شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

وما سلككم) كما في قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ)(١) ، وقوله تعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)(٢) ونحو : جباهم ، ووجوههم ، إلى غير ذلك ، ممّا ليس فيه المثل الثاني جزا حقيقة من الكلمة الّتي فيها الأوّل بل هو امّا كلمة برأسها كنون الوقاية ، وامّا جزء من كلمة اخرى كالكاف ، والهاء من الضميرين لكنّه ينزل منزلة الجزء من الّتي فيها الأوّل فليس مثل ذلك كلمة واحدة حقيقة بل هو (من باب كلمتين) فمن ثمه كان حكمه جواز الادغام كما في المتحركتين في كلمتين دون الوجوب ، فلا ينتقض به قاعدة الوجوب المشروط بالوحدة الحقيقية للكلمة.

ولم يأت الادغام في نحو ذلك إلّا عن أبي عمرو في : فاذا قضيتم مناسككم في البقرة ، وما سلككم في سقر في المدّثّر ، واظهر فيما سواهما.

فهذا هو الكلام في القسم الواجب من أقسام ادغام المتماثلين.

[موارد امتناع الادغام] :

(و) هو (ممتنع في الهمزة) بأن يكون المثلان همزتين نحو : لم يقرأ أبوك ، وامتناعه فيها انّما هو (على الأكثر) ويجوز على الأقل كما حكيناه ، (وفي الألف) والتعرض لهاتين مع استثنائهما من قبل لأنّ الاستثناء كان من الوجوب وهو يعم الامتناع والجواز فيه ههنا على انّ الواقع هو الامتناع كذا قيل ، (و) كذلك هو ممتنع (عند سكون الثاني ـ لغير الوقف ـ نحو : ظللت ، ورسول الحسن) ، إذ مع الادغام يلزم تحريك ما يلزم سكونه مثل ما قبل الضمير في : ظللت ، ولام التعريف في : الحسن ، وبكر بن وائل : يدغمون في نحو : ظللت على ما حكى عنهم الخليل ، وهي لغة ضعيفة ، وقيل كأنهم قدروا الادغام قبل دخول الضمير فابقوا اللفظ على حاله بعد دخوله.

__________________

(١) الآية : ٢٠٠ البقرة.

(٢) الآية : ٤٢ المدّثّر.

٤٨١

(وتميم تدغم) ما كان سكون المثل الثاني فيه بالجزم ، لعدم الاعتداد به ، لعروضه كالوقف ، (نحو : ردّ) بصيغة الأمر كما ورد في قوله :

فغضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا (١)

وحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها ، وحكى الكسائي عن عبد القيس اثباتها مع الادغام نحو : اغضّ ، (ولم يردّ) بصيغة المضارع ونحو ذلك من المجزوم ، والأصل : أردد ، ولم يردد فادغمت الدال بعد نقل ضمتها إلى الراء كما مرّ.

وفرقوا بينه وبين العارض في نحو : ظللت بأنّ الضمير الّذي يلزم معه السكون كالجزء بخلاف الجازم ، والحجازيون : يفكون الادغام في نحو ذلك فيقولون : اردد ، ولم يردد ، نظرا إلى لزوم السكون للأمر من حيث الصيغة ، وللمجزوم بالجازم مادام معه الجازم الّذي ربّما جرى مجرى الجزء ، وعلى لغتهم ورد قوله تعالى : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)(٢) ، وقرأ به قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ)(٣).

واجتمعت العرب على وجوب الفكّ في : «أفعل» بكسر العين مجزوما في صيغة التعجّب للمحافظة على تلك الصيغة ، سواء اتصلت بالياء نحو : اشدد ببياض وجه المتقين ، أم لا كما في قول العباس بن مرداس :

وقال نبيّ المسلمين تقدّموا

وأحبب إلينا أن يكون المقدّما (٤)

__________________

(١) البيت لم يتيسر لي الوقوف على قائله. الطرف : العين ، ولا يجمع لأنه في الأصل مصدر. وغض : أمر من غض طرفه ـ خفضه ـ ونمير على صيغة التصغير قبيلة. وكعب وكلاب قبيلتان اخريان.

(٢) الآية : ١٩ لقمان.

(٣) الآية : ٥٤ المائدة.

(٤) هذا البيت قائله معلوم. هو : العباس بن مرداس أحد المؤلفة قلوبهم. وصيغة التعجّب في البيت مثل : أحسن بزيد ، والباء محذوفة في قوله ان يكون أي بأن يكون النبيّ (ص) هو المقدم

٤٨٢

وإذا إتصل ثاني المثلين بواو الجمع نحو : ردّوا ، أو ياء مخاطبة نحو : ردّي ، أو نون تأكيد نحو : ردّنّ ، ادغم الحجازيون وغيرهم من العرب على ما قالوا معللين بأن الفعل حينئذ مبني على هذه العلامات وليس تحريكه عارضا ، بخلاف التحريك العارض لملاقاة الساكن ، فانّ الحجازيون يفكون معه نحو : اردد القوم.

(و) كما انّ الادغام ممتنع فيما ذكر كذلك هو ممتنع (عند الالحاق) للكلمة الّتي فيها المثلان ، (وعند الالتباس) فيها بسبب الادغام (بزنة اخرى) للمحافظة على صورة الملحق به ، والاحتراز عن اللبس سواء كان الالحاق بزيادة أحد المثلين (نحو : قردد) ، وجلبب ، أم بزيادة حرف غيرها نحو : هيلل ـ أي قال لا إله إلّا الله ـ بزيادة الياء للالحاق واصالة اللامين ، أم بزيادة أحد المثلين وغيره كليهما نحو : إقعنسس من القعس بزيادة النون وإحدى السينين للالحاق باحرنجم ، (و) الالباس نحو : (سرر) ـ بضمّتين ـ جمع سرير ، فانّه لو اسكن أوله وادغم التبس بفعل ـ بسكون العين ـ ، وكان في معرض ان يزعم فيه كونه موضوعا للمعنى المقصود منه على هذه الزنة.

