شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

«إفتعل» في عدد الحروف والسكنات وعدم الادغام مع اجتماع المثلين وان لم يكونا من باب واحد ، والوجه في عدم الادغام المحافظة على البناء وانجبار ثقل المتماثلين بسكون ما قبلهما.

(ومن) قال : احووى احوواء كاقتتال ومع هذا(إدغم ـ إقتتالا ـ) ترجيحا للتحرز عن الاظهار في المثلين المجتمعين على المحافظة على البناء ، والاعتناء بالسكون المتقدم ، وقال : قتّل ، يقتّل ، قتّالا ـ بتشديد التاء ـ في الجميع للادغام وتحريك ما قبلها ، كما يأتي في باب : الادغام ، وحذف همزة الوصل للاستغناء عنها ، (قال :) حوّي ، يحوّي ـ بفتح الحاء فيهما ، أو كسرها ـ على الوجه الّذي يأتي في : قتلّ يقتلّ ، (حوّاء) بنقل كسرة الواو الأولى إلى الحاء وحذف الهمزة والادغام.

فهذه أربعة أوجه ، والهمزة الأخيرة في الجميع منقلبة عن الواو المتطرفة بعد الألف.

(وجاز الادغام) من غير كثرة ، بعد نقل كسرة الياء الاولى إلى ما قبلها ، (في : احيي) كأكرم ، (واستحيي) كأستخرج ، مجهولين ، لاجتماع المثلين من غير اعلال في الآخر ، لانكسار ما قبله ، (بخلاف : أحيي ، واستحيي) مبنيتين للفاعل ، فان ما قبل الآخر فيهما مفتوح ، فيجري فيهما الاعلال بالقلب ألفا قبل الادغام ، فيتعين فيهما الاظهار لعدم المثلين.

(وامّا إمتناعهم) عن الادغام (في يحيي ، ويستحيي) كيكرم ، ويستخرج ، مبنيين للفاعل مع اجتماع المثلين وعدم الاعلال في الآخر ، لانكسار ما قبله ، (فلئلّا ينضم) عند التجرّد عن الجازم والناصب (ما رفض ضمّه) في الفعل ، وهو الياء ، مع ان الياء المشدّدة لم يجيء في كلامهم في آخر المضارع كما مرّ ، وامّا مضارع : أحيي ، واستحيي ـ مجهولين ـ فلا مجال للادغام فيه ، لجريان قلب الآخر فيه ألفا ، لانفتاح ما قبله قبل الادغام.

٤٠١

(ولم يبنوا من باب) : ما عينه ولامه واوان ، نحو : (قوي) إلّا ما يشتمل على قلب الأخيرة ياء ، للكسرة قبلها ، وهو «فعل» بالكسر دون ما يبقى فيه الواوان ، لعدم الكسرة فلم يبنوا منه ، (مثل ضرب) بالفتح ، (ولا) مثل : (شرف) بالضم وان أمكن التخفيف بالادغام بعد اسكان الاولى عند الخلوّ عن الضمير البارز المرفوع نحو : قوّ ـ بالواو المشدّدة ـ (كراهة) اجتماع الواوين عند الاتصال بالضمير المذكور ، نحو : (قووت) بفتح الواو الاولى ان بنى مثل : ضربت ؛ (وقووت) بضمّها ان بنى مثل : شرفت ، للزوم تحرك العين الّتي هي أوّل المثلين عند الاتصال به ، فلا مجال للإدغام عنده ، ولم يبالوا باجتماع اليائين في نحو : حييت ، لأنّه أخف من اجتماع الواوين.

(ونحو : القّوّة) مصدر قوي ، (والصّوّة) ـ بالمهملة المضمومة والواو المشدّدة ـ واحدة الصّوى ـ بضمّ المهملة والقصر ، للأعلام من الحجارة ، أو الّتي غلظت وارتفعت من الأرض ولم يبلغ ان يكون جبلا ـ ، (والبوّ) ـ بفتح الموحدة وتشديد الواو ، لجلد ولد الناقة يملأ تبنا إذا مات ولدها لتسلّى به ـ ، (والجوّ) ـ بفتح الجيم وتشديد الواو ، للهواء ـ ، وبضمّ المهملة في بعض النسخ على انّه جمع الأحوى من الحوّة للّون المذكور آنفا ، (محتمل) ـ بفتح الميم على انّه اسم مكان ـ أي موضع احتمال ـ (للإدغام) وان كان بكسر الميم فالمعنى : ان مثل ذلك محتمل الادغام ويصلح له.

والحاصل : ان في نحو ذلك وان اجتمعت واوان لكنّه صالح للادغام ، لوجود شرطه فيه ؛ وهو سكون الأوّل وتحرك الثاني ، فيسهل ثقل اجتماعهما بخفة الادغام ، بخلاف : قووت ، فانّه لا يحتمل الادغام ، لتحرك أوّل المثلين فيه كما قلنا.

[بعض ما لا يعل من الصيغ] :

(وصحّ باب : ما «أفعله» ، و «أفعل» به ، للتعجب ، نحو : ما أقوله ، وأقول به ، وما أبيعه ، وأبيع به ، (لعدم تصرّفه) ، ولذلك لم يجز تأنيثه وتثنيته وجمعه ، فحيث التزموا عدم تصرفه تركوا الاعلال فيه ، لأنه تصرف مع ان الاعلال لا يكون إلّا

٤٠٢

بالحمل على الفعل المتصرف ، لما بينهما من التباعد.

وامّا التصرف فيه باعلال اللّام نحو : ما أرماه ، وما أغزاه ، فلأنّ اللّام محل التغيير مع ان تأثير سبب الاعلال في اللّام ليس للحمل على الفعل.

(و «أفعل») التفضيل نحو : أقول من زيد ، وابيع من عمرو ، (محمول عليه) في صحّة العين ، لما بين صيغتي التعجّب والتفضيل من التناسب ، لتشاركهما في الاختصاص بالثلاثي المجرد وعدم البناء من اللون والعيب ، (أو) هو صحيح العين (للّبس بالفعل) الماضي من باب الافعال لواعلّ ، فانّ الماضي من : الاقالة والاباعة مثلا أقال ، وأباع ، ولواعل اسم التفضيل من القول والبيع كان على هذه الصورة فيلزم الالتباس ، فدفع باعلال ذلك الفعل وصحّة اسم التفضيل ، ولم يعكس لأنّ الاعلال في كل منهما لا يتصور إلّا بالحمل على الفعل المجرد الثلاثي كما مرّ ، وحمل الفعل على الفعل أولى من حمل الاسم عليه.

