شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

ومقاطع الكلام ، (والقوا في) الّتي هي أواخر الأشعار ، (فصيح) في الوصل والوقف ، ويكتفي بحركة ما قبلهما وصلا ، ويحذف تلك الحركة وقفا.

وقال سيبويه : يجوز (١) في الفواصل والقوافي حذف جميع ما يمتنع فيه الحذف في الكلام ، وما يختار فيه تركه فيه ، وذلك لمراعاة الازدواج والتجانس ، نحو قوله تعالى : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ، وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ)(٢) ـ بكسر الرّاء ـ وصلا ، وسكونها ـ وقفا ـ ، وأصله : يسري ، لأن إذا ليست جازمة.

وحذف اللّام من المعتل المرفوع في غير الفواصل والقوافي لم يرد في كلامهم وقفا ولا وصلا إلّا على قلّة ، كقولهم : لا أدر ما فعل فلان ، وقرأ : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ)(٣) و(ما كُنَّا نَبْغِ)(٤) بحذف الياء ، ومن حذف اللّام من المعتل الغير المرفوع في الوصل قوله تعالى : (يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ)(٥)(وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ)(٦).

(وحذفهما فيهما) أي حذف الواو والياء في الفواصل والقوافي عند كونهما للجمع والمخاطبة كما(في نحو : لم يغزوا) للجمع ، (ولم ترمي) للمخاطبة ، (وصنعوا قليل) ، لاخلاله بالفهم وكونه في معرض اللبس.

ومن حذف القليل ما أنشد سيبويه وهو قوله :

لا يبعد الله أقواما تركتهم

لم أدر بعد غداة البين ما صنع (٧)

__________________

(١) أي في الوصل والوقف.

(٢) الآية : ٣ ـ ٤ الفجر.

(٣) الآية : ١٠٥ هود.

(٤) الآية : ٦٤ الكهف.

(٥) الآية : ٣٤ المؤمنون.

(٦) الآية : ١٣ سبأ.

(٧) هذا البيت من قصيدة لتميم بن أبي بن مقبل ، والبين : الفراق ، والاستشهاد بالبيت في قوله «صنع» وأصلها صنعوا فحذف واو الضمير.

٢٦١

أي ما صنعوا ، وانشد بعضهم قول عنترة :

يا دار عبلة بالجواء تكلّم

وعمى صباحا دار عبلة وأسلم (١)

بحذف الياء.

وأمّا الألف كما في : عصا ، ورحى ، ومعلّى ، ومسمّى ، فلا يحذف في الفواصل والقوافي ولا في غيرهما ـ اتفاقا ـ إلّا للضرورة نحو :

رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ

كما مرّ.

(وحذف الواو) الّتي توصل بالضمير المفتوح ما قبله حال الوصل ثابت ـ وجوبا ـ إلّا للضرورة مع اسكان ما قبلها عند الوقف ، (في) نحو : (ضربه ، وضربهم ، فيمن ألحق) الواو في هذا الأخير ـ أيضا ـ وقال : ضربهموا ، كما هو قراءة ابن كثير في كل القرآن ، إذا وقع ميم الجمع قبل حرف متحرك ، نحو : منهمو ، اميون ، عليهمو أأنذرتهم.

(و) كذا(حذف الياء) الموصولة بالضمير المكسور ما قبله ، نحو : به ، وأهل الحجاز قد يوصلون مثل هذا بالواو ، نحو : بهو ، وكذا حذف الياء الموصولة باسم الاشارة ، (في نحو : ته ، وذه ، وهذه) ، للاشارة إلى المؤنث ، فتحذف الواو والياء من نحو ذلك مع اسكان ما قبلها بعد حذفها ، فيقال : ضربه ، وبه ، وذه ، مثلا ـ بسكون الهاء ـ لأن هذه الصلة ضعيفة تجري مجرى اشباع الحركة ، سواء جعلت من نفس الاسم ـ كما زعم بعضهم فيما يوصل بالضمير ـ أو زائدة ، كما هو الظاهر من

__________________

(١) هذا مطلع قصيدة طويلة لعنتره بن شداد العبسي ، وعبلة : اسم امرأة وهي محبوبته ، والجواء : بكسر الجيم ممدودا اسم موضع ، وعمى صباحا : أي ليكن صباحك ذا نعمومة ولين ، والاستشهاد بالبيت في قوله «تكلم» و «اسلم» حيث حذف ياء الضمير منهما ، وأصلهما : تكلمي وأسلمي فحذف الياء كما حذف الشاعر الّذي قبله الواو في قوله «صنع».

٢٦٢

كلام سيبويه ، ولذلك قد تحذف وصلا ، فالمناسب حذفها واسكان ما قبلها في الوقف.

ومن اثبات ما يوصل بالضمير وصلا في الوقف للضرورة قول رؤبة :

ومهمه مغبرّة أرجاؤه

كأنّ لون أرضه سماؤه (١)

واعلم ان اتصال الواو والياء بالضمير المتحرّك ما بعده شائع كثير في الوصل إلّا مع سبق الساكن ، نحو : عصاه ، وخذوه ، وعليه ، ومنه ، وفيه ، وأكرمه ، ـ بصيغة الأمر ـ فانّه في مثل ذلك قليل ، فيهي هدى (٢) ، عن ابن كثير وفيهي مهانا (٣) في سورة الفرقان ، عنه وعن حفص ، ولم يقع أصلا في الساكن ما بعده ، نحو : له الحكم ، ونصره الله.

٩ ـ (و) التاسع من وجوه الوقف وهو (ابدال الهمزة حرفا) ساكنا من حروف العلّة(من جنس حركتها) ثابت (عند قوم) من العرب ، ليظهر الموقوف عليه مع الخفة ، فانّ الهمزة مخرجها أقصى الحلق فلا يكمل ظهورها عند سكونها إلّا إذا نطق بها على وجه القوّة والاعتماد وحينئذ يكون مستثقلة وهي بدون ذلك في معرض الخفاء ، بخلاف تلك الحروف.

