شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

أحكام الإعلال

(الإعلال) في الصناعة : (تغيير حرف العلّة للتخفيف) ، ولا يطلق على تغيير غيره وان كان للتخفيف ، كتخفيف الهمزة بابدالها على ما مرّ ، ولا على تغيير حرف العلّة لغير التخفيف ، كقلب الألف من : دابّة ـ همزة عند من جدّ في الهرب عن التقاء الساكنين ، للهرب عنه ، وكتغيير ما هو في حال الرفع في الأسماء الستّة ، والمثنى ، والمجموع إلى غيره نصبا وجرّا للاعراب ، كتغيير الواو من : أبوك ـ إلى الألف من ـ أباك ـ ومن : مسلمون إلى الياء في مسلمين.

(و) الإعلال (يجمعه) ثلاثة أقسام ينحصر هو فيها وهي : (القلب) كما في قال ، (والحذف) كما في قل ، (والإسكان) نحو : يقول ، وبينه وبين الابدال عموم من وجه ، لتصادقهما في نحو : قال ، ووجود الاعلال بدونه في يقول ، والعكس في نحو : اصيلال ـ باللّام بدل النون ـ في أصيلان ، واصطلحوا على تخصيص لفظ القلب بابدال حرف العلّة والهمزة ، فهو أخص من الاعلال من وجه ، ومن الابدال مطلقا.

(و) الإعلال (حروفه : الألف ، والواو ، والياء) وهذه سميت حروف العلّة ، لكونها كالعليل المتغير الأحوال ، لكثرة التغيير فيها ، لاستثقالها لكثرة دورانها وكمال خفتها حتّى كأنها لا تحمل من الثقل ما تحمله غيرها ، وكأنها تصير عليلة به فيزال. عنها ذلك بالتغيير والاعلال ، فالاعلال كأنه ازالة العلّة ، فان هذا الباب قد يجيء لهذا المعنى ، كما يقال : أشكاه ـ أي ازال شكايته ـ وبعضهم جعل الهمزة أيضا من حروف العلّة ، لما فيها من التغييرات المطردة وان لم تبلغ حد تلك الحروف في كثرة ذلك.

(والألف) من تلك الحروف (لا تكون أصلا في) إسم (متمكّن ، ولا في فعل)

٣٨١

بالاستقراء ، ولأن شأن اصولهما ما لا يقبلها الألف وهو الحركة ، فان أوّل الكلمة متحركة لا محالة ، وآخر الاسم المتمكّن محل الاعراب ، وثانية يفتح في التصغير ، كما انّ الثالث منه يكسر في تصغير غير الثلاثي ، والرابع من الخماسي يصير محلا للاعراب بعد حذف الخامس فيه وفي التكسير ، والفعل الثلاثي اصوله كلّها متحركة في الماضي ، وباقي التصاريف يجري على حروفه ، والفعل الرباعي وان كان الثلاثي منه ساكنا لكنّه فرع الثلاثي وحقّه ان يجري على منواله ، فالمناسب عدم جعلها أصلا في شيء من المتمكّن والفعل ، (ولكن) يقع فيهما مبدلة(عن واو أو ياء) ، وترد إلى أحدهما عند الحاجة إلى التحريك ، وامّا جعلها أصلا والتزام ابدالها عند الحاجة فمع ما فيه من التمحل ربّما أدى إلى اللبس بين الأصلية منها والمنقلبة ، إذ لا شك في وقوعها منقلبة في بعض الألفاظ.

وزعم بعضهم : انّ الألف الاولى في : عاعى يعاعى عيعاء ، وحاحى يحاحى حيحاء ـ أي قال : عوعا وحوحا ـ وهما زجران للضأن ، أصلية ليست منقلبة عن الياء أو الواو ، لأنهما رباعيان على «فعلل ، فعلالا» كدحرج دحراجا على ما صرح به سيبويه ، والواو والياء لا تقلبان ألفا في ثاني الرباعي ، لسكونهما فيه ، وزعم جمهور البصريين ان مجيء : عيعى يعيعى يدل على ان تلك الألف منقلبة عن الياء على خلاف القياس ـ كما في طائي ـ كراهة اجتماع يائين بعد مثلين حلقيّين في بعض التصاريف ، كعيعيت وعيعينا ، وهذا بخلاف اجتماعهما بعد مثلين غير حلقيين في : صيصية مع أنها اسم ، والاسم أخف من الفعل على ما يقال ، وزعم بعضهم انّها زائدة ، وان عاعى عيعاء ، وحاحى حيحاء على «فاعل ، فيعالا» كقاتل قيتالا ، لمجيء : معاعاة ، ومحاحاة كمباراة ، ومماشاة ، وقال سيبويه : انّ المعاعاة ، والمحاحة مصدران ميميان بالحاق التاء للمرّة على «مفعللة» كمدحرجة ، والأصل : معيعية ومحيحية.

وقيل : ان كلّتا الألفين في : عاعى ، وحاحى أصليتان ، لأنّ الأصل فيهما الصوت الّذي ليس للألف أصل فيه ، وقلبت الثانية ياء عند اتصال الضمير المرفوع ، حملا

٣٨٢

على الألف الرابعة في غيرها ، كأغزيت وسلقيت.

ثمّ ان ما ذكر بخلاف حرف غير المتمكّن من الاسم ، إذ ليس الشأن في جميع اصولهما قبول الحركة ، ولا يجري عليهما تصرف يؤدي إلى تحريك ما كان ساكنا ، فلذا حكموا باصالة الألفات الواقعة فيها ، كألى ، وما ، ومتى ، ومهما ، وكذلك في الأسماء الأعجمية.

(و) الواو والياء(قد اتفقتا) في وقوعهما(فائين كوعد ، ويسر ، وـ عينين ـ كقول ، وبيع ، ولامين ـ كغزو ، ورمى ، وتقدمت كل واحدة على الاخرى ـ فاء وعينا ـ) فيكون الياء فاء والواو عينا ، (كيوم) ولم يسمع غيره ما فيه الفاء ياء والعين واو سوى يوح ـ للشمس ـ كذا يقال ، (و) يكون الواو فاء والياء عينا نحو : (ويل) ، قيل : لم يسمع غيره ممّا يماثله في ذلك سوى : ويح ، وويس ، وويب (١) ـ بالموحدة ـ كويل ، يقال : ويبك كما يقال : ويلك.

واتفقتا أيضا في كونهما عينا ولاما ، نحو : بوّ وقوّ (٢) ـ بالواو المشدّدة فيهما ـ وحيّ ، وعيّ (٣) ـ بالياء المشدّدة ـ.

