّ انّ الأصل في أسماء الزمان والمكان التجرّد عن التاء ، كما في الأمثلة المذكورة على قياس المصادر الميمية ، (ونحو : المظنّة) ـ بكسر الظاء نقلا من النون المدغمة الّتي هي العين إليها ـ لما يظن فيه الشيء ـ لكونه مألوفا فيه ، (والمقبرة ـ فتحا ، وضما ـ) في العين ـ (ليس بقياس) ، لوجود التاء.

وفي كسر المظنة ، وضمّ المقبرة ، شذوذ آخر ، لضم عينهما في المضارع ، فقياسهما الفتح ، فتعميم الشذوذ في المقبرة ـ فتحا وضما ـ للاشعار بأنّها ـ وان كانت متحركة بالفتح الّذي هو القياس ـ شاذّة للتاء ، وزعم بعضهم : انّ الفتح ـ أيضا ـ فيها حركة خارجة عن القياس ، لأنّ المقبرة ليست اسما لموضع وقوع الفعل ، أي ما يقبره فيه الانسان ـ أعني الحفرة ـ كما هو الأصل في الباب ، بل هي المكان المعدّ لذلك ، والقياس بالاستقراء ـ في ما خرج عن الأصل واريد به المكان المعدّ للفعل ـ «مفعلة» ـ بضمّ العين ـ ، وخروج الضم فيها (١) عن القياس باعتبار انما يستتبعه ويؤدّي إليه ـ أعني إرادة المكان المعدّ من المشتق الّذي يراد به المكان ـ خارج عن القياس ، وان كان قياسا طاريا بعد هذه الإرادة ، هذا كلامه مع نوع من التوجيه ، فتأمّل فيه.

وقد يقال : انّ المقبرة ـ فتحا ـ لمكان وقوع الفعل ، فشذوذها للتاء ، ـ وضما ـ للمكان المعدّ له ، فشذوذها للخروج عن الأصل في معنى اسم المكان.

ثمّ انّ التاء عند لحوقها ، أمّا بتأويل البقعة ، أو للمبالغة ، كما شاع في ما أريد به ما يكثر فيه جنس من الأجناس ، ك ـ المأسدة ، والمذأبة ، والمسبعة ، والمطبخة ، لما يكثر

__________________

(١) أي في المقبرة.

٩٠

فيه الأسد ، والذئب ، والسبع ، والبطيخ ، وهذا مع شيوعه ليس قياسا في كل ما يكثر فيه الشيء ، فلا يقال : مقطنة ـ لما يكثر فيه القطن ـ مثلا.

واستغنوا في ما زاد على ثلاثة أحرف بقولهم : كثير الضفدع ، والثعلب مثلا ، عن بناء صيغة لذلك ، فلم يقولوا : مثعلبة ، ومضفدعة مثلا ، فهذا تحقيق بناء أسماء الزمان والمكان ـ من الثلاثي المجرّد ـ.

(وما عداه ، فعلى لفظ) اسم (المفعول) منه ، ك ـ مدحرج ، ومستخرج ، ومحرنجم ، كأنّهم قصدوا مضارعته للفعل في الزنة ، فاجروه على لفظ اسم المفعول ، لمناسبته له من حيث انّ الزمان والمكان مفعول فيه الفعل.

فمثل هذه يحتمل المصدر الميمي ، والزمان والمكان ، واسم المفعول ، والفرق بالقرائن.

***

٩١

أبنية اسم الآلة

(الآلة) : «ما يستعان بها ، بوجه ما في تحصيل فعل من الأفعال».

والاسم الّذي يشتق لها من ذلك الفعل يكون : (على «مفعل») ، ـ بكسر الميم وسكون الفاء وفتح العين ـ (ومفعال) ـ بكسر الميم ـ (و «مفعلة») ـ بالحاق التاء على الوزن الأوّل ـ ، (ك ـ محلب) ـ لما يستعان به على حلب اللبن ـ وهو وعاء يحلب فيه ـ ، (والمفتاح) ـ لآلة الفتح ـ ، (والمكسحة) ـ لآلة الكسح ـ ، يقال : كسح البيت إذا كنسه.

