شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

بالطريق الاولى ، لكونها أضعف منه.

وذلك (نحو : أشياء ، فإنّها : «لفعاء») ـ عند الخليل وسيبويه ـ لأنّها ممنوعة من الصرف في الاستعمالات ، وليس فيها سبب ظاهر لمنع الصرف ، فحكما بأنّ أصلها شيئآء ـ بهمزتين ـ على «فعلآء» كحمراء ، وانها اسم جمع لشيء ، كالطرفاء لطرفة ـ وهي شجرة ـ ، فقلبت لامها ـ وهي الهمزة الاولى ـ إلى موضع الفاء ، كراهة إجتماع همزتين بينهما حاجز ضعيف ، وهو الألف ، مع كثرة استعمال هذه اللفظة ، ومنع صرفها لألف التأنيث الممدودة.

وذهب جماعة إلى ترك القلب فيها.

(وقال الكسائي) من هؤلاء انّها جمع قلّة لشيء ، ووزنها(أفعال) ك ـ بيت وأبيات ، فليس فيها سبب لمنع الصرف (١).

(وقال الفرّاء) والأخفش انّها جمع كثرة ، ووزنها(أفعاء ،) ـ بحذف اللّام ـ (وأصلها «أفعلاء») لزعمهما انّ أصلها ـ أشيئآء ـ حذفت الهمزة الاولى ـ لضعف الحاجز ، لكنّها عند الأخفش جمع شيء بالتخفيف على خلاف القياس.

وعند الفرّاء : جمع ل ـ شيّء ، ـ بالتشديد ـ على «فيعل» ك ـ بيّن وليّن ، وأبيناء ، وألينآء ، ولكثرة احتياجهم إلى استعماله استغنوا عنه بمخفّفه أعني : شيئا ـ بالتّخفيف ـ كما يخفّف بيّن ونحوه ، وهو تكلّف.

فمنع الصرف عندهما ـ أيضا ـ للعلّة ، لأنّ «أفعلآء» من صيغ الممدود المؤنّث ، لكن قول الكسائيّ مع تأديته إلى عدم العلّة أصحّ من هذا (٢) ، لأنّ جهات الضّعف فيه أكثر ، لما فيه من حذف الهمزة الأصليّة من غير سبب ، ولأنّها تصغر على لفظها ،

__________________

(١) وانّما منعت من الصرف بغير علّة لكثرة استعمالهم لها ، ولأنّها شبهت بفعلاء ، وردّ بأنّه يلزم منه منع صرف أبناء ، واسماء أيضا ـ بغير علّة ـ مع ان أشياء تجمع على أشاوي ـ وأفعال لا تجمع على «أفاعل». [مناهج]

(٢) أي قول الفرّاء والأخفش.

٢١

كما هو شأن اسم الجمع ، وجمع القلّة.

ولو كانت «أفعلاء» لصغرت على شييئات ، لأنّ جمع الكثرة لما لا يعقل ، ـ وليس له جمع قلّة ك ـ شيء على هذا القول ـ يردّ في التّصغير إلى المفرد ، ويجمع مصغرّ ذلك المفرد ، ـ بالألف والتّاء ، مع مخالفة القياس في قول الأخفش ، والتكلّف فيما ذكره الفرّاء.

وقد يرجّح مختار سيبويه : بمجيئ جمعها على أشايا وأشاوى ، بقلب الياء واوا ، على خلاف القياس ، كجباوة في جباية ، فيمكن على مختاره كونه «لفاعى» مقلوب «فعالى» وهو قياس في «فعلآء» الأسميّة ك ـ صحراء ، وصحاري.

وأمّا على القولين الآخرين ، فهو : إمّا «أفاعل» أو مقلوب «فعالى» ، ولا يقاس ، بل لم يسمع شيء منهما في جمع «أفعال» أو «أفعلاء».

وربّما ايّد مختاره ـ أيضا ـ بمجيئ أشياوات ، ـ وفعلاوات قياس في فعلآء الاسميّة ـ كصحراوات ، وجمع الجمع بالألف والتّاء ـ كما يلزم على قول غيره ـ مقصور على السّماع ، والمقيس أولى.

وغاية توجيه القولين (١) ، ـ في هذين الجمعين (٢) ، وقول الكسائي في منع الصّرف ، وقول الفرّاء : في التّصغير ـ انّ الكلّ (٣) لتوهّم انّها «فعلآء» ، كما بني تمندل من منديل ، لتوهّم اصالة الميم.

ويزيد في التّصغير احتمال توهّم كونها على «أفعال» ، وقد يوجّه أشايا في قول الكسائي ، باحتمال كون أصله : أشاييئ على «أفاعيل» ك ـ أنعام وأناعيم ، فقلبت

__________________

(١) أي : قول الكسائي وقول الفرّاء معا ، فلا يرد أنّ هذا ليس غاية توجيه قول الكسائي ، إذ قد يوجه بتوجيه آخر كما سيأتي.

(٢) أي الجمع بالألف والتاء والجمع على فعالى أو أفاعل.

(٣) أي كل من تصرفاته المذكورة من الجمعين ، ومنع الصرف ، والتصغير يثبت له لتوهم أنّها ... والبناء على التوهم كثير في كلامهم كما سيأتي بعضها في هذا الشرح إنشاء الله تعالى.

٢٢

الهمزة المتطرّفة ـ ياء ـ فاجتمعت ثلاث ياءآت ، فحذفت الوسطى الزّائدة السّاكنة ، وقلبت الأخيرة ألفا ، والاولى ـ حيث يقال : أشاواى ـ واوا ، ولا يتمشى هذا في القول الآخر ، لعدم جمع «أفعلآء» على «أفاعيل» ، هذا.

لكن ذكر سيبويه : أنّ أشاوى جمع إشاوة ، كأداوة وأداوى ، أو أصلها إشاية ك ـ جباوة مقلوبة لشياءة ، كأنّها لغة في شيء ، وأشايا جمع اشاية.

