شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

التخفيف ، وإذا كان كذلك (فيجيء) في الوقف على المرفوع (في) نحو : (هذا الخب ، و) هذا(بريّ ، ومقرؤّ) من وجوه الوقف (السكون ، والرّوم ، والاشمام) ، لكون الأوّل بعد النقل والحذف بالموحدة المضمومة ، والأخيرين بعد القلب والادغام بالياء والواو المشدّدتين المضموتين ؛ والوقف على المضموم يجوز على الوجه الثلاثة ـ كما مرّ في باب الوقف ـ.

(وكذلك) في مجيء تلك الوجوه الثلاثة(شيّ ، وسوّ) ـ مرفوعين ـ سواء خففا بأن (نقلت) حركة الهمزة إلى الياء والواو وحذفت ، (أو) بأن قلبت الهمزة إليهما و (ادغمت) على اختلاف الوجهين الواردين في تخفيفهما ، لكونهما بالياء والواو المضمومتين المخففتين أو المشددتين ، فيجري فيهما تلك الوجوه في الوقف.

وبالجملة : يعمل بمقتضى الوقف بعد التخفيف كيف كان (إلّا أن يكون ما قبلها) أي الهمزة المتطرفة الّتي يكون قبلها(ألفا) كقراء ، إذا وقف عليها بالسكون تغيرت حالها في التخفيف ـ وقفا ـ عمّا كان لها في التخفيف ـ وصلا ـ وهو التسهيل بجعلها بين بين ، وذلك : لأنها(إذا وقف) عليها(بالسكون وجب) في تخفيفها الابدال و (قلبها ألفا) ، وامتنع غيره من وجوه التخفيف ، (إذ لا نقل) للحركة ههنا ، لزوال الحركة بالسكون وقفا ، مع ان نقلها عند وجودها في الوصل أيضا لم يكن متصورا ، لأن ما قبلها هو الألف لا يقبلها ، فالتخفيف بالنقل والحذف غير متصور ههنا ، (وتعذّر التسهيل) الّذي هو حكمها في الوصل ، أمّا : المشهور ؛ فلسكون نفسها بالوقف ، وأمّا : غيره فلسكون ما قبلها وهو الألف ، فتعين القلب ألفا ، وحيث قلبت إليها وكانت فيه ألف إجتمعت الفان ، (فيجوز القصر) بحذف إحدى ألفين بالتقاء الساكنين ، (والتطويل) ـ أي اثباتهما بتطويل المدوان التقى ساكنان ، لأنه يغتفر في الوقف ـ كما مرّ ـ ، ومنهم من يجعل المد أطول من ألفين نظرا إلى المدّة الّتي كانت قد حدثت بين الألف والهمزة.

(وان وقف) على تلك الهمزة الّتي قبلها ألف (بالروم) الّذي فيه شوب من

٣٦١

الحركة (فالتسهيل) متعين فيه بعد الوقف (كالوصل) ، لامكانه لبقاء شوب الحركة ؛ فلا وجه للعدول عنه ، وحكم الاشمام مع الضم حكم الوقف بالسكون ، لأنه سكون في الحقيقة مع ضمّ الشفتين.

والمهموز المنصوب المنون يوقف عليه بالألف ؛ لكنّه خارج عن المسألة بقيد المتطرفة ، لزوال التطرف عن الهمزة بالتنوين بعدها على ما يقال.

فما ذكر إلى ههنا حكم الهمزة الّتي قبلها ساكن.

(وان كان قبلها متحرّك : فتسع) (١) ـ أي الصور المحتملة تسع ، فانّ الهمزة إمّا : (مفتوحة وقبلها) الحركات (الثلاث) ، فهذه ثلاث ، (و) امّا(مكسورة كذلك) قبلها الحركات الثلاث ، فهذه ثلاث أخر ، (و) امّا(مضمومة كذلك) ؛ فهذه تسع.

فالمفتوحة مع فتح ما قبلها(نحو : سأل) ، (و) مع كسر ما قبلها نحو : (مائة) ، (و) مع ضمّه نحو : (مؤجّل) على صيغة اسم المفعول من : التأجيل ، (و) المكسورة على

__________________

(١) الصور المحتملة مع أحكامها هي كما يلي :

أـ ان تكون الهمزة مفتوحة ، ولها ثلاث صور :

١ ـ مفتوحة وما قبلها مفتوح ، وحكمها : بين بين المشهور.

٢ ـ مفتوحة وما قبلها مضموم ، وحكمها : القلب بالواو.

٣ ـ مفتوحة وما قبلها مكسور ، وحكمها : القلب بالياء.

ب ـ ان تكون الهمزة مكسورة ، وهي ثلاث أيضا :

١ ـ مكسورة وما قبلها مفتوح وحكمها : بين بين المشهور.

٢ ـ مكسورة وما قبلها مكسور ، وحكمها : المشهور والبعيد.

٣ ـ مكسورة وما قبلها مضموم وحكمها : بين بين مشهور.

ج ـ ان تكون مضمومة ، ولها ثلاث حالات أيضا :

١ ـ مضمومة وما قبلها مفتوح وحكمها : بين بين مشهور.

٢ ـ مضمومة وما قبلها مكسور ، وحكمها : بين بين مشهور.

٣ ـ مضمومة وما قبلها مضموم ، وحكمها : بين بين مشهور.

هذا وقد مثل المصنف والشارح للمتصل والمنفصل.

٣٦٢

مثل هذا الترتيب في ما قبلها ؛ نحو : (سئم) على زنة كتف ؛ من السّآمة ؛ وهي الملال ـ ، (ومستهزئين) على صيغة اسم الفاعل ، (وسئل) على البناء للمفعول ، (و) المضمومة على هذا الترتيب في ما قبلها نحو : (رؤوف ، ومستهزئون) على صيغة اسم الفاعل ، (ورؤوس) جمع رأس ، وهذه الأمثلة في المتصل ، وامّا المنفصل : نحو : قال أبوك ، وقال إبراهيم ، وهذا غلام أبيك ، ومررت بغلام إبراهيم ، وبغلام أحمد ، وبغلام اختك ، وغير ذلك.

(فنحو : مؤجّل) ممّا همزته مفتوحة وما قبلها مضموم (واو) ـ أي فهمزة نحو ذلك واو عند التخفيف ؛ بمعنى أنها تقلب إليها.

