شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

خاضعا ، وـ دربخت الحمامة لذكرها ـ طاوعته للسّفاد.

٢ ـ الرّباعي المزيد فيه :

(وللمزيد فيه) من الرّباعي (ثلاثة) أبينة ، وهي : «تفعلل» نحو : (تدحرج) ، (و) «افعنلل» ، نحو : (احرنجم) ، (و) «افعللّ» ، ـ بتشديد اللّام الثانية ـ نحو : (إقشعرّ) الرّجل ـ أي أخذته قشعريرة أي رعدة واضطراب ـ ، وـ واقشعرّت السنة ـ أمحلت (١).

(وهي) ـ أي الثلاثة ـ (لازمة) كلّها بشهادة الاستقراء.

[أبنية المضارع] :

(المضارع) سمّي به لمشابهته الاسم في قبول الإبهام والتخصيص ، لاحتماله الحال والاستقبال ، وجواز تخصيصه بأحدهما ، والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته ، في نحو : ضارب ، ويضرب ، وناصر ، وينصر ، فكأنّهما متواخيان ، أي ارتضعا من ضرع واحد ، وهو يحصل : (بزيادة حرف المضارعة على الماضي) ، في أوّله.

[أبنيته من الماضي الثلاثي] :

ثمّ انّ الماضي والمضارع لمّا تخالفا معنى راموا تخالفهما لفظا ـ أيضا ـ في حركة العين الّتي عهد إختلافها باختلاف الأغراض في الماضي الثلاثي المجرّد الّذي هو أوّل أبنية الأفعال.

١ ـ المجرّد :

(فإن كان) الماضي ثلاثيا(ـ مجرّدا ـ على «فعل» ـ بفتح العين ـ (كسرت

__________________

(١) المحل : الشدّة والجدب وانقطاع المطر.

٦١

عينه) في المضارع ، (أو ضمّت) ، والكسر أوفق بغرض الاختلاف (١) ، لأنّ مخالفته للفتحة أتمّ من مخالفة الضم له ، إذ الضمّة علويّة كالفتحة ، بخلاف الكسرة فانّها سفليّة.

(أو فتحت) عين المضارع ، (إن كانت العين أو اللّام حرف حلق غير ألف) ، بل أحد الستّة الباقية ، وهي : الهمزة ، والهاء ، والعين والحاء ، والغين والخاء ، ليعارض خفّة الحركة ثقل الحرف الحلقي ، ولم يفتحوا العين إذا كانت الفاء حرف حلق ، لأنّ فاء المضارع المجرّد الثلاثي ساكنة فهي ضعيفة بالسكون ، فلا حاجة إلى تخفيف العين.

وأمّا الألف : فهي ـ مع خفّتها ـ ليست متأصلة بل منقلبة عن الواو والياء ، ولم يعتدّوا بها في مخالفة الأصل ـ الّذي هو مخالفة حركة عين المضارع للماضي ـ ، فضمّت في واوي الأصل ، وكسرت في اليائيّ على القياس ، وأدّى ذلك إلى ظهور الواو والياء ، ك ـ صان يصون ، وباع يبيع ، ودعا يدعو ، ورمى يرمي ، والفتح في عين المضارع فيما (٢) ذكر على وجه الرخصة ، لا على وجه اللّزوم ، لجواز الضم ، نحو : دخل يدخل ، وصرخ يصرخ ، والكسر ، نحو : نبح ينبح ، لأنّه جاء على الكسر ـ أيضا ـ.

(وشّذ : أبى ... يأبى) ، حيث فتحت عين مضارعه وليس عينه أو لامه حرف حلق غير ألف ، فهو مخالف القياس ، وإن كان كثيرا شايعا ، ك ـ استحوذ ، بترك الاعلال ـ ومثل هذا فصيح في حكم المستثنى عن القياس الّذي هو على خلافه ، على ما تقرّر في موضعه.

ولعلّ السّر في فتح العين فيه ـ على ما قيل ـ انّه بمعنى إمتنع الّذي هو فرع على منع ، فحمل على أصل مرادفه في فتح عين المضارع.

__________________

(١) أي الاختلاف بين الماضي والمضارع.

(٢) أي فيما إذا كانت العين أو اللّام حرف حلق.

٦٢

(وأمّا ـ قلى يقلى) ـ بفتح العين في الماضي والمضارع ـ على ما حكاه سيبويه ، (فعامرية) ـ أي لغة بني عامر ـ والفصيح المشهور : قلي يقلي بالكسر في المضارع ، والقلى : البغض الشديد.

(وركن ... يركن) ركونا ـ بفتح العين في الماضي والمضارع ـ على ما حكاه أبو عمرو ، (من التداخل) ، لأنّه ورد بضمّ العين في المضارع مثل : نصر ينصر ، لغة مشهورة ، وحكى عن قوم : ركن يركن ، مثل : علم يعلم ، فالماضي من الأوّل ، والمضارع من الثاني ، فتداخلت اللّغتان الواردتان فيه ، والركون : الميل.

وجعل الأخفش قنط ... يقنط مثله ، في التداخل.

ثمّ انّ الضم والكسر في مضارع الفتح قد يكون سماعيّا ، موقوفا على السماع ، ك ـ نصر ينصر ، وضرب يضرب ، وقد يكون قياسيّا ، غير موقوف على السماع ، في آحاد الأبنية الواردة على أحدهما ، (و) من القياسي أنّهم (لزموا الضم) ، ولم يفارقوه ، (في مضارع الأجوف بالواو) ، (١) مع نقله إلى ما قبلها لثقله عليها ، نحو : صان يصون.(و) لزموا الضم ـ أيضا ـ في (المنقوص بها) ـ أي بالواو مع إسكانها رفعا ـ نحو : دعا يدعو ، (و) لزموا(الكسر فيهما) أي الأجوف والمنقوص ـ (بالياء) ، نحو : باع يبيع ، ورمى يرمي ، لمناسبة الضم للواو والكسر للياء ، ولئلّا يؤدّي الكسر في الواويّ إلى إنقلابها ياء ، والضم في اليائيّ إلى انقلابها واوا.