وهذه الثلاثة هي الصيغ المطردة ، وقيل : انّ الأخير سماعي ، لكنّه فيما سمع فيه جار كالأخيرين ، على ما هو القياس في اسم الآلة من حيث المعنى ، وهو العموم لكل ما يستعان به في مأخذه ، وامكان الاطلاق على كل منها.

(و) هذا بخلاف ما جاء بضمّ الميم والعين كليهما ، (نحو : المسعط) ـ لما يجعل فيه السّعوط ، وهو الدواء الّذي يصب في الأنف ـ (والمنخل) ـ يما ينخل به ، كالغربال ـ (والمدق) ـ لما يدق به الشيء ـ (والمدهن) ـ يما يجعل فيه الدهن ، كالقارورة ـ (والمكحلة) ـ لما يجعل فيه الكحل ـ (والمحرضة) ـ لما يجعل فيه الحرض ، وهو الاشنان ـ.

فان نحو : ما ذكر(ليس بقياس) أصلا ، لا في الزنة والبناء ، إذ القياس ـ كسر الميم وفتح العين ـ ، ولا في المعنى لاختصاصها ببعض ما يستعان به في مأخذ اشتقاقها ـ ك ـ الوعاء ـ ، مع خروج بعضها عن قياس اشتقاق اسم الآلة ـ أيضا ـ وهو الاشتقاق من المصدر ، لاشتقاقه من اسم العين ، ك ـ الكحل ، والدهن ، والأخير حكاه الزمخشري ، وصححه الجوهري ـ بكسر الميم وفتح الراء على الأصل ، ولم

٩٢

يثبت ـ عند سيبويه ـ سوى الخمسة الاول ، وقال : انّها لم يذهب بها مذهب الفعل (١) ، بل هي أسماء وضعت لهذه المذكورات ، ك ـ المنصل ـ بضمّ الميم والصاد ـ للسيف ـ وحكى عنه ابن دريد : انّها لو كسرت على الأصل جاز.

وجاء : «الفعال» ـ بكسر الفاء ـ للآلة ـ أيضا ـ ك ـ الخياط ، والنّظام ، على ما قيل.

وقد يجيء على «فاعلة» ، ك ـ الباصرة ، والسماعة ، على ما يقال ، وقد يجعل منه الفاتحة ، والخاتمة ، وقال الراغب : كثيرا ما يجيء «فاعل» ـ بفتح العين ـ اسما للآلة ، وذلك ك ـ الخاتم ـ لآلة الختم ـ والقالب ـ لما يقلب به ـ ومنه العالم ـ لما يعلم به الصانع تعالى من الجواهر والاعراض ـ.

ولم يبن اسم الآلة ممّا عدا الثلاثي المجرّد ، والله أعلم.

***

__________________

(١) لأن ما يذهب بها مذهب الفعل لا يختص بآلة مخصوصة وهذه مخصوصة.

٩٣

أحكام التصغير

(المصغّر) هو : الاسم (المزيد فيه) ـ أي الّذي وقعت الزيادة فيه ـ ليدل ذلك المزيد فيه من حيث انّه مزيد فيه ، أو الزيادة المفهومة منه ، (على) نوع (تقليل) في مفهومه ومسمّاه.

أمّا حقيقة ، وذلك فيما يدل على معنى يقبل الزيادة والنقصان ، ك ـ العلم ، والزّهد ، في نحو : عويلم ، وزويهد ، فيقصد بالتصغير نقصان ذلك المفهوم على التعيين من لفظ المصغر ، ومثله : قبيل ، وقويق ، ونحوهما.

وأمّا : ادعاء ، باعتبار تنزيل نقصان شيء ـ ممّا يليق به ـ منزلة نقصانه ، وذلك فيما يمتنع فيه التفاوت ، ك ـ حقيقتي الانسان ، والرجل ، فاذا أطلق مصغّر الانسان على أحد علم انّه لنقصان شيء من كمالات نوعه فيه على الاجمال ، ولا يتعيّن إلّا بقرينة ، كما إذا دلّت قرينة على انّ المراد نقصان فهمه مثلا ، وكذلك تصغير الاعلام ، ك ـ خويلد ، فتصغيره (١) لنقصان شيء ممّا يليق بالشخص الكائن من نوعه.