(ونحو : مائة) ممّا همزته مفتوحة وما قبلها مكسور(ياء) ، بالمعنى المذكور ، لاستثقال ما قبلها بالحركة في الصورتين فكأنهم كرهوا حذف تلك الحركة ونقل حركة الهمزة إليها ، وجعلها بين بين المشهور يؤدي إلى قربها من الألف الّتي هي جنس حركتها وهي الفتحة ، فلا يناسبها الضم والكسر قبلها ، وامتنعوا من غير المشهور أيضا ؛ لئلّا يتوهم منه جواز المشهور ، بناء على عدم انفكاك جواز أحدهما عن جواز الآخر في الغالب ، وظهر من ذلك انّه لا وجه لابدالها إلى جنس حركة نفسها وهو الألف ؛ فتعين إبدالها إلى جنس حركة ما قبلها وهو الواو والياء.

(ونحو : مستهزئون) ممّا وقعت فيه الهمزة المضمومة بعد الكسرة ، (وسئل) ممّا فيه الهمزة المكسورة وما قبلها مضموم ، (بين بين) إذ لا وجه للنقل والحذف ، لاشتغال ما قبلها بالحركة ، والابدال إلى جنس حركة ما قبلها ؛ أو جنس حركة نفسها يؤدي إلى التصريح من الياء أو الواو المضمومة أو المكسورة مع ضم ما قبلها أو كسره ، والكل مستثقل مخلّ بغرض التخفيف ، بخلاف شوبهما اللّازم من بين بين ، إذ لو سلّم وجود شيء من الاستثقال فيه فليس في مرتبة الصريحتين.

ثمّ انّ المختار في الصورتين ما هو الأصل الشائع في بين بين ، وهو بين بين (المشهور) ؛ بأن يجعل الهمزة بين نفسها وبين الحرف المجانس لحركة نفسها وهو

٣٦٣

الواو في الاولى والياء في الثانية ، وبعضهم يجعلها فيهما بين بين البعيد (١) ، نظرا إلى انّ المناسبة لحركة ما قبلها كأنها أدخل في سهولة النطق ، وقد ينسب هذا القول إلى الأخفش وأبي الحسن شريح.

فهذا بيان أربع صور من التسع ، (و) الطريق في الخمس (الباقية) هو (بين بين المشهور) ، ويتحد بين بين المشهور والبعيد في ثلاث من الخمس ، يتحد فيها حركتها وحركة ما قبلها ، وهي : نحو : سئل ، ومستهزئون ، ورؤوس ، وفي الاخريين وهما : سئم ، ورئوف ، يختلفان ، لكن لم يذهب فيهما أحد إلى البعيد ، كراهة جعلها مع انكسارها أو انضمامها قريبة إلى الألف المجانسة لفتحة ما قبلها.

فهذه المذكورات هي الأصل المشهور.

(وجاء) : على خلافه الابدال الصريح إلى جنس حركة ما قبلها فيما قياسها بين بين من تلك التسع مطلقا (٢) على ما وقع في كلام سيبويه وحكم بقصره على السماع ، وينسب إلى الأخفش انّه الطريق المختار في تخفيف نحو : مستهزئون ، وسئل ، وذكر ابن يعيش : أنه لم يجيء إلّا في المتحركة بحركة ما قبلها منها ، ويسكن الواو والياء ان كان الابدال إليهما على ما ذكره نجم الأئمّة رضي وان سكت عنه ابن يعيش ، وذلك عند تحرك ما بعدها ، لئلّا يلتقى ساكنان ، فان أبدلت ياء في نحو : مستهزئين حركت ، وذلك كما جاء في المفتوحة المفتوح ما قبلها(منساة) بالألف الصريحة المبدلة من الهمزة في : منسأة ـ للعصا الكبيرة ـ على «مفعلة» ـ للآلة ، من النّساء وهو زجر الحيوان بالعصا ، ومنه : قرائة نافع وأبي عمرو (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) بالألف (٣) الصريحة ـ ، كما في قوله :

__________________

(١) والمتن في غير هذا الشرح لا يكون كذلك بل المتن هكذا في نسخ الشافية : وقيل : البعيد ، والباقي بين بين المشهور ، كما في شرح النظام وشرح شافية لرضي.

(٢) أي غير مقيد بنحو : مستهزئون وسئل كما في قول الأخفش.

(٣) الآية : ١٤ سبأ.

٣٦٤

إذا دببت على المنساة من هرم

فقد تباعد عنك اللهو والغزل (١)

(و) جاء : (سال) ـ بالألف الصريحة ـ في : سئل ، من السؤال ، كما قال في زوجتين له :

سالتاني الطّلاق إذر أتاني

قلّ مالي ، قد جئتماني بنكر (٢)

وقال حسان :

سالت هذيل رسول الله فاحشة

ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب (٣)

وكذا قراءة نافع وابن عامر : سايل ، وقد توجه هذه القرائة بأنه أجوف يائي من السّيلان ، وسائل واد في جهنم ـ أي سال عليهم هذا الوادي العذاب ـ ، وقيل : واوي من باب : خاف يخاف ـ بمعنى سأل بالهمزة ـ على ما حكى أبو زيد عن بعض العرب هما يتساولان بالواو.

(و) كما جاء : في المتحركة المكسور ما قبلها ، (نحو : الواجي وصلا) ، بالياء الصريحة المبدلة عن الهمزة في : الواجيء ، من : وجاء فلان الجراد ـ أي دقّة ولتّه

__________________

(١) البيت لم أقف على قائله ، الدبيب : وهو المشي ، أي إذا كان مشيك على العصي من الشيخوخة فقد ذهب عنك اللذات ، والاستشهاد بالبيت في قوله : على المنساة حيث جاء بالألف الصريحة.

(٢) البيت لزيد بن عمرو القرشي العدوي ، وهو أحد الّذين برئوا من عبادة الأوثان في الجاهلية وطلبوا دين ابراهيم وتنسكوا ، وجئتماني : التفات من الغيبة إلى الخطاب ، ونكر : بضمّ النون وسكون الكاف المنكر ، والشاهد في البيت في قوله «سالتاني» فخفف الهمزة المفتوحة المفتوح ما قبلها ألفا على نحو ما ذكر في البيت الّذي قبله.

(٣) البيت لحسان بن ثابت الأنصاري من كلمة يهجو بها هذيلا ، لأنهم قدموا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفيهم أبو كبير الهذلي ، فقال أبو كبير للنبيّ (ص) : أحل لي الزّنا ، فقال له النبيّ (ص) : أتحب أن يؤتى إليك مثل ذلك؟ قال : لا ، قال : فأرض للناس ما ترضى لنفسك ، قال فادع الله ان يذهب ذلك عني. والاستشهاد بالبيت في قوله «سالت» وأصله : سألت فخفف الهمزة المفتوحة المفتوح ما قبلها بقلبها ألفا.