وقوله : (على الأصحّ) ، على ما فسّرناه ـ وفاقا لبعض الشّارحين ـ متعلّق بالاداء ، وقد يجعل متعلّقا بيعرف ، والمعنى : يعرف القلب على أصحّ الأقوال بأداء تركه ـ على أيّ وجه كان ـ إلى منع الصّرف بغير علّة بناء على أنّ «أفعاء» ليس من صيغ الممدود المؤنث ، ولا يفيد أن الأصل «أفعلاء» لصيرورتها في حكم العدم.

وقد يضعّف هذا بأنّ فيه مع عدم ملائمته لما في شرح المفصّل ، ـ حيث لم يورد التأدية إلّا على الكسائي ـ أن مناط العلّية لمنع الصّرف ـ هو ألف التّأنيث ـ باقية بعد حذف اللّام ، فتأمّل فيه.

ثمّ : انّ القلب ليس شيء منه قياسا ، إلّا باب جاء عند الخليل ، وكيف كان ، إذا اعتبر في الموزون ، اعتبر في الزّنة.

الحذف :

(وكذلك الحذف) ، فانّه ـ أيضا ـ يعتبر في الزنة عند اعتباره في الموزون (ك ـ قولك في قاض) وقد حذفت لامه (فاع) بحذف اللّام ، وهذه الطريقة لازمة في القلب ، والحذف على كلّ حال ، إلّا في حال (ان يبيّن فيهما الأصل) كما يقال : آدر ، «أفعل» ، وقاض «فاعل» في الأصل ، ونحو ذلك.

فهذا بيان الأبنية باعتبار انقسامها ، بحسب عدد الحروف ، ثلاثيّة ، ورباعيّة ، وخماسيّة ، وكيفيّة اعلام زنتها.

وتنقسم الأبنية إنقساما آخر ، والنّظر فيه إلى الحروف الاصول.

٢٣

الصحيح والمعتل

(و) ذلك أنّها(تنقسم إلى صحيح ، ومعتل).

(فالمعتل : ما فيه حرف علّة) ، ويكون من حروفه الاصول.

وحروف العلّة هي : الواو ، والألف ، والياء (١).

(والصحيح : بخلافه) فهو ما ليس أصل من اصوله حرف علّة.

[أنواع المعتل] :

ثمّ ينقسم المعتل إلى سبعة أقسام :

لأنّ حرف العلّة فيه ، أمّا واحد ، أو أكثر ، والواحد ، أمّا فاء ، أو عين ، أو لام ، والأكثر : أمّا فاء وعين ، أو عين ولام ، أو فاء ولام ، أو فاء وعين ولام.

(فالمعتل بالفاء ـ مثال) ، لمماثلته الصحيح ، في خلوّ ماضيه عن الاعلال ، مثل : وعد ، ويسر.

(و) المعتل (بالعين أجوف) ، لخلوّ جوفه ـ أي وسطه ـ عن الصحيح ، فشبّه بالشيء الّذي أخذ ما في داخله ، وبقي أجوف.

(وذو ثلاثة) ، لكون ماضيه على ثلاثة أحرف ، نحو ـ : قلت ، وبعت ـ عند الاتصال بضمير المتكلم ، وهو أوّل تصاريف الكلمة في الغالب ، عند الصرفيين ، لأنّ نفس المتكلّم أقرب الأشياء إليه.

__________________

(١) وانّما سمّى هذه الحروف ، حروف العلّة لأنّها لا تسلم ولا تبقى على حالها في كثير من المواضع ، بل تتغيّر بالقلب والاسكان ، والحذف ، والهمزة وان شاركتها في ذلك لكن لم يجر الاصطلاح بتسميتها حرف علّة ، كذا قال نجم الأئمّة.

٢٤

(و) المعتل (باللّام ـ منقوص) ، وناقص ، لنقصان حرفه الأخير في الجزم ، نحو ـ : أغز وارم ـ ، ونقصانه عن قبول بعض الاعراب ، وهو الرفع ، والجرّ.

(وذو الأربعة) لكون ماضيه ـ مع ضمير المتكلّم ـ على أربعة أحرف ، مع اعتلال لامه (١) ، وكون اللّام أحق بالتغيّر من العين ، نحو ـ : رميت ، وغزوت.

(و) المعتل (بالفاء ، والعين) ك ـ يوم ، وريح ، ولا يبني منه فعل مجرّد ، (أو بالعين ، واللّام) نحو ـ : نوى ، وحيي ـ ، (لفيف مقرون) ـ لالتفاف حرفي العلّة ، واقترانهما ـ.

(و) المعتل (بالفاء ، واللّام) نحو : ولي ، ووقى ـ ، (لفيف) لالتفاف حرفي العلّة ـ ، (مفروق) ـ لافتراقهما فيه ـ.

ولم يعتبر المعتل بالفاء ، والعين ، واللّام ، كالواو ، والياء ، لا سمّي الحرفين ، لندوره.

هذا في الثلاثي ، وأمّا الرّباعي الغير المضاعف ، والخماسي ، ـ اسمين كانا أو فعلين ـ فلا يوجد فيهما معتل ، إلّا المعتل الفاء في الخماسي ، اتفاقا على ما يلوح من كلام البعض ، ك ـ ورنتل ـ للداهية ـ وفي الرّباعي على رأي.

وأمّا نحو : حوقل ، وبيطر ، فملحق بالرّباعي ، بزيادة حرف العلّة وليس برباعيّ.

***

__________________

(*) قوله مع اعتلال لامه وكون الخ : خلاصة الكلام انّ الأجوف لما كان مع اعتلال عينه مع ضمير المتكلم على ثلاثة أحرف وكان الناقص مع اعتلال لامه وكونه أحق بالحذف والاعلال ـ في ظاهر الأمر ـ من الأجوف على أربعة أحرف فكونه على الأربعة ، كأنّه لا يخلو عن غرابة في بادي الرأي ، فلذلك : سمّي بهذا الاسم ، بخلاف الصحيح فان كونه على أربعة أحرف ليس فيه غرابة في ظاهر الأمر. فتدبر.

٢٥

[تقسيم آخر للأبنية]

وتنقسم الأبنية ـ أيضا ـ إلى المهموز ، وهو : ما أحد اصوله همزة ، كأمر ، وأود ، ووئل ، وقرء ، وغير المهموز ، وهو : بخلافه ، وذكر انّ المهموز الفاء لم يوجد في الرّباعي أصلا ، بخلاف الخماسي ، فانّه يوجد فيه ، ك ـ إصطبل ، فيمن جعله خماسيا.