(ومن قال :) في بناء التفعيل وبناء اسم التفضيل من طاح ـ بمعنى هلك ـ وتاه ، ـ بذلك المعنى أو بمعنى ضلّ ـ ، (طوّحت ، وأطوح) ، (وتوّهت ، وأتوه) ـ بالواو ـ فذلك يدلّ على أنّهما واويان ، لأنّ الواو والياء تبقيان من غير تغيير في البنائين من الأجوف ، وعلى هذا(فطاح يطيح ، وتاه يتيه شاذ عنده) ، إن زعم انّ الأصل في مضارع كل واحد منهما الواو المكسورة ، ونقلت كسرتها إلى ما قبلها وقلبت ياء ، فيكون مخالفا للقياس الّذي ذكر من ضم عين المضارع في الأجوف الواويّ ، ـ وإن

__________________

(١) ولا ينقض هذا بخاف يخاف ونحوه لأنّ الكلام فيما عين ماضيه مفتوح.

٦٣

كان مطردا في الاستعمال ـ ، وكسر فاء الماضي المتّصل به الضمير المرفوع ـ وإن لم يكن من بنات الياء ـ للمناسبة مع الصورة الطارية للمضارع ، أو لتوهّم أصالة الياء فيه ، (أو) ذلك عنده (من التداخل) ، على ما في بعض النسخ ، وذلك : إن زعم في كل منهما ثبوت الواويّ ك ـ صان يصون ، واليائيّ ، ك ـ باع يبيع ، وزعم مع ذلك انّ المتداول في الاستعمال الطاري هو المضارع اليائيّ مع الضم في أوّل ماضيهما عند اتصال الضمير المرفوع المتحرّك ، ـ على قاعدة الأجوف الواويّ ـ بأن يقال طحت ، وتهت ، مثل : صنت ، فيكون ماضيهما من الواوي ومضارعهما من اليائيّ على سبيل التداخل ، وهو ضعيف ، لتصريح الثقاة بأنّ الضم في أوّل ماضيهما عند اتصال الضمير لم يسمع قط ، بل المسموع هو الكسر.

وزعم الخليل : أنههما واويان على هذه اللّغة (١) وردا من الأجوف على «فعل» «يفعل» ـ بكسر العين في الماضي والمضارع ـ ، ك ـ حسب يحسب من الصحيح.

وأمّا في لغة من قال : في التفعيل والتفضيل طيّحت وتيّهت ، وأطيح وأتيه ، فالأمر ظاهر.

(و) من القياس انّهم (لم يضمّوا) ـ عين المضارع ـ (في المثال) ، واويّا كان أو يائيّا ، استثقالا للجمع بين ياء المضارعة والياء والواو مع الضمّة بعدها ، ولا طريق إلى التخفيف بالحذف ، فانّ علّة الحذف في نحو : ـ يعد ـ انّما هو الوقوع بين الكسرة والياء ، كذا قيل ، فهذا هو القياس.

(و) أمّا : (وجد يجد) ـ بضمّ العين في المضارع ـ (فهو ضعيف) ، مخالف للقياس ، وتفرّد به بنو عامر ، قال شاعرهم لبيد بن ربيعة :

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الصوادي لا يجدن غليلا (٢)

__________________

(١) أي على لغة طوحت وتوهت.

(٢) وهذا البيت للبيد كما نسبه الشارح ، وقال بعضهم : انّ البيت لجرير ، اللّغة : نقع ، يقال :

٦٤

وحذف الواو : امّا لكون الوقوع بين الياء والضمّة ـ أيضا ـ موجب للحذف عندهم ، أو لأنّ الأصل عندهم فيه الكسر ، والضم طرء بعد حذف الواو عوضا عنها.

(و) من القياس انّهم (لزموا الضم) في عين مضارع (المضاعف المتعدّي) ، لأنّه كثيرا ما يلحقه هاء الضمير المضموم المشبع إلى الواو مع انّ لامه مضمومة ـ أيضا ـ ، (نحو : يشدّه ويمدّه) ، فلو كسروا لزم الانتقال من الكسرة المنقولة إلى الفاء ـ للادغام ـ إلى ضمّة بعدها ضمّة اخرى ، والحرف المدغم واسطة ضعيفة لا تجدي في معارضة مثل ذلك الثقل ، لكنّها تكفي مع وحدة الضمّة ، كما في اللّازم ، لعدم لحوق الضمير ، ومن ثمّ كان الأكثر فيه الكسر الأوفق ، لتخالف الماضي والمضارع ، نحو : يفرّ ويكلّ ، وربّما جاء الفتح قليلا ، نحو : عضّ يعضّ ، وكعّ يكعّ كوعا ، ـ إذا جبن ـ على لغة حكاها يونس ، ولم يسمع الكسر في المتعدّي إلّا في قليل ، نحو نمّ الحديث ـ رفعه اشاعة وافسادا ـ ينمّه ، ومنه النّمام ، وعلّه يعلّه ، من العلّ ـ وهو الشرب ـ وهدّه يهدّه ، ـ أي كسره ـ وصرّه يصرّه ، ـ إذا جمعه ـ ، وحبّه يحبّه ـ بمعنى أحبّه ـ ، ومنه المحبوب ، وهذه المباحث كلّها في مضارع الماضي المفتوح.