(واختلفتا في انّ الواو تقدمت عينا على الياء لاما) ، نحو : طويت ، ونويت ، (بخلاف العكس) وهو تقدم الياء عينا على الواو لاما ؛ فانّه ليس بواقع في كلامهم عند الجمهور ، ولعل السرّ فيه ما يقال : من انّ المناسب كون الحرف الأخير أخف ممّا قبله ؛ لتثاقل الكلمة بازدياد حروفه ، ولكونه محل الاعراب ، (و) امّا(واو حيوان) على «فعلان» بالتحريك فليست أصليّة حتّى يلزم وقوعها لاما بعد الياء عينا ، بل

__________________

(١) الويح : كلمة رحمة. ويس : كلمة تستعمل في الرحمة ، والويس أيضا : الفقر. الويب : كلمة بمعنى الويل والعجب ، يقال : ويبا لهذا : أي عجبا له.

(٢) البو : بفتح الباء وتشديد الواو ـ الحوار ، وهو ولد الناقة ، وقيل غير ذلك. القوّ : اسم موضع ، وقيل : واد بين اليمامة وهجر.

(٣) العي ـ بكسر العين المهملة وتشديد الياء ـ : مصدر عيي ـ كرضي ـ وهو الحصر.

٣٨٣

هي (بدل عن ياء) على ما ذكره سيبويه وأصحابه ، والحامل على ذلك ليس قولهم في الماضي : حيي ـ بيائين ـ كفرح ، إذ لا دلالة فيه على اصالتهما ، لجواز كون الثانية منقلبة عن الواو لانكسار ما قبلها ـ كما في رضي ـ ، بل الحامل عليه عدم النظير له في كلامهم ، فأصله : حييان وكان القياس ان يقلب يائه الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وتحذف بالتقاء الساكنين لكنهم أبقوها متحركة ، ليكون الكلمة مناسبة لمدلولها في التحرك كالجولان ، ثمّ كرهوا المثلين المجتمعين فقلبوا الأخيرة الّتي هي أولى بالتغيير واوا ، خلافا للمازني حيث زعم انّ الواو فيه أصلية.

(و) اختلفت الواو والياء أيضا(في : انّ الياء وقعت ـ فاء وعينا ـ في يين) لموضع بين ضاحك وضويحك ، أو عين ماء ، (و) وقعت (فاء ولاما) فقط(في يديت) ـ بيائين بينهما الدال المهملة ـ بمعنى : أنعمت ، ويقال : أيضا يديت فلانا فهو ميديّ ـ كمرميّ ـ اسم مفعول إذا أصبت يده ـ ، وكذا يد للجارحة ، فان أصلها : يدي ، ولعل قولهم : يديت مأخوذ منها فانّها قد يتجوّز بها عن النعمة ، (بخلاف الواو) فانّها لم تقع فاء وعينا(إلّا في أوّل) (على) المذهب (الأصح) فيه ، وهو ان يكون من : وول ـ بواوين ـ على ما مرّ في ذي الزيادة ، فانّها على هذا القول وقعت فيه فاء وعينا ، وقد يعترض عليه بأن وقوع الياء أيضا فاء وعينا لم يرد إلّا في يين ولا نظير له فاتفقا في عدم وقوعهما كذلك إلّا في لفظ واحد إلّا ان يقال : ورود الياء كذلك مقطوع به بخلاف الواو ، للخلاف في لفظ أوّل فتأمّل ، (و) لم يقع الواو فاء ولاما(إلّا في) لفظ(الواو على وجه) ، وهو ان الأصل فيه : ويو ـ بياء مفتوحة بين واوين ـ لا ووو ـ بثلاث واوات ـ كراهة بناء الكلمة من الواوات ، ثمّ انّ الياء قلبت ألفا لانفتاح ما قبلها على ما ذهب إليه أبو علي ، فانّها وقعت فاء ولاما على هذا القول ، وتصغيره : وييّة مع تاء التأنيث كقديمة في قدم ، واصلها : وييوة قلبت الواو الثانية ياء بعد التصغير وادغمت ، وعلى هذا يقال : وييّت الواو ـ من باب التفعيل ـ بواو ويائين ـ أي كتبت الواو ـ وأصله : ويّوت قلبت الواو الأخيرة الرابعة ياء ، كما في

٣٨٤

اعطيت ، وأعليت.

(و) أيضا في (أنّ الياء وقعت فاء وعينا ولاما في : ييّيت) الياء ، من باب التفعيل ـ أي كتبها ـ عند من قال : ان الأصل في لفظ الياء ييي ـ بثلاث ياآت ـ قلبت الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، والثالثة المتطرفة بعد الألف همزة ، وامّا عند أبي علي ومن وافقه : فأصله : يوي ـ بواو بين يائين ـ والفعل يوّيت.

وهذا(بخلاف الواو) ، فانّها لم تقع فاء وعينا ولاما(إلّا في) لفظ(الواو على وجه) آخر ، وهو ما ذهب إليه الأخفش من ان أصله : ووو ـ بثلاث واوات ـ لا ويو ـ بالياء بين الواوين ـ لعدم تقدم الياء عينا على الواو لاما في كلامهم ، فقلبت الثانية ألفا ، وتصغيره اويّة ، والفعل : أويّت ، وأصلهما : وويوة ، وووّت ، بالواوات في كل منهما ، فقلبت الاولى همزة فيهما لكونها أوّل واوين متحركتين وقعتا في الصدر ، وقلبت الثالثة بعد ياء التصغير ياء وادغمت ، وكذا قلبت الأخيرة في الفعل ياء ـ كاعطيت ـ فلا فرق بين لفظي الواو والياء في تحقق الخلاف في أصلهما.

ورجح قول أبي علي بأن اتحاد الفاء واللّام ـ كما في : سلس ، وقلق ـ على قلته أكثر من اتحاد الفاء والعين واللّام ، والحمل على الأكثر أولى ، وهكذا اختلفوا في كل ما كان ثانيه ألفا وبعدها همزة من أسماء حروف التهجي كالهاء ، والباء الموحدة ، فقال أبو علي : الأصل ، هوي ، وبوي مثلا ، والجمع : هواء ، وأبواء ، والفعل : هوّيت الهاء ، وبوّبت الباء من باب التفعيل.

وقيل : الأصل : هيي ، وبيي ، مثلا ـ بيائين ـ والجمع : اهياء ، وابياء ، والفعل : هيّيت ، وبيّيت ، والاعلال على القولين كاعلال الياء التحتانية ، وامّا نحو : الصاد ، والدال ، ممّا فيه ألف فقط ، فيقال : ان حمله على الواوي أولى ، لكونه أكثر ، والفعل : صوّدت ، ودوّلت مثلا. (١)

__________________

(١) ثمّ الاعلال : امّا ان يكون في الفاء ، أو في العين ، أو في اللّام وقد أخذ في بيانها فقال الفاء ، أي هذا مبحثها.

