شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

من ثقل) لو لم يدغما ، (أو لبس) لو ادغما ، بل التزموا طدة ، وتدة كعدة ، هذا على الأكثر ، ومنهم من قال : الوتد بسكون التاء بلا ادغام.

(وهذا) الّذي ذكر من الاظهار في المؤدي إلى اللبس كائن (بخلاف : امّحي) بتشديد الميم في : انمحي كانقطع ، (واطّيّر) بتشديد الطاء والياء في : تطير فقلبت التاء وادغمت وأتى بهمزة الوصل ، فانّه لالبس فيهما لعدم «افّعل» بتشديد الفاء وحدها بتشديدها وتشديد العين في أبنيتهم ، فيعلم من أوّل الأمران المدغم والمدغم فيه كليهما ليسا أصليين بل أحدهما زائد ، وينتقل إلى خصوصية الزائد بالتأمل ، ولذلك قال الخليل : تقول في الفعل من الوجل واليسر اوّجل ، وايّسر ـ بتشديد الواو والياء ـ للادغام.

(وجاء : ودّ في وتد) بكسر التاء ، وقد تفتح بالمعنى المعروف (في) لغة : (تميم) باسكان التاء على قاعدتهم في تخفيف الأبنية وقلبها دالا مع الادغام ، وذلك لكثرة اهتمامهم بالتخفيف حتّى لم يبالوا باللبس عند حصوله ، ولا يجوز عند تميم الوتد بالاسكان والاظهار.

[امتناع إدغام المتقاربين لأجل صفة الحرف] :

(ولا تدغم حروف ـ ضوى مشفر ـ) فيما يقاربها بالاستقراء ، والنكتة فيه على ما ذكروه في القلب إلى المقارب والادغام من زوال صفتها الفاصلة الّتي يستكره زوالها وتستحق المحافظة عليها ، وذلك لما في الضاد المعجمة من الاستطالة لأنها تطول حتّى كأنها تدرك مخرج اللّام ، وما في الواو والياء من المدّ واللين ، وما في الميم من الغنة ، وما في الشين المعجمة والفاء من التفشي وهو الانتشار في مخرجهما لزيادة رخاوتهما ، وما في الراء من التكرير.

وهذا بخلاف ادغام تلك الحروف في المماثل ، فانّه يؤكد الصفة فلذلك إرتكبوه ، وضوى : كعلم من الضوى ـ للهزال ـ وفاعله المشفر ، وهو للبعير كالشفة للانسان.

٥٠١

(و) امّا(نحو : سيّد) وأصله : سيود ، (وليّة) وأصلها : لوية ـ بفتح اللّام وسكون الواو ـ من لوى يلوي ، وغيرهما ممّا قلبت فيه الواو إلى الياء المقاربة لها في صفة الجهر واللين والتوسط بين الرخاوة والشدّة وادغمت فلا يرد اعتراضا على عدم ادغام تلك الحروف في المقارب ، لأنّ الادغام في نحو ذلك في المماثل لا في المقارب ، وذلك لأنهما(انّما ادغما لأنّ الاعلال) اللّازم فيهما وهو قلب الواو إلى الياء المناسبة لها في تلك الصفات كما مرّ(صيّرهما مثلين) والقصد انّما توجه إلى الادغام بعد القلب المتماثل الحاصل بعده وليس سابقا في القصد على اعتبار الاعلال حتّى يكون الادغام للتقارب والاعلال للادغام ، هذا ما يناسب كلام المصنف ههنا.

وأورد عليه ان ذلك الاعلال لو كان لمجرد استثقال الاجتماع كان جاريا مع تحرك السابق نحو طويل مع عدم جريانه فيه ، فحيث اختصّ بما إذا سكن السابق عرفتا انّ السبب فيه قصد الادغام لسكون السابق مع الاستثقال المذكورة كما مرّ ، فقصده متقدم على حصول المماثلة بالاعلال ، ودعوى ان اجتماعهما مع سكون السابق أثقل من العكس فلذلك اختصّ الاعلال به لا يخلو عن تعسف ، فتأمل.

ولعلّ الأظهر ان امتناع ادغام حروف ـ ضوى مشفر ـ في مقاربها انّما هو فيما يزول فيه فضيلة المدغم على ما يناسبه النكتة المذكورة كالشين ، في الجيم ، بخلاف الواو في الياء لاشتراكهما في فضيلة اللين ، وشهادة الاستقراء على ذلك (١) كليّا كما هو ظاهر كلامهم ممنوعة ، فلعلّهم قصدوا في نحو : سيّد الادغام في أوّل الأمر لثقل الاجتماع وسكون الأوّل المناسب للادغام ، فتأمل فيه.

(وادغمت النون) الّتي هي أقوى في الغنة من الميم (في اللّام والرّاء) المتقاربتين لها في المخرج نحو : من ربّك ، ومن لدنك ، وان زالت الغنة بهذا الادغام في لغة الأكثر ، ولا يقدح ذلك في المنع عن ادغام الميم في المتقارب لحفظه الغنة لأن حفظها

__________________

(١) أي على امتناع الادغام.

٥٠٢

انّما يراعي فيما لم يكن فيه داع أقوى إلى الادغام كما هنا ، فانّ النون في معرض الخفاء ويحتاج بيانها مع غير حروف الحلق إلى اعتماد قويّ ونبرة فيها وهي بالنون والموحدة والمهملة ـ رفع الصوت ـ وذلك مكروه عند الذوق ، بخلاف الميم ، فادغام النون (لكراهة نبرتها) اللّازمة من اظهارها معهما ، ولم يختاروا اخفائها معهما كاخفائها مع نحو الكاف والدال لأنهما أقرب مخرجها إليها من نحو ذلك مع التناسب في الجهر ونحوه فكأنهم خصوهما بالادغام المناسب للمتماثل تنبيها على اختصاصهما بكمال التقارب.