٣٦٥

بالسّمن ـ ، ووجاءه بالسكين ـ ضربه ـ لكن الابدال فيه مختص بحالة الجر ـ عند ابن يعيش ـ لتحرك الهمزة بحركة ما قبلها.

(وأمّا) القلب ياء في الوقف كما في قول عبد الرّحمن بن حسان :

ولو لاهم لكنت كحوت بحر

هوى في مظلم الغمرات داجي

وكنت أذلّ من وتد بقاع

(يشجّج رأسه بالفهر واجي) (١)

(فعلى القياس) ، لسكون الهمزة وقفا ، وقياس تخفيف الساكنة المكسور ما قبلها القلب ياء ؛ لأنها جنس حركة ما قبلها على ما مرّ ، (خلافا لسيبويه) ، حيث حكم بشذوذه ، بناء على جعله من ابدال ما قياسها بين بين ، لاعتبار الضمّة الّتي هي حركته ـ عند الوصل ـ ، لكونه فاعلا لقوله : «يشجّج» فهو نحو : مستهزئون ، وذلك لعدم الاعتداد بالسكون العارض ـ وقفا ـ ، وهو ضعيف ، لدلالة الاستقراء على ثبوت الابدال المذكور في لغتهم مع السكون العارض ـ أيضا ـ.

وقد يعتذر له بأن حكمه بالشذوذ لكون الياء في ما قبله من الأبيات ياء الاطلاق الحاصلة من اشباع الحركة ، والمبدلة عن الهمزة في حكم الهمزة عندهم ، ولا تقع قافية إلّا لمثلها ، فاجراءها مجرى المطلقة وجعلها قافية لها شاذ ، وردّه المصنف بأنّ الكلام في الابدال ، وهو انّما أنشد البيت لذلك ؛ ولا منافاة بين كون الابدال قياسا وشذوذ اجراءها مجرى المطلقة.

__________________

(١) البيت لعبد الرحمان بن حسان بن ثابت من كلمة يهجو بها عبد الرحمان بن الحكم ابن أبي العاص من بني اميّة ، وكان ذلك الأموي يشكو خلفاء قومه ويقول : ليت الخلفاء كانوا من قوم آخرين ، فهجاه عبد الرحمان بن حسان وأنكر عليه ذلك القول ، أي لو لا خلفاء قومك كنت كذا كذا ، وهوى : سقط ، وداج : أسود مظلم ، والقاع : المستوى من الأرض ، والفهر : بكسر فسكون الحجر إذا كان ملء اليد ، والوجى : اسم فاعل من وجأت عنقه ـ إذا ضربتها ـ والاستشهاد بالبيت في قوله : واجى وأصله : الواجئ بالهمزة فلمّا وقع في القافية ووقف عليه سكنت الهمزة فخففت بقلبها ياء لانكسار ما قبلها.

٣٦٦

وهوى : كرمى إنحدر وسقط ، والداجي : بالدال المهملة ـ من الدجو بمعنى الظلمة ، والقاع : المستوى من الأرض ويشجح : من باب التفعيل ، من الشج ـ بتشديد الجيم ـ وهو الشق ، والفهر : ـ بكسر الفاء ـ الحجر الّذي يملأ الكف.

(والتزموا خذ ، وكل) ، أمرين من : الأخذ ، والأكل ، وأصلهما ، اؤخذ ، واؤكل ـ بهمزتين مجتمعتين في كلمة ، والقياس : فيهما قلب الثانية الأصلية واوا لانضمام ما قبلها على ما يجيء ـ إنشاء الله تعالى ـ ، لكنهم التزموا حذف تلك الهمزة الأصلية فيهما ، (على غير قياس ؛ للكثرة) في الدوران في استعمالاتهم ، وتبعتها الاولى الوصلية في الحذف ، لحصول الاستغناء عنها لتحرك ما وقع بعدها.

(وقالوا : مر) في الأمر (١) على طريقة ـ خذ ـ بالحذف بدون التزام ، لأنه لم يكثر كثرة خذو كل (و) لكن (هو) وان لم يلتزم (أفصح من) القياس فيه وهو (اؤمر) ، بقلب الهمزة الثانية واوا ؛ لقلّة وقوعه في كلامهم ، والأكثر أفصح من القليل ، لقربه من الغرابة المخلّة بالفصاحة ، هذا في الابتداء(وأمّا وأمر) مثلا في الدرج باثبات الهمزة الأصلية على حالها ، وحذف الوصلية درجا بعد الواو العاطفة(فافصح من ومر) ـ بحذف الهمزتين معا ـ بعد العاطف ، لحصول التخفيف الكامل بحذف الوصلية وسكون الأصلية من غير حاجة إلى حذفهما مع كون أحديهما أصلية.

وكان المناسب ذكر حكم خذ ، وكل ، ومر ، عند ذكر الهمزتين المجتمعتين فيما يأتي ، لكنه ألصقه بما قبله للتشارك في مخالفة القياس.

(وإذا خففت) (٢) همزة(باب الأحمر) ؛ وهو ما وقعت فيه الهمزة المتحركة بعد لام التعريف الساكنة ، ومنه : نحو : الاستغفار ، والاقتدار ، على الأظهر على ما قيل ، وكذلك الاسم والابن ، (فبقاء همزة اللّام) وهي : الهمزة الوصلية الكائنة قبلها(أكثر) من حذفها ، وان وقع حذفها أيضا في كلامهم.

__________________

(١) وفي نسخة : من الأمر.

(٢) وعبارة الماتن في غير هذا الشرح : وإذا خفف ، بغير التاء.

٣٦٧

وتوضيح ذلك : انّ الهمزة الّتي بعد اللّام من هذا الباب إذا خففت بحذفها بعد نقل حركتها إلى اللّام : فان اعتد بحركة اللّام حذفت الوصلية ، للاستغناء عنها بالاعتداد بحركة ما بعدها ، وان لم يعتد بها ؛ لعروضها في اللّام العريقة في السكون ـ الّتي هي كلمة برأسها ـ بالنقل إليها من همزة في كلمة اخرى من غير لزوم في النقل ، لعدم وجوب تخفيف الهمزة ، لم تحذف ؛ لكون ما بعدها في حكم الساكن ، لعدم الاعتداد بالحركة ؛ فتبقى الهمزة مع اللّام المتحركة ، وهذا أكثر بدليل الاستقراء ، وموافق للقياس ، لأن القياس في كلامهم عدم الاعتداد بالعارض ، ولذا لم يردّوا الواو المحذوفة في : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ) ، و(قُلِ انْظُرُوا) مثلا مع حصول الحركة وزوال التقاء الساكنين لو اعتدّ بها.

