شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

في الآخرين : ففي نحو : أعدّ ، ومادّ ، ولعدم موافقتها له في المصدر المطرّد ـ وهو الدحرجة ، والاخراج ، وان وافق الدحراج ، لكنّه غير مطرد في الرباعي.

(وانطلق) على «انفعل» ، (واقتدر) ـ من القدرة ـ على «افتعل» ، (واستخرج) ك ـ استفعل ، (واشهابّ ، واشهبّ) ـ بتشديد الباء فيهما ـ على «إفعالّ» و «افعلّ» ـ بتشديد اللّام ـ ، ـ إذا غلب بياضه على سواده ـ.

وهذان البناءآن : في اللّون ، والعيب الحسّي ، إلّا أن الغالب في الثاني أن يكون في اللّازم منهما ، وفي الأوّل أن يكون في العارض ، وكلاهما قاصران لا يتعدّيان.

(وإغدودن) الشعر ـ بمعجمة ومهملتين ـ ، على «افعوعل» ـ إذا تمّ وطال ـ ، وهذا قاصر ، وجاء من هذا البناء لفظان متعديان ، هما : اعروريت الفرس ، ـ أي ركبته عريانا ـ ، واحلوليته ، ـ إذا استطبته وعددته حلوا.

(واعلوّط) فلان البعير ، على «افعوّل» ـ بتشديد الواو ـ ، ـ إذا تعلّق بعنقه وعلاه ـ ، وفي الصحاح : اعلوّطني فلان ـ أي لزمني ـ ، وهو متعدّ في المعنيين ، واجلوّز بهم السير ـ أي دام مع السرعة ـ ، واخروّط بهم السير ـ أي امتّد ـ وهذان لا زمان.

وليعلم أنّه يجب في الالحاق ـ مع موافقة الفرع للأصل في صورة الحركات والسكنات ـ أن يقع الفاء ، والعين ، واللّام في الفرع مواقعها في الأصل الملحق به ، وأن يكون فيه ما يماثل زيادة الأصل ، فلذلك : حكم على «إقعنسس» ب ـ إلحاقه ، «ب ـ احرنجم» لمقابلة اصوله باصوله واشتماله على النون الزائدة فيه ، في موقعها منه ، ولم يحكم على «استخرج» بذلك ، لعدم التقابل في الاصول ، وعدم النون كذا قيل ، فتأمّل.

(واستكان) ـ بمعنى ذلّ وخضع ـ فيه خلاف ، و (قيل :) أصله : استكن وهو : (إفتعل ـ من السكون ،) فالخاضع الذليل ـ كأنّه ـ سكن عن الصعود إلى مدارج

٤١

العزّ ، على وجه المبالغة ، كما يقتضيه الافتعال ، وعلى هذا ، (فالمدّ) الواقع فيه بعد الكاف ، (شاذ) ، حاصل من اشباع فتحة الكاف ، مثله في منتزاح ، في قول ابن هرمة يرثي إبنه :

وأنت من الغوائل حين ترمى

ومن ذم الرّجال بمنتزاح

فانّ أصله : المنتزح ، بلا مدّ ، ـ بمعنى المبعد ـ.

وقولهم : مستكين ، ـ بالياء المبدلة عن الألف مثلا ، في اسم الفاعل منه ، مبني على لزوم الزيادة ، وتوهّم أصالتها.

(وقيل : إنّه «استفعل من كان) ولم يذكر المصدر المجرّد المأخوذ منه ، كما في قول الأوّل ، لأنّ أصحاب هذا القول ، إختلفوا : في انّه من الكون ، أو من الكين ، يقال : كان ، يكين ، كينا ، ـ إذا خضع ـ فذكر الماضي المجرّد الصالح لهما إختصارا. فعلى الأوّل : معنى الاستفعال فيه ، التحوّل من كون إلى كون ، لكن خصّ في العرف بالتحوّل من كون «العزّ» إلى كون «الذلّ» ، وعلى الثاني : كأنّه بمعنى «فعل» كقرّ واستقرّ ، وبزيادة الحروف حصل شيء من المبالغة ، ويمكن اعتبار التحوّل ـ أيضا ـ كما لا يخفى.

وقيل انّه من «الكين» ـ بمعنى لحم الفرج ـ ، أي صار مثله ، وانتقل إلى حاله ، في الذلّ ، فهو على هذا من قبيل التحوّل إلى مدلول اسم العين مجازا ك ـ استحمر» أي صار حمارا ، أي مثله.

ولعلّ الأنسب بقوله : «من كان» ما ذكرناه ، إلّا أن يكون «كان» بمعنى ذلّ ـ أيضا ـ مأخوذا من «الكين» ، فتأمّل.

وإذا جعل استكان ، «استفعل» من «كان» واويا أو يائيا(فالمدّ فيه قياس) ، لأن أصله على هذا «استكون» أو «استكين» ، فالمدّ منقلب عن الواو ، أو الياء ، كاستقام ، واستمال.

٤٢

[معاني هيئات الأفعال] :

وإذا علمت أبنية المجرّد ، والمزيد فيه ، من الفعل ، فاعلم انّها ترد لمعان مختلفة.

(ففعل) ـ بالفتح ـ من جملتها ، يكون (لمعان كثيرة) ، لأنّه لخفّته كثر استعماله ، فاستعملوها في معان مختلفة ، لا تكاد تحصى بحسب أغراضهم ، حتّى قيل : انّه ما من معنى من معان الأفعال ، إلّا وقد استعمل هو فيه.

وباب المغالبة (١) :

وهو : ما يسند ـ لبيان الغلبة ـ إلى الغالب ، بعد المفاعلة الدالّة على وقوع فعل ، من كل من الفاعلين.

(يبنى على : «فعلته .. افعله» ،) بفتح عين الماضي ، وضمّها في المضارع ، من المتعدي ، وإن لم يكن الفعل المجرّد منه على هذه الزنة ، أو لم يكن متعديا ، وذلك (نحو : كارمني) فلان ، (فكرمته ـ أكرمه ـ) ، لبيان انّ الغلبة من المتكلّم.

والمجرّد في «كارم» وإن كان لازما ، مضموم العين ، لكن عند بيان الغلبة يبني منه المتعدي ، ـ بالفتح ـ لأنّه معنى متجدّد ، فقصدوا له بناء جديدا ، فاختاروا الأخف الّذي هو مفتوح العين ، وآثروا المضارع المضموم ، لقوّة الضمّ ، ومناسبته للغلبة ، مع شيوعه ، وكثرته.