(وإن كان) الماضي المجرّد (على «فعل») ـ بكسر العين ، (فتحت عينه) في المضارع ، ليتخالفا ، نحو : علم .. يعلم ، وخاف .. يخاف ، ورضي يرضى. وكأنّهم لم يضمّوا مع حصول التخالف به كراهة الجمع بين الكسر الثقيل في الماضي والضم الثقيل في المضارع ، (أو كسرت إن كان مثالا) واويّا ، ليتوسّل به إلى حذف الواو ، حيث يقع بين كسرة لازمة وياء المضارعة فيحصل التخفيف ، نحو : وثق يثق ، ومق .. يمق ، بخلاف اليائيّ ، فانّه جاء الفتح فيه مجيئا شائعا ، نحو : يئس ... ييئس ،

__________________

ـ نقع فلان بالماء أي روى ضد عطش ، والصدى : العطش ، وأراد بشربة : ريقها ، والغليل : حرارة العطش ، كأنّه أراد أنّها تترك العطاش بحيث لا يجدن بعدها غليلا أبدا. وقد يفسّر الصوادي : بالنخيل الطويل وهو بعيد كما لا يخفى.

٦٥

ويمن .. ييمن ، ويقن الأمر ـ أي علمه ـ ييقنه ، لأنّ الياء ليست مستثقلة بين الكسرة والياء حتّى يتوسّل بالكسرة إلى حذفها ، وربّما جاء الفتح في الواويّ ـ أيضا ـ نحو : وجل يوجل.

(وطيّ) يقلب كل ياء مفتوحة قبلها كسرة ألفا. ولذلك (تقول : في باب : بقي يبقى) ـ ك ـ علم يعلم ـ (بقى يبقى) ، بقلب الياء المفتوحة المكسور ما قبلها ـ في الماضي ـ ألفا ، ومنه قول الحماسيّ :

نستوقد النّبل بالحضيض ونصط

اد نفوسا بنت على الكرم

فقوله : بنت ماض مجهول ، أصله بنيت قلبت يائه ـ بعد نقل الفتحة إلى ما قبلها ـ ألفا ، (١) أي نرمي سهامنا المصقولة الشبيهة بشعل النيران من أعلى الجبل وتصل إلى الحضيض فتقع على الأحجار فتخرج منها النار ، فكأنّنا نستوقد النّبل بها في الحضيض ، ونصيد نفوسا مبنيّة على الكرم ، أي نقتل الرؤساء.

(وأمّا : فضل ... يفضل) من الفضالة ـ بمعنى البقيّة ـ (٢) (ونعم .. ينعم) ، ودمت .. تدوم ، ومتّ .. تموت ، كلّها ـ بكسر العين في الماضي وضمها في المضارع ـ (فمن التداخل) ، لأنّ الأوّل جاء مثل : نصر ينصر ، وعلم يعلم ، والثاني جاء مثل : كرم يكرم ، ـ بضمّها ـ وعلم يعلم ، وجاء دام يدوم ك ـ صان يصون ، ودام يدام ك ـ خاف يخاف ، وكذا مات يموت ويمات ، كما قال الشاعر :

بنيّتي سيّدة البنات عيشي

ولا نأمن أن تماتي (٣)

وأمّا : الفضل ـ ضدّ النقص ـ فالفعل منه ك ـ نصر ينصر ، لا غير على ما قيل.

__________________

(١) وحذفت الألف لملاقاتها تاء التأنيث الساكنة.

(٢) يقال : فضل الماء في الاناء بعد الشرب فضالة أي بقيت بقية.

(٣) البيت استشهد به ـ رضي ـ النيّة : تصغير البنت ، وبنيتي بحذف حرف النداء ، وعيشي : في الوحدة المخاطبة والمقصود منه الدعاء بالبقاء والحياة كقولهم : عش غانما سعيدا. ولا نأمن : بصيغة المضارع للمتكلم كأنّه قال : نحن ندعو لك بالبقاء ولا نأمن موتك.

٦٦

وجاء في نعم ينعم الكسر ـ في الماضي والمضارع كليهما ـ وكأنّه حمل في المضارع على مرادفه من المثال ، وهو وعم .. يعم ، ويقال : عم صباحا وأنعم صباحا ـ أي ليكن صباحك ذا نعومة ولين ـ.

وجاء حسب يحسب ، ويئس .. ييئس ـ كلاهما ـ على الكسر في الماضي والمضارع.

(وإن كان) الماضي المجرّد (على «فعل») ـ بضمّ العين ـ (ضمّت عينه) في المضارع لا غير ، وذلك قياس لم يخالف إلّا في كلمة واحدة شاذّة ، وهي : كدت ـ بضم الكاف ـ أكاد ، والمشهور كدت ـ بكسر الكاف ـ ، وذلك لأنّ وضع هذا الباب لما كان للصفات القويّة اللّازمة ، اختيرت حركة قويّة للماضي والمضارع فيه ، للتناسب بين المعاني والألفاظ.

ولم يجيء من هذا الباب اليائيّ من الأجوف ، والناقص إلّا واحدة في كل منهما ، أعني ـ هيوء ـ الرّجل يهيؤ من غير قلب الياء ألفا ، ـ أي صار ذا هيئة ـ ، وبهو .. يبهو في بهي يبهي ـ أي صار بهيّا ـ فقلبت الياء واوا للضمّة قبلها ، ويحتمل كونه واويّ الأصل مرادفا ل ـ بهى يبهى.

والمضاعف فيه قليل ، نحو : لببت .. ألبّ ، على ما حكاه يونس.

فهذه أحكام المضارع الّذي ماضيه مجرّد ثلاثي.

