شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

تقيا وبقيا ، لأنهما اسمان من : وقيت ، وبقيت ، لكن قلبت الواو في الأوّل تاء كتراث ، (بخلاف : الصفة) فلا تقلب فيها واوا(نحو : صديا) مؤنث صديان بمعنى : العطشان ، (وريّا) مؤنث ريان ـ لضدّ العطشان ـ وكأنهم أرادوا ان يفرقوا بين الاسم والصفة فقلبوا في الاسم دون الصفة لأنّ الاسم اسبق في الاعتبار وبعد إعلاله صحّت الصفة للفرق.

(وتقلب الواو ياء في «فعلى») ـ بضمّ الفاء ـ (اسما) سواء كان اسميته بالاصالة أم طارية بالجريان مجرى الأسماء في الاستعمال ، (كالدّنيا) مؤنث الأدنى ، (والعليا) مؤنث الأعلى ، وأصلهما : الدنوي والعلوي ، من دنا يدنو ، وعلى يعلو ، فانّهما صفتان صارتا كالاسم في الاستعمال كالأبطح ، والأجرع ، ولا يوصف بهما إلّا معرفتين باللّام كالدار الدّنيا ، والمنزلة العليا ، ولا يقال : دار دنيا ، ومنزلة عليا.

والصفة لا تلزم حالة واحدة بل شأنها ان تجيء نكرة تارة ومعرفة اخرى فلمّا اختصّ كونهما صفتين في الاستعمال بحال التعريف كانا كغير الصفة.

(وشذ) قياسا(نحو : القصوى) مؤنث الأقصى ، والقياس : القصيا كما نطق به بنو تميم ، لأنه صار كالاسم حيث استغنى به عن الموصوف كالصاحب ، فيقال : القصوى ويراد به الغاية القصوى لكن هذا الشاذ مطرد سماعا في لغة الحجازيين كأنهم نظروا إلى ما هو أصله من الوصفية ، (و) شذ أيضا(حزوي) ـ بالحاء المهملة المضمومة والزاي المعجمة ـ وهو اسم لموضع بالدهنا.

(بخلاف الصفة) الّتي بقيت على التمحض للوصفية(كالغزوى) تأنيث الأغزى ، فانّ الواو فيها تبقى من غير قلب ، للفرق بين الصفة والاسم كما في «فعلى» ـ بالفتح ـ وكأنهم عكسوا في المضموم ما فعلوه في المفتوح ، للفرق بين البنائين ، وآثروا المفتوح بالأقيس وهو ترجيح الاسم بالتغيير على الصفة لكونه أقدم في الاعتبار ، وهذا الّذي ذكر هو مذهب الجمهور ؛

٤٤١

وزعم ابن مالك وفاقا لبعضهم : انّ القياس في «فعلى» ـ بالضم ـ من الواوي القلب في الصفة والتصحيح في الاسم على عكس ما ذهبوا إليه.

(ولم يفرقوا) بين الاسم والصفة (في «فعلى») ـ بالفتح ـ (من الواوي نحو : دعوي) في الاسم ، (وشهوي) من الصفة ـ مؤنث شهوان ـ من الشهوة يقال : رجل شهوان للشيء وامرأة شهوى (ولا في «فعلى») بالضم ـ (من الياء نحو : الفتيا) في الاسم ، فانّه اسم لما أفتى به المفتي ـ ، والواو في الفتوى ـ بالفتح ـ منقلبة عن الياء كما في البقوى ، وربّما أشعر كلام بعضهم بأنه واوي ، فالياء في الفتيا منقلبة عن الواو كالدّنيا والعليا ، (والقصيا) تأنيث الأقصى ـ في الصفة ، لقلّة المفتوح في الواوي وقلّة المضموم في اليائي ، فلم يعتنوا فيهما بالفرق بين الاسم والصفة مع عدم الثقل المحوج إلى الاعلال.

وكذلك «فعلى» بكسر الفاء ـ من معتل اللّام يبقى على حالها في الواوي واليائي من الاسم والصفة ، لكونها في غاية القلّة وتوسط الكسرة بين الضمّة والفتحة في الثقل فكأنها في مرتبة الاعتدال قبل الواو والياء مع وجود الفصل.

[قلب الياء ألفا والهمزة ياء] :

(وتقلب الياء إذا وقعت بعد همزة) وكانت تلك الهمزة(بعد ألف في باب : مساجد) من الجمع الأقصى الّذي بعد ألفه حرفان (وليس مفردها كذلك ـ ألفا) (و) تقلب تلك (الهمزة ياء) ، لاستثقال الياء في هذا الجمع الّذي منتهى الجموع بعد الهمزة المكسورة ، ففتحت الهمزة وقلبت الياء ألفا ، ثمّ كرهوا وقوع الهمزة بين ألفين فقلبوها ياء ، والمراد بعدم كون مفرد تلك الجموع كذلك ان لا يكون الياء في مفردها بعد همزة كائنة بعد الألف ، وذلك (نحو : مطايا ، وركايا) في جمع مطيّة ، وركيّة ـ للبئر ـ ، وأصلهما : مطيوة ، وركيوة ، كصحيفة يقال : ركوت البئر ـ إذا شددتها واصلحتها ـ.

٤٤٢

(وخطايا) في جمع خطيئة ـ (على القولين) الكائنين فيه للخليل وغيره ، (وصلايا جمع المهموز) وهو صلأة ـ بالهمزة ـ (و) جمع (غيره) أي غير المهموز وهو صلاية ـ بالياء ـ ، (وشوايا جمع شاوية) ـ بالمعجمة ـ من شويت اللحم.

وأصل الأولين : مطائو ، وركائو ، على «فعائل» بالهمزة قبل الواو ـ كما في صحائف وقلبت الواو المتطرفة المكسور ما قبلها ياء فوقعت الياء بعد الهمزة الكائنة بعد ألف باب مساجد فقلبت ألفا والهمزة ياء فحصل : مطايا وركايا.

والخطايا قد مرّ في باب تخفيف الهمزة.