٣٨٥

[١ ـ إعلال الفاء] :

(الفاء) : من قبيل الأسماء المعدودة لا محل له من الاعراب ، أو هو مبتدأ محذوف الخبر ، أو خبر لمحذوف ، وكذا قوله : العين ، واللّام ، (تقلب الواو) ان كانت فاء(همزة لزوما) إذا وقعت بعدها اخرى ، كما في (نحو : أواصل) كضوارب في جمع واصلة ، (وأويصل) في تصغير واصل (١) ، وأصلهما : وواصل ، ووويصل ، ـ بواوين ـ فقلبت الاولى منهما همزة ، كراهة الافتتاح بهما مع الاجتماع المستثقل ، وذلك (إذا تحرّكت الثانية) أيضا ، كما ان الاولى متحركة وان اختلفت حركتاهما ، (بخلاف) ما إذا سكنت الثانية نحو : (ووري) على البناء للمفعول في : واري الشيء مواراة ـ إذا ستره ـ فان قلبها همزة ليس بلازم ، لضعف الثقل حتّى صار كالمعدوم بسكون الثانية.

(و) تقلب الواو المضمومة الواقعة فاء(جوازا) ان لم يقع بعدها اخرى ، كما(في : أجوه) في وجوه ، جمع وجه ، (و) كذا إذا وقعت بعدها اخرى ساكنة كما في (أوري) في ووري لما فيها من الثقل وان قلّ ، فجاز القلب للمبالغة في التحرّز عن الاستثقال ، وتركه كما في قوله تعالى : (ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما)(٢) لعدم الاعتناء بهذا القدر منه.

(وقال المازني) : يقلب ـ أيضا ـ جوازا قياسا مطردا إذا كانت مكسورة كما(في نحو : إشاح) في : وشاح ، وهو شيء ينسج من الاديم ـ عريضا ـ ويرصع بالجواهر وتشدّه المرأة بين عاتقيها وكشحيها ، وغير المازني جعل القلب في مثله مقصورا على السماع.

__________________

(١) (والأول) جمع الأولى ، وأصله : وول لأن حروف اصوله واوان ولام كما عرفت ، وهذا ثابت في «النظام والمناهج» أيضا.

(٢) الآية : ٢٠ الأعراف.

٣٨٦

وقد تلخص إلى ههنا ان لزوم القلب مشروط بتحرك الثانية وإلّا جاز ، ولكنهم على تقدير كون الأوّل في الأصل بواوين.

(و) قد(التزموه) ـ أي هذا القلب ـ في (مؤنثه الأولى) وان لم يتحقق فيه شرط اللزوم ، لسكون الثانية فيه ، (حملا على الأول) في الجمع ، فان أصله : وول ـ بواوين متحركتين أوليهما مضمومة وثانيتهما مفتوحة ـ فيتحقق فيه شرط لزوم القلب ، فحيث علموا لزومه في الجمع التزموه في المفرد ، كراهة اختلافهما في الحروف بحسب الظاهر ، ولم يعكس ، بأن يحمل الجمع عليه في جواز ترك القلب ، ترجيحا للتخفيف ، ولأن المفرد لاشتماله على علامة التأنيث مؤنث لفظي فحمله على الجمع الخالي عن التأنيث اللفظي أولى من العكس ، ويظهر من كلام بعضهم الاكتفاء في لزوم القلب باصالة الواو الثانية ـ كما في الأولى ـ فانّه «فعلى» بخلاف أوري في : ووري فانّه «فوعل» كقوتل ، فواوه الثانية زائدة.

وقال سيبويه : إذا بنى من : وعد مثل : كوكب يقال : أوعد ـ بقلب الواو الاولى همزة ، وهذا يدل على انّه لم يشترط في قلب الاولى همزة اصالة الثانية ولا تحركها ، ويرد عليه : عدم القلب في : ووري ، وقد يعتذر عنه بأنهم شبهوا مدته بألف وارى ، لانقلابها منها ، وقد يقال : لعلّه أراد جواز القلب مع سكون الثانية ـ كما ذكره المصنف ـ دون الوجوب ، فتأمل.

(وأمّا أناة) في قولهم : إمرأة أناة ـ إذا كان بها فتور وكسل ـ وأصلها : وناة ـ بالواو ـ من الونى ـ بالألف المنقلبة عن الياء ـ وهو الفتور ، (وأحد) من الوحدة ، وأصله : وحد ، (وأسماء) من اعلام النّساء ، وأصله : ـ عند سيبويه والأكثر ـ وسمآء على «فعلاء» من الوسامة وهي حسن الوجه ، (فعلى غير القياس) بالاتفاق ، لأنّ الواوات في أوائلها مفتوحة من غير تكرّر ، فقياسها ان تبقى على حالها ، فقلبها همزة خلاف القياس ، وزعم المبرد : ان أسماء علم منقول من الجمع ، وهو جمع اسم ، ومنعه من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي ، ورجح مختار الأكثر بقلّة التسمية

٣٨٧

بالجمع ، وبمنعه من الصرف في كلامهم وان سمّى به مذكر فهو «فعلاء» كحمراء ، وإلّا لم يكن فيه حينئذ سبب غير العلمية ، وبناء منعه من الصرف على التوهم أو نقله عن اسم المؤنث فيراعي أصله كزينب ـ إذا سمّى به رجل ـ بعيد جدّا.

وقد تقلب الواو في الصدر ـ تاء ـ لتقاربهما في المخرج وتشاركهما في الهمس ، كتراث ، وتقوى ، في : وراث ، ووقوى ، وتولج في : وولج ـ بواوين ـ كجوهر ، من الولوج لمأوى الوحوش ، ولم يأت في كلام العرب كلمة أوّلها ياء مكسورة إلّا يسار على لغة في اليسار ـ لليد اليسرى ـ ويقاظ ـ جمع يقظان ـ كذا قال نجم الأئمّة رضي.

(و) الواو والياء(تقلبان في : باب الافتعال تاء) (١) وتدغم فيها تاء الافتعال ، للتخفيف ، أمّا الواو : فلمناسبتها للتاء ، وامّا الياء : فكأنهم حملوها في ذلك على الواو ، لما بينهما من التواخي ، (نحو : إتّعد) القوم ـ أي وعد بعضهم بعضا في الشر ـ ، ويقال في الخير : تواعد ، كذا قال الجوهري ، ويقال : إتعد فلان أيضا ـ أي قبل الوعد ـ وأصله : إوتعد ، (وإتّسر) القوم الجزور ، ـ اقتسموها بحسب سهامهم في الميسر ، أي القمار المعروف في الجاهلية ـ وأصله : ايتسر ـ بالياء ـ وبمعناه يسر القوم الجزور ، وكذا في التصاريف غير الماضي.