فقوله : (أو للبس) معطوف على قوله : محمول عليه من حيث المعنى ، كأنه قال : لم يعل اسم التفضيل للحمل عليه ، أو للبس ، كذا قال بعض الشارحين ، ويمكن جعله معطوفا على قوله : لعدم تصرفه ؛ وقوله : «وأفعل محمول عليه» جملة معترضة.

وبيان اللبس بالفعل في صيغة التعجّب : ان ما أفعله لواعلّ إلتبس بالماضي المتصل بالضمير البارز من باب الافعال المقترن بما الاستفهامية مثلا ، و «أفعل به» يلتبس بالأمر منه إذا إقترن بالباء والضمير بوجه من الوجوه مع كفاية التباس «ما أفعله» بالفعل في صحّة الصيغتين إجراء لباب التعجّب على وتيرة واحدة ، ودفع الالتباس بالفرق بالصحّة والاعلال.

ولم يعكس ، لأن صيغة التعجّب ان لم يكن اسما فهي جارية مجراه ، وحمل الفعل الصريح على الفعل أولى من حمل الجاري مجرى الاسم عليه ، ولم يعتبر حمل اسم التفضيل عليه ههنا ، لظهور جريان نفس هذا الوجه ـ أي اللبس عند الاعلال فيه ـ من غير حاجة إلى حمله على ما أفعله في ذلك ، فتأمل فيه تعسف.

٤٠٣

واعلّوا إسم التفضيل في اللّام كصيغة التعجّب ، نحو : أرمى من زيد ، وأغزى منه.

(وصحّ) ما كان من (باب) : الافتعال بمعنى التفاعل نحو : (إزدوجوا ، وإجتوروا) وان تحقق فيه سبب الاعلال ، لتحرك حرف العلّة وانفتاح ما قبله ، (لأنه بمعنى) ما لا إعلال فيه وهو «تفاعلوا» ، نحو : تزاوجوا ، وتجاوروا ، فحمل على ما هو بمعناه في الصحّة ، بخلاف نحو : اختار ممّا ليس بذلك المعنى.

(و) صحّ (باب : إعوارّ) من العور ، (واسوادّ) من السواد ، مع كون حرف العلّة فيه في حكم المتحرك المفتوح ما قبله ـ كما في : اقام ، واستقام ـ (للّبس) لواعلّ ، إذ الاعلال فيه بأن يفتح ما قبل حرف العلّة كالسين والعين فيحذف همزة الوصل ، للاستغناء عنها ، ثمّ إذا قلبت حرف العلّة ألفا إجتمعت ألفان فتحذف احديهما بالتقاء الساكنين فيحصل : سادّ ، وعارّ مثلا ، ـ بتشديد الدال والراء ـ ويلتبس باسم الفاعل من سدّ وعرّ من المضاعف ، وبماضي باب المفاعلة منهما.

(و) صحّ باب : (عور ، وسود) من المجرد ، (لأنه بمعناه) من غير تفاوت في نفس المعنى ، فان سود واسوادّ بمعنى واحد إلّا في المبالغة الحاصلة في الثاني بالزيادة فحمل على ما هو بمعناه في الصحّة ، وانّما اعتبروا حمل المجرد على المزيد فيه ، لأنّ الأصل في الألوان والعيوب ان يبني فعله على هذا الوجه المزيد فيه فهو في هذا المعنى أصل لذلك وان كان المجرّد أصلا له في الاشتقاق ، فرجح ما هو الأصل في افادة المعنى.

(وما يتصرّف) على البناء للمفعول ـ أي يوجد من التصاريف ـ (ممّا صحّ صحيح أيضا) كما صحّ أصله ، للحمل عليه وان اشتمل هذا الفرع على سبب الاعلال ، وذلك (كأعورته) من العور ، (واستعورته ، ومقاول ، ومبايع) على صيغة اسم الفاعل من : قاول ، وبايع ، ولو لا الحمل على الأصل لقلبت الواو في اسم الفاعل همزة ـ كما في : صائن ، وبائع ، (وعاور) من غير قلب حرف العلّة همزة كما هو قياس اسم الفاعل من الأجوف ، (وأسود) ـ بالتشديد ـ كاحمرّ لأنه منقوص

٤٠٤

من : اسوادّ مع ان ما ذكر من اللبس في اسوادّ لو اعلّ جاء فيه أيضا.

(ومن) اعلّ الأصل في بعض ذلك مثل : من (قال : عار) أعلّ التصاريف ، فلذلك (قال : أعار ، وأستعار) بالألف ، (وعائر) بالهمزة ، إذ لا وجه لترك الاعلال سوى الحمل على الأصل فاذا أعلّ الأصل لم يبق وجه تركه.

(وصحّ : تقوال ، وتسيار) وهما مصدران بمعنى : القول ، والسير ، وصحّتهما مع وجود الاعلال في فعلهما وكون حرف العلّة فيهما في حكم المتحرك المفتوح ما قبله كالاقامة ، (للّبس) فان حرف العلّة فيهما لو قلبت ألفا اجتمعت ألفان وبعد حذف احديهما يحصل : تقال ، وتسار ، فيكونان في معرض اللبس بالمضارع المجهول للغفلة عن الفتحة في أولهما ، أو المعلوم لتوهم مجيء نحو : خاف يخاف منهما.

(و) صحّ : (مقوال ، ومخياط) كلّاهما بكسر الميم ، للمبالغة في : القول ، والخياطة ، مع كون حرف العلّة فيهما في حكم المتحرك المفتوح ما قبله ؛ (للبس) عند الاعلال ، إذ بعد القلب ألفا واجتماع الألفين وحذف احديهما يحصل : مقال ، ومخاط ، فلا يدري أنهما «مفعل ، أو مفعال» مع أنهما ليسا على مثال الفعل ، لمفارقتهما له في الألف الّتي هي بعد العين ، (ومقول ، ومخيط) بكسر الميم من غير ألف (محذوفان منهما) ـ أي مأخوذان من : مقوال ، ومخياط ـ بحذف الألف ، فرعان لهما فحملا على الأصلين في الصحّة ، ولوا ذلك لأعلّا كمقام ، (أو) بناآن مستأنفان كائنان (بمعناهما) من غير ان يكونا فرعين لهما ، فحملا على ما هما بمعناه في الصحّة.