٢ ـ المزيد :

(وإن كان) الماضي (غير ذلك) ـ بأن يكون ثلاثيّا مزيدا فيه ، أو رباعيّا مجرّدا ، أو مزيدا فيه ـ (كسر ـ ما قبل الآخر في المضارع) ، لتطرّق التغيير إلى أوّله عمّا كان في الماضي ، أمّا بحذف همزة الوصل المكسورة مع فتح حرف المضارعة الّذي صار أوّله ك ـ يجتمع ، ويحرنجم ، وإمّا بضمّ حرف المضارعة الّذي صار أوّله ك ـ يدحرج ، ويكرم ، فكأنّهم كرهوا سلامة الآخر الّذي هو محل التغيير مع تغيير الأوّل ، وحيث كان الآخر محلّا للإعراب الّذي لا مدخل له في بناء الكلمة أجري التغيير على ما

٦٧

قبله المتّصل به ، من الفتح إلى الكسرة ، استثقالا للضمّة.

وهذا مطرد(ما لم يكن أوّل ماضيه تاء زائدة ، نحو : تعلّم ، وتجاهل ، وتدحرج ، فلا يغيّر) ذلك عن حاله الّذي في الماضي ، لعدم التغيير في أوّله.

(أو لم يكن اللّام مكرّرة) ـ للإدغام ـ (نحو : إحمرّ ، وإحمارّ) ، فانّ ما قبل الآخر في نحو ذلك يسكّن لمماثلته للآخر ، (فيدغم) في الآخر ـ كما في الماضي ـ وان تغيّر أوّله بحذف الهمزة ـ مع انّ ما قبل آخره مكسور في الأصل وزالت الكسرة بالادغام ، ويكسر ما قبل آخر ما كرّرت اللّام فيه للالحاق بغيره ، نحو : يسحنكك اللّيل ـ أي يظلم ـ ، فانّه ملحق ب ـ يحرنجم ، لعدم الادغام في المكرّر له.

(ومن ثمّ) ـ أي جهة ما ذكر في أوّل المبحث من انّ حصول المضارع بزيادة حرف المضارعة على ما هو الماضي ـ ، (كان أصل مضارع «أفعل») ـ ك ـ أكرم ـ (يؤفعل) ، لأنّه الحاصل بزيادة حرف المضارعة على الماضي ، (إلّا انّه) ـ أي ذلك الأصل ـ (رفض) ـ أي ترك ـ (لما يلزم من توالي همزتين ـ في المتكلّم ـ) ، وهو مستثقل ، فحذفت همزة الافعال فيه لذلك ـ وإن كان القياس في تخفيف مثل هاتين الهمزتين قلب الثانية واوا ، كما يجيء إنشاء الله تعالى ـ لأنّ مضارع هذا الباب كثير فناسب التخفيف البليغ ، وهو الحذف ، ثمّ جروا على قاعدتهم من اجراء الباب على وتيرة واحدة ، (فخفّف الجميع) بحذفها ، ـ وان لم يكن العلّة إلّا في المتكلّم ـ وصار حذفها قياسا مطردا.

(وقوله) :

شيخا على كرسيّه معمّما

فانّه أهل لأن يؤكرما (١)

 ـ على البناء للمفعول واثبات الهمزة ـ (شاذ) مخالف لذلك القياس.

واعلم انّ من عدا الحجازيين يجوزون كسر ما عدا الياء من حروف المضارعة

__________________

(١) هذا البيت أورده الجوهري ولم نقف على قائله ـ شرح رضي ـ ج ١.

٦٨

فيما كان ماضيه على «فعل» ـ بكسر العين ـ ، نحو : إعلم ، وايجل ، واخال ، وانسى ، وإعضّ (١) ، تنبيها على كسر عين الماضي ، ولم يكسروا العين لئلّا يلتبس بمضارع «فعل» ـ بالفتح ـ ، واستثقلوا الضمّتين في مضارع «فعل» ـ بالضم ـ فلم يضمّوا فيه ، للتنبيه على ضمّ العين.

(الأمر ، واسم الفاعل ، واسم المفعول ، وأفعل التفضيل تقدّمت) في مقدّمة الاعراب ، فانّ البحث عن عملها لما كان متعلّقا بها استطرد فيها بيان كيفيّة وضعها وهيئآتها.

***

__________________

(١) وهي مضارعات علم ، ووجل ، وخال ونسى ، وعضّ ، وتعدد الأمثلة للتنبيه على اطراد ذلك في الصحيح والمثال والناقص والأجوف والمضاعف.

٦٩

[أبنية الصفة المشبّهة]

وكذلك الصفة المشبّهة ، ذكر حدّها هنالك ولم يستطرد معه بيان هيئآتها ، لكثرتها ، فذكر هاهنا.

(الصفة المشبّهة) لا تبنى إلّا من لازم ، أو متعدّ يجعل كاللّازم ، بأن يقتصروا في معناه على مجرّد الثبوت ، ك ـ الأكول من الأكل. (١)

ثمّ انّها وردت على أوزان مختلفة وبعض التفصيل فيها أنّها تكون :

(من نحو : فرح) ـ بكسر العين ـ (على فرح) ـ بكسرها ـ أيضا ـ (غالبا) ، حتّى قيل : انّه قياس فيما كان من نحوه ، من غير حرارة الباطن ، والامتلاء من الادواء الباطنة ، ك ـ الحزن ، والعسر ، ومن الهيجانات (٢) والخفة ، ك ـ القلق ، والسلس ، والشبق ، والفرح.

(و) قد(جاء معه الضمّ في بعضها) ـ أي جاء مع الوزن المذكور ضمّ العين في بعض ما كان من نحو : فرح في غير ما قياسه الكسر ، نحو : ندس ، ـ للفطن ـ وحذر ، ـ من الحذر بمعنى الخوف ـ وعجل ـ للسريع ـ ، فهذه الثلاثة وردت على الوجهين.