وقد يكون المقصود نقصان المقدار واستصغاره ، فينزل نقصانه منزلة نقصان المسمّى ، ك ـ جبيل ـ للجبل الصغير ـ ، ومن هذا تصغير الملاطفة ، نحو : يا خويلد ، ويا بنيّ ، لأنّ الصغار في معرض التلطف.

وربّما كان التحقير على ـ التهكم ـ ، كما يقال : في قول لبيد :

وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفرّ منها الأنامل (٢)

__________________

(١) وفي نسخة : فتحقيره.

(٢) هذا البيت للبيد بن ربيعة العامري. وقوله : دويهية هو تصغير داهية ، ويروي مكانه

٩٤

انّه صغر الداهية الّتي أراد بها الموت ـ تهكّما ـ لتهاون الناس به ، واستصغارهم إيّاه ، وزعم بعضهم : انّ التصغير قد يكون للتعظيم ، وجعل تصغيرها في البيت من ذلك.

وقد يكون التقليل عائدا إلى الكثرة الداخلة في مدلول اللفظ المكبّر بالصيغة ، ويرجع إلى تقليل العدد ، ويجب بقاء مقتضى تلك الصيغة الحاصل نوعها بعد التصغير ـ أيضا ـ ، وهو مختص بالجمع ، ك ـ دريهمات لدراهم استحق المتكلم عددها ، وان صحّ اطلاق الجمع المكبر عليه مع قطع النظر عن ذلك ، ويختلف ذلك (١) باختلاف الاعتبارات والمقامات.

ويمتنع هذا التصغير في المثنى ، لامتناع اطلاقه بعد النقصان عن الاثنين ، نعم قد يصغر لارادة اثنين محقّرين ، نحو :

خويلدين ، وقوله :

إنّ بها أكتل أو رزاما

خوير بين نيقفان الهاما (٢)

ومثله صغر ثمّ ثنيّ.

والتصغير على أيّ وجه كان توصيف في المعنى ، كأنّهم لكثرة دواعيهم إلى التقليل بأحد الوجوه ـ وضعوا بناء يدل على الموصوف والصفة بلفظ واحد ، تخفيفا ، ك ـ رجيل مقام رجل حقير ، فالمصغر موصوف في المعنى فكان محكوما عليه بالصفة ، فلذلك اختصّ بالاسم ، وكان ما ورد في غيره نحو : ما أحيسنه ، وما

__________________

ـ خويخية مصغر خوخة وهي الباب الصغير ، أي انّه سينفتح عليهم باب يدخل إليهم منه الشر ، والمراد بالأنامل الاظفار وصفرتها تكون بعد الموت. والشاهد : قوله دويهية فقد حقق المؤلف ان تصغيرها للتحقير ، وحكي ان تصغيرها للتعظيم.

(١) أي التصغير لتقليل العدد.

(٢) هذا البيت لم أقف على نسبته إلى قائل معيّن. أكتل ، ورزاما : لصان. والخارب : ـ بالمعجمة ـ اللّص. ونيقفان الهاما : أي يكسران الرؤوس.

٩٥

اميلح كذا ، محمولا على الشذوذ والضرورة.

ويختلف بنائه في الأسماء المتمكّنة وغيرها ، ويكون على القياس وخلافه.

(فالمتمكّن :) والمراد به ههنا ما ليس بلازم البناء ، على ما قيل ، إذا صغّر على القياس (يضم أوّله) ، تشبيها بالمبنى للمفعول حيث انّه فرع للمبنى للفاعل ، وبعض العرب : يكسر أوّل المصغر في ذوات الياء ، نحو : شييخ ، استثقالا للضم فيه ، كما كسر بعضهم أوّل الجمع فيها ، نحو : شيوخ ، وبيوت ، وقرء به في قرآن المجيد ، (ويفتح ثانيه) تخفيفا ، وان كسر ثاني المبنّى للمفعول ـ حذرا عمّا استثقلوه من الانتقال من الضم إلى الكسر بمجرّد تلك المشابهة.