(و) ادغمت النون (في الميم ـ وان لم يتقاربا ـ) في المخرج ، (لغنتهما) فنزل اشتراكهما في هذه الصفة الفضيلة منزلة التماثل ، (و) ادغمت النون أيضا(في الواو ، والياء) نحو : من يوم ، ومن وال ، مع عدم التقارب في المخرج (لامكان بقائها) ـ أي الغنة ـ عند ادغامهما فيهما فلا تزول فضيلتها وذلك عند سيبويه وسائر النحاة باشراب صوت الفم شيئا من الغنة ، لزوالهما عن النون إذا صارت واوا أو ياء بالادغام التام فيهما ، لتجردهما عن الغنة فلا تحصل بعد الادغام بدون ذلك الاشراب ، ثمّ ان هذا الاشراب يتأتى مع ادغامها في كل ما خلا عن الغنة ، ولذلك يقع ادغام النون في اللّام والراء مع الغنة في لغة بعض العرب.

واختار بعض المحققين انّ الادغام مع الغنة ليس بتمام بل ناقص متوسط بين الادغام التام والاخفاء فبقاء الغنة لبقاء أثر النون وهو الراجح في ادغامهما في الواو والياء لنقصان تقاربها لأنه في بعض الصفات كالجهر دون المخرج والادغام انّما هو للتقارب ، فالمناسب نقصانه عند نقصانه ، بخلاف اللّام والراء المتقاربتين لها في المخرج وبعض الصفات أيضا فانّ الراجح فيهما الادغام التام الّذي تزول معه الغنة لقوة التقارب.

ثمّ ان ما ذكر من المنع من ادغام حروف ـ ضوى مشفر ـ في المقارب مذهب النحاة وأكثر القرّاء ، (وقد جاء) الادغام في المقارب في بعضها. عن بعض القراء ، كما

٥٠٣

جاء ذلك عن السوسي (١) ((لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ)) (٢) بادغام الضاد في الشين المقاربة لها(و) جاء((اغْفِرْ لِي)) (٣) ، (وَيَغْفِرْ لَكُمْ*)(٤) ، (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ)(٥) ، و(يَنْشُرْ لَكُمْ)(٦) ، إلى غير ذلك ممّا وقعت فيه الراء الساكنة قبل اللّام ، فانّها تدغم فيها فيما روى عن أبي عمرو واجازه الكسائي والقراء من جهة القياس.

(و) جاء (نَخْسِفْ بِهِمُ)(٧) بادغام الفاء في الموحدة على ما اختاره الكسائي في هذه الآية في سورة سبأ وحدها ، وقد يقال : ان مرادهم بالادغام في هذه المواضع هو الاخفاء تجوّزا ، لتقاربهما كيف لا والادغام الحقيقي في : لبعم (٨) شأنهم يؤدي إلى التقاء الساكنين على غير حده لسكون العين الّتي ليست من حروف اللين قبل الضاد.

يسكن أبو عمرو الميم المتحركة ويأتي بها خفية إذا كان قبلها متحرك وبعدها الباء نحو : (بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) واضحا له يسمونه ادغاما ـ تجوّزا ـ على ما يقال.

(و) كما لا تدغم حروف ـ ضوى مشفر ـ (لا) تدغم (حروف الصفير في غيرها لفوات) [صفتها] الصفة الفاضلة الّتي هي الصفير منها بالادغام ، ويجوز ادغام بعضها في بعض كما يجيء ـ انشاء الله تعالى ـ لبقاء الصفة.

__________________

(١) أحد راوي أبي عمرو المازني البصري أحد القراء السبعة ، والسوسي هو أبو شعيب صالح بن زياد.

(٢) الآية : ٦٢ النور.

(٣) الآية : ١٥١ الأعراف.

(٤) الآية : ٣١ آل عمران وعدّة آيات اخر.

(٥) الآية : ٤٨ الطور.

(٦) الآية : ١٦ الكهف.

(٧) الآية : ٩ سبأ.

(٨) في بعض شأنهم.

٥٠٤

(و) كذلك (لا) تدغم الحروف (المطبقة في غيرها) نحو : فرطت ، وبسطت ، واحفظ ذلك ، واحفظ ثانيا ، (من غير اطباق على الأفصح) ، محافظة على فضيلة الاطباق ، وانّما تدغم مع بقاء الاطباق والاستعلاء ، وفيه كلام يأتي ـ انشاء الله تعالى ـ.

(و) كذا(لا) تدغم (حروف حلق في) حرف آخر من حروف الحلق (ادخل منه) في الحلق لأنّ الادخل أثقل فالقلب إليه والادغام ينافي التخفيف المطلوب من الادغام كما مرّ ، (إلّا الحاء في العين ، و) في (الهاء) ، فانّها تدغم فيهما على ما سمع منهم وان كانتا أدخل منها.

(ومن ثمّ قالوا فيهما : اذبحّتودا ، واذبحّاذه) وذلك لعارض داع إليه كما مرّ.

وإذ قد علمت حكم ادغام المتقاربين اجمالا فهذا تفصيل ما يدغم من المتقاربة في المقارب.

[إدغام حروف الحلق] :

ولنبدأ بحرف الحلق لأنه أوّل المخارج ، والهمزة لا تدغم فيها شيء ممّا يقاربها لكونها أدخل من الجميع ، وكأنهم حملوا عليه عكس ذلك فلم يدغموها في شيء ممّا يقاربها ، والألف يتعذر فيها الأصل في الادغام وهو الادغام في المثل لتعذر الحركة اللّازمة في ثاني المثلين ، وحمل عليه الادغام في المقارب في المنع مع ان ادغامها في المقارب وقلبها إليه يؤدي إلى زوال ما فيها من المدّ والاستطالة فمنعوه.