والأصل في شوايا : شوائي على «فواعل» مع قلب الواو الّتي هي عين الكلمة همزة كقوائم ، ثمّ اعلاله كمطايا أيضا.

والصلأة : ان كانت بالهمزة فجمعها على صلأء ـ بهمزتين ـ بعد الألف لانقلاب ألف المفرد همزة في الجمع كرسالة ورسائل فقلبت الثانية المكسور ما قبلها ياء على قياس تخفيف الهمزة فحصل : صلائي ـ بالهمزة قبل الياء ـ وان كانت بالياء فجمعها : صلائي ـ بالهمزة قبل الياء من أوّل الأمر ، والاعلال كمطايا أيضا.

(و) ما ذكر كائن (بخلاف) ما مفرده كذلك نحو : (شواء جمع شائية) وهي اسم فاعل (من شأوت) فلانا ـ بالمعجمة ـ إذا سبقته ـ ، فهي من الناقص الواوي المهموز العين فقلبت الواو فيها ياء كالغازي ، وجمعها : الشوائي على «فواعل» كالجواري ، فالياء وان وقعت بعد الهمزة بعد ألف باب مساجد لكن ترك فيه ذلك الاعلال لوقوع الياء في مفرده أيضا كذلك ، فرجح فيه المشاكلة للمفرد على الاعلال وجرى عليه في الرفع والجر حكم قاض وجوار.

(وبخلاف : شواء ، وجواء جمعي شايئة) من شاء يشاء ، (وجايئة) من جاء يجيء ، كلّاهما من الأجوف المهموز اللّام (على القولين فيهما) ، لكون أصلهما : في أوّل الأمر شوائي ، وجوائي ـ بالياء قبل الهمزة على «فواعل» فذهب الخليل إلى

٤٤٣

قلب الهمزة فيهما إلى موضع الياء ، وذهب غيره إلى قلب الياء همزة على قياس غيره من الأجوف كبوائع فاجتمعت همزتان وقلبت الثانية المكسور ما قبلها ياء ، وعلى القولين : حصل فيهما الجواءي ، والشواءي ، ـ بالهمزة قبل الياء بعد ألف باب مساجد لكن ترك اعلالهما لكون مفردهما كذلك ، فانّ الأصل في مفردهما : جايئة ، وشايئة ـ بالياء قبل الهمزة ـ فقلبت الهمزة إلى موضع الياء ـ عند الخليل ـ وقلبت الياء همزة ـ كما في بائع ـ ثمّ الهمزة الثانية ياء ـ كما في الجمع ـ عند غيره ، فصار بالهمزة قبل الياء ، ثمّ انّ الهمزة في شواء من شأوت أصليّة قطعا وفيه ان كان من شاء ، وفي جواء : أصليّة عند الخليل ، عارضة بالانقلاب عن حرف العلّة عند غيره ، ولأجل هذا التفاوت أعاد قوله : بخلاف فيهما ، ولعل التصريح بمخالفتهما لما ذكره من ضابط الاعلال على القولين تعريضا بمن اشترط في موقع كون المفرد ليس كذلك كون الهمزة عارضة في الجمع ، فانّه لا يصلح للاحتراز عن هذين على قول غير الخليل ، لأنّ الهمزة فيهما عارضة على قول غيره لانقلابها عن حرف العلّة.

وقد يقال : كأنه أراد بالعروض في الجمع انّها لم يكن في المفرد ، فيرجع إلى ما ذكره المصنف.

(وقد جاء : أداوي ، وعلاوي ، وهراوي) في جمع : اداوة ـ للمطهرة ـ ، وعلاوة ، لما يعلق على البعير بعد حمله نحو السقاء ـ وهراوة ـ للعصا ، والقياس في هذه الجموع : أدايا ، وعلايا ، وهرايا ، لأنّ أصلها : ادائو ، وعلائو ، وهرائو ـ بالهمزة المنقلبة عن الألف الزائدة في المفرد قبل الواو كرسالة ورسائل ، ثمّ قلبت الواو المتطرّفة المكسور ما قبلها ياء فحصل : الادائي ، والعلائي ، والهرائي (١) وليس مفردها كذلك ، فدخل تحت ما قياسه قلب الياء ألفا والهمزة ياء ، فعملوا بقياس الياء وخالفوا قياس الهمزة ، فقلبوها واوا(مراعاة للمفرد) ، حيث كان بالواو ، فراموا المشاكلة

__________________

(١) بهمزة ثمّ ياء.

٤٤٤

الصورية له في وقوع الواو فيه بعد الألف وان لم تكن تلك الواو هي الأصلية الّتي كانت في المفرد ، وقالوا : هداوي في جمع : هدية فقلبوا همزة الجمع واوا لوقوعها بين الألف ، كحمراوان وهو قياس عند الأخفش.

[اسكان الواو والياء] :

(و) الواو والياء(تسكنان في باب : يغزو) من مضموم العين ، (ويرمي) من مكسور العين ، حالكون البابين (مرفوعين) مجردين عن الناصب والجازم ، فيقال : هو يغزو ، ويرمي ـ بالسكون ـ لثقل الضمّة الّتي هي حركة الرفع على الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها.

وامّا إذا كانا على «يفعل» ـ بالفتح ـ فتقلبان ألفا ، فتثبت في الرفع والنصب كما في المقصور من الاسم كيرضى ، ويخشى ، وليس «يفعل» بالكسر في الناقص الواوي ولا «يفعل» ـ بالضم ـ في اليائي منه.

(و) كذلك يلزم السكون في مثل باب : (الغازي) ويائه منقلبة عن الواو ، (والرّامي) ـ بالياء الأصلية حالكون (مرفوعا ومجرورا) استثقالا للضمّة والكسرة على الياء المكسور ما قبلها ، هذا مع المانع من التنوين كاللّام والاضافة وإلّا لزم الحذف ـ رفعا وجرّا ـ بالتقاء الساكنين كغاز ، ورام.