ثمّ لو اقتصر على ذلك التبس بالمكبّر في نحو : صرد ، فاحتيج إلى شيء آخر ، (و) اختير ان يكون (بعدهما) ـ أي بعد الأوّل والثاني ـ (ياء ساكنة) ، إذ حيث احتيج إلى شيء ـ بعد العدول عن الكسر المناسب للمفعول ـ ناسب أن يكون ذلك الشيء ما يناسبه ويكون كالعوض عنه ، وهو ـ الياء ـ متصلا بالثاني الّذي عدل فيه عنه ، ليجري مجرى تلك الحركة اللّاحقة له ، وسكونها لحصول الغرض بنفسها فالحركة زيادة من غير حاجة.

والواقع بعدها ـ فيما كان على ثلاثة أحرف ـ هو الحرف الأخير الّذي هو محل الاعراب والبناء ، فيبقى على حاله.

(ويكسر ما بعدها) (في) ما اشتمل على (الأربعة) ـ اصولا كانت كلّها ك درهم أولا ، ك ـ مكرم ، وذلك لأن ما بعدها فيها ليس محلا للاعراب والبناء فيكسر ، لمناسبتها ، فيقال : دريهم ومكيرم مثلا ، فالكسر هو الأصل ـ فيما بعد ياء التصغير ـ في ذي الأربعة ولا يعدل عنها(إلّا في) ما يقع ما بعدها فيه قبل (تاء التأنيث) متصلا بها ، (و) كذا قبل (ألفيه) ـ المقصورة والممدودة ـ (والألف والنون) ـ المزيدتين ـ (المشبهتين بهما) ـ أي بألفي التأنيث ـ والأصل في المشابهة لهما هو المماثلة لهما في عدم المجامعة مع تاء التأنيث قطّ ، وذلك في العلم المرتجل الغير المنقول

٩٦

عن معنى آخر وان كان فكانه لفظ مستحدث غير ما كان ، فهو لم يجامع مع التاء قبل العلمية ، لارتجالها ، ولا بعدها لكونها مانعة ، ك ـ سعدان ، وعثمان ، وعمران ، أعلاما مرتجلة من ـ السعادة ، والعثن ، ـ بمعنى جبر المكسور أو معنى آخر ـ والعمارة ، وفي الصفة الممنوعة من التاء ، ك ـ سكران. (١)

(وألف «أفعال») ، فانّه يفتح ما بعد ياء التصغير الواقع قبل هذه الحروف من غير فصل ، وذلك إذا وقعن في المكبّر رابعة ، ك ـ طليحة ، وحبيلي ، وحميراء ، وعميران ، وسكيران ، واجيمال ، محافظة على الفتح الواجب قبل تاء التأنيث ، وعلى الألفات المذكورة ، إذ لو كسر ما بعدها المتصل بهنّ انقلبنّ ياء ، وقلب الألف في الممدودة يستلزم قلب الهمزة ياء ، كما يجيء في جمع صحراء ـ على الصحارى ـ إنشاء الله تعالى ـ مع ان حقّ علامة التأنيث والمشبّهة بها ، وعلامة الجمع الّذي حوفظ على بنائه في التصغير من غير ردّ إلى بناء آخر ـ عدم التغيير ، فان وقعن في المكبر خامسة ـ فما فوقها ـ وذلك انّما يتصور في غير ألف «أفعال» ـ كسر ما بعد الياء ، لعدم منعه من تلك المحافظة ، ك ـ دحيرجة ، وحجيجب ، في حججبي ـ كما سيجيء إنشاء الله تعالى ـ وخنيفساء ، وزعيفران ، وعبيثران ، في عبوثران ـ بحذف الواو ـ لزيادتها.

وان كانت الألفان لغير التأنيث انقلبتا ياء ، ك ـ المعيزي في معزي ، ـ بالألف ـ للالحاق بدرهم ـ فيمن صرفه ـ ، والعليبيّ في العلباء ، ـ الملحلق بقرطاس ـ.