وإلى المضاعف وغيره ، والمضاعف : ما فيه أصليّان متماثلان مع الاتصال ، إن كان ثلاثيا ، سواء كان العين واللّام ـ كما هو الكثير الشائع ـ نحو ـ : مدّ ، وحيّ ، وودّ ـ أو الفاء ، والعين ، وهو نادر جدّا ك ـ يين ـ لواد ـ.

ويشترط الفصل بأصليّ آخر في الرباعي ، صحيحا كان ك ـ زلزل ، أو معتلّا ، ك ـ وسوس ، ولم يوجد المضاعف في الخماسي على ما صرّح به نجم الأئمّة ـ رضي ـ.

***

٢٦

[أبنية الاسم الثّلاثي المجرّد] :

(وللاسم الثّلاثي ـ المجرّد ـ) ، إنقسام آخر ، وذلك باعتبار البناء ، وله (عشرة أبنية).

(والقسمة) العقلية(تقتضي إثنى عشر ـ قسما ـ) حاصله من ضرب الحالات الثلاثة المتصوّرة في الفاء ـ وهي : الحركات الثلاث دون السكون لتعذّر الابتداء به ـ ، في الحالات الأربعة في العين ، وهي : تلك الثلاث مع السكون ، ولم يعتبر الحرف الأخير ، لأنّه محل الاعراب ، ولكن سقط إثنان على المختار عند المصنف ، وهما : «فعل» بكسر الفاء ، وضمّ العين ، «وفعل» بعكس ذلك استثقالا للانتقال من ثقيل وهو الضمّة ، أو الكسرة إلى ثقيل يخالفه ، مع لزوم ذلك (١) ، بخلاف ما إذا كانا متوافقين ، ك ـ عنق ، ـ بضمّتين ـ وإبل ، ـ بكسرتين ـ وبخلاف ما إذا كان عارضا ، كما في المبني للمفعول في الفعل ، نحو : ضرب ـ.

وإنّما جوّزوا فيه الانتقال من الضمة إلى الكسرة دون العكس ، لكون الضمّة أثقل ، لافتقارها إلى تحريك العضلتين ، بخلاف الكسرة ، والانتقال من الأثقل إلى الأخف أسهل ، وأهون على النفس من العكس ، وأمّا نحو : يضرب فلم يبالوا به ، لكونه في معرض الزوال بالجازم والناصب.

ولسقوط البنائين ارتكبوا التأويل فيما ورد عليهما ، (وجعل ، الدّئل) ، ـ بضم الدال المهملة ، وكسر الهمزة ـ ، وهو : اسم لجنس من الحيوان ، يشبه ابن عرس ، وعلم ـ أيضا ـ ، لابن محلم أبي قبيلة من خزيمة ، على ما قيل ، منقولا من الفعل الماضي المجهول ، يقال : دئله يدئله ـ ك ـ منعه ـ دألا ، ـ إذا ختله وخدعه ـ.

وجوّز بعضهم : أن يكون منقولا من دأل ، دألانا ـ إذا مشى على تقارب

__________________

(*) أي كل واحد من الضمّة والكسرة.

٢٧

الخطى ـ وهو وان كان لازما مبنيا للفاعل ، لكن لمّا غيّر من الفعليّة إلى الاسميّة ، غيّرت صورته.

وحكى : على «فعل» ـ بضمّ الفاء وكسر العين ـ إسمان آخران ، وهما : رئم ـ بالراء المهملة والهمزة ـ للاست ـ ، والوعل على ما حكاه الخليل في الوعل ، ـ وهو : تيس الجبل ـ.

وقيل : انّهما أيضا منقولان من الفعل.

ومنهم من زعم : ثبوت هذا الوزن في اللّغة ، على قلّة ، تمسّكا بنحو ذلك.

(و) قالوا : (الحبك) ـ بكسر الحاء وضمّ [الباء] الموحدة ـ كما يحكى القراءة به عن أبي السمال ، وأبي مالك الغفاري ، في الشواذ ، ـ في جمع الحباك ـ بكسر الحاء ، ـ وهو : الطريقة في الرمل والماء ـ إذا ضربته الريح ، وتثنّى الشعر وتكسره ، (ان ثبت) وروده (فمحمول على تداخل اللّغتين ـ في حرفي الكلمة) ، وهما : الحاء ، والباء ، وذلك : انّه ورد «الحبك» ـ بضمّتين ـ في الجمع ، ـ وبكسرتين ـ كأبل في المفرد ، فالمتكلّم : كأنّه أراد التكلّم بالمفرد فكسر الحاء ، ثمّ ذهل وتوهّم انّه يتكلّم بالجمع ، فضمّ الباء ، وتكرّر ذلك حتّى صار كالبناء المقرّر ، فوردت القراءة به في الشواذ ، وحمل على معنى الجمع حيث وقع الانتقال ـ عند ضم الموحّدة ـ إلى لفظ الجمع ، فهو مركّب من المفرد والجمع ، ولذا قيل : انّه من التداخل البعيد.

(و) الأبنية العشرة الّتي إعتبروها «هي : فلس» ـ بفتح الفاء وسكون العين ـ (وفرس) ـ بفتحهما ـ (وكتف) ـ بفتح الأوّل وكسر الثاني ـ (وعضد) ـ بالفتح والضمّ ـ (وحبر) ـ بالكسر فالسكون ـ وهو : النقس الّذي يكتب به ، (وعنب) ـ بالكسر فالفتح ـ (وإبل) ـ بكسرتين ـ (وقفل) ـ بالضم فالسكون ـ (وصرد) ـ بالضم فالفتح ـ. ـ لطائر ـ (وعنق) ، ـ بضمّتين ـ فهذه اصول الأبنية.

(وقد يرد بعض) منها(إلى بعض) آخر ، في لغة تميم ، دون الحجازيّين ، لكن ورد بعض وجوهه في بعض القراآت ، في بعض ألفاظ من الكتاب العزيز ، مع وروده

٢٨

على لغة الحجاز.

