شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

فيه إلى أصلها نحو : عصوان ، ولم يعبأوا بانقلابها في التصغير ياء مفتوحة كعصيّة ، لشدّة بعدها عن صورة الألف الممالة باجتماع أمرين فيها لا يكون شيء منهما في الألف أعني : سكون ما قبلها ، والادغام ، (و) نحو : (العلى) ـ بضمّ الأوّل ـ وهو جمع كصغر ، وكبر ، وألفه منقلبة عن الواو وتصير ياء مفتوحة في المفرد ، وهو العليا ، (بخلاف : جال) ـ بالجيم ـ من الجولان ، (وحال) ـ بالمهملة ـ من الحولان ، إذ يقال : في المبنى للمفعول منهما جيل ، وحيل ـ بسكون الياء ـ لا بفتحها فتصير ألفهما ياء ساكنة ـ لا مفتوحة ـ والساكنة لضعفها كالمعدوم ؛ فلا يعتد بها مع أنها قد تشم في مثل المثالين ضمّة ، وقد تبقى الضمّة ، وقد تبقى الواو أيضا فكسرتها بل نفسها في معرض الزوال ، كذا في شرح المفصل.

٦ ـ (والفواصل) وهي السبب السادس (نحو) قوله تعالى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(١) الآيات ، فانّ الضحى انّما يمال إذا اميلت بقيّة الفواصل المشتملة على سبب الامالة ، تحصيلا للتناسب ، ولو لا ذلك لما اميل لعدم سبب الامالة فيه ، إذ لا كسرة فيه ، ولا ياء ، ولا ألف منقلبة عن مكسور ، أو ياء ، أو صائرة ياء مفتوحة في حال من الأحوال ، لأنه اسم ثلاثي ألفه منقلبة عن الواو بدليل : الضحوة ، فيقال في المثنى : ضحوان ، ولعل ألفه انّما رسمت بالياء لكونها في معرض الامالة للفواصل ، خلافا لقوم من الكوفيين ، حيث ذهبوا إلى صيرورة الألف من بنات الواو في الثلاثي الّذي أوّله مضموم أو مكسور ياء مفتوحة في المثنى ، فيقال : ضحيان مثلا في الضحى ، وكسيان في الكساء ، فعندهم يتحقق فيه سبب الامالة.

٧ ـ (و) سابع الأسباب أعني : (الامالة) الواقعة بسبب من الأسباب المعتبرة في ألف في الكلمة سبب ضعيف لامالة ألف اخرى في الكلمة خالية عن تلك الأسباب ،

__________________

(١) الآيات : ١ ـ ٣ الضحى.

٣٤١

وذلك : لأنّ الامالة ليست كسرة محقّقة ، ولا ياء حتّى يعتبر الامالة الثانية لمناسبتها ، ولذلك لم يعتد به إلّا قليل ، (نحو : رأيت عمادا) وقفا ، فانّ الألف الواقعة بعد الميم قد تمال للكسرة اللّازمة قبلها مع وحدة الفاصل ، وقد يمال الألف الحاصلة في الوقف أيضا وان خلت عن السبب لتلك الامالة قبلها ، والامالة كأنها جرت على الامالة فكما انّ الحذف قد يجري على الحذف لانفتاح الباب بوقوع ما وقع أوّلا.

فهذه الامالة والامالة للفواصل في السبب السابق كلتاهما امالة للامالة ، لكنهم اصطلحوا على تخصيص هذا السبب بهذا الاسم فكأنهم زعموا انّ التسمية ثمّه بالفواصل أولى ، تنبيها على انّ الداعي فيه رعاية تناسبها.

(وقد تمال ألف التنوين) الحاصلة في الوقف على المنصوب وان تكن امالة قبلها ليتوسل بذلك إلى ظهورها ، فان امالتها ادخل في بيانها من تخليتها وطبعها ، لكن هذا داع ضعيف إلى تغييرها عن صورتها من غير سبب ، ولذلك حكموا بضعف هذه الامالة ، وهي : (في) ما فيه قبل الآخر ياء ساكنة(نحو : رأيت زيدا) أكثر منها في ما ليس كذلك نحو : رأيت عبدا ، لما في المشتمل على تلك الياء من المشابهة لنحو : شيبان.

فهذا بيان الأسباب.

[٣ ـ موانع الامالة] :

(و) قد يمنع من الامالة مانع ، ومن ذلك : (الاستعلاء) ، وهو (في غير باب) : ما فيه ألف منقلبة عن واو مكسورة ، نحو : (خاف) ، (و) باب : ما ألفه منقلبة عن ياء نحو : (طاب) ، (و) باب : ما يصير ألفه ياء مفتوحة في بعض الأحوال ، كالصائرة إليها في البناء للمفعول في نحو : (صغي مانع) عنها ، لأن حروف الاستعلاء ـ وهي : حروف «قظ خصّ ضغط» (١) ـ يرتفع بها اللسان إلى الحنك الأعلى فيقتضي بقاء

__________________

(١) قال ملّا علي قاري : قظ : أمر من قاظ بالمكان إذا أقام به في الصيف ، والخص : البيت من

٣٤٢

الفتحة على أصلها المناسب للاصعاد ، والامالة تقتضي خلاف ذلك فيتمانعان ويشق النطق ، لكن لما قربت أسباب الامالة في باب : خاف وما بعده لم يبالوا فيها بتلك المشقة ، واعتبروا المنع فيما عدا تلك الأبواب عن امالة الألف مع حرف الاستعلاء إذا وقع ذلك الحرف (قبلها) حالكونه (يليها في كلمتها) نحو : صاعد ، وخالد ، (و) كذا إذا وقع في كلمتها(بحرفين) أحدهما هو ـ أي حرف الاستعلاء ـ كصواعد ، وضوابط ، (على رأي) نادر ، والأكثر على جواز امالتها حينئذ ، لضعف حرف الاستعلاء بالبعد عنها بالفاصل الآخر عن الممانعة خصوصا مع انكسار المستعلى ، كغلاب ، وطلاب ، لازدياد ضعفه عن الممانعة بالكسرة ، ولذلك لم يذكر سيبويه فيه المنع عن الامالة ، وفي حكمه عند بعضهم سكونه وانكسار ما قبله كمصباح ، ومقلاع ، لضعفه بالسكون حتّى كأنه معدوم فتقوى كسرة ما قبلها على كفه عن الممانعة.