وامّا غيرهما(فالهاء) تدغم (في الحاء) المهملة ، للتقارب في المخرج والتناسب في الهمس والرخاوة نحو : اجبه حّاتما وهو أمر من جبه فلانا ـ بالجيم ـ أي ضرب جبهته ، ولم يدغم في العين مع انّها أقرب مخرجا إليها من الحاء لجهر العين وتوسطها بين الشدّة والرخاوة ، فالهاء أسهل على الناطق منها فكرهوا قلبها إليها.

(والعين) المهملة تدغم (في الحاء) المهملة ، لكمال تقاربهما نحو : ارفع حّاتما ،

٥٠٥

وقال سيبويه : الادغام والاظهار كلّاهما حسن ، بخلاف إدغامها ـ أي العين ـ في الهاء بعد قلبهما حائين نحو : محّم فانّه ضعيف كما مرّ.

(والحاء) المهملة تدغم (في العين) وفي (الهاء) لكن ذلك على خلاف القياس إلى الأوّل ، لأنه (بقلبهما حائين) كما مرّ في نحو : إذبحتودا ، واذبحاذه.

(وجاء : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ)(١)) خاصّة في المشهور (٢) بالادغام بقلبهما حائين (٣) فلم يقولوا في أجبه عبدك اجبحّبدك ـ بتشديد الحاء ـ.

(والغين) المعجمة تدغم (في الخاء) المعجمة ، نحو : ادمغ خالدا وهو أمر من : دمغه إذا شجه حتّى بلغت الشجة دماغه ، والاظهار في نحوه أحسن عند سيبويه.

(والخاء) المعجمة تدغم (في الغين) المعجمة على عكس ذلك نحو : اسلخ غنمك ، والاظهار فيه أحسن.

وانّما جوزوه مع كون العين أدخل من الخاء لكونهما في آخر مخارج الحلق قريبا من اللسان فاجريتا مجرى حروف الفم الّتي تقلب كل منهما إلى الآخر كما أجريتا مجراها في لغة من أخفى النون فيهما في نحو : منخل ومنغل مع ان حكمها مع حروف الحلق الاظهار.

[إدغام غير الحلق] :

(والقاف) تدغم (في الكاف) نحو : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ)(٤) ، (والكاف في القاف) نحو : لك قصورا ، (والجيم في الشين) نحو : أخرج شيئا ، والادغام والاظهار كلّاهما

__________________

(١) الآية : ١٨٥ آل عمران.

(٢) ولم يجيء ادغام الحاء في العين إلّا في هذه الكلمة الشريفة ، وقيل : تدغم مطلقا.

(٣) وفي نسخة : بقلب الحاء عينا عن أبي عمرو ، ولم يسمع في الهاء المتقدمة على العين الادغام.

(٤) الآية : ٢٠ المرسلات.

٥٠٦

حسن في كل من هذه الثلاثة وان كان الاظهار أحسن في الثاني ، لأنّ القاف أدخل من الكاف على ما ذكره سيبويه ، وقد روي عن أبي عمرو ادغام الجيم في التاء في قوله تعالى : (ذِي الْمَعارِجِ تَعْرُجُ)(١) وهو نادر ، وادغام الشين في السين في : ذي العرش سبيلا وبالعكس نحو : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٢) وان ادّى إلى زوال فضيلة الصفير الّتي في السين لاشتراكهما في التفشي فكأنهما من مخرج واحد.

[إدغام اللّام المعرّفة] :

(واللّا المعرّفة) : على صيغة اسم الفاعل الّتي تفيد التعريف وهي اللّام (تدغم وجوبا في مثلها) أي في اللّام ، كاللّحم واللّبس ، (و) تدغم أيضا وجوبا(في ثلاثة عشر حرفا) وهي : التاء المثناة من فوق ، والثاء ـ المثلثة ـ ، والسين والشين ، والصاد والضاد ، والطاء والظاء ، والراء والزاء ، والدال والذال ، والنون ، لمناسبته كثرة دوران لام التعريف للادغام والتخفيف ومناسبة هذه الحروف لها في المخرج ، فان ما سوى الضاد والسين من هذه من طرف اللسان على وجهه.

والضاد لاستطالتها كأنها تدرك مخرج اللّام كما مرّ ، والسين متصل بمخرج الطاء ، وتظهر وجوبا مع باقي الحروف.

وقد تسمّى لام التعريف الداخلة على ما تدغم فيها اللّام الشمسية ـ أي الّتي تدغم كما في لفظ : الشمس ، وقد تسمّى الداخلة على البواقي القمرية ، لعدم ادغامها كما لا تدغم في لفظ : القمر.

(و) ادغام اللّام (الغير المعرّفة لازم في نحو) : قوله تعالى : (بَلْ رانَ) (٣) على قلوبهم ، ـ أي غلب عليها ـ على بعض التفاسير ، ونحو : (قُلْ رَبِّي ، *) ونحو

__________________

(١) الآية : ٤ ـ ٣ المعارج.

(٢) الآية : ٤ مريم.

(٣) الآية : ١٤ المطففين.

٥٠٧

ذلك ممّا وقعت فيه اللّام الساكنة من : قل ، وهل ، وبل من القرآن ـ خاصّة ـ على ما يقال قبل الراء الّتي هي في كمال القرب منها ، فانّها تدغم فيها في نحو ذلك عند وصلها بها اتباعا للمأثور في نحوه.

وقد قرأ حفص : بل ران بالاظهار مع سكتة لطيفة على اللّام من بل.

وامّا في غير القرآن فادغامها أحسن من الاظهار قياسا لكمال القرب ، وقال سيبويه: عدم الادغام لغة أهل الحجاز وهي عربية جائزة.

(و) ادغام اللّام الغير المعرفة(جائز في البواقي) من الصور الّتي هي غير ما حكم بلزومه فيها نحو : (هَلْ ثُوِّبَ ،) و(بَلْ زُيِّنَ ،) و(هَلْ تَرى ، *) وبل ظلّوا ، (بَلْ تَأْتِيهِمْ) ، (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) ، (بَلْ ظَنَنْتُمْ) ، (بَلْ سَوَّلَتْ*) ، (بَلْ طَبَعَ) ، إلى غير ذلك.