(وأعلّ نحو : يقوم ، ويبيع) وأصلهما كينصر ، ويضرب ، (ومقوم ومبيع) اسمي مفعول من : باعه ، ومن قام وان كان لازما على سبيل الفرض ، أو على تقدير الوصل بحرف الجر ـ كما في ممرور به ، وأصلهما : مقووم ، ومبيوع ، (بغير ذلك) الّذي ذكر من القلب ألفا مع انّ المناسب ذلك ، لتحرك ما قبل حرف العلّة في الماضي الّذي هو الأصل ، فحرف العلّة فيها مثلها في : أقام ، ومقام ، ولكنها اعلت بالاسكان ونقل الحركة(للّبس) لو اعلت بالقلب ألفا ، إذ لو قيل : يقام ، ويباع ، التبسا بباب : يخاف ،

٤٠٥

ويهاب ، ولو قيل : مقام ، ومباع ، بعد حذف الواو الساكنة بالتقاء الساكنين التبس اسم المفعول بالمصدر الميمي والمكان.

(و) صحّ باب : ما يقع فيه ساكن على وجه الاتصال بعد حرف العلّة المتحرك بإحدى الثلاث المفتوح ما قبله ، (نحو : جواد ، وطويل ، وغيور) بالمعجمة من الغيرة ، وصحّته في نحو ذلك مع تحرك وانفتاح ما قبله (للالتباس) على تقدير الاعلال «بفاعل» أو «بفعل» ـ بسكون العين أو بفتحها ـ فان حرف العلّة في هذه لو قلبت ألفا اجتمع ساكنان ؛ فامّا ان يحرك الثاني بالكسر بعد قلبه همزة فيحصل : جائد ، وطائل ، وغائر ، على هيئة اسم الفاعل فيلتبس به ، وامّا ان يحذف إحدى الساكنين فيحصل : جاد ، وطال ، وغار ، ويلتبس «بفعل» مفتوح العين من الأجوف الّذي قلبت عينه ألفا ، مع احتمال الالتباس باسم الفاعل من الناقص في الوقف ، كقاض بأن يكون من : جديته بمعنى : سئلته العطاء ، وطليته بالدهن ، وغريته بمعنى : الصقته بالغراء ـ بكسر المعجمة ـ وفارسيته : سريشم ، وان حذفت الألف من الأخيرين حصل : طيل ، وغير ، فيلتبسان «بفعل» ـ بسكون العين ـ ، فصحة العين في نحو هذه لدفع اللبس.

(أو لأنّه ليس) بمشتمل على شرط اعلال العين ، فان شرطه في الاسم الزائد على ثلاثة أحرف الجريان على الفعل في العمل والدلالة على الحدوث ، أو الموافقة له في الحركات والسكنات مع المخالفة بوجه ما ليحمل عليه في الاعلال على ما سيجيء انشاء الله تعالى ، وليس شيء من هذه (بجار على الفعل) ، لأنّ الجاري عليه هو اسم الفاعل واسم المفعول على ما قالوا ، (ولا موافق) للفعل في الحركات والسكنات ، وهو ظاهر ، فلم يحمل على الفعل الّذي هو الأصل في الاعلال.

(و) صحّ مع وجود سبب الاعلال (نحو : الجولان) مصدر جال بالجيم ، (والحيوان) بالمهملة ، (والصّوري) بالصاد والراء المهملتين والقصر ـ ، (والحيدي) بالحاء والدال المهملتين والقصر ، وهما نوعان من المشي فيهما تمايل ، كذا قيل ، ويقال : أيضا

٤٠٦

حمار حيدي ـ أي يحيد أي يميل عن ظلّه لنشاطه ، وقال الجوهري لم يأت في نعوت المذكر على «فعلى» غيره ، (للتنبيه بحركته) في العين والعدول عن القلب إلى الألف الساكنة(على حركة مسمّاه) إذ من سمعه مخالفا للقياس الّذي هو الاعلال كأنه يتفطن بأن ذلك لرعاية التناسب بين اللفظ والمعنى فيتنبّه بوجود الحركة في المعنى ، فتأمل.

ولو قال : لرعاية التناسب بين اللفظ والمعنى كان أظهر.

(و) صحّ : (الموتان) مع وجود سبب الاعلال ، (للحمل على الحيوان) حملا للنقيض على النقيض ، لتقاربهما في الخيال غالبا ، فانّ الموتان خلاف الحيوان كالأرضين والدور ونحوهما ممّا لا حياة له ، وقال الفراء : هو الأرض الموات الّتي لم يتعرض لاحيائها أحد.

وبالجملة : قد صحّ نحو : الجولان وما ذكر معه في كلامهم لما ذكر ، (أو لأنه ليس بجار) على الفعل ، (ولا موافق) له حركة وسكونا.

(و) صحّ : (نحو : آدور) جمع دار ، (وأعين) جمع عين ، مع كون حرف العلّة في نحوهما من الجموع في حكم المتحرك المفتوح ما قبله ؛ لانفتاح ما قبله في المفرد الّذي هو الأصل ، (للالتباس) لو قلبت العين في نحوهما ألفا بالفعل ، فانّه لو قلبت العين في : آدور ، وأعين مثلا ألفا حصل آدار ، واعان ، ويلتبسان في حال الوقف بالماضي من الادارة والاعانة ، والمضارع الّذي للمتكلم الواحد من : دار ، وعان فلان ـ إذا صار عينا ، أي جاسوسا ـ أو بمعنى آخر ، (أو لأنه ليس بجار) على الفعل ، (ولا مخالف) له بوجه من المخالفة ، لكون آدور واعين مثل : أنصر ـ للمتكلم من المضارع من نصر من غير فرق ـ والحال انّه يجب في اعلال ما ليس بجار على الفعل مع الموافقة له في الزنة ان يشتمل على وجه من المخالفة ، كما سيجيء انشاء الله تعالى.

(و) صحّ : (نحو : جدول) كجعفر ، (وخروع) كدرهم ، لنبت معروف يقال له

٤٠٧

بالفارسية : بيد انجير ، (وعليب) ـ بالمهملة واللّام التحتانية والموحدة ـ لواد ، وقيل : لماء على زنة جخدب ، ولم يأت «فعيل» بضمّ الفاء وسكون العين وفتح الياء غيره على ما قال الجوهري ، (لمحافظة الالحاق) بموازناتها المذكورة ، (أو للسكون المحض) اللّازم في ما قبل حرف العلّة ، فليس فيما قبله حكم الحركة بوجه حتّى يجعل في حكم المتحرك المفتوح ما قبله.

[إعلال الواو والياء همزة] :

(و) الواو والياء(تقلبان همزة ، في نحو : قائم ، وبائع) من اسم الفاعل من الأجوف (المعتل فعله) كقام ، وباع ، للحمل على الفعل في الاعلال ، لجريانه عليه مع ثقل في الجملة وان حصل شيء من الخفة بالوقوع بعد الألف المزيدة لبناء اسم الفاعل ؛ فقلب حرف العلّة ألفا ، لتنزيله منزلة المتحرك المفتوح ما قبله نظرا إلى فتحة ما قبل ألف الفاعل ، لأنها واسطة ضعيفة كالعدم فاجتمعت ألفان وكرهوا حذف احديهما للالتباس بالفعل عند الوقف فقلبوا الثانية همزة ، وهذا(بخلاف) ما صح فعله ، (نحو : عاور) من عور ، فانّه يحمل على الفعل في الصحّة كما مرّ.

