شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

(وأمّا الهاء : فكان المبرد لا يعدّها) من حروف الزيادة(ولا يلزمه نحو : أخشه) ممّا فيه هاء السكت ، (فانّها حرف معنى) ؛ وهو الّذي لا يمتزج بما قارنه على وجه يدخل في البنية ؛ بل يكون كلمة متصلة بأخرى ، (كالتنوين ، وباء الجر ولامه) ، وإذا كانت تلك الهاء من حروف المعنى لم يكن من الزوائد ؛ فلا يلزم الاعتراض بها على المبرد ؛ كما لم يلزم على الجرمي اللّام الّتي تجلب عند بعد المشار إليه في نحو : ذلك ، وتلك ، لكونها حرف معنى فليست من الزوائد وان عدّها جماعة أيضا منها.

(وانّما يلزمه نحو : امّهات) في جمع ـ الامّ ـ ، فان أصلها : امّات ـ بدون الهاء ، وقد ورد الوجهان في قوله :

إذا الامّهات قبحن الوجوه

فرجت الظّلام بامّاتكا (١)

فالهاء زائدة وليست حرف معنى ، لامتزاجها بما هي فيه وصيرورة الجميع كلمة واحدة ، وقد يقال : الامّهات للناس ؛ والامّهات للبهائم ، (و) كذا يلزمه (نحو) قول قصي بن كلّاب :

إنّي لدى الحرب رخيّ اللّبب

معتزم الصّولة عالي النّسب

امّهتي خندف والياس أبي (٢)

واللبب : ما يشدّ على صدر الدابة لحفظ الرحل عن ان يتأخر عن موضعه ، والرخيّ : بتشديد الياء ـ من الرخاوة ؛ وشاعت استعارة رخاوة اللبب لسعة الحال ؛ لما في ارخائه من الراحة للدابة. والاعتزام : باهمال العين واعجام الزاي ـ لزوم

__________________

(١) البيت لمروان بن الحكم ، وقبحن الوجوه : بمعنى أخزينها ، وفرجت الظلام : بمعنى : كشفته ، يريد ان امّهات المخاطب نقيات الأعراض لم يتدنس عرضهنّ بالفجور إذا ما تدنس عرض امّهات الناس بالفجور فاخزين أولادهنّ بذلك.

(٢) هذا البيت من مشطور الرجز وهو لقصي بن كلّاب جدّ النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

٣٢١

القصد والتوسط. وخندف : كزبرج لقب ليلى بنت حلوان بن عمران ؛ امرأة الياس بن مضر ، من الخندفة ، وهي : مشية كالهرولة.

وهمزة الياس للقطع ؛ وحذفها وصلا للضرورة ، وقد يروي : بقطع الهمزة واسقاط حرف العطف.

والامّهة : الامّ ، والهاء مزيدة كيف لا(والامّ) كاملة الأركان الّتي هي : الفاء والعين واللّام ، ووزنها«فعل» بدليل الأمومة) في المصدر ، فانّ الشائع في نظائرها من المصادر تمامية الأركان ؛ وكونها على «فعولة» ، ولقولهم : (١) تأمّمت المرأة ، واستأممتها ـ أي أخذتها امّا ـ لأن نظائرهما على «تفعّلت ، واستفعلت» فالهاء في الامّهة خارجة عن الاصول ، ووزنها «فعلهة» بزيادة الهاء ، (واجيب) من جانب المبرد(بجواز اصالتها) في : الامّهة والامّهات ـ كما جوز ذلك ابن السراج ـ (بدليل) قولهم : (تأمّهت) فلانة على : تفعّلت ـ كنظائرها ـ أي اتخذتها امّا ـ على ما حكاه الخليل في كتاب «العين» وان كان قليلا في كلامهم مسترذلا ، وذلك (٢) بأن يكون الامّهة هي الأصل ؛ والامّ مأخوذة منها بحذف الهاء ، ثمّ غلب هذا الفرع لخفته في استعمالاتهم على الأصلي حتّى جرى ذلك الأصل مجرى النوادر ، واستبعاد ذلك ـ لو سلّم ـ لا يقدح في الجواز ، (فتكون : امّهة «فعّلة») ـ بضمّ الفاء وفتح العين المشدّدة ـ (كابّهة) ـ بضمّ الهمزة وتشديد الموحدة ، للعظمة ـ وتأبّه الرجل ـ تكبّر ـ ، (ثمّ حذفت) لامها وهي (الهاء) فصارت امّا ؛ فالام وزنه «فعّ» ـ بضمّ الفاء وتشديد العين وحذف اللّام ـ ، والأمومة «فعوعة» مشبّهة «بفعولة» ، لشهرة تصاريفها حتّى صارت كالأصل ؛ لكنّه تعسّف ، مع ما في كتاب العين من الاضطراب المانع من الاعتماد على ما قيل.

__________________

(١) عطف على قوله : بدليل.

(٢) أي جواز اصالة الهاء بدليل بأن يكون الخ ...

٣٢٢

(أو) نقول : الام «فعل» ، والامّهة «فعّلة» و (هما أصلان) ؛ كل منهما موضع برأسه من غير ان يكون أحدهما مأخوذا من الآخر(كدمث) ـ بالدال المهملة والميم الساكنة والمثلثة ، للمكان اللين المشتمل على الرمل ـ ، (ودمثر) بتلك الحروف مع الراء بذلك المعنى كدرهم ؛ فانّهم حكموا بوضع كل منهما علي حدة لذلك المعنى ، وكلّاهما أصلان من غير ان يكون الثاني مشتقا من الأوّل بزيادة الراء ؛ لما تقدم من عدم كون الراء من حروف الزيادة ، (و) مثل : (ثرّة) ـ بفتح المثلثة وتشديد الراء المهملة ـ (وثرثار) ـ بمثلثتين ومهملتين معهما الألف ـ على زنة خلخال ؛ فانّهما أصلان عندهم ، خلافا للكوفيين كما مرّ في : زلزل ؛ ونحوه ، يقال : عين ثرّة ، وثرثارة ـ إذا كانت كثيرة الماء ـ ويقالان : للسحاب أيضا عند كثرة مائه ، ويقال : أيضا رجل ثرثار ـ أي مهدار (١) صيّاح ـ ، (و) مثل : (لؤلو ولآل) ـ بتشديد الهمزة الممدودة ـ على «فعّال» بفتح الفاء وتشديد العين ، لبائع اللؤلؤ ـ كتمّار لبائع التمر ، فانّهما أصلان ، وليس الثاني من الأوّل ؛ لأن «فعّالا» للنسبة لا يبني إلّا من الثلاثي المجرّد ؛ فهو من أصل ثلاثي مرفوض وهو اللّأل ـ بلامين بينهما همزة ـ والفاء في ذلك الأصل متحد مع اللّام كما في : سلس ، ومثله قليل جدّا ، فلا وجه لجعل اللؤلؤ مأخوذا منه بزيادة الأخيرة ، بل هو أصل آخر رباعي كثير النظير ؛ كجؤجؤ ـ للصدر ـ ، وبلبل ، وهدهد ـ لطائرين ـ ، وجدجد ـ بجيمين ومهملتين ، لطوير يشبه الجراد ـ وفدفد ـ بفائين ومهملتين ، للصيّت الجافي الكلام ـ ، إلى غير ذلك.