ثمّ تتفاوت تلك الحروف في حسن الادغام على ما فصّل في موضعه.

[إدغام النون] :

(والنون الساكنة) تنوينا كانت أو غيرها(تدغم ـ وجوبا ـ في حروف ـ يرملون ـ) وهي : ستّة أحرف ، وهو من الرمل محركة بمعنى : الهرولة ، وذلك إذا لم يؤد الادغام إلى اللبس ، ولذلك أجمع القراء على اظهارها مع الواو والياء في كلمة واحدة كالدنيا وصنوان ، إذ لو قيل : ديّا وصوّان لم يعلم انّهما من الدّي والصوّ ـ بالتشديد ـ أو من الدنو والصنو ـ بالنون ـ.

(والأفصح) : عند الادغام (بقاء غنتها) وهي : صوت في الخيشوم في حال ادغامها ، (في الواو ، والياء) نحو : من يوم ومن ولّى ، لضعف التقارب ، فانّه في الصفة دون المخرج فالاولى ان يبقى الغنة الّتي أثرها ، وهذا مذهب جميع القراء إلّا ما ورد في رواية خلف عن حمزة من ادغامها فيهما بدون الغنة.

وامّا اظهار النون الساكنة مع الواو في (يس وَالْقُرْآنِ) في قرائة جماعة منهم

٥٠٨

حفص ، فلا اعتبار انّ الوصل في أسماء حروف التهجي بنية الوقف ولمثل هذا أظهرها حمزة مع الميم في : طسم من سورتي الشعراء والقصص.

(و) كما انّ الأفصح معهما بقاء الغنة كذلك الأفصح (اذهابها) في حال ادغامها(في اللّام والراء) نحو : من لدنك ، ومن ربّك ، وغفور رحيم ، وخبير لطيف ، لكمال التقارب فانّه في المخرج والصفة معا ، ولذلك أجمع عليه القراء.

(وتقلب) النون الساكنة(ميما قبل الباء) الموحدة ، نحو : أن بورك ، وسميع بصير ، كما مرّ في الابدال ، وذلك لامتناع الادغام لبعد المخرجين وبشاعة الاظهار ولشبه الباء بالميم الّذي لم يظهروا معها النون في المخرج مع ما في اظهارها معها من النبرة فقلبوها ميما لمجانسة الباء.

(وتخفى) النون الساكنة(في غير حروف الحلق) وغير حروف يرملون ، وغير الباء ، واكتفى عن استثنائها بالتعرّض لحكمها فيما قبل هذا ، وامّا استثناء حروف الحلق فلأنها يظهر معها نحو : حقيق على ، ومن حيث ، ومن علق ، وانعمت ، وينأون ، ومن هذا ، ومن خير ، وفسينغضون ، لشدّة التباعد في المخرج.

وانّما اخفيت مع البواقي وهي : خمسة عشر حرفا ، نحو : من شاء ، ومن تاب ، ومن صلح ، لتوسط مخارجها عن مخرجها بين البعد الّذي هو لمخرج حروف الحلق والقرب الّذي هو في مخرج ما تدغم فيها فيناسبها الاخفاء الّذي هو حالة متوسطة بين الادغام والاظهار.

وما زعمه بعضهم من ادغامها في الجيم ضعيف لا يكاد يعرف ، وامّا إجّانة ، واجّاصة كلتاهما بتشديد الجيم ـ فليس الأصل فيهما انجانة وانجاصة مع النون كما زعمه بل هاتان لغتان أخريان فيهما.

وإذا كانت أحوالها ما ذكر(فيكون لها خمسة أحوال) : الادغام مع الغنة في

٥٠٩

حروف ـ ينمو ـ من حروف يرملون.

والادغام بدونها في اللّام والراء.

والقلب ميما مع الباء.

والاظهار مع حروف الحلق.

والاخفاء مع البواقي.

(و) النون (المتحركة : تدغم ـ جوازا ـ) بعد اسكانها في حروف يرملون ، ويظهر مع البواقي ، وجوز سيبويه من جهة القياس اسكانها واخفائها مع ما تخفى معها الساكنة ، وذكر انّه ليس بمسموع.

(والطاء ، والدال) المهملتان ، (والتاء) الفوقانية الّتي هي غير تاء «افتعل» وتفاعل ، «وتفعّل» ونظائرها ، (والظاء ، والذال) المعجمتان ، (والثاء) المثلثة ، (تدغم بعضها في بعض) ، لتقارب مخارجها نحو : (قالَتْ طائِفَةٌ*) و(إِذْ ظَلَمْتُمْ ،) وقد تعلمون ، وفلمّا أثقلت دعو الله ، (و) هذه الحروف الستّة تدغم (في الصاد) المهملة ، (والزاي ، والسين) المهملة ، لقرب المخارج.

ولم يعكسوا بأن يدغموا هذه الثلاثة في تلك الحروف الستّة ، لفوات فضيلة الصفير ، وتلك الستّة تدغم في الضاد والشين ـ المعجمتين ـ لكنّه أقل من ادغامها في هذه الثلاثة.

والحروف المطبقة ان ادغمت في غيرها مع ذهاب الاطباق كما هو لغة بعض العرب فالأمر ظاهر والادغام تام ، (والاطباق في نحو : فرّطت) ، واحطت ، وبسطت ، (ان كان معه ادغام) بأن يدغم المطبقة في ما يقاربه ادغاما تاما مع بقاء الاطباق كما هو ظاهر جماعة من النحاة والقرّاء(فهو اتيان بطاء اخرى) ان كان ذلك المطبق طاء كما في الأمثلة ، وجمع بين ساكنين وذلك لأنّ الاطباق صفة للحرف المطبق فلا يتصور بقاؤها بدون بقاء ذات الحرف ، والحكم ببقاء ذاته مع القلب إلى

٥١٠

حرف آخر للادغام بديهي البطلان لأنه حكم بوجود الحرف وعدمه في حالة واحدة فتعين ان تبقى ويؤتى معها بطاء ساكنة اخرى مثلا فتقلب تاء وتدغم في التاء حتّى يكون بقاء الاطباق باعتبار الساكنة الاولى ، وادغام حرف الاطباق باعتبار الاخرى فهو اتيان بطاء ساكنة اخرى وجمع بين ساكنين على غير حده ، وهو فاسد.