هذا إذا لم يكن حرف العلّة منقلبة عن الهمزة.

(بخلاف) المنقلبة عنها ، فانّها لا تقلب تاء ، لعروضها وكونها في معرض الزوال ، نحو : (إيترز) فلأن بالازار ـ بصيغة الماضي ـ ، وأصله : إأتزر ـ بهمزتين فقلبت الثانية ياء ـ كما في ايت ـ ويقال : في المضارع للمتكلم منه آتزر بقلب الثانية ألفا ـ كما في آدم ـ وجوّز بعض البغاددة : القلب تاء ، والادغام في كل ياء منقلبة عن الهمزة في باب الافتعال ، نحو : اتّزر ، واتّمن ، واتّهل ، من : الأزار ، والأمانة ، والأهل ، وفي رواية عن عاصم انّه قرأ : «الّذي إتّمن» بالقلب والادغام ، وحكى غيرهم : اتّزر

__________________

(١) وعبارة المتن في شرح النظام ورضي : وتقلبان تاء في نحو إتعد الخ.

٣٨٨

في الماضي ، وفي المضارع أيضا للمتكلم (١) تبعا للماضي ، فقال ابن مالك : انّه مقصور على السماع ، وقيل : انّه من تحريف الرواة.

وامّا : إتّخذ فسيجيء الكلام فيه إنشاء الله تعالى.

(وتقلب الواو) الساكنة(ياء إذا إنكسر ما قبلها ، والياء) الساكنة(واوا إذا انضم ما قبلها) ، لاستثقال كل من الواو الساكنة المكسور ما قبلها والياء الساكنة المضموم ما قبلها ان لم تكن مشدّدة ، بخلاف الواو المشدّدة المكسور ما قبلها ، والياء المشدّدة المضموم ما قبلها نحو : اجلوّازا مصدر اجلوّز ـ بالتشديد ـ وميّل ـ على البناء للمفعول ـ من باب التفعيل من : الميل ، فانّ المشدّدة لقوّتها كالحرف الصحيح ، فتحمل ما لا تتحمّل غيرها وان جاز القلب ياء في اجلوّازا نحو : اجليوازا ـ كما جاء في الصحيح نحو : دينار في : دنّار ، فالأوّل : (نحو : ميزان ، وميقات) من الوزن ، والوقت ، (و) الثاني : نحو : (موقظ) من اليقظة ، (وموسر) من اليسار ـ بمعنى الغنى ـ.

[حذف الواو والياء فائين] :

(وتحذف الواو) قياسا مطردا(من) المضارع المعتل الفاء على «يفعل» بكسر العين ـ (نحو : يلد ، ويعد) وأصلهما : يولد ، ويوعد ، وانّما حذفت ، (لوقوعها بين ياء) وهي حرف المضارعة في الغيبة ، (وكسرة أصلية) في العين ، والواو في حكم ضمتين ، والياء في حكم كسرتين ، فيستثقل اجتماعهما مع وجود كسرة اخرى بعد الواو فحذفت تخفيفا ، ولم تحذف من : يوعد مع كسر العين في باب الافعال ، لحصول شيء من التخفيف بمصادفة الضم المجانس لها قبلها في حرف المضارعة ، ولأنه في الأصل : يأوعد فلم يقع الواو فيه بين الياء والكسرة ، نظرا إلى أصله ، كذا قيل.

__________________

(١) وممّا يستشهد به لمجيئه في المضارع ما في صحيح البخاري في باب : مباشرة الحائض باسناده إلى عائشة ـ رضي‌الله‌عنها ـ قالت كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله (ص) ان يباشرها أمرها أن تتّزر.

٣٨٩

(ومن ثمّ) أي ومن أجل وجوب حذف الواو في مثل ما ذكر ، (لم يبن) الماضي المضاعف المعتل الفاء الواوي الخالي عن حرف الحلق ، (نحو : وددت) من المودّة ـ وهي المحبّة ـ (بالفتح) في العين ، بل بنى على «فعل» ـ بكسرها ـ ليكون مضارعه مفتوح العين ، نحو : يودّ ، (لما يلزم من اعلالين) ، وهما : حذف الواو ، والادغام ، (في) مضارعه نحو : (يدّ) لو بنى ذلك الماضي بفتح العين ، لما تقرّر عندهم في المثال المضاعف الّذي كان ماضيه مفتوح العين من لزوم الكسر في عين المضارع منه إلّا مع حرف الحلق ، فيجوز معه الفتح ، وإذا كان مضارعه مكسور العين لزم حذف الواو مع وجوب ادغام العين في اللّام ، فكأنهم عدلوا فيه عمّا يستعقب اعلالين ، ترجيحا لما يلزم فيه ذلك وان كان قد يقع في كلامهم ما فيه اعلالان أو أكثر ، كما يظهر لك في مسائل التمرين ـ إنشاء الله تعالى ـ.

ثمّ انّ الأصل في حذف الواو هو المضارع الغائب الّذي فيه الياء ، (وحمل أخواته نحو : أعد ، ونعد) ـ للمتكلم الواحد والمتعدّد ـ (وتعد) ـ بالتاء للغائبة والمخاطب ـ (وصيغة أمره) نحو : عد(عليه) وان لم يتحقق فيها سبب الحذف ، لعدم الياء ليكون الباب على وتيرة واحدة ، وفي الأمر وجه آخر وهو : انّه مأخوذ من صورة المضارع بحذف حرف المضارعة ، فيحصل ما ذكر من غير واو ولا همزة وصل ، (ولذلك) الّذي أشير إليه من ان حذف الواو انّما هو لوقوعها بين الياء والكسرة ، وذلك انّما يتأتى مع كسر العين في المضارع ، (حملت فتحة يسع) ، مضارع وسع ، (ويضع) مضارع وضع ، ويطأ مضارع وطأ ، ويدع ونحوها ، (على العروض) ، ذهابا إلى انّ العين فيها مكسورة في الأصل والفتحة عارضة لأجل حرف الحلق ، إذ لو لا الحمل على ذلك لم يكن لحذف الواو منها وجه ، لعدم وقوعها بين الياء والكسرة.

(و) لذلك أيضا حملت فتحة(يوجل على على الأصل) ، وقالوا : انّها أصليّة ، إذ لو كانت عارضة لحذف الواو ، كما في يسع ، (و) هاتان الفتحتان (١) (شبّهتا) في كون

__________________

(١) أي فتحة يسع ويوجل.

