شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

ـ ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث اللفظي ، (ونهوّ) بتشديد الواو على «فعول» وأصله : نهوى ـ بالياء ـ كصبور من النّهي يقال : رجل نهوّ عن المنكر ـ أي مبالغ في النهي عنه ـ (فشاذ) ، لاشتمال الجميع على سبب الاعلال وهو اجتماع الواو والياء مع سبق الساكن فالقياس : ضيّن ، وحيّه ، ونهيّ ـ بتشديد الياء في الجميع مع قلب ضمّة ما قبلها في : نهيّ ـ كسرة ، لكن صحّة ضيون ، وحيوة ، على شذوذ هما لكونهما اسمين موضوعين لا على وجه الفعل على ما في الصحاح ، ولعل صحّة نهوّ على شذوذه لئلّا يلتبس «فعول» ب فعيل» فقلبت فيه الياء واوا وادغمت للجمع بين دفع استثقال اجتماع الواو والياء والمحافظة على الصيغة.(و) كما شذت صحّة الواو في هذه ـ لوجود موجب الاعلال ـ شذ اعلالها بالقلب ياء في بعض ألفاظ الواردة في لغتهم ، لعدم الموجب ومن ذلك (صيّم ، وقيّم) كلّاهما بضمّ الأوّل وفتح الياء المشدّدة في جمع صائم ، وقائم ، كركّع وسجّد جمع راكع وساجد ، وأصلهما : صوّم وقوّم ـ بالواو ـ فقلبت الواو المشدّدة ياء مشدّدة ، (شاذ) لعدم الموجب للاعلال ، (وقول) أبي يعمر الكلابي :

ألا طرقتناميّة ابنة منذر

فما أرقّ النّيّام إلّا سلامها (١)

(أشذ) منهما ، لأنّ النيام ـ بضمّ النون وتشديد الياء ـ أصله : النوام جمع نائم فهو يشاركهما في عدم الموجب للاعلال ، وأشذ منهما بالبعد بسبب الآلف عن الآخر الّذي هو محل التغيير ، وربّما يسامح بالاعلال مع عدم الموجب بالقرب من الآخر.

والحاصل ان موجب اعلال الواو بحيث يؤدي إلى حصول ياء مشدّدة في غير طرف الجمع بالاستقراء هو الاجتماع مع الياء وسبق الساكن ، والواو في هذه الجموع ليست طرفا ، فلمّا لم يتحقق اجتماعهما مع الياء كذلك شذ الاعلال ، لكنّه في الأخير

__________________

(١) البيت قائله ذو الرمة ، طرقتنا : زارتنا ليلا ، ومية : معشوقة الشاعر. والاستشهاد بالبيت في الرواية المشهورة على انّ النيام أشذ من صيم ، وذلك لأنّ الواو في صوم قريبة من الطرف فعوملت معاملة الواو الواقعة طرفا بخلافها في النيام فانّها بعيدة من الطرف.

٤٢١

أشذ كما ذكر هذا غاية التقريب لذكر شذوذها في هذا الموضع ، فتأمل.

ولا شك أنه لو ذكره عند ذكر قلب الواو المشدّدة في طرف الجمع ياء مشدّدة ، واسنده إلى عدم الوقوع في الطرف ، والزيادة في الأخير إلى البعد عنه كان أولى كما قال نجم الأئمّة.

وألا : حرف استفتاح ، والطروق : الاتيان ليلا ، وأرق النيام : من باب التفعيل أيقظهم ، ثمّ انّه ان أراد طروق خيالها الطائف في المنام فاثبات التحية والتسليم له من باب التخييل.

[الاعلال بالنقل] :

(و) الواو والياء(تسكنان وتنقل حركتهما) إلى ما قبلهما(في نحو : يقوم ، ويبيع) من المضارع ، ولم تقلب ألفا في نحو ذلك بأن يقال : يقال ، ويباع مثلا ، (للبسه بباب : يخاف) ، ويهاب ، لو فعلوا ذلك.

(و «مفعل») ـ بضمّ العين ـ ، (و «مفعل») بكسرها ، نحو : معون ، ومبيت ، (كذلك) في الاسكان ونقل الحركة ، فان أصلهما : معون ـ بضمّ الواو ـ ومبيت ـ بكسر الياء ـ ، (ومفعول) منهما أيضا(كذلك) ، (نحو : مقول ، ومبيع) ، والأصل :مقوول ، ومبيوع ، فنقلت ضمّة حرف العلّة إلى ما قبله فالتقى ساكنان فحذف أحدهما ، (والمحذوف) منهما (عند سيبويه واو «مفعول») لا عين الكلمة ، لأن حذف الزائد أسهل مع كفاية الميم المزيدة في اسم المفعول في الدلالة على معنى المفعولية بل هي الأصل في الدلالة على ذلك ، ولذلك (١) استمرت في أسماء المفعولين من المجرد والمزيد ، فلعلها من المجرّد في الأصل على «مفعل» ـ بفتح الميم وضمّ العين ـ ليمتاز عن «مفعل» بفتحها في المكان ، والواو كأنها تولدت من اشباع ضمّة العين ، لئلّا يلزم البناء المرفوض وهو «مفعل» بضمّ العين ـ على ما يقال.

__________________

(١) أي ولكون الميم هي الأصل في الدلالة على معنى المفعولية.

٤٢٢

ثمّ ان كان يائيا قلبت ضمّة ما قبل الياء كسرة لحفظ الياء عن الانقلاب واوا ، والالتباس بالواويّ ، والزنة «مفعل» بضمّ الفاء في الواوي ، وكسرها في اليائي وسكون العين فيهما.

(وعند الأخفش) المحذوف (هو العين) ، ويبقى واو المفعول على ما هو الأصل عند اجتماع ساكنين وأولهما حرف مدّ من حذف الأوّل ، ولذلك قال المازني : ان مختاره أقيس من قول سيبويه ، ثمّ ان كان واويا اكتفى فيه بذلك ووزنه «مفول» بحذف العين ، (و) ان كان يائيا(انقلبت) فيه الواو الساكنة وهي : (واو «مفعول» عنده ياء للكسرة) قبلها ، فانّه قال : الضمّة لمّا نقلت من الياء إلى ما قبلها قلبت كسرة لمناسبة الياء قبل حذفها ، ثمّ حذفت ـ أي الياء ـ بالتقاء الساكنين ثمّ قلبت الواو ياء للكسرة ، وانّما اعتبر القلب كسرة لمناسبة الياء مع كونها في معرض الحذف ، ليمتاز عن الواوي ، ووزنه «مفيل» بحذف العين ، (فخالفا) أي سيبويه والأخفش (أصليهما) ، امّا سيبويه : فلأنه وافق غيره في اصالة حذف أوّل الساكنين إذا كان حرف مدّ ، وقد خالف هذا الأصل حيث ذهب ههنا إلى حذف الثاني.