(ونحو : شاك) ـ بالكسر والتنوين ـ رفعا وجرّا كقاض ، (وشاك) ـ بالضمّ والتنوين رفعا ـ في اسم الفاعل من : الشوكة ـ وهي : شدّة البأس ـ ، (شاذ) والقياس : شائك ـ بالهمزة ـ كقائم ، وبائع ، ثمّ ان قولهم : شاك كقاض مبني على قلب حرف العلّة من موضع العين إلى موضع اللّام فيحصل شاكو على «فالع» وتقلب الواو ياء ، ثمّ يعل اعلال قاض ، ومثله : لاث ـ بالمثلثة ـ من لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثا ، وقولهم : شاك ـ بالضم والتنوين رفعا ـ مبنى على اعتبار حذف الواو ، فلا يقع حرف العلّة في الآخر بل وزنه «فال» ويجري على آخره الاعراب بحسب العوامل.

(وفي) اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللّام (نحو : جاء) اسم فاعل من : جاء يجيء ، (قولان ؛ قال الخليل) : هو (مقلوب) قلبا مكانيا ، لقلب العين إلى موضع

٤٠٨

اللّام فحصل الجائي على «فالع» (كالشاكي) في شائك ، واعلّ اعلال قاض.

(وقيل) : انّه وارد(على القياس) في اسم الفاعل من الأجوف ، فقلبت الياء همزة ـ كما في بائع ـ فاجتمعت همزتان فقلبت الثانية ياء ، وقد مرّ الكلام فيه في أوّل الكتاب.

(و) كما انّ الواو والياء تقلبان همزة في نحو : قائم ، وبائع ، كذلك تقلبان همزة(في نحو : أوائل ، وبوائع) ، ممّا وقعتا فيه بعد(ألف باب) الجمع الأقصى الّذي بعد الألف فيه حرفان ، نحو : (مساجد) ، (و) الحال ان تلك الألف (قبلها واو أو ياء) فتكون محاطة إمّا : بواوين ـ كما في أواول جمع أوّل ـ ، وامّا بيائين ـ كخياير جمع خيّر ، بالتشديد ـ ، وامّا بواو وياء كبوايع ، جمع بائعة أو جمع بويعة على «فوعلة» من البيع ، وامّا بياء وواو نحو : سياوق جمع سيّقة ـ بتشديد الياء ـ لما ساقه العدو من الدواب ونحوها ، وأصله : سيوقة من السّوق ، فقلبت عين الكلمة الواقعة بعد الألف في هذه الجموع كلّها همزة عند سيبويه والخليل ، لما فيها من الاستثقال في الجملة باجتماع حرفين من حروف العلّة بينهما حاجز ضعيف هو الألف مع كون الواقع بعد الألف متصلا بالآخر الّذي هو محل التغيير شبيها بالواقع بعدها في نحو : بائع في الاتصال بالآخر ، والوقوع بعد الألف ، ووافقهما الأخفش فيما كانت الألف فيه بين واوين فقط دون البواقي ، لزعمه عدم الاستثقال فيها.

وما ذكر(بخلاف) ما إذا كان بعد ألف الجمع أكثر من حرفين ، نحو : (عواوير) جمع عوّار ـ بضمّ المهملة وتشديد الواو ـ للخطاف ، ويقال : للأعشي ، ولقذي العين ، واللّحم الّذي ينزع منها بعد ما يذرّ عليه الذرود ، ويقال : للجبان أيضا ، (وطواويس) جمع طاووس ـ للحيوان المعروف ـ وبياييع جمع بياع ـ بالتشديد ـ للمبالغة ، فان حرف العلّة الواقعة بعد الألف في مثل ذلك لا تقلب همزة لبعده عند محل التغيير وهو الحرف الآخر ، وعدم مشابهته بالبعد عنه للعين من نحو : قائم وبائع.

(وضياون) بالواو جمع : ضيون ـ بالمعجمة ـ للسنور الذكر ، (شاذ) عند سيبويه

٤٠٩

والخليل ، والقياس : ضيائن بالقلب همزة ـ كما في سيائق ـ وكأنه حمل على مفرده في صحّة الواو على ما قال الجوهري ، حيث لم يقلب فيه ياء مع اجتماعها مع الياء وسبق الساكن ، وامّا الأخفش : فهو قياس عنده ، لعدم اكتناف الألف بواوين.

(وصح : عواور) كما في قول لبيد في جمع عوّار بمعنى : الجبان :

وفي كلّ يوم ذي حفاظ بلوتني

فقمت مقاما لم تقمه العواور (١)

وفي جمع عوّار ـ لقذي العين ـ في قول جندل بن المثنى الطهوي :

حنى عظامي وأراه ثاغري

وكحّل العينين بالعواور (٢)

أي قوّس الدهر عظامي وأراه كاسر ثغري وهو مقدم الأسنان ، وأضعف بصري حتّى جعل القذى فيه عوض الكحل.

(واعلّ : عيائيل) بقلب الياء بعد الألف همزة ـ كما في قول حكيم بن معية الربعي يصف قناة نبتت في موضع كثير الأشجار :

في أشب الغيطان ملتفّ الحظر

فيه عيائيل أسود ونمر (٣)

__________________

(١) البيت نسبه الشارح إلى لبيد ، يوم ذي حفاظ : أي صاحب حفاظ أي جدير بأن يحافظ على العهد والمودة فيه لكونه يوم شدّة ، أي في كل يوم كذلك اختبرتني فقمت مقاما لم تقمه أهل الجبن أي قمت مقام أهل النجدة والشجاعة وحاربت الأعداء.

(٢) البيت لهذا الشاعر الّذي ذكره الشارح يخاطب فيه امرأته ، ووضح الشارح معناه ولا يحتاج إلى توضيح آخر.

(٣) هذا البيت قائله معلوم وقبله قوله :

أحمى قناة صلبة ما تنكسر

صمّاء تمّت في نياف مشمخرّ

حفت باطواد عظام وسمر

في أشب الغيطان ملتف الحظر

الأشب : الملتف الذي لا يمكن الدخول فيه إلّا بشدّة. الحظر : الموضع الذي يحيط به الشجر.