(وجائت) الصفة المشبّهة من نحو : فرح ـ أيضا ـ (على) أوزان اخر ، نحو : (سليم) على «فعيل» ، وهو في المضاعف والمنقوص اليائيّ أكثر ، مثل : طبيب ، ولبيب ، وتقيّ وغنيّ ، (و) نحو : (شكس) ـ بفتح الفاء وسكون العين ـ لسيّئ الخلق ، ـ وفي القاموس : انّه على وزن ندس ، (وحرّ) ـ بضمّ الفاء وسكون العين مع الادغام ـ ،

__________________

(١) الأكول : أي الّذي ثبت له الأكل ، لا الّذي يأكل الشيء.

(٢) أي من الأفعال الّتي فيها معنى الهيجانات أي الغلبة.

٧٠

(وصفر) ـ بكسر الأوّل وسكون الثاني ـ للخالي ـ ، (وغيور) من الغيرة.

هذا في غير ما كان من نحو : «فعل» ـ بالكسر ـ من الألوان والعيوب والحلية ـ أي الصورة والخلقة ـ ، (ومن الألوان والعيوب ، والحلي) من نحوه جاءت (على «أفعل») ، نحو : أسود ، وأبيض ، وأعمى ، وأعرج ، وأبلج ، وأكحل.

(و) الصفة المشبّهة(من نحو : كرم) ، ـ بضمّ العين ـ (على) «فعيل» ، نحو : (كريم ـ غالبا ـ).

(وجائت) من نحوه (على : خشن) مثل : كتف ـ من الخشونة ـ ، (وحسن) ـ بفتحتين ـ من الحسن ـ ، (وصلب) ـ بضم الأوّل ـ ، وسكون الثاني ـ (وصعب) ـ بالفتح والسكون ـ ، (وجبان) ـ بفتح الأوّل ـ ، (وشجاع) ـ بضمّه ـ (ووقور) ـ من وقر وقارا ـ (وجنب) بضمّتين.

(وهي من «فعل») ـ بفتح العين ـ (قليلة) ، استغناء عنها باسم الفاعل.

(وجائت) منه على قلّتها(على نحو حريص) ، (وأشيب) ، ك ـ أبيض من الشيب ـ وهي الشيخوخة ـ (وضيّق) ـ بفتح الفاء وتشديد الياء ـ على «فيعل» ، بياء ساكنة زائدة بعد الفاء وكسر العين ، وهذا مختص بالأجوف ، كما انّه بفتح العين مختص بالصحيح اسما كان ك ـ الشيلم (١) ـ بالشين المعجمة ـ للزوان الّذي يخالط الحنطة ـ ، أو صفة ، ك ـ الصّيرف ـ لصراف الدراهم ـ.

ولم يجيء في الأجوف مثله إلّا لفظ واحد هو قولهم : سقآء عيّن ـ بالمهملة والتحتانية المشدّدة المفتوحتين ـ إذا كان من أديم يسيل ماؤه ـ وهو عيب فيه ، والفعل من الأمثلة الثلاثة في كلام المصنّف بفتح العين في الماضي والكسر في المضارع.

(وتجيء من الجميع) ـ أي من «فعل» بالكسر والضم والفتح ، (بمعنى : الجوع

__________________

(١) بالكردي شيلمه.

٧١

والعطش) ونحوهما ممّا يشتمل على حرارة الباطن ك ـ الأسف ، واللهف ، (وضدّهما) ـ أعني الشبع والرّيّ ونحوهما ممّا فيه معنى الامتلاء ك ـ السكر(على فعلان) ـ بفتح الفاء ـ (نحو : جوعان ، وعطشان ، وشبعان ، وريّان) ، واسفان ، وسكران ، والفعل من الجوع ك ـ نصر ينصر ، ومن غيره من هذه الأمثلة ، ك ـ علم يعلم.

قيل : وقد ينزّل غير هذه منزلتها ، نحو : غضبان ، فانّ الغضب من الهيجانات ، لكنّه يلزمه في الغالب حرارة الباطن ، فنزل منزلتها.

ويقال : قدح قربان ـ إذا قارب الامتلاء ـ حملا على معناه.

وربّما جاءت الصفة المشبّهة من «فعل» ـ بالكسر وغيره ـ على «فاعل» بمعنى الثبوت ، ـ وإن كان الأصل في هذا الوزن الحدوث ـ وذلك : كخاش من الخشية وساخط ، وجائع ، وطاهر.

***

٧٢

أبنية المصادر الثلاثيّة

[١ ـ المجرّد] :

(المصدر : أبنية الثلاثي المجرّد) منه (كثيرة) ، والّتي يشتقّ منها الفعل المشتمل على معناها وزيادة سماعيّة.

فمنها : ما هو بسكون العين من غير زيادة ، أو مع زيادة تاء التأنيث ، أو ألف التأنيث ، أو الألف والنون ، وهذه أقسام أربعة ، والفاء في كل واحد منها إمّا مفتوح ، أو مكسور ، أو مضموم ، وأمثلتها بتقديم مفتوح الفاء على المكسور ، والمكسور على المضموم في كلّ منها ، (نحو : قتل ، وفسق ، وشعل ، ورحمة ، ونشدة) ، ـ لطلب الضّالّة وتعريفها ـ (وكدرة) ـ لضدّ الصفاء في اللّون ـ ، (ودعوى ، وذكرى ، وبشرى).

(وليّان) ـ بتشديد الياء ـ مصدر لوى ـ إذا مطل ـ (وحرمان) مصدر حرمه ـ منعه ـ (وغفران).

(و) منها : متحرّك العين ، وفيه ـ أيضا ـ أقسام ، لأنّه قد يكون مع زيادة الألف والنون ، وهذه لم يوجد إلّا مفتوح الفاء والعين كليهما وذلك نحو : (نزوان) ، ـ للوثوب ـ.