وقوله : «بحرفين» عطف على قوله : يليها.

(و) كذلك الاستعلاء مانعة عن امالة الألف إذا وقع (بعدها يليها في كلمتها) الّتي هي فيها ، كعاصم ، وعاطل.

(و) إذا وقع بعدها(بحرفين) أحدهما هو ، كعاشق ونافخ ، وبالغ ، وهذا إجماعي ، أو كلاهما غيره بحيث يقع بينه وبينها حرفان كمناشيط ، ومواثيق ، وهذا(على الأكثر) ، لصعوبة الأصعاد بالمستعلى المتأخر بعد الانحدار بالامالة حتّى كأنه لا يجدى في استسهاله ما نظر إليه من جوازها وهو تعدد الفصل ، وهذا بخلاف الانحدار بعد الاصعاد ، فانّه مستسهل عند الذوق ، ولهذا ندر القول بالمنع عن الامالة ثمّة مع حرفين أحدهما هو والحال انّ الفاصل بينهما واحد.

__________________

ـ القصب ، والضغط : الضيق ، والمعنى : أقم في وقت حرارة الصيف في خص ذي ضغط : أي الدّنيا بمثل ذلك وما قاربه أو المعنى أقنع من الدّنيا بقليل ولا تهتم بزينتها.

٣٤٣

وان كان المستعلى المتقدم أو المتأخر مع الألف في كلمتين نحو : منّا خالد ، ومنّا فضل ، وكتاب خويلد ، جازت الامالة ، لأنّ المستعلى صار بانفصاله كالمعدوم ، إلّا إذا كان سببها كسرة عارضة نحو : مررت بعاشق ياسر ، أو كانت الألف صلة الضمير نحو : عرّفها قبل فلان ، فانّ الامالة ممنوعة في هاتين الصورتين على ما صرّح به ابن عصفور وغيره ، والمنع عنها مع كونهما في كلمتين في غير تينك الصورتين مخالف لنصوص النحاة وان أشعر به كلام بعض المتأخرين ، نظرا إلى حصول ما ذكر من السبب للمنع باتصال الكلمتين في النطق.

(والراء غير المكسورة (١)) مضمومة كانت أم مفتوحة(إذا وليت الألف قبلها) كراحم ، وراشد ، (أو بعدها) نحو : هذا حمارك (منعت) من الامالة ، لكون ضمتها أو فتحتها كضمتين فكأنها تمنع الامالة إلّا مع قوّة سببها ؛ وذلك : في الأبواب الثلاثة المستثنات في الاستعلاء ، فهي (٢) تمنع عنها(منع) الحروف (المستعلية) ؛ فلا يمال نحو : كرام ، وراحم ، وهذا حمارك ، ويمال من تلك الأبواب مثل قولك : هار الشيء ـ إذا سقط ـ لانقلابها عن واو مكسورة كخاف ، وكذا نحو : هل ران (٣) ـ أي غلب ـ لانقلابها عن الياء ، ونحو : تترى ـ بفوقانيتين أوّلهما منقلبة عن الواو ، بمعنى متواترا واحدا بعد واحد ـ لصيرورة ألفه ياء مفتوحة في المثنى ، فيقال : تتريان كما يقال : حبليان.

(وتغلب) الراء(المكسورة) المتأخرة عن الألف المجامعة لها(المستعلية) (٤) المتقدّمة على تلك الألف ، (و) كذلك تغلب الراء المكسورة المتأخرة الرّاء(غير

__________________

(١) عطف على قوله سابقا : الاستعلاء الخ أي والراء من جملة الموانع.

(٢) أي الراء تمنع عن الامالة.

(٣) هكذا في نسخ الّتي بأيدينا ، والظاهر : (بَلْ رانَ) اشارة إلى الآية.

(٤) والمتن في غير هذا الشرح هكذا : وتغلب المكسورة بعدها المستعلية ، وكلمة «بعدها» أي بعد الألف ـ ساقطة هنا وغير موجودة في هذا الشرح.

٣٤٤

المكسورة) المتقدّمة.

والحاصل : أن هاتين المتقدمتين على الألف يمنعان امالتها ، والراء المكسورة المتأخرة يقتضي جوازها فتقع التعارض وتغلبهما الراء المكسورة ، لقوتها في اقتضاء الامالة ، لكن يشترط في ذلك عدم المستعلى المتأخر نحو : طارق ، فانّه لا يمال لما في امالته من صعوبة الاصعاد بسبب المستعلى المتأخر بعد الانحدار بالامالة ، (فيمال) نحو : (طارد ، وغارم) ، ومن أبصارهم ، وفي الغار ، (و) نحو : (من قرارك) ، و(إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ) ، لغلبة الراء المكسورة المتأخر على المستعلية المتقدمة في : طارد وما بعده ، وعلى الراء المفتوحة المتقدمة في : «من قرارك» وما بعده.

هذا إذا وليت الراء الألف.

(فاذا تباعدت) عنها(فكالعدم في المنع) عن الامالة إذا لم تكن مكسورة(و) في (الغلب) عند إنكسارها على المستعلى المتقدم ، والراء غير المكسورة ، (عند الأكثر) (١) ؛ (فيمال) نحو : (هذا كافر) ، ورأيت كافرا ، وان اشتمل على الراء الغير المكسورة ، لسقوطها بالبعد عن درجة المنع عن الامالة ، (ويفتح) فتحا صريحا بلا امالة نحو : (مررت بقادر) أي يفتح ما قبل الألف في نحوه ، وان كان فيه الراء المكسورة المتأخرة عن الألف ، لضعفها بالبعد عن الغلبة على المستعلى المتقدم المانع عن الامالة ، هذا عند أكثر العرب.

(وبعضهم يعكس) ما ذكر من الحكمين ، فيفتح نحو : هذا كافر بلا إمالة ، ويميل نحو : مررت بقادر ، لقوّة الراء في المنع والغلب بحيث لا يؤثر فيها الفصل بحرف واحد ، وعلى ذلك ورد ما سمع سيبويه من الامالة في قول سماعة النعامي يهجو أحد بني نمير بن قادر :

__________________

(١) وجملة «عند الأكثر» غير موجودة في هذا الشرح فهي من زياداتنا لأنها كانت موجودة في غيره.