وقد يجاب عنه : بأن اصالة حذف أوّل الساكنين عنده انّما يكون إذا كان أحدهما حرف مد والثاني صحيحا نحو : قل وخف ، وامّا إذا كانا مدين فلم يثبت ذلك عنده إلّا إذا كان حذف الثاني مفوّتا للدلالة على معناه كالمصطفون وليس حذف الثاني ههنا مفوتا للمعنى لانفهام معنى اسم المفعول من الميم.

وامّا الأخفش : فلأنّ الأصل عنده في الياء الساكنة الّتي هي العين ان تقلب واوا إذا إنضم ما قبلها كما مرّ ، وقد ذهب ههنا إلى حذفها ، إلّا ان يقال : ان ذلك الأصل انّما يكون عنده مع استقرار الضمّة فيما قبل الياء ، وانتقال الضمّة ههنا إلى ما قبلها على ما زعمه انّما هي بمجرد اعتبار قارنه الداعي إلى قلبها كسرة ، والنطق انّما وقع بالكسرة فلا مخالفة فيه لذلك الأصل فتأمل.

ورجح قول سيبويه : بأنه أقل تغييرا في اليائي ، إذ ليس فيه سوى حذف واو

٤٢٣

المفعول وقلب الضمّة كسرة ، والامتياز عن الواوي يحصل بذلك ، والأخفش : قلبها كسرة وحذف العين ، وقلب واو المفعول ياء.

(وشذ) في اسم المفعول من الواوي قلب الواو ياء بعد قلب ضمّة ما قبلها كسرة كقولهم : (مشيب) بمعنى مخلوط من الشوب بمعنى الخلط ، وكأنه بنى على الماضي المبنى للمفعول وهو ـ شيب ـ ، وكذا منيل من النول ـ بمعنى الاعطاء ـ ، ومليم من اللّوم ، والقياس : مشوب ، ومنول ، وملوم ، ـ بالواو ـ ، (و) شذ في اليائي (مهوب) ـ بالواو ـ من الهيبة ـ والقياس : مهيب ، وكأنه بنى على قولهم : هوب في المبنى للفعول على ما هو إحدى اللّغات في مثله ، كما سيجيء انشاء الله تعالى.

(وكثر) في اليائي الصتحيح واتمام الحروف بلا حذف في لغة بني تميم ، تنبيها على الأصل ، (نحو : مبيوع) ، ومخيوط من ـ الخياط ـ ، وقولهم : يوم مغيوم من ـ الغيم ـ للسحاب ، كقول علقمة بن عبدة :

حتّى تذكّر بيضات وهيّجه

يوم الرّذاذ عليه الدّجن مغيوم (١)

ومعيوب من : العيب ، ومعيون من : عانه يعينه ـ إذا أصابه بالعين ـ ، كما قال العباس بن مرداس :

قد كان قومك يحسبونك سيّدا

وإخال أنّك سيّد معيون. (٢)

(وقلّ) التصحيح والاتمام في الواوي حتّى ان سيبويه منعه ، لثقل الضمّة على الواو ، فلعلّ الياء لخفتها أقوى على قبولها منها ، لكن بعضهم حكى ذلك (نحو :

__________________

(١) البيت قائله معين ومعلوم. الرذاذ : المطر الضعيف أو الدائم الصغير القطر. والدجن : ههنا الغيم. يصف طيرا خرج في يوم غيم ومطر طار عن وكره لطلب القوت فتذكر بيضاته وهيجه تذكرها فاسرع في الطيران.

(٢) البيت قائله معلوم يقوله لكليب بن عيينة ، ومعيون : يروي بالعين المهملة ومعناه : المصاب بالعين ، وبالغين المعجمة من قولهم غين عليه ـ إذا غطى ـ والأصل : الغين وهو لغة في الغيم.

٤٢٤

مصوون) من : صانه ـ إذا حفظه ـ ، وزعم الجوهري انّه لم يأت على التمام إلّا مصوون ، وقولهم : مسك مدووف ـ أي مبلول بالماء ـ وحكى الكسائي قولهم : خاتم مصووغ أيضا.

(واعلال نحو : لا تلووا) من : لوى يلوى ـ (و) اعلال (يستحيي) وتصاريفه (قليل) ، امّا : تلووا فأصله تلويوا كتضربوا فنقلت ضمّة الياء إلى ما قبلها بعد حذف حركته وحذفت للساكنين ، ثمّ منهم من يعله بنقل ضمّة الواو إلى اللّام وحذفها للساكنين فيحصل تلو ـ بواو واحدة ـ وهو قليل ، كراهة اعلالين ، وامّا يستحيي : فلغة الحجازيين اثبات الياء الّتي هي العين في تصاريفه وينطقون بها على زنة استدعى يستدعى استدعاء ، واستدع في الأمر ، والمستدعى ومستدع في اسم الفاعل إلى غير ذلك ، وهو القياس المختار عند أكثر العرب ، لعدم موجب الاعلال ، وبنو تميم : يحذفونها ويقولون : استحى يستحي وهو مستح ، واستح في الأمر ، إلى غير ذلك من التصاريف ، وحق المصدر استحائة كاستقامة لكنها لم تسمع قط.

ثمّ انّ المازني جعل حذفها فيها عندهم كالحذف في احست وظلت ، لأن حق المثلين الادغام فلمّا عدل عنه لداع كالتحرز عن الياء المشدّدة في آخر الفعل ههنا حذفت الاولى ، لأنّ الحذف أشبه بالادغام من كل شيء.

وقال الخليل : ان استحى محمول على الماضي الثلاثي المجرّد في الاعلال بناء على اعتبار اعلال باع ، وهاب في حيي وان كان مرفوضا ، فكأنه قيل : حاي ، واستحاي كباع واستباع ، وسكنت الياء إذ لم توجد في كلامهم في آخر الماضي ياء متحركة بعد الألف وحذفت الألف بالتقاء الساكنين وقلبت الياء ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها ، وفي المضارع نقلت حركة الاولى إلى ما قبلها كيبيع بعد حذف ضمّة الأخيرة لثقلها كيرمى ، وحذفت بالتقاء الساكنين ، وجرى باقي التصاريف عليه.