وقد أجيب عن الاعتراض بالتزام زوال ذات الحرف مع بقاء الاطباق كما قد يبقى الغنة في النون مع زوالها عند الادغام وعند حروف الاخفاء ، وردّه المصنف في شرح المفصل : بأن الاطباق رفع اللسان إلى ما يحازيه من الحنك بالتصويت بصوت الحرف المخرج عنده فلا يستقيم إلّا بنفس الحرف فيلزم ما ذكر ، ومن راجع وجدانه علم ان بقاء الاطباق في نحو ذلك متعذر بدون الاتيان بالطاء.

وهذا(بخلاف الغنة) (١) (في) قول (من يقول) : ببقائها بدون النون ، فانّها صوت لا يتوقف على مجيء النون ، فانّها تخرج من الخيشوم والنون من الفم وان توقف عليها بيان النون ، ولا يلزم من استلزام النون لها عند البيان استلزامها للنون كما في اللّازم الأعم.

ثمّ اختار بعد هذا الردّ انّ الادغام ههنا ليس صريحا بل يؤتى بالمطبق حقيقة ويؤتى بما بعدها بلا فصل بحيث يشتد تقاربهما حتّى كأنه أخفى المطبق فاطلق عليه الادغام كما أطلق على الاخفاء في بعض المواضع.

وليعلم ان ثاني المتقاربين ان كان ضميرا مرفوعا متصلا لزم الادغام مع شدّة التقارب كما في : عبدت ، واردت ، لأنّ المتقاربين في مثله كأنهما في كلمة واحدة ، لكون الضمير المذكور كالجزء بخلافهما إذا كانا في كلمتين مستقلتين نحو : اعد تمرك.

(والصاد ، والسين) المهملتان ، (والزاي ، تدغم بعضها في بعض) ، لتقارب

__________________

(١) وبعض نسخ متن الشافية : بخلاف غنة النون.

٥١١

المخارج والاشتراك في فضيلة الصفير ، (والباء) الموحدة تدغم (في الميم و) في (الفاء) للتقارب في المخرج لكونها شفوية ، وذلك نحو : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ، *) و(ارْكَبْ مَعَنا ،) واذهب فمن تبعك ، وان تعجب فعجب.

واختلفت آراء القراء في اختيار الاظهار والادغام في نحو ذلك في مواضع من الكتاب العزيز.

[إدغام تاء الافتعال] :

(وقد تدغم تاء «افتعل») في التاء الّذي اتفق وجودها معها في الكلمة ـ وجوبا ـ ان كانت تلك التاء فاء الكلمة نحو : اتّجر من التجارة ، لسكون فاء «افتعل» فيجتمع مثلان مع سكون الأوّل فيجب الادغام ، وجوازا للتخفيف ان كانت عينا لها نحو : اقتتل كما مرّ ولم يجب لاختصاص وجوب ادغام المثلين المتحركين بالاستقراء بما إذا كانا في الآخر الّذي هو محل التغيير ، وقيل : لعدم لزوم التاء الثانية للاولى في نوع الباب لانفكاكها عنها في نحو اجتمع فكأنهما في كلمتين على ما قال سيبويه مع تحركهما لكن لما لم يكونا في كلمتين حقيقة جاز الادغام ، بخلاف : قرم مالك فانّ المتحركين فيه في كلمتين حقيقة(فيقال) مع الادغام : (قتّل وقتّل) ـ بتشديد التاء المفتوحة فيهما وفتح القاف في أحدهما وكسرها في الآخر ، لأن اسكان تاء الافتعال للادغام ، امّا بأن ينقل حركتها ـ وهي الفتحة ـ إلى الساكن قبلها وهو فاء الكلمة ، وامّا بأن تحذف حركتها فيلتقي ساكنان فيحرك الأوّل وهو الفاء بالكسر.

والتزموا على التقديرين حذف همزة الوصل للاعتداد بالحركة بعدها لجريانها مجرى الحركة الأصلية من جهة ان فاء الكلمة أصله التحرك في أصلها المجرد كقتل ، بخلاف حركة اللّام في نحو : الحمر ، لأن لام التعريف أصلها السكون فلذلك جاز فيه حذف الهمزة واثباتها كما مرّ ، وحيث لم يتعين الفتح الّذي هو مظنة الالتباس بماضي التفعيل عند الادغام لجواز الكسر السالم عن الالتباس عنده فليس نفس

٥١٢

الادغام من حيث هو موجبا للالتباس.

ويقال في المضارع : يقتل ـ بفتح حرف المضارعة وفتح ما بعده ان فتح في الماضي ، وكسره ان كسر فيه وكسر العين المدغم فيها كما كان قبل الادغام.

ومنه : يخصّمون وأصله : يختصمون ، ولم يجوزوا في نحو : يمدّ ويعضّ ما جوزوا ههنا من حذف الحركة وكسر الساكن المتقدم ، للمحافظة على البناء ، مع ان جواز الأوجه الثلاثة الّتي هي : الاظهار ، والاخفاء ، والادغام ، في نحو : اقتتل هوّن عليهم التصرف فيه بحذف حركة أوّل المثلين ، بخلاف نحو : يمدّ فانّه يلزم فيه الادغام فعومل به ما هو الأصل فيه من نقل الحركة إلى ما قبل المثلين.