والعيائيل : من عال يعيل إذا تبختر أو من عال الفرس إذا تميل في مشيه. والشاهد في قوله : عيائيل حيث أبقى الهمزة المنقلبة عن الياء لأنّه لم يعتد بالمدّة التي قبل الطرف. وفي رواية : فيها بد قوله : فيه.

٤١٠

والحال انّ القياس : اعلال عواور ، لاتصال الواو بالآخر ، كما في : أواول ، وصحّة عيائيل للبعد عن الآخر ، كما في بياييع ، وطواويس ، لكن ذلك للنظر إلى الأصل فيهما ، (لأنّ الأصل :) في عواور(عواوير) بالياء بعد الواو ، لأنّه جمع عوّار ـ بالتشديد ـ فيلزم فيه الياء المنقلبة عن ألف ذلك المفرد ، (وحذفت) للضرورة ، فهي في حكم الموجود في اللفظ ، والواو كأنها بعيدة عن الطرف ومع ذلك قد تقلب همزة للنظر إلى ظاهر اللفظ.

(و) الأصل : في عيائيل (عيائل) كخياير بياء واحدة ـ ، لأنه جمع عيّل ـ بالتشديد ـ كجيّة وجيايد ، وهو واحد العيال ، وقد يقال : رجل عيّل ـ أي ذو عيال ـ كما هو الأظهر في البيت ، (فاشبع) لفظه باشباع كسرة الهمرة المنقلبة عن الياء المتصلة بالطرف فتولّدت ياء بعدها ، فهي في حكم العدم.

والغيطان : جمع الغائط للمنخفض من الأرض ، والحظر : بالمهملة فالمعجمة بضمّتين على ما روى في البيت ، جمع الحظيرة على ما قيل. ومكان أشب : مثل كتف بالمعجمة والموحدة ، ملتف الأشجار : من الالتفاف. والأسود : جمع أسد. والنمر : بضمّتين على ما أنشده سيبويه ، جمع نمر ، وهو الحيوان المعروف على خلاف القياس ، والأكثر نمور.

(و) هذا الّذي ذكر من القلب بعد ألف باب مساجد همزة(لم يفعلوه في باب : مقاوم) جمع مقام ، وأصله : مقوم ، (ومعايش) جمع : معيشة ، ونحوهما من الجموع الّتي قبل الألف فيها حرف صحيح وبعدها واو أو ياء أصليتان متصلتان بالآخر ، وانّما لم يقلبوا مع المشابهة للعين في نحو : بائع ، وقائم في الكسر والتوسط بين الألف والطرف ، (للفرق بينه وبين باب : رسائل ، وعجائز ، وصحائف) ، وكبائر ، ونحو ذلك من الجموع الّتي وقعت فيها بعد الألف واو أو ياء زائدة بازاء مدّة زائدة في مفردها ألفا كانت ـ كرسالة ـ أو واوا ـ كعجوزا ـ ، أو ياء ـ كصحيفة وكبيرة ـ فانّهما تقلبان همزة في مثل ذلك ، تشبيها بنحو : بائع وقائم ، ولم يعكس ؛ بأن تقلب

٤١١

الأصلية وتصح الزائدة ، لأنّ المدّة أولى بالتغيير من الأصلي ، ولم يبالوا بعدم الفرق بين نحو : أوائل ونحو : رسائل ، لاستثقال الاجتماع مع ضعف الحاجز كما مرّ.

واجرى الزائد المتحرك من الواو والياء في نحو : جدول ، وعثير ، لقوته مجرى الأصلي في الصحّة في الجمع ، فيقال : جداول ، وعثاير من غير قلب.

(وجاء : معائش) بقلب الياء همزة(على ضعف) ؛ لأنّ القياس المستنبط من كلامهم في مثله صحّة الياء ، وكأنه على ضعفه لتشبيه معيشة وهي : «مفعلة» «بفعيلة» كصحيفة ، لتوهم اصالة الميم وزيادة الياء.

(والتزم همزة مصائب) جمع مصيبة ـ بضمّ الميم ـ وأصلها : مصوبة ـ بالواو الأصلية ـ على صيغة اسم الفاعل من باب الافعال ، نقلت كسرة الواو إلى ما قبلها وقلبت ياء ، والقياس : في جمع مثله جمع التصحيح ، كمصيبات لما مرّ من ان في نحو مكرم استغنى بالتصحيح عن التكسير ، ثمّ انّه بعد ما جمع هكذا مكسرا (١) فالقياس : مصاوب ـ بالواو ـ كمقاوم ، لكنهم خالفوا فيه القياس واعلّوه طلبا للتخفيف ، لكثرة دورانه ، كذا قال المصنف مع مناسبة مخالفة القياس فيه بالاعلال ، لوروده على خلاف القياس الّذي هو الجمع الصحيح.

وقد جاء : مصاوب بالواو على القياس على ما في الصحاح ، وكأنه قليل في حكم العدم حتّى كأنهم التزموا الهمزة ـ أي القلب همزة ـ.

[حكم الياء إذا كانت عينا «لفعلى»] :

(وتقلب ياء «فعلى» ـ بالضم ـ) حالكونه (إسما واوا) (٢) ، لسكونها وانضمام ما قبلها ، سواء كانت اسمية على وجه الحقيقة(نحو : طوبى) من الطيب ، إذا كان مصدرا

__________________

(١) وقوله : مكسرا بيان لقوله : هكذا.

(٢) ولما فرغ ممّا تقلب الواو والياء ألفا أو همزة أخذ فيما يقلب فيه إحداهما إلى الاخرى ، وبدأ بقلب الياء واوا فقال : وتقلب الخ ...

٤١٢

كرجعى ، ومنه : طوباك ، وطوبى لك ، كسقيا لك ، وكذا إذا أرى به الشجرة المعروفة في الجنّة ، (وكوسى) ـ لموضع ، ولجنس من الفرس قصار الأيدي والأرجل ـ أم باعتبار اجرائه مجرى الاسم نحو : هذين (١) ، اسمي تفضيل في مؤنث الأطيب من الطيب ، والأكيس من الكيس ـ ضدّ الحمق ـ حيث لم يستعملا صفتين جاريتين على الموصوف إلّا مع اللّام على خلاف الصفات (٢) المتمحضة الّتي تستعمل صفات جارية على الموصوف على كل حال ، وذلك لأنّ الصفة المؤنث من اسم التفضيل يمتنع بنائها مع من للزوم الافراد والتذكير معها ، ولا يبنى مع الاضافة إلّا إذا كان المفضل بعض ما أضيف إليه واريدت الزيادة على ما عداه منه فيدل المضاف إليه على الموصوف ، فمن ثمّ لم يقع قط في كلامهم جريانه على الموصوف معها ، فلا يقال : مررت بجارية حسنى الجواري ، وجاء : كيسى ـ بالياء وقلب ضمّة الكاف كسرة أيضا ـ.