٣٤٥

عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر

بمنهمر جون الرّباب سكوب (١)

أي بمطر منصب جون السحاب ، (وقيل) : انّ العكس المذكور(هو) المذهب (الأكثر) ، وان وقعت الراء المكسورة قبل الألف فهي لازمة البعد عنها ، للزوم انفتاح ما قبلها ، وربّما ظهر من كلام بعضهم الاجماع على عدم تأثيرها هذه في الغلبة على الممانع عن الامالة سواء تقدم ذلك الممانع على الألف كرقاب أم تأخر عنها كرباط.

فهذه أحكام ما هو الأصل الغالب في امالة الفتحة ، وذلك قبل الألف.

(وقد يمال) امالة شائعة في لغة أهل البصرة والكوفة وما قرب منهما على ما قال سيبويه ، (ما قبل ـ هاء ـ التأنيث) المبدلة عن تاء التأنيث في الاسم (في الوقف) ، كأنهم حملوها على ألف التأنيث كحبلى ، للتشابه في اللفظ من حيث الخفاء والمخرج الّذي هو اقصى الحلق ، وفي معنى التأنيث ، والاختصاص بالاسم ، ولزوم الفتحة في الحرف المتحرك قبل كل منهما ، بخلاف تاء التأنيث على صورتها ، فانّهم اتفقوا على المنع من الامالة معها سواء كانت في الفعل أم في الاسم ، لخلوها عن الشبه اللفظي بالألف ، وامّا هاء السكت نحو : (مالِيَهْ) و(كِتابِيَهْ) فقد زعم جواز الامالة معها بعض النحاة ، وقرأ بها أبو مزاحم الخاقاني عن الكسائي ، وذكر بعض المحققين انّ الأصح المنع.

ثمّ انّ جواز الامالة قبل ـ هاء ـ التأنيث مطرد ولو مع المستعلى والراء ، كاطرادها في ألف التأنيث ولو معهما كالوسطى ، والذكرى (٢) ، لكونها ـ أي ألف التأنيث ـ

__________________

(١) الانهمار : الانصباب ، والجون : من الأضداد للأبيض والأسود ، والرباب : السحاب.

والسكوب : فعول للمبالغة من السكب وهو الصب. والمعنى : عسى الله ان يغنينا عن الذهاب إلى بلادهم للماء والكلاء وجلب الطعام بمطر سكوب يمطر في بلادنا يكثر به النبات والماء والطعام ، ويحتمل أن يريد : عسى الله ان يغني الناس عن بلاد ابن قادر بمطر عظيم يمطر في تلك البلاد ويخربها بحيث لا يبقى آثارها.

(٢) الأوّل مثال للألف التأنيث مع المستعلى ، والثاني : للألف أيضا مع الراء المفتوحة.

٣٤٦

إحدى الصور الثلاث المستثنات عن ممانعة المستعلى والراء ، لانقلابها ـ ياء ـ في المثنى ، بل الهاء أولى بأن يتساهل معهما بتجويز الامالة ، لضعف أثر الامالة معها ، لانحصاره في ميل الفتحة إلى الكسرة ، بخلافها مع الألف ، فانّها تؤثر مع ميل الفتحة إلى الكسرة في ميل الألف إلى الياء.

فمن ثمّ (١) منعوا عن الامالة بالكلية مع الألف في غير تلك الصور الثلاث مع المستعلى والراء ، وجوزوها مع الهاء مطلقا ، لكنّها يختلف في الحسن والقبح ، (و) التفصيل انّها(تحسن) إذا لم يكن المفتوح قبلها مستعليا ولا راء(في نحو : رحمة) ، ونشدة ، لما في امالتها إلى الكسرة من زيادة البيان لها ، فانّها في معرض الخفاء مع الفتحة مع ما فيها من مراعاة المناسبة للألف ، ولا مانع عنها في نحو ذلك فيستحسن اختيارها.

(وتقبح في الراء) المفتوحة قبلها(نحو : كدرة) ، وغبرة ، لما في فتحها من القوّة والتكرّر فيقوي ممانعتها عن الامالة فيستقبح.

(وتتوسط) في الحسن والقبح (في) حروف (الاستعلاء) الواقعة قبلها ؛ (نحو : حقّة) ؛ وموعظة ، لخروجها الحسن الكامل بما في تلك الحروف من المنافرة للامالة ؛ ولم يكن في مرتبة الراء في الاستقباح ، لعدم التكرّر في حركة المستعلى وان كان المستعلى في نفسه أقوى في الممانعة عن الامالة ، ومن ثمّ اميل نحو : عمران دون برقان.

ومنع بعضهم عن امالة ما قبل الهاء إذا كان مستعليا ؛ أو حاء ، أو عينا مهملتين ، كصالحة ، وقارعة ، وناشطة وقبضة ، وبالغة ، أو ألفا كالصّلوة ؛ وفاقا للكسائي على ما في الشاطبية ، وقد يروي عنه المنع في الألف خاصّة.

__________________

(١) أي ومن أجل انّ الهاء أولى بأن يتساهل معهما.