قيل : وقد يقال : ضاربني فلان ، فضربته ، إذا ضربا (٢) غيرهما ، وكانت الغلبة في ضربه من المتكلّم.

ثمّ انّ البناء للمبالغة على ذلك الوجه (٣) ، قاعدة مطرّدة ، في كلّ باب يؤتي فيه ـ بعد المفاعلة الّتي وقعت فيها المغالبة ـ بالفعل المجرّد الّذي هو أصلها ، لبيان الغلبة ،

__________________

(*) قوله : وباب المغالبة مبتدأ وقوله : يبني على فعلته خبره.

(١) وفي نسخة : إذا ضربا معا غيرهما.

(٢) أي : على فعل بالفتح ويفعل بالضم.

٤٣

(إلّا باب : وعدت ،) من المثال ، واويّا كان أو يائيّا ، (و) باب (بعت ، ورميت) ـ من الأجوف ، والناقص ـ اليائيّين ـ (فانّه) أي كل واحد منها ، ـ عند بيان الغلبة ـ (فعلته) ـ بفتح العين في الماضي ـ (أفعله) ـ بالكسر ـ في المضارع ـ ، دون الضم ، لئلّا يلزم خلاف لغتهم ، إذ لم يجيء في شيء منها «يفعل» ـ بالضم ـ ، بل كل منها مكسور العين ، فابقي على حاله ، فيقال : واعدني ، وبايعني ، وراماني ، فأعده ، وأبيعه ، وأرميه.

(و) حكي (عن الكسائي) مخالفة تلك القاعدة ، ـ أيضا ـ فيما عينه ، أو لامه أحد حروف الحلق ، زعما منه أنّه يلزم في كل ما عينه ، أو لامه ، أحدها طريقة واحدة ، هي : فتح العين في الماضي ، والمضارع ، فيبقى على حاله ، (نحو : شاعرني .. فشعرته ، أشعره ـ بالفتح ـ) فيهما ، وليس الأمر كما زعمه ، لورود خلاف تلك الطريقة في اللّغة ، ك ـ برء ، يبرء ، مع ان أبا زيد حكى في باب المغالبة شاعرته أشعره ـ بالضم ـ وكذا فاخرته أفخره وإنّما خصّصنا اطراد القاعدة بما يؤتى بمجرّد المفاعلة ـ بعدها ـ لأنّ ذلك مقصور على السماع ، وقد لا يكون في بعض الأبنية ، كما قال سيبويه : انّك لا تقول ، : نازعني ، فنزعته ، بل تقول : غلبته ، فانّهم استغنوا ب ـ غلبته» عن إيراد مجانس من باب المغالبة ، ويؤتي بمضارعه على ما هو عليه ، فيقال : «أغلبه» ـ بكسر العين ـ.

وقد يقتصر على المجرّد ـ لبيان الغلبة ـ من غير سبق المفاعلة لفظا. كما يقال : لأحد المتخاصمين ، «خصمك فلان» ، أي غلبك في الخصومة ، ـ كأنّه ـ قيل : خاصمك ، فخصمك.

وقد يجعل منه (١) قول جرير في مرثية عمر بن عبد العزيز(رحمه‌الله تعالى) :

الشّمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا

__________________

(١) أي من الاقتصار على المجرّد.

٤٤

كأنّه قال : تباكى النجوم ، والقمر عليك ، فتغلبهما في البكاء وما فيها من الكدر لذلك ، لا للكسوف.

[أفعال الاعراض] :

(وفعل) بكسر العين ـ اللّازم فيه أكثر من المتعدي ، (ويكثر فيه العلل) أي الأمراض ، (والأحزان ، وأضدادهما) ، أي الصحّة ، والسرور ، فالأمراض ، «نحو : سئم ، ومرض» ، والأحزان نحو : (حزن) ، وضدّ المرض نحو : (سلم) ، وبرئ ، وضدّ الحزن نحو : (فرح).

(وتجيء : الألوان والعيوب ، والحلي) ، وهي : العلامات الظاهرة للعيون ، في أعضاء الحيوان ، جمع الحلية ، (كلّها عليه) ، فالألوان نحو : كدر ، وشهب ، والعيوب : ك ـ عرج ، وعمي ، والحلي : كدعج ، من الدّعج لشدّة سواد العين.

(وقد جاء أدم ، وسمر) ، من الأدمة ، والسمرة ، في الألوان ، (وعجف) من العجف ، وهو الهزال ، من عيوب البدن ، (ورعن) ـ بالراء والعين المهملتين ـ بمعنى : حمق ، (وخرق) من الخرق وهو ضدّ الرفق ، (وعجم) من العجمة وهي : العيّ في اللسان ، من عيوب النفس ، (وبلج) من البلجة وهي : نقاوة ما بين الحاجبين ، في الحلي ، (بالكسر ، والضم) ، فهذه الأمثلة وردن على الأصل فيها ، وهو : الكسر ، ووجه آخر وهو الضم ، وهذه المعاني المذكورة ـ لمكسور العين ـ كلّها لازمة.

وامّا فرقته ، وفزعته ، فقال سيبويه : انّه على حذف الجار (١) ، أي فرقت منه ، وفزعت منه.

[أفعال الطّبائع] :

(وفعل) ـ بضمّ العين ـ (لأفعال الطّبائع) ، جمع الطبيعة وهي : ـ الغريزة المخلوقة ـ ،

__________________

(١) وفي نسخة : على انّه حذف الجار.

٤٥

أي المعاني الّتي هي من جنس الغرايز الّتي خلق عليها الشيء من غير مدخل لاختياره فيها ، ولا تنفك عنه ، (ونحوها) ، ممّا يقوم بموصوفه مع اللبث ، ولا يتجاوز إلى غيره ، ويجري مجرى الغرائز ، ـ (ك ـ حسن ، وقبح ، وكبر ، وصغر) ـ فانّها تدل على الغرائز الّتي هي : الحسن ، والقبح ، والكبر ، والصغر ، و «طهر» و «نظف» ، من الطهارة ، والنظافة ، الجاريتين مجراها.

هذا ما يقال هنا. (١)

ومنهم من فسّر أفعال الطبائع بالأفعال الصادرة عن الطبيعة ، بمعنى القوّة الموجودة في الشيء ـ الّتي لا شعور لها بما يصدر عنها ـ ويكون أثرها على نهج واحد ، ولا يختلف باختلاف الأوقات ، فتأمّل.