٣٩٠

إحداهما عارضة والاخرى أصليّة(بالتّجارى والتجارب) من حيث الكسرة فيهما ، فانّها عارضة في أحدهما ـ أي في التجاري ـ لأنه مصدر تجاري يتجارى كتباعد يتباعد ، فالراء فيه مضمومة في الأصل كالعين في التباعد ، وكسرت لوقوع الياء بعدها هي أصليّة في الآخر ـ وهو التجارب ـ لأنه جمع للتجربة ، وقياس الجمع الّذي ثالثه ألف بعدها حرفان ان يكون أولهما مكسورا نحو : صحائف ، ومساجد.

وما ذكر في الواو من أنها تحذف مع الكسرة وتثبت مع الفتحة ، (بخلاف الياء) في المفتوح العين ، (نحو :) (ييئس) مضارع يئس ، (و) المكسور العين نحو : (ييسر) مضارع يسر ـ إذا لعب الميسر ، وهو القمار ـ فانّه لا فرق بينهما فانّها تثبت مع الكسر كما تثبت مع الفتح ، لعدم ثقلها بالوقوع بين الياء والكسرة ، (و) لكن (قد جاء) : فيها مع الهمزة الحذف والقلب ألفا ، استثقالا لها معها وذلك كما جاء(يئس) باثبات حرف المضارعة وحذف الياء الّتي هي الفاء ، (وجاء : ياءس) بقلبها ألفا ، وهذا(كما جاء) قلب حرف العلّة ألفا في المضارع في باب الافتعال نحو : (ياتعد) ، وياتسر ، (وعليه جاء) : في اسم الفاعل منهما(موتعد ، وموتسر) بالواو المنقلبة عن الياء الساكنة المضموم ما قبلها ، (وهذا لغة الشافعي) ـ رحمه‌الله تعالى ـ فانّه كان يتكلم هكذا ، وهذا يوافق لغة بعض الحجازيين ، وجاء : في لغة هؤلاء في الماضي من الواوي إيتعد ـ بالياء المنقلبة عن الواو الساكنة المكسور ما قبلها ، وكذا في الأمر ، وذلك عند بقاء الهمزة الوصلية المكسورة فان حذفت درجا فالمسموع ليس إلّا التاء المشدّدة نحو : واتّعد ـ بالواو العاطفة ـ.

وجاء : في اليائي ايتسر بالياء من غير القلب تاء.

(وشذّ في مضارع ـ وجل : ييجل) بقلب الواو ياء من غير تغيير آخر ، (وياجل) بقلبها ألفا ، (وييجل) بقلبها ياء مع كسر حرف المضارعة وان كان هو الياء الّتي لا يكسرها من يكسر حروف المضارعة ، والكسرة مستثقلة عليها ، لانجبار ذلك

٣٩١

بتقوى الياء بالياء الاخرى ، ففيه أربع لغات ، هذه الثلاث ، ويوجل ، وظاهر كلام أبي علي ان هذه الأربعة قياس على قلّة في كل ما كان معتل الفاء على «فعل ، يفعل» ـ بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع ـ.

(وتحذف) وجوبا(الواو) المكسورة من المصدر وان ضعف ثقلها بسكون ما بعدها إذا كانت محذوفة في المضارع ، لما فيها من شوب الثقل بالكسرة مع استهال الخطب في حذفها بكونها في معرض الحذف في المضارع ، فنقلت كسرتها إلى ما بعدها وحذفت ، اجراء للمصدر مجرى المضارع من باب اجراء الأصل مجرى الفرع ، كأنهم يبتدئون باعلال الفعل ، لكثرة دورانه وكثرة الدواعي إلى التصرّف فيه ، ثمّ يتبعه المصدر في الاعلال ، ومن ثمّ قيل : الفعل في باب الاعلال أصل للمصدر ، وذلك : (كالعدة) مصدر وعد يعد ، (والمقة) مصدر ومق يمق ، وأصلها : وعدة وومقة ـ بكسر الواو ـ وقد تحذف مع حركتها من غير نقل ويفتح ما بعدها إذا كان مفتوحا في المضارع لحرف الحلق ، كطأة وسعة ، وقد يكسر أيضا مثل ذلك كهبة ، وتبقى الواو إذا لم تكن مكسورة كالوعد ، أو لم تحذف من المضارع كوصال مصدر يواصل ، ووداد مصدر يوادّ.

ثمّ انّ التاء في نحو ذلك حاصلة فيه قبل الاعلال والحذف ، كما في نشدة من الصحيح ، لكنها لمّا صادفت حذف الواو وجعلت كالعوض عنها فلزمت ، لكن لم يعتد بتعويضها فضل إعتداد ، ولذلك وقف عليها بالهاء ولم تكتب مطولة ، بخلاف ما يعتد فيه بالتعويض كالأخت ، والبنت ، وقد جاء حذفها على شذوذ كما في قول الفضل بن عباس بن عتبة :

إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا

واخلفوك عد الأمر الّذي وعدوا (١)

__________________

(١) البيت لأبي اميّة الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب.

الخليط : صاحب الرجل الذي يخالط في جميع اموره ، ويستوى فيه الواحد والجمع.

٣٩٢

ـ أي عدة الأمر ـ على ما قال الفراء ، وقيل : انّه عدى ـ بالألف ـ جمع العدوة بمعنى الناحية ، كأنه أراد نواحي الأمر.

(ونحو : وجهة) باثبات الواو المكسورة(قليل) ، وانّما جاز ذلك فيها لأنها ليست مصدرا يجري مجرى المضارع بمعنى التوجّه ، بل معناها المكان والجهة الّتي يتوجه إليها ، ولزوم الحذف والتعويض إنّما هو في المصادر دون غيرها ، كولدة ، ووعدة ، في الاسم ، ولو جعلت مصدرا فالتاء فيها مجردة عن اعتبار التعويض ، لئلّا يكون كالجمع بين العوض والمعوض ، وترك الاعلال فيها للتنبيه على الأصل كتركه مع وجود سببه في : القود والعود.

وأمّا صلة ـ بضمّ الصاد مع حذف الواو ـ فشاذ ، ولعل أصلها : الصّلة ـ بكسرها ـ فحذفت ثمّ حولت بعد حذفها عن الكسرة إلى الضمّة فلم يعتنوا بها ، لعروضها.

[٢ ـ اعلال العين] :

(العين) : والواو والياء(تقلبان ألفا إذا تحركتا) حال كونهما(مفتوحا ما قبلهما ، أو في حكمه) ـ أي حكم المتحرك المفتوح ما قبله ـ إمّا بأن يجعل كل منهما في حكم المتحرك ، وامّا بأن يجعل ما قبلهما في حكم المفتوح ، (في إسم ثلاثي) ذي ثلاثة أحرف ، (أو فعل ثلاثي) كذلك ، (أو) في فعل (محمول عليه) ـ أي على الفعل الثلاثي ـ ، (أو) في (إسم محمول عليهما) أي على الفعل الثلاثي والفعل المحمول على الفعل الثلاثي ـ بأن يكون ذلك الاسم محمولا على أحدهما.