(و) المبرد وان أمكن له التفصي عن ذلك الالزام لكن (يلزمه نحو : أهراق) الماء(إهراقة) ـ بكسر الهمزة وسكون الهاء فيهما ، أي صبّه ـ ؛ فانّ الهاء مزيدة على ما ذكره سيبويه زاعما أنها عوض عن تحريك العين ؛ كما في : أسطاع ؛ لمجيء أراق يريق إراقة بدون الهاء بحروفه ومعناه ؛ بل هذا أكثر وأشهر ، فالاشتقاق يدل على زيادتها ولا داعي إلى العدول عنها ، وقد يجاب من جانب المبرد : بأنه قد ورد في أراق إراقة

__________________

(١) أي مكثارا ، ومهذار من الثرثرة وهي كثرة الكلام.

٣٢٣

هراق هراقة ـ بالهاء المبدلة عن همزة القطع ـ في أراق ، فلعل أهراق مع شذوذه مبني على توهّم كون الهاء المبدلة عن همزة القطع في ـ هراق ـ فاء ، فسكنت وادخلت عليها همزة الوصل فهي تلك المبدلة عن الهمزة الزائدة ، فلا دلالة فيه على أنها نفسها من حروف الزيادة ، وفيه لغة اخرى وهي : أهرق ، يهرق ، إهراقا ، كأكرم ، يكرم إكراما ، ويمكن جعلها مبنيّة على توهم اصالة الهاء وزيادة الألف من هراق ـ بالألف ـ.

(وأبو الحسن) الأخفش (يقول : هجرع) ـ بالهاء والجيم والمهملتين ـ على مثال درهم ، وجعفر ، (للطويل) مأخوذ بزيادة الهاء(من الجرع) بالتحريك (للمكان السّهل) اللين المنقاد ؛ فالطويل كأنه كان في طبعه سهل الانقياد لقبول الطول ، وهذه مناسبة بعيدة.

(وهبلع) ـ بالهاء والموحدة واللّام والمهملة ـ كدرهم ، (للأكول) مأخوذ بزيادة الهاء(من البلع) بمعنى الابتلاع ؛ للمناسبة ، فوزنهما عنده «هفعل» ، (وخولف) أبو الحسن في ذلك ؛ فان ابن جني والأكثر قالوا : انّهما رباعيان على «فعلل» والهاء فيهما أصليّة.

وقال أبو الحسن : في هلقامة ـ للكثير البلع ـ انّها مأخوذة بزيادة الهاء من اللقم ، وذهب غيره إلى اصالتها ؛ وزعم انّ البلع المأخوذ في معناها غير اللقم.

(وقال الخليل : الهركولة) ـ بكسر الهاء وسكون الراء المهملة وفتح الكاف وسكون الواو بعدها اللّام ـ (للضّخمة) السمينة الارداف من الجواري ـ بزيادة الهاء من الركل وهو الضرب برجل واحدة ، ووزنها«هفعولة» لأنها) لفخامتها لا تقدر ان تمشي خفيفا ؛ بل (تركل في مشيها ، وخولف) في ذلك ؛ لعدم وضوح الاشتقاق وبعد المناسبة ؛ والمخالف جعلها من الرباعي المزيد فيه على أنها «فعلولة» من الركلة ؛ وهي : المشي في اختيال وكبر ، ولا شك ان هذا أنسب ؛ ولم يحكم أحد بزيادتها في : سلهب ـ للطويل ـ مع مجيء سلب ككتف بمعناه ، لعدم ثبوت زيادتها

٣٢٤

وسطا على ما في شرح المفصل.

وقد علم إلى ههنا ما يغلب زيادته.

[تعدّد غلبة الزيادة] :

ثمّ انّه ان اتحد في الكلمة حكم بزيادته ان لم يكن معارض أقوى ؛ وهو ظاهر ، (فان تعدّد الغالب) فكان إثنين أو أكثر(مع ثلاثة اصول) في كلمة(حكم بالزيادة فيها) أي في الحروف الغالبة الزيادة الّتي هي أكثر من اثنين ، (أو فيهما) أي في الاثنين الغالبين ، (كحبنطى) ـ لصغير البطن ، أو القصير ـ فان فيه النون والألف وهما في الغوالب مع ثلاثة اصول ؛ فيحكم بزيادتهما على انّه «فعنلي» ، وكاهجيري ـ بكسر الهمزة وسكون الهاء ، للعادة ـ فان فيه ثلاث غوالب : الهمزة في الأوّل ؛ والياء قبل الرّاء ، والألف في الآخر ؛ فيحكم بزيادتها على أنها «إفعيلي».

(فان تعيّن أحدهما) ـ أي أحد الغالبين ـ للحكم عليه بالزيادة ؛ وذلك إذا كان مع أصليين فقط ؛ لامتناع الحكم بزيادة الجميع حينئذ ؛ لئلّا ينقص الأصلي عن الثلاثة ، (رجّح) ذلك الواحد الّذي يحكم عليه بالزيادة(بخروجها) أي خروج الكلمة على تقدير اصالته عن الاصول المعتبرة المشهورة ، وذلك (كميم مريم) من أسماء النّساء(ومدين) ـ لبلد ـ دون يائهما وان كانا من الغوالب ؛ لأنهما مع أصليين فقط فميتع الحكم بالزيادة إلّا على أحديهما ؛ ولو كانت هي الياء كانا «فعيل» بالياء بعد العين الساكنة وليس من الاصول المعتبرة ، بخلاف الميم لكثرة «مفعل» بزيادة الميم في الأوّل ، (و) مثل : (همزة ـ أيدع ـ) للزعفران ـ دون يائه وان كانتا من الغوالب لمجامعتهما أصليين فقط ؛ فالزائدة ليست إلّا أحديهما و «أفعل» بزيادة الهمزة في أوّله كثير كأحمر ، بخلاف (فيعل) بزيادة الياء بعد الفاء ؛ فانّه ليس من الاصول المعتبرة المشهورة وان وقع على قلّة كصيقل ، وبيدر ، وضيغم ، وفيه تأمّل (١) ، ولذلك

__________________

(١) أي في عدم فيعل من الاصول تأمل فيه لأن فيعل بفتح العين ليس بخارج عن الأوزان في الصحيح العين كصيرف وضيغم.

