شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

لأن تركيب الجأن ـ بالهمزة مهمل بل ظاهر كلام الجوهري انّها واوية ، والهمزة فيها إذا همزت مبدلة عن الواو حيث قال : بعد تفسيرها وربّما همزوا ، وابدالها منها وجوبا على الأشهر في نحو : حمراء في المثنى والجمع الصحيح بالألف والتاء ، والنسبة كحمراوان وحمراوات.

[إبدال الميم] :

(والميم) تبدل (من الواو) ، لكونها شفوية مثلها(و) من (اللّام ، والنون) للتشارك في الجهر والتوسط بين الشدّة والرخاوة ، (و) من (الباء فمن الواو) ابدال (لازم في : فم وحده) دون غيره ، وذلك إذا لم يكن مضافا ، وأصله : فوه بدليل أفواه في الجمع وتفوهت ، فحذفت الهاء كراهة اجتماع الهائين في نحو : فوهه بالاضافة إلى الضمير مع سهولة الخطب في حذفها لخفائها وكونها كالمعدوم ثمّ ابدلت الواو ميما عند التجرّد عن الاضافة لئلّا يبقى المعرب على حرف واحد عند سقوطها وجرا كقاض.

والأصل في مثناه : فمان ، وامّا فموان بالجمع بين الميم والواو مع كونها عوضا عنها فكأنه مخالف للقياس مبني على توهم انّ الميم من نفس الكلمة وانّ الأصل : فمو كأخو وأبو في أخ وأب لكن تمسك به الأخفش في كون الميم مبدلة عن الهاء بعد قلبها من مكانها إلى موضع الواو فحصل فهو ، ثمّ ابدلت الميم عنها فحصل فمو ، وإذا أضيف عادت الواو بنفسها ـ رفعا ـ مع القلب ألفا ـ نصبا ـ ، وياء ـ جرا ـ كما تعاد في اخواتها من الأسماء الستّة عند الاضافة فيقال : فوزيد ، وفوك ، وفاك ، وفيك مثلا ، وربّما جاء بالميم عند الاضافة أيضا من غير اختصاص بالشعر كما زعمه بعضهم ، ومنه الحديث : «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (١).

__________________

(١) وهو جزء من حديث أخرجه الترمذي وأبو نعيم ، وهو أيضا جزء من حديث طويل رواه البخاري في كتاب الصوم (باب وجوب الصوم) ٤ / ٨٨ ، ٩٤ ، ومسلم في كتاب الصيام (باب فضل الصيام) (١١٥١).

٤٦١

(و) ابدال الميم (ضعيف : في لام التعريف) وهي لغة(طائية) ، وقيل : حميرية ، وقيل : هي لغة أهل اليمن ، ويحتمل ورودها في لغة هؤلاء جميعا ، وعليها ورد : ليس من أمبر أمصيام من أمسفر.

(و) ابدال الميم (من النون لازم) في كل نون ساكنة بعدها الباء الموحدة سواء كانتا(في) كلمة واحدة(نحو : عنبر ، وشنبآء) كحمراء مؤنث اشنب من الشنب وهو حدة الأسنان أو بردها وعذوبتها ، أم في كلمتين نحو : من بعد ، سميع بصير ، لعسر النطق بالنون الساكنة مع الموحدة.

(و) ابدالها من النون (ضعيف : في البنام) في قول رؤبة بن العجاج :

يا هال ذات المنطق التّمتام

وكفّك المخضّب البنام (١)

وهال : مرخم هالة اسم امرأة منقول من هالة القمر ، والتمتام : هو الّذي يكرر التاء ، والبنام : أصله البنان وهي أطراف الأصابع.

(و) في (طامة الله على الخير) أي خلقه وجبله عليه ، والأصل : طانه ـ بالنون ـ يقال : طين فلان على كذا أي خلق عليه ـ ، وكأنه من الطينة ، (و) جاء عكس ذلك الّذي ذكر من ابدال الميم من النون من الموحدة في قولهم : أسود قاتن أي قاتم ـ حيث ابدل النون من الميم.

(و) كذلك الابدال الواقع في الميم من الموحدة ضعيف (في بنات مخر) بالميم المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة والراء المهملة ـ فانّ الأصل : بخر ـ بالموحدة ـ ، وبنات بخر : سحائب رقاق بيض يأتين بالصيف كأنها تتولد من البخار.

(و) ابدالها منها أيضا ضعيف في قولهم : (ما زلت راتما) على كذا ـ أي مقيما عليه ـ من رتب الشيء رتوبا ـ إذا ثبت ـ ، وكون الميم فيه وفي بنات مخر أصليّة

__________________

(١) البيت قائله معلوم ، وأصل الهالة : الدائرة الّتي حول القمر. والتمتام : الّذي فيه تمتة أي تردّد في الكلام ، والشاهد : في قوله «البنام» حيث قلب النون ميما وأصله البنان.

٤٦٢

مبدلة محتمل عند ابن جنى لاحتمال كون المخر بمعنى الشق.

والراتم : من الراتيمة وهي خيط تشد على الأصبع لتذكر به الحاجة ، فلعل المعنى : ما زلت جاعلا للرتيمة على اصبعي على كذا لئلّا أنساه.

(و) كذا هو ضعيف في قولهم : رأيت كذا(من كثم) محركة بالكاف والمثلثة والميم ، والأصل : من كثب بالموحدة ـ أي من قرب ـ.

[إبدال النون] :

(النون) تبدل (من الواو واللّام) وابدالها من الواو (شاذ) مخالف للقياس غير مطرد لكنه مسموع من الفصحاء ، في : صنعاني ، وبهراني في النسبة إلى صنعاء اليمن ، وبهراء أبي قبيلة ، ولما كان ابدال النون الّتي مخرجها الفم من الهمزة الّتي مخرجها أقصى الحلق بعيدا مع أن قياس النسبة قلب همزة التأنيث واوا كما مرّ حكموا بانقلاب الهمزة واوا حتّى حصل : صنعاويّ وبهراويّ ، ثمّ اعتبر قلب الواو نونا.