(و) هذان الوجهان وهما : فتح الفاء وكسرها في نحو : اقتتل بعد الادغام (عليهما) يحصل في اسم الفاعل المأخوذ منه (مقتّلون) ـ بفتح القاف ـ (ومقتّلون) ـ بكسرها ـ ، وأهل مكّة يقولون : مقتلون ـ بضمّ القاف اتباعا لضمّة الميم ـ.

(وقد جاء (مُرْدِفِينَ)(١)) بضمّ الراء وتشديد الدال ـ حكاه سيبويه عن الخليل وهرون على انّ الأصل : مرتدفين على صيغة اسم الفاعل من ارتدفه ـ أي استدبره ـ فقلبت تاء الافتعال دالا وادغمت وضمت الراء(اتباعا للميم) ، ويجوز فيها الفتح والكسر ، وقراءة السبع بسكون الراء على انّه من باب الافعال إلّا ان نافعا قرأ على صيغة اسم المفعول وفاقا لقنبل على رواية غير معتبرة ، والباقون على صيغة اسم الفاعل.

(وتدغم الثاء) المثلثة إذا كانت فاء افتعل (فيها) أي في تاء افتعل (وجوبا) على ما صرّح به الزمخشري ، لقرب المخرجين والاشتراك في الهمس حتّى كأنهما مثلان مع سكون الأوّل ، واستحسانا على ما صرّح به بعضهم لعدم التماثل حقيقة ، وهذا الادغام جاء في لغتهم (على الوجهين) في ادغام المتقاربين ، وهما قلب الأوّل إلى

__________________

(١) الآية : ٩ الأنفال.

٥١٣

الثاني كما هو القياس ، وقلب الثاني إلى الأوّل كما في : اذبحتودا ، وذلك (نحو : إثّار) بالمثلثة المشدّدة ـ وهو أفصح ، (وإتّار) بالفوقانية المشدّدة ـ في : إثتار فلان بالمثلثة على «افتعل» أي أدرك ثأره.

(و) تاء «افتعل» (تدغم فيها السين) المهملة ادغاما(شاذا على الشاذ نحو : اسّمع) ـ بتشديد السين ـ في استمع بقلب تاء الافتعال سينا والادغام ، ففي هذا الادغام شذوذ من جهة انّ السين من حروف الصفير فلا تدغم في غيرها ، وشذوذ آخر على ذلك الشذوذ من جهة انّ القياس في ادغام المتقاربين قلب الأوّل إلى الثاني وقد عكس ههنا ، وانّما ارتكبوه ولم يقلبوا الثاني إلى الأوّل (١) ليخلو عن الشذوذ الثاني (لامتناع : إتّمع) بتشديد التاء ، كما يلزم من قلب السين إلى التاء لما فيه من ذهاب فضيلة الصفير الّتي كانت في السين فحيث خالفوا قياس حرف الصفير من عدم ادغامه في غيره قلبوا الغير إليه ليؤل إلى ادغام حرف الصفير في نفسه وتبقى فضيلته ويسهل الخطب في ادغامه.

(وتقلب) تاء افتعل (بعد حروف الاطباق طاء) مهملة ، لما بينها وبين تلك الحروف من التنافر في الصفات على ما يظهر من الرجوع إلى صفات الحروف فقلبت طاء لموافقتها لها في المخرج ولتلك الحروف في الصفة ، (فتدغم) بعد قلبها طاء(فيها) أي في حروف الاطباق (وجوبا) في ما إذا كان الحرف المطبق هو الطاء ، نحو : (إطلب) لاجتماع المثلين مع سكون الأوّل ، (وجوازا على الوجهين) وهما قلب الأوّل إلى الثاني وعكسه (في) ما إذا كان المطبق ظاء معجمة نحو : (إظطلم) وأصله : اظتلم كافتعل ، وإذا ادغم جاز : إطّلم ـ بتشديد الطاء المهملة ـ كما هو القياس ، وإظّلم ـ بتشديد المعجمة ـ كاذبحّتودا.

(وجاءت) الصور(الثلاث) الّتي هي : الاظهار ، والوجهان في الادغام (في) قول

__________________

(١) هكذا في نسخ الّتي بأيدينا ولكن الظاهر : ولم يقلبوا الأوّل إلى الثاني ، فتأمل.

٥١٤

زهير بن أبي سلمى المزني في مدح هرم بن سنان :

هو الجواد الّذي يعطيك نائله

عفوا(ويظلم أحيانا فيظطلم) (١)

فجاءت الثلاث في قوله : فيظلم على البناء للفاعل من باب الافتعال ، وامّا قوله : يظّلم فهو من المجرد على البناء للمفعول.

والمعنى : هو الجواد الّذي يعطيك عطاء عفوا ـ أي بسهولة ـ من غير المنّ والمطل وقد يظلم في الطلب لكثرته في أوقات احتياجه إلى المال فيتحمل ذلك الظلم.

وروى الجيلي في البيت وجها رابعا وهو : ينظلم على زنة ينقطع.

(و) تدغم الطاء المنقلبة عن تاء الافتعال (شاذا على الشاذ في : اصطبر ، وإضطرب) ، فيقال : إصّبر ـ بتشديد الصاد المهملة ـ ، وإضّرب ـ بتشديد المعجمة ـ فوجه شذوذه في الأوّل ادغام حرف الصفير في غيره ، وفي الثاني ادغام ما هو من حروف ـ ضوى مشفر ـ في غيره ، ووجه الشذوذ على الشذوذ قلب الثاني إلى الأوّل على خلاف القياس في ادغام المتقاربين ، وانّما ارتكبوا ذلك ولم يعكسوا(لامتناع : إطّبر ، واطّرب) بالمهملة المشدّدة فيهما ـ عند الفصحاء وان جاء في الشاذ الغير الفصيح اطّرب ، وذلك لفوات فضيلة صفير الصاد في الأوّل ، وفوات فضيلة الاستطالة في الثاني ، فجعلوا الادغام بقلب الطاء إليهما ليؤل إلى ادغام حروف الصفير والاستطالة في أنفسهما.