٣٢٥

منع من الصرف لو جعل علما لأنها كزيادة أوّل الفعل.

(و) مثل : (ياء ـ تيّحان ـ) بالفوقانية فالتحتانية المشدّدة المفتوحتين على ما حكاه سيبويه فالحاء المهملة ـ للذي يتعرّض فيما لا يعنيه ، والمقدام الّذي يوقع نفسه في البلايا ـ دون الفوقانية الواقعة في أوّله ؛ فان فيه أربعة غوالب : الفوقانية ، وإحدى التحتانيتين ، والألف ، والنون ، مع أصليتين غيرها ، وزيادة الألف والنون كأنها ظاهرة لظهور عدم اصالتهما في مثله ؛ وانّما النظير في بادي الرأي في الآخرين ؛ ويمتنع الحكم بزيادتهما معا لئلّا يبقى على أصليتين فقط ، و «تفعلان» بزيادة الفوقانية في أوّله ليس بموجود بالاستقراء ؛ فيحكم بالزيادة على التحتانية ليكون على «فيعلان» ـ بفتح الفاء وسكون التحتانية وفتح العين ـ لوجود نظيره كهيّبان ـ بتقديم التحتانية المشدّدة على الموحدة ـ للخفيف والجبان ـ ومعان أخر ، وقيقبان ـ بقافين بينهما تحتانية ساكنة وبعدها الموحدة ، لشجر يتخذ منه السروج ـ ، يقال له : بالفارسية ـ ازاد درخت ـ ، وشيصبان ـ بمعجمة ومهملة بينهما التحتانية وبعدهما الموحدة ، لذكر النمل ، أو حجره ، ويقال : للشيطان ولقبيلة من الجن ، قال حسّان :

ولى صاحب من بني الشّيصبان

فحينا أقول وحينا هوه

ولم نقل انّه «فعّلان» ـ بتشديد العين ـ لعدمه ، ومجيء متيح كمنبر ، وتيّاح ـ بتشديد الياء ـ بمعنى التيحان وحروفه يدل أيضا على كونه على «فيعلان».

(و) مثل : (تاء عزويت) ـ بالمهملة فالمعجمة ، لطائر ، ولبلد ـ دون واوه وان كان كلّاهما من الغوالب على ما زعمه المصنف وان خولف في التاء كما مرّ ؛ وكذلك يائه ، ففيه ثلاثة غوالب جامعت أصليين غيرها لكن الياء كأنها ظاهرة الزيادة في مثله ؛ ويمتنع زيادة الآخرين معا ، فحكم بزيادة التاء ليكون على «فعليت» كعفريت ؛ دون الواو ؛ لعدم «فعويل» ولم يحكم باصالتهما ليكون على «فعليل» كبرطيل ـ لحجر طوله زراع ـ ، وشنظير ـ بمعجمتين بينهما النون وفي آخره المهملة ، لسيّئ الخلق الفحاش ـ ، لأنّ الواو لا تكون أصليّة مع ثلاثة اصول غيرها إلّا في الأوّل.

٣٢٦

(و) مثل : (طاء ـ قطوطي ـ) بمهملتين بعد القاف ـ للمتبختر في مشيه ـ ، (ولام إدلولى) فلان إدليلاء ـ إذا أسرع ـ (دون ألفهما) ؛ فانّ التضعيف والألف في الآخر ، والواو ، من الغوالب ؛ والأصلي غيرها اثنان ؛ وزيادة الواو في مثلها ظاهرة ؛ ويمتنع زيادة الآخرين معا وحكم بزيادة التضعيف ؛ ليكون الأوّل على «فعوعل» كعثوثل ـ بمهملة ومثلثتين ، للرّجل المسترخي ، والثاني على «إفعوعل» كأعشوشب ، واعرورى ـ أي سار في الأرض وحده ـ دون الألف (لعدم «فعولى») ولمجيء : القطوان ـ بالتحريك ـ الدالّ على زيادة إحدى الطائين ، (و) لعدم «افعولى». (١)

(و) مثل : (واو ـ حولايا ـ) لموضع ـ دون يائها وان كانت كلتاهما من الغوالب كالألفين ، ففيه أربعة غوالب مع أصليتين غيرها ؛ وزيادة الألفين في مثله ظاهرة ؛ فلا يمكن زيادة الآخرين معا ، و «فوعالى» موجود كزوعالا ـ للنشاط ـ على ما قيل وان منعه بعضهم ، بخلاف «فعلايا» ؛ فالزائد هو الواو دون الياء (٢) مع ان زيادة الواو الساكنة أكثر وقوعا من زيادة الياء المتحركة.

(و) مثل : (أوّل يهيرّ) ـ بفتح التحتانيتين بينهما الهاء الساكنة ـ (و) أحد حرفي (التضعيف) أعني الراء المهملة المشدّدة فيه ، (دون) الياء(الثانية) واحد حرفي التضعيف ، فانّ اليائين والتضعيف فيه ثلاثة غوالب مع أصليتين غيرها فيمتنع زيادة الجميع ، فهو امّا : «يفعلّ» ـ بزيادة الياء قبل الفاء ـ ، أو «فعيلّ» ـ بزيادتها بعد العين ـ وكلّاهما بتشديد اللّام ، على ان يكون أحد اللّامين مزيدة للتضعيف ، أو «يفيعل» بتوسط الفاء بين اليائين الزائدتين المفتوحتين وسكون العين وتخفيف اللّام ـ على أن يكون الراآن المدغمتان أصليتين إحديهما عين والاخرى لام ؛ ولا نظير للأخيرين ، فحكم بالأوّل على زيادة الياء الاولى واحد حرفي التضعيف ، وقد يقال :

__________________

(١) والمتن في غير هذا الشرح هكذا : لوجود فعوعل ، وافعوعل وعدم إلخ.

(٢) وفي غير هذا الشرح (دون يائها) وهو من متن الشافية.

٣٢٧

الأوزان الثلاثة كلّها خارجة عن الاصول ؛ فلا ترجيح إلّا ان يصار إلى ما ذكره سيبويه من عدم المبالاة بالمشدّدة فكأنها واحدة مخففة ، وكأنه (١) يلمع ـ للسراب ـ ويرمع ـ لشيء يلعب به الصبي ـ ويلمق وهو معرب ـ للقباء ـ ، ونحو ذلك ممّا يلوح من كلامهم أنه من الاصول المعتبرة في الأسماء ، فتأمل.

ولعل أصله التخفيف كما حكاه بعضهم ثمّ ضعّف ، أو يكتفي في مقام الاضطراب بوجود النظير ولو في الفعل كيحمرّ ـ بتشديد الرّاء ـ فالأوّل له نظير في اللّغة ولو بأن يعتبر كونه منقولا من الفعل ؛ وان كان ذلك الفعل مهجورا ، بخلاف الأخيرين ؛ فانّهما لا نظير لهما في الكلمات.