(و) ابدالها من اللّام (ضعيف) لعدم وقوعه في كلام الفصحاء ، وربّما وقع في كلام بعض العرب (في لعنّ) بتشديد النون في لعل باللّام للترجي ، وهذا من ابدال الحرف ، ومن استبعده قال : هما لغتان من غير ابدال وان كانت لغة النون قليلة.

[إبدال التاء] :

(والتاء) تبدل (من الواو والياء ، والسين ، والباء) الموحدة ، (والصاد) المهملة ، (فمن الواو والياء لازم في) كل واو أو ياء كانت فاء «افتعل» (نحو : إتّعد ، واتّسر) ، وأصلهما : أو تعد بالواو ، وايتسر ـ بالياء ـ ولزوم هذا الابدال انّما هو (على الأفصح).

وجاء في : غير الأفصح في الماضي ايتعد ، وايتسر كلّاهما بالياء قبل التاء ، وفي المضارع : ياتعد ، وياتسر كما مرّ.

(وشاذ في نحو : وأتلجه) كأكرمه ، والأصل : أولجه من الولوج ، قال :

٤٦٣

ربّ رام من بني ثعل

متلج كفّيه في فتره (١)

 ـ أي مولج كفيه في فتر ، وهو بالفاء والفوقانية والمهملة ما بين طرف السبابة والابهام عند فتحهما ـ ، ومن إبدالها من الواو ما وقع في تراث ، وتجاه ، وتولج ، من الولوج ـ لكناس الوحش الّذي يلج فيه ويأوى فيه ، قال سيبويه : أصله : وولج بواوين على «فوعل» لندرة «تفعل» في الأسماء وكثرة «فوعل» ، وتترى ، والتكلان ، وقولهم : ضربه حتّى أتكائه من مهموز اللّام ـ أي اوكأه ، أي ألقاه على هيئة المتكلئ ، أو على جانبه الأيسر ـ ، وفي كلتا عند من تقول : انّها «فعلى» ولامه الواو.

(و) ابدال التاء من السين على وجه الاطراد في السعة وغيرها كائن (في طست وحده) في لغة طيّ ، فان أصله الطسّ ـ بتشديد السين ـ لاطراد جمعه على طسوس ، وطساس ، وتصغيره على طسيس ، وقد يجمع الطست على طسوت ، تنزيلا للتاء منزلة الأصلي ، ولم يحكم أحد فيه بأنّ السين مبدلة عن التاء ، لعدم ثبوت كونها من حروف الابدال ، بخلاف التاء ، ولا يقدح في دعوى ابدالها من السين في طست وحده قوله :

يا قاتل الله بني السّعلاة

عمرو بن مسعود شرار النّات (٢)

 ـ أي شرار الناس ـ لأنه نادر للضرور.

وامّا ما قيل : في الجبت ـ وهو اسم صنم ـ في الأصل ، فاستعمل لكل ما عبد من دون الله ، ان أصله : الجبس ـ هو الّذي لا خير فيه ـ فابدلت سينه تاء فكأنه غير

__________________

(١) البيت لامرئ القيس الكندي. وثعل : أبو قبيلة من طيّ. ومتلج : اسم فاعل من أولج أي أدخل والشاهد في قوله : متلج حيث أبدل التاء من الواو كما قلنا.

(٢) هذا البيت لعلباء بن أرقم اليشكري يهجو فيها بني عمرو بن مسعود. ويقال لهم : بنو السعلاة ، وقوله : «يا قاتل الله» المنادي فيه محذوف والجملة دعائية ، وقوله : عمرو بن يربوع بدل من بني السعلاة أو بيان لهم.

وفي رواية : عمرو بن يربوع بدل قوله : عمرو بن مسعود ، والشاهد فيه : «النات» حيث أبدل السين تاء.

٤٦٤

مرضيّ عند المصنف ، وامّا ستّ : في سدس فابدالها تاء انّما هو للادغام ، فليس ممّا نحن فيه.

(و) ابدال التاء(في الذّعالت) ـ بالذال المعجمة والعين المهملة من الموحدة ـ ، (و) في : (لصت) في لغة طيّ من الصاد المهملة(ضعيف) ، وأصل الأوّل : ذعالب بالموحدة مخفف ذعاليب ـ بالمدّة قبلها ـ لأن واحدها ذعلوب ـ وهو القطعة الخلقة من الخرقة ـ ، وقال أبو عمرو : ـ طرف البنان ـ ، وأصل الثاني : اللصّ ـ بالصاد المشدّدة ـ للسارق ، لجمعه على لصوص ، وفي بعض الشروح : انّ اللص يقال : بالحركات الثلاث في اللّام ، والكسر أفصح ، واللصة بفتح اللّام ، وقد جاء في جمعه : لصوت أيضا كما قلنا في طسوت.

[إبدال الهاء] :

(والهاء) تبدل (من الهمزة ، والألف ، والتاء ، والياء ، فمن الهمزة مسموع في نحو : هرقت) في أرقت ، (وهرحت) الغنم في ارحتها ـ أي رددتها إلى المراح ـ وهو بضمّ الميم ـ ماواها باللّيل ، وحكى اللحياني : هردت أهريده كهرفت أهريق في اردت.

(و) في (هيّاك) ـ بكسر الهاء وتشديد الياء ـ في ايّاك من المضمرات كما قال :

فهيّاك والأمر الّذي إن توسّعت

مواردها ضاقت عليك المصادر (١)

وهو في البيت منصوب على التحذير.

(و) في (لهنّك) أي لأنك ـ بقلب الهمزة من انّ المكسورة المشدّدة هاء ، كما قال:

__________________

(١) البيت منسوب إلى طفيل الغنوي. والموارد : جمع مورد وهو المدخل ، والمصادر : قد يكون بمعنى الصدور ، وقد يكون لموضع الرجوع. أي احذر الأمر الّذي ان توسعت عليك طرق الورود عليها والدخول فيها ضاقت عليك طرق الرجوع عنها وعجزت عن تدبير التخلص عنها إن صعبت عليك.