(و) قد يتجرّد عن الزائد رأسا ، وهذا جاء نحو : (طلب) ـ بفتحتين ـ (وخنق) مثل : كتف مصدر خنقه ـ أخذ بحلقه ـ (وصغر) ـ بكسر الأوّل وفتح الثاني ـ (وهدى) مثل : صرد.

ولم يجيء مفتوح الفاء مضموم العين أصلا ، ولا بكسرهما معا ، ولا بضمّهما.

٧٣

(و) قد يكون مع زيادة تاء التأنيث فقط ، نحو : (غلبة) ـ بفتحتين ـ (وسرقة) ـ بفتح الأوّل وكسر الثاني ـ ، ولم يجيء منه مضموم العين.

(و) قد يزاد فيه مدّة أمّا ألف فقط ، أو مع تاء التأنيث ، وأمثلتهما بتقديم مفتوح الفاء ، فالمكسور ، فالمضموم ، نحو : (ذهاب ، وصراف) ، مصدر صرفت الكلبة تصرف ، ك ـ ضرب ، يضرب ، ـ إذا إشتهت الفحل ـ (وسؤال وزهادة ، ودراية ، وبغاية) ـ للطّلب ـ ، وأمّا واو ، أو ياء ـ فقط ـ أو مع تاء التأنيث ، (و) ذلك نحو : (دخول) ـ بضمّ الفاء ـ ومضيّ ـ بضمّ الميم ـ فانّ أصله مضوي ، قلبت الواو ياء وأدغمت وكسر ما قبلها ، (ووجيف) ـ بفتح الأوّل ـ لضرب من سير الابل ـ (وقبول) ـ بفتحه أيضا ـ (وصهوبة) ـ بضمّ الأوّل ـ للحمرة أو الشقرة ـ وفضيحة ، ونصيحة ـ بفتحة أيضا ـ ولم يجيء مع الواو كسر الفاء ، لثقل الانتقال من الكسرة إلى الضمّة. ولا مع الياء سوى الفتح.

(و) قد يزاد الميم ـ فقط ـ مع فتح العين ، نحو : (مدخل) ، (و) كسرها نحو : (مرجع) ، وضمّها كمكرم ، ان ثبت انّه مصدر ، أو مع تاء التأنيث (و) ذلك نحو: (مسعاة ومحمدة) ، ـ بكسر الميم الّتي هي عينها وفتحها ـ.

(و) قد يزاد غير ما ذكر ـ أيضا ـ ، نحو : (كراهية) ، وكينونة ، في مصدر كان ، والبلهنية ـ بضمّ الموحّدة وفتح اللّام وسكون الهاء ـ بمعنى السعة ـ على «فعلنية» ، والضارورة ـ بمعنى الضرر ـ على زنة «فاعولة» ، والتّهلكة ، والجبروت.

والكل مقصور على السماع ، وليس شيء منها قياسا سوى نحو : مدخل ، وذكره ههنا غير مناسب.

(إلّا انّ الغالب) بحسب الاستقراء على ما سمع ، (في) مصدر(فعل) ـ بفتح العين ـ (اللّازم) ـ إذا لم يكن للمعاني الّتي نذكرها بعد ذلك من الأصوات ، والاضطراب ، وغيرهما ـ ان يكون «فعول» ـ بضمّ الفاء ـ (نحو : ركع على ركوع) ، وسجد على سجود.

٧٤

(و) الغالب (في) مصدر «فعل» (المتعدي) أن يكون على «فعل» ـ بفتح الفاء وسكون العين ـ (نحو : ضرب على ضرب).

(وفي) ما يعدّ من (الصنائع) جمع الصناعة ـ بالكسر ـ وهي الحرفة ك ـ رسالة ورسائل ، (ونحوها) ـ ممّا ليس معدودا في الحرف لكن يشبهها أو يضادّها كأنّه جعل نحوها ، تنزيلا للتضاد منزلة التناسب ، ـ أن يكون على «فعالة» بكسر الفاء ـ فالصنائع (نحو : كتب ... على كتابة) ، وصاغ على صياغة ، وخاط على خياطة ، وما يشبهها ك ـ عبر الرؤيا على عبارة ، وما يضادّها نحو : بطل على بطالة.

و «فعال» ـ بكسر الفاء بدون التاء ـ غالب فيما فيه النفرة ، وفي الهياج وشبّهه ك ـ الشراد ، والشماس ، والنكاح. (١)

(و) الغالب (في الاضطراب) ، والحركة أن يكون على «فعلان» ـ بفتح الفاء والعين ـ (نحو : خفق) ـ أي اضطراب ـ (على خفقان) ، ـ بتحريك العين ـ تنبيها بالحركة فيه على الحركة في مسمّاه ، ولذلك حوفظ على حركة الواو ولم يقلبوها في ـ دوران ـ ألفا.

(و) الغالب (في الأصواب) : أن يكون على «فعال» ـ بضمّ الفاء ـ (نحو : صرخ على صراخ) ، ونبح على نباح ، و «فعيل» أيضا فيها كثير ، ك ـ الصهيل ، والنهيق ، وجاء فيها «فعال» ـ بكسر الفاء ـ أيضا.

(وقال الفرّاء : إذا جاءك «فعل») ـ بفتح العين ـ متعدّيا كان أو لازما ، ممّا(لم يسمع مصدره فاجعله) ـ أي المصدر ـ (فعلا) ـ بفتح الفاء وسكون العين ـ (للحجاز) ، (و «فعولا») ـ بضمّ الفاء ـ (لنجد) ، حملا للمجهول شأنه على الغالب

__________________

(١) الهياج : من هاج يهيج هيجا أي ثار ، وهاجت الابل : عطشت ، والنبت : يبس ، والهيجاء : الحرب. والهياج بالكسر القتال.

الشماس : يقال : شمس الفرس شموسا وشماسا منع ظهره من الركوب.