(ولا تقلب) الياء واوا من «فعلى» ـ بالضمّ ـ (في الصفة ، ولكن يكسر ما قبلها فتسلم الياء) بسبب كسر ما قبلها ، لاقتضاء الضم فيه قلبها واوا ، وذلك للفرق بينها وبين الاسم ، ولم يعكس ، لأنّ الاسم لخفته في المعنى أولى بقلب الياء فيه واوا ، كذا قيل ، وذلك (نحو : مشية حيكي) ـ بكسر المهملة ـ أي مشية فيها تبختر ، من حاك الرجل يحيك حيكا ـ إذا تبختر أو حرّك منكبيه في المشي ـ ، (وقسمة ضيزي) ـ بكسر المعجمة ، أي فيها جور وظلم ـ من ضاز ضيزا ـ إذا جار ـ ، فهذان متمحضان في الوصفية وليسا اسمي تفضيل ، ولذا وقعا وصفين بدون اللّام ، وهما في الأصل على «فعلى» ـ بالضم ـ لأنه كثير في الصفات كحبلى ، وفضلى وغيرهما ؛ بخلاف «فعلى» بالكسر ، فانّه من بناء الأسماء كالشعرى ـ لكوكب ـ والأقلى ـ لنبات مرّ ـ ولم يوجد في الصفات سوى عزهى ـ للّذي لا يطرب للهو ـ.

__________________

(١) أي كطوبى ، وكوسى.

(٢) وفي نسخة : على خلاف الصفة.

٤١٣

(وكذلك) في قلب ضمّة ما قبل الياء كسرة ، لسلامتها ، (باب) : الجمع الّذي كان على «فعل» ـ بالضمّ وسكون العين ـ من الأجوف اليائي ، نحو : (بيض) جمع بيضاء ، وأصله : الضم ، كحمر وحمراء ، فلم يبق الضم لئلّا يقلب واوا مع استثقال الجمع ، بل قلب كسرة ليبقى الياء الّتي هي أخف.

ثمّ ان قلب الياء المضموم ما قبلها واوا في نحو : باب : طوبى ، وقلب ضمّة ما قبلها كسرة في باب : ضيزى ، وباب : بيض ممّا اتفقوا عليه ؛ (واختلف) في الياء المضموم ما قبلها(في غير ذلك) الّذي من الأبواب (١) (فقال سيبويه) : (القياس) فيها(الثاني) وهو قلب ضمّة ما قبلها كسرة ، لسلامتها ، لأن تغيير الحركة أهون من تغيير الحرف ، (فنحو : مضوفة) من الضيافة ـ للأمر النازل الّذي يخاف منه ـ كأنه ضيف خطير القدر يخاف منه ، أو سمى بها لافتقار دفعه إلى انضياف بعضهم ببعض ، كما في قول أبي جندب الهذلي :

وإنّي إذا جاري دعا لمضوفة

أشمّر حتّى ينصف السّاق مئزري (٢)

(شاذ عنده) ، لأنّ الأصل : مضيفة ـ بضمّ الياء ـ فالقياس عنده بعد نقل ضمّتها إلى الضاد الساكنة إبدال الضمّة كسرة ، للسلامة عن القلب إلى الواو ، فابقائها المؤدي إلى القلب خارج عن القياس عنده ، وجاء : فيها مضيفة على ما يراه قياسا.

(ونحو : معيشة يجوز) عنده (أن يكون) وزنه «مفعلة» ـ بسكون الفاء وكسر العين ـ فنقلت كسرة العين إلى الفاء من غير تغيير آخر ، وعلى هذا ليست ممّا نحن فيه ، (و) يجوز ان يكون «مفعلة» ـ بضمّ العين ـ فنقلت ضمّتها إلى الفاء الساكنة ثمّ قلبت الضمّة كسرة ، لتسلم الياء ، فهي على هذا ممّا نحن فيه جارية على

__________________

(١) وفي نسخة : الّذي ذكر من الأبواب.

(٢) البيت قائله معلوم ، وفي بعض الكتب : وكنت إذا الخ بدل قوله : وانّي إذا ، وميزرى بالياء. ومعناه : إذا دعاني جاري لأمر نزل عليه وحادثة عرضته اشمّر ازاري عن ساقي لاعانته حتّى ينصف الساق ازاري أي حتّى يبلغ ازاري إلى نصف الساق ، أراد المبالغة.

٤١٤

القياس عنده.

(وقال الأخفش : القياس) فيها(الأوّل) ، وهو ابقاء الضمّة وقلب الياء واوا ، لسكونها وانضمام ما قبلها ـ كما في طوبى وكوسى ـ مستدلا باتفاقهم على قلب الياء إذا كان فاء واوا نحو : موسى ، واجيب بأن ذلك للبعد عن الآخر ، والياء فيما نحن فيه قريبة من الآخر.

(فمضوفة قياس عنده) حيث ابقى الضم قبل الياء وقلبت واوا ، (ومعيشة) يتعين عنده فيه «مفعلة» ـ بكسر العين ونقل كسرتها إلى الفاء ، (وإلّا) تكن «مفعلة» بالكسر بل كان «مفعلة» بالضم ، (لزم) عنده ان يقال : (معوشة) ـ بالواو المنقلبة عن الياء ـ لانضمام ما قبل الياء بعد نقل ضمتها إليه.

(و) هذان القولان (عليهما لو بنى من) الأجوف اليائي مثل : (البيع مثل : ترتب) ـ بضمّ الفوقانيتين أولاهما مزيدة وسكون الراء بينهما ـ (لقيل : تبيع) بضمّ الفوقانية وكسر الموحدة وسكون الياء ـ على قول سيبويه ، (وتبوع) ـ بضمّ الأولين وسكون الواو ـ المنقلبة عن الياء ، على قول الأخفش ، لأن أصله الموازن لترتب تبيع ـ بضمّ الفوقانية والياء وسكون الموحدة بينهما ـ فسيبويه ينقل ضمّة الياء إلى ما قبلها ويقلبها كسرة ، والأخفش يبقى تلك الضمّة المنقولة ويقلب الياء واوا.

[حكم الواو المكسور ما قبلها عينا] :

(وتقلب الواو) المتحركة(المكسور ما قبلها في المصادر ـ ياء ـ) ، وان لم تلها الألف ، خلافا لبعضهم (نحو : قام قياما) ، و(دِيناً قِيَماً ،) فانّه في الأصل : مصدر قام على ما صرحوا به ، (وعاذ) بالله (عياذا) ، وانقاد إنقيادا ، واعتاد اعتيادا ، والكل في الأصل بالواو.