وحمل على نحو : سكران ، نحو : ندمان ـ للنديم ـ وصميان ، ـ بالتحريك ـ للشجاع ـ من الصفات الّتي تلحقها التاء ، للتشابه في الوصفية ، وكذا حمل عليه اسم

__________________

(١) فان قلت : بحثنا عن الألف والنون المشبهتين ، وقد مرّ انّهم أمّا في الاعلام المرتجلة أو في الصفات الممنوعة ، وزعفران وعبرثران ليسا منهما ولا من اللّاتي تحمل على سكران فلا يكونان ممّا نحن فيه ، قلت : انّهما إذا وقعتا في الأسماء خامسة فلا طريق إلّا ان يقال انّهما مشبهتان بألفي التأنيث.

٩٧

الجنس الّذي يكون على «فعلان» ـ بتحريك العين ـ على أيّة هيئة وجد إلّا مفتوح الفاء والعين ، ك ـ ظربان ـ بكسر الراء ـ لدويبة ـ ، وكأنّه لتشبيه معنى الجنسي الحاصل في كل فرد بالمعنى الوصفيّ في أحاد الموصوفات ، فتأمّل ، فيقال : نديمان ، وظريبان مثلا ، لا نديمين ، وظريبين.

ولعلّه اقتصر على ما هو الأصل في المحافظة على الألف ، وهو المشابهة لا لفي التأنيث ، أو أراد[بالمشبّهة (١) بهما] ما يعم المشبهة بهما أصالة ، أو بواسطة الحمل على المشابه لهما ، وهو تكلّف ، لكنّه مفيد في هذا المقام ليشمل هذين.

واحترز بذلك (٢) عن أسماء أجناس الاعلام والمعاني الّتي هي على «فعلان» ـ بسكون العين ـ كيف ما كان أوّلها ، ك ـ سعدان ـ لنبت ـ ، وغفران ، وسرحان ، فان ألفها تقلب ياء ، ويكسر ما قبلها كما هو الأصل في ـ ما بعد ياء التصغير في ذي الأربعة ـ تشبيها بألف المدّة الزائدة قبل لام الأسماء الّتي تساويها في عدد الحروف ، والحركات ، والسكنات ، ك ـ صلصال ـ للطين ـ وطومار (٣) ، وسربال ، على ما يقال : فيقال : سعيدين ، ك ـ صليصيل مثلا.

وعن اسم الجنس الّذي هو على «فعلان» ـ بفتح الفاء والعين ـ ك ـ ورشان ، وكروان ـ لطائرين ـ فان ألفها تقلب ـ أيضا ـ ياء ، ك ـ وريشين وان لم يوجد في لغتهم اسم يساوي شيئا من الهيئآت المقصودة في «فعلان» ـ بتحريك العين ـ زيدت ألف قبل لامه حتّى يشبّه به شيء منها ـ ويطوي الكشح عن المشابهة لنحو : سكران ـ لكنّه يوجد لخصوص هذا الصنف منه موازن من الصفات ، ك ـ صميان ، ويحافظ على ألف تلك الصفات في التصغير ، وكأنّهم أرادوا الفرق بين مصغريهما ، وكأنّه لم يعكس ، لمدخليّة الهيئة في الصفات ـ كغيرها من المشتقات ـ في الدلالة

__________________

(١) في نسخة : بالمشبهة بحذف بهما.

(٢) أي بقيد المشبهتين بهما.

(٣) الطامور والطومار : الصحيفة فجمعه طوامير.

٩٨

على المعنى المقصود من بنائها ، فكأنّها أولى بالمحافظة بقدر الامكان من هيئة غيرها ، مع ان بناء المحافظة على الألف في مثل هذه الصفات ، وهذه الأسماء على الحمل على نحو : سكران على ما يقال ، وحمل الصفة على الصفة أولى من حمل الاسم عليها.

وعن العلم المنقول عمّا تقلب ألف (١) ياء في التصغير ، فانّه في حكم المنقول منه ، فنحو : سرحان ، وسلطان ـ علمين ـ يصغر على سريحين ، وسليطين ، وسكران ـ علما ـ على سكيران ، وينصرف سريحين ـ مصغر ذلك العلم ـ وان كان المكبّر في حال العلميّة ممنوعا من الصرف ، لزوال الألف من الألف والنون المزيدتين.

وقد يجعل الضابط ، في حفظ الألف الواقعة ـ رابعة ـ في المصغر من ذي الألف والنون المزيدتين ـ ان لا يجمع على «فعالين» ، وقيل : هو ضعيف ، لحفظها في مصغّر نحو : ظربان مع انّه يجمع على ظرابين ، فتأمّل.