٤٦٥

لهنّك سمح ذا يسار ومعدما

كما قد ألفت الحلم مرضى ومغضبا (١)

(وهن فعلت) في : ان فعلت (في) لغة(طيّ) ، فانّهم يقلبون همزة «إن» الشرطية هاء.

(و) في (هذا الّذي ـ في : أذا الّذي) بقلب همزة الاستفهام هاء ، كما قال :

وأتى صواحبها فقلن هذا الّذي

سمح المودّة غيرنا وجفانا (٢)

يعني : وأتى المحب صواحب المحبوبة فقلن إذا الّذي أعطى مودته غيرنا ، وحكى قطرب : هزيد منطلق ـ أي أزيد ـ.

ولما كانت الهمزة مستثقلة شديدة قلبوها في هذه المذكورات هاء ، لقرب المخرج مع كونها مهموسة خفيفة فهي اليق بأن يفتتح بها اللفظ ، حيث يكره الافتتاح بالمستثقل الشديد.

(و) ابدال (من الألف شاذ : في أنه ، وحيّهله) بمعنى : أسرع ، فانّ الألف تزاد فيهما أكثر استعملا من الهاء حكموا بأنها مبدلة عن الألف على قاعدتهم في جعل الأوّل مبدلا عن الأكثر ، وزعم بعضهم : انّ الهاء فيهما للسكت وقفا فلا ابدال كما في : قه ، وره.

(وفي : مه) حالكونه أي لفظ ما(مستفهما) كأنه جعله مستفهما ـ بالكسر ـ كما هو الظاهر مجازا من قبيل الاسناد إلى الآلة ، أو حالكون اللافظ مستفهما ، واحترز به عمّا لم يكن استفهامية فانّ الابدال مختص بالاستفهامية كقوله :

__________________

(١) البيت لم يتيسر لي الوقوف على قائله. اللّام : للتأكيد. وهنّك : أي انّك ـ ، وسمح : خبران ، أي ذو سماحة وجود. ومعدما : أي فقيرا. يعني : انّك جواد في حالتي الغنى والفقر ولك الألفة بالجود في الحالتين كألفتك بالحلم في حالتي الرضا والغضب.

(٢) البيت قائله مجهول. وفي بعض الكتب : «واتت صواحبها» والشارح وضح معناه.

والشاهد في قوله : «هذا الّذي» حيث أبدل الهمزة الّتي للاستفهام هاء.

٤٦٦

قد وردت من أمكنه

من ههنا ومن هنه (١)

إن لم تردها فمه

أي وردت الإبل من أمكنة مختلفة فان لم تردها إلى موضعها فما تصنع ، وقيل : يحتمل ان يكون الألف محذوفة من ما الاستفهامية وان لم تكن مجرورة ويكون الهاء للسكت ـ وقفا ـ.

وجوز بعضهم : كون «مه» زجرا للمخاطب أي اكفف فليس فيه استفهام ولا ابدال.

(و) كذلك ابدال الهاء من الألف شاذ(في) قولهم : (يا هناه) في النداء بمعنى : ياهن ، والهن : كلمة كناية معناها الشيء ، والتعبير به عن المنادي للتحقير ، ويأتي فيه التلطف كما في التصغير ، وابدال الهاء من الألف في هنا انّما هو (على رأي) اختاره جماعة من البصريين ، وقالوا : الأصل فيه هنا وـ بالواو ـ على «فعال» كما انّ الأصل في الهن : هنو على «فعل» ثمّ قلبت المتطرفة فيه بعد الألف ألفا فاجتمعت ألفان ، وكان القياس قلب الأخيرة همزة كما في كساء لكنّه يلتبس «بفعال» من التهنية من هناء ـ بالهمزة ـ فقلبت هناء ، لمناسبتها للهمزة الّتي هي القياس في المخرج ، وقال بعض البصريين : انّها قلبت همزة على القياس ثمّ قلبت الهمزة هاء لدفع الالتباس فالهاء مبدلة عن الهمزة عن الألف.

وهي على قول الفرقين مبدلة واقعة موقع أصلي هو الجزء الأخير من الكلمة ، وتمسكوا ذلك ثبوتها في الوصل ومجيء ضمّها في السعة كالضم في يا رجل فليست للسكت ، فهي امّا أصلية أو مبدلة واقعة موقع أصلي ، لأنها لا تزاد لغير السكت في الآخر.

__________________

(١) البيت قائله مجهول. ومعناه واضح. والشاهد في : «مه» ويصلح لأن يكون شاهدا «لهنه» أيضا حيث أبدل الألف هاء للوقف وأصله : هنا.

٤٦٧

وقولهم : في الجمع يا هنوات يدل على ان أصلها الواو ، فهي مبدلة ، وزعم الكوفيون والأخفش وأبو زيد : ان الأصل : ياهن فزيدت الألف والهاء كما في يا زيداه ، والهاء للسكت.

وامّا الاثبات وصلا والضم فلتشبيهها لوقوعها في الآخر بالحرف الأخير الّذي يجري عليه الاعراب من الكلمة ، وقيل : لتشبيهها بهاء الضمير.

وامّا ما قال بعضهم : من انّه «فعال» بهائين أصليتين هما الفاء واللّام ضعيف ، لقلّة باب : سلس ، ودلالة هنوات على خلافه.

(و) ابدال الهاء(من الياء في : هذه) للاشارة إلى المؤنث وأصله : هذى ، وجوز المصنف في شرح المفصل كونه صيغة موضوعة برأسها من غير ابدال ، (ومن التاء) الّتي للتأنيث (في باب : رحمة ـ وقفا ـ) كما مرّ في الوقف.