وإذا جاز فيه الوجهان (فيقال) : على الأكثر ـ (الحمر) بالوصلية واللّام المفتوحتين وسكون الحاء ، وألستغفار ـ بكسر اللّام ـ ، (و) يقال : على الأقل (لحمر) ، ولستغفار ـ بحذف الوصلية ـ ، (وعلى الأكثر قيل) : عند لحوق ـ من وفي ـ الجارتين مع الوصل (من لحمر) ـ بفتح النون واللّام ـ ، (وفلحمر) ـ بكسر الفاء وفتح اللّام ـ لسقوط الوصلية درجا ، وكون حركة اللّام في حكم المعدوم لعدم الاعتداد بها ، فالتقاء الياء والنون الساكنتين من ـ في ، ومن ـ مع اللّام المتحركة بتلك الحركة في حكم التقاء الساكنين فحركت النون بالفتح وحذفت الياء على ما مرّ في باب إلتقاء الساكنين (١) ، (وعلى الأقل جاء) : في قرائة نافع وأبي عمرو (عاد لولى) ـ بفتح الدال وتشديد اللّام المضمومة ـ في قوله عزّ من قائل : (أَهْلَكَ عاداً الْأُولى)(٢) ، لأنّه لما تحرّكت اللّام بالضمّة المنقولة من الهمزة بعدها إليها واعتد بحركتها ـ كما هو لغة الأقل ـ لم يكن في ملاقاة التنوين من عاد معها بعد حذف الهمزة الوصلية درجا التقاء الساكنين ، فتبقى التنوين ساكنا وادغم في اللّام للقرب في المخرج.

__________________

(١) وعبارة المتن في غير هذا الشرح كما هي : قيل : من لحمر بفتح النون ، وفلحمر بحذف الياء.

(٢) الآية : ٥٠ النجم.

٣٦٨

وقالون : قلب الواو مع ذلك همزة على لغة من يهمز الواو الساكنة المضموم ما قبلها ، والباقون من السبعة تركوا التخفيف في هذه الآية ، وقرؤوا ـ بكسر التنوين وحذف همزة الوصل وسكون اللّام واثبات الهمزة المضمومة بعدها ـ ولم ينقل عن أحد منهم فيها التخفيف على الأكثر في باب الأحمر بأن يكسر تنوين الدال على حكم التقاء الساكنين ويضمّ اللّام مخففة.

(ولم يقولوا) : في الأمر من سأل (إسل) باثبات همزة الوصل المكسورة وفتح السين ، خلافا للأخفش على ما حكاه السيرافي مصرّحا بفساده ، (و) لم يقولوا : بالاتفاق في الأمر من قال (اقل) ، باثبات الوصلية المضمومة وضمّ القاف ، وان كانت حركة ما بعد الهمزة فيهما عارضة منقولة ممّا بعده إليه ، (لاتحاد الكلمة) الّتي فيها المتحرّك بعد همزة الوصل ، وما نقلت عنه الحركة إليه ، والنقل الواقع في اجزاء كلمة واحدة قد يكون على سبيل الغلبة ومنه : الأمر من سأل ، وعلى الوجوب ومنه : الأمر من قال : فتجري الحركة المنقولة في مثل ذلك للزومها أو غلبتها مجرى الأصلية في الاعتداد بها ، وحذفت همزة الوصل.

وقد ينفك عن الغلبة ، لقلّة الدوران وعدم الحاجة ـ كما في : إجأر ، من جأر ـ إذا صاح ـ ، وإرأف من رأف ـ فلا يعتد بها.

وامّا الواقع في كلمتين ، كالأحمر ، ولم يكن الّذين ، فانّه في معرض الزوال بانفراد الكلمة عن صاحبتها مع ان نقل حركة الهمزة على وجه الجواز ، وكأنه لا يكون غالبا فضلا عن الوجوب ، فلا يلزم من عدم الاعتداد بالحركة المنقولة في باب : الأحمر عدم الاعتداد بها واثبات همزة الوصل في : إسل ، واقل مع انّ القاف مضمومة في مضارع قال ، وهو يقول ، والأمر فرع له ، بخلاف حرف المضارعة وبعد حذفه يقع الابتداء بمتحرّك ، فلا همزة وصل فيه ، كذا في شرح المفصل.

والكلام إلى ههنا مع وحدة الهمزة.

٣٦٩

[تخفيف الهمزتين المجتمعتين] :

(والهمزتان في كلمة) واحدة(ان سكنت الثانية) منهما(وجب قلبها) عند التخفيف إلى جنس حركة ما قبلها ، كراهة اجتماع الهمزتين مع عسر النطق بالثانية ساكنة بعد الاولى ، فاختير قلب الثانية الّتي كمل الثقل عندها إلى جنس حركة ما قبلها ، لتناسب تلك الحركة الحرف الواقع بعدها ، ويكمل التخفيف ، وذلك (كآدم) بقلب الهمزة الثانية من أصله وهو ـ أأدم ـ بهمزتين ـ ألفا ، وهو من الادمة ؛ وهي : سمرة اللون ، أو من : أديم الأرض ـ أي ما ظهر منها ـ ، ومنعه من الصرف يدل على زيادة الهمزة الاولى فيه ، على زنة «أفعل» كأحمر ، لا الثانية على ان يكون في الأصل على «فأعل» ـ بالهمزة الزائدة بعد الفاء ـ كشأمل ، وقيل : انّه أعجمي على «فاعل» بفتح العين ـ كآذر ؛ فليس ممّا نحن فيه.

(و) نحو : (إيت) بقلب الهمزة الثانية من : إأت ـ بهمزتين ـ من الاتيان ياء ، (واؤتمن) على البناء للمفعول ، بقلب الهمزة الثانية واوا ، وهو من الايتمان من الأمانة ، واجتماع الهمزتين في هذين (١) إنّما هو عند الابتداء ، لسقوط همزة الوصل في الدرج.