وهذا الابدال انّما يكون فيما انفتح فيه ما قبل الهمزة أو سكن ، وهو فيما سكن ما قبله أكثر ، وتقلب واوا كيف ما كانت حركة نفسها عند انضمام ما قبلها ، نحو : الأكمؤ جمع كمأ ، وـ ياء ـ عند انكسار ما قبلها في جميع الأحوال ، نحو : الظّمئ كالكتف ـ للعطشان ـ على ما ذكره بعضهم ، ثمّ إذا انفتح ما قبلها أبقى على حاله مفتوحا ، وان سكن نقلت حركة الهمزة إليه ، لأن حروف العلّة لينة فربّما أدى

__________________

(١) البيت كما قال الشارح للرؤبة. ومهمه : أي مفازة ، ومغبّرة : أي متلونة بالغبرة ، ارجاؤه : أطرافه ونواحيه ، جمع الرجا مقصورا. كان لون أرضه سماؤه : على حذف المضاف ، ومن باب القلب أي كان لون سمائه لون أرضه.

(٢) الآية : ٤٦ المائدة.

(٣) الآية : ٦٩ الفرقان.

٢٦٣

سكونها ـ وقفا ـ مع سكون ما قبلها إلى خفائها مع ابتناء هذا الابدال على قصد الظهور ، وتبقى حركة الحرف الواقع قبل ما وقع قبلها على حالها أيّة حركة كانت ، (مثل) : قولك في الرفع (هذا الكلو) في : الكلاء محرّكة بالتحريك المفتوح ـ للعشب والنبات ـ (و) هذا(الخبو) في : الخبأ ـ بفتح المعجمة وسكون الموحدة لما خبئ أي ـ اخفي ـ ، (و) هذا(البطو) في : البطؤ ـ بضمّ الموحدة وسكون الطاء بعدها الهمزة ، ضدّ السرعة ـ ، (و) هذا(الرّدو) في : الردء ـ بكسر المهملة الاولى وسكون الثانية ، للعون والناصر ـ ، ففي الجميع ابدلت الهمزة واوا ساكنة من جنس حركتها في الرفع مع ابقاء فتحة ما قبلها في الأوّل ونقل ضمّتها إليه في البواقي.

(ورأيت الكلا ، والخبا ، والبطا ، والرّدا) في النصب ، (ومررت بالكلي ، والخبي ، والبطي ، والرّدي) في الجر ، بابدالها ـ ألفا ـ نصبا ، وـ ياء ـ ساكنة جرّا مع ابقاء فتحة ما قبلها في الأوّل على التقديرين ، ونقل فتحتها في النصب ، وكسرتها في الجر إليه في البواقي ، وحركة الحرف المتقدّم على ما قبلها أبقيت على حالها في الرفع والنصب والجرّ.

(ومنهم) من يحترز في نحو : الرّدء ـ من الثلاثي المكسور الفاء ـ عن نقل حركة الهمزة والقلب واوا في حال الرفع ، فلا يقول : هذا الرّدو ، لكونه على «فعل» بكسر الفاء وضمّ العين ـ ، وفي نحو : البطؤ ـ من الثلاثي المضمومة الفاء ـ عن النقل والقلب ياء في الجر ، فلا يقول : من البطي ، لكونه على «فعل» بضمّ الفاء وكسر العين ـ ، وهما مرفوضان ، بل (يقول : هذا الرّدي) على زنة إبل ، (ومن البطو) على زنة عنق ، (فيتبع) عينهما فائهما في الحركة ، فيكسرهما في الرّدي ، ويضمّهما في البطو ، وهؤلاء قوم من تميم ، ولم يكتفوا باسكان الهمزة ، لكونها في معرض الخفاء مع ثقل الهمزة الساكنة عند سكون ما قبلها ثقلا واضحا لا يكاد يخفى.

والأكثرون لم يبالوا بالبنائين المرفوضين ، لعروضهما في الوقف لغرض (١) كما مرّ.

__________________

(١) وهو ظهور الموقوف عليه.

٢٦٤

١٠ ـ (و) العاشر من وجوه الوقف وهو (التضعيف) والاسكان في لغة بني أسد ، (في المتحرّك الصحيح غير الهمزة المتحرّك ما قبله).

اشترط فيه كون الموقوف عليه متحرّكا ، لأنّ الوقف بالتضعيف عندهم كالعوض عن الحركة الساقطة بالوقف ، وكونه صحيحا ، لاستثقال التضعيف في حرف العلّة ، وكونه غير همزة ، لئلّا يجتمع همزتان عند التضعيف ، وكون ما قبله متحرّكا ، لئلّا يجتمع ثلاث سواكن.

ثمّ إن كانت حركته ضمّة أو كسرة جاز فيه التضعيف مطلقا ، وإن كانت فتحة اشترط عدم التنوين ، إذ المنصوب المنون يتعين فيه الوقف بحذف التنوين والتعويض بالألف في لغة غير ربيعة ، فلا يجوز تضعيفه في سعة الكلام ، وربّما جاء في الضرورة(مثل : جعفرّ) ـ بتشديد الراء مع الاسكان ـ ، (وهو قليل) ، لما فيه من أحداث الثقل في محل التخفيف فحقّه أن لا يرتكب أصلا ، لكنّهم تسامحوا على قلّة للتعويض عن الحركة الساقطة.

ولم ينقل عن أحد من القرّاء إلّا عن عاصم في : (مُسْتَطَرٌ)(١) في سورة القمر.

(و) التضعيف في الوصل (نحو) : قول رؤبة أو ربيعة يصف كثرة الدّبا وهو أصفر الجراد :

 ...