وما حكاه سيبويه عن بعضهم انّه قال : مطّجع في : مضطلجع كأنه نادر لا يعبأ به.

(وتقلب) تاء افتعل (مع الدال ، والذال ، والزاي) بعد تلك الحروف (دالا)

__________________

(١) البيت : قد ذكر الشارح قائله ومعناه ، والاستشهاد في قوله : فيظلم فقد روى بثلاثة أوجه أولها «فيظطلم» باظهار كل من الحرفين ، والثاني : «فيظلم» بالقلب والادغام ، والثالث : «فيطّلم» بالقلب والادغام.

٥١٥

مهملة ، لمنافرتها لتلك الحروف في الصفات كما يظهر بالرجوع إلى صفات الحروف فقلبت دالا لمناسبتها لها في المخرج ولتلك في الصفات ، (فتدغم) الدال المنقلبة عن تاء الافتعال (وجوبا في) ما وقعت فيه بعد الدال المهملة لاجتماع المثلين مع سكون الأوّل ، نحو : (إدّان) ـ بتشديد الدال ـ بمعنى : افترض ، من الدين ، وأصله : إدتان فقلبت تاء الافتعال دالا وادغمت.

(و) تدغم (قويّا) فصيحا(في) ما وقعت فيه بعد الذال المعجمة نحو : (إدّكر) بالدال المهملة المشدّدة ـ في اذتكر من الذكر ، فقلبت التاء دالا ثمّ قلبت المعجمة مهملة للتقارب على القياس الّذي هو قلب الأوّل إلى الثاني وادغمت.

(وجاء) فيه (اذّكر) بالذال المعجمة المشدّدة بقلب الدال المنقلبة عن تاء الافتعال ذالا معجمة على خلاف القياس كما في : إظّلم ـ بتشديد المعجمة ـ ، (واذدكر) بالمعجمة قبل المهملة على الاظهار على ما رواه أبو عمرو خلافا لسيبويه حيث أوجب الادغام.

(و) تدغم (ضعيفا) مع الزاي المعجمة كما(في نحو : إزّان) من الزينة ، وأصله : ازتان فقلبت التاء دالا ثمّ الدال المنقلبة عنها زايا على خلاف قياس الادغام في المتقاربين وادغمت ، وانّما ارتكبوه وقالوا : ازّان ولم يقلبوا الزاي دالا(لامتناع : إدّان) بتشديد الدال المهملة على قلب الزاي دالا ، لما فيه من فوات فضيلة الصفير الّذي هو في الزاي.

(ونحو : خبطّ) بتشديد الطاء المهملة ، (و) قولهم : (حصطّ ، وفزدّ ، وعدّ) ـ بتشديد الدال المهملة ـ (في : خبطت) فلانا بمعنى أنعمت عليه من غير معرفة كما في قول علقمة :

وفي كلّ حيّ قد خبّط بنعمة

فحقّ لشاس من نداك ذنوب (١)

__________________

(١) البيت : قائله معلوم. وحق : على البناء للمفعول. والندى : العطاء. والذنوب : بفتح

٥١٦

ويقال : أيضا خبطت الشجر ـ إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها ـ ، (وحصت) من الحوص ـ للخياطة ـ ، (وفزت) من الفوز ـ للنجاة ـ ، (وعدت) من العود بمعنى الرجوع ، (شاذ) لما فيها من قلب تاء الضمير الّذي هو للمتكلم أو المخاطب طاء ودالا ـ مهملتين ـ بعد الطاء والصاد والدال ـ المهملات ـ ، والزاي ، كتاء الافتعال بعد هذه الحروف ، والحال انّ الضمير كلمة مستقلة منفصلة عمّا قبلها حقيقة.

والوجه على شذوذه تنزيل ذلك الضمير لاتصاله منزلة الجزء من الفعل كتاء الافتعال ، والادغام بعد القلب واجب في نحو : خبط ، وعدّ ، لاجتماع المثلين وسكون الأوّل.

وشاذ على الشاذ في : حصّ في حصط لما فيه من شذوذ ادغام حرف الصفير ، وشذوذ قلب الثاني إلى الأوّل كما اسّمع لامتناع ، حطّ ، لفوات فضيلة الصفير ، وضعيف في : فزّ في فزد مثل أذان لامتناع فدّ ـ بتشديد الدال ـ كادّان فيضطر عند قصد الادغام إلى ما هو ضعيف من قلب الثاني إلى الأوّل أعني قلب الدال زايا.

وليقتصر في قلب تاء الضمير إلى الحرفين على السماع على ما قيل.

[تاء مضارع تفعل وتفاعل] :

(وقد تدغم) على قلّة تاء المضارعة في تاء التفعل والتفاعل في (نحو : تتنزّل) ، وتتباعد ، (وتتنابز) (١) جماعة كذا ـ أي يلقب بعضهم بعضا ـ من النبز ـ بالنون والموحدة والمعجمة ـ وهو اللقب ، (وصلا) أي عند الوصل بكلمة اخرى متقدمة ، (و) الحال ان تكون تاء المضارعة منهما بحيث (ليس) يقع (قبلها ساكن صحيح) من الكلمة الّتي وصلت بها بل يقع قبلها امّا : صحيح متحرك كاللّام من : قال في قولك :

__________________

ـ المعجمة الدلو مطلقا ، أو الممتلئة من الماء. أي في كل قبيلة قد انعمت بنعمة من غير معرفة وحق لشاس من عطائك العظام يعني : ان عطائك عليه أعظم.

(١) وفي بعض نسخ المتن : تتنابزوا بصيغة الجمع.

٥١٧

قال تنزل ، وقال تنابز ـ بتشديد التاء فيهما للادغام ، وامّا ساكن من حروف اللين مدّة كانت نحو : قالوا تنزل ، أم غيرها نحو : ولو تنزل ، ومن ذلك قرائة البزي : لا يتّمموا ، لا تبرجن ، بالتاء المشدّدة ـ للادغام ، والوجه في جوازه حينئذ استثقال اجتماع التائين في الجملة مع عدم المانع عن دفعه بالادغام.