[إبدال اللّام] :

(واللّام) تبدل (من النون ، والضاد) المعجمة ، لكن ابدالها من النون (في اصيلال ـ قليل ـ) ، ومن الضاد(في : الطجع رديء) ، والأصيل : على «فعيل» هو الوقت بعد العصر إلى المغرب ، ومن جموعه : اصلان ـ بالنون ـ كبصير وبصران ، ورغيف ورغفان ، ثمّ قد يصغر هذا الجمع على أصيلان وهو من شواذ التصغير ، لأنه جمع كثرة فتصغيره على لفظه مخالف للقياس.

وقيل : انّه تصغير أصيل نفسه على غير القياس على ما يشعر به كلام سيبويه ، وعلى أي حال قد تبدل النون في هذا المصغر لاما كما ورد في قول النابغة :

وقفت فيها أصيلالا أسائلها

عيّت جوابا وما بالرّبع أحد (١)

__________________

(١) البيت لم يتيسّر لي الوقوف على قائله. فيها : أي في دار المحبوبة. واسائلها : من السؤال.

٤٦٨

وحكى بعضهم : ما انشدناه في ذي الزيادة أعني قوله :

 ...

مال إلى أرطاة حقف فالطجع

 ـ باللّام ـ أي واضطجع.

[إبدال الطاء] :

(والطاء) تبدل (من التاء) وابدالها منه (لازم في) : تاء الافتعال إذا كان فائه صادا نحو : (اصطبر) من الصبر ، أو ضادا نحو : اضطجع ، أو طاء نحو : اطرد ، أو ظاء نحو : إضطلح ، لكون هذه الحروف مجهورة مطبقة والتاء مهموسة لا اطباق فاختاروا ابدالها إلى الطاء الّتي تناسب التاء في المخرج وتناسب تلك الحروف في الاطباق ، كذا قال نجم الأئمّة.

(و) ابدالهاء من التاء(في : حصط) في حصت ـ بمهملتين ـ من الحوص وهو الخياطة ، وفحصط في : فحصت ونحوهما ممّا فيه التاء(شاذ) قد يقع في لغة تميم ، الوجه في شذوذه : انّ الضمير كلمة برأسها فحقها ان لا يغير ولا يؤثر فيها حرف الاطباق.

[إبدال الدال] :

(و) تبدّل (الدال من التاء) وهو (لازم في) : تاء الافتعال إذا كان فائه زاء(نحو : إزدجر) من : زجر ، أو ذالا معجمة وذلك (نحو : إدّكر) ، أو دالا مهملة نحو : إدّرأ من الدرء وهو الدفع ، لكون تلك الحروف مجهورة والتاء مهموسة فابدلت إلى الدال المجهورة المناسب لها في المخرج وتدغم فيها الدال ادغاما لازما للاتحاد والذال غالبا لقرب المخرج دون الزاي للبعد.

__________________

ـ وعيّت : من العيّ بالتشديد. وجوابا : منصوب بنزع الخافض أي عجزت عن جواب. وما بالربع أحد : أي ليس في المنزل أحد يجيب ولفظ البيت خبر ومعناه تحسر على خلوها من السكان.

٤٦٩

(و) ابدالها دالا(شاذ في) : ما إذا كانت ضميرا(نحو : فزد) في فزت من الفوز ، كما شذّ : حصط ، (و) كذلك هو شاذ في : نحو : (اجدمعوا) في اجتمعوا ، (واجدزّ) في اجتزّ من الجزّ ـ بتشديد الزاي ـ وهو القطع ، كما يروي في قول يزيد بن الطثرية :

وقلت لصاحبي لا تحبسانا

بنزع اصوله واجدزّ شيحا (١)

وانّما شذ ذلك لأنّ الجيم وان كانت مجهورة لكنّها أقرب إلى التاء من الحروف المتقدمة فيسهل النطق من غير ابدال.

(و) كذلك هو شاذ في : (دولج) في تولج ، وأصله : وولج ـ بواوين ـ فقلبت الواو تاء كما مرّ ، ثمّ التاء دالا ، كذا قال سيبويه ، ولم يجعل الدولج موضوعا برأسه من الدلج ـ للسير في اللّيل ـ مع مناسبته لسير الوحش إليه في اللّيل ليأوي فيه ، لأنّ التولج ـ بالتاء ـ أكثر فجعل الأقل منه بالابدال.

[إبدال الجيم] :

(والجيم) تبدل (من الياء المشدّدة في الوقف ، في نحو : فقيمجّ) ـ بالجيم المشدّدة ـ في : فقيميّ ـ بالياء المشدّدة ـ للنسبة إلى فقيم على ما حكاه أبو عمرو لتناسب الياء والجيم في الجهر ، لكن الجيم شديدة فإذا شددت الياء صارت قريبة منها ، والجيم أبين منها فابدلت جيما للبيان في الوقف الّذي يخفى فيه الحرف الموقوف عليه كذا قيل ، (وهو) مع ذلك (شاذ) قليل.

(و) ابدال الياء المشدّدة(في نحو) قول الشاعر :

خالي عويف (وابو علجّ)

المطعمان اللّحم بالعشجّ (٢)

__________________

(١) البيت نسبه الشارح إلى هذا الشاعر الّذي في الفوق. والمعنى : لا تؤخرنا عن شيّ اللحم بتشاغلك بنزع اصول الحطب بل اكتف بقطع ما فوق وجه الأرض منه.

(٢) البيت لم يتيسر لي الوقوف على قائله ، وعويف وأبو علي اسمان لخال الشاعر. ومعناه : خالي هذان الرجلان الكريمان اللّذان يطعمان اللحم بالعشي.

٤٧٠

ـ أي أبو عليّ ، بالعشي ، (أشذ) من ذلك ، لأنه ابدال في الوصل ، بدليل انّ الوزن لا يتم إلّا باظهار الحركة واشباعها فلا خفاء فيها كما في الوقف حتّى يناسبه الابدال للبيان ، وهذا على شذوذه مبنى على اجراء الوصل مجرى الوقف كما قال بعضهم ، وهذه العبارة ليست في كثير من نسخ المتن.