ورده المازني بأنّ الحذف لو كان لالتقاء الساكنين لم يحذف في قولهم : استحيا في الماضي المثنى ولقالوا : استحايا كاستباعا ، والحمل على صيغة الواحدة تحرزا عن

٤٢٥

الياء المتحركة بعد الألف في آخر الماضي ، أو على توهم انّه «افتعل» كاستوى تعسف فتأمل.

وعلى أي حال هذه اللّغة قليلة ، لما فيه من الحذف والتغيير بمثل هذه التكلفات من غير ضرورة مع اشتمالها على اعلالين كحذف إحدى اليائين وقلب الاخرى ألفا في الماضي ، وحذف حركة إحداهما وحذف نفس الاخرى في المضارع ، وحذفهما معا في الأمر.

والتعرّض لخصوص يستحيي لمناسبة تلووا وليس المقصود تخصيص القلّة بالمضارع.

(و) الواو والياء(تحذفان) وجوبا (١) ، لالتقاء الساكنين (في) ما عرض فيه ما يوجب سكون اللّام كالاتصال بالضمير البارز المرفوع المتحرك ، (نحو : قلت ، وبعت ، وقلن ، وبعن ، ويكسر الأوّل ان كانت العين ياء) نحو : بعت ، (أو واوا مكسورة) نحو : خفت ، (ويضم) الأوّل (في غيره) وهو الواوي الّذي ليست واوه مكسورة ، نحو : قلت ، وصنت ، وقد مضى شرح ذلك في باب الماضي.

(و) هذا الّذي ذكر من كسر الأوّل في اليائي (لم يفعلوه في ـ لست ـ) في ليس ، بل فتحوه كما كان قبل الضمير(لشبه الحرف) في عدم التصرف ، تنزيلا له منزلة أدوات النفي ، ولذلك لم يبن منه غير الماضي ، (ومن ثمّ) أي من أجل شبه الحرف (سكنوا الياء) في ليس ، ولو لا ذلك الشبه لوجب فيه لاس ـ بالألف ـ كهاب ، لوجود سبب الاعلال وهو تحرك الياء وانفتاح ما قبلها ، لأن أصله ليس ـ بكسر العين ـ لعدم السكون الأصلي في عين الفعل ، والضم لم يرد في عين الأجوف اليائي من الفعل إلّا هيؤ وانّه شاذ ، ولم يسمع منهم التسكين في مفتوح العين أصلا يتعين

__________________

(١) ثمّ أخذ في بيان ما اعلال عينه بالحذف بتسمية الواجب والجائز فقال : مبتديا بالواجب وتحذفان. آه

٤٢٦

كونه بالكسر ، وخففت بالتسكين كما يخفف موازنه المجرد عن موجب الاعلال كعلم كذلك.

(و) كذلك يحذفان وجوبا بالالتقاء الساكنين (في) نحو : (قل ، وبع ، لأنه من : تقول ، وتبيع) بسكون العين فلمّا حذف حرف المضارعة وانجزم اللّام عند بناء الأمر التقى ساكنان وأولهما حرف مدّ فحذف ، وكذا في غيره من المجزوم نحو : لم يقل ، ولم يبع ، ويحتمل ان يكون تقول ، وتبيع في المتن على هيئة : تنصر ، وتضرب على أصلهما ، والأمر : أقول ، وإبيع كأنصر ، واضرب ، وبعد نقل حركة حرف العلّة إلى ما قبلها يستغنى عن همزة الوصل ويحذف حرف العلّة بالالتقاء الساكنين كذا قيل.

(و) هكذا يجب حذفهما لالتقاء الساكنين (في الإقامة ، والاستقامة) ، فانّ الأصل :إقوام ، واستقوام ، فبعد القلب ألفا ـ كما سبق ـ اجتمعت ألفان فحذفت الاولى وزيدت التاء.

ولما لم يتعرض فيهما سابقا إلّا للقلب أعاد ذكرهما ههنا لبيان الحذف فلا تكرار ، كذا قيل.

(ويجوز الحذف) (١) (في) ما هو على «فيعل» من الأجوف (نحو : سيّد ، وميّت ، و) فيما هو على «فيعلولة» نحو : (كيّنونة) بتشديد الياء ، بمعنى : الكون ، من الأجوف الواوي ، وأصلها : كيونونة فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة السابقة وادغمت (و) نحو : (قيّلولة) بالتشديد أيضا من الأجوف اليائي ـ للنوم في الظهيرة ـ والمقصود انّه يجوز في نحو ما ذكر التخفيف بحذف العين المتحركة المدغمة فيها وابقاء الساكنة المزيدة المدغمة.

__________________

(١) ثمّ ثنى بالحذف الجائز فقال : ويجوز الخ. واعترض على المصنف حيث حكم بالجواز في الكل مع انّ التخفيف واجب في نحو كينونة ، ويمكن جعل الجواز في كلام المصنّف بالمعنى الأعم الشامل للوجوب لكنه تكلف فتأمل.

٤٢٧

والظاهر انّ الحذف يجب فيما هو على «فيعلولة» بالاستقراء إلّا في الضرورة كما قال :

يا ليت أنّا ضمّنا سفينة

حتّى يعود الوصل كيّنونة (١)

فلعلّه لزيادة حروفه على نحو سيّد جدير بأن يزيد عليه بالتزام التخفيف فيه دونه ، ولعلّ المصنّف أراد جواز التخفيف من جهة القياس وإن لم يسمع في بعضها على ما يقال فتأمّل.

ولم يجعلوا مثل ذلك على «فعيلولة» بتقديم العين على الياء ، بأن يكون الأصل كونيونة مثلا ، لعدم النظير لها وثبوت «فيعلولة» كخيثعور ـ لما لا يدوم على حال كالسراب ـ فجعلوه منه بالحاق التاء ، ولم يحكموا بأنّ المخفف بناء مستقل على «فعلولة» بفتح الفاء وسكون العين ـ لعدم «فعلول» إلّا ما شذ من نحو : صعفوق ، واعتبار كونه في الأصل بالضم كعصفور وسرجوجة ـ وهي الطبيعة ـ فابدلت الضمّة فتحة ـ كما ذهب إليه الكوفيون ـ تعسف مع عدم السبب للقلب ياء في الواوي.

وقد نقل بعضهم مثل هذا التخفيف في : «فيعلان» وجعل منه الرّيحان على ان أصله : ريّحان بالتشديد ، وأصله : ريوحان من الرّوح.