(ومن ثمّ) أي ومن أجل أنّه لأفعال الطبائع ونحوها ، وهي : معان قائمة بموصوفاتها ، من غير أن يتعدّى إلى الغير ، وان وقع التعدّي في آثارها في بعض الأوقات ، لا في نفسها ، (كان لازما) دائما ، في لغة جميع العرب الّا هذيل فيما حكاه أبو علي من وقوع التعدّي فيه ، في لغتهم ولأجل اللزوم فيه يتحوّل المتعدّي لازما ، إذا حوّل إليه للمبالغة ، والتعجّب ، نحو : فهم زيد ـ بضمّ العين ـ بمعنى ما أفهمه.

(وشذ رحبتك (٢) الدار) ، وهو إنّما تعدّى في الظاهر ، وإلّا فأصله لازم ، والتعدّي فيه بواسطة الخافض المحذوف ، (أي رحبتك بك). أي إتّسعت بك ، فحذف الجار واوصل الضمير بالفعل ، فشذوذه للالباس ، حيث استعمل في صورة المتعدّي على ما قيل.

وقيل : إنّ التعدّي فيه لتضمين معنى وسع ، وكذا : التعدّي في طلع ـ بالضم ـ في انّ

__________________

(١) وفي نسخة : هذا ما يقال منّا هنا.

(٢) هذا تفريع على قوله «فعل» لازم ، ولا يجيء فعل متعديا في الصحيح غيره ، وأمّا المعتل فقد اختلفوا فيه ، وقال بعضهم : بجواز ذلك ، وقال سيبويه : لا يجوز ذلك.

٤٦

بشرا طلع اليمن (١) ، بتضمين معنى بلغ.

(وأمّا باب : سدته) ، أسوده ، سيادة ، ـ وهو الأجوف الواوي المتعدّي الّذي مضارعه مضموم العين ، والحرف الأوّل من ماضيه مضموم عند الاتصال بالضمير المرفوع المتحرّك ـ فهو وإن كان معرضا لاحتمال ضم عين الماضي ـ مع التعدّي ـ ونقله إلى الفاء عند اتصال الضمير ، لكنّ ما تقرّر عندهم من الحاق ما يتردّد في حاله من المعتل بالصحيح ، اقتضى إلحاقه بالصحيح المعلوم فيه انتفاء الماضي المتعدّي المضموم ، فلذلك (٢) جعلوه من مفتوح العين أصالة.

ثمّ انّ ظاهر كلام سيبويه والجمهور انّه حوّل من المفتوح العين إلى مضموم العين ، لبيان انّه واوي ، لمناسبة الضم للواو ، ونقل الضم إلى الفاء مع الضمير ، وهذا تعسف ، بل غير صحيح ، إذ لم يعهد في لغتهم تحويل باب إلى باب من غير عروض تغيّر في المعنى ، وبيان الواويّ يحصل بنفس الضم ، وإن لم يكن منقولا من العين.

(فالصحيح) مع جعل ماضيه مفتوح العين ، (أنّ الضم) الحق بأوّله بعد حذف الألف المنقلبة عن العين ، عند تسكين اللّام ، للاتصال به بالتقاء الساكنين والتزموا إلحاقه به (لبيان بنات (٣) الواو) أي الواوي ، (لأنّ (٤) الضم) في أوّله حاصل (للنقل) من العين إليه بأن تكون مضموم العين أصالة أو تحويلا.

(وكذلك باب بعت) وهو الأجوف اليائي الّذي مضارعه مكسور العين ، وأوّل ماضيه مكسور عند الاتصال بالضمير ، والمقصود انّ الكسرة ملحقة بأوّله ـ بعد

__________________

(١) هذا من كلام علي (رضي‌الله‌عنه).

(٢) أي ولأجل اقتضاء ما تقرر الخ.

(٣) والمراد ببنات الواو : المعتل الواوي وببنات الياء : المعتل اليائي أي بيان انّه واوي أو يائي.

(٤) هكذا وجدنا العبارة في النسخ الّتي بأيدينا ولكن الصحيح غير ذلك ، بل الصحيح : لا انّ أو لا لانّ كما هو واضح في الشرح نفسه.

٤٧

قلب عينه ألفا ، وحذفها بالتقاء الساكنين ـ للدلالة على انّه يائي ، وليس منقولة من العين إليه ، على أن يكون مكسور العين أصالة أو تحويلا لندرة «فعل» «يفعل» ـ بكسر العين ـ في غير المعتل الفاء ، وهذا (١) مذكور استطرادا بمناسبة الواوي.

ثمّ (٢) انّ إلحاق الضم بأوّل الواوي من غير النقل ، وكذا الكسر بأوّل اليائي إنّما هو فيما تعذّر فيه بيان البنية أي بيان الكلمة ، ك ـ باب : سدته ، وبعته ، فان حركة عينه ـ الفتح ـ مثل فائه ، فلا فائدة في النقل.

ثمّ بعد قلب العين ألفا ، وحذفها عند الاتصال بالضمير المرفوع ـ لو ابقي أوّله على الفتح لم يعرف حركة العين ، حتّى يعلم البنية ، إذ الواو المتحركة آية حركة كانت تقلب ألفا عند انفتاح ما قبلها ، وتحذف عند الاتصال به ، وكذا الياء ، فحيث تعذّر بيان البنية ضمّوا ، أو كسروا الأوّل لبيان الواو ، والياء ، كراهة الخلوّ عن البيان رأسا ، وأمّا إذا أمكن بيان البنية فلا يلتفت إلى بيان الواوي ، واليائي ، بالوجه المذكور ، بل يراعي بيان البنية ، (و) هذا كما أنّهم :

(راعوا ـ في باب خفت ـ) وهو الأجوف الواوي ، على «فعل» ـ بكسر العين ـ في الماضي ، وـ الفتح ـ في المضارع ، (و) باب (هبت) ، وهو الأجوف اليائي على تلك الزنة ، (بيان البنية) الّتي هي : «فعل» ـ بالكسر ـ لأنّ بيانها أهم ، لتعلّقها بالمعاني المختلفة باختلافها ، وتعلّق الواوي ، واليائي أوّلا (٣) باللفظ ، واعتبار الأهم واجب عند إمكانه ، ـ كما يمكن في هذا الباب بنقل الكسرة من العين إلى الفاء ـ ، فلذلك اعتبروا ذلك النقل فيهما من غير مبالاة بعدم معرفة الواوي ، واليائي.