وحكى ابن الأنباري عن الكسائي بتجويز الابتداء في كل منهما بالهمزتين من غير قلب ، وردّه بأنّ العرب لا تجمع بين الهمزتين مع سكون الثانية.

(وليس آجر) بمعنى اكرى (منه) ، بأن يكون أصله : أأجر ـ بهمزتين ـ والثانية ساكنة مثل : أكرم فقلبت الثانية ألفا ، وذلك : (لأنه «فاعل») مفاعلة ، كقاتل مقاتلة ، (لا «أفعل») كأكرم ، وإذا كان فاعل فألفه زائدة ، وليست منقلبة عن الهمزة.

(وممّا قلت) أنا(فيه) أي في كون آجر من باب المفاعلة بيتان وهما :

__________________

(١) وفي نسخة : في هاتين. أي ايت وأوتمن.

٣٧٠

(دللت) أنا دلالات (ثلاثا) أي استدللت بثلاثة دلائل ، (على أن يوجر) كيكرم ، (لا يستقيم) حالكونه (مضارع آجر) بمعنى : انّه لا يستقيم ان يقال : ان آجر على «فاعل» ومضارعه يوجر ، بل هو كقاتل ومضارعه يواجر كيقاتل ، والثلاث هي هذه : «فعالة» جاء والافعال عزّ ، وصحّة آجر) يواجر كقاتل يقاتل ، (تمنع أأجر) ـ بهمزتين كاكرم ، أي يمنع ثبوت ما يكون هنا (١) أصلا له.

فالدليل الأوّل : انّ الاجارة على «فعالة» جاء مجيئا شائعا في مصدر آجر ، كما يقال : آجرت الدّار إجارة ، فيكون آجر على «فاعل» لا «أفعل» ، وأصلها : إجار على «فعال» كقتال ، والتاء للمرة ، واعترض عليه بجواز كونها كالكتابة ، مصدر كتب على ان يكون مصدر أجر يأجر من المجرد ، قال الله تعالى : (أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ)(٢) ، ومنه : الأجير ، بل الظاهر هذا (٣) ، كيف والمرّة في المزيد فيه انّما يبتني من المصدر المطرد المشهور ، و «فعال» ليس مطردا في «فاعل» ، فلا يقال : قتالة واحدة بل مقاتلة واحدة ، مع ان حق ما هو للمرة مع التاء ان لا يستعمل معها إلّا لها ، وان يستعمل بدونها لغير المرة ، وكلّا الأمرين مفقودان في الاجارة ، وامّا قولهم : آجرت الدار إجارة ، فكأنه من نصب المصدر بعد الفعل من غير بابه كأنبته نباتا ، ولعلّه كثر الاستغناء بها عن المصدر الأصلي ، لكونها أخف.

والدليل الثاني : انّ آجر لو جاء على «أفعل» كأكرم لم يكن ما هو على زنة الافعال ـ وهو الايجار ـ عزيزا في مصدره ، لكنه عزيز ، ويرد عليه : انّ المراد بالعزّة ان كان هو القلّة ـ كما هو الظاهر ـ فالملازمة ممنوعة ، لكفاية وروده على قلّة في ثبوت آجر كأكرم في اللّغة في الجملة ، وأصله : بهمزتين ومضارعه يوجر كيكرم ، والخصم لا يدعى أكثر من ذلك ، وان أراد بها العدم بالكلية فبطلان التالي ، وهو

__________________

(١) هكذا في المخطوطات ولكن الظاهر : ما يكون هذا أصلا له. وهذا هو الظاهر.

(٢) الآية : ٢٧ القصص.

(٣) أي ان يكون مصدر أجر يأجر من المجرد.

٣٧١

قوله : لكنّه عزيز ممنوع كيف وقد وقع التصريح بوروده وورود تصاريفه في الكتب المعتبرة كالمحكم ، والأساس ، وديوان الأدب.

والدليل الثالث تقريره : انّه قد صحّ وثبت مجيء آجر يواجر مواجرة على «فاعل ، مفاعلة» بالاتفاق ، وصحّة هذا وثبوته تقتضي ان يكون كل ما استعمل بهذه الصورة في ذلك المعنى هو هذا المعلوم الثابت ، ويمنع ما ثبوته مشكوك ، والأصل عدمه وهو كونه في الأصل بهمزتين على «أفعل».

ويرد عليه : ان ثبوت ما هو على «أفعل» أيضا معلوم من استعمالهم مع تصاريفه الدالّة على انّه كذلك كالمصدر ، والمضارع ، واسم الفاعل ، في كلامهم وتصريح الأئمّة بذلك كما مرّ ، فلا يلتفت إلى اصالة العدم كما في سائر الأبواب ، والمصنف قرّر هذا الدليل في شرحه بأن باب : «فاعل مفاعلة» انّما يبني من المجرد الثلاثي ، ولا يبني من «أفعل» كأكرم ، فثبوت آجر كفاعل يدل على ثبوت أصله المجرد ، ويمنع ثبوت آجر كأكرم ، ولا يخفى وهنه وركاكته.

ثمّ المحققون على أنهما مختلفان معنى ، فالّذي على «أفعل» بمعنى أكرى ، وما هو على «فاعل» بمعنى عقد عقد الاجارة ، وقيل : ان كليهما جاء بمعنى أكرى.

(وان تحركت) الهمزة الثانية(وسكن ما قبلها) في صيغة موضوعة على التضعيف ولم تكن الهمزة في موضع اللّام (كسئّال) من صيغ المبالغة على «فعّال» ـ بتشديد العين ـ لكثير السؤال ، (ثبتت) تلك الهمزة الثانية على حالها مدغمة فيها الاولى.

ولم يجعل بين بين المشهور ، لصيرورتها معه قريبة من الألف مع سكون ما قبلها فيقرب من التقاء الساكنين ، ولا غير المشهور ، لسكون ما قبلها ، ولم تحذف ، للمحافظة على وزن الصيغة الواقعة هي فيه مع اتصالها بأوّل الكلمة ووقوعها في محل الخفة ، لعدم تكثير الحروف بعد ، بخلاف ما إذا وقعت في موضع اللّام ، فانّه موضع الاستثقال ، ولذلك لم يبنوا الصيغة الموضوعة على التضعيف ممّا لامه الهمزة ،

٣٧٢

فلا يبني مثل : قمدّ (١) ـ بتشديد الدال ـ من قرأ ، وإذا بنى منه ما تقتضي تعدّد لامه من غير تضعيف قلبت الهمزة الثانية ياء ، لكثرة الياء في موقع اللّام في كلامهم مع انّها أقرب مخرجا إلى الهمزة من الواو ، وأخف منها ، كما إذا بنى مثل : سبطر من قرأ يقال : قرأى ، على ما يجيء في مسائل التمرين ـ إنشاء الله تعالى ـ.