ويقال : للحاصل بالرّد ، انّه فرع لما هو الأصل في الكلمة الّتي وقع فيها الرّد ، ولعلّ العمدة في معرفة الأصل من الفرع ، توافق اللّغتين ، وكثرة الاستعمال ، في لغة التفريع ، فما اتفق الحجازيّون ، وبنو تميم ، على استعماله من الأوزان الواردة في الكلمة ، أو كان إستعماله في لغة تميم أكثر ، فهو الأصل في تلك الكلمة ، وما عداه فرع.

وإذا تمهد ذلك ، (ففعل) ـ بفتح الفاء وكسر العين ـ (ممّا ثانيه حرف حلق ك ـ «فخذ» يجوز فيه) ثلاثة أوزان ، أحدها : (فخذ) ـ بحذف حركة العين ـ للتخفيف ، وثانيها : (فخذ) ـ بكسر الفاء وسكون العين ـ بنقل حركة العين إلى الفاء ، وثالثها : (فخد) ـ بكسرهما معا على ـ اتباع الفاء للعين. (١)

(وكذلك الفعل :) الّذي على هذه الزنة ، وثانيه حرف حلق (ك ـ شهد) يجوز فيه الفروع الثلاثة المذكورة.

(ونحو كتف) ممّا هو على تلك الزنة ـ وليس ثانيه حرف حلق ـ (يجوز فيه) فرعان من تلك الثلاثة ، أحدهما : (كتف) ـ بسكون العين ـ من غير نقل الحركة ، وثانيهما : (وكتف) ـ بنقل حركة العين إلى الفاء ـ ولا يجوز فيه الاتباع الجائز فيما ثانيه حرف حلق.

والفرق انّ الحرف الحلقي ، لقوّته يقوى على اتباعه ما قبله لنفسه ، حتّى يحصل المشاكلة الّتي بها يجبر كراهة النقل من الأخف ، ـ الّذي هو البناء الأصلي ـ إلى الأثقل ، الّذي هو الاتباع ـ ، بخلاف غيره ، فانّه ليس مثله في القوّة.

(ونحو عضد) ـ بفتح الأوّل وضمّ الثاني ـ (يجوز فيه) فرع واحد ، وهو :

__________________

(*) والفرق بين هذه الأوزان الثلاثة ، وبين فلس وحبر ، وإبل أن هذه فروع في الأوزان المردودة إليها ، وتلك اصول. «نظام الدين»

٢٩

(عضد) ـ بإسكان الثاني ـ تخفيفا.

ويجوز ذلك (١) ، في الفعل الّذي يكون على هذا الوزن ، نحو : كرم ، ولم يجوّزوا الاتباع في هذا البناء ، اسما كان أو فعلا.

وأمّا نقل حركة العين إلى الفاء : ففي الاسم جوّزه بعض تميم ، ومنعه بعضهم ، كراهة تحصيل الابتداء بالثقيل القويّ في الثقل ، وهو الضمّة بعد ما لم يكن في أصل الكلمة ، وإن أدّى إلى شيء من التخفيف ، بحذف حركة العين.

وقد يقع في الفعل الّذي فيه معنى التعجب ، ـ وهو على هذه الزنة ـ كما يقال : حبّ بفلان ، ـ بضم الحاء ـ ، وأصله : حبب ، ـ بفتحها وضمّ الموحدة الاولى ـ ، وهو : فعل لازم من المحبّة ـ ، فنقلت ضمتها إليها ، وادغمت ، والمراد به : التعجّب ، ولذلك تزاد الباء في فاعله ، تشبيها بقولهم : أحسن به ، في التعجّب.

(ونحو عنق) ـ بضمّتين ـ (يجوز فيه) فرع واحد ، وهو : (عنق) ـ باسكان الثاني ـ تخفيفا ، وهذا الفرع في الجمع الوارد في هذه الزنة أكثر ، لجمعه بين ثقل المعنى واللفظ.

(ونحو إبل ، وبلز) ـ بكسرتين ـ (يجوز فيهما) فرع واحد ، هو : «إبل وبلز» ، ـ بتسكين العين ـ (ولا ثالث لهما) ، قيل : المراد لا ثالث لهما في هذا الوزن (٢) ، فيما ثبت في اللّغة الفصيحة.

فانّ سيبويه قال : لا يعرف لهذا الوزن إلّا إبل ، وهو من الأسماء ، وزاد الأخفش : بلزا ، ـ للقصير ، والمرأة الضخمة ـ في الصفات.

وأمّا الألفاظ الاخر المحكية على هذا الوزن : ك ـ الإطل ـ للخاصرة ـ ، ـ والإبط

__________________

(١) ويجوز ذلك : أي فرع واحد في الفعل الّذي يكون على وزن «فعل» مثل : كرم ، فانّه يجوز فيه كرم.

(٢) وهو : «فعل» بكسرتين.

٣٠

ـ لباطن المنكب ـ ، والحبر ـ ، بمهملتين بينهما الموحّدة ـ ، ـ لصفرة الأسنان ـ ، كما حكاه السيرافي ـ ، والإقط ، ـ لغة في الأقط ـ ، فلعلّها (١) لم يثبت عند المصنف (٢) في اللّغة الفصيحة.

ولفظ(نحو) في قوله : (ونحو إبل) ، وان أشعر بالتعدّد ، لكنّه ناظر إلى ما يفرض وروده بكسرتين ، فصيحا كان أم لا ، ولا يخفى ما فيه من التعسّف.

وقيل ابل ـ باللّام ـ في المتن تصحيف إبد ، ـ بالدال المهملة ـ ، بمعنى ولود ، والمعنى : لا ثالث لهما في هذا الوزن من الصفات ، ـ على ما قال ثعلب ـ ، وان كثر في الأسماء ، وكأنّه اختار التمثيل بهما ، توطئة للاشعار بهذه الفائدة ، والمراد بنحوهما : ما كان على وزنهما ، ولو من الأسماء.