وهذا القلب مع قلّة الثقل في الواو والياء المتحركتين المفتوح ما قبلهما لزيادة التخفيف المناسبة لكثرة دورانهما ، ولم يقتصروا على الاسكان ، كراهة التباس صيغة

__________________

ـ والبين : الفراق ، فانجردوا : أي فاندفعوا ، والشاهد في : عدّ الأمر فانّ أصله : عدّة الأمر. ولا يختص ذلك بالنظم وهو كثير جدّا.

٣٩٣

المتحرك الأوسط بصيغة الساكن الأوسط ، والألف المنقلبة دالّة على الحركة ، لانقلابها عن المتحرك فلا التباس معها ، ولم يقلبوهما فائين ألفا في لغة الأكثرين وان تحركتا وانفتح ما زيد قبلهما نحو : أودّ ـ للمضارع المتكلم ـ من المودّة ، وأيلّ ـ بفتح الهمزة والياء وتشديد اللّام ـ للصفة من اليلل ـ وهو قصير الأسنان العليا وانعطافها إلى داخل الفم ـ ، يقال : رجل ايلّ ، وامرأه يلّاء ، لأن فاء الكلمة الّتي هي أوّل اصولها جدير بالمحافظة عليها وعدم التغيير إلّا ان يقوي الداعي إليه ، وليس ههنا من الاستثقال ما يقوي على ذلك ، بخلاف العين واللّام ، فانّ الآخر وما يقرب منه قد يتغيّر باستثقال لا يتغيّر بمثله الأوّل ، ومن ثمّ أطرد هذا الاعلال فيهما إلّا في الأجوف اليائي على «فعل» ـ بضمّ العين ـ كهيؤ يهيؤ ـ إذ لو قالوا فيه : هاء لزم ان يقال في المضارع : يهوؤ ـ بقلب الياء واوا بعد نقل الضمّة ـ على زنة يسوء ، لاستلزام إعلال الماضي إعلال المضارع ، وهو ثقيل بالنسبة إلى أصله مع ان شأن الاعلال التخفيف كذا قيل.

والمصنف ترك استثناءه ، لعدم نظير آخر له ، وبعض بني تميم يقلبون الواو الّتي تكون فاء ألفا في الجمع وان كانت ساكنة ، كما يقولون : ألا دطيّ مثلا ، في أولاد طيّ.

ثمّ ان قلبهما عينين ألفا ، (نحو : باب ، وناب) وأصلهما : بوب ، ونيب ـ بفتح الواو والياء المفتوح ما قبلهما ـ وهما اسمان ثلاثيان ، (وقام ، وباع) وأصلهما : قوم ، وبيع كذلك وهما فعلان ثلاثيان ، (وأقام ، وأباع) ، واستقام ، واستباع ، وأصلها : أقوم ، وأبيع كأكرم ، واستقوم ، واستبيع كاستخرج ، وما قبل الواو والياء فيها ساكن لكنّه في حكم المفتوح لانفتاحه في أصلها الثلاثي المجرد ، وان اعتبر نقل حركتهما إلى ما قبلهما في حكم المتحرك لاعتبار حالتهما الأصلية ، وهما على التقديرين في حكم المتحرك المفتوح ما قبله فقلبتا ألفا وفتح ما قبلهما ان لم ينقل الفتحة منهما إليه ، فهذان فعلان محمولان على الفعل الثلاثي ، ولم يعتبروا حركتهما في الأصل المجرد في نحو :

٣٩٤

استوثق ، واستيسر ، لكونهما فائين كما في : اودّ.

(والإقامة ، والإستقامة) وأصلهما : إقوام ، واستقوام : كاكرام واستخراج ، فما قبل الواو فيهما ساكن لكنهما حملا على فعلهما المحمولين على الفعل الثلاثي فقلبت فيهما ألفا وحصلت ألفان فحذفت إحداهما بإلتقاء الساكنين ، والتاء عوض كما مرّ في باب المصدر ، فهذان اسمان محمولان على الفعل المحمول على الفعل الثلاثي.

(وإستكان منه) أي من قبيل ما ذكر من المحمول على الثلاثي ، فانّه استفعل كاستقام ، فما قبل حرف العلّة فيه ساكن لكنّه حمل على أصله الثلاثي ، (خلافا للأكثر) حيث جعلوه «افتعل» كاجتمع ، وزعموا أنّ الألف فيه زائدة كما في : ينباع ، ومنتزاح.

وانّما قلنا انّه منه وجعلناه كاستقام (لبعد الزيادة) في الألف ، فانّ الحكم بزيادتها مع امكان اصالتها بعيد ، (ولقولهم) : في مصدره من غير المرة(إستكانة) بالتاء الّتي لم يعهد زيادتها في مصدر باب الافتعال لغير المرّة أصلا ، والحمل على ان زيادة التاء مع كونها مصدر «افتعل» لتوهم كونها مصدر «استفعل» كاستقام بعيد جدّا.

(ونحو : مقام) ـ بفتح الميم ـ وأصله : مقوم كمقعد ، فما قبل الواو فيه ساكن لكنّه حمل على فعله الثلاثي ، كما في أقام ، وهو اسم محمول على الفعل الثلاثي ، (ومقام) ـ بضمّ الميم ـ على انّه مصدر ميمي ، أو اسم مفعول ، أو اسم مكان من باب الافعال ، فأصله : مقوم كمكرم بسكون ما قبل الواو ، فحمل على ماضيه المحمول على أصله الثلاثي كالاقامة في المصدر.

وهذا الّذي ذكر من القلب ألفا في المتحرك المفتوح ما قبله من الواو والياء كائن (بخلاف : قول ، وبيع) من المصدر الثلاثي ونحوهما من الكلمات الّتي كانت الواو والياء الواقعتين عينين فيهما ساكنتين ، فانّهما لا تقلبان في مثل ذلك ألفا ، لحصول التخفيف بالسكون.

٣٩٥

(وطائيّ ، وياجل شاذ) ، لأن أصل الأوّل قبل النسبة طيّئ كسيّد ـ بالياء المشدّدة ـ فحذفت المدغمة فيها المتحركة وابقيت المدغمة الساكنة فقلبها ألفا شاذ ، لسكونها وقد مرّ الكلام فيه في باب النسبة ، وأصل الثاني : يوجل ـ بالواو الساكنة ـ فقلبها ألفا شاذ مع انّها فاء الكلمة ، وقد يقال : ان قلب حرف العلّة الساكنة المفتوح ما قبلها ألفا قياس في لغة : بلحارث بن كعب ، وخشعم ، وزبيد ، وقبائل من اليمن ، ولذلك جعلوا الياء في المثنى ألفا ـ نصبا وجرّا ـ فلعل مثل ذلك وارد على لغتهم كما ورد على تلك اللّغة : ربّ إنّي تبت إليك وصمت فتقبّل تابتي وصامتي ـ أي توبتي وصومتي ـ.