(و) ابدال الجيم (من) الياء(غير المشدّدة في نحو) قول رجل من أهل اليمن على ما قال المفضل :

لا همّ إن كنت قبلت حجّتج

فلا يزال شاحج يأتيك بج

أقمر نهّات ينزّي وفرتج (١)

حيث أبدل الياء المخففة الّتي هي ضمير المتكلم جيما من : حجتي ، ولي ، ووفرتي ، (أشذّ) من ابدالها من المشدّدة ، لبعد مناسبة المخففة للجيم لعدم الشدّة.

ولاهمّ : بمعنى اللهم ، وانشد ابن مالك بدله : يا ربّ ، والشاحج : من شحج البغل ـ بالمعجمة فالمهملة فالجيم ـ أي صوّت ، والأقمر : الأبيض ، والنهات : النهاق ، وينزى :بالنون والمعجمة من باب التفضيل ـ أي يحرك ـ ، والوفرة : الشعر إلى شحمة الاذن.

(و) ابدال المخففة جيما(في نحو قوله) :

حتّى إذا ما أمسجت وأمسجا

 ... (٢)

أي امست وامسى ـ (أشذ) من نحو حجتج ، لأن هذا الابدال في الوصل ومع

__________________

(١) البيت نسبه الشارح لبعض أهل اليمن. وفي بعض النسخ : لج بدل قوله : بج ، والشارح شرح مفرداته. والشاهد فيه : في ثلاثة مواضع : حجتج ، بج أولج ، وفرتج ، حيث أبدل الجيم من الياء.

(٢) هذا شطر بيت لم أعثر على قائله ، ولا على سابق أو لاحق. والشاهد فيه : «امسجت وامسجا» حيث أبدل الياء المخففة جيما في غير الوقف ، والياء محذوفة وهذا ما جعله أشذ من غيره وهناك سبب آخر ذكره الشارح وفي بعض نسخ المتن : (ومن الياء المفتوحة في نحو قوله) إلخ.

٤٧١

ذلك فالياء فيه ليست ملفوظة لأنها قد زالت بالاعلال فكأنها قدرت ، وابدلت جيما وتولدت الألف في امسجا من اشباع الفتحة ، ومنهم من يجعل الابدال فيه عن الألف ، والمسوغ لابدالها عن الألف كونها مبدلة عن الياء ، ومن ابدال الياء جيما عجعجة قضاعة وذلك انّهم يبدلونها مخففة كانت أو مشدّدة جيما إذا كانت مع العين كما يقولون : راعج إبلي معج يعنو : راعي ابلي معي ، ومن ذلك : أبو علج ، وبالشج على ما ذكره بعض النحاة ، فلا يشترط اتصال الياء بالعين.

[إبدال الصاد] :

(والصاد) تبدل (من السين الّتي بعدها غين) معجمة ، (أو قاف ، أو خاء) معجمة ، (أو طاء) ابدالا قياسيا ولكن لا وجوبا بل (جوازا) سواء اتصلت السين بأحدهما أو انفصلت بحرف أو حرفين ، أو ثلاثة ، لأنّ السين مهموسة منخفضة وهذه مجهورة مستعلية فكرهوا الانتقال من المنخفض إلى المستعلى المباين له في صفة الجهر أيضا ، فجوزوا قلبها صادا لمناسبتها لها في الهمس ولهذه الحروف في الاستعلاء فيتجانس الحروف في الصوت (نحو : أصبغ) الله عليه النعمة في أسبغها بمعنى : كملّها ، (وصلخ) الشاة في سلخها ـ أي كشط جلدها ـ ، وصلخ الشهر في : سلخه ، (و) فلان ذاق (مسّ صقر) في سقر ، (وصراط) في سراط ، ونحو : مصاليق في : مساليق جمع مسلاق ـ للخطيب البليغ ـ.

وامّا إذا تقدمت تلك الحروف على السين نحو : دراهم بخس ، والقسر ، فلا يجوز الابدال ، لأنه من قبيل الانحدار من المرتفع فيسهل جريان النطق كما مرّ في الامالة.

[إبدال الزاي] :

(والزاي) تبدل ابدالا جائزا فصيحا(من السين ، والصاد) المهملتين ، (الواقعتين قبل الدال) المهملة على وجه الاتصال حالكونهما(ساكنتين) ، لكراهة الانتقال من هاتين المهموستين المشتملتين على الصفير إلى الدال المجهورة الخالية عنه فقلبوهما

٤٧٢

زايا لمناسبتهالهما في الصفير وللدال في الجهر ، (نحو : يزدل) فلان ثوبه كيكرم في : يسدل ، واسداله إرخائه (و) نحو : (هكذا فزدي أنه) أي فصدي ، وهذا كلام قاله حاتم الطائي ، وذلك ان قوما أسروه فأمرته نسوتهم بفصد الناقة فنحرها فقلن له : هلّا فصدتها فقال : هكذا فزدي أنه ، وأنه تأكيد للياء في فزدي ، والهاء للسكت ، يرد انّه لا يعتنى ببقاء الناقة ليكتفي بفصدها ويقنع بدمها بل اعتاد نحرها.

والسكون العارض كالأصلي نحو : المثل السائر : يحرم من فزدله ـ أي فصدله ـ باسكان العين من الفعل المجهول تخفيفا.

(وقد ضورع بالصاد) الساكنة قبل الدال كيصدق ، ويصدر(الزاي) والمعنى : ينطق بها على وجه يضارع الزاي أي يشابهها باشرابها شيئا من صوتها حتّى يحصل ما هو بين الصاد والزاي ، للجمع بين مجانسة الدال بوجه ما والمحافظة على اطباق الصاد.