وانّما قلبت ياء في تلك المصادر وان كانت متحركة(لاعلال أفعالها) فحملت على تلك الأفعال في اعتبار الاعلال المناسب وان اختلف فيهما فانّه في الفعل بالقلب

٤١٥

ألفا لانفتاح ما قبلها ، وفي تلك المصادر بالقلب إلى الياء لانكسار ما قبلها.

(و) نحو : (حال) الشيء(حولا) ـ أي تحول ـ وعاد فلأن المريض عودا ، كلّاهما بكسر الأوّل وفتح الواو (شاذ) ، والقياس : حيل ، وعيد ، بالقلب ياء ، وحيث كان شاذا لم يرد نقضا على قاعدة اعلال الواو المتحركة المكسور ما قبلها من المصدر المعلّ فعله ، وهذا في شذوذ ترك الاعلال (كالقود) ـ للقصاص ـ فانّ القياس فيه القلب ألفا.

وهذا (١) عند من لم يشترط في قلب الواو من تلك المصادر ياء ان يليها الألف ، وامّا عند من اشترط ذلك فنحو : حول قياس ، ونحو : قيم قليل ، ونوار ـ بكسر النون ـ على زنة «فعال» بالواو مع انّها قد وليتها الألف في مصدر نارت الظبية تنور ـ إذا نفرت ـ شاذ اتفاقا ، وقيل لم يسمع له نظير.

وما ذكر من القياس في المصدر المعلّ فعله كائن (بخلاف) مصدر ما يصح من الافعال ، (نحو : لاوذ) القوم ـ أي لاوذ بعضهم ببعض ملاوذة ـ ولواذا ، وقاوم قواما ، فانّه يتبع فعله في الصحّة ، وبخلاف ما ليس مصدرا لفعل حتّى يحمل عليه نحو : عوض (٢).

(و) تقلب الواو المكسور ما قبلها ياء أيضا(في) الجموع الّتي اعلت مفرداتها(نحو : جياد) جمع جيّد ـ بالتشديد ـ وأصله جواد كما ان أصل المفرد جيود من الجودة ، (وديار) في جمع دار ، وأصلها : دور ـ بالتحريك ـ ، (ورياح) في جمع ريح وأصلها : روح ـ بالواو الساكنة المكسور ما قبلها ، بدليل جمعها على أرواح ، (وتير ، وديم) كلّاهما ـ بكسر الأوّل وفتح الياء ـ في جمع : تارة ، وديمة ، وهما من الأجوف الواوي عند المصنف وفاقا لبعضهم ـ كما مرّ في باب الجمع ـ وهكذا ريح بتلك الزنة في جمع ريح ، وانّما اعلت تلك الجموع (لإعلال المفرد) فحملت عليه.

__________________

(١) أي الشذوذ.

(٢) لأنه ليس بمصدر بل هو اسم مصدر.

٤١٦

وشذ حوج على زنة ديم في جمع حاجة ، والقياس : حيج ، وهذا بخلاف ما يصح مفرده فان قياسه ان يتبع المفرد في الصحّة.

(وشذ) قياسا واستعمالا(طيال) بالاعلال في جمع ما صحت فيه الواو وهو طويل ، ومنه قوله :

تبيّن لي أنّ القمائة ذلّة

وأنّ اعزاء الرّجال طيالها (١)

والقياس : طوالها ـ بالواو ـ كما رواه الفالي ، وقيل : ان الطيال كأنه جمع طائل من طاله ـ إذا أفاقه في الطول ـ فيكون ممّا أعل مفرده ، والقمائة : بالقاف الصغر ، وجعل بعضهم من الشاذ قياسا وان أطرد استعمالا الجياد ـ للأفراس ـ لصحّة مفرده حيث زعم انّه جمع جواد ولم يجعله جمع جيّد ـ بالتشديد ـ.

(وصحّ رواء) بالكسر وان كان قياسه الاعلال لوجوده في مفرده ، فانّه (جمع ريّان) وأصله : رويان من روى ضد عطش فقلبت الواو الساكنة ياء وادغمت ، وانّما صحّ رواء مع الداعي إلى الاعلال (كراهة اجتماع الاعلالين) ، فان أصله رواي فابتدأ بالاعلال من آخره وهو الياء بالقلب همزة كما في رواء فلو قلبت مع ذلك الواو ياء إجتمع اعلالان وهو مستكره.

(و) كذلك صحّ : (نواء) بكسر النون في (جمع ناو) من نوى البعير ينوي كضرب يضرب نواية ونيّا ـ بالتشديد ـ إذا سمن ـ كراهة اعلالين ، فان أصله : نواى كراوي في رواء مع ان الواو قد صحّت في مفرده وهو ناو.

(و) تقلب الواو ياء أيضا(في) الجموع الّتي على «فعال» بالكسر ، والواو ساكنة في واحدها(نحو : رياض ، وثياب) ، وحياض في : روضة ، وثوب ، وحوض ، وانّما

__________________

(١) البيت لم أقف على نسبته إلى قائل. والاستشهاد بالبيت في قوله : «طيالها» مثال للشذوذ القياسي : هو مخالفة القاعدة ، والشذوذ الاستعمالي : هو ان يكون خلاف الأكثر استعمالا ، إذ الأكثر طوال.

٤١٧

قلبت فيها مع صحّتها في واحدها(لسكونها في الواحد) وكونها بالسكون فيه في حكم العدم فيشبه الاعلال بالقلب لما فيه من انعدام المقلوب وان حصل البدل ، فهي بمنزلة ما اعلّ مفردها(مع) وقوع (الألف بعدها) فيها أنفسها فيعرضها شيء من الثقل بما يحصل لها من الاعتداد في النطق بمجاورتها فيناسبه الاعلال.

ولما كان الاعلال المتحقق في الواحد قويّا على جلب الاعلال في الجمع اكتفوا به في اعلاله من غير حاجة إلى اعتبار الألف ، فمن ثمّ اعلّ نحو : ديم وتير ، ونسبة الفعل إلى المصدر ليست بقاصرة عن نسبة الواحد إلى الجمع ، ولهذا إكتفى المصنف ومن وافقه باعلاله في اعلاله (١) بخلاف شبه الاعلال في الواحد والألف في الجمع فان كلّا منهما سبب ضعيف كأنه لا يقوى على إقتضاء اعلال الجمع ، فلذلك كان المقتضي له هو المجموع عند المحققين واعلّ ما يجتمعان فيه ، (بخلاف) ما يشتمل على أحدهما فقط نحو : (عودة ، وكوزة) كلّاهما بكسر الأوّل وفتح الثاني ـ في جمع : نحو : عود ـ بفتح العين المهملة وسكون الواو ـ للبعير المسنّ ، وكوزة ـ لوعاء الماء ـ فانّها لم تقلب في نحوهما ياء وان تحقق شبه الاعلال في الواحد بالسكون ، لعدم الشطر الآخر من المقتضي للاعلال وهو مجاورة الألف.