(وان تحرّكت) الثانية(وتحرّك ما قبلها أيضا (٢) وجب قلب) تلك (الثانية ياء إن انكسر ما قبلها ، أو انكسرت) تلك الثانية نفسها وان لم ينكسر ما قبلها ، (و) قلبت (واوا في غيره) ، وهو ما إذا إنفتح ما قبلها ؛ أو انضمّ ، ولم تكن هي مكسورة.

فالمكسور ما قبلها(نحو : جاء) اسم فاعل من : جاء يجيء ، وهو أجوف مهموز اللّام ، وأصله : ـ عند الجمهور ـ جائئ ـ بهمزتين ـ ، لقلب الياء الّتي هي العين همزة أيضا ـ كما في بائع ـ فقلبت الثانية ياء ، لانكسار ما قبلها ، واعلّ اعلال قاض ، وأمّا إذا لم تقلب العين همزة بل قلبت إلى موضع اللّام وقدمت الهمزة الّتي هي اللّام إلى موضعها ـ كما ذهب إليه الخليل ـ فليس من هذا الباب.

(و) المكسورة نفسها مع عدم انكسار ما قبلها نحو : (أيمّة) ـ جمع امام ـ وأصله :أءممة ـ بهمزتين وميمين ـ على «أفعلة» ، كأمثلة جمع مثال ، ولم يقلبوا الثانية مع سكونها وانفتاح ما قبلها ألفا ـ كما فعلوا في : آنية جمع إناء ـ لاجتماع الميمين بعدها المناسب للادغام واسقاط حركة أوليهما ، والادغام مع قلب الهمزة الثانية ألفا وان كان من التقاء الساكنين علي حده ، ولم يكن فيه محذور من هذه الجهة لكنّه يؤدي إلى زوال صورة الجمع بالكلية ، والالتباس باسم الفاعل المؤنث من ـ أمّ ـ بالتشديد ، فعدلوا عنه ونقلوا حركة الميم الاولى إلى الهمزة الثانية ، وأدغمت في الاخرى للمحافظة على صورة الجمع بوجه ما فصار ـ أئمّة ـ بفتح الهمزة الاولى وكسر الثانية وتشديد الميم ، فقلبت الهمزة الثانية ياء لانكسارها وان لم ينكسر ما قبلها.

__________________

(١) الاباء والتمنع والاقامة في خير أو شر.

(٢) عبارة المتن في شرح النظام ورضي كالآتي : وتحرك ما قبلها قالوا : وجب قلب إلخ.

٣٧٣

(و) المضموم ما قبلها من غير انكسار نفسها نحو : (اويدم) ـ تصغير آدم ـ فان أصلها : أأيدم ـ فقلبت الثانية واوا ، (و) المفتوح ما قبلها من غير انكسار نفسها نحو : (أوادم) في جمع آدم ، وأصله : أأآدم ـ بهمزتين بعدهما الألف ـ فقلبت الثانية واوا.

ولم يجعل بين بين في شيء من هذه الصور ، لبقاء أثر الهمزة ، وحصول الثقل بانضمامه مع الهمزة الاخرى ، ولم تحذف ، للمحافظة على الصيغة ، ولم يقلب إلى جنس حركة نفسها في الأخيرين وهو الألف ـ للزوم التقاء الساكنين في نحو : أوادم ، ولزوم تحرك الألف بالفتح في نحو : أويدم ، للزومه قبل ياء التصغير مع عدم قبولها للحركة ، وجنس حركة ما قبلها في أوادم هو الألف أيضا وقد عرفت تعذرها ، فاعتبر قلبها في نحو : أويدم واوا ، لأنها جنس حركة ما قبلها ، وحملوا عليه نحو : أوادم ، للتناسب بين التكسير والتصغير ، واطرد ذلك في جميع ما انضم ما قبلها ، أو انفتح ـ عند الجمهور ـ نحو : اومّ ، عند تخفيف ـ أأمّ ـ بصيغة المضارع للمتكلّم من : الأمّ بمعنى القصد ونحوه.

وامّا قلب الهمزة الاولى في : ذوائب ـ جمع ذؤابة ـ واوا فانّما هو لقلبها في المفرد ، أو لانضمام ما قبلها ، ومع ذلك فالتزام ذلك في هذا الجمع على خلاف القياس ، خلافا للأخفش : حيث جعله قياسا ، لاجتماع الهمزتين مع ضعف الفاصل وهو الألف ، وأورد عليه : انّ القياس عند اجتماعهما قلب الثانية واوا لا الاولى.

(ومنه) أي ممّا اجتمعت فيه همزتان في كلمة(خطايا) جمع خطيئة(في التقدير الأصلي) ، فان أصله : خطائي ـ بالياء المكسورة قبل الهمزة ـ فقلبت الياء همزة كما في : قبائل ـ جمع قبيلة ، لأنها تقلب إليها في منتهى الجموع ؛ فاجتمعت همزتان فكانت ممّا نحن فيه ، فقلبت الثانية ياء ، كما في : جاء لانكسار ما قبلها ، فحصل ـ خطائي ـ بتقديم الهمزة على الياء على «فعائل» هذا عند سيبويه.

(خلافا للخليل) ، فانّه بعد موافقته له في انّ الأصل خطائي بالياء المكسورة قبل

٣٧٤

الهمزة ذهب إلى قلب الياء إلى موضع الهمزة ، والهمزة إلى موضعها ـ كما في جاء ـ فحصل خطائي ، بتقديم الهمزة على الياء ، كما في القول الأوّل ، لكنّه عنده على «فعالى» ولا يقع فيه اجتماع الهمزتين ، ثمّ على القولين قلبت الياء ألفا ، والهمزة ياء على ما سيجيء في باب الابدال ـ إنشاء الله تعالى ـ.

وهذا الّذي ذكر من قلب الهمزة الثانية من المتحركتين المجتمعتين في كلمة واحدة هو المعروف بين النحاة ، وقالوا : هذا هو القياس ، (و) قد جاء : خلاف ذلك القياس في بعض الألفاظ ، وذلك انّه (قد صحّ التسهيل) وهو الجعل بين بين (في نحو : أئمّة) ، وهو قرائة نافع وابن كثير وأبي عمرو في : أئمّة في الكتاب العزيز ، (و) جاء في نحوه (التحقيق) ـ بقافين ـ وهو ابقاء الهمزتين بحالهما من غير تغير أصلا.