كأنّه السّيل إذا اسلحبّا

أو الحريق وافق (القصبّا)

والتّبن والحلفاء فالتهبّا (٢)

بتضعيف الباء من ـ القصب والتهب ـ مع كونه في مقام الوصل بقرينة التحريك فانّ التحريك في القوافي لا يكون إلّا مع نيّة الوصل.

__________________

(١) الآية : ٥٣ القمر.

(٢) هذه الأبيات لرؤبة بن العجاج ، والدّبا : الجراد ، والاستشهاد بهذه الأبيات في قوله «القصبّا» و «التهبّا» حيث ضعف أواخرها للوقف ثمّ حركها للضرورة.

٢٦٥

(شاذّ ضرورة) ، وقد يمنع كونه في الوصل ، فان ادخال ألف الاطلاق وتحريك ما حقّه السكون لأجل إدخالها كثير في الأشعار.

فلعلّه وقف بالتضعيف الّذي حقّه السكون ، والتحريك للألف ، وهذا لا يدفع الشذوذ عن البيت لشذوذ التحريك مع التضعيف وقفا.

والدبّ : من الدببيب ، واسلحبّ : إمتد ، والتبن : ورق الزرع ، والحلفاء : كصحراء نبت ، يريد انّه أفنى الزرع والثمار كالحريق الّذي صادف هذه الأشياء الثلاثة فاشتعل.

١١ ـ (و) الحادي عشر من الوجه وهو (نقل الحركة) عن الموقوف عليه إلى ما قبله ، جمعا بين السكون للوقف وبيان الحركة بالنقل مع ما فيه من التفادي عن التقاء الساكنين وان كان في المغتفر للوقف ، كائن (١) (في ما قبله ساكن) ، إذ المتحرّك لا يقبل حركة إلّا بعد الحذف وفيه زيادة تغيير في بناء الكلمة ، وذلك الساكن (صحيح) ، لأن حرف العلّة لا ينقل إليه الحركة ، لثقلها عليه ، وهذا النقل عند حصول الشرط المذكور يعمّ كل حركة(إلّا الفتحتة) ، فانّها لا تنقل إلى الساكن المتقدّم بل تحذف في أي حرف كانت ، لاغتفار حذفها لضعفها ، خلافا للكوفيين والأخفش حيث جوزوا نقلها إلى ما قبلها مطلقا.

والأكثر منعوا ذلك حالكونها كائنة في أيّ حرف كان (إلّا في الهمزة) الّتي يوقف عليها ، فانّها تنقل منها إلى ما قبلها الساكن ان كانت خالية عن التنوين ـ اتفاقا ـ ، كما تنقل الضمّة والكسرة لاستثقال الهمزة الساكنة عند سكون ما قبلها ثقلا واضحا كما مرّ ، وليعلم ان نقل الضمّة والكسرة مختص بما لا يلزم فيه البناءان المرفوضان (٢) ـ إلّا في مهموز اللّام ـ للتحرّز عنهما مع فقد الحاجة وان كانا عارضين.

(وهو) ـ أي الوقف بنقل الحركة ـ (أيضا قليل) ، كالوقف بالتضعيف ، (مثل : هذا بكر ، وخبؤ) بنقل الضمّة من الراء والهمزة إلى الكاف والباء ـ ، (ومررت

__________________

(١) وقوله : كائن خبر لقوله : والحادي عشر.

(٢) والاولى بناء مرفوض كما في الأوضح ليشمل نحو هذا قرطعب وقمطر.

٢٦٦

ببكر ، وخبئ) ـ بنقل الكسرة منهما إليهما ـ ، (ورأيت الخبأ) ـ معرفا باللّام ـ ليكون خاليا عن التنوين ، بنقل الفتحة من الموقوف عليه ـ لكونه همزة غير منوّنة ـ إلى ما قبله.

(ولا يقال : رأيت البكر) ـ بنقل حركة الموقوف عليه لكونها فتحة في غير الهمزة ، (ولا) يقال : فيما أوّله مكسور من الثلاثي الغير المهموز اللّام في الرفع (هذا حبر) ، في حبر ـ للمداد ـ بنقل الضمّة ، لصيرورته على «فعل» بكسر الفاء وضمّ العين ـ ، (ولا) فيما أوّله مضموم من الثلاثي في الجر من غير المهموز ، نحو : (من قفل) بنقل الكسرة مثلا ، لكونه على «فعل» بضمّ الفاء وكسر العين ـ.

(ويقال :) في المهموز(هذا الرّدؤ) ، (ومن البطئ) وان حصل البناء ان كما تقدم.

(ومنهم من يفرّ) عن البنائين في المهموز أيضا(فيتبع) عينه فائه ، فيقول : الردؤ ، والبطؤ ، كالإبل والعنق ، ولم يتبعوا في غير المهموز ، لعدم استثقال السكون فيه عند سكون ما قبله.

وقد يوقف على حرف واحد ، كالفاء ، والواو ، وحرف المضارعة مع زيادة الألف بعدها ، وتركه المصنف لندرته ، وذلك كقوله :

بالخير خيرات وإن شرّ فشا

ولا اريد الشرّ إلّا أن تشا (١)

قوله : وان شرّ فشا ـ أي وان شرّ فشرّا ـ فوقف على شر من قوله : فشرّا بالشين وحدها مع زيادة الألف.

ويروي : فاءا ، وإلّا ان تاءا ، بالوقف على الفاء وحدها في الأوّل ، وحرف المضارعة وحدها في الثاني مع زيادة الهمزة والألف فيهما ، وت ، أمر من الاتيان وأصله : إئت.

***

__________________

(١) هذا البيت لم أعثر على قائله. والشارح بين محل الشاهد فيه ويروي بغير ذلك.

٢٦٧

أحكام المقصور والممدود

(المقصور) : سمّي به ، لكونه مقصورا بالنسبة إلى الممدود ، ولكونه مقصورا ـ أي ممنوعا ـ من الاعراب اللفظي ، من القصر بمعنى : المنع ، والأوّل أحسن بقرينة التقابل كما قيل.