وكذا الادغام في نحو : ظلل ، وشرر ـ بفتحتين ـ يوجب اللبس بفعل بالسكون ، وكذلك كلل ـ بكسر الأوّل وفتح الثاني ـ في جمع كلّة بالكسر ـ للستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى به من البق ، فانّه يلتبس عند الادغام «بفعل» بالسكون.

والحاصل ان سكون العين في الأسماء كثير شائع فادغام متحرك العين منها مظنة الالتباس بالساكن العين ، بخلاف الفعل نحو : ردّ لوجوب تحرك عينه ، فعند الادغام يعلم ان أصله الحركة وخصوصية الحركة يعلم عند عروض ما يوجب فك الادغام كالاتصال بالضمير نحو : مددت ، وظللت ، وبالمضارع كما يعلم فتح في : فرّ وشدّ

__________________

ـ وقد فصل بين فعل التعجّب ومعموله بالظرف أعني قوله : إلينا ، والشاهد فيه في قوله : احبب حيث استعمل غير متصل بالباء والباء محذوفة.

٤٨٣

بكسرها في يفرّ ، وضمّها في يشد ، وكسرها في : عضّ بفتحها في يعض ، وبالأمر : كفرّ ـ بالكسر ـ ، وشدّ ـ بالضم ـ ، وعضّ ـ بالفتح ـ.

وقد يتفق اسمان لمعنى واحد أحدهما مدغم والآخر غير مدغم كالقصّ والقصص للصدر أو رأسه أو وسطه فيحكم بأن كلّا منهما اسم برأسه من ان يكون أحدهما مدغما للآخر.

(و) كذلك ادغام المثلين ممتنع (عند) وجود(ساكن صحيح قبلهما) مع كون المتماثلين (في كلمتين نحو : قرم مالك) ـ بالراء الساكنة ـ الّتي هي حرف صحيح قبل الميمين ، ونحو : (شَهْرُ رَمَضانَ) فتسكين أوّل المثلين المتصل بذلك الساكن للادغام يؤدي إلى التقاء الساكنين على غير حده ، فلذلك جمع النحاة على امتناع الادغام في مثله على ما يقال ، وحكى اجماع القراء على جوازه في الجملة فاضطرب المحققون حيث تعارض الاجماعان.

(وحمل) في مقام التوجيه والجمع (قول القراء) بجواز الادغام (على) ارادة(الاخفاء) من الادغام الّذي جوّزوه ههنا ، فكأنهم تسامحوا في اطلاق الاخفاء عليه لتقاربهما ، والنحاة انّما منعوا الادغام الصريح فلا تخالف ، وهذا التوجيه ذكره الشاطبي وهو ضعيف لوقوع الادغام الصريح عن بعض القراء في مثله ، فالاولى القدح في تحقّق اجماع النحويين كيف وفيهم جماعة من القراء كالكسائي ، ولو سلم تحقّقه فلا حجّة فيه خصوصا عند معارضة اجماع القراء الّذين ينتهي روايتهم إلى المعصوم عن الغلط مع انّ القراءة تثبت بالتواتر ، وما نقله النحويون آحاد ، ولو سلم التواتر فالقراء أعدل وأكثر والرجوع إليهم أولى ، هذا خلاصة كلام المصنف في شرح المفصل.

والقرم : في الأصل البعير المكرم ، ومنه قالوا : القرم للسيّد.

فهذا هو القسم الممتنع من الادغام في المثلين.

٤٨٤

(و) هو (جائز فيما سوى ذلك) المذكور من صور الوجوب والامتناع ، وهو ثالث الأقسام ، وذلك كما إذا كانا في كلمتين وقبلهما ساكن لين نحو : (جِباهُهُمْ ،) ونور ربهم ، و(الرَّحِيمِ مالِكِ ،) و(فِيهِ هُدىً ، *) واخشى يا هند ، أو متحرك صحيح ، نحو : (مَناسِكَكُمْ ،) و(طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ ،) وان يك كاذبا ، (وَمَنْ) يتبع (غَيْرَ الْإِسْلامِ ،) لكن أبا عمرو عدل عند الادغام إذا كان أولهما تاء الخطاب والمتكلم نحو : (ما كُنْتَ تَتْلُوا ،) و(كُنْتُ تُراباً) وقد يوجه ذلك باستحقاق الفاعل المحافظة والادغام مخل بها ، فتأمل.

وقد يعترض بأنّ المثلين الّذين أولهما كلمة يصح الابتداء بها كالباء الجارة وهمزة الاستفهام في : جاء ببدرة ، وأأبوك فعل كذا داخل فيما سوى ذلك الّذي حكم عليه بالجواز مع امتناع الادغام فيه في لغتهم ، وكأنه لم يبال بذلك لشهرة أمره.

فهذا هو الكلام في المتماثلين.

[٢ ـ إدغام المتقاربين] :

[مخارج الحروف] :

(والمتقاربان : نعني بهما ما تقاربا في المخرج أو) تقاربا(في صفة تقوم مقامه) كالجهر والهمس وان تباعدا في المخرج ، والمراد بمخرج الحرف ، الموضع الّذي ينشأ منه ويعرف باسكانه وادخال الهمزة عليه فالموضع الّذي ينتهي إليه الصوت هو المخرج.

(ومخارج الحروف ستّة عشر ـ تقريبا ـ وإلّا) أي وان لم يبن الكلام على التقريب بل اعتبر التحقيق (فلكلّ) حرف (مخرج) ، إذ لو كان مخرجه مخرج الآخر بعينه كان هو نفس ذلك الآخر ، وقد يمنع ذلك لجواز استناد التعدّد والاختلاف مع وحدة المخرج إلى اختلاف وضع الآلة في شدّة الاعتماد وسهولته وغير ذلك ، والحروف

٤٨٥

تسعة وعشرون في لغة العرب ، واخراج الهمزة عن اعداد الحروف المستقلّة ـ كما فعله المبرد ـ نظرا إلى انّها ليس لها صورة مخصوصة في الرسم بل هي تكتب بصورة الألف والواو والياء كأنه ضعيف ولام ألف مركب ، وعدّه حرفا مستقلا من تصرف العوام وجرى عليه الحريري في : رسالته الرّقطاء (١) ، وبعض هذا المعدود مفقود في لغة العجم كالضاد ، وذكروا أنّ الهمزة في العجمية انّما تقع في الابتداء.