__________________

(١) أي قول المصنف وكذلك باب بعت.

(٢) وهذا تمهيد لجواب المصنف عن دليل سيبويه ، والجمهور ، للنقل.

(٣) وانّما قلنا : أوّلا إذ قد يظهر له أثر في بيان المعنى باعتبار اختلاف معنى الواوي واليائي نحو : قلت ـ بالضم ـ من القول ـ وقلت ـ بالكسر ـ من القيلولة ، وبمعنى أقلت البيع فانّ الضم والكسر يدل أوّلا على كون اللفظ واويا أو يائيا ويظهر بذلك حال المعنى.

٤٨

ولم يقولوا خفت ـ بالضم ـ ك ـ صنت ، والالتباس بنحو : بعت يدفعه فتح عين المضارع ، نحو : يخاف ، ويهاب.

فهذا بيان معاني أبنية المجرّد الثلاثي.

وأمّا المزيد فيه : فما كان منه على زنة إشهبّ ، واشهابّ ، واغدودن ، واعلوّط ، فلا يزيد معناه على المجرّد إلّا في المبالغة الحاصلة بالحرف الزائد لئلّا يخلو عن الفائدة ، فلهذا لم يتعرّض لها ههنا ، وكذا الملحق إلّا «تفاعل» و «تفعّل» فيما زعمه المصنف من كونهما ملحقين ، فلذا لم يتعرّض منه إلّا لهما.

ثمّ انّ الغالب في المزيد أن يكون له فعل مجرّد ثلاثي ، ويتخلّف ذلك نحو : استحجر ، من الحجر ، وليس بناء كلّ مزيد قياسا مطرّدا من أيّ لفظ كان ، فلا يقال : أنصر ، وأطرف ، ك ـ أكرم ، ودخّل ـ بالتشديد ـ من باب التفعيل ، ولذلك : ردّ على الأخفش ، حيث أثبت باب الأفعال في حسب ، وزعم ، وظنّ ، بالقياس.

[معاني الأفعال] :

١ ـ معاني «أفعل» :

ويختلف معاني الأبنية الّتي تشتمل ـ من جملته ـ على معنى زائد. (و «أفعل») منها يكون (للتعدية) وهي : أن يضمّن الفعل معنى الجعل ، والتصيير ، ويجعل فاعل أصله المجرّد مفعولا للتصيير ، فإن كان المجرّد لازما تعدّى إلى واحد (نحو : أجلسته) ، فقولك : جلس زيد ، يفيد انّه فاعل للجلوس ، فإذا قلت أجلسته ، أفاد أنّك صيّرته جالسا ، وإن كان المجرّد متعدّيا إلى واحد ، تعدّى إلى اثنين ، نحو : عطا زيد دينارا أي تناوله ، وأعطيته إيّاه ، وإن تعدّى إلى إثنين ، تعدّى إلى ثلاثة ، نحو : علم فلان زيدا منطلقا ، واعلم فلان زيدا عمروا منطلقا.

وقد يفيد جعل الشيء نفس أصله ، ك ـ أهديته ، من الهدية أي جعلته هديّة.

(و) يكون أفعل ـ أيضا ـ (للتعريض) ، وهو : جعل مفعول المجرّد معرضا

٤٩

للمفعولية له ، (نحو : أبعته) أي جعلته معرضا لأن يباع.

(ولصيرورته) أي صيرورة الشيء الّذي هو فاعله (ذا كذا) أي صاحب كذا ، إمّا بأن يكون صاحب ما اشتقّ منه (نحو : أغدّ البعير) أي صار ذا غدّة ، وهي العقدة الّتي في اللّحم ويحيط بها الشحم ، وغدّة البعير طاعونه ، وأمّا بأن يكون صاحب ما هو صاحب لما اشتقّ منه ، نحو : أجرب الرجل ، أي صار ذا إبل ذات جرب ، وأخبث أي صار ذا أصحاب ذوي خبث ، ويقرب منه أنجب إذا ولد نجيبا ، كأنّه صار ذا ولد ذي نجابة.

(ومنه :) أي من أفعل الّذي بمعنى صار ذا كذا ما اشتهر جعله قسما آخر ، وهو «أفعل» بمعنى جاء وقت استحقاق فاعله أن يوقع عليه أصله المجرّد نحو : (أحصد الزرع) إذا جاء وقت أن يوقع عليه الحصاد ، كأنّه لاستحقاقه إيّاه صار ذا حصاد ، فجعل صاحبا له وإن لم يحصل له بالفعل ، وبهذا فارق نحو : أغدّ البعير ، ولذا فصّله عنه بقوله : منه.

قيل : ومنه ـ أيضا ـ ما كان بمعنى دخل فاعله في نفس أصله ، أو وقته ، نحو : أصبح زيد بمعنى دخل في الصباح ، وأشمل بمعنى دخل في وقت الشمال ، أي ريح الشمال ، وما يكون بمعنى وصل إلى أصله مكانا كان ك ـ أنجد ، وأجبل ، أي وصل إلى النجد ، وإلى الجبل ، أو عددا ك ـ أعشر غنم زيد ، وأتسع ، أي وصل إلى العشرة والتسعة ، كأنّه صار ذا صباح ، وشمال ، ونجد ، وجبل ، وعشرة ، وتسعة.

(و) يكون أفعل (لوجوده) بالإضافة إلى المفعول ، من قولهم وجده وجودا ووجدانا ، أي لوجدانك إيّاه ، أي شيئا هو مفعول أفعل (عليها) أي على صفة وهي كونه مفعولا لما هو أصله ، إن كان الأصل متعدّيا ، وفاعلا إن كان لازما ، فالأوّل (نحو : أحمدته) أي وجدته محمودا ، مفعولا للحمد ، والثاني نحو : (أبخلته) أي وجدته نجيلا ، فاعلا للبخل ، بمعنى انّه قائم به ، وأعمرت الأرض ، أي وجدتها عامرة.

٥٠

وقد تكون تلك الصفة هي الفاعلية لنفس أفعل لا لما هو أصله ك ـ أفحمته أي وجدته مفحما ، فاعلا للافحام ، وهو العيّ.