وهذه المضارعة يقال لها الاشمام في عرف القراء وهي فصيحة وردت في كلام فصيح ، (دونها) قيل : أي دون الزاي فانّها لم يضارع بها الصاد ، والمختار عند محققي الشارحين الموافق لما يظهر من شرح المفصل انّ المعنى : دون السين قبل الدال ، كيسدل فانّه لم يضارعوا بها الزاي بل أبدلت زايا صريحة لاتحاد مخرجهما وتشاركهما في الصفير فيشكل اشرابها صوتها من غير ان ينزلق اللسان إلى الابدال الصريح مع انّها لا اطباق فيها حتّى يحافظ عليه.

(وضورع بها) أي بالصاد قبل الدال حالكونها(متحركة أيضا) كما ضورع بها ساكنة ، (نحو : صدق ، وصدر) فيشرب في مثلهما مع تحركهما صوت الزاي ، لمجانسة الدال حملا على الساكنة ، ولم يبدلوا المتحركة ابدالا صريحا لقوتها بالنسبة إلى الساكنة وكون الحركة كالفاصل بين المتنافيين فكرهوا ابدالها وازالة صورتها بالكلية ، بخلاف المضارعة ، لبقاء الأثر معها في الجملة.

ولم يجوزوا المضارعة مع الفصل بالحرف لقوّة الفاصل إلّا فيما سمعت هي فيه

٤٧٣

كلفظ الصاد ، كأنهم حملوا نحو ذلك على صراط ، حيث جاء باشمام الصاد صوت الزاي ، وبه قرأ حمزة ، وانّما حمل عليه لمناسبة الطاء للدال.

(والبيان) هو اظهار الحرف للاتيان بنفسه صريحا(أكثر) بالاستقراء(فيهما) أي في السين والصاد من الابدال والمضارعة ، وفي بعض النسخ : «منهما» بمن فالضمير للابدال والمضارعة.

(ونحو : مسّ زقر) في سقر بابدال السين قبل القاف ، ـ لهمس السين وجهر القاف ـ زايا معجمة لمناسبتهما للسين في المخرج والصفير ، وللقاف في الجهر ، لغة(كلبية) منسوب إلى بني كلب.

(و) قولهم : فلان (أجدر) كذا من غيره ـ أي أحق به ـ (و) خطيب (أشدق) ـ أي بليغ ـ (بالمضارعة) بأن يشرب الجيم قبل الدال صوت الشين المعجمة والشين المعجمة قبل الدال صوت الجيم (قليل) رديء لم يأت في كلام فصيح ، لعسر النطق به كذا في شرح المفصل.

وقد يفسّر المضارعة في المتن ههنا : باشراب كل من الجيم والشين المذكورتين صوت الزاي حملا للشين على الصاد للتناسب في الهمس والرخاوة ، وحملا للجيم على الشين للاتحاد في المخرج كأنه أراد انّه قليل بالنسبة إلى البيان وإلى المضارعة في الصاد وان كان في الشين الساكنة قبل الدال كثيرا في نفسه على ما ذكره سيبويه.

فهذه هي الابدالات الواقعة في لغة العرب قبل المخالطة بالعجمة ، ووقع بعدها ابدالات مستقبحة خارجة عن قانون اللّغة كما مستمع منهم في هذا الزمان (١).

***

__________________

(١) هكذا في نسخ الّتي بأيدينا ولكن الظاهر : كما استمع منهم الخ.

٤٧٤

أحكام الإدغام

(الادغام) لغة : إدخال الشيء في الشيء ، ومنه أدغمت اللّجام في فم الفرس.

واصطلاحا : (ان تأتي بحرفين ساكن فمتحرك) بالاصالة وان عرضه السكون كما في الوقف ، (من مخرج واحد من غير فصل) بينهما في النطق ، فاعتبار الحرفين واتحاد المخرج لأنه لا يتصور في أقل منهما ولا في الأكثر ، ولا مع اختلاف المخرج كما هو ظاهر.

والفاء من قوله : فمتحرك دلّت على اعتبار كون المتحرك عقيب الساكن عقيب من غير وقوع حرف بينهما حتّى التنوين ، فيخرج به : على ظللت ، ومددت ممّا وقع فيه الساكن عقيب المتحرك ، ونحو : زلزل ـ بالزاي بين اللّام الساكنة والمتحرك ـ ونحو : واسع عليهم ـ بالتنوين ـ بين المثلين فانّه لا ادغام في شيء من هذه.

ثمّ التعقيب المفهوم منها يشمل ما يكون مع النطق بالحرفين على التفصيل ، والفك بأن لا يكون النطق بهما دفعة وان تعاقبا بلا مهلة وما يكون مع ادراج أحد في الآخر بحيث يصير كالمستهلك وتعرّض لها جهة وحدة لأجلها يرتفع اللسان بهما دفعة لكن على وجه ينحلان إلى ساكن فمتحرك بعده عند الامعان ، فاخرج الأوّل من غير فصل ـ أي من غير فك في النطق كالفك في رئيا إذا قلبت همزته ياء للتخفيف كما يأتي ، فتعين في الادغام التعقيب على وجه يكون النطق دفعيا لأنّ الداعي إليه ما يلزم في النطق بالمتحدين تفصيل من الاستثقال الظاهر اللّازم من تحريك اللسان عن موضع هو مخرجهما ثمّ ردّه إليه فيندفع ذلك بالادغام ، ليكون بمنزلة حركة واحدة في اللسان.

والكوفيون : يخففون الدال منه على انّه مصدر أدغم كأكرم ، والبصريون :

٤٧٥

يشددونها على انّه مصدر باب الافتعال فقلبت تاء الافتعال دالا.

(ويكون الادغام في : المثلين والمتقاربين) في المخرج بعد جعلهما مثلين ، كما سيجيء ـ إنشاء الله تعالى.