وهو (ما كان آخره ألف مفردة) منقلبة كانت عن الواو والياء ، أو مزيدة للتأنيث ، أو للالحاق ، واحترز بالمفردة عن صحراء ، وحمراء ، فانّ الأصل في نحو : ذلك ألف واحدة فزيدت ألف اخرى وقلبت همزة ، لئلّا يلتقى ساكنان كما مرّ في الجمع ، فما هو الآخر في نحو ذلك في الأصل هو الألف لكنّها ليست مفردة ، إذ قبل الألف ألف اخرى في الأصل كذا قيل ، فتأمل.

وامّا نحو : سقاء ، وكساء ، فالآخر فيه ليس ألفا في الأصل ، لكونه واوا أو ياء ، ولا في الحال ، لكونه همزة.

وذلك (كالعصا ، والرّحى) ، وحبلى ، ومعزى.

(والممدود : ما كان بعدها) ـ أي بعد الألف ـ (فيه همزة) من المذكر والمؤنث والملحق وغيره ، سمّى به لما فيه من مدّ الألف لأجل الهمزة بعدها ، (كالكساء ، والرّداء) ، والصحراء ، والحمراء ، والعلباء.

وهما ـ في الصناعة ـ مخصوصان بالاسم المتمكن ، فلا يطلقان على نحو : اسلنقي ، وجاء ، وشاء ، ومتى ، وهؤلاء ، إلّا على سبيل التسامح والتوسع ، أو جريا على مقتضى اللّغة.

والاولى ان يقيد الألف في تعريف الممدود بكونها زائدة ، لئلّا ينتقض بنحو : ماء ، وشاء ، وأصلهما : موه ، وشوه ، فان مثلهما ليس من الممدود ـ اصطلاحا ـ كذا

٢٦٨

قال نجم الأئمّة ، فكأنه اكتفى بالتمثيل وشهرة أمره بينهم.

وكل منهما قياسي : يدخل تحت ضابطة يعلم بها وهو وظيفة النحاة ، وسماعي : غير داخل تحت ضابطة بل يفتقر إلى السماع.

(والقياسي : ـ من المقصور ـ ما يكون) معتل اللّام ، ويكون (ما قبل آخر نظيره من الصحيح) اللّام (فتحة) ، فينقلب لامه الّتي هي واو أو ياء ـ ألفا ـ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

(و) القياسي (من الممدود ما يكون) من معتل اللّام (ما قبله) أي ما قبل آخر نظيره من الصحيح (ألفا) ، فيقع حرف العلّة فيه بعد الألف فينقلب همزة ، والمراد بنظير المعتل من الصحيح : ما يكون مع ذلك المعتل من صنف واحد من أصناف الأبنية له قياس مقرر معلوم في الحركات والسكنات كاسم المفعول من باب الأفعال مثلا.

وإذا كان القياسي منهما ما ذكر(فالمعتل اللّام من أسماء المفاعيل ـ من غير الثلاثي المجرّد ـ) سواء كان ثلاثيا مزيدا فيه ، أو رباعيا مجرّدا أو مزيدا فيه ، (مقصور) ، (كمعطى ، ومشترى) ، ومستقصى ونحوها ، (لأن نظائرهما) من الصحيح (مكرم ، ومشترك) ، ومستخرج ونحوها ، على صيغة اسم المفعول ـ بفتح ما قبل الآخر ـ على ما هو شأن حكم أسماء المفاعيل منها ، بخلاف اسم المفعول من الثلاثي المجرّد ، كمرميّ ، وأسماء الفاعلين من غيره ، كالمعطي ، والمشتري ، (و) المعتل اللّام من (أسماء الزمان والمكان) مقصور ـ أيضا ـ ، (و) كذلك (المصدر) الميمي منه بشرط كونه (ممّا قياسه «مفعل») ـ بفتح الميم والعين من الثلاثي المجرّد ، (و «مفعل») ـ بضمّ الميم وفتح العين ـ وغيره من أوزان اسم المفعول من غير الثلاثي المجرّد ، ولم يعتبر هذا القيد (١) في أسماء الزمان والمكان ، لأنها من المنقوص

__________________

(١) وهو ممّا قياسه الخ.

٢٦٩

لا يكون إلّا على هذين الوزنين ، بخلاف المصدر الميمي منه ، إذ قد يكون على غيرهما كالمعصية ، وذلك (كمغزى) ـ بمعجمتين ـ على «مفعل» ـ بفتح الميم ـ بمعنى : المقصد ، (وملهى) ـ بضمّ الميم ـ من قولك : ألهيته عن كذا كاكرمته سواء كان بمعنى المصدر ، أو الزمان ، أو المكان ، وانّما كان المصدر المذكور وتلك الأسماء مقصورات (لأنّ نظائرهما) من الصحيح (مقتل ، ومخرج) من الاخراج.

(و) المعتل اللّام من (المصادر) الّتي (من : فعل) بكسر العين في الماضي (فهو أفعل ، أو فعلان ، أو فعل) ككتف ، مقصورة ـ أيضا ـ ان كانت ممّا تقلب لامه ألفا بأن يكون عينها مفتوحة ، بخلاف غيره كالرّيّ ـ بالتشديد ـ مصدر قولك : روي ـ ضد عطش ـ فهو ريّان ، لعدم الألف في مثله فضلا عن القصر والمدّ ، والمراد بقوله : فهو كذا وكذا كون الصفة منه بمعنى الفاعل للمذكر على أحد الأوزان الثلاثة ، وذلك (كالعشي ، والصّدي ، والطّوي) كلّها بالألف على «فعل» بفتحتين ـ من عشي فهو أعشى ، ـ إذا أبصر بالنهار ولم يبصر باللّيل ـ ، وصدي ـ إذا عطش ـ فهو صد وأصله الصّدي ككتف واعلاله كقاض ، وطوي ... فهو طيّان ـ أي ضامر البطن ـ وانّما كانت هذه مقصورة(لأن نظائرها) من الصحيح (الحول) من حول فهو أحول ، (والعطش) من عطش فهو عطشان ، (والفرق) من فرق ـ إذا خاف ـ فهو فرق ككتف.