(وامّا ثيرة) على زنة عودة ، وكوزة في جمع ثور بالمثلثة للحيوان المعروف ، (فشاذ) قياسا وان اطرد سماعا ، والقياس الّذي هو الّذي أيضا مطرد في السماع ثورة ـ بالواو ـ لعدم الألف ، والمشهور عن المبرد انّها في الأصل بسكون الواو ليمتاز عن ثورة بفتحها ، في جمع الثور من الإقط ـ للقطعة منه ـ فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثمّ فتحت الياء وكأنه لكثرة «فعلة» بفتح العين في جموع أمثاله ، لكن حكى عنه ابن مالك : أنها مقصور عن ثيارة على «فعالة» بالكسر ، والأصل : ثوارة فيشتمل على تمام المقتضي ، والقصر بعد الاعلال.

__________________

(١) والضمير في «باعلاله» راجع إلى «الفعل» وفي «في اعلاله» راجع إلى قوله : المصدر.

٤١٨

[قلب الواو ياء لاجتماعها مع الياء] :

(وتقلب الواو ياء (١) عينا) كانت (أو لاما ، أو غيرهما) كالزائدة في اسم المفعول ، (إذا إجتمعت مع ياء) في كلمة واحدة ، أو ما في حكمها كالواو في جمع السالم ـ رفعا ـ مع ضمير المتكلم ، (وسكن السابق) منهما ، ولم يكن ذلك السابق عارض الذات ولا عارض السكون ، (وتدغم) الياء الاولى في الثانية ، وذلك لاستكراه اجتماعهما وكون سكون السابق وسيلة عند التمايل والتقارب إلى الادغام فنزل اشتراكهما في الجهر واللّين بمنزلة التقارب ، واختير القلب إلى الياء الّتي هي أخف وادغمت.

بخلاف : ما إذا كانتا في كلمتين نحو : يدعو ياسر ، ويرمي واقد ، لعروض الاجتماع ، وبخلاف ما إذا تحرك السابق كسوير في التصغير ، وطويل ، أو كان عارض الذات كالواو العارضة بالقلب عن الهمزة عند التخفيف في رؤية ورؤيا ، وعن الألف في سوير وبويع ، وتسوير ، مجهولات : ساير وبايع ، وتساير ، مع وجود المانع في نحو هذه عن الاعلال المذكور وهو اللبس بمجهولات سيّر ، وبيّع ، وتسيّر من بابي التفعيل والتفعّل على ما قال الخليل ، وكالياء العارضة بالانقلاب عن الواو في : ديوان ، وأصله : دوّان ـ بالتشديد ـ للجمع على دواوين.

وبخلاف : ما إذا كان سكونه عارضا نحو : قوي ـ بسكون الواو ـ للتخفيف في قوي بالكسر على صيغة الماضي ، فانّ القياس في جميع ذلك التصحيح ، لعدم اصالة الداعي إلى الاعلال.

وشذ ما حكاه الكسائي عن بعضهم من قراءة للريّا تعبرون بالادغام.

(و) الياء المدغمة فيما تكملت شرائط اعلاله (يكسر ما قبلها ان كان مضموما) ، استثقالا للضمة قبلها ، بخلاف : الفتحة والكسرة والمعلّ ذلك الاعلال (كسيّد) ،

__________________

(١) هكذا المتن في نسخ الّتي بأيدينا ولكن في غير هذا الشرح : وتقلب الواو عينا أو لاما أو غيرهما ياء الخ.

٤١٩

وعيّل ، والأصل : سيود ، وعيول على «فيعل» بكسر العين على ما ذهب إليه المحققون من البصريين ، خلافا لمن زعم انّ الأصل فتحها كضيغم ، وصيرف ، ثمّ كسرت لمناسبة الياء لعدم «فيعل» بالكسر من الصحيح ، وردّ بأنّ المعتل قد يأتي على خلاف الصحيح فلا حاجة إلى اعتبار الفتح والقلب إلى الكسرة.

(و) نحو : (أيّام) جمع يوم وأصله : أيوام ، (وديّار) في قولهم : ما كان في مكان كذا من ديّار أي من ذي حياة شأنه ان يتحرك ويدور ـ وأصله : ديوار على «فيعال» ، وليس «فعّال» بتشديد العين ، لأن «فعّالا» من الدّوران هو الدوّار ـ بالواو المشدّدة ـ لا بالياء ، (وقيّام ، وقيّوم) وهما من صفات الله تعالى ، وقد يفسران : بالقائم بتدبير الخلق وحفظه على انّهما من : قام بالأمر ـ إذا حفظه ـ ، وقيل : انّ القيوم بمعنى : القائم بذاته المقيم لغيره من الممكنات ـ وأصلهما : قيوام ، وقيووم على «فيعال» و «فيعول» لأنهما لو كانا على «فعّال» و «فعّول» بتشديد العين لكانا بالواو المشدّدة ، (ودليّة) وأصلها : دليوة في تصغير دلو ، وهو يذكر ويؤنث ، (وطيّ) في مصدر طويت وأصله : طوى ، (ومرميّ) في اسم المفعول وأصله : مرموي ، (ونحو : مسلميّ ـ رفعا ـ) في الجمع ، وأصله : مسلموي بالاضافة إلى ياء المتكلم ، والجرّ والنصب بالياء فلا واو فيهما ، وكأنهم لم يبالوا بالتباس المرفوع بغيره بعد الاعلال لاندفاعه بالفاعل المقتضي للرفع.

(وجاء : ليّ) بالمشدّدة(في جمع ألوي) على «أفعل» كأحمر ـ للمداوم على الاجتناب والانفراد من الرجال ـ وقيل : للشديد الخصومة(بالكسر ، والضم) ، فان أصله : لوى على «فعل» بضمّ الفاء وسكون العين ـ كحمر ، فقلبت الواو ياء وادغمت ، ثمّ قد تبقى ضمّة ما قبلها على خلاف القياس المذكور ، تنبيها على الأصل ، وقد يكسر على القياس كما في نظائره ، وامّا اللّى مصدر لوى فأوله مفتوح لا غير.

(وامّا ضيون) ـ للسنور الذكر ـ ، (وحيوة) بالمهملة والياء الساكنة ـ اسم رجل

٤٢٠