٣٤٧

[٤ ـ إمالة الحروف] :

(والحروف لا تمال) ، لبعدها عن التصرف ، والامالة تصرّف ، ولأن الفاتها لا أصل لها في الياء ، (فان سمّى بها فكالأسماء) هي في جواز الامالة ان تحقق فيها سبب لها ؛ كما إذا سمّى ب ـ إلّا ـ بتشديد اللّام ـ لأنّ الألف الرابعة في الاسم تصير ياء مفتوحة في المثنى ؛ فيقال : إلّيان مثلا ، بخلاف على الجار ، فانّها عند التسمية بها في عداد الأسماء المجهولة الألف فيحمل على بنات الواو ، لأنها أكثر فيما علم حاله ، فيقال : في المثنى علوان ـ بالواو ـ لكونه ثلاثيا ، فلا تمال لعدم الكسرة ، وامّا : إلى ـ فتمال عند التسمية وان حملت على الواوي للكسرة ، خلافا للزمخشري والمصنف ، حيث منعا عن امالة ما أصله الواو كما مرّ. (١)

فهذا هو الأصل ، ولكن خولف ذلك (واميل ـ بلى ـ) من حروف الجواب ، (ويا) للنداء ، (ولا) النافية(في) قولهم : إن تفعل كذا فافعل و (إمّالا) أي وان كنت لا تفعل فتكلم وأخبر بأنك لا تفعله حتّى نعالجه نحن ، وانّما اميلت هذه المذكورات (لتضمنها الجملة) ؛ فان بلى ـ في جواب من قال : أم تفعل كذا (٢) ـ بمنزلة فعلت ، ومتضمنة معناه ، وـ يا ـ بمنزلة أدعو ، وإمّا لا بمنزلة إن كنت لا تفعل ، فاقيم ـ ما ـ مقام الشرط وادغمت في النون من إن الشرطية ، واقيم لا مقام لا تفعل ، وقد يصحّح ـ امّا ـ بفتح الهمزة على انّها جزء من قولهم : وأمّالا أنا أفعل ، والأصل : ولأن كنت لا تفعل ـ أي ولعدم فعلك أنا أفعل ـ فحذفت لام الجر والفعل واقيم ما مقامه وادغمت.

وحكى قطرب : إمالة ـ لا ـ النافية في غير ما ذكر أيضا ، لأنها قد تقوم مقام

__________________

(١) في قوله ولا تؤثر الكسرة في الألف المنقلبة عن واو. وفي نسخ الّتي بأيدينا كانت جملة ما أصله الواو : عن امالة أصله الواو ، والصحيح ما كتبناه.

(٢) كذا في النسخ المخطوطة ولكن الظاهر : أما تفعل كذا.

٣٤٨

الجملة كما يقال : هل تفعل كذا فتقول : لا ، ويحكي عن بعض بني أسد : امالة فتحة الفاء من (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ)(١) والواو من (وَأَنَّا ظَنَنَّا)(٢) لمناسبة كسرة ما يليهما.

(وغير المتمكن) من الأسماء(كالحرف) في انّ الأصل فيها المنع عن الامالة ، للتشابه في عدم التصرف ، (و) لكن من تلك الأسماء(ذا) الاشارية على ما حكاه سيبويه ، (وأنّى) الاستفهامية بمعنى : كيف ومن أين؟ (ومتى) الاستفهامية ، (كبلى) من الحروف في جواز الامالة على خلاف الأصل ، لكونها مثلها في القيام مقام الجملة ؛ كما يقال : ذا ، لمن قال : من جاء؟ ، وأنّى؟ لمن قال لك ألف دينار ، ومتى؟ لمن قال : قدم زيد من سفره ، كأنه قيل : جاء ذا وأنّى لي ألف دينار ـ أي من أين ـ ومتى قدم زيد ، مع ان ـ ذا ـ الاشارية تشبه الأسماء المتمكّنة في جريان بعض التصرّفات كالتصغير ، والتثنية ، وألفه منقلبة عن الياء.

وأمّا : متى ، وأنّى الشرطيتان فلا تمالان ، لعدم الاستغناء بها (٣) عن الجملة الشرطية الّتي بعدها. (٤)

وجائت الامالة في : هاء ـ ضمير الغائبة ، وـ نا ـ ضمير المتعدّد من المتكلّم إذا كانا مسبوقين بالكسرة أو الياء ؛ نحو : بها ، وبنا ، وإليها ، وإلينا كذا قيل ، وفي الكشاف : انّ الحسين بن عليّ قرأ ـ أنّا ـ في : (أَنَّا صَبَبْنَا) بالامالة ، وجائت أيضا في أسماء حروف التهجي نحو : با ، تا ، وبالغوا في ذلك حتّى أمالوا مع الاستعلاء نحو : طا ، ظا ، لبيان الفاتها كما قلبت بعض الألفات ياء صريحة في الوقف ، للبيان كما مرّ.

(وأميل عسى) وان كان فعلا غير متمكّن لا يبني منه مضارع ، ولا أمر ، ولا

__________________

(١) الآية : ٣٣ الأنعام.

(٢) الآية : ١٢ الجن.

(٣) وفي نسخة : بهما.

(٤) وفي نسخة : بعدهما.

٣٤٩

غيرهما ، فتشبه الأسماء الغير المتمكّنة الّتي حقّها المنع عن الامالة ، والوجه في امالته : ان ألفه تصير ياء عند اتصال الضمير ، (لمجيء : عسيت) فكأنه في ظهور الياء كالمتصرف من نظائره من الأفعال الّتي الفاتها منقلبة عن الياء ، ويظهر يائها عند الضمير كرمى ، وهدى.

[إمالة الفتحة منفردة] :

(وقد تمال الفتحة) الكائنة على غير الياء حالكون تلك الفتحة(منفردة) عن الألف ، وهاء التأنيث واقعة قبل الراء المكسورة ، سواء كانت متصلة بها(نحو : من الضرر ، ومن الكبر ، ومن المحاذر) بصيغة اسم المفعول ، ليكون ما قبل الراء مفتوحا ، أم منفصلة عنها بساكن غير الياء ، من بكر ، وسواء كانت تلك الراء متطرفة كهذا الأمثلة أم لا ، نحو : عرد ، ومنفرد ، خلافا لابن مالك في بعض كتبه ، حيث اعتبر التطرّف ، وسواء كانت الراء والفتحة في كلمة مثل : ما ذكر ؛ أم في كلمتين نحو : إن خبط رياح كذا كما قال سيبويه.

وإنّما اميلت الفتحة في مثل ذلك؟ لقوّة كسرة الراء ، ولذلك لم يمنع منها المستعلى المتقدّم كما في الضّرر ، ولا كون المفتوح نفسه مستعليا نحو : من الصّغر ، ومن المطر ، بخلاف غير الراء من الحروف ، فان كسرتها لا تقوي على جلب امالة فتحة من غير سبب ، وقد منعوا عن امالة الفتحة قبل الراء إذا كانت على الياء نحو : أعوذ بالله من الغير (١) ، أو على ما ينفصل عنها بساكن هو الياء ، كنظرت إلى بحير ـ مصغّرا ـ لما في الامالة مع الياء الصريحة من صيرورة الفتحة في معرض الخفاء ، بخلاف الياء المشوبة الحاصلة من امالة الألف فيما تقدم.