(و) كذلك ما ذكر كائن (بخلاف : قاوم ، وبايع) (١) مقاومة ومبايعة ، (وقوّم ، وبيّن) تقويما وتبيينا ، (وتقوّم ، وتبيّن ، وتقاول ، وتبايع) ، فانّ الواو والياء في كل ذلك لا تقلبان ألفا وان كانتا متحركتين لأن ما قبلهما ساكن وليس بمفتوح ولا في حكمه ، لعدم كونه حرفا هو مفتوح قبل إحداهما في الأصل المجرد الثلاثي كما كان كذلك في نحو : اقام واستقام ، كيف لا والأصل المجرد الثلاثي ليس بمشتمل على أحديهما وذلك الساكن معا.

(ونحو : القود) ـ بالتحريك ، للقصاص ـ ، (والصّيد) ـ بالتحريك أيضا ـ مصدر الأصيد ـ بالمهملتين ـ كأحمر ، وهو الّذي لا يرفع كبرا ، أو الّذي لا يلتفت يمينا وشمالا.

(وأخيلت) السحابة كاكرمت ـ بالخاء المعجمة ـ إذا صارت خليقة بالمطر ، واخيلت المرأة للناقة ـ إذا وضعت قرب ولدها خيالا ، بفتح المعجمة ـ وهو خشبة عليها ثياب سود ليخاف منه الذئب فلا يقربه ـ ، (وأغيلت) المرأة ـ بالمعجمة ـ كأكرمت إذا أرضعت ولدها الغيل ـ بفتح المعجمة ـ وهو اللبن الّذي ترضعه المرأة

__________________

(١) يوجد اختلافات لمتن الشافية بين هذا الشرح وغيره في أوّل هذا المبحث. فليعلم.

٣٩٦

وهي تجامع أو عند حملها ، (وأغيمت) السماء ـ بالمعجمة أيضا ـ إذا صارت ذات غيم ـ أي سحاب ـ ، واستحوذ عليه فلان ـ أي غلب ـ واستصوبه ، واستروح الريح ـ أي شمّها ـ ، (شاذ) لأنّ الواو والياء في جميع هذه متحركتان وما قبلهما مفتوح في : القود والصيد ، وفي حكمه في البواقي كما في أقام ، وأباع ، فالقياس : قلبهما ألفا في الجميع ، فابقائهما للتنبيه على الأصل مخالف للقياس وان أطرد في السماع.

وقد جاء : أخالت ، وأغالت ، وأغامت ، وأستصاب على القياس أيضا.

[تصحيح العين إذا إعتلت اللّام] :

(وصحّ) من حيث العين بمعنى انّه لم يرتكب اعلال في عينه (باب : قوي) وهو ما كان على «فعل» بكسر العين وعينه ولامه كلّاهما واو ، (و) باب : (هوى) وهو ما كان على «فعل» بالفتح وعينه ولامه كلّاهما حرف علّة ، (للاعلالين) اللّازمين من اعلالهما بقلب العين فيهما ألفا ، فان قوي مثلا أصله : بواوين بدليل القوّة ـ بالتشديد ـ والاعلال في حرف العلّة المجتمعة يؤخذ من الآخر فقلبت الثانية ياء لانكسار ما قبلها ، ولو قلبت الاولى أيضا لانفتاح ما قبلها ألفا لزم اعلالان في كلمة واحدة ، وهوى أصله : هوي ـ بالياء ـ فقلبت ألفا لانفتاح ما قبلها ، فلو قلبت الواو ألفا أيضا لزم فيه اعلالان ، فللتحرز عنهما صحّت العين ، مع ان في باب هوى لو قلبت العين واللّام كلّاهما ألفا التقى ساكنان ولزم حذف احديهما بأن يقال : ها فيلزم اللبس والاجحاف بكثرة التغيير.

(وصحّ باب) ما كان لامه ياء من «فعل» بالكسر من الأجوف نحو : (طوي) بمعنى جاع ، (حيي) من الحياة ضدّ الموت ، وان لم يلزم اعلالان لو قلبت عينه ألفا ، لعدم الاعلال في اللّام ، (لأنه فرعه) أي لأن هذا الباب فرع لباب : هوى ، لأن «فعل» بالكسر فرع «لفعل» بالفتح ، لما في المفتوح من الخفة وكثرة الوقوع وزيادة التصرف ، حيث جائت الحركات الثلاث في عين مضارعه ، فحمل على أصله في

٣٩٧

صحّة العين.

وبالجملة قد صحّت العين في تلك الأبواب مع تحركها وانفتاح ما قبلها ولم تقلب ألفا بأن يقال : قاي ، وطاي ، وحاي ، مثلا لما ذكر من لزوم الاعلالين في البعض ، والفرعية لما صحّ في البعض ، (أو لما يلزم) في مضارعها عند اعلال عين الماضي بالقلب ألفا(من) نحو : (يقاي) في قوى ، (ويطاي) في طوى ، (ويحاي) في حيي ، لالتزامهم في مضارع ما عينه حرف علّة من «فعل» بالكسر ان يشارك الماضي في قلب العين ألفا كما في : خاف يخاف ، ونام ينام ، وغيرهما.

ولو قلبت عين المضارع من هذه الأبواب ألفا امتنع قلب اللّام ألفا أيضا ، وكذا ابقائها مع اسكانها لئلّا يلتقى ساكنان وحذف احديهما يؤدي إلى كثرة التغيير واللبس فتعين ان يقال : يطاي ، ويقاي ، ويحاي ، مثلا بضمّ الياء في الرفع ، وهو مرفوض في الفعل وان سكن ما قبلها ، لاستثقالهم فيه ما لا يستثقلونه في الأسماء ، هذا مع ما في ذلك من اعلال المتقدم من حروف العلّة المجتمعة وصحّة المتأخر منها مع الموجب ، والقياس عكسه وكأنه لم يجعل اللّام في : قوى يقاو ـ بالواو ـ وان كان هو مرفوضا أيضا للحمل على الماضي في القلب ياء ، فتأمل.

واعرض عن باب : هوى يهوى ههنا لعدم لزوم يهاي فيه ، لأن مضارع ما عينه حرف علّة من «فعل» بالفتح لا يلزم مشاركته للماضي في القلب ألفا ، كصان يصون ، وباع يبيع.