واليهيّر : صمغ الطلح ، وقال الأحمر : هو الصّلب ، ومنه سمى صمغ الطلح ؛ ويقال : للباطل ، ومعان أخر أيضا ، وقد تزاد في آخره الألف فيقال : يهيرّى بمعنى الباطل ـ كيحمرّى بمعنى الأحمر ـ والماء الكثير وغيرهما.

(و) مثل : (همزة ـ أرونان) ـ بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الواو ونونين بينهما الألف ـ للصوت ، ويقال : أيضا يوم أرونان ـ أي صعب ـ وليلة أرونانة ـ صعبة ـ ، (دون واوه) ؛ فان فيه أربعة غوالب : الهمزة ، والواو ، والألف ، والنون في الآخر ، وزيادة هاتين ظاهرة فلا يمكن زيادة الآخرين معا ، و «فعولان» بزيادة الواو معدوم النظير ، بخلاف «أفعلان» ـ بزيادة الهمزة ـ إذ له نظير فيحكم بزيادتها لوجود النظير ، (وان لم يأت) من ذلك (إلّا) لفظ واحد وهو (أنبجان) ـ بتقديم النون على الموحدة والجيم ـ على ما سمعه الجوهري عن أشياخه وقال : قد أثبت في بعض كتب اللّغة بالخاء المعجمة ، يقال : عجين أنبجان ـ إذا كان مدركا منتفخا ـ.

هذا الّذي ذكر إذا كانت الكلمة على الزنة الحاصلة على تقدير زيادة بعض

__________________

(١) أي كان نظيره يلمع وغيره.

٣٢٨

الغوالب خارجة عن الاصول ؛ دون الحاصلة على تقدير زيادة بعض آخر ، (فان خرجتا) معا عن الاصول (رجّح) الزائد المحكوم عليه بالزيادة ؛ أو المعنى وقع الترجيح (بأكثرهما) زيادة في الكلام ، وذلك (كالتضعيف في ـ تيّفان ـ) بالفوقانية المكسورة والتحتانية المشدّدة والفاء ـ ، وكذلك ـ تيّحان ـ عند من يرويه بكسر الأوّل ، فان في كل منهما أربعة غوالب مع أصليتين غيرها ، وزيادة الألف والنون ظاهرة ؛ ولو حكم بزيادة الفوقانية كان على «تفعلان» ؛ وان حكم بزيادة التضعيف كان على «فيعلان» ؛ وكلّاهما معدوم النظير ، لكن التضعيف أكثر زيادة فحكم بزيادته دون التاء ؛ واعتبرت الزنة الثانية يقال : جاء في تيّفان ذلك ـ أي في أوّله ـ.

(و) مثل : (الواو في ـ كوألل) بفتح الكاف والواو وسكون الهمزة ، للقصير ـ فان «فوعللا» بلامين مع زيادة الواو ، و «فعألل» بلامين مع الهمزة الساكنة الزائدة قبلهما ـ كلّاهما خارج عن الاصول ، لكن زيادة الواو أكثر فحكم بزيادتها للالحاق ـ بسفرجل ـ ، وقد يمنع كون الهمزة في موقعها فيه من الغوالب بل الغالب فيه الواو والتضعيف ويحكم بزيادة كليهما للالحاق.

(و) مثل : (نون ـ حنطأو ، وواوها) دون همزتها وان كانت كلّها معدودة من الغوالب ، أمّا الواو فظاهر ، وأمّا الأخريان فكأنهم نزلوهما منزلة الغوالب ؛ لقربهما من الغوالب في شيوع الزيادة في مثلها ؛ أو لغير ذلك وان كانت كل منهما تقع أصليّة أيضا في مثلها ، كالنون في : فندأو ـ بالفاء ـ يقال : قدوم فندأوة ـ أي حادّة ـ على ما قيل ، والهمزة في : كنتأو ، ثمّ انّه يمتنع زيادة الجميع ؛ إذ ليس معها سوى أصليتين ، فهي إمّا : «فنعلو» بزيادة النون والواو واصالة الهمزة ، أو «فعلأو» ، أو «فنعأل» ، فرجّح الأوّل بأكثريّة الزيادة ، وقد مرّ الكلام فيه.

(فان لم تخرج) الزنة عن الاصول (فيهما) أي في تقدير زيادة أحد الغالبين وتقدير زيادة الآخر(رجّح) الحرف الزائد(بالاظهار الشاذ) اللّازم من تقدير زيادة غيره ان لزم ذلك ، والترجيح به متفق عليه ان لم يكن فيما يلزم هو فيه شبهة

٣٢٩

الاشتقاق ، وهي : موافقة بناء لآخر في حروف الاصول من غير ان يعلم التناسب المعنوي بينهما ، واختلفوا فيما وجدت هي فيه ، فقيل : يرجّح بالاظهار الشاذ أيضا ؛ فيختار زيادة ما يسلم عنه ترجيحا للاحتراز عنه ؛ ورعاية للقياس ، (وقيل) : يرجح الزائد(بشبهة الاشتقاق) ، فيختار زيادة ما يشتمل عليها وان لزم الاظهار الشاذ ، لئلّا يلزم كون الكلمة من أصل لم يوجد في استعمالهم.

(ومن ثمّ (١) اختلف في : يأجج) ـ بفتح التحتانية والجيم الاولى وسكون الهمزة بينهما ، لقبيلة ، ولبقعة بمكّة المشرفة ـ غير منصرفة للعلمية والتأنيث أيضا باعتبار القبيلة والبقعة ، (ومأجج) ـ بالميم موقع الياء ، لبقعة من الأرض ـ غير منصرف بالعلمية والتأنيث المعنوي ، وفي كل منهما غالبان : التضعيف فيهما ، والياء في أحدهما ؛ والميم في الآخر مع أصليين غيرهما ، والزنة على تقدير زيادة التضعيف واصالة الغالب الآخر هي «فعلل» ، وعلى العكس «يفعل ، ومفعل» وليس شيء منها خارجا عن الاصول ، فاختار بعضهم الثاني لشبهة الاشتقاق ؛ لوجود ـ أجّ (٢) ـ بالهمزة وتشديد الجيم ـ مع عدم العلم بالتناسب في المعنى وان لزم الاظهار الشاذ ؛ لأنّ القياس في المثلين الأصليين هو الادغام ، واختار بعضهم الأوّل على ان يكون زيادة التضعيف للالحاق بجعفر ؛ ليكون الاظهار قياسا كما مرّ في الالحاق وان لم يكن شبهة الاشتقاق من أصل موجود ؛ لعدم ـ ياج ـ بالياء ـ وماج ـ بالميم ـ مع تخفيف الجيم فيهما كذا قيل ، وفي عدم الثاني نظر يظهر من كتب اللّغة ، ولم يحكم على ـ مأجج ـ بالميم بأنه «فأعل» بزيادة الهمزة كشأمل وان وجد المجّ ـ بتشديد الجيم ـ في اللّغة ، لندوره ولحوقه بمعدوم النظير.