(وفي باب : قيل ، وبيع) من الماضي الثلاثي المجرّد المبنى للمفعول من الأجوف الواوي واليائي (ثلاث لغات :) الاولى وهي : أفصحها(الياء) الصريحة ، لأنّ الأصل : قول ، وبيع ـ بضمّ الأوّل وكسر الثاني ـ فنقلوا الكسرة من الياء إلى ما قبلها بعد حذف ضمّته ، استثقالا للكسرة عليها والضمّة قبلها ، وحمل عليه الواوي في نقل الكسرة كذلك ، ليجريا مجرى واحدا كما في المبنى للفاعل فانقلبت الواو ياء

__________________

(١) البيت انشده المبرد وغيره ، ومعناه : ليت أنا جمعتنا سفينة أي نجتمع في سفينة حتّى يعود الوصل كونا ـ أي حتّى يعود كون الوصل ، أي حصوله ، أي تحصيل تواصلنا عند الاجتماع في السفينة بعد حصول المفارقة ، فقوله : يعود الوصل كينونة من قبيل طاب زيد نفسا.

٤٢٨

لسكونها وانكسار ما قبلها ، وهذا (١) أحسن من حمل اليائي على الواوي ، لأنّ الياء أخف وحمل الأثقل على الأخف أولى من العكس.

(و) اللّغة الثانية : (الاشمام) وهي : أيضا فصيحة ، وقد قرأ بهما بعض الآيات ، وذلك بأن يشم الفاء ضمّة ، للتنبيه على الأصل ، وذلك بأن تضم الشفتان عند قصد الابتداء بالكلمة ان ابتدأ بهما ، وان تضما بسرعة بين النطق بأولها والنطق بآخر ما قبلها ان وصلت بغيرها على ما حققه المصنف ، ويشم الياء أيضا رايحة الواو ، وذلك على لغة بني أسد كما قيل.

(و) اللّغة الثالثة : (الواو) الخالصة والضمّة الصريحة قبلها بأن يحذف كسرة الواو وتبقى الضمّة المناسبة لها قبلها ، وحمل اليائي على الواوي فانقلبت الياء واوا ، لسكونها وانضمام ما قبلها كما قال :

ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت الشباب بوع فاشتريت (٢)

وهذه لغة قوم ، واختارها الأخفش.

فهذا حكم قيل ، وبيع ، إذا لم يتصلا بما يوجب سكون لامه ، (فان اتصل به ما يسكن لامه) كضمير المخاطب المرفوع البارز(نحو :) قولك لعبد باعه مولاه (بعت يا عبد) ولقول مقول لأحد(قلت يا قول) ، تنزيلا له منزلة من يصلح للخطاب ، (فالكسر) الصريح يكون في الفاء من الواوي واليائي على اللّغة الاولى من تلك الثلاث ، (والاشمام) على الثانية ، (والضم) الصريح على الثالثة ، ويحذف الياء على الأوّلين والواو على الثالثة بالتقاء الساكنين ، لسكونهما وسكون اللّام ، والكسر لابتنائه على اللّغة الفصحى أحسن إلّا في اليائي إذا لم يكن قرينة على البناء

__________________

(١) أي حمل الواوي على اليائي.

(٢) هذا البيت عزاه بعضهم إلى رؤبة. وليت الثاني فاعل ، وليت الثالث تأكيد له وشيئا مفعول به والشاهد : في بوع فانّ القياس بيع لأنه مجهول باع لكن جاء بوع بناء على لغة قوم من العرب.

٤٢٩

للمفعول ، فالاشمام والضم حينئذ فيه أحسن ، لالتباس المكسور فيه بالمبنى للفاعل لاتحاد الصورة ، بخلاف الواوي لانضمام الفاء في المبنى للفاعل منه.

(وباب : أختير ، وأنقيد) ونحوهما من المجهول في بابي الافتعال ، والانفعال (مثله) أي مثل ما ذكر من نحو : قيل وبيع في جواز الأوجه المذكورة(فيهما) بضمير المثنى أي في الواوي واليائي ، ويحتمل على بعد ان يكون المراد ان باب هذين مثل باب : قيل وبيع في الحكمين المذكورين أحدهما عند التجرّد عمّا يسكن اللّام والآخر عند الاتصال به ، والوجه في مماثلتهما له انّ الأصل فيهما : اختير ، وانقود مثلا بكسر حرف العلّة وضم ما قبلها ، فقولنا : تير ، وقود ، في صورة ما هو الأصل في قيل وبيع فيجري فيهما تلك الوجوه.

(بخلاف باب : أقيم ، وأستقيم) ونحوهما من مجهول باب الافعال ، والاستفعال ، فانّه ليس مثل قيل وبيع في جواز تلك الوجوه بل يتعيّن فيه الياء المكسور ما قبلها عند التجرّد عن موجب سكون اللّام ، وحذفها وكسر ما قبلها عند الاتصال به ، لأنّ الأصل في نحوه ، أقوم ، واستقوم مثلا بكسر حرف العلّة وسكون ما قبله فتنقل الكسرة من حرف العلّة إلى ما قبله وتقلب الواو ياء في الواوي ، فليس فيما قبله ضم حتّى يشم للتنبيه عليه ، أو يؤتى بالواو الخالصة لأجله.

(وشرط اعلال العين في الاسم غير الثلاثي) أي غير ما يكون على ثلاثة أحرف وذلك بأن يشتمل على ما فوقها وان كان اصولها ثلاثة(و) غير(الجاري على الفعل ممّا لم يذكر) إلى الآن ولم يبين حكم اعلاله (موافقة الفعل) في الزنة بأن يوافقه (حركة وسكنا) ، لأنّ الفعل هو الأصل في الاعلال فاشترط في اعلال ذلك الاسم الموازنة له ليناسبه بوجه (مع مخالفة) له (بزيادة أو بنية مخصوصتين) بالاسم في اللّغة الشائعة كالميم الزائدة في «مفعل» والبنية الحاصلة «لتفعل» ـ بكسر التاء ـ إذ لو لا المخالفة المذكورة لالتبس بالفعل ولو في الوقف بعد الاعلال.

وأبان ، ويزيد ـ علمين ممنوعين من الصرف فالاعلال بالقلب في الأوّل ـ كما في

٤٣٠

أقام ـ وبالاسكان ونقل الحركة في الثاني انّما هو حالكونهما فعلين ، والنقل إلى العلمية بعد الاعلال فلا بأس بعدم المخالفة فيهما ، ومن ذهب إلى كون أبان منصرفا على «فعال» بزيادة الألف لكونه أكثر في الاعلال من «أفعل» فلا اعلال فيه عنده.