ومخارج تلك الحروف على اختلافها من أربع جهات : الحلق ، واللسان ، والشفتان ، والخيشوم ، وابتدأ في ترتيبها بما يكون من أقصى الحلق متدرجا وختم بما يخرجه الشفة (٢) كما فعل سيبويه.

(فللهمزة ، والهاء ، والألف أقصى الحلق) بمعنى أبعده من الفم ، فالهمزة في المنتهى الأسفل الواقع من جانب الصدر ، وبعدها مائلا إلى جانب الفم الهاء ثمّ الألف ، خلافا للأخفش حيث زعم وحدة مخرج الهاء والألف ، واعترض عليه ابن جنى بأنهما لو كانا من مخرج واحد وكان تعددهما للاختلاف في الصفة لانقلبت الألف في الاضطرار إلى تحريكها هاء لا همزة ، لأنّ العدول عنها مع قبولها الحركة واتحاد المخرج مستكره جدّا.

بخلاف ما إذا إختلف مخرجاهما وكان بناء القلب على القرب ، فانّ الهمزة تشارك الهاء في كمال القرب إلى الألف ، لكون الجميع من أقصى الحلق ، وان كانت الهاء أقرب منها إليها فلا استكراه في العدول عن الهاء لخفائها إليها ، فتأمل فيه.

(وللعين ، والحاء) ـ المهملتين ـ من الحلق (وسطه) ، والعين أقرب إلى مخرج الألف ، والحاء بعده إلى جانب الفم.

__________________

(١) الرّقطاء : من الرقطة ـ بالضم ـ هي سواد تشوبه نقطة بياض. والرسالة الرقطاء للحريري رسالة وضعها على لسان أبي زيد السروجي وتأليفها على أن يكون حرف منها منقوطا وحرف غير منقوط.

(٢) وفي نسخة : بما مخرجه الشفة.

٤٨٦

(وللغين ، والخاء) المعجمتين منه (أدناه) إلى الألف ، والغين أقرب إلى الحاء المهملة ، وبعدها الخاء ، فهذه السبعة حلقية.

(وللقاف أقصى اللسان) القريب من الحلق الّذي هو أبعده من الفم (وما فوقه) المحاذي له (من الحنك) الأعلى.

(وللكاف منهما) أي من أقصى اللسان والحنك الأعلى (ما يليهما) أي يلي الأقصى والحنك اللّذين كانا للقاف ، والمقصود ان مخرج الكاف أقرب إلى مقدم الفم من مخرج القاف.

(وللجيم ، والشين) المعجمة ، (والياء) المثناة من تحت (وسط اللسان وما فوقه) المحاذي له (من الحنك) الأعلى ، ومخارجها على ترتيب ذكرها فالجيم أدخل في الفم ثمّ الشين ، ثمّ الياء على ما قيل.

(وللضاد) المعجمة(أوّل إحدى حافتيه) أي جانبيه الأيمن والأيسر ، (وما يليهما) أي يلي حافتيه (من الأضراس) ، والمراد بأوّل الحافة ما يلي أصل اللسان وآخر الحافة ما يلي رأسه ، والأضراس : هي ما خلف الرباعيات من الأسنان.

وتوضيح ذلك : انّ الأسنان اثنتان وثلثون ، الثنايا وهي الأربعة المتقدمة اثنتان من فوق واثنتان من تحت ، واحدتها ثنية ـ بتشديد الياء ـ ، والرباعيات وهي : أيضا أربع بعد الثنايا من الجانبين من فوق ومن تحت ، والواحدة رباعية ـ بالفتح وتخفيف الياء ـ ، والأنياب ـ جمع الناب ـ وهي : أيضا أربع خلف الرباعيات يمنة ويسرة من فوق ومن تحت ، والضواحك وهي : أربع من جانبي الأنياب الأيمن والأيسر من فوق ومن تحت ، فهذا ست عشر ، والباقية على عددها يقال لها الأضراس منها الطواحن وهي : اثنتا عشرة من جانبي الضواحك من فوق ومن تحت ، والنواجذ ، ويقال : أضراس العقل وهي أربع من جانبي الطواحن من فوق ومن تحت ، وقد يعدّ الضواحك من الأضراس فهي ما خلف الرباعية.

٤٨٧

ثمّ انّ النطق بالضاد المعجمة من الأيمن أكثر على ما يظهر من كلام سيبويه وصرح به السيرافي ، وقيل : انّها من الأيسر أسهل على أكثر الناس ، وامّا المنع من النطق بها من الأيسر فلعلّه تعسف.

(وللّام ما دون طرف اللسان إلى منتهاه وما فوق ذلك) والمراد بما دون طرفه : ما يقرب رأسه من جانب ظهره ، وبمنتهاه (١) رأسه وبما فوق ذلك ما يحاذي ما ذكر من الحنك الأعلى فوق الضواحك والأنياب والثنايا والرباعيات على ما ينسب إلى سيبويه وصرّح به أبو حيان ، وابتداء مخرجه أقرب إلى مقدم الفم من مخرج الضاد المعجمة.

(وللراء) المهملة(منهما) أي ممّا دون طرف اللسان وممّا فوق ذلك من الحنك الأعلى (ما يليهما) أي يلي اللّذين كانا منهما اللّام.