(ونحو : محبب) ـ بالميم وسكون المهملة وموحدتين ـ اسم رجل ، (يقوّي) القول (الضعيف) من القولين المذكورين ، وهو الترجيح بشبهة الاشتقاق من : الحب ،

__________________

(١) ومن هنا وهو اختلافهم في المرجح أي ومن أجل ذلك.

(٢) والاولى (أجج) بفك الادغام وإلّا لم يلزم الاظهار الشاذ.

٣٣٠

لاتفاقهم على انّه «مفعل» بزيادة الميم واصالة البواقي ، ولو رجح بالاظهار الشاذ لقيل : انّه «فعلل» بزيادة التضعيف للالحاق.

(واجيب) عن هذه التقوية(بوضوح اشتقاقه) فيه من الحب ، ففيه ترجيح للاشتقاق المحقق لا لشبهة مع انّه من الاعلام ويغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها ، ويحتمل الاشتقاق المحقق في : مأجج أيضا على ما يقال ؛ فان الأجّة ـ شدّة الحرّ ـ والأجّ : عدو الظليم ونحوه عدوا خفيفا ، فلعلّه اسم مكان اشتقّ من أحدهما لمناسبة وقوعه في البقعة المسمّاة به بوجه ما ، (فاثبتت) شبهة الاشتقاق (فيهما) أي في تقديري زيادة كلّ من الغالبين (فبالاظهار) الشاذ يرجح الزائد(اتفاقا) ، لعدم الترجيح لشبهة الاشتقاق لاشتراكهما فيها ، فيبقى الترجيح بالاظهار الشاذ واختيار ما يخلو عنه وذلك : (كدال ـ مهدد) ـ بالميم والمهملتين ـ من أسماء النّساء ، فانّ الميم والتضعيف من الغوالب ، ويوجد شبهة الاشتقاق على تقدير زيادة كل منهما ؛ لوجود ـ المهد ـ بالميم ، والهدّ ـ بدونها مع تشديد الدال لكن زيادة الميم واصالة الدالين على انّه «مفعل» يشتمل على الاظهار الشاذ ؛ فيختار اصالتها وزيادة إحدى الدالين للالحاق على انّه «فعلل» كما قال سيبويه فيه وفي مأجج ، ليكون الاظهار قياسا.

(فان لم يكن) في شيء من التقديرين (اظهار) شاذ(فبشبهة الاشتقاق) ان كانت في أحدهما دون الآخر يرجح الزائد ، ويختار زيادة ما يشتمل عليها ، (كميم ـ موظب ـ) بسكون الواو وفتح المعجمة بعدها الموحدة ، لبقعة من الأرض قرب مكّة ، شرفها الله تعالى ـ غير منصرف بالعلمية والتأنيث المعنوي.

(و) ميم (معلى) ـ بفتح الميم وسكون المهملة ، اسم رجل ـ فانّ الميم والواو والألف من الغوالب ؛ فان حكمت باصالة الميم منهما كانا على «فوعل» و «فعلى» ، وان حكمت باصالة الواو في الأوّل ؛ والألف في الثاني وزيادة الميم فيهما كانا على «مفعل» ، وهذه الأبنية كلّها من الاصول ؛ لكن يوجد على تقدير زيادة الميم شبهة الاشتقاق : الأوّل : من وظب على الشيء وظوبا ـ إذا دام وان كان شاذا من جهة

٣٣١

فتح العين ؛ لكونه من المثال وحقّه الكسر كموعد ، والثاني : من العلو على انقلاب الألف من الواو الأصليّة ، بخلاف التقدير الآخر ؛ لعدم المظب ، والمعل ـ بالميم ـ فيهما ، وأمّا قولهم : معلت الشيء ـ إذا أخذ بسرعة ـ فنادر كالمعدوم على ما قيل ، فتأمّل.

(و) ان اشتمل تقدير زيادة أحد الحرفين على الوزن الأغلب ؛ وتقدير زيادة الآخر على شبهة الاشتقاق فتعارضا ففي هذه الصورة(في تقديم أغلبهما) ـ أي أغلب الوزنين لغلبته (عليها) أي على شبهة الاشتقاق كما ذهب إليه الأخفش (نظر) ؛ لجواز أن يؤدّي تقديمه إلى تركيب مهمل ، وتقديم شبهة الاشتقاق إلى تركيب مستعمل ؛ ولا شك أن اعتبار المستعمل أولى ، كذا قال المصنف.

(ولذلك) الّذي ذكر من اعتبار أغلب الوزنين (قيل) : والقائل هو الأخفش (رمّان) ـ بضمّ المهملة وتشديد الميم ، لثمر معروف ـ «فعّال» بزيادة الألف والتضعيف ، لا «فعلان» (لغلبتها) أي غلبة هذه الزنة ، وكونها أكثر من «فعلان» ، (في نحوه) ممّا ينبت من الأرض وان لم يكن أكثر منه في غيره ، وذلك : كالقراص ـ بالقاف والمهملتين ، للبابونج ـ ، والحمّاض ـ بالمهملة والميم والمعجمة ، لنبت له نور أحمر ـ ، والكرّاث ـ لبقلة معروفة ـ ، والعلّام ـ بالمهملة ، للحناء ـ ، وجعله الخليل : على «فعلان» بزيادة الألف والنون ، ومنعه من الصرف إذا سمّى به ، ليرجع إلى تركيب مستعمل ؛ لثبوت الرمّ ـ بتشديد الميم ـ بمعنى : الاصلاح والأكل ، ففيه شبهة الاشتقاق بل كاد أن يوجد فيه الاشتقاق ، بخلاف الرمن ـ بالنون ـ الّذي يلزم على قول الأخفش ، فانّه تركيب مهمل غير مستعمل ؛ أو في حكمه ، فان رمن ـ بمعنى أقام ـ ان ثبت فكأنه قليل في حكم المعدوم ، فتأمل.

(فان ثبتت) شبهة الاشتقاق (فيهما) أي في الوزنين (رجّح بأغلب الوزنين) ، لاشتراكهما في شبهة الاشتقاق فيترجح الأغلب ان كان بغلبته.