(و) امّا(الغراء) ـ بفتح الأوّل والمدّ ـ في مصدر غري به ـ بالمعجمة فالمهملة ـ إذا أولع به ـ فهو غر كصد ، كما قال كثير :

إذا قلت أسلو فاضت العين بالبكا

غراء ومدّتها مدامع حفّل (١)

__________________

(١) البيت لم أقف على قائله. اسلو : مضارع للمتكلم من السلو ، يقال : سلا عن الأمر يسلو ـ إذا نسيه ـ ومنه التسلّي ، والبكا : جاء مقصورا وممدودا وهو في البيت مقصور ، أي إذا أردت توطين نفسي على التسلّي عن شدائد العشف وقلت في نفسي اسلو عنها لم أمسك نفسي عن البكاء.

٢٧٠

فهو لا يرد اعتراضا على تلك القاعدة ، لأنّه (شاذّ) ، وكذا ظمئ .. ظماء ـ بالمدّ ـ كغراء ـ أي عطش ـ على ما حكاه سيبويه.

(والأصمعي : يقصره) ويقول : غرى كصدى على القياس ، وحكى أبو عبيدة عن بعضهم روايته في البيت بكسر الأوّل على انّه مصدر : غاريت بين الشيئين غراء ـ أي واليت موالاة ـ.

والحفل : ـ بالمهملة وتشديد الفاء ـ جمع الحافل ـ بمعنى : الممتلى ـ كركّع وراكع.

(و) المعتل اللّام من (جمع) ما كان على «فعلة» ـ بضمّ الفاء وسكون العين ـ (و «فعلة») ـ بالكسر والسكون ـ مقصور أيضا ، وذلك : (كعرى) ـ بضمّ العين وفتح الرّاء ـ في : عروة ، ودمى في : دمية ـ بضمّ الدال ـ للصورة والصّنم ـ ، (وجزى) ـ بكسر الجيم وفتح الزاي المعجمة ـ في : جزية ـ بالكسر والسكون ـ ، (لأن نظائرهما قرب) ـ بضمّ القاف وفتح الرّاء ـ جمع قربة ـ بالضمّ والسكون ـ ، (وقرب) ـ بكسر القاف وفتح الرّاء ـ جمع القربة ـ ، وهي يستسقي فيها الماء.

ومن المقصور القياسي : مؤنث اسم التفضيل ، كالفضلى ، والمؤنث بغير هاء من الصفة الّتي مذكرها على «فعلان» ، كسكران ... وسكرى ، وجمع «فعيل» بمعنى المفعول ، كجريح وجرحى ، والصفة المعتلة اللّام من اللون على «أفعل» كأحوى ، وكل مؤنث بالألف من أنواع المشي ، كالقهقرى ، والدال على مبالغة المصدر من المكسور رفاؤه المشدّد عينه ، كالحثّيثى ، والخلّيفى ، وروى الكسائي المدّفى : الخصّيصي.

وممّا الغالب فيه القصر كل مفرد معتل اللّام يجمع على «أفعال» كالنّدى والأنداء ، والقفا والأقفاء.

(و) المعتل اللّام من المصادر المزيدة فيها ، (نحو : الأعطاء ، والرّماء) مصدر رامي على زنة «فاعل» (والاشتراء ، والاحبنطاء ، ممدود ، لأن نظائرها) من الصحيح : (الإكرام ، والطّلاب) مصدر طالب ، (والافتتاح ، والاحرنجام) ،

٢٧١

والاحبنطاء : ـ وإن كان مادته الأصلية الحبط لكن لما كانت زوائده للالحاق بنحو الاحرنجام ـ كانت في حكم الأصلي ، فلذا عدّه من المعتل اللّام ، تنبيها على انّ المراد ما يعمه.

(و) المعتل اللّام من (أسماء الأصوات المضموم أوّلها) أيضا ممدود(كالعواء) ـ بالعين المهملة ـ لصوت الذئب ـ ، (والثغاء) ـ بالمثلثة والغين المعجمة ، لصوت الشاة وما شاكلها ـ ومنه الشاغية للشاة ، (لأن نظائرهما) من الصحيح (النّباح ، والصّراخ).

(و) المعتل اللّام من (مفرد) جمع القلّة الّذي كان على «أفعلة» من غير شذوذ أيضا ، (نحو : كساء) ، ـ بكسر الكاف ـ مفرد : أكسية ، وقباء ـ بفتح القاف ـ مفرد : أقبية ، (لأن نظائرهما) من الصحيح (حمار) ـ بالكسر ـ وأحمرة ، (وقذال) ـ بالفتح ـ وأقذلة.

(و) امّا(أندية) على «أفعلة» مع كون مفرده ـ وهو النّدى ـ مقصورا كما قال مرّة بن محكان :

في ليلة من جماداي ذات أندية

لا يعرف الكلب من ظلمائها الطّنّبا (١)

فهو (شاذ) ، وكذا رحى وأرحية ، وقفا وأقفية ، وقال الأخفش : انّها من كلام المولّدين ، وجمادي : ـ بضمّ الجيم ـ من شهور السنة ، والأندية : الأمطار ، والطنب : جمع الطّناب ، وزعم بعضهم انّ النّدى جمع على : نداء بكسر النون والمدّ كجمل وجمال ، ثمّ هذا الجمع الممدود جمع على أندية فلا شذوذ ، لكن استبعده بعضهم ، لعدم الظفر بنداء ـ جمعا ـ في اللّغة.