(وللسّلب) أي سلب الفاعل أصل الفعل عن المفعول (نحو : أشكيته) أي أزلت شكايته ، وقد يكون بمعنى زوال أصله ، وهذا لا يكون إلّا لازما ، نحو : أفلس زيد أي زال فلسه ، أي لم يبق عنده مال ، وقيل : معناه صار ذا فلوس ، كأنّه قيل : صارت دراهمه فلوسا.

(وبمعنى أصله المجرّد وهو «فعل» ،) من غير زيادة إلّا المبالغة كما مرّ ، متعدّيا كان (نحو : قلته وأقلته) ، يقال : قلت البيع ـ بكسر القاف ـ وأقلته ، أي فسخته ، أو لازما نحو : أسرع ، وأبطاء ، بمعنى سرع ، وبطؤ. وقيل : انّ الاسراع ، والابطاء ، متعدّيان في الأصل : أي أسرع المشي ، وأبطأه ، غير انّه لمّا كان معروفا عند المخاطب استغنى عن اظهاره.

ويجيء «أفعل» بمعنى الدّعاء ك ـ أسقيته ، أي دعوت له بالسقيا.

ولمطاوعة فعّل ـ بتشديد العين ـ نحو : فطّرته ، فأفطر ، وبشّرته ، فأبشر ، وزعم بعضهم انّه لا يجيء للمطاوعة أصلا.

٢ ـ معاني «فعّل» :

(وفعّل) ـ بتشديد العين ـ ، يكون (للتكثير غالبا) ، أي لتكثير أصل الفعل ، أمّا باعتبار ايقاعه على متعدّد ، وان اتّحد الفاعل ، وهذا متعدّ ، (نحو : قطّعت) الأثواب ، (وغلّقت) الأبواب ، أو باعتبار تكرار الفعل واكثاره ، وان اتّحد الفاعل ، ـ أيضا ـ [و] ذلك قد يكون لازما نحو : (جوّلت ، وطوّفت) ، أي أكثرت الجولان ، والطّواف ، وقد يكون متعدّيا نحو : غلّقت الباب ، إذا اغلق مرّات كثيرة ، على ما يظهر من شرح المفصل.

فان اتّحد ـ الباب ـ مع اتّحاد وقوع الفعل فالأصحّ التخفيف ، على ما قيل.

٥١

(و) أمّا باعتبار تعدّد الفاعل وكثرته ، نحو : (موّت المال) ، ـ بالرّفع ـ إذا مات مال كثير من الحيوان ، وهذا لازم البتّة ، ويجب في فاعله أن يكون صادقا على الكثير.

(و) يكون (للتعدية : نحو : فرّحته ، ومنه) : ما عدّه أهل التصريف معنى آخر برأسه ، وهو نسبة المفعول إلى الأصل ، سواء كان مصدرا مجرّدا ، نحو : (فسّقته) ، أي ـ نسبته إلى الفسق ، وسمّيته فاسقا ـ ، أو اسم عين نحو : تمّمته ـ أي نسبته إلى تميم ـ ، وهو قبيلة ـ ، فهذه النسبة كأنّها نوع من الجعل والتصيير ، فيرجع الى التعدية ، وإن لم يكن على نهج غيره منها ، فلذلك فصّله بقوله : منه ، فتأمّل. (١)

(وللسلب : نحو : جلّدت البعير) ، ـ أي أزلت جلده ، وسلخته ، وقرّدته ـ أي أزلت قراده ، والسلب في هذا الباب كثير في الأعيان ، قليل في المعاني ، وفي باب الأفعال بالعكس.

(و) يكون هذا الباب ـ أيضا ـ (بمعنى) أصله المجرّد ، أعني : «فعل» من غير تفاوت إلّا في المبالغة ، (نحو : زلته) ، ـ بكسر الراء ـ من الأجوف البائيّ لا الواويّ ، (وزيّلته) ، فانّ كليهما بمعنى : ـ فرقته ـ.

ويكون بمعنى صاحب أصله ، نحو : قيّح الجرح ، ـ صار ذا قيح ـ.

وبمعنى صيرورة فاعله أصله المشتقّ منه ، ك ـ روّض المكان ، ـ صار روضا ـ ، وعجّزت المرأة ، ـ صارت عجوزا ـ.

وبمعنى تصيير مفعوله على ما هو عليه ، نحو : سبحان الّذي ضوّء الأضواء ، وكوّف الكوفة ، ـ أي جعلهما أضواء ، وكوفة.

ولعمل شيء ك ـ الاتيان وغيره ـ في المشتق منه ، نحو : صبّح ، أتى صباحا وغلّس ، ـ فعل في الغلس ـ ، ولمعان أخر غير مضبوطة.

__________________

(١) لعل وجه التأمّل هو انّه يحتمل ان يكون للتعدية كما في فرّحته بلا تفاوت كما أشار الفاضل المصري حيث قال : يمكن ان يقال في نحو فسّقته انّه للتعدية أي جعلته فاسقا والجعل أمّا بالقول ، أو الاعتقاد ، أو الفعل.

٥٢

٣ ـ معاني «فاعل» :

(و «فاعل») كائن (لنسبة أصله) المجرّد الّذي اشتقّ هو منه ، (إلى أحد الأمرين) حال كون ذلك الأصل ، (متعلّقا بالآخر للمشاركة) ، والمقصود انّه لنسبة أصله من حيث اعتبرت مشاركة أحد الأمرين فيه للآخر ـ إلى الأمر الأوّل بالفاعلية ، متعلّقا ـ من تلك الحيثية ـ ، بالآخر على جهة المفعوليّة.

وملخّصه : انّه لنسبة المشاركة المذكورة في أصله إلى أحد الأمرين ، متعلّقة بالآخر صريحا ، (فيجيء العكس) ، وهو نسبة المشاركة إلى الآخر ، متعلّقة بالأمر الأوّل (ضمنا) ، لأنّ مشاركة الأمر لآخر يتضّمن مشاركة الآخر إيّاه ، ويلازمها ، فكل منها فاعل من وجه ، ومفعول من وجه ، وذلك ، (نحو : ضاربته ، وشاركته) ، فضارب في المثال ، لنسبة أصله وهو الضرب من حيث اعتبرت مشاركة المتكلّم فيه ، لمرجع الضمير ، أي لنسبة المشاركة في الضرب الّتي هي المضاربة ـ إلى المتكلّم متعلّقة بالمفعول ، ومنطوقه الصريح : انّ الأوّل مضارب ـ بالكسر ـ ، والآخر مضارب ـ بالفتح ـ ، لا لنسبة نفس الضرب إليه ، متعلّقا بالمفعول ، ليكون المنطوق : أنّ أحدهما ضارب ، والآخر مضروب ، كيف وقد يمتنع التعلّق بالمفعول في أصل المفاعلة ، فانّها قد تؤخذ من أصل لازم ، نعم يحصل التعدّي قطعا عند بنائها ، باعتبار معنى المشاركة المتعدّية الحادثة ، كما يحصل التعدّي في باب الأفعال ، والتفعيل ، لما يحدث عند بنائهما.