(وللنون) في غير حالتي الاخفاء والادغام مع الغنة(منهما) أي ممّا دون طرفه وما فوقه من الحنك (ما يليهما) أي ما يلي ذينك اللّذين كانا للراء منهما ، والحاصل ان مخرج اللّام أدخل في الفم من مخرج الراء ، ومخرج الراء أدخل فيه من مخرج النون على ما يجده الطبع المستقيم ، وربّما أمكن العكس في البعض بتكلف.

(وللطاء ، والدال) المهملتين ، (والتاء) المثناة من فوق (طرف اللسان ، واصول الثنايا) العلوية.

(وللصاد ، والسين) ، المهملتين (٢) (والزاي ، طرف اللسان) وفويق (الثنايا) السفلية دون اصولها لكن مخرج السين مقدم على الزاي ، لأنّ الزاي أقرب إلى مقدم الفم من السين.

__________________

(١) وفي نسخة : وبمنتها رأسه وبما فوق ذلك الخ.

(٢) في بعض نسخ المتن هكذا : والزاي والسين بتقديم الزاي على السين والأحسن تقديم السين على الزاي لأنّ السين مقدم في المخرج.

٤٨٨

(وللظاء والذال) المعجمتين ، (والثاء) المثلثة ، (طرف اللسان وطرف الثنايا) العلوية ، فهذه الثمانية عشر لسانية لها تعلق باللسان بوجه.

والمراد بالثنايا في هذه المواضع : الثنيتان امّا السفليتان وامّا العلويتان ، وكأنهم نظروا إلى كثرتها بحسب الأشخاص وذكروا لفظ الجمع ، وفي شرح المفصل ، انّهم انّما اعتبروا عنهما للفظ الجمع لأنّ التلفظ به أخف مع كونه معلوما.

(وللفاء باطن الشفة السفلى وطرف الثنايا) العليا.

(وللباء) الموحدة ، (والميم) في غير الاخفاء والغنة ، (والواو) الّتي لم تكن مدّة(ما بين الشفتين) العليا والسفلى ، لكن مخرج الموحدة عند بلّة الشفتين ومخرج الميم بعدها ولا تتواصل الشفتان في الميم غاية التواصل ، فهذه الأربعة شفويّة ، وقد يقال لها الشفهية بالهاء على الاختلاف في النسبة إلى الشفة كما مرّ.

وهذه خمسة عشر مخرجا ، والسادس عشر هو الخيشوم وهو مخرج الغنة والاخفاء في الميم والنون على ما سيأتي ـ انشاء الله تعالى ـ.

واعلم انّ المصنف خالف سيبويه وغيره في تحديد بعض المخارج على ما يظهر من الرجوع إلى كلامهم.

[مخارج الحروف الفرعية] :

(ومخرج) الحرف (المتفرع) عن غيره ، وهو الحاصل من اشراب حرف صوت حرف آخر كالهمزة بين بين (واضح) ، لأنه يعلم من مخرج الحرفين اللّذين أشرب أحدهما صوت الآخر ، وقد وقع التفريع بالمعنى المذكور في كثير من الحروف.

(والفصيح) من المتفرع الواقع في القرآن العزيز أو في غيره من كلام الفصحاء(ثمانية ، همزة بين بين) وهي (ثلاثة) من الثمانية الفصيحة ، لأن كونها بين بين ان يجعل بين نفسها والحرف الّذي منه حركتهما ، فان كانت حركتها هي الضمّة فهي بين

٤٨٩

نفسها وبين الواو ، وان كانت هي الكسرة فهي بين نفسها وبين الياء ، وان كانت هي الفتحة فهي بينها وبين الألف.

(و) الرابع (النون الخفية) وهي الساكنة المتصلة بالحروف الّتي لا تظهر معها النون الساكنة بل يخرج معها على وجه الغنة من الخيشوم فقط كالكاف (نحو : عنك) ، والدال نحو : عندك ، وسميت خفية لخفائها ، ويقال لها : الخفيفة لسكونها.

(و) الخامس (ألف الامالة) الّتي تمال بها نحو الياء نحو : رمى ، وسيبويه سمّاها ألف الترخيم لبيان الصوت.

(و) السادس (لام التفخيم) وهي اللّام المفتوحة المخففة أو المدغم فيها الّتي تلى الصاد والظاء والطاء إذا كانت هذه الحروف مفتوحة أو ساكنة كالصلاة ، وان يوصل ، وفيصلب ، ويصلون سعيرا ، وطلقتم النّساء ، ومطلع الفجر ، وظل وجهه ، وإذا إظلم عليهم ، فانّها تفخم عند بعضهم ، وبه قرأ ورش من القراء ، واختلفت الرواية عنه في تفخيمها مع الفصل في نحو : فطال عليهم ، وفصالا ، وكذا مع سكونها ـ أي اللّام ـ وقفا.

واعتبر قوم الضاد المعجمة أيضا نحو : ضللتم ، وقوم اللّام المفتوحة بين الحرفين المستعلين (١) نحو : خلطوا ، وخلقوا ، وخلصوا ، وكذلك لام «الله» إذا كان قبلها ضمّة أو فتحة عند كلّهم كما اتفقوا على ترقيقها بعد الكسرة ، نحو : بسم الله ، وبالله ، وقل اللهمّ.

وألف التفخيم مثل لام التفخيم عند سيبويه في الاستسحان وهي الألف الممالة نحو الواو كالصلوة ، والزكوة ، والحيوة ، على لغة الحجازيين ، ويقال : ان كتابتها بالواو على لغتهم لذلك.

(و) السابع (الصاد) الكائنة(كالزاي) في النطق باشرابها صوتها كما في : الصراط

__________________

(١) وفي نسخة المستعلمين لكن الظاهر : المسعليين.

٤٩٠

في قراءة حمزة ، وفي قوله تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً)(١) في قرائته أيضا وفاقا للكسائي.