٧٥

المشهور ، عند كل من الطائفتين ، وإن لم يبلغ حدّ القياس ، والمشهور عند الجمهور : انّ الأوّل مصدر المتعدّي من غير المسموع في أيّة لغة كانت ، والثاني مصدر اللّازم في أيّة لغة كانت كما مرّ.

(ونحو : هدى) ـ بضمّ الأوّل ـ (وقرى) ـ بكسره ـ للضيافة ـ وكلّاهما بفتح العين ، (مختص بالمنقوص) ـ إذا كان الماضي مفتوح العين ـ ، فانّ الكلام فيه ، لكنّهما قليلان ، والصغر : وإن كان مثل : قرى ـ وليس بمنقوص ـ إلّا أنّ ماضيه مضموم العين ، فلا يردّ به النقض.

(ونحو : طلب) ـ بفتحتين ـ ممّا فيه الكلام ، (مختص ب ـ يفعل) ، ـ أي بما كان مضارعه مضموم العين ، لم يجيء في غيره (إلّا) لفظان هما : (جلب ـ الجرح ـ) بالاضافة إلى الفاعل ، مصدر جلب الجرح يجلب ك ـ ضرب يضرب ، إذا أخذ في البرء وعلاه الحلبة وهي : جليدة تعلوه عند البرء ، (والغلب) ، مصدر غلب ... يغلب على تلك الزنة أيضا ، وجاء : يجلب ـ بالضم أيضا ـ ، والجلب بالسكون ، فلعلّ الجلب ـ بالتحريك ـ مصدر المضموم ، وبالسكون مصدر المكسور.

وقال الفرّاء : يجوز ان يكون الغلب أصله الغلبة ـ بالتاء ـ.

(و) الغالب في ما سمع ـ وان لم يبلغ حدّ القياس ـ في مصدر(فعل) ـ بكسر العين ـ (اللّازم ، نحو : فرح) ان يكون (على) «فعل» ـ بفتحتين ـ نحو : (فرح).

(و) الغالب في (المتعدّي) فيه ان يكون على «فعل» ـ بسكون العين ـ (نحو : جهل ، على جهل).

(و) الغالب (في الألوان ، والعيوب) منه ، (نحو : سمر ، وادم) ، أن يكون (على) «فعلة» ـ بضمّ الفاء وسكون العين وزيادة تاء التأنيث ـ مثل : (سمرة ، وادمة).

(و «فعل») ـ بضمّ العين ـ ، (نحو : كرم) يكون مصدره (على كرامة) ـ بفتح الفاء ـ غالبا ـ ، (و) يجيء على غيرها ، نحو : (كرم) ، ـ بفتحتين ـ (وعظم) ـ بكسر

٧٦

الأوّل وفتح الثاني ـ (كثيرا) ، وحسن ـ بالضمّ فالسكون ـ.

هذا تفصيل مصادر الثلاثي المجرّد بوجه يليق بهذا المختصر.

[٢ ـ الثلاثي المزيد فيه والرّباعي] :

(و) مصادر الثلاثي (المزيد فيه ، والرّباعي) مجرّدا كان أو مزيدا فيه ، (قياس) كلّها.

(فنحو : اكرم .. على إكرام).

(ونحو : كرّم .. على تكريم ، وتكرمة ، وجاء كذّاب ، وكذاب) ، ـ بالتشديد والتخفيف ـ في مصدر هذا الباب.

وقرئ بالوجهين قوله تعالى : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ،) وقيل : انّه في قراءة التخفيف مصدر كاذب اقيم مقام مصدر كذّب ، نحو : تبتّل إليه تبتيلا.

(والتزموا الحذف ، والتعويض في) الناقص من باب التفعيل ، والأجوف من الأفعال ، والاستفعال ، ان التزم الاعلال في فعلهما(نحو : تعزية ، واجازة ، واستجازة) ، فاصل الأوّل تعزيّ ـ بتشديد الياء ـ ك ـ تكريم ، فحذفوا إحديهما تخفيفا ، وعوّضت عنها التاء ، وهذا مبنى على اصالة «التفعيل» في الباب.

وفي شرح المفصل : انّ الوجه ان يحمل نحو : تعزية على «تفعلة» من غير حاجة إلى الحمل على «التفعيل» ، واعتبار الحذف والتعويض ، فانّه تعسف بلا داع إليه.

ولعل التحقيق : ان قياس «فعّل» أمّا «التفعيل» وهو فيما عدا الناقص ، والمهموز ، وإمّا «تفعلة» وهي فيهما ، ك ـ تعزية ، وتخطئة ، على ما قال بعض المحقّقين ، مصرحا بكونها في غيرهما ، نحو : تعزية ، وتكرمة ، مقصورة على السماع.

وامّا إجازة ، واستجازه : فأصلهما إجواز ، واستجواز ، فنقلت حركة حرف العلّة إلى ما قبلها ، وقلبت ألفا ، وحذفت إحدى الألفين المتلاقيتين وعوّض عنها التاء.

٧٧

وقد جاء الأوّل (١) على «تفعيل» ، للضرورة ، في قول من يصف ناقة مذللّة في العمل بجودة الاستقاء من البئر وعدم القلق :

فهي تنزّي دلوها تنزيّا

كما تنزّي شهلة صبيّا (٢)

تنزّي : ـ أي تحرّك ـ. والشهلة : ـ النصفة العاقلة ـ.

ويجيء الآخران على الأصل ـ أيضا ـ فيما ترك الاعلال في فعله ، نحو : أروح اللحم .. ارواحا ـ إذا أنتن ـ ، وأروحه .. أرواحا ـ أدخله في الرّاحة ـ واستصوب .. استصوابا ، واستحوذ ، استحواذا.