__________________

(١) هذا بيت من قصيدة لمرة بن محكان وهو من شعراء الحماسة. وقوله : في ليلة من جمادي : اراد في ليلة من ليالي الشتاء وذلك لأنّ الشتاء عندهم زمان الجدب والحاجة ، والطنب : الحبل الّذي تشد به الخيمة ، والاستشهاد بالبيت في قوله : أندية حيث جمع ندى عليه وذلك شاذ.

٢٧٢

ومن القياسي للممدود : مؤنث الصفة على «أفعل» من اللون والعيب ، كحمراء ، وعرجاء.

(والسماعي) من المقصور : (نحو : العصا ، والرّحي) والفتى واحد الفتيان ، والسنا ـ للضوء ـ ، والثّرى ـ للتراب ـ ، إلى غير ذلك ، (و) من الممدود : نحو : (الخفاء) مصدر خفي ، (والأباء) مصدر أبي يأبى ، والسّناء ـ للشرف ـ ، والفتاء ـ لحادثة السّنّ ، والثراء ـ لكثرة المال ـ إلى غير ذلك (ممّا ليس له نظير) من الصحيح على الوجه المذكور(يحمل عليه) حتّى يكون مقصورا قياسيا ، أو ممدودا قياسيّا ، بل يفتقر إلى السماع.

ثمّ انّهم اتفقوا على جواز قصر الممدود للضرورة ، كقوله :

لا بدّ من صنعاوان طال السّفر

وإن تحنّى كلّ عود ودبر (١)

والعود : بفتح العين المهملة وسكون الواو ، المسن من الإبل.

وامّا مدّ المقصور للضرورة : فاجازه الكوفيون محتجين بشواهد ، كقوله :

سيغنيني الّذي أغناك عنّي

فلا فقر يدوم ولا غناء (٢)

حيث مدّ الغني ، ومنعه البصريون وجعلوا الغناء في البيت مصدر غانيته أي فاخرته في الغنى ، وهو تعسف كما لا يخفى ، وامّا قراءة : سناء برقه (٣) فشاذة ، ولعلّه لغة اخرى فيه ، والله أعلم.

***

__________________

(١) البيت لم أقف على قائله. والصنعاء : بلد باليمن والآن عاصمة اليمن ، وتحنّى : أي انعطف ، ودبر : بفتح الأوّل وكسر الموحدة من دبر البعير ـ إذا عقر ظهره ـ.

(٢) البيت لم أعثر على قائل له ، ومنعاه واضح. والشاهد فيه : الغني حيث مدّ الشاعر المقصور للضرورة.

(٣) الآية : ٤٣ النور.

٢٧٣

أحكام ذي الزيادة

١ ـ حروف الزيادة :

(ذو الزيادة) (١) يكثر في الاسم والفعل دون الحرف ، لعدم التصرّف فيه بالاشتقاق ونحوه ، و (حروفها) عشرة يجمعها قولك : (اليوم تنساه ، أو سألتمونيها ، أو السّمان هويت) ، على «فعلت» بالكسر ـ أي احببت ـ.

وقد يحكي : ان تلميذا سأل شيخه عنها فقال : سألتمونيها ، فقال ما سألتك إلّا هذه النوبة ، فقال الشيخ : اليوم تنساه فقال : والله ما أنساه فقال : اجبتك مرّتين.

وانشد المازني للمبرد حيث سأله عنها :

هويت السمان فشيبنني

وقد كنت قدما هويت السمان

وقد ركبت منها ألفاظ أخر ، نحو : هم يتسائلون ، ويا أوس هل نمت ، ولم يأتنا سهو ، وغير ذلك.

وقيل : انّما اختيرت هذه الحروف للزيادة؟ لخفة الثلاثة الّتي هي حروف اللين منها ، ومناسبة البواقي لها في المخرج والصفة ، فانّ الهمزة والهاء تجاوران الألف في المخرج ، والميم شفوية كالواو. والتاء والسين : مهموسان تناسبان لين حروف اللين ، والنون : لغنتها يمتد في مخرجها وهو الخيشوم امتداد الألف في الحلق.

واللّام : مخرجها ما دون طرف اللسان فكانها قريبة من الشفوية مع انّها تناسب النون ، فلذلك تدغم هي فيه نحو : من لدنه ، وتحذف معها نون الوقاية كما تحذف مع

__________________

(١) ينسب إلى المصنف انّه قال : ان باب ذي الزيادة باب عظيم مشكل اضطرب في كثير منه أقوال العلماء لاشكاله وتشعب طرقه.

٢٧٤

النون فيقال : لعلّي كما يقال : انّي ، كأنّي ، فاجريت مجراها في الزيادة.

ثمّ فسّر كونها حروف الزيادة بقوله : (أي الّتي لا تكون الزيادة لغير الإلحاق ، و) غير(التضعيف إلّا منها) ، لئلّا يتوهّم انّها يلزمها الزيادة ولا تكون أصليّة ، وانّ الزائد كيف كان منحصر فيها مع انّها قد تكون أصليّة نحو : سأل ، وسلم ، وهمل ، ونام.

والزائد قد يكون من غيرها إذا كانت الزيادة للالحاق ، نحو : قردد بزيادة الدال للالحاق بالرباعي ، أو للتضعيف نحو : عرّف ـ بالتشديد وزياده الراء ـ للتضعيف ، وان جاز كون ما زيد للالحاق والتضعيف منها أيضا ، نحو : شملل ، وعلّم ، بالتضعيف.

٢ ـ معنى الإلحاق :

(ومعنى الالحاق) بالزيادة : (انّها انّما زيدت لغرض جعل مثال على مثال ازيد منه) ، بأن يزاد فيه بقدر نقصانه عن الأزيد في الحروف الاصول على وجه يحصل به توافقهما في عدد الحروف والهيئة من غير تفاوت ، فلذلك منع الادغام فيه مع التجانس ، وكذلك الاعلال مع موجبه ، ومن ثمّه لم يقلب الواو في : جدول ألفا بنقل حركتها إلى ما قبلها كما في مقام ونحوه ، للمحافظة على وزن جعفر.