ويظهر النصب بالفتحة في الجميع ـ لخفتها ـ نحو : لن يغزو ، ولن يرمي ، ورأيت الغازي ، وغاريا.

(والتحريك في الرفع والجر) في الياء والواو (شاذّ كالسكون في النصب) ، فانّه أيضا شاذ ، (و) مثل (الاثبات فيهما) أي في الواو والياء ، (وفي الألف في الجزم) ، لأن اثبات الثلاثة فيه أيضا شاذ ، والقياس : الحذف.

فالتحريك بالرفع كقوله :

٤٤٥

قد كاد يذهب بالدّنيا ولذّتها

موالي ككباش العوس سحّاح (١)

وقوله :

إذا قلت علّ القلب يسلو قيّضت

هواجس لا ينفكّ يغرين بالوجد (٢)

وبالجرّ كقوله :

ما إن رأيت ولا أرى في مدّتي

كجواري يلعبن في الصّحراء (٣)

والاسكان في النصب كقوله :

فلو أنّ واش باليمامة داره

وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا (٤)

وقوله :

أرجو وآمل أن تدنو مودّتها

وما إخال لدينا منك تنويل (٥)

والاثبات في الثلاثة في الجزم كقوله :

هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا

من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع (٦)

__________________

(١) البيت لجرير بن عطية. وقوله : «ولذتها» يروي في مكانه «وبهجتها» الموالي : جمع مولى وله معان كثيرة منها السيّد وهو المراد هنا. والكباش جمع كبش. والعوس : اسم مكان أو قبيلة. والسحاح : السمين. والشاهد : في «موالي» حيث حرك الياء بالضم شذوذا.

(٢) البيت لم أعثر على قائله. وعل : بمعنى لعل. وقيضت : أي سلّطت على القلب.

هواجس : خواطر. يغرين : من الاغراء بمعنى التحريض.

(٣) هذا البيت لم أعرف قائله. ومعنى مفرداته واضح. والشاهد : في قوله «كجواري» حيث حرك الياء بالكسر شذوذا.

(٤) البيت لمجنون بني عامر المعروف بمجنون ليلى. ومعناه واضح. والشاهد : في قوله : «واش» حيث حذف الياء في حالة النصب كما تحذف في حالة الرفع والجر.

(٥) البيت لكعب بن زهير (رضي‌الله‌عنه). واخال : أظن. وتنويل : أي العطاء. والشاهد : في قوله «ان تدنو» حيث اسكن الواو في حالة النصب.

(٦) البيت منسوب لأبي عمرو بن العلاء واسمه ـ زبّان ـ. الشاهد في قوله «لم تهجو» حيث أثبت الواو الساكنة مع الجازم وذلك شاذ.

٤٤٦

وقول الآخر :

ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد (١)

وقول الآخر :

ما أنس لا أنساه آخر عيشتي

ما لاح بالمعراء ريع سراب (٢)

والكباش : جمع الكبش ، والعوس : ـ بالضم ـ ضرب من الغنم ، وسحاح : بضمّ السين وتشديد الحاء ، أي سمان ـ جمع ساح بالتشديد ، وعلّ : بمعنى لعلّ ، وقيضت : ـ بتشديد الياء ـ أي سلطت للمحبوبة على القلب ، وهواجس : أي خواطر تخطر فيه ، ولا تنفك : فعل ناقص ، والاغراء : التحريض ، والواشي : النمام ، والأصل : واشيا فسكن الياء وحذفها لملاقاة التنوين كما في صورتي الرفع والجر. وزبان : بتشديد الموحدة ـ علم ممنوع من الصرف للعلمية والألف والنون المزيدتين ، وأصله : من الزبّ وهو طول الشعر وكثرته ، أي هجوته ثمّ اعتذرت فكأنك لم تهجه حيث اعتذرت ولم تترك هجوه حيث هجوته.

وتنمى : بفتح التا من نميت الحديث أي أبلغته ، واللبون : الناقة ذات اللبن ، وما أنس : من النسيان شرط ، وأثبت الألف في الجزاء وهو «لا أنساه».

وآخر عيشتي : أي مدّة حياتي. وأرض معراء : بالميم والمهملتين كحمراء ـ قليلة النبات ـ ، والريع : بكسر الأوّل وسكون التحتانية ـ الطريق.

وما في هذه الأشعار ونحوها نمكن حمله على الضرورة.

__________________

(١) البيت منسوب لقيس بن زهير العبسي. الأنباء : جمع نبأ وهو الخبر ، ويقال : النبأ خاص بما كان ذا شأن والخبر عام. وتنمي : أي تزيد وتكثر. وبما : الباء زائدة وما فاعل يأتي ، وقيل غير ذلك. اللبون : الناقة ذات اللبن. والشاهد بالبيت في قوله : «ألم يأتيك» حيث أثبت الياء ساكنة مع الجازم الّذي يقتضي حذفها وهو شاذ.

(٢) قيل البيت للحصين بن قعقاع بن معيدة. والشاهد فيه : «لا أنساه» حيث أثبت الألف في حال الجزم ، لأن أنساه جواب شرط ـ ما الشرطية ـ ، وذلك شاذ.

٤٤٧

لكن قوما من العرب يجرون الواو والياء في الاختيار أيضا مجرى الصحيح في التحريك في الرفع والجر كما في النصب والاسكان في الجزم ، ومنه : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) يرتعي (وَيَلْعَبْ)(١) في قراءة باسكان الياء من يرتعي والباء في يلعب.

[حذف الواو والياء لامين] :

(و) الواو والياء(تحذفان في مثل : يغزون ، ويرمون) للجمع ، (واغزنّ ، وارمنّ) (٢) للجمع والمخاطبة من الأمر ، إذ في الأصل عن مثل ذلك يقع قبل واو الجمع الساكنة واو مضموم ما قبلها في الواوي ، وياء مضمومة مكسور ما قبلها في اليائي ، فتسكنان لثقل الضمّة عليهما وتحذفان بالتقاء الساكنين ، فبهذا يتم اعلال المضارع الواوي ، ويضم ما قبل واو الجمع في اليائي كالميم في يرمون لتسلم الواو ، ثمّ إذا اتصل بالأمر نون التأكيد الساكنة بعد واو الجمع حذفت لدلالة الضمّة قبلها عليها ، بخلاف النون لعدم ما يدل عليها ـ كما مرّ ـ.