ويكسر ما قبل ألف «أفعال» غير الجمع ، ك ـ أعيشير في أعشار ، يقال : برمة أعشار ـ أي منكسرة ـ.

ويستثنى ـ أيضا ـ من حكم كسر ما بعدها ذو الأربعة الّذي وقع ما بعدها فيه مدغما ، فيبقى على سكونه ـ حفظا للادغام ـ ك ـ أصيمّ ، في أصمّ ، وهو من التقاء الساكنين على حدّه.

(ولا يزاد) المصغّر ـ في غير تلك الصور المستثنات ـ على أربعة ، أو لا يوقع الزيادة ـ في غير تلك الصور ـ في المصغر(على أربعة) ، بمعنى انّه لا يجعل ما يلحقه علامة التصغير زائدا على أربعة أحرف ، بحيث يكون مع العلامة زائدا على خمسة ، حذرا عن الثقل فيما يكثر دورانه ، بل يردّ المشتمل على الزائد إلى الأربعة بأن يحذف شيء منه ـ وان كان أصليا كما في الخماسي ـ ثمّ يصغر ، إلّا أن يكون الزيادة

__________________

(١) وفي نسخة : ألفه.

٩٩

بمدّة قبل آخره ، ك ـ مفتاح ، وعصفور ، وقنديل ، فانّها لا يعباء بها وتنزل منزلة اشباع الحركة وتقلب ياء ان لم تكن إيّاها.

(فلذلك) الّذي ذكر من كيفيّة بناء التصغير ، وعدم الزيادة على الأربعة في غير الصور المستثنات (لم يجيء) في بنائه ـ من الأوزان ـ (في غيرها) ـ أي في غير تلك الصور ـ (إلّا «فعيل») ـ في ذي الثلاثة ـ ك ـ رجيل ، (و «قعيعل») ـ في ذي الأربعة ـ ك ـ دريهم ، ومكيرم ، (وفعيعيل) ـ في الزائد على الأربعة بتلك المدّة ـ ك ـ مفيتيح ، وعصيفير ، وقنيديل ، ولانحصار بنائه في هذه يجعل الموضوع على حرفين ثلاثيا ـ بزيادة حرف ـ ليمكن بناء أقل تلك الأبنية ، وهو «فعيل» ، فان كان آخره حرف علّة تعيّن تضعيفه ويعوض عن التضعيف الهمزة ، ان كان ألفا كما في ما ، ولا ، لئلّا يلتقي ألفان ، ثمّ يصغر فتقلب الألف الّتي بعد ضمّة المصغر واوا ، لمناسبتها ، وهكذا تقلب واوا كلّ ألف مجهولة الأصل بعد ضمّة المصغر ، كألف صاب ـ لشجر ـ عند سيبويه ، خلافا لأخفش حيث قلبها ياء ، لأنّها أخف ، فيقال : في تصغير ما ، وكي ، ولو ، ـ أعلاما ـ مويأ ، وكييّ ، ـ بثلاث ياءات ـ ولويّ ـ بتشديد الياء ـ وأصله : لويو فتقلب الواو الأخيرة ياء وادغمت لاجتماعها مع الياء السابقة الساكنة.

وإن كان الآخر صحيحا فوجهان : التضعيف ، وزيادة الياء ، فيقال : في هل ، وكم ـ اسمين ـ هليل ، وكميم ، وهليّ ، وكميّ ـ بتشديد الياء ـ.

(وإذا صغر ـ الخماسي ـ) الاصول ـ (على ضعفه) لثقله وندوره حذف منه حرف للردّ إلى الأربعة ، وإذا تقرّر هذا ، (فالأولى : حذف) ـ الحرف ـ (الخامس) الّذي حصل الثقل والزيادة على الأربعة عنده ، أيّا ما كان ، فيقال : في فرذدق فريذد.

(وقيل :) حكاية عن بعض العرب بحذف (ما أشبه الزائد) في الجنس ، بأن يكون من جنس حروف الزيادة ، وهي : حروف [سألتمونيها] ، أو في المخرج ،

١٠٠