وقيل : المعنى لا ثالث لابل ـ باللّام ـ ، وبلز ، في جواز تسكين الوسط ، لوجوب التكلّم على الأصل وحده ، فيما عداهما ، ممّا كان على هذا الوزن ، وأورد عليه ، ـ مع ـ مع عدم التدليل على هذا التخصيص ـ انّ لفظ(نحو) من المتن ينافيه (٣) ، لدلالته على انّ كل ما يوازن المثالين ، يأتي فيه هذا الفرع.

وقيل : المعنى ، لا ثالث لهذين الوزنين ، ـ وهما الأصل ـ والفرع الوارد بتسكين الوسط ، في جميع ما كان نحو المثالين في الوزن ، والمقصود : أن لهذا البناء فرعا واحدا ، فقط ، وأورد عليه ، ان نحو عنق ـ بضمّتين ـ أيضا ليس له سوى فرع واحد ، فما وجه ترجيح نحو ابل بالتعرّض لذلك.

ومن المتحمل : أن يكون الضمير المثنّى في قوله : (لهما) راجعا ، إلى نحو ابل ، وما

__________________

(١) ولعل في بعض النسخ بدل (فلعلّها) وكلّها لم يثبت.

(٢) أمّا لعدم الثبوت مطلقا ، أو لثبوته لا في اللّغة الفصيحة والمراد بيان اللّغة الفصيحة.

(٣) فان أوّل كلامه اعني قوله : ونحو إبل الخ ، صريح في ان كل ما كان على «فعل» بكسرتين يجوز فيه الاسكان ، وآخره اعني قوله : ولا ثالث لهما ، على هذا التفسير يدل على انّه لا يجوز الاسكان إلّا في ابل ، وبلز.

٣١

قبله ، أي نحو عنق كليهما ، أي : لا ثالث لهذين البنائين ، وهما ما كان ـ بضمّتين ـ ، وما كان ـ بكسرتين ـ ، بل لكل منهما وزنان ، أي الأصل فيهما وتسكين الوسط ، والمقصود انّ لكل واحد منهما فرعا واحدا فقط.

وفي تخصيصهما بالتعرّض لوحدة الفرع ، مع انّه لم يذكر لما قبلهما ، ـ أيضا ـ وهو نحو عضد سوى فرع واحد ـ ، إيماء لطيف إلى أنّ الفرع فيما قبلهما لا ينحصر في ذلك الواحد ، كما نقلنا انّ بعضهم جوّز فيه نقل حركة العين إلى الفاء ، ففي الاقتصار على ما ذكره من الفرع ثمّة ، ـ مع الاشعار ههنا بوجود غيره فيه ـ ، إشارة ما إلى أنّ ترك غير ما ذكره ثمّة للضعف ، أو الخلاف.

ولعلّ هذا المعنى ، أسلم ـ ممّا ذكروه ـ ، عن الايراد ، وألطف ، لكن اشتهار انحصار الوارد على كسرتين في المثالين ، ربّما يؤيّد أن يكون المراد هو الوجه الأوّل ، ولذا ، اختاره جماعة من أفاضل الشارحين ، ومنهم نجم الأئمّة رضي.

(ونحو ـ قفل ـ) ـ بضمّ الأوّل وسكون الثاني ـ (يجوز فيه) فرع واحد ، وهو (قفل) ـ بضمّتين ـ ، (على رأي) ـ يحكي عن عيسى بن عمرو ، وعن الأخفش ، إذا لم يكن صفة ، ك ـ حمر ـ ، أو معتل العين ، ك ـ سوؤ ـ ، وإنّما زعما جواز هذا الفرع ـ مع انّه أثقل من الأصلي ـ ، (لمجيئ عسر ، ويسر) ، ونكر ، ونحوها ، ـ بضمّتين ـ في كلامهم ، مع انّ البناء الأصلي المعلوم فيهما ، بكثرة الاستعمال ، وهو : ضمّ الأوّل وسكون الثاني ـ ، فانّ الاستعمال ـ بضمّتين ـ فيها قليل ، فزعما أنّهم ضمّوا الثاني ، ولم يبالوا بالثقل ، لتحصيل المشاكلة ، كما فتحوه من «فعل» ـ بالفتح فالسكون ـ ، إذا كان حلقيّا ، لمناسبة حرف الحلق للفتحة ، كما قال لبيد :

فقوما ، وقولا بالّذي تعلمانه

ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر (١)

__________________

(١) البيت للبيد بن ربيعة العامري ، يخاطب ابنتيه ويوصيهما بما تفعلان بعد موته يعني : إذا مت فقوما بالنياح وقولا في أثناء النوحة ما تعلمانه في صفاتي ، ولا تخمشا وجها ، ولا تحلقا

٣٢

ومن منع هذا الفرع ، جعل الأصل في مثل ذلك ما كان ـ بضمّتين ـ والفرع ما هو ـ بتسكين العين ـ ، كما في نحو : عنق.

وكثر الاستعمال ، انّما تكون علامة للأصالة لو لم يعارضه أمر آخر ، مثل : كراهة تفريع الأثقل من الأخف ، ومخالفته للمعهود بينهم ، فلعلّ قلّة الأصلي لثقله ، وكثرة الفرع لخفته ، فتأمّل.

[أبنية الاسم الرّباعي المجرّد] :

(وللرّباعي ـ المجرّد ـ خمسة) أبنية اصول ، ولم يرد فيه بناء أصليّ ، بحكم الاستقراء ، والقسمة العقلية تقتضي في بادي الرأي ثمانية وأربعين ، حاصلة من ضرب الاثني عشر المحتملة ـ في الثلاثي ـ في الأحوال الأربع ، من اللّام الاولى ، أي الحركات الثلاث والسكون ، وان نظر إلى المنع من التقاء الساكنين ، سقطت ثلاثة منها ، هي الحاصلة من اعتبار الحالات الثلاثة الّتي للفاء ، مع سكون العين ، واللّام الاولى كليهما.

وليس بناء أصليّ في غير الثلاثي ، عند الفرّاء ، والكسائي ـ ، لزعمهما انّ جميع أبنية الرباعي ، والخماسي مزيد فيها ، وأصلها ثلاثة أحرف.