ويقع قبل ياء المخاطبة واو مكسورة مضموم ما قبلها في الواوي ، وياء مكسورة ما قبلها في اليائي ، فيسكنان لثقل الكسرة وتحذفان لالتقاء الساكنين ، وبهذا يتم اعلال اليائي ويكسر ما وقع قبل ياء المخاطبة في الواوي كالزاي في : اغزي ، لتسلم الياء.

ولك ان تعتبر ههنا وفي الجمع نقل حركة حرف العلّة إلى ما قبلها بعد سلب حركته ثمّ تحذف علامة المخاطبة عند الاتصال بالنون ، لدلالة الكسرة قبلها عليها ـ كما في الجمع ـ.

ولم يحركوا عند الاتصال بها علامة الجمع بالضمّة وعلامة المخاطبة بالكسرة حتّى يستغنوا به عن الحذف للاستثقال لانضمام قبل الاولى وانكسار ما قبل الثانية

__________________

(١) الآية : ١٢ يوسف.

(٢) وفي بعض النسخ : واغزنّ ، واغزنّ ، وارمنّ ، وارمنّ.

٤٤٨

بخلاف اخشونّ ، واخشينّ ، من مفتوح العين حيث يضم فيه علامة الجمع ، ويكسر علامة المخاطبة عند لحوق النون ، لخفة الفتحة قبلهما.

[حذف اللّام سماعا] :

(ونحو : يد ، ودم ، واسم ، وابن ، واخ ، وأخت ، ليس بقياس) ، فان أصلها :

يدي ، ودمو ، وسمو ، وبنو ، وأخو ، واخوة ـ بسكون الوسط في الثلاثة الاول ، وفتحه في البواقي ،

وليس في شيء منها موجب الحذف بل قياس الثلاثة الأول الاثبات لسكون ما قبل حرف العلّة فيها كدلو وظبي ، وقياس البواقي : القلب ألفا كعصا وفتى ، لتحرك حرف العلّة فيها وانفتاح ما قبلها لكنهم حذفوا فيها لكثرة استعمالها المناسبة للتخفيف.

وجعلوا التاء في : اخت عوضا منها على ما يقال ، وسكنوا الأول من البعض لزيادة التخفيف ، والحقوا همزة كأنها عوض عن المحذوف ، واجروا الاعراب على ما قبل حرف العلّة ، وقد أورد نجم الأئمّة رضي في خاتمة هذا البحث مباحث شريفة ، فليراجع إليها.

***

٤٤٩

مبحث الإبدال

(الإبدال) : ـ بكسر الهمزة ـ مصدر ابدل ، وفي الاصطلاح : (جعل حرف) من الحروف الّتي تذكر انشاء الله تعالى (مكان حرف غيره) بأن يكون إيراده من أوّل الأمر لكونه مكان ذلك الغير ، سواء كان ذلك أصليا أم زائدا وان كان بطريق الاعلال أو تخفيف الهمزة.

والمراد بكونه في مكانه : ان يكون فاء ان كان ذلك الغير فاء ، كاجوه في وجوه ، وعينا ان كان عينا كقال ، ولاما ان كان لاما كرمى ، ودالا في مكانه ان كان زائدا على المعنى المقصود منه كالهمزة في عألم المبدلة عن الألف في عالم ـ اسم فاعل ـ.

وامّا جعل حرف عوضا عن غيره في غير مكانه كالهمزة الوصلية من : ابن ، واسم ، ورد المحذوف وجعله في مكان نفسه كاعادة اللّام من أب في أبويّ ـ للنسبة ـ فلا يسمّى ابدالا.

وامّا التاء في : اخت ، وبنت ، فهي في الأصل للتأنيث ولحقت في المكان المقرّر لنفسها ثم جرى عليها التعويض عن اللّام المحذوف ، وحيث اعتبرنا كون البدل من الحروف الّتي تذكر لم يتوجه انتقاض التعريف بنحو : اظّلم ، واظتلم ، لأنّ الظاء ليست منها.

والابدال يقع في الاسم والفعل والحرف وان لم يجر بعض وجوه معرفته كالاشتقاق في الحرف.

(ويعرف) الابدال في اللفظ(بأمثلة اشتقاقه كتراث ، وأجوه) في وراث ووجوه ، فانّ الأمثلة الّتي تناسبها في الاشتقاق كورث ، وأورث وموروث ، والوجه والتوجّه والمواجهة ، تدل على انّ التاء والهمزة فيهما مبدلة عن الواو.

٤٥٠

(وبقلّة استعماله كالثعالى) في الثعالب ، فان قلّة استعماله وكثرة استعمال الثعالب بالموحدة تدل على انّ التحتانية مبدلة منهما ، ويعرف فيه بأمثلة الاشتقاق أيضا لأنه جمع ثعلب ، ويقال : للأثنى ثعلبة ، وللمذكر ثعلبان بضمّ المثلثة ، ولا بأس باجتماع علامتين ـ كما مرّ في القلب في أوّل الكتاب.

(و) يعرف أيضا ابدال الحرف في اللفظ(بكونه فرعا) للفظ آخر(والحرف) المبدل منه (زائد) في الأصل (كضويرب) تصغير ضارب ، فانّه فرع لمكبره ، وكذا علفيان ـ تثنية علفى ـ بناء على ان ألفه ألف التأنيث المقصورة على ما قال سيبويه حاكما بمنعها من الصرف ، لضرب من النبات ـ فانّه فرع لذلك المفرد ، والفرع مأخوذ من الأصل طار عليه ويناسب ذلك كون الحرف المخالف فيه لما هو بازائه من الأصل مبدلا ممّا في الأصل إلّا بتحقق ما يقتضي عكس ذلك وهو ليس بمتحقق بالاستقراء في صورة زيادة الحرف في الأصل ، كالألف في المثالين ، فيكون ما في الفرع بازائه كالواو من ضويرب ، والياء في علفيان مبدلا منه ، فتأمل.