(و) الثامنة(الشين) المعجمة الكائنة(كالجيم) في النطق في نحو : اشدق ، والحكم بقلّته في بحث الابدال على أحد التفسيرين لكلامه لا ينافي الحكم بفصاحته لكن ما حكينا فيه عن شرح المفصل ليس بملائم له فتأمل ، ووجه استحسانه (٢) انّ الدال مجهورة شديدة والسين مهموسة رخوة فيشرب صوت الجيم المناسبة لهاء (٣) في المخرج وللدال في الجهر والشدّة.

(وامّا الصاد) المهملة الكائنة(كالسين) المهملة مثل ان يتلفظ بالصدغ شبيها بالسدغ ، (والطاء) المهملة الكائنة(كالتاء) الفوقانية مثل ان ينطق بالسّلطان شبيها بالسّلتان ، كما يكثر جريانه على أهل الشرق من العجم ، (والفاء) الكائنة(كالباء) الموحدة سواء كان أقرب إلى الباء أم إلى نفسها كما يقع في لغة بعض العجم مثل ان يقال في : البود الفود ، وقد جعلا حرفين من حروفهم سوى الباء والفاء الخالصتين على ما ذكره نجم الأئمّة.

(والضاد) المعجمة(الضعيفة) الّتي ضعفت بالنطق بها على وجه يقرب من الظاء المعجمة كما قد يقع في لغة ليس في لغتهم الضاد على ما ذكره السيرافي ، وقال سيبويه : الضاد الضعيفة من الجانب الأيسر ، (والكاف) الكائنة(كالجيم) مثل التلفظ «بكافر» على وجه يشبه جافرا كما يقع في لغة أهل البحرين ، (فمستهجنة) قبيحة لعسر النطق بها ، ومن ثمّ لم يقع في القرآن المجيد ولا في كلام الفصحاء ، ولعل بعضها حدث في لغة العرب من مخالطة العجم على ما قال السيرافي وغيره.

(وأمّا الجيم كالكاف ، والجيم كالشين) المعجمة(فلا يتحقق) ، لوقوع عكس كل

__________________

(١) الآية : ١٢٢ النّساء.

(٢) وفي نسخة : وأوجه استحسانه الخ.

(٣) وفي نسخة : لها.

٤٩١

منهما في كلامهم على استهجان في أحدهما ، فلو وقع هذان أيضا اشتبه على السامع انّ الملفوظ جيم كالكاف أو عكسه ، وكذا الشين ، لعدم الفرق بين كل منهما وعكسه كذا قيل ، وقد يورد عليه انّه لا مانع من ذلك عند العلم باللفظ الواقع هو فيه مثل ما يقع في لغة أهل البحرين من النطق برجل ، وجمل مثلا شبيهين بركل ، وكمل مثلا ، وكذلك ما يقع على قلّة من المضارعة في نحو : أجدر على ما مرّ من المصنف على أحد الوجهين في تفسير كلامه هناك ، وتعويلهم في مثل ذلك بالقرائن.

فهذا بيان مخارج الحروف وهي تختلف في الصفات أيضا وتنقسم بحسبها انقاسامات كثيرة حتّى زادت على أربعة وأربعين في كلام بعضهم ، ولعل الحكمة في اختلافها على ما يقال : كما تمايز ذوات الحروف لئلّا تتناسب أصواتها كأصوات البهائم كما قال سيبويه : لو لا الاطباق في الصاد لكان سينا ، وفي الطاء كان دالا ، وفي الظاء كان ذالا.

[صفات الحروف] :

المذكور ههنا من تلك الانقسامات ما هي أهم ، (منها : المجهورة ، والمهموسة).

(ومنها : الشديدة ، والرخوة).

(وما بينهما).

(ومنها : المطبقة ، والمنفتحة).

(ومنها : المستعلية ، والمنخفضة).

(ومنها : حروف الذّلاقة والمصمتة).

(ومنها : حروف القلقة ، والصفير واللينة والمنحرف والمكرّر والهاوي والمهتوت) ـ بمثناتين من فوق ـ.

والفصل بين التقسيمات بقوله : منها ومنها للاشارة إلى انّها تقسيمات متعددة كل منها مستقل برأسه.

٤٩٢

وهذا تفصيلها ووجه تسميتها ، (فالمجهورة : ما ينحصر) أي يحتبس ـ (جرى النفس مع تحرّكه) ، لقوّة ذلك الحرف في نفسه وقوّة الاعتماد عليه في مخرجه ، فيكون خروجه بصوت قويّ ولا بدّ في اخراجه وبيانه من ان يكون معه شيء من في النطق بمعنى الاعلان على ما في شرح المفصل.

(وهي : ما عدا حروف ـ ستشحثك خصفه ـ) من الشحث بمعجمة فمهملة فمثلثة ـ بمعنى الالحاح في السؤال ـ وخصفه : بالمعجمة فالمهملة فالفاء ، اسم امرأة ، وروعى (١) فيها الوقف على الهاء المبدلة من تاء التأنيث لافادة انّ الهاء أيضا خارجة من المجهورة ، وقد جمعت المجهورة في : ظلّ قوّ ربض إذا غزا جند مطيع ، والظل : مبتدأ مضاف إلى قو وهو المكان الخالي ، والخبر ربض ، وهو الحضيرة ، يعني : ان ظل القو يجري مجرى الحظيرة لمن أراد السلامة إذا تعرض للغزو عسكر يطيعون أميرهم في الجهاد ويبالغون فيه.

(والمهموسة : بخلافها) أي بخلاف المجهورة فهي ما لا تحتبس النفس مع تحرك لضعفه في نفسه وضعف الاعتماد عليه في مخرجه فلا يحتاج بيانها واخراجها إلى الجهر أصلا بل يجري في النطق مع الهمس وهو الاخفاء.