وما ذكر بخلاف الجاري على الفعل فان جريانه عليه كاف في المناسبة ، فمن ثمّ اعل نحو : الاقامة والاستقامة مع المخالفة للفعل في الوزن ، وبخلاف الثلاثي وان لم يكن جاريا عليه فانّه يعل عند الموازنة للفعل وان لم يكن مخالفا له فيما ذكر ، كما اعل نحو : باب وناب لموافقة أصله «لفعل» مفتوح العين مع عدم تلك المخالفة ، لمزيد اعتنائهم بالاعلال فيه لكونه بناء معتدلا مطلوبا فيه التخفيف في الوضع فيكتفي في دفع اللبس فيه بالقرائن ، (فلذلك) الّذي ذكر من الشرط(لو بنيت من البيع) اسما(مثل مضرب) بفتح الميم وكسر الراء ـ (و) اسما مثل : (تحلئ) بكسر التاء وسكون المهملة وكسر اللّام وفي آخره الهمزة ـ لما أفسده السكين من الجلد ـ من حلأت الجلد ـ إذا أقشرته ـ (قلت : مبيع ، وتبيع) حالكون كل منهما(معلّا) أوقع فيه الاعلال بنقل كسرة الياء إلى ما قبلها لوجود الشرط المذكور ، لموافقتهما للفعل حركة وسكونا ، فانّ المضرب مثل يضرب من المضارع ، وتحلئ مثل : اضرب ـ للأمر ـ في الحركة والسكون مع مخالفة الأوّل للفعل في الزيادة المخصوصة في أوّله وهي الميم فانّها لا تزاد في الفعل ، ومخالفة الثاني في البنية المخصوصة فانّ التاء وان كانت تزاد في الفعل وهي من حروف المضارعة لكن بناء «تفعل» بكسر التاء والعين ليس في الفعل إلّا في لغة قليلة يكسرون حرف المضارعة.

(و) لو بنيت من البيع اسما(مثل : تضرب) بفتح التاء وكسر الراء(قلت : تبيع) حالكونه (مصحّحا) بابقاء كسرة حرف العلّة أعني الياء وسكون ما قبلها ، لعدم المخالفة الّتي هي شرط الاعلال.

وإذ قد وقع الفراغ من اعلال العين فلنذكر إعلال اللّام فنقول :

٤٣١

[٣ ـ إعلال اللّام] :

اللّام : الواو والياء إذا وقعتا لامين (تقلبان ألفا إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما ان لم يكن بعدهما موجب للفتح) أي ما يوجب ابقائهما وفتحهما ، والتحرك وانفتاح الحرف المتقدم داخلان في بناء الكلمة ، وعدم موجب الفتح مقيس إلى الغير الواقع بعدها فلذلك جمع بين الأوليين بالعطف وفصل الثالث وأورده على وجه الشرط ، وعند اجتماع الثلاثة يلزم القلب ألفا سواء في ذلك الماضي (كغزا ، ورمى) من الغزو والرمى ، (و) المضارع نحو : (يقوى ، ويحيى) ، والاسم نحو : (عصا ، ورحى) وأصلهما : عصو ، ورحى ، ولا يشترط فيه الجريان على الفعل ولا الموافقة له حركة وسكونا ، وان اتفقت الموافقة فلا يشترط المخالفة بوجه لأنّ اللّام محل التغيير بخلاف العين ، فيكفي في اعلاله حصول الثلاثة المذكورة بخلاف ما ينتفى فيه أحد تلك الثلاثة ، فمن ثمّ اعلّوا نحو ما ذكر(بخلاف : عزوت ، ورميت ، وغزونا ، ورمينا ، ويخشين ، ويأبين) ، من الأباء كلّاهما على صيغة جماعة النّساء على «يفعلن» بفتح العين ، فانّهما لا تقلبان ألفا في نحو هذه لانتفاء الأوّل من الثلاثة وهو التحرك لسكونهما فيها باتصال الضمير المرفوع البارز المتحرك ، (و) بخلاف نحو : (غزو ، ورمي) في المصدر ، فانّه لا اعلال في نحوهما لانتفاء الثاني وهو انفتاح ما قبلهما لسكونه ، (وبخلاف) نحو : (غزوا ، ورميا) من الفعل المتصل بألف التثنية ، (وعصوان ، ورحيان) من الاسم المثنى ، فانّ الاعلال متروك في نحو ذلك لانتفاء الثالث ، ولما جمع بين الأولين جمع بين ما يخالفهما ، ولمّا فصل الثالث عنهما أعاد قوله : بخلاف في ما يخالفه ولم يكتف بالعطف.

وانّما كان الثالث منتفيا في نحو هذه ، لوجود موجب الفتح وهو ألف التثنية ، فلم تقلبا ألفا في نحو ذلك (للالتباس) (١) بالمفرد لو قلبت إيّاها وحذفت بالتقاء الساكنين

__________________

(١) وفي بعض النسخ : للالباس.

٤٣٢

اللّازم من اجتماع الألفين ، إذ يحصل بعد الحذف غزا ، ورما ، وعصان ، ورحان ، والالتباس بالمفرد ظاهر في الفعل ، وامّا في الاسم فبعد الاضافة وحذف النون فوجب ابقائهما وفتحهما مع الألف.

(واخشيا) للأمر بصيغة المثنى (نحوه) أي نحو ما ذكر من نحو غزوا وما بعده في انّ اللّام لا تقلب ألفا بل تبقى مفتوحة قبل الألف وان لم يلتبس عند القلب والحذف بمفرده وهو إخش لامتيازه عنه بألف التثنية بعد حذف المنقلبة عن اللّام لو حذفت ، لكنهم تركوا القلب والحذف (لأنه من باب لن تخشيا) ، لكون الأمر مأخوذا من المضارع والأمر للمثنى ساقط النون بالجازم فهو يشبه المضارع الساقط النون الّذي يكون للمثنى ، ولا ريب ان قلب الياء ألفا وحذفها في هذا المضارع يؤدي إلى الالتباس بمفرده نحو : لن يخشي ـ بالألف ـ فهذا موجب لفتحها فوجب ابقائها مفتوحة فحمل الأمر الّذي هو رفعه ومن بابه عليه في ذلك.