(و) يعرف الابدال أيضا في اللفظ(بكونه فرعا) لآخر(وهو) أي الحرف المبدل منه (أصل) في الفرع وليس بزائد ، (كمويه) على «فعيل» تصغير ماء ، والابدال فيه عكس ما تقدم ، فان الضابطة المستنبطة من لغتهم ـ وهي ردّ التصغير ونحوه الأشياء إلى اصولها ـ يقتضي كون الأصلي المخالف في الفرع لما بازائه من الأصل كالهاء الّتي هي اللّام في المثال ، والواو الّتي هي العين ردّا إلى الأصل وما هو بازائه من الأصل كالهمزة والألف مبدلا عنه ـ أي عن الحرف الواقع في الفرع وان كان الابدال في الأصل قبل اعتبار الفرع فتأمل.

بخلاف الزائد المخالف كما في الوجه المتقدم ، ولنجم الأئمّة ههنا كلام فراجعه.

ثمّ انّ المراد بالأصلي في الفرع ما لم يدل دليل على كونه منقلبا عن حرف آخر كالهمزة بعد ألف الجمع الأقصى المعلوم بالاستقراء انقلابها عن الياء أو الواو مثلا ، فلذلك لم يعرف بوجودها في أوائل وهو جمع الأوّل وفرع له كون الواو في اصله

٤٥١

المفرد وهو أوّل مبدلة عنها بل الهمزة مبدلة عن الواو.

(و) يعرف الابدال أيضا(بلزوم بناء مجهول) على تقدير عدمه (نحو : هراق ، واصطلح ، وادّارك) ـ بتشديد الدال ـ فانّه لو لم يكن الهاء مبدلة عن همزة باب : الافعال ، والطاء من تاء الافتعال ، والدال من تاء التفاعل كانت هذه على «هفعل» و «افّاعل» (١) وكلّها مجهولة لم يعرف ورودها في لغتهم ، وبعد قلب التاء من تدارك ـ دالا ـ والادغام الحقت همزة الوصل لئلّا يبتدأ بالساكن.

[حروف الابدال] :

(وحروفه) أي حروف الابدال الّتي تقع ابدالا من غيرها للمناسبة في المخرج أو في الصفة كالجهر ، والهمس ، أربعة عشر ، يجمعها قولنا : (أنصت يوم جدّ طاه زلّ) ـ بالزاء وتشديد اللّام ـ ، وانصت : أمر من الانصات ، والجد : أبو الأب ، وهو مبتدأ مضاف إلى طاه ـ بالمهملة والألف والهاء ـ اسم فاعل من طها فلان اللحم يطهوه طهوّا ـ طبخه أو شواه ـ ، وطها الخبز ـ خبزه ـ اي جد رجل طاه ، أو هو ههنا اسم رجل ، والخبر زلّ ، واليوم : بالنصب ظرف لقوله : انصت مضاف إلى الجملة ، والمعنى : استمع يوم جد ذلك الرجل زل عن الطريق.

(وقول بعضهم) : وهو الزمخشري في المفصل ان حروفه ثلاثة يجمعها قولنا : (إستنجده) ـ أي استعانه ـ (يوم طال) لكثرة الشدائد والهموم ـ (وهم) من الأوهام الفاسدة ، لأنه ليس بجامع ، وذلك (في نقص الصاد والزاء) مع انّهما من حروف الابدال وان لم يعدهما سيبويه في باب البدل ، (لثبوت صراط) في سراط ، (وزقر) في سقر (٢) ، وليس بمانع أيضا.

__________________

(١) هكذا في بعض النسخ. وفي اخرى : هفعل ، واد فاعل ، والظاهر الصحيح : هفعل ، افطعل ، وافّاعل. بقرينة قوله : وكلّها.

(٢) بالقاف.

٤٥٢

(و) ذلك (في زيادة) حرف ليس منها وهو (السين) ، فانّها ليست من حروف الابدال بالاستقراء ، لعدم الظفر بابدالاها عن غيرها على وجه يعتني به ، ولذلك لم يعدها سيبويه من حروف الابدال ، وامّا ما تمسك به من انّها في قولهم : رحل مسدود كما يقال : مشدود ـ بالشين المعجمة ـ مبدلة عن المعجمة ، وكذا في السدة ـ بالكسر ـ بمعنى الشدّة ، لأنّ التصرّف فيما هو بالمعجمة أكثر ، وفي قولهم : استخذوه عن التاء على انّ الأصل : التخذ من التخد فعلى تقدير التسليم كأنهم لم يعتنوا به لقلّة ورودها فتأمل.

(لو أورد) من جانب الزمخشري على هذا الأخير قولهم : (اسّمع) ـ بتشديد السين ـ بأن يقال : انّهم اتفقوا على ان أصله استمع فابدال السين فيه من تاء الافتعال يدل على انّها من حروف الابدال ، (ورد) قولهم : (إذّكر ، واظّلم) بتشديد الذال والظاء المعجمتين المبدلتين من تاء الافتعال.

والحاصل ان ابدال السين في اسمع للادغام فلا يدل على كونها من حروف الابدال المرادة ههنا وهي ما كان المقصود من الابدال حصول نفسها ولم يكن تحصيلها للتوسل إلى الادغام وإلّا لو ردّ (١) انّه كان يلزم ان يعد منها الذال والظاء في نحو : اذكر واظلم وغيرهما من الحروف ، سوى حروف : ضوى مشفر لوقوع الابدال للادغام في الجميع مع انّها ليست معدودة من حروف الابدال اتفاقا.