وقد حكى أبو زيد : انّه سمع عن بعض العرب : «اللهمّ اغفر لي خطائني» بهمزتين محققتين قبل ياء المتكلم ، وهذا ممّا يحتج به لسيبويه على الخليل.

والتحقيق هو قرائة الباقين من السبعة في : أئمّة ، لكن هشاما وحده زاد ألفا بين الهمزتين فيه ، وقرأ بالمدّ كراهة اجتماعهما ، ولم يجيء فيه في السبع قلب الهمزة الثانية ياء صريحة ، كما هو القياس الّذي ذكره النحاة ، ولا يكون في مثله شذوذ يخل بالفصاحة أصلا ، لموافقته للمسموع كما انّه لا شذوذ في ترك الاعلال في نحو : القود ، واستحوذ ، مع مخالفته للقياس ، لموافقته للسماع.

(والتزم في باب : أكرم) من المضارع المتكلم الواحد من باب الافعال (حذف) الهمزة(الثانية) ، كراهة اجتماعهما ، وهو ـ أيضا ـ وارد على خلاف ما ذكر من القياس ، لأن مقتضاه قلبها واوا كأويدم ، (وحمل عليه أخواته) في حذف الهمزة وان لم يجتمع همزتان ، فقالوا : يكرم ، يكرمان إلى غير ذلك ، وضم حرف المضارعة لئلّا يلتبس بالمجرد ، كذا قيل.

(و) الهمزة(قد إلتزموا قلبها) حالكونها(مفردة) غير مجتمعة مع اخرى (ياء مفتوحة في باب : مطايا) من الجمع الأقصى الّذي وقع بعد الألف منه همزة ، كهذا

٣٧٥

المثال ، فان أصله : مطايو ـ بالواو ـ لأنه جمع مطيّة ، وأصلها : مطيوة على «فعيلة» بالواو ـ من المطو وهو الاسراع ـ ، وقلبت ياء ؛ لاجتماعهما مع سبق الساكن ، وقلبت في هذا الجمع أيضا إليها لتطرفها وانكسار ما قبلها ، فصار مطايي ـ بيائين ـ ثمّ قلبت الاولى المكسورة الواقعة بعد ألف الجمع همزة ـ كما في قبائل ـ فاستثقلوا الياء بعد الهمزة المكسورة فقلبوا الكسرة فتحة ، والهمزة ياء ، والياء الّتي وقعت في الآخر ألفا.

(ومنه : خطايا على القولين) ، امّا على قول الخليل : فلأنه بعد تقديم الهمزة إلى موضع الياء يصير خطائي من غير ان يتحقق فيه اجتماع الهمزتين ، ثمّ يعمل ما مرّ ، وامّا على قول سيبويه : فلأنه بعد اجتماع الهمزتين وقلب الثانية منهما ياء يصير ذلك ، ثمّ يعمل ـ بعد ما حصلت همزة مفردة ـ ما مرّ ، فظهر انّ المراد بكونها مفردة : كونها كذلك في هذه الحالة وان جامعت اخرى قبلها ، وللتنبيه على ذلك صرح بكون الخطايا منه على القولين.

فالهمزتان في كلمة واحدة حكمها ما ذكر.

(و) الهمزتان (في كلمتين) : تحتملان اثنى عشر وجها ، لوقوع الثانية في أوّل الكلمة الثانية ، فهي متحركة ألبتّة بإحدى الحركات الثلاث ، والاولى الّتي في الكلمة الاولى تحتمل الحركات الثلاث والسكون ؛ والحاصل من ضرب الثلاثة في الأربعة اثنا عشر.

وأمثلتها : تحصل من ذكر أحد ، وابل ، واولئك ، بعد جاء ، ومن تلقاء ، ويدرء ، ولم يجيء ، مثلا ، ويجوز عند اجتماعهما في كلمتين على أحد هذه الوجوه أربعة أوجه ، وذلك انّه (يجوز تحقيقهما) معا ، بابقائهما على حالهما ، لهوان الخطب في استثقال اجتماعهما بعروض الاجتماع ، لعروض اتصال الكلمتين ، وهو مختار ابن عامر والكوفيين من القراء ، (و) يجوز أيضا(تخفيفهما) معا ، وذلك مختار الحجازيين ترجيحا ، للتحرز عن الاستثقال وان كان لعارض ، وذلك في الاولى على قياس

٣٧٦

تخفيفها لو انفردت وامّا في الثانية : فهو امّا على قياس تخفيفها عند الاجتماع مع الهمزة ، نظرا إلى الأصل مع قطع النظر عمّا حصل بعد تخفيف الاولى ، لعروضه ، وامّا على قياس ما يقتضيه اجتماعهما مع ما حصل بعد تخفيف الاولى ، لأنه المنطوق به حينئذ فكأنهما همزة واحدة بعد حرف آخر غيرها ، وهذا مراد من قال : يخفف كل منهما على قياس تخفيفها لو انفردت ، ففي نحو : رأيت قارئ أبيك ـ تخفف الاولى بقلبها ياء ، لوقوعها بعت الكسرة ، وامّا الثانية : فعلى اعتبار اجتماعها مع الهمزة المفتوحة تقلب واوا ، كأوادم ، وعلى اعتبار وقوعها بعد الياء المفتوحة الحاصلة بعد تخفيف الاولى يجعل بين بين كما في : سأل ـ.

(و) يجوز(تخفيف احداهما) فقط ، وهذا وجهان ، لأنّ المخففة امّا الاولى ـ كما اختاره أبو عمرو ـ بحسب القياس اللّغوي ، لأنّها آخر الكلمة الاولى ، والثانية أوّل الكلمة الثانية ، والآخر أولى بالتغير ، وامّا الثانية ـ كما اختاره الخليل ـ قياسا على المجتمعتين في كلمة واحدة ، وقرأ به جماعة من السبعة منهم أبو عمرو وفي بعض الصور اتباعا للمأثور عندهم.

فهذه هي الأوجه الأربعة ، وحكى أبو زيد وجها خامسا عند سكون الأوّل ، وهو ادغامها في الثانية.