(واخشينّ) يا رجل مؤكدا بالنون أيضا نحو ما ذكر من نحو غزوا في عدم اعلال اللّام وان لم يلتبس بشيء عند الاعلال لامتيازه بالنون عن المجرد عنها ، وانّما كان نحوه (لشبهه بذلك) المحكوم عليه بأنه نحوه وهو اخشيا أو بذلك الّذي قلنا انّه من بابه وهو لن تخشيا لكون النون بمنزلة الألف لوجوب فتح ما قبل كل منهما ، وقد يجعل اخشينّ معطوفا على لن تخشيا لا على اخشيا كما اعتبرناه ، والمعنى : ان اخشيا من باب لن تخشيا كما قلنا ومن باب اخشين لشبهه به في الكون أمرا محمل عليهما والأوّل أظهر.

وهذه المذكورات كائن (بخلاف : اخشوا) للجمع بدون التأكيد ، (واخشونّ) للجمع مع نون التأكيد ، (واخشي ، واخشينّ) للواحدة المخاطبة بدون التأكيد ومعه ، فانّ الأصل : اخشيوا ، واخشيي ، بياء قبل علامتي الجمع والمخاطبة مضمومة في الأوّل مكسورة في الثاني مفتوح ما قبلها فيهما فقلبت ألفا وحذفت ، وحكم المؤكد منهما حكمها إلّا ان واو الجمع يضم قبل النون ، وياء المخاطبة يكسر قبلها دفعا

٤٣٣

لالتقاء الساكنين اللّازم من ملاقاتهما للنون كما في : اخشوا القوم ، واخشى القوم من غير امكان حذف شيء من الساكنين لكون كل منهما كلمة مستقلة لافادة معنى فحرك الأوّل فيهما بما يناسبه ، وليس في قلب الياء الّتي هي لام الكلمة وحذفها التباس بشيء.

وكذلك تحذف الياء من المضارع في الجميع والمخاطبة فلا توجد موجب الفتح في شيء ممّا ذكر بوجه من الوجوه.

[قلب الواو ياء وهي لام] :

(وتقلب الواو ياء إذا وقعت مكسورا ما قبلها) سواء كانت ثالثة أم رابعة فما فوقها ، لاستثقالها عند وقوع الكسرة قبلها مع كونها في محل التغيير ، (أو) وقعت (رابعة فصاعدا) وان لم يكن ما قبلها مكسورا(و) لكن إذا(لم ينضم ما قبلها) بل كان مفتوحا أو مكسورا ، وهي امّا ساكنة وامّا مقرونة بما يوجب فتحها كألف التثنية لوقوعها في محل التغيير واستثقالها في آخر الكلمة الّتي كثرت حروفها ، حيث وقعت رابعة فما فوقها فقلبت إلى الياء الّتي هي أخف منها.

فما كانت هي فيه ثالثة وما قبلها مكسور(كدعي) ـ مجهولا ـ ، (ورضي) ـ مجهولا أو معلوما ـ ، (و) ما هي فيه رابعة فما فوقها وما قبلها مكسور مثل : (الغازي) ، والمستغزي ، من أسماء الفاعلين ، واغزيت ، واستغزيت ـ مجهولين ـ ويغزي ، ويستغزي ، كيكرم ويستخرج ، في المضارع المعلوم ، وما هي فيه رابعة فصاعدا وهي ساكنة وما قبلها مفتوح مثل : (وأغزيت ، وتغزيت ، واستغزيت) ، وغازيت ، وجاء في بعض اللّغات نحو : أعطاته ، وأرضاته ـ بالألف ـ في معنى أعطيته وأرضيته.

(و) ما هي فيه رابعة مفتوح ما قبلها وهي مقرونة بموجب الفتح نحو : (يغزيان) على صيغة المجهول المضارع ، (يرضيان) مجهولا كان أو معلوما ، واغزيا ، واستغزيا

٤٣٤

ـ معلومين ـ ومغزيان ، ومستغزيان ، كمكرمان ومستخرجان من أسماء المفعولين ، (بخلاف : يدعو ، ويغزو) ، ويدعوان ويغزوان ، فانّها لم تقلب فيها ياء وان وقعت رابعة لانضمام ما قبلها.

وبخلاف : ما هي فيه متحركة مفتوح ما قبلها مع عدم موجب للفتح ، فانّها تقلب ألفا كأغزى ، واستغزى ـ معلومين ـ كما مرّ.

(و) قولهم : (قنية) ـ بكسر القاف وضمّها وسكون النون على الوجهين في مصدر قنوته ـ أي اكتسبته ـ ويقال : اقتنيت أيضا ، (و) قولهم : «هو ابن عمّي دينا» ـ بضمّ الدال وكسرها مع سكون النون ، على الوجهين منصوبا ، من : دنا يدنو ـ إذا قرب ـ يعني انّه قريب النسب مني وهو ليس من الاباعد من بني أعمامي ، (شاذ) والقياس : قنوة ، ودنو ، لكون كل منهما على ثلاثة أحرف مع عدم انكسار ما قبلها ، ولعل الوجه فيهما على شذوذهما في صورة كسر الفاء فيهما تنزيل النون الساكنة ـ لخفتها وسكونها ـ منزلة العدم فالكسرة كأنها قبل الواو فقلبت ياء ، وحمل عليه ما إذا ضمّ الفاء ، وقد يقال : جاء قنوت ، وقنيت ـ بالواو والياء ـ فالقنية من اليائي من غير شذوذ.

(و) بعض القبائل وهي : (طيّئ : تقلب الياء) ـ ألفا ـ (في باب) : ما هي فيه متطرفة وما قبلها مكسور مع فتح الأوّل وضمّه سواء كانت تلك الياء أصليّة أم منقلبة عن الواو نحو : (رضي ، ودعي ، وبقي) من المعلوم أو المجهول فيقولون : رضا ، ودعا ، وبقا ، وكأنهم استثقلوا الكسرة قبلها فقلبوها فتحة وقلبوا الياء ألفا كما مرّ ، وحكى عنهم : في ناصية ناصاة.

(وتقلب الواو) في لغة جميع العرب حالكونها(طرفا بعد ضمّة في كل) اسم (متمكّن ياء) لرفضهم في الأسماء المتمكّنة الواو المتطرفة الّتي ما قبلها مضموم أو متحرك بحركة اخرى على ما في شرح المفصل ، بخلاف غير المتمكّن من الاسم نحو : هو ، وذو ، وبخلاف : الفعل نحو : يدعو ، ويغزو ، (فينقلب الضمّة كسرة) بعد

٤٣٥

انقلاب الواو ياء لمناسبة الياء وثقل الضمّة قبلها ، (كما انقلبت) الضمّة قبل الياء الأصليّة كسرة(في التّرامي ، والتجاري) فانّهما مصدران من الياء على زنة «التفاعل» بضمّ العين ـ فقلبت الضمّة فيهما كسرة لما ذكر ، وإذا قلبت الواو المتطرفة ياء والضمّة كسرة(فيصير من باب : قاض مثل : أدل) جمع دلو ، (وقلنس) وأصلهما : أدلو مثل أكلب ، وقلنسو ، فاذا قلبت الواو المضموم ما قبلها ياء والضمّة كسرة حصل الأولى ، والقلنسى ـ بالياء المكسورة ما قبلها في الآخر ـ كالقاضي فيقال : هذا أدل وقلنس ـ رفعا وجرّا ـ كقاض ، ورأيت أدليا وقلنسيا ـ نصبا ـ كقاضيا.