والتقاء الساكنين اللّازم مع الين الساكن مغتفر مدّة كانت أم لا كما مرّ ، ومنه يظهر ضعف اشتراط كون اللين الساكنة ههنا مدّة.

ويمتنع الادغام في البابين عند الابتداء التأدية (١) إلى الابتداء بالساكن ولا سبيل إلى التحرّز عنها بهمزة الوصل لامتناعها في المضارع في لغتهم ، وهذا كامتناع الادغام في ما فيه المثلان في الصدر من غير البابين وليس موقعا لهمزة الوصل نحو : ددن ـ بدالين مهملتين مفتوحتين ـ بمعنى اللهو ، وكذلك يمتنع في البابين عند الوصل إذا وقع قبل التاء ساكن صحيح من الكلمة المتقدّمة للزوم التقاء الساكنين على غير حده ، لعدم كون الأوّل لينا.

وامّا قراءة البزي : (كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ)(٢) و(هَلْ تَرَبَّصُونَ)(٣) ونحوهما ـ بالتاء المشدّدة ـ للادغام مع الساكن الصحيح فضعيفة ، ولما كان الادغام في البابين متعذرا وانّما يتأتى امكانه بالوصل بالغير كان قليلا ، لعدم الاعتداد بما يزول به تعذره ، لعروضه من خارج.

(و) قد تدغم (تاء «تفعّل ، وتفاعل» فيما تدغم فيه) أي في الحروف الّتي تدغم (التاء) فيها ، وهي : ثمانية الطاء ، والظاء ، والدال ، والذال ، والصاد ، والسين ـ المهملتان ـ ، والزاي ، والثاء المثلثة ، وإذا ادغمت في أحدهما وقع الساكن المدغم

__________________

(١) وفي نسخة : عند ابتداء التأدية.

(٢) الآية : ١٤٣ آل عمران.

(٣) الآية : ٥٢ البقرة.

٥١٨

في أوّل الكلمة ، (فتجب همزة (١) الوصل ابتداء) ، تحرزا عن الابتداء بالساكن وذلك (نحو : إطّيّروا) في : تطيّروا ، (وإزيّنوا) ، وازّيّنت في : تزيّنوا وتزيّنت ، (وإثّاقلوا) ، و(اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) في : تثاقلوا وتثاقلتم ، (وإدّرأوا) ، وادّارأتم ، في : تدارأوا ، وتدارأتم ، واظّلموا في : تظلّموا ، واذّكروا في : تذاكروا ، واسّاقط في : تساقط ، ففي الجميع قلبت التاء إلى ما وقع بعدها وادغمت وزيدت همزة الوصل ، وهذا القلب والادغام مطرد في الماضي والمضارع والمصدر والأمر ، واسمي الفاعل والمفعول.

ومنه : (تُساقِطْ عَلَيْكِ)(٢) على قراءة فتح التاء وتشديد السين ، والأصل تتساقط ـ بتائين ـ.

وليست هذه الأفعال من باب الافتعال ، إذ لو كان أصلها «افتعل» لحصل بعد القلب والادغام : إطّاروا ، وازّانوا ـ بالألف ـ لأنّ العين المعتلة تقلب فيه ألفا كاختار ، واثّقلوا ، وادّرأوا ـ بتشديد الثاء ، والدال بدون الألف ـ لعدمها في الصحيح من «افتعل» ، ولو كان للاشباع (٣) كما في : ينباع لم تطرد.

وقد يضم إلى الحروف الثمانية تاسع هو الضاد المعجمة ، لقربها باستطالتها من حروف طرف اللسان نحو : إضّاربوا في : تضاربوا ، وقد يضم الشين والجيم إليها أيضا وان كانتا بعيدتين عنها نحو : إشّاجروا ، واجّاءروا في : تشاجروا وتجاءروا.

(ونحو : إسطّاع) ـ بتشديد الطاء ـ في : إستطاع ، وما يشبهه ممّا كان على «استفعل» من الأجوف حال كونه (مدغما) وقع فيه ادغام تاء الاستفعال في أحد

__________________

(١) في شرح النظام وبعض نسخ المتن : فتجلب بدل فتجب.

(٢) الآية : ٢٥ مريم. وقرأ حفص تساقط عليك بضمّ التاء وكسر القاف وتخفيف السين ، وحمزة يفتحها مع التخفيف ، والباقون يفتحها مع التشديد.

(٣) وفي نسخة : للاتباع.

٥١٩

تلك الثمانية الّتي تدغم فيها التاء بعد قلبها إليها ، (مع بقاء صوت السين نادر) ، لما يلزم فيه من التقاء الساكنين على غير حده ، لأن سين الاستفعال ليس لها حظ من الحركة أصلا في لغتهم فيمتنع تحريكها عندهم ، والمدغم بعدها ساكن أيضا وليست السين من حروف اللين ، ولذلك لم تدغم التاء في التاء في هذا الباب نحو : استتبع ، واستتاب ، ومن ثمّ حكم النحاة بخطاء حمزة في ارتكاب هذا الادغام في قوله تعالى : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ)(١).

وانّما خصّ الحكم بالأجوف ، لأنّه الّذي جاء فيه الادغام على ندرة لتحرك الفاء فيه بنقل حركة العين على ما مرّ في الاعلال ، وامّا غيره من «استفعل» فلا يجوز فيه ادغام تاء الاستفعال بالاتفاق ، لسكون ما بعدها وهو الفاء نحو : استدرك ، واستطعم ، فيمتنع الادغام فيه (٢).

***

__________________

(١) الآية : ٩٧ الكهف.

(٢) لوجوب كون المدغم فيه متحركا كما مرّ.

٥٢٠