(ومن ثمّ جاء غير المتعدّي) من المجرّد ـ إذا بنى منه هذا الباب ـ متعدّيا(نحو : كارمته) ـ من كرم ـ (وشاعرته) ، من شعر فلان ـ ، ك ـ نصر وكرم ، فهو شاعر إذا قال : شعرا ـ أي كلاما منظوما ـ ، فانّ مجموع قول الشعر الّذي هو معناه لا يتعدّى ، وقد جاء التعدّي فيهما عند بناء المفاعلة ، هذا.

لكن الغالب في المتعارف انّ المشاعرة للمشاركة في انشاد الشعر ، وان كان من

٥٣

نظم الغير ، فلعلّ الأصل حوّل إلى هذا المعنى ، بضرب من التوسّع ، ثمّ اشتقّت منه (١) المشاعرة.

(و) من ثمّ ـ أيضا ـ جاء(المتعدّي) من المجرّد(إلى واحد ـ مغاير للمفاعل ـ ،) (٢) على صيفة المفعول من المفاعلة ـ على ما ذكره نجم الأئمّة ـ ، نظرا إلى أنّ الكلام فيما يصير مفعولا بعد بناء المفاعلة ، فالمعنى : جاء المتعدّي إلى واحد غير المشارك ـ بفتح الراء ـ (متعدّيا إلى اثنين نحو : جاذبته الثوب) ، لاعتبار تعدّي الجذب فيه إلى الثوب ، وهو لا يصلح لمشاركة الفاعل في الفاعلية ، وبدونها لا يتم معنى المفاعلة ، فلا جرم تعدّي جاذب إلى آخر يصلح لذلك ، حتّى يتم معناها.

(بخلاف) ما كان أصله متعدّيا إلى واحد يكون مفاعلا ، بعد بناء المفاعلة ، فانّه يتعدّى إليه دون غيره ، لتمام معناها به نحو : (شاتمته) فانّ الشتم متعدّ إلى ما يكون مفاعلا في المشاتمة ، ونحو : جاذب زيد عمروا ، إذا فرض انّ كلّا منهما جذب الآخر.

(و) قد يكون (بمعنى «فعّل») ـ بتشديد العين ـ ، (نحو : ضاعفته) ، فانّه للتكثير مثل : ضعّفته ، وناعمه الله ، بمعنى : نعّمه ـ أي أكثر نعمه ـ وهو الإبل ، والشاة ، أو والإبل خاصّة.

(وبمعنى أصله المجرّد ، وهو «فعل)) ، ـ بالتخفيف ـ سواء استعمل أصله المجرّد في كلامهم نحو : ناولته الشيء ـ أي نلته ـ بضمّ النون ـ ، أي أعطيته ـ ، أم لا ، (نحو: سافرت) ، فانّه لنسبة السفر إلى المتكلّم من غير معنى زائد آخر سوى المبالغة ، ولم يستعمل سفرت في كلامهم ، على ما في شرح المفصل ، مخالفا لما ذكره الجوهري.

وقد جاء «فاعل» لجعل الشيء ذا أصله ، كما يجيء «أفعل» أيضا ـ لذلك ، نحو : عافاك الله ، ـ أي جعلك الله ذا عافية ـ وعاقبه ـ أي جعله ذا عقوبة.

__________________

(١) أي من ذلك الأصل بعد نقله إلى هذا المعنى.

(٢) فيه اشعار بأنّه يجوز أن يقرأ بصيغة اسم الفاعل ويراد بالمغايرة : المغايرة في الصلاحية للمشاركة وفي بعض النسخ : للفاعل وهو أيضا يحتمل الوجهين.

٥٤

٤ ـ معاني «تفاعل» :

«وتفاعل» يكون (لمشاركة أمرين فصاعدا في) فاعليّة(أصله) المجرّد(صريحا) ، بخلاف فاعل ، فانّ نسبة الفاعليّة إلى أحدهما صريحا ، وإلى الآخر ضمنا ، لكونه مفعولا في صريح اللّفظ ، نحو : (تشاركا) ، فانّه يدلّ على مشاركة اثنين في فاعليّة أصله ، وهو الشركة صريحا ، بخلاف شارك زيد عمروا.

(ومن ثمّ) ، ـ أي ومن أجل أنّ «تفاعل» للمشارك في الفاعلية صريحا ـ ، (نقص مفعولا) واحدا (عن «فاعل») ، وهو المشارك الّذي كان مفعولا صريحا ، لأنّه يصير فاعلا في «تفاعل» صريحا ، كما تقول : ضارب زيد عمروا ـ بنصب عمروا ـ ، وتضارب زيد وعمرو ـ برفع الاسمين ـ.

فان كان «فاعل» متعدّيا إلى آخر ـ أيضا ـ تعدّى «تفاعل» أيضا ، إلى ذلك الآخر فقط ، تقول : عاطيته الدراهم ، ـ بالتعدّي إلى اثنين ـ ، وتعاطينا الدراهم ، فالبابان تشاركان في إفادة المشاركة في الفاعلية ، مفترقان على الوجه المذكور.

ولعلّ الدلالة على فاعلية أحد الأمرين ، إن كانت أهم عند المتكلّم لفرض ـ ، عبّر بالمفاعلة ، ليجعل الأهم فاعلا والآخر مفعولا ، وإن تساويا عنده عبّر بالتفاعل ، ويحتمل أن يكون البابان كعبارتين لمعنى واحد يتخيّر المتكلّم بينهما.

وأمّا الفرق : بأنّ المفاعلة تدلّ على أن أحد الأمرين ـ وهو ما وقع فاعلا صريحا ـ ، سابق في مباشرة الفعل على الآخر ، بخلاف «تفاعل» فالتحقيق خلافه ، كما أفاده نجم الأئمّة رضي ـ ، متمسّكا بما ورد من المفاعلة على خلاف ذلك.