وقد يترك التاء في نحو : إجازة ، وفي نحو : استجازة ، بناء على ما قيل : عند الاضافة لا بدونها ، على ما صرح به الفرّاء ، وساعده القراء ، وذلك نحو : (وَإِقامَ الصَّلاةِ*)(٣) كأنّه أقيم المضاف إليه مقام العوض.

ولم يرد ذلك في نحو : تعزية ، لما فيه من جعل الياء معرضا للحذف في الرفع والجرّ بالتقاء الساكنين عند الاضافة إلى المعرّف باللّام ، مع ما فيه من الاجحاف بالجمع بين الحذفين.

(ونحو : ضارب .. على مضاربة ، وضراب) ، على «مفاعلة ، وفعال» ـ بكسر الفاء وتحفيف العين ـ ، والثاني نادر فيما فائه ياء ، لثقل الكسرة عليها ، نحو : ياوم (٤) .. مياومة ، ويواما ، حكاه ابن سيّدة.

(ومرّاء) ـ بالتشديد ـ في مصدر ما راه ـ إذا جادله ـ (شاذّ).

__________________

(١) أي مصدر التفعيل من الناقص.

(٢) لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين. والشهلة : المرأة العجوز أو النصف.

يقول : المرأة تحرك دلوها لتملأها كما تحرك المرأة العجوز صبيها في ترقيصها إيّاه ، والاستشهاد به على مجيء مصدر فعّل من الناقص على التفعيل شذوذا من حيث الاستعمال.

(٣) الآية : ٣٧ النور ، أو ٧٣ الأنبياء.

(٤) أي عامل باليوم.

٧٨

(وجاء : قيتال) ، على «فيعال» ـ بالياء بعد الفاء ـ وقيل : إنّه الأصل والقياس ، وهذه ـ الياء ـ مبدلة عن ألف «فاعل» ، لانكسار ما قبلها في المصدر ، ولذلك جعل سيبويه : «فعالا» ـ بدون الياء ـ مبنيّا على حذفها ، للتخفيف.

(ونحو : تكرّم .. على تكرّم ، وجاء : تملّاق) ، ـ بزيادة الألف قبل الآخر ـ في مصدر تملّق ، قال الشاعر :

ثلاثة أحباب .. فحبّ علاقة ، وحبّ تملّاق وحب هو القتل (١).

والضابط في كل ما أوّله ـ تاء ـ نحو : تكرم ، وتدحرج ، وتغافل ، ان يكون مصدره على طريقة الماضي ، إلّا أنّه يضم ما قبل الآخر إلّا في الناقص فيكسر فيه ، ك ـ التمنّي ، والتلاقي.

(والباقي) ـ من أبواب المزيد فيه الثلاثي ـ (واضح).

أمّا الملحق بالرّباعي المجرّد منها فحكمه مثله.

وأمّا ما فيه همزة وصل فللكلّ قياس واحد ، وهو ان يؤتى بحروف الماضي مع كسر همزة الوصل ، ويكسر ما بعد الساكن الأوّل ، ويزاد ـ قبل الآخر ـ ألف.

ثمّ ان كان الماضي ألف زائدة ووقعت في المصدر بعد ما كسر فيه أبدلت ياء ، ك ـ احمارّ ، احميرارا ، وكذا الواو في نحو : اغدودن ، اغديدانا ـ.

واعلم انّ من المصدر ما ليس مبداء للاشتقاق الفعل بل يعتبر اشتقاقه من مبدأ يتصرّف فيه ، (و) من هذا القبيل من مصدر الثلاثي المجرّد ما هو على «تفعال» ـ بفتح التاء ـ (نحو : التّرداد) ، ـ بمعنى الرّد ـ ، (والتّجوال) ـ بمعنى الجولان ـ ، أو على «تفعلة» ـ بفتح التاء ، وسكون الفاء ، وضمّ العين ـ ك ـ التهلكة ـ بمعنى الهلاك ـ على ما حكاه أبو عليّ عن أبي عبيدة ، لكنّه قليل ، ومثله : ما حكاه سيبويه من

__________________

(١) لم أقف على نسبته إلى قائل معيّن ، والشاهد فيه قوله : تملّاق ، وهو التودّد والتلطّف.

٧٩

التّضرّة ، والتّسرّة ـ بضمّ الضاد والسين ، وتشديد الراء ـ بمعنى الضرور ، والسرور ـ أو على «فعّيلي» ـ بكسر الفاء وتشديد العين وزيادة الياء بعدها ، والألف في آخره ـ وهو كثير يكاد يكون قياسا ، على ما نقل من الزمخشري ، (و) ذلك نحو : (الحثّيثي) ، (والرّمّيّاء) ـ من الحث ، والرّمي ـ ، وما كان من مصدره على أحد الوزنين (١) فهو كائن (للتكثير).

وحكى الكسائي : الخصّيصآء ـ بالمدّ ـ في الوزن الثاني ، وانكره الفراء.

وزعم الكوفيّون : ان نحو : الترداد مصدر «فعّل» ـ بالتشديد ـ ، وأصلهما الترديد ، والتجويل ، مثلا ، فلهذا أفاد التكثير ، وقلبت الياء ألفا ، وردّ بمجيء كسر التاء في بعض هذا ، ك ـ التلعاب ، مع لزوم الفتح في «التفعيل» ، وقد يجاب بشذوذ مثل ذلك (٢).

وقال سيبويه : في التبيان ـ بالكسر ـ انّه اسم أقيم مقام مصدر بيّن ، كما أقيم ـ غارة ـ مقام ـ اغارة ـ.

***

__________________

(١) بل الأوزان الثلاثة ، تدبر.

(٢) وقال نظام الدين : والتفعال ـ بالكسر ـ شاذ نحو : التبيان والتلقاء ولم يجيء غيرهما.

والتلعاب : بمعنى اللعب.

٨٠