(بخلاف : قلنسوة ، قمحدوة) على زنتها ـ لما خلف الرأس ـ فانّها لم تقلب فيهما ياء لزوال التطرّف عنها بلحوق تاء التأنيث وصيرورتها وسطاوهم يستثقلون في الطرف ما لا يستثقلونه في الوسط ، (وبخلاف : العين) المضموم ما قبلها فانّها لا تقلب ياء لعدم (١) تطرفها ، فالواوي (كالقوباء) ـ بالقاف المضمومة وفتح الواو بعدها الموحدة والمدّ ـ لداء معروف يتقشر ويتسع في الجسد ويعالج بالريق ـ وهي مؤنثة لا تنصرف لألف التأنيث الممدودة والجمع : قوب ، ويصغر على قويبآء كحميرا ، وقد تسكن الواو استثقالا للضمّة فيقال : انّها حينئذ تذكر وتصرف على انّ الهمزة المتطرفة منقلبة عن الياء المزيدة للالحاق بقرطاس في لغة ضمّ القاف ، ويصغر على قويبيّ ـ بتشديد الياء الأخيرة كقريطيس.

وذكر ابن السكيت : انّه لم يأت على «فعلاء» بضمّ الفاء وسكون العين والمد غيرها سوى خشّاء ـ بتشديد المعجمة الثانية ، للعظم الناتي خلف الاذن ـ والأصل فيهما تحريك العين ، وزاد الجوهري : مزّاء ـ بتشديد الزاي ، لنوع من الأشربة ـ ، (و) مثل : (الخيلاء) على «فعلاء» بضمّ الفاء وفتح العين والمد ـ للتكبر ـ.

__________________

(١) وفي نسخة : فانّها لا تقلب ياء ان كانت واوا ولا تقلب الضمّة قبلها كسرة ان كان ياء لعدم تطرّفها.

٤٣٦

(ولا أثر للمدّة الفاصلة) بين الواو المتطرفة والضمّة(في الجمع إلّا في الاعراب) ، لاعتنائهم بتخفيف الجمع واعلاله لثقله فجعلت المدّة ـ لضعفها وزيادتها ـ كالمعدوم ، وجعلت الضمّة كأنها قبل الواو فقلبت ياء وقلبت تلك الضمّة كسرة واعرب بالحركات الثلاث للمدة الساكنة قبلها كغيره ممّا سكن فيه ما قبل حرف العلّة كدلو ، وظبي ، وكرسيّ ، فلم يؤثر المدّة إلّا في الاعراب حيث صار بها اعرابه على خلاف ما هو كقاض وأدل ، (نحو : عتيّ) في جمع العات ، للمستكبر ـ من العتو بالمهملة والفوقانية ، (وجثيّ) جمع الجاث ـ بالجيم والمثلثة للجالس على الركبتين ـ من الجثو ، وعصيّ ، ودليّ ، في جمع عصا ودلو ، وأصلها : عتوّ ، وجثوّ ، وعصو ، ودلوّ ، بضمّتين وتشديد الواو على «فعول» كسجود جمع ساجد ، فقلبت المتطرفة ياء فحصل عتوي وجثوي مثلا واعل اعلال سيّد وقلبت الضمّة قبلها كسرة ، وبعضهم عكس فقلبت الضمّة قبلها كسرة ثمّ قلبت الواو ياء ، والأوّل أشهر وأظهر.

(بخلاف المفرد) فانّه ليس عندهم كالجمع في الاستثقال ، فاعتبر الفصل بالمدة واعرب كدلو ونحوه بالحركات الثلاث ، فالمدّة فيه مؤثرة في الاعراب والمنع من الاعلال معا ، وذلك كعتوّ ، وجثوّ ـ مصدرين ـ كما قال الله تعالى (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً)(١).

ثمّ الأصل في الفاء من الجمع عند الاعلال ان تبقى ضمّتها ، (وقد تكسر الفاء) فيه (للاتباع) للعين (فيقال : عتيّ ، وجثيّ) بكسرتين ، (ونحو : نحوّ) بضمّتين وتشديد الواو ـ على «فعول» جمع نحو كما يقال : نظرت إليه من نحوّ كثيرة ـ أي من جهات كثيرة ـ ونجوّ في جمع نجو ـ بالنون والجيم ، للسحاب الّذي هراق مائه ـ ويهوّ في جمع بهو ـ بفتح الموحدة وسكون الهاء ، للصدر ـ وأبوّ ، وأخوّ في جمع أب وأخ ، (شاذ) والقياس : نحيّ ـ بالياء المشدّدة المكسور ما قبلها كعتيّ وكذا البواقي ،

__________________

(١) الآية : ٢١ الفرقان.

٤٣٧

خلافا للفراء حيث نفى الشذوذ عنها.

(وقد جاء) : في المفرد(نحو : معديّ ، ومغزيّ) ـ بالياء المشدّدة الحاصلة من الاعلال المذكور في نحو : جثى ، في اسم المفعول من العدوان والغزو ، مجيئا(كثيرا) ، ومنه قول عبد يغوث الحارثي :

وقد علمت عرسي مليكة أنّني

أنا اللّيث معديّا عليه وعاديا (١)

(والقياس) : معدوّ ، ومغزو (بالواو) المشدّدة كغيرهما من المفرد ، لكن هذا القياس فيما ليس ماضيه على «فعل» بكسر العين ـ وإلّا فالقياس الثابت بالاستقراء الاعلال كمرضى في رضى ، وقراءة بعضهم : راضية مرضوّة شاذ ، وفي التسهيل انّها مرجوحة ، وكأنهم خرجوا في قياس هذا الباب عن القياس المناسب للواو في مثل (٢) وهو عدم القلب فقلبوها ياء لمناسبة الماضي ، ولعل قول الجوهر : ان مرضوا على الأصل والقياس معناه : انّه على القياس المناسب للواو في مثله وان خرج عن قياس هذا الباب.