(و) المجهور والمهموس (مثّلا) على صيغة الماضي المجهول من باب التفعيل ، (بققق) محركة بالتحريك المفتوح بثلاث قافات للمجهورة ، (وككك) محركة بذلك التحريك أيضا بثلاث كافات للمهموسة ، ليظهر الفرق بين النوعين بتكرير حرف منهما مع تحرك الّذي اعتبر في ظهور انحصار النفس وجريه فيهما إذ مع وحدته ربّما وقع الذهول عن حال النفس الخارج فاذا تكرّر المتحرك منهما على التعاقب والاتصال على اللافظ المتأمل تفطن بالحال من غير ريبة ، واختيرت الكاف والقاف لتقارب مخرجيهما فعند ظهور الفرق بين الجهر والهمس فيهما يظهر في

__________________

(١) وفي نسخة : وروئي فيها الخ.

٤٩٣

المتباعدة في المخرج بالطريق الاولى.

وما ذكرناه في تعيين المجهورة والمهموسة من الحروف قول المتقدمين باسرهم وبعض المتأخرين ، (وخالف بعضهم) في ذلك (فجعل الضاد ، والظاء ، والذال ، والزاي ، والغين) المعجمات ، (والعين) المهملة ، (والياء) التحتانية المثناة(من المهموسة) وقد جعلنا هذه السبعة من المجهورة ، (و) جعل (الكاف) والتاء المثناة من فوق (من المجهورة) ، وقد جعلناهما من المهموسة ، (و) هذا البعض (رأي ان الشدّة) في الحروف (تؤكد الجهر) فيه ، والرخاوة تناسب الهمس ، فلذلك عدّ هاتين الشديدتين من المجهورة وتلك السبعة الرخوة من المهموسة ، وليس الأمر على ما رآه لأنّ الشدّة والرخاوة باعتبار جرى الصوت وعدمه عند الاسكان ، والجهر والهمس باعتبار جرى النفس وعدمه مع التحرك ، فقد ينفك الشدّة عن الجهر والرخاوة عن الهمس.

(والشديدة : ما ينحصر جرى صوته عند اسكانه في مخرجه فلا يجري) الصوت فيه فيكون شدّة وقوّة يمتنع بها عن التليين ، (و) هي : ثمانية(يجمعها) قولنا : (اجدك قطبت) ، واجد : مضارع متكلم متصل بكاف الخطاب ، وقطبت : بصيغة الخطاب من القطوب وهو العبوس ، أو من قطب التراب ـ مزجه بغيره ـ ومحله النصب على انّه مفعول ثان لقولنا أجد ، ويجمعها أيضا أجدت طبقك ، واجدت : ماض من الاجادة من الجودة.

(والرخوة : بخلافها) فهي : ما يجري صوته عند اسكانه فيكون لها رخاوة ـ أي لين وقبول للتطويل والمدّ ـ.

(وما بينهما) ما يكون الصوت عند اسكانه متوسطا بين الانحصار والجرى بحيث (لا يتم له الانحصار ولا الجري) ، (و) الحروف الّتي هي بينهما(يجمعها) قولنا : (لم يروعنا) والأصل : لما يروعنا بما الاستفهامية بعد اللّام الجارة ، ويروع : مضارع راعه بمعنى افاقه ، ويحتمل كون لم جازمة ، ويرو : من الرواية ، وعنا : بعن

٤٩٤

الجارة مع ضمير المتكلم ، فالرخوة ما عدا هذين النوعين ، وحروفها ثلاثة عشر.

(و) الشديدة ، والرخوة ، وما بينهما(مثّلت) بالماضي المجهول من التمثيل (بالحجّ) ـ للنسك المخصوص ـ ، (والطّشّ) ـ بالمهملة المفتوحة فالمعجمة المشدّدة ، للمطر الضعيف ـ ، (والخلّ) ـ بالمعجمة المفتوحة وتشديد اللّام ـ فانّك تجد الصوت راكدا ممتنعا عن المدّ عند الوقف على الجيم واسكانها ، وجاريا قابلا للمدّ عند الوقف على الشين ، ومتوسطا بين الحالين في الوقف على اللّام ، فالاولى شديدة ، والثانية رخوة ، والثالث بينهما.

(والمطبقة) بفتح الباء ـ (ما ينطبق على مخرجه الحنك) الأعلى ، والمقصود انّ اللسان يرفع معه إلى الحنك الأعلى فينطبق عليه فينحصر الصوت بين اللسان وما حازاه من الحنك الأعلى ، والمطبق على الحقيقة هو الحنك واللسان والحرف مطبق عنده كقولهم ممرور به فتوسعوا في اطلاق المطبق عليه من غير قيد ، كما قالوا : المشترك للفظ المشترك فيه ، كذا في شرح المفصل ، ولو جعلت بكسر الباء على صيغة اسم الفاعل كأنها تطبق اللسان بالحنك لم يكن بعيدا بل كأنه أظهر ، والحروف المطبقة أربعة(وهي : الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ،).

(والمنفتحة : بخلافها) فهي ما ينفتح معها ما بين اللسان والحنك ، وحروفها ما عدا الأربعة المذكورة ، واطلاق المنفتح عليها أيضا من باب التوسع.

(والمستعلية : ما يرتفع اللسان بها إلى الحنك) ، وحروفها(هي) الأربعة(المطبقة) المذكورة ، (والخاء ، والغين) المعجمتان ، (والقاف) ، فان هذه ليست بمطبقة لكنها مستعلية لارتفاع اللسان بها إلى الحنك وهو معنى الاستعلاء.

(والمنخفضة (١) : بخلافها) فحروفه ما لا يستعلى معه اللسان ، وهي ما عدا المستعلية ، ويقال لها : المنخفضة ، والتسمية بالاسمين امّا توسع لاستعلاء اللسان

__________________

(١) والمتن في نسخ الكمال : والانخفاض بخلافه.

٤٩٥

وانخفاضه معها ، وامّا لخروجها من جهة العلو والسفل.