(و) الخمسة الاصول ـ في الرباعي ـ كما ذهب إليه سيبويه ، والأكثرون ، (هي :) (جعفر) ، ـ للنهر الصغير ـ ، في الأصل ، (وزبرج) ـ بكسر الفاء واللّام الاولى ، وسكون العين ـ ، للزينة ـ من وشي ، أو جوهر ، وقيل : الذهب ، (وبرثن) ـ بضمّ الفاء واللّام الاولى وسكون العين ـ ، ـ لمخلب الأسد ـ ، (ودرهم) ، وهو معروف معنى ووزنا ، (وقمطر) ـ بكسر الفاء وفتح العين وسكون اللّام الاولى ـ ، ـ لما يصان

__________________

ـ شعرا ، وترك الألف في الوقف على المنصوب أعني شعرا ، على لغة ربيعة ، وفي القاموس : خمش وجهه : خوشه وضربه ، وقطع عضوا. والظاهر : ان هذا البيت من أبياته الّتي قالها في عصر الجاهلية ، لأنّه أسلم ـ رضي‌الله‌عنه ـ مع وفد بني عامر ، وحفظ القرآن وترك الشعر.

٣٣

فيه الكتب ـ.

(وزاد الأخفش) بناءا سادسا(نحو : جخدب) ـ بضمّ الجيم في أوّله وسكون الخاء المعجمة ، وفتح الدال المهملة ـ ، وهو : ـ الضخم الغليظ ـ ، ـ أو الجراد الأخضر الطويل الرجلين ـ.

واجيب عنه : بأنّه فرع مخفّف من «جخادب» ، وقد يرجح ثبوت هذا البناء بما حكي عن الفرّاء من «طحلب» ـ للخضرة الّتي تعلو الماء المزمن ـ «وبرقع» ، وإن كان المشهور فيهما الضم ، ك ـ برثن ، وبما روي : من نحو : دخلل ، ـ لطائر ـ ، وسؤدد على هذه الهيئة ، ولو لا أن تكرار اللّام للالحاق بجخدب لزم الادغام ، ومنع فصاحة هذه مشكل.

(وأمّا نحو : جندل) ـ بفتح الجيم والنون ، وكسر الدال ـ ، ـ لموضع فيه الحجارة ـ ، (وعلبط) ـ بضمّ العين وفتح اللّام وكسر الموحدة ـ. للغليظ من اللبن وغيره ، والقطيع من الغنم ـ فهما ليسا بنائين أصليين ، لتوالي أربع حركات فيهما ، مع عدم تواليهما (١) في كلمة من كلامهم.

(فتوالي الحركات) ـ الأربع ـ (حملهما على) ان يكونا مخفّفي ، (جنادل) ـ بفتح الجيم ـ (وعلابط) ـ بضمّ العين ـ بحذف الألف ، والجنادل : جمع جندل ، ك ـ جعفر ـ للحجارة ـ ، ففي جندل ـ للموضع ـ جعل المكان لكثرة الحجارة فيه ، كأنّه نفسها ، وعلابط لفظ مفرد من مزيد الرباعي.

[أبنية الاسم الخماسي المجرّد] :

(وللخماسي) ـ المجرّد ـ (أربعة) أبنية اصول ، بالاستقراء ، والقسمة العقلية تقتضي في بادي النظر ، مائة واثنين وتسعين ـ حاصلة من ضرب الثمانية والأربعين المحتملة ـ في الرباعي ـ ، في الأحوال الأربع المحتملة في اللّام الثانية ، ويسقط ـ بملاحظة

__________________

(١) هكذا في النسخة الّتي بأيدينا ، أي بلفظ التثنية ، والظاهر : بخلافه أي تواليها.

٣٤

امتناع التقاء الساكنين ـ أحد وعشرون ، وهي : التسعة الحاصلة من ضرب الثلاثة الساقطة في الرباعي ، في الحركات الثلاث المحتملة في اللّام الثانية ، مع الاثنى عشر المحتملة في الثلاثي ، إذا اعتبر فيها سكون اللّام الاولى ، والثانية كلتيهما ، وفي ثلاثة من هذه ـ وهي الحاصلة من الحركات الثلاث للفاء مع سكون العين واللّامين جميعا ـ ، تلتقي ثلاث سواكن.

والأربعة الموجودة وهي : (سفرجل) ـ بسكون الراء وفتح ما عداها ـ ، ـ لثمرة معروفة ـ (وقرطعب) ـ بكسر القاف وفتح الطاء ، وسكون الراء والعين ـ للشيء القليل ـ ، ويقال : ما في السماء قرطعب أي سحابة ، وقال ثعلب : هو دابّة ، (وجحمرش) ـ بفتح الجيم ، وسكون الحاء ، وفتح الميم ، وكسر الراء ـ ، ـ للعجوز المسنّة ـ ، (وقذعمل) ـ بضمّ القاف ، وفتح الذال المعجمة وسكون العين ، وكسر الميم ـ ، ـ للإبل الضخم ـ

[أبنية المزيد] :

١ ـ الثّلاثي والرّباعي :

(وللمزيد فيه) ـ من الثلاثي ، والرباعي ، والخماسي ـ في الاسم (أبنية كثيرة) يرتقي في قول سيبويه : إلى ثمانية وثلاثة مائة ، وزيد عليها بعده كثير ، وفي تفصيلها تطويل ، والمهم ذكر قانون يعرف به الأصلي من الزائد ، ـ كما يجيء إنشاء الله تعالى ـ.

٢ ـ الخماسي :

(ولم يجيئ) ـ المزيد فيه ـ (في الخماسي إلّا) بزيادة حرف واحد ، ـ كما أسلفنا ـ ، ويشترط فيه أن يكون حرف مدّ ، سواء كان قبل الآخر أو بعده ، كأنّهم راموا قلّة الزائد فيه وخفّته ، لكثرة اصوله ، فلذلك لم يجيء فيه إلّا مثل هذه الأمثلة.