(وقيل : بأقيسهما) ، وان كان الآخر أغلب منه ؛ لأن اعتبار القياس أولى ، (ومن

٣٣٢

ثمّ) : أي من أجل الاختلاف المذكور(اختلف في ـ مورق ـ) بالفتح اسم رجل ـ ، لثبوت ورق ، ومرق ، ففيه شبهة الاشتقاق سواء حكم بزيادة الميم أم بزيادة الواو ، وهو على الأوّل على «مفعل» ـ بفتح العين ـ ، وعلى الثاني على «فوعل» كجوهر ، والأوّل أغلب ، والثاني : أقيس ؛ لأن «فوعلا» بفتح العين قياس ، والمفعل ـ بفتحها ـ في المثال خلاف القياس ، (دون حومان) ـ بفتح المهملة وسكون الواو ، لموضع ـ فانّهم لم يختلفوا فيه ، لعدم مخالفة القياس فيه سواء جعل «فوعلا» بزيادة الواو والألف ، كتوراب ـ للتراب ـ ، أو «فعلانا» بزيادة الألف والنون ؛ كسمنان ، وفيه شبهة الاشتقاق على التقديرين ، لثبوت الحوم ـ بمعنى الدور ـ ، والحمن ، ومنه : حمنة ـ لامرأة ـ ، والحمانة ـ للصغار من القراد ، لكن «فعلان» أغلب فهو أولى.

هذا الّذي ذكر إذا غلب الوزنان على تقدير ثبوت شبهة الاشتقاق فيهما.

(فان ندرا) على ذلك التقدير(إحتملهما) أي احتمل اللفظ الّذي يراد معرفة الزائد فيه الوزنين ، لاشتراكهما في شبهة الاشتقاق والندرة ؛ فلا ترجيح ، وذلك (كارجوان) ـ بضمّ الهمزة والجيم وسكون الراء المهملة بينهما ، لصبغ شديد الحمرة ، أو معرّب : أرغوان بالفارسية ، فانّ الألف والنون فيه مزيدتان ، وهو امّا : «افعلان» بزيادة الهمزة أيضا واصالة الواو ، كاسحمان ـ لجبل ـ ، والعبان ـ في اللعاب ـ ، وافعوان ، واقحوان ـ للبابونج ـ ، أو «فعلوان» باصالة الهمزة وزيادة الواو كعنفوان ، وكلّا الوزنين قليلان وان كانا موجودين ؛ وفيه شبهة الاشتقاق على التقديرين ؛ لثبوت رجوت رجاء ، وأرج الطيب يأرج كفرح يفرح ، ـ إذا فاح ـ.

(فان فقدت شبهة الاشتقاق فيهما ؛ فبالأغلب) من الوزنين يرجح الزيادة(كهمزة أفعي) دون ألفها وان كانت كل منهما من الغوالب ، لأن «أفعل» بزيادة الهمزة أغلب من «فعلى» بزيادة الألف ، ولا شبهة اشتقاق في شيء من الوجهين ، لعدم ـ الفعى ، والأفع ـ ، وقد يقال : ان في الوجه الأوّل يوجد الاشتقاق المحقق من : فعوة السم فلا وجه لا يراد ذلك ههنا!!

٣٣٣

(و) مثل : همزة(أوتكان) ـ بالفوقانية بعد الواو ، لموضع ، أو للقصير ـ والأوتك من مادته لضرب من التمر ، دون واوهما وان كانتا من الغوالب ، فانّ الألف والنون في الأوّل مزيدتان بلا مرية ، فهو إمّا : «أفعلان» كأنبجان ، وأرونان بزيادة الهمزة ، أو «فوعلان» كحوقران ـ لرجل ـ ، وحوتنان ـ بالفوقانية ، لبلد ـ بزيادة الواو ، والثاني امّا : «أفعل» أو «فوعل» وشبهة الاشتقاق مفقودة في الوجهين ، لعدم ـ الأتك ، والوتك ـ لكن «أفعلان» و «أفعل» أغلب فحملا عليهما ، وقد يمنع ذلك في الأوّل ، بل «فوعلان» أغلب ؛ ولو تنزل عنه فغايته التساوي.

(و) مثل : (ميم ـ إمّعة ـ) بكسر الهمزة وفتح الميم المشدّدة بعدها العين المهملة ، لمن يتبع كل أحد لضعف رأيه ـ فانّ الهمزة والميم فيه من الغوالب ، فهو امّا «فعّلة» على اصالة الهمزة وزيادة إحدى الميمين ، أو «إفعلة» بكسر الهمزة وسكون الفاء وفتح العين ـ بزيادة الهمزة واصالة الميمين ، وشبهة الاشتقاق مفقودة على التقديرين ، لعدم ـ أمع ، وممع ـ بميمين ، و «إفعلة» كانفحة ـ بالنون والفاء والمهملة المخففة على لغة فيها ـ للكرش ـ كما قال الجوهري نادر ، و «فعّلة» أكثر منه كدنّبة ـ بالدال المهملة والنون المشدّدة والموحّدة ، للقصير ـ وإمّرة ـ بالراء المهملة ، لمن يأتمر أي يشاور كل أحد فحمل عليه.

وقد يقال : ان ـ امّعة ـ مركبة من حروف كلمتين ، محذوفا بعضها ، وغيرت الهمزة عن الفتحة إلى الكسرة ، وأصله : «أنا معك» أو «أنا معه» كأنه لضعف عقله يقول ذلك لكل أحد ، أو هو من حروف «إنّي معك» فكسرت الهمزة على الأصل ، وكذا يقال : في إمّرة انّها من حروف «أنا مأمورك» كأنه يقول ذلك لكل أحد.

هذا إذا لم يكن الوزنان نادرين مع فقد شبهة الاشتقاق.

(فان ندرا) مع فقدها(إحتملهما) أي اللفظ الوزنين وذلك (كاسطوانة) ـ بضمّ الهمزة والطاء ـ وهي انّما تكون مثالا لذلك (ان ثبتت «افعوالة») كما قيل في أقحوانة ، إذ هي عند ثبوتها يحتمل هذه الزنة على ان تكون الهمزة زائدة والنون أصليّة ،

٣٣٤

ويحتمل «فعلوانة» أيضا على عكس ذلك ، فيحتمل وزنين هما نادران مع فقد الاشتقاق عليهما ؛ لعدم ـ السطن ، والأسط ـ ، (وإلّا) أي وان لم يثبت «أفعوالة» لم تكن اسطوانة ممّا نحن فيه ، إذ حينئذ لا يحتمل إلّا وزنا واحدا نادرا ؛ إذ لو لم تثبت تلك لم يبق احتمال في بادئ النظر سوى «فعلوانة» و «أفعلانة» ، وإذا حقق الأمر«ففعلوانة» هي وزنها كما ذهب إليه الأخفش ، (لا «افعلانة») كما توهمه قوم (لمجيء أساطين) في جمعها ، فيمتنع فيها «أفعلانة» ؛ إذ لو كان وزنها «أفعلانة» كان الطاء عينها والواو لامها والنون مزيدة ، والياء في الجمع هي المنقلبة عن ألفها الزائدة ، فالواو محذوفة ، فيكون هذا الجمع على «أفاعين» بالنون وليس بموجود ؛ على أنها لو كانت منقلبة عن واوها والألف محذوفة كان على «أفاعلن» ـ باللّام الساكنة قبل النون ـ وليس بموجود أيضا ، فتعين ان يكون على «فعلوانة» ، وهذا الجمع على «فعالين» كسلاطين ونحوه ، ولو كان «أفعلانة» لقيل في الجمع أساط ، وأساطيّ ، كأقاح وأقاحيّ في : أقحوانة ، ولو فرض ثبوت «أفعوالة» واعتبرت فالجمع أساطين على «أفاعيل» كأناعيم.