(وحروف الذلاقة) ـ بالذال المعجمة والقاف ـ بمعنى السهولة من قولهم : لسان ذلق على ما رجحه المصنف في شرح المفصل ، (ما لا ينفك رباعي ، أو خماسي عن شيء منها) بمعنى : انّه ما من رباعي أو خماسي إلّا وفيه أحد حروفها(لسهولتها) في النطق ، فينجبر بها ثقلهما حتّى قيل ان ما لا يوجد فيه شيء منها ليس بعربي أصيل أو شاذ على ما يقال ، كالعسجد ـ للذهب ـ والزهزقة ـ بزائين معجمتين بينهما الهاء وفي آخرها القاف ، لشدّة الضحك ، وترقيص اللّام الصبيّ ، (و) حروفها ستّة(يجمعها) قولنا : (مر بنفل) ومر : أمر من الأمر ، والنفل : ـ بالنون والفاء محركة ، الغنيمة ـ ، وبسكون الوسط النافلة.

وقيل : الذلاقة في اسم هذه الحروف بمعنى الاعتماد ، سميت بها لاعتمادها على ذلق اللسان وهو طرفه ، وزيفه المصنف بأنه لا يناسب الميم والباء والفاء من جملتها لعدم اعتمادها على طرفه إذ لا مدخل لطرفه فيها بوجه.

(والمصمتة : بخلافها) وسميت مصمتة(لأنه صمت) على البناء للمفعول ـ أي سكت ـ (عنها في) استيفاء(بناء رباعي أو خماسي منها) بخصوصها فليس رباعي ولا خماسي في العربي الأصيل غير الشاذ بحيث يكون تمام حروفه منها بل يضم معها شيء من الزليقية فكانت تلك سكوتا عنها في بنائهما على التمام منها ، وقد يقال : انّ المصمتة ههنا ضدّ المجوفة ، وسميت تلك الحروف بذلك لثقلها كالشيء المصمت الّذي لا جوف له.

(وحروف القلقلة) : من جملة الشديدة هي : (ما ينضم إلى الشدّة فيها ضغط) ـ أي عصر ـ (في الوقف) وذلك إذا كانت جامعة بين الجهر والشدّة ، فالجهر يمنع النفس عن الجريان ، والشدّة تمنع الصوت عن الامتداد فيحتاج بيانها إلى تكلف ، ويؤدي ذلك إلى الانضغاط عند النطق حتّى لا تكاد تخرج إلّا بقلقلتها ـ أي تحريكها ـ عن موضعها ليتبين الصوت وتسمع والصوت يشتد فيها بسبب ذلك ،

٤٩٦

ولذلك قال الخليل : انّ القلقلة ههنا بمعنى شدّة الصوت على انّها مأخوذة من القلقلة بمعنى صوت الأشياء اليابسة على ما قيل ، وبعض العرب أشدّ صوتا فيها وكأنهم الّذين يرمون الحركة في الوقف على ما قيل.

(و) هي : خمسة(يجمعها) قولنا : (قد طبج) والطبج : ـ بالمهملة والموحدة والجيم ـ الضرب على الشيء المجوف كالطبل ، وبعض الحروف فيها انضغاط لا يبلغ حدّ القلقلة كالضاد المعجمة فانّها تجد منفذا بين الأضراس ، والظاء والذال المعجمتان والزاي فانّها تجد منفذا بين الثنايا.

(وحروف الصفير : ما يصفر بها) عند النطق ، لخروجها بين الثنايا وطرف اللسان فينحصر الصوت ويأتي كالصفير ، (وهي : الصاد) المهملة ، (والزاي ، والسين) المهملة.

(واللينة : حروف اللين) وهي : الألف ، والواو ، والياء ، لقبولها المد وخروجها بلين وسهولة لاتساع مخرجها.

(والمنحرف : اللّام ، لأنّ اللسان ينحرف به) عن مخرجه الّذي هو طرف اللسان إلى داخل الحنك.

(والمكرر : الراء ، لتعثر اللسان به) أي ذلته وانذلاقه عند الوقف فكأنه يذل ثمّ يقوم فيحصل التكرير ، ولذلك كانت حركته كحركتين على ما مرّ في الامالة.

(والهاوي) : بمعنى ذي الهواء كالتامر ، واللابن ـ لذي التمر ولذي اللبن ـ وهو (الألف لاتساع هواء الصوت به) اتساعا كاملا ، بخلاف الواو والياء إذا كانتا مدتين لما في الواو من ضمّ الشفتين المودي إلى شيء من الضيق وما في الياء من رفع اللسان نحو الحنك ، بخلاف الألف لانفتاح الفم والحلق فيها من غير ضغط ولا عصر فاختصاص الهاوي بالألف كما ذكره للاتساع المذكور وإلّا فلا شك في ان كل مدّة يخرج من هواء فضاء الفم ومن ثمّ تسمّى المدات الثلاث هوائية حتّى ان بعضهم

٤٩٧

كالخليل جعل هواء الفم مخرجا برأسه على انّه مخرج للمدّة وجعل المخارج سبعة عشر.

(والمهتوت : هو التاء) الفوقانية على ما في المفصل ، سميت بذلك (لخفائها) وضعفها فيقع التكلم بها على سرعة من الهتّ ـ بالتشديد ـ وهو سرد الكلام على سرعة.

وقال جماعة : المهتوت هو الهاء ، ومنهم الخليل فانّه قال لو لا هتة في الهاء لاشبهت الحاء ، وقيل : أراد بالهتة العصر الّتي هي فيها دون الحاء ، ومنهم أبو الفتح فانّه قال : المهتوت هو الهاء لخفائها وضعفها.

[طريق إدغام المتقاربين] :

(ومتى قصد إدغام المتقارب) (١) بأن يدغم أحد المتقاربين في الآخر(فلا بدّ من) جعلهما متماثلين وذلك بالتصرف في أحدهما و (قلبه) إلى الآخر ليتحقق الادغام.