ثمّ انّ الحصر في تلك الحروف انّما هو بالنظر إلى الشائع الغالب ، والتسعة الّتي يجمعها قولك : هوءت يامطو ـ أكثر شيوعا بل حصر الشائع بعضهم فيها ، والهدأ : بالهمزة بعد المهملة ـ بمعنى السكون ، والمطو : اسم رجل ، وأصله الشمراخ.

وما عدا هذه الأربعة عشر قد تبدل عن غيرها نادرا كابدال المثلثة في : ثروغ ـ الدّلو ـ من الفاء في فروغ ، والكاف في قولهم : عربي كحّ (٢) عن القاف في قحّ ،

__________________

(١) هكذا في النسخ التي بأيدينا والظاهر : لورد بقرينة المتن.

(٢) الكح هو القح بالقاف وهو الخالص من كل شيء.

٤٥٣

وجاء الجمع : أقحاح ولم يجيء اكحاح ، وعن التا في قوله :

يا ابن الزّبير طالما عصيكا

وطالما عنّيتنا إليكا (١)

 ـ أي طالما عصيت ـ ، وفي قول من قال : في احسنت أحسنك.

ومنه ما اختصّ ببعض اللّغات كالعين عن الهمزة في لغة تميم ، وذلك عنعنة تميم ، والموحدة عن الميم في لغة مازن إلى غير ذلك.

[مواطن ابدال الهمزة] :

ثمّ الابدال امّا مطرد ـ أي قياس من غير حاجة إلى سماع في احاده ـ وامّا غير مطرد بل موقوف على السماع ، والمطرد : امّا لازم وامّا جائز ، (فالهمزة تبدل من حروف اللين) وهي الألف والواو والياء ، (و) من (الهاء) (٢) لقرب المخرج ، (فمن) حروف (اللين) فابدالها من تلك الحروف (اعلال لازم) في اللّام (نحو : كساء ، ورداء) وهي فيهما منقلبة عن الواو والياء ، (و) في (العين) نحو : (قائل وبائع) وهي فيهما منقلبة عن الألف المنقلبة عن الواو والياء ، (و) في الفاء نحو : (أواصل) ولكون التغيير أولى بالآخر ثمّ بما قرب منه قدم ما في اللّام على العين وقد مهما على الفاء على ما قيل.

(و) منه اعلال (جائز في نحو : أجوه ، وأوري) وكل ذلك قد مرّ في باب الاعلال.

(وامّا نحو : دأبّة ، وشأبة ، والعألم) ـ بفتح اللّام ـ لما سوى الله ، بابدال الهمزة في الثلاثة عن الألف ، امّا الأولان فكما ذكر في باب التقاء الساكنين ، وامّا الثالث فكقول العجاج :

__________________

(١) البيت نسبه بعضهم لراجز من حمير. وابن الزبير : أراد به عبد الله بن الزبير بن العوام حواري النبي (ص). وعنيتنا : من العناء وهو الجهد والمشقّة.

(٢) وفي بعض نسخ الشافية : من حروف اللين والعين والهاء. وفي هنا سقط والعين وغير موجود في هذا الشرح والظاهر : اثباتها.

٤٥٤

يا دار سلمي يا أسلمي ثمّ أسلمي

فخندف هامة هذا العألم (١)

فانّه همزة ليجري مع اسلمي في القافية على منهاج واحد ، ومثله قول الآخر :

يا دارميّ بدكاديك البرق

صبرا فقد هيّجت شوق المشتئق (٢)

فهمز ألف المشتاق وحركها بالكسر ليناسب البرق ، والدكداك : أرض فيها غلظ ، أو ما التبد من الرمل بالأرض.

(وبأز) ـ للطير المعروف من الجوارح ـ بالهمزة المبدلة عن الألف الّتي أصلها الواو بدليل الجمع على أبواز ، على ما حكاه اللحباني ، (وشئمة) (٣) ـ بالهمزة الّتي أصلها الياء ، ومن كلامهم : قطع الله أديه : أي يديه ، وفي أسنانه ألل ـ أي يلل ـ والشامة : الخال ، واليلل : قطر الأسنان العليا وانعطافها إلى داخل الفم ـ ، (ومؤقد) بالهمزة المبدلة عن الواو ـ كما حكاه أبو علي في مثله :

لحبّ المؤقدين إليّ مؤسى

وجعدة إذا أضاءهما الوقور (٤)

أي هذا المؤقدان نار الضيافة محبوبان إلى نفسي حين أضاءهما وقود نارها.

(فشاذ) لعدم الموجب للابدال إليها في شيء منها.

(وأباب بحر) بمعنى : عباب بحر للعظمى من الماء ـ بابدال العين همزة(أشذ) من

__________________

(١) البيت قائله معلوم. والشاهد : في قوله «العألم» بالهمز وأصله العالم فهمزه لئلّا يكون بعضها مؤسسا وبعضها غير مؤسس.

(٢) هذا البيت لرؤبة العجاج ، والدكاديك : جمع دكداك وهو الرمل المتلبد في الأرض من غير أن يرتفع. والبرق : جمع برقة وهي غلظ في حجارة ورمل. وصبرا : مفعول مطلق.

والمشتئق : المشتاق وهو محل الاستشهاد بالبيت حيث همز الألف.

(٣) الشئمة : الطبيعة وأصله : الشيمة بالياء فهمز.

(٤) البيت لجرير بن عطية الخطفي. قوله : لحب المؤقدين : رويت هذه العبارة على عدّة أوجه أحدها هذه الّتي كتبناها واخرى : أحب المؤقدين. وثالثها : لحب المؤقدان. وموسى وجعدة ابنا الشاعر. والوقود : مصدر وقدت النار وقودا. وقيل : اسم لما توقد به النار.