٣٥

وهي :

(عضرفوط) ـ بزيادة الواو ـ ، للذكر من العظاية ـ (وخزعبيل) ـ بزيادة الياء قبل اللّام ـ ، ـ للباطل ـ (وقرطبوس) ـ بكسر القاف وزيادة الواو ـ ، ـ للداهية العظيمة الشديدة ـ ، وفيه لغة ـ بفتح القاف ـ لكنّه مثل : عضرفوط ، فالمراد ههنا لغة الكسر ، لئلّا يتكرّر ، (وقبعثرى) ـ بفتح القاف وزيادة الألف في آخره ـ ، ـ للجمل الضخم الشديد ـ ، والألف فيه ليس للالحاق ، لعدم سداسيّ يلحق به ، ولا للتأنيث ، إذ يلحقه ما لا يجامع (١) ـ لقولهم قبعثراة ـ ألف التّأنيث ، أعني : التنوين والتاء معا.

(وخندريس) ـ للخمر القديمة ـ (عند الأكثر) القائلين بأنّ نونه أصلية ، وهي من مزيد الخماسي ، ووزنه «فعلليل» ، خلافا لمن جعلها زائدة ، وجعله من مزيد الرباعي ، وقال وزنه «فنعليل».

ودليل الأكثر ، أن النون متردّد بين الزيادة والأصالة ، والحكم في مثله بالزيادة ، إنّما يكون أولى فيما يكون فيه المزيد فيه أكثر ، من أبنية الاصول بكثير ، حملا للمتردّد على الأكثر ، والمزيد فيه الخماسي قليل ، فحمله على الأصالة أولى ، رجوعا إلى أصالة عدم الزيادة ، وأورد عليه انّه إنّما يتم لو أراد الخصم إلحاقه بمزيد الخماسي ، وليس كذلك ، فانّه إنّما يريد إلحاقه بمزيد الرباعي ، فانّ الياء فيه زائدة اتفاقا ، والمزيد فيه في الرباعي أكثر من الأصل كثرة يعتد بها ، و «برقعيد» ـ لبلد ـ «فعلليل» من مزيد الخماسي اتفاقا ، إذ ليس فيه من حروف الزيادة سوى الياء ، وكأنّه لم يمثل به لما قيل : انّه أعجميّ ، وأمّا الّذي زيد فيه أكثر من حرف واحد من الخماسي ك ـ قرعبلانة (٢) ـ لدويبة ـ ، فنادر ، لا يقاس.

__________________

(١) ويمكن أن تكون العبارة في الأصل هكذا : إذ يلحقه ما لا يجامع مع ألف التأنيث.

والظاهر ان لفظة (مع) سقطت من العبارة ، وان (لقولهم قبعثراة) مقتحمة.

(٢) القرعبلانة : دويبة عريضة ، وأصلها : القرعبل ، زيدت فيه ثلاثة حروف ، وتصغيرها قرينة ، كذا في القاموس.

٣٦

[دواعي أحوال الأبنية] :

وإذ قد فرغ من بيان الأبنية ، تصدّى لأحوالها.

(وأحوال الأبنية قد تكون) عارضة لها ، (للحاجة) معنوية كانت أو لفظية ، والمعنوية : ما هي باعتبار فهم المعنى ، وذلك : (كالماضي ، والمضارع ، والأمر ، واسمي الفاعل والمفعول ، والصفة المشبّهة ، وأفعل التفضيل ، والمصدر ، واسمي الزمان والمكان ، والآلة ، والمصغّر ، والمنسوب ، والجمع) ، فان كلّ ذلك لحصول المعاني الّتي لا تحصل إلّا بها ، والحاجة اللفظية : ما هي باعتبار التلفّظ بالكلمة ، إمكانا ، أو استحسانا ، (و) الأوّل مثل : (التقاء الساكنين ، والابتداء) ، أي ما يجب اعتباره فيهما ، وهو التحريك في الأوّل ، فإنّ التلفّظ بأذهب ، «إذهب مثلا» ، من غير تحريك الباء متعذر ، والاتيان بما يتفصّي به عن الابتداء بالساكن في الثاني ، (و) الاستحسان مثل : (الوقف) إذ لا تعذر في عدمه ، وإنّما هو استحسانيّ.

(وقد تكون) أحوال الأبنية لغير حاجة ، بل ، (للتوسّع) الحاصل بكثرة الأبنية ليتوسّع بها في الشعر ، والسجع وغير ذلك ، (ك ـ المقصور ، والممدود) ، إذا لم يكن حصولهما باعلال يقتضيه ، كالمصطفى في المقصور ، الحاصل بالاعلال ، والاعطاء في الممدود ، الحاصل به ، فإن مثل هذا ، يرجع إلى الاعلال الّذي يذكره بعد ذلك ، وليس من المقصور والممدود المرادين ههنا ، (وذي الزيادة) الّتي لم تكن لحاجة ك ـ زيادات اسمي الفاعل والمفعول ، لظهور ان مثلها داخل فيما هو للحاجة.

(وقد تكون) أحوال الأبنية(للمجانسة) ، ك ـ الإمالة.

(وقد تكون للاستثقال ـ ، ك ـ تخفيف الهمزة ، والإعلال ، والإبدال ، والإدغام ، والحذف ،) على التفصيل الّذي يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ.

٣٧

[أبنية الفعل الماضي الثلاثي] :

وابتدأ في التفصيل بما هو للحاجة ، لكونه أهم ، ومن جملته بما يتعلق بالثلاثي المجرّد الّذي هو أوّل الأبنية ، وبالفعل لكثرة تصاريفه ، وبالماضي ، لأنّه أقدم الأحوال ، فقال :

[١ ـ الثلاثي المجرّد] :

(الماضي للثلاثي المجرّد ثلاثة أبنية) ، لالتزامهم الفتح ـ لخفّته ـ في أوّله ، إلّا عند طريان داع ، كالبناء للمفعول ، ونقل الحركة ـ للاتباع ـ ، ك ـ شهد ، والآخر محل الحركة البنائية ، وكأنهم حيث التزموا تسكينه ـ عند اتصال الضمير المرفوع المتحرّك ، الجاري مجرى الجزء من الفعل ، لشدّة امتزاجه به ـ إحترزوا عن السكون في الوسط ، لئلّا يكون في معرض التقاء الساكنين ، في هذه الصورة.