(و) قد يكون «تفاعل» (ليدل على أنّ الفاعل أظهر انّ أصله) المجرّد(حاصل له) والحال انّه (هو منتف عنه ، نحو : تجاهلت ، وتغافلت) ـ أي أظهرت من نفسي الجهل ، والغفلة ، مع انتقائهما في الواقع.

(وبمعنى) أصله المجرّد ، وهو (فعل) ، سواء كان لازما ، (نحو : توانيت) بمعنى :

٥٥

ونيت ، من الوني وهو الضعف ، أو متعدّيا ، كقول إمراء القيس :

تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا

عليّ حراصا لو يسرّون مقتلي (١)

فانّ الظاهر ان تجاوزت بمعنى : جزته.

(ومطاوع «فاعل») ، المطاوع ـ بالكسر ـ وحقيقة المطاوعة : أن يدلّ أحد الفعلين الراجعين إلى أصل واحد ـ في الاشتقاق ـ ، على التأثير ، ويدلّ الآخر على قبوله ، فالثاني كأنّه طاوع الأوّل ، ومفعول الأوّل فاعل الثاني ، ويقرب من ذلك ، أنّ المطاوعة حصول الأثر عند تعلّق الفعل المتعدّي بمفعوله ، لظهور انّ المراد الأثر المدلول بما يرجع في الاشتقاق إلى أصل ذلك المتعدّي ، ليخرج عنه ضربته ، فتألّم ، وحيث علمت أن فاعل المطاوع ـ بالكسر ـ ما كان مفعول المطاوع ـ بالفتح ـ ، علمت انّه ينقص عنه درجة ، فمطاوع المتعدّي إلى واحد قاصر ، (نحو : باعدته ..

فتباعد) ، ومطاوع المتعدّي إلى اثنين يتعدّى إلى واحد ، نحو : ألبسته الثوب ... فلبسه ، وقد يتكلّم بالمطاوع بدون ذكر المطاوع ، نحو : إنكسر الاناء.

والمعنى الّذي لا يكون قبول أثر فعل متعدّ ، لا يكون مطاوعا له ، وإن رجع إلى أصل اشتقاقه.

٥ ـ معاني «تفعّل» :

(و «تفعّل») يكون (لمطاوعة فعّل») ، ـ بالتشديد ـ (نحو : كسّرته ... فتكسّر).

(وللتكلّف) ، وهو أن يحمل الفاعل نفسه على أصله ، على وجه الكلفة والمشقّة ،

__________________

(١) الاحراس : يجوز ان يكون جمع حارس بمنزلة صاحب وأصحاب ، ويجوز ان يكون جمع حرس بالتحريك بمنزلة جبل وأجبال ، والمعشر : القوم ، والجمع المعاشر ، والحراص : جمع حريص ، والاسرار : الاظهار والاضمار جميعا ، وهو من الاضداد ، والمقتل : مصدر ميمي بمعنى القتل ، يقول : تجاوزت في ذهابي إليها وزيارتي إيّاها أهوالا كثيرة وقوما يحرسونها ، وقوما حراصا على قتلى لو قدروا عليه في خفية ، لأنّهم لا يجرؤن على قتلى جهارا. هذا من كلام امراء القيس وهو من معلقته المشهورة.

٥٦

ليحصل له ، (نحو : تشجّع ، وتحلّم) ـ أي حمل نفسه على الشجاعة والحلم ، وكلّفها إيّاهما ، ـ حتّى يحصل له ، لكونهما مطلوبين ، وهذا بخلاف نحو : تجاهل ، فانّ معناه مجرّد اظهار الجهل من غير دلالة على حمل النفس عليه ، لكونه مطلوبا.

(وللاتّخاذ) ، وهو : أن يجعل الفاعل المفعول أصل الفعل ، وذلك إذا كان الأصل إسما ، لا مصدرا(نحو : توسّدت التراب) ، ـ أي جعله وسادة ـ.

(وللتجنّب) ، ـ يعني مجانبة أصله ـ ، (نحو : تأثّم ، وتحرّج) ـ أي تجنّب الأثم والحرج ـ.

(وللعمل المكرّر في مهلة) ، ـ أي ليدل على مباشرة عمل وهو أصله المجرّد مرّة بعد اخرى ـ ، (نحو : تجرّعته) ـ أي شربت الشراب جرعة بعد جرعة ـ ، فيدلّ على تكرّر مباشرة أصله ، وهو الجرع الكلّي ، باعتبار تحصيله في ضمن فرد منه ، بعد تحصيله في ضمن آخر ، فانّ الواحد بالشخص لا يتكرّر حصوله.

(ومنه ـ : تفهّم ، وتعلّم) ، المسألة ، فانّ أصل الفعلين أعني فهمها والعلم بها بعد تماميّة الاستعداد له ، وإن كان دفعيا ، لكن نزل التوسّل إليه على مهلة منزلة تكرّره في مهلة ، فعبّر بالتفهّم ، والتعلّم ، فلذا فصّل بقوله : منه ، ـ وقيل : انّ الفصل باعتبار انّ التكرّر في مهلة ليس بظاهر في مثل هذا ، لأنّ الفهم ليس بمحسوس ، كالتجرّع ، ويمكن أن يكونا مطاوعي فهم ، وعلم.

(وبمعنى ـ «استفعل» ، نحو : تعظّم ، وتكبّر) ، ـ أي طلب أن يكون عظيما ، وكبيرا ، نحو : إستكبر ، واستعظم ، وقد يقال : تعظّمته ، ـ أي أعتقدت فيه انّه عظيم ـ ، وقد يكون بمعنى صيرورة الشيء نفس أصله ، نحو : تزبّب العنب ، ـ أي صار زبيبا ـ وتكلّل الزند ، ـ أي صار أكليلا ـ.

وبمعنى صيرورة الشيء ذا أصله ، نحو : تأهّل ، وتأصل ، ـ أي صار ذا أهل ، وذا أصل ـ ، وتأكّل ، ـ أي صار ذا أكل ، أي مأكولا ، ويقال : ترجّلت المرأة ، ـ أي صارت كالرّجل ـ ، وهو راجع إلى صيرورة الشيء أصله مجازا.

٥٧

٦ ـ معاني «انفعل» :

(و «إنفعل» لازم) كلّه ، لأنّه بشهادة الاستقراء موضوع لحصول أثر الفعل المتعدّي ، إلى واحد مطاوع له ، فيلزم اللّزوم.