واضافة الغرض إلى الجعل بيانية ـ أي لغرض هو جعل مثال على مثال أزيد(ليعامل معاملته) على وجه الكمال من غير تفاوت في جميع التصاريف من الماضي ، والمضارع ، والأمر ، واسم الفاعل واسم المفعول ، والمصدر ، ونحو ذلك ان كان فعلا ، والتصغير والتكسير ونحوهما ان كان اسما ، للتوسع في السجع والشعر ونحوهما.

ثمّ ان الأصل الّذي يلحق به غيره امّا رباعي أو خماسي ، وليس في الأسماء المتكّنة والأفعال ثنائيّ بالاصالة حتّى يراد الحاقه بالثلاثي بزيادة الحرف.

وقد يشتمل الملحق به على زائد فيزاد مثله في الملحق أيضا بالتبع فكانه تابع للالحاق ، والأصل فيه : المقابلة بالاصول كما في الحاق ـ علباء (١) بسرداح ، وقرطاس.

__________________

(١) علباء : البعير. السرداح : بالكسر الناقة الطويلة أو الكريمة.

٢٧٥

وكلمة ـ انّما ـ للحصر ـ أي ما زيدت إلّا لغرض هو التماثل في عدد الحروف والهيئة ـ ، للتشريك في المعاملة ، فيجب عدم كون الحرف المزيد قياسا في موضع زيادته لافادة معنى ، وإلّا لم ينحصر الغرض من زيادته في التماثل المذكور.

فان خالف الملحق أصله المجرد في المعنى كما في : شملل وشمل (١) فذلك باعتبار وضع تمام لفظه لذلك المعنى وتتبعه التصاريف لاعتبار قياس الزيادة لذلك المعنى ، وقد لا يكون لأصله معنى بالوضع أصلا ، نحو : كوكب ، فان أصله وهو ككب لم يوضع لمعنى أصلا ، ويحتمل في مثله ومثل : شملل ممّا خالف معناه معنى أصله كون استعمال الأصل بمعناه مهجورا ، استغناء به عنه ، فلذلك لم يظفر به ، فتأمّل.

وإذا عرفت هذا(فنحو : قردد) ـ للمكان الغليظ المرتفع ـ (ملحق بجعفر) ، لانحصار الغرض من زيادة الدال الاخرى فيه في مماثلته له ليعامل معاملته في التصغير على قريدد ، والتكسير على قرادد ، كجعيفر وجعافر ، وعدم الادغام فيه دليل على الالحاق أيضا على ما في الصحاح.

(ونحو : مقتل غير ملحق) به ، وان صغر على مقيتل ، وجمع على : مقاتل ، (لما ثبت) عندهم (من قياسها) أي قياس الزيادة فيه ـ وهي الميم ـ (لغيره) ـ أي لغير الالحاق ـ في موضع زيادتها ، لكونها قياسا في ذلك الموضع لافادة المكان والزمان ، والمصدر الميمي ، ولذا وقع الادغام في مثله ، نحو : مردّ ، والاعلال نحو : مقام.

(ونحو : أفعل ، وفعّل) ـ بتشديد العين ـ (وفاعل ، كذلك) ليست ملحقة بنحو دحرج ، (لذلك) الّذي ذكرناه من قياس الزيادة فيها لافادة معنى كما مرّ في أوّل الكتاب ، ويلزم من ذلك ان لا يكون «تفاعل ، وتفعّل» ملحقين بتدحرج مع ان المصنف جعلهما ملحقين كذا قيل ؛ (و) لعدم معاملتها معاملة نحو : دحرج في جميع التصاريف ، (لمجيء مصادرها مخالفة) لمصدره ، لمخالفة مصادرها «للفعللة» الّتي هي المصدر المطرد في الرّباعي مع كفاية المخالفة فيه في عدم التوافق في جميع

__________________

(١) شملل : بمعنى أسرع ، وشمل من الشمول وشملهم الأمر : عمّهم.

٢٧٦

التصاريف ـ بمعنى رفع الإيجاب الكلّي ـ.

(ولا تقع الألف للالحاق) في الأوّل في شيء ، لتعذّر الابتداء بها ، وتركه لظهوره ، ولا تقع ـ أيضا ـ للالحاق أصالة(في الاسم حشوا) ـ أي وسطا ـ ، فلا يقال : كتاب ملحق بقمطر ، ولا خاتم بجعفر ، ولا علابط بقذعمل ، لتعذر الموافقة التامّة للملحق به ان بقيت على حالها من غير قلب في جميع التصاريف ، (لما يلزم من تحريكها) في بعض التصاريف ، كالتصغير والتكسير ، لوقوعها قبل ياء التصغير ان زيدت ثانية ، وبعدها ان زيدت ثالثة ، وكلّاهما موضع الحركة.

وزيادتها ـ رابعة ـ في الوسط انّما يكون للالحاق بالخماسي الّذي يحذف الخامس منه في التصغير والتكسير ، كسفارج وسفيرج في : سفرجل ، ويجري الاعراب اللفظي على الرابع منه الّذي وقعت الألف في مقابله من الملحق ، والاعراب التقديري فيها مع اللفظي فيما يقابلها من الملحق به مخل بالتناسب التام بين الملحق والملحق به كما هو المناسب للالحاق.