وإذا اميلت الفتحة في نحو : محاذر ـ لم تمل الألف ، لعدم قوّة كسرة الراء على جلب امالتين ، فان تأخر المستعلى عن الراء كفرق ، وشرق منعت الامالة كما قال

__________________

(١) غير الدهر كعنب ، أحداثه المغيرة كذا في القاموس ، أي حوادثه الّتي تغير الأحوال.

٣٥٠

سيبويه ، لما مرّ من صعوبة الصعود بعد الانحدار.

وقد تمال الضمّة نحو الكسرة قبل الراء المكسورة متصلة بها نحو : سرر ، أو مفصولة بساكن كعمر ـ بضمّ العين وسكون الميم ـ وان كان ذلك الساكن واوا كمذعور اميلت نحو الياء ؛ كما تمال الضمّة نحو الكسرة على ما قال سيبويه ، خلافا للأخفش حيث ذهب إلى ابقائها على صراحتها وان مالت الضمّة نحو الكسرة ، وهذا الّذي ذهب إليه متعسر في النطق بل متعذر على ما قيل.

***

٣٥١

تخفيف الهمزة

(تخفيف الهمزة) : شائع في لغة قريش وأكثر الحجازيين لثقلها وشدّتها ؛ لكونها من أقصى الحلق ، ولها نبرة (١) كريهة تجرى مجرى التهوع فثقل على اللّسان ، وروى عن أمير المؤمنين «كرّم الله وجهه» : انّ القرآن نزل بلغة قريش وليسوا بأصحاب نبرة ولو لا ان جبرئيل «عليه‌السلام» نزل بالهمزة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما همزنا» كذا في شرح نجم الأئمّة ، وترك التخفيف هو الأصل في لغة تميم وقيس.

وتخفيفها(يجمعه) ثلاثة أقسام ، لانحصاره فيها بالاستقراء ، وهي : (الابدال) بحرف غيرها على الوجه الّذي يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ ، (والحذف) ، والتسهيل الّذي يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ ، (والحذف) ، والتسهيل الّذي يقال : له الترقيق أيضا ، (و) هو جعلها(بين بين ـ أي بينها وبين حرف حركتها ـ) أي بين نفسها والحرف المجانس لحركتها ؛ وهو الألف ان كانت مفتوحة ، والواو ان كانت مضمومة ، والياء ان كانت مكسورة ، وهذا هو بين بين المشهور.

(وقيل :) لا يتعين فيه ذلك ، بل هو امّا ذلك (أو) (٢) جعلها في بعض الصور على ما يتّضح بعد ذلك ـ إنشاء الله تعالى ـ بينها وبين (حرف حركة ما قبلها) ، كما يقال في : سئل ـ على البنا للمفعول ـ سول ؛ بجعل الهمزة المكسورة بينها وبين الواو المجانسة لحركة ما قبلها ، وهذا يقال له بين بين البعيد.

وبين بين في باب : تخفيف الهمزة اسمان جعلا واحدا وكلّاهما بنيا على الفتح ،

__________________

(١) النبرة : ارتفاع الصوت ، يقال : نبر الرجل نبرة إذا تكلم بكلمة فيها علو.

(٢) عطف على قوله : بينها وبين حرف حركتها. والمعنى : ان بين بين على ضربين والثاني لا يكون في كل موضع بل في المواضع المعيّنة.

٣٥٢

نحو : خمسة عشر ، وكذا قولهم ، هذا الشيء بين بين ـ أي بين الجيد والردي ـ كذا قال الجوهري في موضع من الصحاح.

ثمّ ان بين بين هو الأصل في تخفيف الهمزة ، لأنه تخفيف مع بقائها بوجه ما ، ثمّ الابدال أصل بالنسبة إلى الحذف ، لما فيه من التعويض عنها بما ابدلت إليه ، بخلاف الحذف.

(و) تخفيفها مطلقا(شرطه ان لا تكون) هي (مبتدأ بها) (١) في النطق ، كأحد ، وإبل ، وامّ ، لعدم استثقالها في الابتداء على ما قالوا ، أو لأن بين بين وهو الأصل والأكثر فيه يقتضي اسكانها عند الكوفيين ؛ وضعف حركتها بحيث يقرب من السكون عند غيرهم ؛ فلا يناسب الابتداء ، للتعذّر والتعسّر ، وحمل عليه القسمان الآخران ، والمحذوف للتخفيف في نحو : خذ ، وكل ، هو الهمزة الثانية وامّا الوصلية فلم يحذف للتخفيف ، بل للاستغناء عنها بحصول الحركة بعدها بعد حذف الثانية الساكنة ، وامّا : الّتي لم يبتدأ بها فيجري فيها التخفيف وان كانت أوّل الكلمة ، نحو : جاء أحدهم ، و(قَدْ أَفْلَحَ) في الوصل.

[تخفيف الهمزة الساكنة] :

(وهي : ساكنة ، ومتحركة ، فالساكنة) عند تخفيفها بالابدال (تبدل بحرف حركة ما قبلها) سواء كانت هي وما قبلها في كلمة واحدة(كراس) بابدالها ألفا لانفتاح ما قبلها ، (وبير) ، وجيت ، في المسند إلى المتكلم من : جاء بابدالها ياء ، لانكسار ما قبلها ، (وسوت) في الماضي المتكلم من : ساء ، بابدالها واوا ، لانضمام ما قبلها ، أم كلمتين ، (و) ذلك نحو قوله تعالى : (إِلَى الْهُدَى ائْتِنا)(٢) بقلب الهمزة الثانية الأصلية ألفا ، لانفتاح الدال قبلها ، فانّه أمر من : الاتيان ، وأصله : إئتنا بهمزتين ،

__________________

(١) وانّما عبر بمبتدأ لا بأولا؟ لأنّ الهمزة في أوّل الكلمة قد تخفّف كما سيأتي.

(٢) الآية : ٧١ الأنعام.