(وكثر الإدغام) بل هو أكثر من الاظهار مع كثرته على ما قال سيبويه (في) ماضي (باب) ما عينه ولامه كلّاهما ياء من «فعل» بالكسر نحو : (حيي) ، فيقال : حيّ ، حيّا ، حيّوا مثلا ـ بالتشديد والادغام ـ (للمثلين) المجتمعين فيسكن الأوّل استثقالا للكسرة على الياء ويدغم في الثاني ، وبه قرء جماعة من السبعة قوله تعالى : (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(١) ، ومن أظهر زعم انّ القياس عند ادغام الماضي ان

__________________

(١) الآية : ٤٢ الأنفال.

٣٩٨

يدغم المضارع أيضا فيؤدي إلى ضمّ الياء في الرفع وضمها مع التشديد وان لم يكن مستثقلا كما في : كرسيّ ، لكن لم يوجد ضمّ الياء ولا تشديدها في كلامهم في آخر المضارع أصلا ، لأنه موضع الاعراب مع ثقل الفعل.

ثمّ انّ الأحسن عند الاظهار اخفاء كسرة الياء الاولى ، ليجري مجرى الادغام ، وتحذف الاولى مع الواو للجمع ، وتضم الثانية لمناسبة الواو فيقال : حيوا بالتخفيف ، كما قال :

وكنّا حسبناهم فوارس كهمس

حيوا بعد ما ماتوا من الدّهر أعصرا (١)

(وقد يكسر) على قلّة(الفاء) من الماضي المدغم ، فيقال : حيّ ـ بكسر الحاء ـ لمناسبة الياء ، وانجبار العدول عن الفتحة الّتي هي أخف بالخفة الحاصلة من الادغام ، وقد يقال : ان من كسر جعل اسكان الياء للادغام بنقل كسرتها إلى الفاء ، ومن فتح جعل الاسكان بحذف الحركة وقال بعضهم : انّ الظاهر أن كسر الفاء انّما جاء في الماضي المبنى للمفعول بقلب الضمّة المستثقلة على ما قبل الياء ، وهذا هو الّذي ذكره سيبويه دون المبنى للفاعل كما هو ظاهر كلام المصنف تبعا للزمخشري في المفصل لخفة الفتحة.

وهذا الباب في جواز الادغام كائن (بخلاف باب) ما عينه ولامه واوان من «فعل» بالكسر نحو : (قوي) ، فلا يقال : قوّ ـ بالتشديد ـ ، (لأنّ الاعلال) فيه بقلب الواو الثانية ياء(قبل الادغام) ، لأن سبب الادغام وهو اجتماع المثلين مجوز للادغام في باب «فعل» بالكسر من اللفيف المقرون ، بدليل كثرة الاظهار في حيي ، وهو مع ذلك تصرف في الوسط ، وسبب الاعلال المذكور موجب لوجوب قلب الواو ياء

__________________

(١) البيت لأبي حزابة التميمي ، شاعر من شعراء الدولة الأموية ، وقيل : لغيره ، الكهمس : الأسد ، وله معان أخر ، وأبو قبيلة من العرب وهو المراد ههنا. والأعصر : جمع العصر ، يعني : كنّا حسبناهم في غاية الشجاعة حتّى انّا حسبناهم أنهم فوارس هذه القبيلة المعروفين بالشجاعة حيوا بعد موتهم أعصرا من الدهر ، والاستشهاد في قوله : (حيوا) بتخفيف الياء مضمومة على لغة من قال في الماضي حيي بالفك مثلما تقول : رضوا في رضي.

٣٩٩

بسبب انكسار ما قبلها ، والموجب مقدم على المجوّز ، وهو مع ذلك تصرف في الآخر فيقدم على التصرف في الوسط عند اجتماع حرفي العلّة ، وبعد الاعلال المذكور لا مجال للادغام لعدم المثلين ، (ولذلك) الّذي ذكر من تقديم الاعلال على الادغام (قالوا) في مضارع حيي ، وقوي : (يحيى ، ويقوى) بقلب الياء الثانية من الأوّل والواو الثانية من الثاني ألفا ، لانفتاح ما قبلها ، فزال التماثل ولم يبق سبيل إلى الادغام ، فلذلك لم يدغموا ولم يقولوا : يحيّ ، ويقوّ ـ بالتشديد ـ كيعضّ ، ومن ههنا اختلف الماضي والمضارع في باب : حيي في الادغام وعدمه.

(و) لذلك أيضا قالوا : (إحواوي يحواوي) ـ من الحوة ـ للحمرة الّتي تضرب إلى السواد واللون المخلوط بالكمتة ـ ، (وارعوي) عن القبيح ، (يرعوي) إرعواء ـ إذا كفّ عنه ـ ، والأصل : إحواوو ، يحواوو ـ بواوين بعد الألف ـ ، وارعوو ، يرعوو ، ـ بواوين أيضا ـ ، والأصل : فيهما الادغام ، فانّ الأوّل من باب : احمارّ يحمارّ ، والثاني : من باب : إحمرّ يحمر ، لكنهم قلبوا الواو الأخيرة في الماضيين ألفا ، لانفتاح ما قبلها ، وفي المضارعين ياء لانكسار ما قبلها ، (ولم يدغموا) في شيء من هذه ؛ ولم يقولوا : إحواوّ ، وارعوّ ـ بالتشديد ـ كما حمارّ ، واحمرّ ، ولا يحواوّ ، ويرعوّ كيحمارّ ويحمر ، لزوال التماثل بعد الاعلال.

(وجاء) : في مصدر ـ احواوي ـ (إحويواء) بالاظهار وتخفيف الياء الساكنة بين الواوين ، ليناسب فعله في الاظهار ، (وإحويّا) ـ بتشديد الياء ـ على الادغام ، ولم يذكر سيبويه غيره ، لأنّ أصله : احويواء فقلبت الواو الثانية ياء وادغمت ، لاجتماعها مع الياء مع سبق الساكن ، ومن قال : احويواء بالاظهار كأنه لم يبال بذلك ، لعروض الياء وزيادتها حرصا على المناسبة لفعله.

واعلم انّ النحاة ذكروا : ان باب الافعلال في بعض الكلمات كاحمرّ احمرارا ، واشهب اشهبابا ، مقصور «إفعيلال» كاحمارّ إحميرارا ، واشهابّ إشهيبابا.

(ومن قال) : في : اشهيباب ، واحميرار ، (إشهباب) ، واحمرار ـ بالقصر ـ ؛ (قال) : في احواوي ، إحويواء ، احووى كارعوى ، (إحواواء كاقتتال) مصدر اقتتل على

٤٠٠