٤٥٥

تلك الشواذ ، لعدم ثبوت ابدال العين همزة في موضع ، بخلاف ابدال حروف اللين إليها ، ولذلك رجح ابن جنى : كون أباب وأبّ ابابة (١) ـ إذا تهيأ ـ لأن البحر يتهياء للموج ، (وماء) في ماه ـ بالهاء ـ (شاذ) وأصله : موه ـ بالتحريك ـ بدليل أمواه في الجمع فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

ثمّ كأنهم شبهوا الهاء ـ لخفائها ـ بحرف اللّين فكأنها واو أو ياء وقعت طرفا بعد الألف نحو : ورداء ، فقلبوها ألفا ثمّ قبلوا الألف همزة فادي ذلك إلى وقوع الأثقل الّذي هو الهمزة موقع الهاء الّتي هي أخف منها من غير موجب ، فلذا كان شاذا لكن مثله واقع ، وهذا على شذوذه قياسا(لازم) في الاستعمال ، حيث لم يقع ماء في كلامهم إلّا الهمزة ، بخلاف الجمع فان الأمواه بائها (٢) فيه أكثر ، لأن الأصل في الجمع الرد إلى الأصل ، وجاء مهموزا على قلّة نظرا إلى لزوم الهمزة في المفرد فنزلت منزلة الأصلي كقوله :

وبلدة قالصة أمواؤها

ما صحة رأد الضّحى أفياءها (٣)

[مواطن ابدال الألف] :

(والألف) تبدل (من اختيها) اللتين هما الواو والياء ، (و) تبدل (من الهمزة) أيضا ، (فمن اختيها) أي فابدالها من اختيها(لازم في نحو : قال ، وباع) اجماعا كما مرّ ، (و) في (آل على رأي) ذهب إليه الكسائي ، فانّه زعم ان أصله أول ـ بالواو المفتوحة ـ فقلبت ألفا بدليل ما حكى من تصغيره على أويل ـ بالواو ـ.

(ونحو : ياجل) في يوجل (ضعيف) على ما تقدم في الاعلال.

__________________

(١) هكذا في نسخ الّتي بأيدينا. ولكن الظاهر : أباب من أبّ أبابة.

(٢) هكذا في النسخ ولكن الظاهر : بالهاء.

(٣) البيت لم يتيسر لي الوقوف على قائله. وبلدة : الواو فيه واو رب. وقالصة : اسم فاعل من قلص الماء في البئر إذا ارتفع. وامواؤها : جمع ماء. رأد الضحى : ارتفاعه. وأفياءها : جمع فيء وهو الظل. والشاهد بالبيت في قوله : «امواؤها».

٤٥٦

(وطائي) في النسبة إلى طيء بابدال الياء المدغمة ألفا وحذف المدغمة فيها(شاذ) لسكون الياء لكنّه على شذوذه ومخالفته للقياس (لازم) في استعمالهم ، وقد مرّ الكلام فيه.

(و) ابدال الألف (من الهمزة) كائن (في نحو : رأس) ممّا سكنت فيه الهمزة وانفتح ما قبلها ، وذلك لازم عند الحجازيين ، مطرد من غير لزوم عند غيرهم ، إلّا فيما اجتمعت فيه همزتان كآدم فانّه لازم ، (و) ابدالها(من الهاء) حاصل (في آل على رأي) ذهب إليه البصريون ، فانّهم زعموا أن أصله أهل بدليل ما حكى من تصغيره على : أهيل بقلب الهاء همزة ليتوصل بها إلى الألف الّتي هي أخف الحروف إذ ما بعد ما صارت همزة تقلب ألفا ـ كما في آدم ـ.

[ابدال الياء] :

(والياء) تبدل (من اختيها) اللّتين هما الواو وألف ، ومن الهمزة(ومن أحد حرفي المضاعف) أيّاما كان ، (و) من (النون ، والعين ، والباء ، والسين ، والثاء ، فمن اختيها) ابدال (لازم في) الواو الساكنة المكسور ما قبلها(نحو : ميقات) ، أصله : موقات (و) في الواو الّتي كانت لاما مكسورا ما قبلها نحو : (غاز) فان أصله : غازو ثمّ قلبت ياء لانكسار ما قبلها كما يقال : رأيت غازيا ، (و) في الواو الّتي كانت عينا مكسورا ما قبلها نحو : (قيام) وأصله قوام ، (وحياض) جمع الحوض على الوجه المتقدم في الاعلال ، فهذه أمثلة ابدالها من الواو وابدالها اللّازم من الألف كما مرّ في قراطيس وقريطيس في جمع قرطاس ، وتصغيره لانكسار ما قبلها فيهما ، وكما مرّ في : حميّر تصغير حمار ، لوقوعها بعد ياء التصغير.

(و) من ابدالها من اختيها ابدال (شاذ في نحو : حبلى) بابدال ألف التأنيث ياء في لغة فزارة ـ ، (وصيّم) جمع صائم من الصوم كركع وراكع وقد مرّ ، (وصبية) في صبوة جمع الصبي ، وشذوذ هذا لسكون ما قبل الواو المفتوحة فلا سبب للقلب ياء ،

٤٥٧

(و) في (ييجل) في يوجل على ما مرّ.

(و) ابدالها(من الهمزة) كائن (في نحو : ذيب) ممّا كانت الهمزة فيه ساكنة مكسورا ما قبلها ، وهو لازم عند اجتماع الهمزتين كأيت ، وفي باب خطايا من الجمع كما مرّ.

(و) ابدالها(من الباقي) من الحروف الّتي ذكرنا انّها تبدل منها(مسموع) لكنّه على وجهين ، فانّه كثير في البعض ضعيف في البعض ، وذلك انّه (كثير في) أحد حرفي التضعيف والنون ، فمن حرف التضعيف في كل ثلاثي مزيد فيه يجتمع المثلان ولا يمكن الادغام لسكون الثاني ، (نحو : أمليت) الكتاب كأكرمت ، في أمللت بدليل قوله تعالى : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ)(١) وقيل : هما لغتان من غير ابدال.

(و) كذا في كل ثلاثي مزيد يكون فيه ثلاثة أمثال مجتمعة أولها مدغم في الثاني نحو : (قصّيت) الظفر بالياء من باب التفعيل في : قصصته ـ بالصاد المهملة ، إذا قطعته ـ.