***

٣٣٥

الإمالة

[١ ـ تعريف الإمالة] :

(الإمالة) في الأصل : مصدر أمال ، يميل ، من الميل ، وفي الصناعة : (ان ينحى بالفتحة نحو الكسرة) أي يقصد جانب الكسرة بالفتحة ، فقوله : ينحي بالبناء للمفعول من : نحاه بمعنى قصده ، مسندا إلى «نحو الكسرة» على ما قال نجم الأئمّة رضي ـ على النيابة من فاعله ، والمراد : أن يعدل بالفتحة عن استوائها وتشرب شيئا من صوت الكسرة فتصير بين نفسها وبين الكسرة ، فان كانت هناك ألف صارت بينها وبين الياء لا محالة ، وهذا الحد يشمل جميع أنواعها ، وهي الواقعة في الفتحة قبل الألف ، وهذا الحد يشمل جميع أنواعها ، وهي الواقعة في الفتحة قبل الألف ، وقبل الهاء في نحو : رحمة ؛ وقبل الراء على ما سيفصل إنشاء الله تعالى.

ومن عرّفها بأن : ينحي بالألف نحو الياء فكأنه أراد تعريف غالب أنواعها وإلّا لم يكن جامعا ، وأهل الحجاز لا يميلون إلّا قليلا ، وقد وقعت في القراآت السبع على تفاصيل يظهر من كتب القراءة ، وهي شائعة في لغة تميم ، وقيس ، وأسد ، وعامّة نجد ، واحرص الناس عليها تميم.

وانّما تسمّى إمالة عند المبالغة فيها ، وما لم يبالغ فيه يسمى ترقيقا ، والترقيق انّما يكون قبل الألف.

[٢ ـ أسباب الإمالة] :

(و) الأمالة(سببها) المجوز لها لا الموجب (قصد المناسبة ، لكسرة ، أو ياء) لتناسب الأصوات وتصير من نمط واحد ، (أو لكون الألف منقلبة عن) حرف (مكسور ، أو) عن (ياء ، أو) لكون الألف (صائرة) في بعض الأحوال (ياء مفتوحة) ،

٣٣٦

فيقصد التنبيه بالامالة إلى ما تصير الألف إليها في تلك الحال ، (أو للفواصل ، أو لامالة قبلها) فيقصد المناسبة لها ؛ والأخير انّما يكون سببا لها(على وجه) من غير أن يكون متفقا عليه ، فهذه أسباب الامالة.

١ ـ وأوّلها قصد المناسبة للكسرة سواء كانت قبل الألف أم بعدها ، (فالكسرة قبل الألف) لا تكون إلّا مع الفصل ، للزوم إنفتاح ما قبلها ، ويجوز الامالة قبلها مع لزوم تلك الكسرة وعروضها ، لكنها انّما تكون سببا لها فيما كان الفاصل حرفا واحدا ، (نحو : عماد) ؛ أو حرفين أوّلهما ساكن ، فانّه لسكونه حاجز ضعيف فلا يعتد به (و) ذلك نحو : (شملال) ـ بكسر المعجمة وسكون الميم ، للناقة الخفيفة ـ وان كان الفاصل حرفين متحركين ؛ أو أزيد من اثنين فلا إمالة ؛ لبعد الكسرة عن الألف إلّا إذا كان أحد ما فصل به هاء فان كثيرا من العرب يميلونها ، (و) ذلك (نحو : درهمان) ممّا فيه الفاصل فوق الاثنين ، وقولك : ـ أراد ان ينزعها ـ ممّا فيه الفاصل متحركان ، ومثل هذا إنّما(سوّغه) للامالة(خفاء الهاء) فلا يعتد به (مع شذوذه) ، لأنّ الامالة في مثله لم تقع إلّا في كلام قليل من العرب.

ويشترط عندهم في امالة مثله ان لا يكون ما قبل الفتحة الواقعة قبل الألف مضموما ؛ نحو : يضربها ، لقوّة الضمّة فيقوي الحاجز ، وكأنه انّما مثل بدرهمان إذا أوقف عليه بسكون النون ؛ إذ لو كانت النون مكسورة جاز أن تكون الامالة لكسرتها فلا تكون شاذّة ، ولا ممّا نحن فيه إلّا ان يقال : الاعتداد (١) بكسرة النون لسقوطها عند الاضافة ، كما قيل.

(و) الكسرة(بعدها) أي بعد الألف يطرد امالتها مع لزومها واتصالها بالألف ، كما(في نحو : عالم ، ونحو : من كلام) بالامالة(قليل ، لعروضها) ، بسبب حرف الجر ، لكن قلّتها انّما هي فيما إذا كانت الكسرة العارضة على غير الراء ، (بخلاف) ما إذا

__________________

(١) وفي نسخة : للاعتداد.

٣٣٧

وقعت الكسرة العارضة فيها ، (نحو : من دار) ، فانّ الامالة في مثله كثيرة(للراء) المتكررة في مخرجها ؛ ويتكرّر بتكرّرها الكسرة ، وينجبر عروضها بالتكرّر.

(وليس مقدرها الأصليّة) أي الكسرة المقدرة الأصليّة الّتي حذف حذفا لازما(كملفوظها) في جواز الامالة بسببها(على الأفصح) ، خلافا لقوم ، وذلك : (كجادّ ، وجوادّ) ـ بتشديد الدال فيهما ـ فان أصلهما : جادد ، وجوادد ـ بدالين ـ الاولى منهما مكسورة فيهما واقعة بعد الألف ، فحذفت الكسرة للادغام ، فهذه الكسرة المقدرة وان كانت أصليّة لكن لما سقطت عن اللفظ سقوطا لازما لم يعتد بها في الأفصح.

(بخلاف سكون الوقف) الّذي به تسقط الكسرة الأصليّة ، كما إذا وقف على : داع ، وماش ونحوهما ، فانّها تؤثر في جواز الامالة على الأكثر ؛ لعروض سقوطها ، وليعلم انّ الكسرة إذا كانت قبل الألف أو بعدها مع الانفصال بأن يكون في كلمة اخرى فقد تمال معها أيضا ، نحو : لزيد مال ، ولعبد الله ، وغلاما بشر ، وثلثا درهم ، لكن الامالة مع الاتصال بأن يكونا في كلمة واحدة أكثر على ما يقال.