٣٥٣

وتقلب الهمزة الثانية منه ياء ؛ لانكسار همزة الوصل قبلها ، وتعاد عند الوصل بالهدى ، لحذف همزة الوصل المكسورة حينئذ فيلتقي ساكنان : الألف من الهدى ، والهمزة من ائتنا ، فحذفت الألف لكونها آخرا في كلمتها ، فوقعت فتحة الدال قبل الهمزة فابدلت ألفا ، لمجانستها(و) قوله تعالى : (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ)(١) بقلب همزته الثانية الأصلية ياء ، فانّه ماض مجهول من الايتمان من الأمانة ، وأصله : اؤتمن ـ بهمزتين ـ وتقلب الثانية واوا لانضمام همزة الوصل قبلها ، فلمّا حذفت في الوصل بالّذي عادت الهمزة الثانية الساكنة ملاقية للياء الساكنة من الّذي ، وحذفت الياء فوقعت كسرة الذال قبل الهمزة المعادة ، فابدلت ياء لمجانستها.(و) قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي)(٢) بابدالها واوا ، فان أصله : إءذن ـ بهمزتين ـ وهو أمر من الاذن ، فتقلب الثانية الأصلية ياء لكسرة همزة الوصل قبلها ، وتعاد عند الوصل بيقول ، لحذف همزة الوصل المكسورة فتقع بعد ضمّة اللّام فتبدل واوا.

[مبحث المتحرّكة] :

(و) الهمزة(المتحرّكة أن كان قبلها ساكن) وذلك الساكن (هو واو ، أو ياء زائدتان) في بنية الكلمة ، (لغير الالحاق قلبت) الهمزة(إليه) ـ أي إلى ذلك الساكن ـ للتشارك في صفة الجهر وان لم يتقاربا في المخرج ، (وأدغم) ذلك الساكن (فيها) ، لشدّة الاعتناء بتخفيف الهمزة ؛ وكون غير هذا الوجه من طرقه كالمسدود ، لما في جعلها بين بين من القرب إلى التقاء الساكنين ؛ لقرب حركتها من السكون وسكون ما قبلها ، وما في حذفها ونقل حركتها إلى ما قبلها من تحريك ما لا أصل له في الحركة (٣) مع الاستغناء عن تحريكه بالابدال والادغام على الوجه المذكور ، فاختير

__________________

(١) الآية : ٢٧٣ البقرة.

(٢) الآية : ٤٩ التوبة.

(٣) الّذي يلزم تحريكه مع انّه لا أصل له في الحركة هو ياء التصغير.

٣٥٤

هذا الوجه وان اشتمل على المخالفة للقياس ، فانّ القياس هو قلب الأوّل إلى الثاني للتوسل إلى الادغام ، لا العكس كما هنا ، فهذا مع ذلك كأنه أهون عندهم ممّا يلزم على الوجهين الآخرين (١) فكرهوا إعتبارهما مع امكانه ، وذلك : (كخطيّة) ـ بتشديد الياء ـ في خطيئة بالهمزة بعد الياء الساكنة المزيدة في «فعيلة» (ومقروّة) ـ بتشديد الواو ـ في : مقروءة بالهمزة بعد الواو الساكنة المزيدة في اسم المفعول من قرأ ، (وافيّس) ـ بتشديد الياء ـ في : افيئس بالهمزة بعد الياء الساكنة المزيدة ، لتصغير أفؤس جمع فأس ـ بالفاء والهمزة والمهملة ـ لضرب من السلاح ، ولحديدة اللجام القائمة بالحنك ، ففي جميع هذه ونظائرها تبدل الهمزة إلى الساكن قبلها وتدغم على وجه الجواز من غير لزوم في شيء من نحو ذلك ، لما علم بالاستقراء من مجيء اثبات الهمزة أيضا في كل ما هو من هذا القبيل.

وامّا ما زعمه جماعة من النحاة منهم سيبويه من خلاف ذلك (وقولهم التزم) ذلك الّذي ذكر من الابدال والادغام (في ـ نبيّ ، وبريّة ـ) بالياء المشدّدة فيهما ـ من النبأ ـ بمعنى الخبر ـ ، وبرأ ـ بمعنى خلق ـ وأصلهما : نبيء ، وبريئة ، بالهمزة بعد الياء الساكنة المزيدة في «فعيل» و «فعيلة» ، فهو (غير صحيح ولكنه كثير) ، وكيف يصح دعوى التزام ما ذكر فيهما والحال أنهما باثبات الهمزة ، حيث وقعا في القرآن في قراءة أهل المدينة وفاقا لابن ذكوان من أهل الشام في الثاني.

وقيل : لعل من ادعى الالتزام المذكور يمنع ثبوت تلك القراءة ، فان تواتر القراآت السبع ليس متفقا عليه ، فيشكل الرد عليه بها ؛ مع احتمال ان يكون مراده التزام ذلك على قراءة الأكثرين ، وفي استعمال أكثر أهل التخفيف كما يشعر به كلام بعض من ادعى ذلك.

ثمّ انّ ما ذكر انّما هو على تقدير كونهما مهموزين كما قلنا ، وهو مذهب سيبويه ،

__________________

(١) وهما : بين بين ، والحذف.

٣٥٥

وامّا على تقدير جعل الأوّل من : النبوّة ـ بمعنى الارتفاع ـ ، والثاني من : البري ـ بمعنى التراب ـ ، فهما خارجان ممّا نحن فيه.

(وان كان) الساكن الواقع قبل الهمزة المتحركة(ألفا) نحو : قراءة ؛ (فبين بين) الموصوف بأنه (المشهور) ، أعني : قلبها إلى جنس حركة قبلها نفسها ـ هو الطريق في تخفيف تلك الهمزة ، فتجعل بين نفسها والألف ان كانت مفتوحة نحو : قراءة ، وبينها وبين الواو ان كانت مضمومة كالتساؤل مصدر : تساءل يتساءل ، وبينها وبين الياء ان كانت مكسورة نحو : سائل.