وفي الاسم الّذي على «فعّال» بكسر الفاء وتشديد العين ـ إذا لم يكن مصدرا كدينار وديباج ، وقيراط ، في دنّار ودبّاج ، وقرّاط ، بدليل الجمع على دنانير ، ودبابيج ، وقراريط ، بنونين وموحدتين ورائين ـ.

وامّا في المصدر نحو : كذاب فلم يفعلوه للفرق بينه وبين غيره من الأسماء.

(و) ابدالها في غير صورة التضعيف من النون كما(في نحو : أناسيّ) ـ بتشديد الياء ـ ان قلنا انّه جمع انسان ، وأصله : اناسين ان جعل جمع للأنسى ـ بتشديد الياء ـ فلا ابدال ، ونحو : ظرابيّ جمع ظربان ـ لدويبة منتنة الرائحة ـ على مثال الهمزة وأصله : ظرابين.

__________________

(١) الآية : ٣٨٢ البقرة.

٤٥٨

(وامّا) ابدالها من العين نحو : (الضّفادي) في الضفادع ، (و) من الموحدة نحو : (الثّعالي) في الثعالب ، (و) من السين والمثلثة نحو : (السّادي ، والثالي) في السادس والثالث ، (فضعيف) لعدم وقوعه في لغة من يوثق به من الفصحاء ، فالأوّل كقوله :

ومنهل ليس له حوازق

وللّضفادي جمّه نقانق (١)

والثاني كقوله :

لها أشارير من لحم تتمّره

من الثّعالي ووخز من أرانيها (٢)

والآخران كقوله :

إذا ما عدّ أربعة فسال

فزوجك خامس وأبوك سادي (٣)

وقوله لآخر :

قد مرّ يومان وهذا الثّالي

وأنت بالهجران لا تبالي (٤)

والحوازق : الحوابس من الحزق بمعنى الحبس والمنع. والجمة : ما اجتمع من الماء ، والنقانق : جمع النقنقة بنونين وقافين ـ لصوت الضفدعة ـ أي منهل ماء ليس فيه جوانب تمنع الماء من الانبساط أو تمنع الوارد من الورود وللضفادع فيه جمة وأصوات.

__________________

(١) البيت لم أقف له على قائل. والمنهل : اسم مكان من نهل بمعنى شرب ثمّ استعمل بمعنى : مورد الماء ، والحوازق : هي الجوانب. الجم : الكثير والمراد به هنا ماء المنهل. النفاق : جمع نقنقة وهو صوت المتكرّر. والشاهد : في ضفادي حيث قلب العين ياء.

(٢) البيت لأبي كاهل اليشكري. والأشارير : جمع اشرارة وهي اللحم القديد ، وتتمره : تجففه. والوخز : قطع اللحم. والأراني : الأرانب ، والاستشهاد به في قوله : من الثعالي وقوله : أرانيها حيث قلب الباء في كل منهما ياء.

(٣) هذا البيت منسوب إلى النابغة الجعدي تهجو فيه ليلى الأخيلية. والشاهد : في قوله : سادي حيث قلب السين ياء وأصله : سادس.

(٤) البيت قائله غير معلوم. ومعناه واضح ، والشاهد : في قوله : «الثالي» حيث قلب الثاء ياء ، وأصله : الثالث.

٤٥٩

والهاء : من «لها» للعقاب الّتي شبه بها ناقته في البيت المتقدم ، والأشارير : بالمعجمة فالمهملتين جمع الاشرارة بكسر الهمزة ـ وهي القطعة من القديد ، وتتمره : بالفوقانيتين من باب التفعيل ـ أي تجففه ـ والوخز : بالواو والمعجمتين ـ الشيء القليل. والثعالي والأراني : الثعالب والأرانب ، والفسال : جمع الفسل وهو الليئم.

[إبدال الواو] :

(والواو) تبدل (من اختيها) اللتين هما الياء والألف (ومن الهمزة فمن اختيها) ابدال (لازم في نحو : ضوارب) في جمع ضاربة ، (وضويرب) في تصغير ضارب ، (و) في (رحويّ ، وعصويّ) في النسبة إلى رحى وعصى ، ففي جميع هذه ابدلت من الألف لكنها من الألف المزيدة في ضارب ، ومن المنقلبة عن الواو في عصوي ، ومن المنقلبة عن الياء في رحوي ، ففي عصوي رد إلى الأصل ، (و) نحو : (موقن) في ميقن من أيقن بالياء ، (وطوبى) في طيبي ، (وبوطر) في بيطر على البناء للمفعول من البيطرة ، وفي جميع هذه أبدلت من الياء لسكونها وانضمام ما قبلها ، (وبقوى) بالموحدة المفتوحة والقاف ـ وأصله : بقيا ـ بالياء ـ وهذا أيضا ابدال قياسي للفرق بين الصفة والاسم كما مرّ.

(و) من ابدالها من اختيها ابدال (شاذ ضعيف في : أمر ممضوّ عليه) من قولهم : مضيت على الأمر وأصله : ممضوي ، (و) فلان (نهوّ عن المنكر) من النهي وأصله : نهوي كما مرّ ، وهذان شاذان والقياس ممضيّ ونهيّ على قياس اعلال سيد ، وقيل : لعلّهم عدلوا في نهو عن القياس ليطابق الامور في قولهم : فلأن امور بالمعروف ونهوّ عن المنكر ، (وجباوة) في جباية بالياء من جبيت الخراج أجبيه جباية ، وهذا أيضا شاذ لعدم الموجب للابدال ، وقد يقال : لعل الممضوّ من قولهم : مضوت على الأمر مضوّا بمعنى : مضيت عليه ، والجباوة : مصدر جبوت بالواو فانّه جاء بمعناه فلا ابدال.

(و) ابدال (الواو) من الهمزة جواز(في نحو : جونة) بالضم مصدر الجون ـ للأدهم الشديد السواد ـ (والجون) جمعها على زنة صرد ، وربّما نوقش في كونها من المهموز ،

٤٦٠