ثمّ انّ الأصل في تخفيف احداهما ان يكون على قياسه المعلوم فيما سبق ، كالتسهيل ـ كما هو مختار جماعة من القراء في بعض الصور ـ (و) لكن قد جاء في بعضها تخفيف إحداهما بالابدال المحض ، أو الاسقاط ، ومن ذلك : انّه (جاء : في) ما وقعت المكسورة بعد المضمومة(نحو :) (يَهْدِي مَنْ) (يَشاءُ) (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(١) (الواو) المحضة(في) الهمزة(الثانية) المكسورة ، فيقال : «ولى صراط» كما يقال : في سئل سول ، وقد حكى ذلك عن أكثر القراء ، وقد نقل عن بعضهم جعلها بين الهمزة

__________________

(١) الآية : ٢١٣ البقرة.

٣٧٧

والواو ، وذهب سيبويه إلى تسهيلها بين الهمزة والياء الّتي هي جنس حركتها ـ كما هو القياس المعلوم فيما سبق ـ ، وعدل عنه القراء ، لكونها كياء ساكنة قبلها ضمّة.

وأبدل نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، الثانية واوا عند انفتاحها وانضمام ما قبلها ، نحو : (لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ)(١) وياء عند انفتاحها وانكسار ما قبلها ، نحو : (مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا)(٢) ، فيقال : لو نشاء وصبناهم ، ومن السماء يوتنا ، لأن تسهيلها بين نفسها والألف الّتي هي جنس حركتها كما هو القياس السابق قريب من الألف بعد الضمّة في الأوّل ، وبعد الكسرة في الثاني مع لزوم الفتح قبلها.

(وجاء : في) الهمزتين المجتمعتين في كلمتين (المتفقتين) في الحركة ، نحو : (جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ، *) و(كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ)(٣) ، و(لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ)(٤) ، (حذف احداهما) ؛ أمّا الاولى : ـ كما اختاره أبو عمرو ـ لأنها في آخر كلمتها ، والآخر أولى بالحذف ، وفاقا للبزي وقالون في المفتوحتين خاصّة ، وسهّلا الاولى كجنس حركتها في المكسورتين والمضمومتين ، وروى عنهما في : (لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ)(٥) تجويز ابدال الاولى واوا محضة مع ادغام الواو فيها ، وامّا الثانية : ـ كما قيل ـ لأنّ الثقل انّما نشأ منها.

(و) جاء في المتفقتين المجتمعتين في كلمة أيضا(قلب) الهمزة(الثانية) حرفا من جنس حركة ما قبلها الموافقة لحركة نفسها ، (كالساكنة) الثانية من الهمزتين في كلمة واحدة ، كآدم ، وأيت ، وأوتمن ، فتقلب الثانية ألفا في نحو : جاء أبوك ، وياء في نحو : من السماء إنّ ، وواوا في نحو : أولياء اولئك ، هذا إذا كانت همزة قطع ، وإذا

__________________

(١) الآية : ١٠٠ الأعراف.

(٢) الآية : ٣١ الأنفال.

(٣) الآية : ٩ سبأ.

(٤) الآية : ٣٢ الأحقاف.

(٥) الآية : ٥٣ يوسف.

٣٧٨

كانت وصلية فهي تحذف في الدرج اتفاقا إلّا إذا كانت مفتوحة بعد همزة الاستفهام ، نحو : آالذكرين ، وآلآن ، فيجوز في مثل ذلك قلبها ألفا والتسهيل.

وقد تزاد ألف بين المجتمعتين في كلمتين ، حرصا على بقاء الهمزتين من غير استثقال ، كما قال ذو الرّمة :

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم (١)

وقال المصنف : في شرح المفصل ان زيادة الألف إنّما تثبت في مثل آأنت وشبهه ، ولم يعرف زيادتها في مثل : جاء أحدهم ، ونحوه ، وتسقط هذه الألف خطا ، كراهة اجتماع ثلاث حروف متشابهة في الرسم.

وإذا توالت أكثر من همزتين أخذ في تخفيفها من أوّل ما يتصف منها بالتكرير ، بأن يكون ثانية لأخرى قبلها ، وهكذا يخفف بعدها كل ثانية ينشأ منها الثقل على القياس المعلوم في تخفيفها عند التكرّر والاجتماع ، وتبقى الاولى بحالها ، وكذا يبقى بحالها كل ما زال عنها وصف التكرّر والثانوية بابدال ما قبلها للتخفيف ، فصارت أولى في مرتبتها وصارت ما بعدها ثانية ، فتخفف الثانية والرابعة ان كانت كما في غير الثلاثي ، ويبقى الاولى والثانية والخامسة ان كانت كما في الخماسي.

وهذا على عكس تخفيف حروف العلّة عند الاجتماع من الأخذ في التخفيف من الآخر ـ كما في طوى ، وقوى ـ لفرط استثقال التكرّر في الهمزة فيؤخذ في تخفيفها من أوّل تكررها ، فعند بناء الثلاثي من الهمزات يختص التخفيف بالثانية بقلبها ألفا ان انفتح ما قبلها ، وواوا ان انضم ، وياء ان انكسر ، نحو : آء كجاء ، وأوء كسوء ، وإياء كبيع ، مجهولا.

__________________

(١) الوعساء : الأرض اللينة ذات الرمل ، وجلاجل : ـ بجيمين أو بمهملتين ـ اسم مكان ، والنقا : التل من الرمل ، وامّ سالم : كنية محبوبته مية. والاستشهاد بالبيت في قوله «آأنت» حيث فصل بين الهمزتين بألف زائدة.

٣٧٩

وعند بناء الرباعي والخماسي منها يختص التخفيف بالثانية والرابعة ، كما يقال : أوءو بقلبهما واوين ، ان بنى رباعي على زنة برثن ، وإياى كضيزى بقلب الثانية ياء ـ كما في إيت ـ والرابعة ألفا ان بنى على زنة درهم.

وعند بناء الخماسي منها كقرطعب يقال : إيئاء على زنة إعطاء ، بقلب الثانية ياء كأيت ، والرابعة ألفا كآدم ، وكجحمرش يقال : آأيئ بقلب الثانية ألفا كما في آدم ، والرابعة ياء لانكسار نفسها ـ كما في : أئمّة ، وكسفرجل يقال : أوأياء بقلب الثانية واوا ، كاوادم ، والرابعة ياء ؛ لكونها في موضع اللّام الاولى من الخماسي بعد همزة اخرى ساكنة ، كما ابدلت ياء عند بناء قرأى من قراء كسبطر ، لوقوعها في موقع اللّام بعد الساكنة كما مرّ آنفا ، وقس على هذا.

***

٣٨٠