(ولا تؤثر الكسرة في) جواز امالة الألف (المنقلبة عن واو) ، خلافا للأكثر ، بل قيل : انّه ممّا تفرد به المصنف والزمخشري وعلى قولهما : يمتنع ان يمال (نحو : من بابه ، وماله) ممّا ألفه منقلبة عن الواو بدليل : أبواب ، وأموال ، في الجمع.

(و) أمّا(الكبا) ـ بكسر الكاف بعدها الموحدة ، للكناسة ـ فمجيء الامالة فيه على ما سمع منهم مع انقلاب ألفه عن الواو ، بدليل : كبوت البيت متعين عند غيرهما ، (شاذ) عندهما ، (كما شذ) عند الجميع وقوع الامالة في قولهم : (العشا) ـ بالفتح والقصر ـ مصدر الأعشى ، للذي لا يبصر باللّيل ، (والمكا) ـ بفتح الميم والقصر ، لجحر الثعلب والأرنب ونحوهما ـ والفهما منقلبة عن الواو بدليل قولهم : إمرأة عشواء ، ومجيء المكو على زنة الدّلو.

(وباب ، ومال ، والحجّاج) علما لا صفة ، من : الحجّ إذ لم يسمع الامالة فيه في

٣٣٨

حال الوصفية ، (والناس بغير سبب) من أسباب الامالة فيها ، وذلك في : باب وما بعده حالكونها مرفوعات ، أو منصوبات ، لعدم الشذوذ في امالتها مجرورات عند الجمهور وان كانت ضعيفة ، لعروض الكسرة ، خلافا للمصنف والزمخشري في : باب ومال ، لانقلاب الألف فيهما عن الواو.

(وأمّا : الرّبا ، ومن دار فلأجل الراء) المكسورة القويّة في اقتضاء الامالة وقعت الامالة فيهما وان كانت ألفهما منقلبة عن الواو ، بدليل قولهم : الرّبوان في التثنية ، ودور في الجمع.

٢ ـ (والياء) وهي السبب الثاني (انّما تؤثر) في إمالة الألف إذا وقعت (قبلها) على ما صرح به ابن الدّهان وجماعة وان سكت عنه بعضهم ، ويشترط مع ذلك اتصالها بها كما(في نحو : سيال) ـ بفتح المهملة ـ لشجر له شوك ، أو وحدة الفاصل بينهما ، والامالة حينئذ مع سكون الياء كثير(و) ذلك نحو : (شيبان) ـ لحي من بكر ـ وربّما جائت مع تحركها كالحيوان ، والحيدان ، بفتح الياء فيهما ، وتمتنع الامالة مع الفصل بأكثر من واحد كقيقبان ، إلّا إذا كان الثاني من الفصلين ـ هاء ـ نحو : يدها على ما في التسهيل لابن مالك فيجوز الامالة حينئذ ، إلّا ان يكون الفاصل الأوّل الواقع بين الياء والهاء مضموما نحو : هذه يدها فيمتنع عند ذلك على ما قيل.

٣ ـ (و) الألف (المنقلبة عن) حرف (مكسور) هو الواو ، وانقلابها عنه هو السبب الثالث ، وذلك إذا كانت عينا في فعل يرجع عند اسناده إلى التاء المتحركة في الزنة إلى قولك : «فلت» بكسر الفاء ، (نحو : خاف) ، فان أصله : خوف ـ بكسر الواو ـ ، وانّما اجيزت امالتها لأن كسرة الواو تنقل إلى ما قبلها في نحو : خفت فما قبلها كأنه في معرض الكسرة ، ونحو : مات ، ونام يمال في لغة من يقول فيه تاء الضمير نمت ، ومتّ ، بكسر الأوّل ، بخلاف من يقول : نمت ، ومتّ بضمّ الأوّل.

٤ ـ (و) الألف المنقلبة(عن ياء) مفتوحة كانت أو مكسورة ، وانقلابها عنها وهو السبب الرابع تمال في الاسم والفعل ، عينا كانت أو لاما ، (نحو : ناب) واحد

٣٣٩

الأنياب ، (والرّحي) واحد الرّحيان ، (وسال) يسيل ، وهاب يهاب ، (ورمى) ، وحكى سيبويه عن بعض العرب : كراهة امالة نحو : رمى لما فيها من المصير إلى الياء المهروب عنها بالاعلال والقلب ألفا ، قيل : وينبغي على هذا كراهتها في نحو : ناب ، وباع لجريان العلّة ، وقال بعضهم : ان امالة المنقلبة عن الياء الّتي هي عين الاسم لم يقع إلّا في لغة بعض العرب الّذين امالوها في حال الجر خاصّة ، وحكى ذلك عن الشاطبي النحوي.

٥ ـ (و) الألف (الصائرة) في بعض الأحوال (ياء مفتوحة) وصيرورتها إيّاها ـ وهي السبب الخامس ـ انّما تؤثر لو لم تختص بلغة شاذّة ، كصيرورة ألف نحو : عصا ياء مفتوحة في الاضافة إلى ياء المتكلم ؛ نحو : عصيّ فانّها لا تؤثر لشذوذها واختصاصها بلغة هذيل.

ثمّ انّها مع السلامة عن شذوذ تلك الصيرورة تمال في الاسم والفعل ، (نحو : دعا) ، وزكّى ـ بالتشديد ـ واصطفى ، فانّها تقلب فيه ياء مفتوحة في البناء للمفعول وان كان أصلها الواو للكسرة قبلها فيه ، (و) نحو : (حبلى) ، ودعوى ، وبشرى ، وذكرى ، فان ألفه تقلب ياء مفتوحة في المثنى ، كحبليان ، وكذا نحو : نصارى ويتامى من الجموع ، إذ يقال فيهما : في المثنى نصاريان ، ويتاميان مثلا ، فانّ الجمع قد يثنى بتأويل الجماعتين كما قال أبو النجم يصف أبلا :

تبقّلت من أوّل التبقّل

بين رماحي مالك ونهشل (١)

وتثنّى أيضا إذا سمّى بها ، وكذا الأسماء الّتي تقلب ألفها المنقلبة عن الواو ياء في المثنى ، وذلك إذا كانت رابعة فما فوقها كالأعلى ، والمصطفى ، بخلاف الثالثة ؛ فانّها تردّ

__________________

(١) البيت لأبي النجم العجلي ، الضمير في تبقّلت راجع إلى الإبل في البيت السابق ، والتبقّل : رعي البقل ، يعني انّها رعت البقل من أوّل زمان الرعي ـ أي أوّل الربيع ـ بين رماحي هاتين القبيلتين أي في موضع محاربتهما ولم يتمكّن أحد من منع ابله عن الرعي لفرط شجاعته.

٣٤٠