ثمّ انّه في الغالب ، (مطاوع «فعل») المتعدّي إلى واحد ، (نحو : كسرته فانكسر).

(وقد جاء : مطاوع «أفعل» ، نحو : أسفقته ... فانسفق) ، يقال : أسفقت الباب ، أي رددته ، (وازعجته) ـ أي أقلعته عن مكانه وأبعدته ـ (فانزعج) ، مجيئا(قليلا).

(ويختصّ) «انفعل» (بالعلاج والتأثير) ، ـ أي بأن يكون من الأفعال الظاهرة الّتي هي أفعال الجوارح ، وقبول أثر حاصل من تأثير يكون من جنس تلك الأفعال ، كأنّهم لمّا خصّوه بالمطاوعة التزموا كونها جليّة واضحة ، فلا يقال : ـ علمته فانعلم ـ.

(ومن ثمّ) ـ أي من جهة إختصاصه بقبول الأثر ، والمطاوعة ـ (قيل : ـ إنعدم خطأ) ، لأنّ العدم ليس أثرا متحقّقا (١) حتّى يكون قبوله مطاوعا لشيء ، لكنّه نزل منزلته ، وغالب استعماله في كلام أرباب المعقول ، ولا يستعمل إلّا في العدم الطارئ على الوجود ، لأنّ العدم الأزليّ لا يشبه الأثر بوجه ، فلا ينزل منزلته.

٧ ـ معاني «إفتعل» :

(و «افتعل» : للمطاوعة ـ غالبا) ، من غير اختصاص بالعلاج ، (نحو : غممته) ـ أي أحدثت فيه الغم ـ (فاغتّم).

ويكثر اغناء «افتعل» عن «انفعل» في مطاوعة ما فائه ما يدغم فيه النون (٢)

__________________

(١) وفي نسخة أثرا حقيقيا بدل قوله أثرا متحققا.

(٢) وهو حروف يرملون.

٥٨

الساكنة ، نحو : لأمت الجرح ـ أي أصلحته ـ فالتئم ، ورميته فارتمى ، ووصلته فاتّصل ، فلا يقال : انلأم ، وانرمى ، وإنوصل ، مثلا ـ لئلّا تنطمس علامة المطاوعة ، أعني نون الانفعال ـ بالإدغام.

(وللاتّخاذ) ، ـ وقد عرفت انّه جعل الشيء أصل الفعل من غير المصدر ـ (نحو : إشتوى) ـ أي اتّخذ لنفسه شواء ـ ، وهو المشويّ بالنار ـ ، وامتطائه ـ أي اتّخذه مطيّة ـ.

(وبمعنى «تفاعل» ، نحو : إجتوروا) ، فانّه ـ بمعنى تجاوروا ـ ولكونه بمعنى ما لا إعلال فيه ، لم تقلب واوه ألفا ، مع تحرّكها وانفتاح ما قبلها ، (واختصموا) ـ أي تخاصموا ـ.

(وللتصّرف) ، وهو : الاجتهاد في تحصيل أصله والمبالغة والاعتمال (١) والاحتيال فيه ، (نحو : إكتسب) ، عند سيبويه ـ ، ولذلك قيل : انّ قوله تعالى : (٢)(لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)(٣) تنبيه على لطفه تعالى بخلقه ، حيث أثبت لهم الثواب على فعل الحسن كيف صدر ، ولم يثبت العقاب على القبيح إلّا إذا صدر على وجه الاعتمال والمبالغة.

وجاء بمعنى «فعل» نحو : قلعه واقتلعه.

٨ ـ معاني «إستفعل» :

(و «استفعل» : للسؤال غالبا ، إمّا صريحا ، نحو : إستكتبته) ، ـ أي سألته الكتابة ـ ، (أو تقديرا ، نحو : إستخرجت الوتد) ، فانّه لا يتصوّر فيه طلب ، بل نزّل الاحتيال في تحصيله واللّطف فيه منزلة الطلب ، والمعنى : لم أزل أتلطّف في إخراجه ،

__________________

(*) اعتمل : عمل لنفسه والمراد به المبالغة في العمل.

(١) وفي نسخة : ان في قوله تعالى : الخ تنبيها.

(٢) الآية : ٢٨٦ ـ البقرة.

٥٩

حتّى خرج.

ومن مجاز الطلب : إسترقع الثوب ، إذا إخلولق واستحقّ أن يرقع ، كأنّه سأل يرقع.

(و) يكون (للتحوّل) إلى الشيء الّذي هو أصله ، حقيقة ، أو مجازا ، وهذا لا يكون متعدّيا أصلا ، (نحو : إستحجر الطين) ، ـ أي صار حجرا حقيقة أو مجازا ـ وذلك إذا لم يتحوّل إليه ، بل صار مثله في الصلابة ، ونحو قول الشاعر :

إنّ البغاث بأرضنا تستنسر

والاتن في أسواقنا تستحمر (١)

البغاث : ـ بالحركات الثلاث في أوّله ـ طائر ضعيف أغبر ، وتستنسر : ـ أي تصير نسرا ـ ، وهو من جوارح الطير ، معروف بالقوّة ، والأتن : جمع الاتان أنثى الحمار ، وأسواق : جمع السوق ، والمعنى : أنّ الضعيف يتقوّى بجوارنا ، كذا قيل.

(وبمعنى «فعل») المجرّد ، (نحو : قرّ وإستقرّ).

[أبنية الماضي ـ الرّباعي] :

١ ـ الرّباعي المجرّد :

(وللرّباعي المجرّد بناء واحد) ، وهو «فعلل» ، لالتزامهم فيه فتح الأوّل والآخر ـ كما في المجرّد من الثلاثي ـ واضطرارهم إلى تسكين أحد الآخرين ، لئلّا يتوالى أربع حركات في كلمة واحدة ، وقد إطرد عندهم تسكين الآخر عند اتصال الضمير المرفوع المتحرّك ، فلو سكّنوا اللّام الاولى التقى الساكنان عند إتصاله ، ففتحوها لتعادل خفّة الحركة ثقل الرباعي ، وسكّنوا العين.

ثمّ انّه يكون متعدّيا(نحو : دحرجته) (و) لازما نحو : (دربخ) الرجل ـ بالدال والراء المهملتين والموحّدة والمعجمة ـ أي خضع وذلّ ، وطأطأ رأسه ، وبسط ظهره

__________________

(١) لم أقف على نسبته إلى قائل معين.

٦٠