فاختلاف الأبنية إنّما هو باعتبار الحركات الثلاث في الوسط ، فحصلت ثلاثة باعتبارها ، وهي :

(فعل) ـ بفتح الوسط ـ (وفعل) ـ بكسره ـ (وفعل) ـ بضمّه ـ والأوّلان يجري فيهما التعدّي ، واللّزوم ، والثالث : لازم البتة.

والمتعدّي من الأوّل مع كسر العين في المضارع ، (نحو : ضربه) ، يضربه ، (و) مع ضمّه نحو : (قتله) ، يقتله ، واللّازم منه مع كسر العين في المضارع نحو : (جلس) ، يجلس ، ومع ضمّه ، نحو : (قعد) ، يقعد ، ولم يذكر مثالا لمفتوح العين من المضارع ، لأنّه بناء فرعي عند الأكثر ، يحصل مع حرف الحلق كما يجيئ ـ إنشاء الله تعالى ـ.

(و) المتعدّي من الثاني ، مع فتح العين في المضارع ، نحو : (شربه) ، يشربه ، (و) مع كسره ـ لا يكون قياسا ، إلّا في معتل الفاء ـ نحو : (ومقه) ، ـ إذا أحبّه ـ يمقه ، (و) اللّازم منه ، مع فتح العين المضارع نحو : (فرح) ، يفرح ، (و) مع كسره ، نحو : (وثق) ،

٣٨

يثق ، وليس فيه المضارع المضموم ، كما يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ.

(و) الثالث : ـ لا يكون إلّا مضموم العين في المضارع ـ نحو (كرم) ، يكرم ، فهذه أبنية المجرّد الثلاثي.

[٢ ـ الثلاثي المزيد] :

(وللمزيد فيه) ـ من الثلاثي ـ في الفعل (خمسة وعشرون) بناء ، يكثر دورانها ، وربّما جاء غير هذه.

ثمّ ان بعض هذه : (ملحق ب ـ دحرج نحو : شملل) على زنة «فعلل» ـ إذا أسرع ـ (وحوقل) على «فوعل» ، إذا ضعف ، وهرم ـ.

(وبيطر) على «فيعل» ـ إذا عمل البيطرة وعالج الدواب ـ.

(وجهور) على «فعول» ـ إذا جهر صوته ـ.

(وقلنس وقلسى) على «فعنل» ـ بالنون بعد العين ـ ، و «فعلى» يقال : قلنسته ، وقلسيته ، إذا ألبسته القلنسوة ـ.

ومن الملحق بدحرج على ما في ـ المفتاح ـ نحو : شريف فلان الزّرع ـ على «فعيل» ـ بالياء بعد العين ـ ، ـ إذا قطع شريافه ـ وهو : ورقه إذا طال وكبر حتّى يخاف فساده فيقطع.

(و) بعضها(ملحق ب ـ تدحرج) ـ من مزيد الرباعي ـ وذلك : (نحو تجلبب) ، على وزن «تفعلل» ـ إذا لبس الجلباب ـ ، وهو القميص ، (وتجورب) على «تفوعل» إذا لبس الجورب.

(وتشيطن) على «تفعيل» ـ إذا صار كالشيطان في تمرّده ـ.

(وترهوك) على «تفعول» ـ إذا تبختر ومشى كأنّه يموج في مشيه ـ.

(وتمسكن) على «تمفعل» ـ إذا ظهر الذل والمسكنة ، (وتغافل ، وتكلّم) على «تفاعل» و «تفعّل».

٣٩

وناقشوا في عدّ هذه الثلاثة من الملحق ، لأنّ الميم في «تمسكن» ، ليس للالحاق ، بل لتوهّم إصالتها ـ كما مرّ في تمندل ـ ، وكذا الألف في «تفاعل» لأنّها لا تكون للالحاق إلّا بدلا من الياء في الطرف كما في اسلنقى ، ووقوع الادغام في هذا الباب ـ أيضا ـ نحو : تمادّ ، وتحابّ ، يدل على عدم كونه ملحقا ، وكذا ادغام العين المكرّرة في «تفعّل» لأنّ الزائد للالحاق لا يدغم ، حفظا لزنة الأصل.

(و) بعضها(ملحق باحرنجم) من مزيد الرباعي ـ يقال : إحرنجم القوم ـ إذا ازدحموا ـ ، وحرجمت الإبل ، فاحرنجمت ، ـ إذا رددتها فارتدّ بعضها على بعض ـ ، ويقال : أيضا احرنجم ، ـ إذا رجع عن أمر بعد ارادته ـ.

والملحق به من مزيد الثلاثي (نحو : إقعنسس) على «افعنلل» ، ـ إذا تأخّر ورجع إلى خلفه ـ وأصله : من القعس ، وهو : خروج الصدر ودخول الظهر ، ضدّ الحدب ، ويقال : إقعنسس الجمل ، ـ إذا أبى أن يقاد ـ ، كذا قيل.

(واسلنقى) على «افعنلى» ـ إذا نام على قفاه ـ وهو قاصر لا يتعدّى ، وشذّ قوله :

قد جعل النعاس يغرنديني

أطرده عنّي ويسرنديني (١)

ولا ثالث لهما ، وقيل : انّه مصنوع لا حجّة فيه.

فهذه ـ الخمسة عشر ـ ملحقات بما ذكر.

(و) بعض المزيد الثلاثي ـ وهو العشرة ـ الباقية(غير ملحق) ، بشيء(نحو : أخرج) ك ـ أفعل ، (وجرّب) ، على «فعّل» ـ بتضعيف العين ـ (وقاتل) على «فاعل» وليست هذه الثلاثة ملحقة بدحرج ، لوقوع الادغام فيها ، أمّا في الثاني فدائما ، وأمّا

__________________

(١) هذا البيت : أورده الأندلسي في شرح المفصل ، وقال السخاوي : انشده أهل اللّغة على تعدية «افعنلي» وقال بعضهم : انّه مصنوع ، وقوله : جعل من أفعال المقاربة ويغرنديني ـ بالغين المعجمة ـ أي يعلوني أي يغلبني ، وبمعناه يسرنديني ، كذا قال ابن هشام ، واطرده عنّي : أي امنعه عن نفسي.

٤٠