واغتفر ما يلزم فيه من القرب إلى التقاء الساكنين ، لكراهة ترك التخفيف وانسداد غير هذا الوجه من طرقه ، فكأنه مضطر إليه ، لأنّ الألف لا تقبل الحركة ولا تكون مدغمة فيها ، فلا يمكن نقل الحركة إليها من الهمزة وحذفها ، ولا الادغام ، والابدال ، بخلاف ما تقدم ، لأنّ الساكن فيه صالح للادغام ، ويمتنع ههنا بين بين البعيد ؛ وهو قلبها إلى جنس حركة ما قبلها ، لعدم الحركة لما قبلها ، لأنه ألف.

(وان كان) الساكن المتقدم على الهمزة المتحركة متصلا بها(حرفا صحيحا ، أو معتلا غير ما ذكر) (١) من الألف ، والياء والواو المزيدتين لغير الالحاق ، سواء كان ذلك المعتل واوا ، أو ياء ، أصليتين أم واقعتين موقع الأصلي ، بأن تكونا زائدتين للالحاق ، (نقلت حركتها إليه) ـ أي حركة الهمزة إلى ذلك الساكن ـ ؛ (وحذفت) تلك الهمزة ، لما في ابقائها ساكنة من الاستثقال المخل بغرض التخفيف ، فانّ الهمزة الساكنة أيضا مستثقلة.

ولم تحذف مع الحركة من غير نقل للحركة ، لئلّا يلزم الاجحاف بحذف حرف مع حركته من غير حاجة ؛ واختير الحذف على قلبها إلى جنس الحركة المنقولة عنها إلى ما قبلها على ما اجازه الكوفيون ، قياسا مطردا ان كانت الحركة المنقولة

__________________

(١) وفي غير هذا الشرح : «غير ذلك» بدل قوله غير ما ذكر.

٣٥٦

فتحة ؛ وحكاه سيبويه حاكما بقلّته ؛ نحو : المراة ، الكماة ـ بالألف ـ ، وعلى الادغام المذكور فيما تقدم ، لما في حذفها بعد نقل حركتها من كمال التخفيف ، وبقاء الأثر ، فيستكره مع امكانه إختيار غيره ، والعدول عنه مع الألف ، والياء والواو الساكنتين المزيدتين لغير الالحاق ، لتعذر نقل الحركة إلى الألف ؛ واستهجان نقلها إلى الأخريين ، لعدم الحظ لهما من الحركة ، لأنّ الساكنة الزائدة منهما تنحصر بالاستقراء في المدّة ـ كخطيئة ، ومقرؤة ـ وما جرى مجراها في لزوم السكون بالوضع ان وجدت ـ كياء التصغير ـ ، بخلاف الصحيح والمزيدة للالحاق من الياء ، والواو ، والأصلية منهما ، فانّها قد تكون متحركة وان إتفق سكونها فيما أريد تخفيفها.

هذا غاية ما يقال ههنا فتأمّل.

وقد تحول الهمزة في مثل ذلك (١) عن موضعها الّذي حقها الحذف لو بقيت فيه وتقدم على الساكن مع اسكانها وتحريك ذلك الساكن بحركتها ، فيصير حكمها القلب إلى جنس حركة ما اتفق قبلها ، ومنه قولهم : ياسل ـ بالألف ـ في : يسأل ، ويايس على ما قرأ به البزي في رواية في : ييئس.

ثمّ انّ الهمزة والساكن قبلها فيما نحن فيه ، قد يكونان في كلمة واحدة(نحو : مسلة) ـ بفتح السين بلا همزة ـ في مسئلة ـ بالهمزة المفتوحة وسكون السين ـ الّتي هي حرف صحيح ، (وخب ، وشي ، وسو) ـ بالحركة المجلوبة عن العامل على الموحدة ، والياء والواو الأصليتين ـ في : خبء ـ للغائب المستور ـ ، وشيء ، وسوء ، كلّها بالهمزة المتحركة بالحركة المجلوبة عن العوامل مع سكون تلك الحروف قبلها ، (وجيل ، وحوبة) ـ بلا همزة مع فتح الياء والواو ـ المزيدتين فيهما للالحاق بنحو : جعفر ، نقلا عن الهمزة في : جيأل ـ بالجيم ـ وهو علم لجنس الضبع ، معرفة بلا آلة التعريف ، وحوأبة ـ بالمهملة وفي آخرها الموحدة ـ وهي : من الدّلاء والعلاب (٢) ما

__________________

(١) أي ما إذا كان الساكن قبلها صحيحا أو معتلا غير ما ذكر.

(٢) والعلاب : ههنا جمع العلبة بضمّ العين وسكون اللّام بمعنى القدح الضخم المتخذ من

٣٥٧

كان في غاية الضخامة ، وربّما يشعر كلام بعضهم باصالة واوها وزيادة الهمزة ، وهو ضعيف ، لجريان «فعألة» بزيادة الهمزة بعد العين الساكنة مجرى معدوم النظير مع كثرة «فوعلة».

والحوأب : بلا هاء ـ يقال : للواسع من الأودية ، ولماء بطريق البصرة.

(و) قد يكونان في كلمتين نحو : (أبويّوب ، وذومرهم ، وابتغي مرهم ، وقاضوبيك) بحذف الهمزة من : أيّوب ، وأمرهم ، وأبيك ، بعد نقل فتحتها إلى الساكن قبلها ، ونحو : من مّك ، وكم بلك ، بحذفها في : أمّك ، وابلك ، بعد نقل ضمتها من الأوّل ، وكسرتها من الثاني إلى ما قبلها الساكن.

والواو في : قاضو ـ جمع قاض ـ علامة الجمع ، والياء في : إبتغى ضمير المخاطبة ، فهما كلمتان مستقلتان قابلتان للحركة ، كما في : إخشونّ ، واخشينّ ، وليستا من الزائد لغير الالحاق في بنية الكلمة ، وجاء حذفها بعد نقل حركتها إلى ذي حركة من كلمة اخرى إذا لم تكن حركة إعرابية بل بنائية ، لكنه شاذ ؛ نحو : قال سحاق ـ بكسر اللّام ـ ، وقال سامة ـ بضمتها ـ نقلا من الهمزة في : إسحق ، واسامة ، وحذفها بدون النقل أقلّ ؛ نحو : قال سحاق ـ بالفتح ـ.