[١ ـ إدغام المثلين] :

(المثلان) أي ادغامهما على ثلاثة أقسام : واجب ، وجائز ، وممتنع ، وتفصيل ذلك انّه (واجب عند سكون الأوّل) ، سواء كانا في كلمة واحدة نحو : المدّ مصدر ـ مدّ ـ ، أو في كلمتين نحو : لم يذهب تكبر (١) واسمع علما ، (إلّا في الهمزتين) فانّه يمتنع ادغامهما وان سكنت الاولى ، سواء كانتا في كلمة واحدة كما إذا بنى من : قرأ مثل : سبطر فيقال : قرأي بقلب الثانية ياء على قياس تخفيف الهمزة ، أم في كلمتين نحو : اقرأ آية ، وليقرأ أبوك ، فانّه يجري على قياس تخفيف الهمزة عند الأكثر ، كيونس والخليل ، وعلى التحقيق واظهار الهمزتين عند أبي إسحاق وجماعة ، وقال سيبويه : هي لغة رديئة ، وقال : فيجب الادغام على قول هؤلاء مع سكون الأوّل ، ويجوز ذلك إذا تحركتا نحو : قرأ أبوك ، والمختار تخفيف الهمزة على القياس فيه ، وعدم الادغام لثقل الهمزتين ولو مع الادغام (إلّا في) صورة كونها عين الكلمة وحصول المثلين بتضعيف العين ، فانّ الادغام واجب حينئذ سواء وقعت بعدهما ألف (نحو : سآل) على «فعّال» بتضعيف العين ـ (ودآث) بتلك الزنة من : دأث الطعام ـ بالدال المهملة والهمزة والمثلثة ، أكله ، ويقال : انّه اسم لواد أيضا ، لكن الصنعاني أورد اسم الوادي بتخفيف الهمزة ، أم لا نحو : بؤّس على «فعّل» بضمّ الفاء وتشديد العين ـ جمع بائس ـ للفقير ـ كركّع جمع راكع ، وذلك لأنه يتحمل في الحشو ما لا يتحمل في الطرف ، كذا قيل.

(وإلّا في : الألف) إذا تكررت ، فانّه يمتنع فيها الادغام ، (لتعذره) فيها كما هو

__________________

(١) هكذا في النسخ ولكن الظاهر : لم يذهب بكر وهو الصواب.

٤٧٦

ظاهر نحو : صحراء فان أصله القصر وزيدت ألف اخرى للمد توسعا فاجتمعت ألفان فقلبت الثانية همزة لتعذر الادغام ، وكذلك نحو : كساء بعد قلب اللّام ألفا كما مرّ ، واعتبار التحرك في ثاني الحرفين في تعريف الادغام مغن عن هذا الاستثناء كما قيل ، لتعذر الحركة في الألف ، فيكفي ان يقال : انّه واجب إلّا في الهمزتين.

(وإلّا في : نحو : قوول) مجهول قاول مقاولة ، فانّ الادغام فيه أيضا ممتنع ، (للالباس) بالماضي المجهول من باب التفعيل الّذي وضعه على الادغام ، فانّه لو ادغم حصل : قوّل ـ بضمّ القاف وكسر الواو المشدّدة ـ فيقع الالتباس ، (و) إلّا(في نحو : تووي) مضارع قولك : آويته بالمكان ـ بالمدّ في أوله ـ كأكرمته ـ إذا أنزلته ، وقوله تعالى : (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ) قرية (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً)(١) وهو المنظر الحسن ، وقيل : ما رئته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة ، فان نحوهما من الألفاظ الّتي يؤدي تخفيف همزتها بالقلب المقيس في تخفيفها إلى اجتماع المثلين مع كون الأوّل مستثنى من قاعدة ادغام المثلين المذكورين محكوم عليه بامتناع الادغام فيه (على) القول (المختار) لعدم الاعتداد باجتماعهما لعروضه (إذا خفف) على الوجه المذكور ، مثل ان تقلب الهمزة واوا في : يؤي فيجتمع واوان وتقلب ياء في : رئيا فيجتمع ياآن.

وربّما اعتدّ بعضهم بالاجتماع العارض فجوزوا الادغام ، وقرأ به قوله تعالى ريا ، وقد يوجه بجعل الأصل في هذه القراءة : رويا من رويت ألوانهم وجلودهم ـ بالواو ـ إذا امتلأت وحسنت ، وقلبت ياء وادغمت فليس ممّا نحن فيه.

(و) إلّا(في) ما إذا كان المثلان في كلمتين وأولهما الساكن في الكلمة الاولى مدّة ، فانّ الادغام فيه ممنوع للمحافظة على تلك المدّة عهد وجودها قبل الاجتماع من الكلمة الاخرى ، (نحو :) الواو من : قالوا من قوله تعالى : (قالُوا وَما) (لَنا أَلَّا

__________________

(١) الآية : ٧٤ مريم.

٤٧٧

نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ)(١) ، (و) الياء من (في) قوله تعالى : (فِي يَوْمٍ) (كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)(٢) ، وقولك يدعو وافدو يعطى ياسر.

وامّا إذا كانت المدّة ومثلها في كلمة واحدة كمدعوّ ، ومرميّ ـ اسمي مفعول ـ فانّها تدغم حيث لم يعهد وجودها في حال حتّى يحافظ عليها بل وقف في تلك الكلمة مدغمة في أوّل الوضع ، ويستثنى أيضا من وجوب ادغام المثلين مع سكون الأوّل هاء السكت الّتي وصلت بما بعدها على نيّة الوقف نحو : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي)(٣) فان ادغامها ضعيف قياسا على ما صرح به بعضهم ، لانقطاعها عمّا بعدها بالوقف المنوي ، لكن روي عن : ورش فيها الادغام ، ولعلّه على سبيل التجويز.

فقد ظهر إلى ههنا انّ الادغام مع سكون أوّل المثلين واجب إلّا فيما استثنى.