وممّا جاء من المفرد بالاعلال : عتاعتيّا ـ إذا تكبر ـ وضحا يضحو ضحيّا ـ إذا برز للشمس ـ وعسا الشيخ يعسو عسيّا ـ إذا كبر ـ وجاء فيها : عتوّ ، وضحوّ ، وعسوّ ، على الأصل.

[قلب الواو والياء همزة طرفا] :

(وتقلبان همزة إذا وقعتا طرفا بعد ألف زائدة نحو : كساء) وأصله : كساو ـ بالواو ـ ، (ورداء) وأصله : رداي ـ بالياء ـ لقولهم : فلان حسن الكسوة والردية

__________________

(١) البيت قائله معلوم. عرس الرجل : امرأته. ومليكة : اسمها عطف بيان له أو بدل.

والشاهد : في «معديا» حيث جاء معلا وهو من عدا يعدو وكان حقّه ان يقول : معدوا ولكنّه شبهه بالجمع فاعله.

(٢) وفي نسخة : وفي مثله وهو عدم القلب الخ. وفي اخرى : وفي مثل هو عدم القلب الخ.

٤٣٨

كالجلسة ـ بكسر الجيم ـ كأنهم استثقلوهما في الطرف ونزلوا الألف قبلهما في مثل ذلك ـ لضعفها وزيادتها ـ منزلة العدم ، أو منزلة الفتحة فصارتا كأنهما متحركتان ما قبلهما مفتوح فقلبتا ألفا فاجتمعت ألفان فكرهوا حذف احداهما لكونه مظنة التباس بناء ببناء آخر ولا سبيل إلى تحريك احداهما لتعذره فقلبوا الأخيرة المتطرفة حرفا يقبل الحركة ويجانسها في المخرج الّذي هو الحلق وهو الهمزة ، كما يقال : في حمراء وصحراء.

(بخلاف : راي) ـ اسم جنس الراية ـ بمعنى العلم ـ ، بفتحتين ، (وثاي) ـ بالمثلثة ، اسم جنس ثاية الإبل وهي مأواها ـ فانّ الياء المتطرفة لم تقلب فيهما همزة ، لعدم زيادة الألف وكونها منقلبة عن الواو الأصلية ، من رويت بمعنى جمعت على ما قيل ، وثويت بالمكان ـ اقمت به ـ وأصلهما : روي ، وثوي ، بالتحريك فقلبت الواو فيهما ألفا فلاصالتها لم تنزل منزلة العدم أو الفتحة ، فاعلال العين وتصحيح اللّام فيهما على خلاف ما هو القياس من أخذ الاعلال من الآخر وان كان شاذا قياسا كما في آية على قول الخليل حيث زعم ان أصلها : أيية ـ بفتح اليائين ـ فقلبت الاولى ألفا ، والقياس عكسه كما في الهوى ، لكن العدول عن قلبها همزة وارد على القياس.

(ويعتد بتاء التأنيث قياسا) إذا كانت لازمة ، واكتفى عن التقييد بالتمثيل والشهرة ، وذلك لأنّه يخرج بها الواو والياء عن الطرف فيبقيان بلا قلب إلى الهمزة ، (نحو : شقاوة ، وسقاية) فانّهما وضعتا مع التاء في مصدر شقا وسقى بدليل عدم انفكاكهما عنها في الاستعمال قط ، وكذا نقاية ، ونهاية ، بخلاف ما إذا لم يكن لازمة ، فانّها لا تعتد بها لكونها في معرض الزوال ، فتقلبان معها همزة ، وذلك كالعارضة في الصفة للفرق بين المذكر والمؤنث نحو : سقّاء ـ بتشديد القاف ـ وسقّاءة ، والعارضة في المصدر للمرة ، كاصطفاءة ، واشتراءة ، وذلك كما لا يعتد بعلامة التثنية لعروضها فيقال : كساءان ، ورداءان مثلا بالقلب همزة.

٤٣٩

ثمّ كأنهم نظروا إلى مشابهة هذه الهمزة في الانقلاب عن الألف كما مرّ للهمزة الّتي يلزم قلبها واوا في المثنى وهي الّتي للتأنيث كحمراوان ، فأجازوا قلب هذه أيضا واوا في الواوي واليائي كليهما بأن يقال : كساوان ، ورداوان ـ بالواو ـ.

(ونحو : صلاءة) ـ بفتح المهملة للحجر ملاء الكف ـ ، (وعظاءة) لدويبة معروفة أكبر من الوزغة ، (وعباءة) لكساء معروف ، (شاذ) ، لأنّ الهمزة في جميعها منقلبة عن الياء الأصلية بعد تاء التأنيث الازمة ، لأن ما يفرق بين مفرده وجنسه بالتاء قليل في أسماء الأعيان ، ولم يبلغ حدّا يعلم منه ان مفردها هو اسم جنسها المعروض للتاء ، والأصل عدم العروض ، فيصار إلى انّه موضوع مع التاء للواحد ، فالتاء لازمة لها وضعا ، والقياس عند لزومها الاعتداد بها وترك القلب كسقاية.

وقد ورد الجميع على القياس أيضا ، وقد يمنع لزوم التاء فيها لمجيئها بدونها للجنس نحو : صلاء ، وعباء ، ثمّ يقال : انّ الظاهر بناء الواحد على الجنس وعروض التاء فيه للوحدة حملا على المتيقن عروض التاء فيها من المصادر والصفات الّتي لا تحصى كثرة ، وعلى هذا فترك القلب همزة ـ كما ورد فيها ـ كأنه لتوهم لزوم التاء.

وقد يقال : قد تعارض فيها ما ذكر من وجه اللزوم ووجه العروض (١) ، فمن لم يقلب همزة جرى على الوجه الأوّل ، ومن قلب جرى على الثاني من غير شذوذ في شيء منهما فتأمّل.

[قلب الياء واوا والواو ياء في الناقص] :

(وتقلب الياء) الواقعة لاما(واوا في «فعلى» ـ بفتح الفاء وسكون العين والألف المقصورة بعد اللّام ـ حالكونها(اسما كتقوي) بالفوقانية ـ وهي ممنوعة من الصرف والتنوين لألف التأنيث ، خلافا لمن جعل الألف للالحاق بجعفر ، (وبقوى) ـ بالموحدة ـ وهو اسم من ابقيت على فلان ـ كاكرمت إذا رحمته ، والأصل فيهما :

__________________

(١) هذا من باب تعارض الأصل والظاهر.

٤٤٠