(والقياس : قلب الأوّل) إلى الثاني ، لأنّ الادغام يبتدأ به منه ، وعمدة أثره تظهر فيه باخفائه وادراجه في الثاني مع انّه ساكن والساكن أولى بالتغيير ، ولا يخالف هذا القياس بأن يقلب الثاني إلى الأوّل (إلّا لعارض) نحو : (إذ بحّتودا) ـ بتشديد الحاء المهملة ـ من صيغة الأمر ، والأصل : إذبح عتودا ـ وهو ولد المعز ـ ، (وإذ بحّاذه) في : إذبح هذه ، فانّ العين المهملة والهاء ادخل في الحلق فهما أثقل منه والادغام انّما يصار إليه للتخفيف ففي قلب الأخف إلى الأثقل نقض لهذا الفرض فلذلك قلبتا إلى الحاء وان كانتا ثانيتين وادغمتا.

وامّا ادغام الخاء المعجمة في الغين المعجمة الّتي هي أدخل منه فيتأتى الوجه فيه

__________________

(١) والمتن في بعض النسخ : ادغام المتقاربين فلا بدّ من القلب.

٤٩٨

عنده ذكره ـ انشاء الله تعالى ـ.

(وفي جملة) الحروف المبدلة(عن تاء «الافتعال» نحو : اسّمع في : استمع ، واذّان في : اذتان كاختار من الزنة ، فان فيها تقلب الثاني وهو تاء الافتعال إلى ما قبلها أعني فاء الكلمة(لنحوه) أي لنحو العارض في : اذبحّتودا ، واذبحاذه ، فانّ الحرف الّتي تقلب إليها تاء الافتعال للادغام أخف من التاء ، (ولكثرة تغيرها) أي تاء الافتعال ، فانّها كثيرا يتغير لغير الادغام أيضا نحو : اضطرب ، واصطلح ، فهي بالتغير والقلب إلى ما قبلها للادغام أولى من قلب ما قبلها إليها لقلّة تغييره.

(و) ما جاء في لغة بعض بني تميم أعني قولهم : (محّم) ـ بفتح الميم وضمّ الحاء المهملة المشدّدة وسكون الميم ـ (في : معهم) ، ومحّاؤلاء ـ بفتح الميم وفتح الحاء المهملة المشدّدة في : مع هؤلاء(ضعيف) ، إذ لم يقلب فيه الأوّل إلى الثاني على ما هو القياس ولا الثاني إلى الأوّل للعارض الّذي هو كون الهاء أدخل في الحلق من العين وأثقل ، بل قلب الحرفان إلى ثالث هو الحاء المناسب للعين في المخرج ، لكون نحو : محّ بالادغام في الحاء أكثر وأخف من نحو : دعّ بالادغام في العين ، والفصيح : معهم ، ومع هؤلاء بالاظهار.

(وستّ) للعدد المخصوص ـ (أصله : سدس) بدليل تصغيره على سديس ، وجمعه على أسداس ، وقولهم في بناء اسم الفاعل والتفصيل منه : السادس والتسديس وهو (شاذ) مخالف للقياس ، لأنّ الدال والسين متقاربان لكونهما من طرف اللسان فالقياس في الادغام قلب أحدهما إلى الآخر فقلبها إلى ثالث وهو التاء خارج عن القياس ، لكنّه على شذوذه (لازم) في الاستعمال ، حيث لم يستعمل إلّا بالتاء المشدّدة وكأنهم كرهوا السدس لقلّة اتحاد الفاء واللّام نحو : سلس مع كثرة دوران هذا اللفظ فقلبوا السين الأخيرة تاء لتناسبهما في الهمس ، ثمّ قلبت الدال تاء للتقارب وادغمت مع ان كثرة الدوران ووجود المتقاربين أعني الدال والسين يناسبها التخفيف بالادغام ، وفي قلب السين إلى الدال تفويت لفضيلة الصفير الّذي

٤٩٩

هو في السين ، وفي قلب الدال سينا اجتماع ثلاث سينات مع ان في اعتبار الادغام عدولا عن الاظهار الّذي يقتضيه تنافرهما في الصفة لكون الدال مجهورة شديدة والسين مهموسة رخوة فقلبوا الحرفين إلى التاء المناسبة للدال في المخرج وللسين في الهمس وادغموا.

والمتقاربان في المخرج ان كانا في كلمتين نحو : من مثلك ادغم أحدهما في الآخر وان أدى إلى اللبس لعدم المبالاة به لكونه في معرض الزوال لجواز الانفكاك ومعرفة أصل كل منهما عند انفكاكه عن الآخر.

ثمّ ان تحركا لم يجب الادغام ولم يتأكد وان سكن الأوّل وجب ان كان ذلك الساكن نونا في حروف يرملون ، أو لام التعريف فيما سيأتي ـ انشاء الله تعالى ـ ، ويتأكد في غير ذلك سيما إذا إشتدّ التقارب.

[امتناع إدغام المتقاربين] :

(ولا يدغم منهما (١) في كلمة) واحدة(ما يؤدي إلى لبس بتركيب آخر) سواء كانت فعلا(نحو : وتد) الوتد ـ أي ضربه ـ ، (ووطد) الوتد ـ أثبته وأحكمه ـ ، أم اسما(و) ذلك نحو : (شاة زنماء) ـ أي قطع من اذنها شيء وأبقى معلقا ـ ويقال لذلك المعلق الزنمة ، وانّما يفعل هذا بالكرائم ، فالتاء والطاء قريبتان من الدال والنون من الميم لكن القلب والادغام في الأوّلين بأن يقال : ودّ ـ بتشديد الدال ـ يؤدي إلى اللبس بما أصله دالان ، وكذلك الثالث يلتبس عند الادغام بأن يقال : زمّاء ـ بتشديد الميم ـ بما عينه ولامه ميمان.

(ومن ثمّ) أي ومن أجل عدم ادغام ما يؤدي إلى اللبس (لم يقولوا) : في مصدر الفعلين المذكورين (وطدا ، ولا وتدا) على زنة الوعد في : مصدر وعد ، (لما يلزم

__________________

(١) أي من المتقاربين ، وفي بعض نسخ المتن : منها.

٥٠٠