(و) كذلك هو واجب (عند تحركهما) كائنين (في) آخر(كلمة واحدة) ، حيث يكون حالهما الحركة بالنظر إلى نفس تلك الكلمة من غير مدخلية كلمة اخرى ، (و) الحال انّه (لا إلحاق) للكلمة الّتي وقعا فيها بكلمة اخرى ، (ولا لبس) عند الادغام ببناء آخر وذلك (نحو : ردّ يردّ) فان أصلهما : ردد ، يردد كنصر ينصر ، فسكنت الدال الاولى وادغمت ، بخلاف ما إذا كانا في كلمتين نحو : جاء أبوك ، وذهب بكر ، فانّه لا ادغام حينئذ لكونهما مع الحركة في كلمتين في حكم المفصول أحدهما عن الآخر.

وامّا مع سكون الأوّل فيلتصق بالثاني لعدم الفاصل حتّى الحركة ، وبخلاف ما عرضت فيه حركة بمدخلية كلمة اخرى اتصلت بها نحو : اكفف الشر ، فانّه لا اعتداد بها لعروضها كما لا يعتد بسكون الوقف ، وبخلاف الملحق نحو : قردد ، وبخلاف ما

__________________

(١) الآية : ٢٤٦ البقرة.

(٢) الآية : ٤ المعارج.

(٣) الآية : ٢٨ ـ ٢٧ الحاقّة.

٤٧٨

فيه اللبس نحو : سرر ، كما سيأتي انشاء الله تعالى.

ويجب الادغام مع الشرائط المذكورة(إلّا فيما) عينه ولامه كلّاهما حرف علّة من «فعل» بالكسر ـ (نحو : حيي) (فانّه) فيه (جائز) وليس بواجب على ما مرّ في الاعلال.

(وإلّا في) : ما أحد المثلين فيه تاء الافتعال والآخر عين الكلمة(نحو : إقتتل) واستتر ، فانّه فيه أيضا جائز بعد نقل حركة تاء الافتعال إلى ما قبلها ، (و) إلّا في : أحدهما فيه تاء المضارعة والآخر تاء «التفعل ، والتفاعل» نحو : (تتنزّل ، وتتباعد) فانّه فيه أيضا جائز في الجملة ، وذلك عند الوصل بكلمة متقدمة ، (وسيأتي) بيان حكم نحو : اقتتل ، وتتنزل ، وتتباعد ، في آخر الباب ـ انشاء الله تعالى.

ولبعده من هذا المقام تعرض لاستثنائها بخلاف نحو : اردد القوم ، فان حكمه يظهر عن قريب ممّا يشير في نحو : ردّ ولم تردّ ، ولذلك لم يتعرض لاستثنائه.

ثمّ انّه يظهر لك عند ذكر ما استثناه ههنا في آخر الباب انّ الادغام فيها لا يوجب الالتباس ببناء آخر فلا يرد أنّ عدم وجوب الادغام للالباس.

فقوله : ولا لبس يغنى عن استثنائها.

ولم يتعرض لاستثناء ما يتصل فيه أوّل المثلين المتحركين بمدغمة لقلّة مثله ، وذلك نحو : جسّس ـ بضمّ الجيم ـ جاسّ ـ بالتشديد ـ كركّع وراكع ، ويمتنع فيه ادغام أوّل المتحركين في ما بعده لتأدية اسكانه بعد المدغم الساكن إلى التقاء الساكنين.

وقد يفك الادغام الواجب في المتحركين للضرورة ، نحو قول أبي النجم :

ألحمد لله العليّ الأجلل

ألواسع الفضل الوهوب المجزل (١)

__________________

(١) البيت قائله معلوم. ومعنى مفرداته واضح. والشاهد فيه : في قوله : «الأجلل» حيث فكك الادغام للضرورة.

٤٧٩

وقول الآخر :

مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي

أنّي أجود لأقوام وإن ضننوا (١)

وقد جاء ما هو مفكوك الادغام في الوضع نحو : قطط شعره ـ إذا إشتدت جعودته ـ وضبب المكان على «فعل» ـ بضمّ العين ـ إذا كثر فيه الضب وهو الحيوان المعروف ، ومثل هذا كالقود ونحوه في باب الاعلال.

ثمّ انّه لا شك في لزوم اسكان المتحركين المتماثلين للادغام (وتنقل حركته) عند اسكانه إلى ما قبله (ان كان قبله ساكن غير لين نحو : يردّ) وأصله : يردد كما مرّ ، وذلك لأن اسكان المثل الأوّل كالدال الاولى من المثال بالحذف بدون النقل إلى الساكن قبله يؤدي إلى التقاء الساكنين على غير حده ، وتحذف حركته من غير نقل ان كان قبله متحرك نحو : مدّ وأصله مدد كنصر لعدم تأدية الحذف إلى التقاء الساكنين ، وكذا ان كان قبله ساكن لين نحو : مادّ في اسم الفاعل ، وأصله : مادد ، لاغتفار التقاء اللين الساكن والمدغم لكونه على حده.

(وسكون الوقف) العارض لثاني المثلين المتحركين (كالحركة) لعروضه فيدغم معه من غير مبالاة بالتقاء الساكنين كما يدغم حال تحركه في الوصل فيقال : مدّ وسدّ مثلا بالادغام في الوقف والوصل.

ثمّ انّ المراد من الكلمة الواحدة الّتي اعتبر في وجوب الادغام كون المثلين المتحركين فيها ما هي (٢) كلمة واحدة حقيقة دون ما هي بمنزلتها.

(ونحو : مكّنني ويمكّنني) على صيغة ماضي التفعيل ومضارعه ، (ومناسككم ،

__________________

(١) البيت قائله قعنب بن ام صاحب ، ومهلا : مصدر يراد به الأمر. والهمزة في أعاذل للنداء ، وعاذل : مرخم عاذلة وهو في الأصل اسم فاعل من العذل وهو اللوم. وضننوا : بخلوا.

والشاهد في البيت في قوله «ضننوا» حيث فك ما يجب ادغامه وهو شاذ.

(٢) وفي نسخة : كون المثلين المتحركين ما هي كلمة واحدة الخ.

٤٨٠