وقد تسكن وتحذف بعد الألف من كلمة اخرى مع حذف الألف ان سكن ما بعدها بالتقاء الساكنين ، نحو : محسن في : ما أحسن ، بخلاف : ما شدّ في ما أشدّ ، لتحرك ما بعد الهمزة كما في قوله :

ما شدّ أنفسهم وأعلمهم بما

يحمي الذّماربه الكريم المسلم (١)

__________________

ـ جلود الإبل أو من الخشب يحلب اللبن فيه ، والدلاء : جمع دلو.

(١) البيت لم أقف له على نسبة إلى قائل. ما شدّ أنفسهم : فحذفت الهمزة من أشد ، وهو للتعجب ، وأعلمهم : معطوف عليه ، وبما : متعلق بأعلمهم ، وبه : متعلق بيحمى. والذمار : ما يلزم حفظه وحمايته وهو مفعول يحمي ، وفاعله الكريم المسلم. يتعجب من شدّة أنفسهم وقوتها وعلمهم بأسباب حماية ما يلزم حمايته.

٣٥٨

(وقد جاء) على قول بعضهم (باب) ما الساكن فيه الواو والياء الأصليتان ، نحو : (شيء ، وسوء ، مدغما) بعد قلب الهمزة إلى ذلك الساكن ، كما في الزائدة لغير الالحاق ، نحو : خطيئة ، فيقال : شيّ ، وسوّ ، مثلا بالتشديد والتحريك بحسب العوامل.

(والتزم ذلك) الوجه الّذي ذكر من النقل والحذف (في باب :) ما حصل بزيادة في الأوّل على تركيب ـ راي ـ مع اسكان الراء ، وكان كثير الدوران في الاستعمال ، نحو : (يرى) مضارع رأي ، (أرى ، يرى) في باب الافعال منه ، والأصل : يرأي ـ كيمنع ـ وأرأى يرأى ـ كأعطى يعطى ـ فحذفت الهمزة في الجميع بعد نقل حركتها إلى الراء الساكنة على ما هو المتعين في تخفيف الهمزة من مثل ذلك. (١)

وانّما التزم ذلك في هذا الباب وان كان في غيره على وجه الجواز ، (للكثرة) الّتي لهذا الباب في استعمالاتهم فيناسبها الحذف والتخفيف ، فالتزم ذلك فيه إلّا مع الضرورة كقوله :

ألم تر ما لاقيت والدّهر أعصر

ومن يتملّ العيش ير أو يسمع (٢)

أي من يستمتع من العيش ، ويعمّر طويلا فهو يرى ويسمع أشياء كثيرة.

وأثبتوا الهمزة الساكن ما قبلها في : أسماء المفعول ، الزمان والمكان ، والآلة ، فقالوا : المرئيّ ، والمرأى ، والمرآة ، فلعلّها ليست في مرتبة نظائرها من التصاريف في الكثرة ، وجاء : الأمر الحاضر منه أيضا بالاثبات ، نحو : إرأ ، مثل : إسع من سعى ، كما جاء ـ ره ـ بالحذف.

__________________

(١) ونبّه بباب المذكورات على ان ذلك الالتزام لا يجري في سائر تصرفاتها من أمر وغيره ممّا سكنت رائه.

(٢) البيت لم أعثر على قائله. تملّى عمره : استمتع منه ، ومن : شرطية ويتمل أصله : يتملّى ، ويرأ : أصله يرأي وحذف آخرهما بالجزم ، ويسمع أيضا مجزوم ساكن حرك بالكسر لمناسبة القوافي ، والله أعلم.

٣٥٩

وجاء : حذفها من الماضي مع همزة الاستفهام تشبيها لها بهمزة باب الأفعال ، وهو قراءة الكسائي في جميع ما أوّله همزة الاستفهام واقترن بتاء الخطاب من ذلك ، أريتك ، وربّما حذفت مع هل ـ أيضا تشبيها لها بالهمزة كما قال من يصف راعيا بشدّة البخل :

صاح هل ريت أو سمعت براع

ردّ في الضّرع ما قرى في العلاب (١)

أي ما جمعه من اللبن في الأقداح المتخذة من جلود الإبل والخشب.

(و) هذا الباب في التزام الحذف والنقل كائن (بخلاف : ينأى) كيمنع مضارع : نأى ـ بمعنى بعد ـ و (أنأى) كأكرم في باب الافعال منه ، فانّهم لم يلتزموا فيه ذلك ، لعدم بلوغه في الكثرة مرتبة ذلك الباب.

(وكثر) الحذف والنقل بدون التزام (في : سل) ، وهو أمر من : سأل ، وأصله : إسأل ؛ فحذفت الهمزة الأصلية الّتي هي عين الكلمة بعد نقل حركتها إلى السين ؛ فاستغنى عن همزة الوصل فحذفوها وجوبا ؛ كما يجيء ـ إنشاء الله تعالى ـ ، وانّما كثر فيه ذلك (للهمزتين) المذكورتين الكائنتين فيه وحصول شيء من الثقل بها وان افترقتا ؛ لضعف الفاصل مع وحدته بالسكون والهمس ، بخلاف نحو : إجأر ـ بصيغة الأمر ـ من : جأر الرجل ـ تضرع ـ ، والثور ـ صاح ـ فانّه لم يكثر فيه ذلك التخفيف ، لقوّة الجيم الفاصلة بين الهمزتين مع أنه لم يكثر كثرة إسأل.

(وإذا وقف على) الهمزة(المتطرفة) المتحركة(وقف) عليها(بمقتضى الوقف بعد التخفيف) ، لأنّ الداعي إلى التخفيف حاصل في حال الوصل المقدم على الوقف ، فيعمل بمقتضاه من أوّل الأمر ؛ ثمّ يعمل بمقتضى الوقف بالنظر إلى ما يحصل بعد

__________________

(١) البيت لأسماعيل بن يسار مولى بني تيم بن مرة ، صاح : منادي مرخم بحذف النداء ، وقرى : جمع ، والعلاب : جمع علبة وهي وعاء من جلد أو خشب ، والاستشهاد بالبيت في قوله : «هل ريت» على ان أصله : هل رأيت ؛ فحذفت الهمزة الّتي هي عين الفعل تشبيها لهل الاستفهامية بالهمزة لاشتراكهما في المعنى.

٣٦٠