وبالجملة فوقوعها للالحاق حشوا يؤدّي إلى ما يمتنع فيها وهو تحريكها فيما ذكر من التصاريف ، وقلبها إلى ما يقبل الحركة كما يقلب ألف ضارب في التصغير واوا أيضا ليس بمناسب لتناسب المذكور ، لأن ما يقابلها من الملحق به حرف صحيح قابل للحركة بدون القلب ، لما عرفت انّ الملحق به رباعي أو خماسي ، ولا يتصور الاعلال في شيء من اصولهما إلّا في الفاء من الخماسي كما مرّ ، فلا يكون في وسط شيء منهما إلّا الحرف الصحيح وهو قابل للحركة بنفسه.

وامّا زيادتها حشوا في نحو : علباء فقد مرّ أنها ليست للالحاق بالاصالة ، لكونها بازاء الزائد في الملحق به ، وامّا جواز زيادتها آخرا للالحاق فلأنه محل التغيير ، فكأنهم لم يعتنوا بتطرق شيء من المخالفة فيه في بعض التصاريف ؛ هذا غاية التوجيه ، والتعويل على الاستقراء ، وقد يقال : انّ الألف لما لم تكن أصليّة قط كرهوا وقوعها موقع الأصلي للالحاق حتّى في الآخر ، والحكم بزيادتها فيه له تجوز

٢٧٧

وتوسع ، لكونها منقلبة عن ياء هي المزيدة للالحاق في الحقيقة عند المحقّقين ، كذا في شرح المفصل.

و «من» في قوله : من تحريكها ـ لبيان «ما» في قوله : لما يلزم ـ ، والتقييد بالاسم ، لأنه زعم الجواز في الفعل ، نحو : تفاعل ، لأنّ الفعل محل التغيير فلا يبالي بعروض القلب والتغيير فيه في بعض التصاريف ، وكذلك لا يبالي بتغيير غيرها ممّا زيد فيه للالحاق في التصاريف ، كحوقل حيقالا. (١)

٣ ـ طرق معرفة الحرف الزائد :

(ويعرف الزائد) من الأصلي : (بالاشتقاق) :

وهو : ان تجد بين اللفظين تناسبا في المعنى وتركيب الحروف ، فترد أحدهما إلى الآخر ، أو كليهما إلى ثالث ، فاذا كان في المشتق من الحروف العشرة ما لم يكن في المشتق منه حكم عليه بالزيادة ، كناصر ، ومنصور ، من نصر.

(وعدم النظير) بأن يلزم ـ من الحكم بأصالة حرف أو زيادته ـ بناء غير موجود في كلامهم ، كالحكم باصالة النون من ـ قرنفل ـ ، فانّه يلزم منه خماسي على : «فعلّل» ـ بضمّ اللّام الثانية ـ كسفرجل ـ بضمّ الجيم ـ وهو ليس بموجود ، وفي حكمه ندرة النظير.

(وغلبة الزيادة فيه) بأن يكون الغالب في حرف وقع موقعا من الكلمة كونه زائدا في ذلك الموقع ، كالهمزة في الأوّل بعدها ثلاثة اصول ، كاحمر ، فانّ الغالب في هذا الموضع كونها زائدة.

فهذه الثلاثة طرق المعرفة.

وقد يقع فيها التعارض فيدل بعضها على زيادة حرف أو اصالته والباقي على

__________________

(١) والغرض من باب ذي الزيادة معرفة حرف الزائد من الحرف الأصلي في الأسماء والأفعال.

٢٧٨

خلاف ذلك ، (والترجيح) كائن (عند التعارض) ، أي يطلب الترجيح ويحكم بمقتضاه ، فالترجيح مبتدأ خبره الظرف ، وقد يصحّح بالجر بالعطف على الاشتقاق على انّه وجه آخر ، والأوّل أظهر.

والمصنف بدء في التفصيل بالاشتقاق ، لأنه أقوى ، وقد يتعارض اشتقاقان ، ثمّ ان ترجّح أحدهما فهو راجح ، وان تساويا سمّى بالواضح ، وقد يكون بين اللفظين شبه الاشتقاق كما إذا بعدت المناسبة ، كالهجرع كدرهم وجعفر ـ للطويل ـ عند من جعله من الجرع ـ للمستوى من الرمل ـ ، وقد يطلق الاشتقاق على مثله ، فيحترز عنه إذا أريد الاشتقاق الحقيقي بالتقييد بالمحقق.

١ ـ (والاشتقاق المحقّق :

مقدّم) في الاعتبار على غيره من الوجوه عند التعارض ، لأنه أقوى فيحكم بمقتضاه ويطرح المعارض ، (فلذلك) الّذي ذكر من تقديمه (حكم بثلاثية ـ عنسل) ـ على زنة «فنعل» ـ بالنون بعد الفاء ـ على هيئة جعفر ، ـ للناقة السريعة ـ من العسلان وهو السرعة ، (وشأمل) ـ بتقديم الهمزة على الميم ـ ، (وشمأل) عكسه ، كلّاهما ـ لريح الشمال ـ على زنة «فأعل» بسكون الهمزة ـ و «فعأل» بفتحها ـ ، على هيئة جعفر أيضا من قولهم : شملت الريح : إذا هبت شمالا ، (ونئدل) ـ بالهمزة بين النون والدال ـ ، على «فأعل» بسكون الهمزة بعد الفاء ـ كهيئة زبرج ـ للكابوس الّذي يقع على الانسان باللّيل فلا يقدر على الحركة والقيام ـ من النّدل ، وهو الاختلاس ، كأنه يأخذ الانسان بغتة.

(ورعشن) ـ للمرتعش ـ من الرعشة ، على «فعلن» ـ بالنون في آخره ـ على هيئة جعفر وفرسن ، على «فعلن» بالنون ـ ، كزبرج ـ لمقدم خف البعير ـ من الفرس ـ بسكون الرّاء من غير نون ، وهو الدق ، لأنه يدق الأرض ، (وبلغن) بالنون في الآخر ، على «فعلن» كرعشن ـ للبلاغة ـ من البلوغ ، لما فيها من البلوغ

٢٧٩

إلى حدّ كامل في الكلام ، (وحطائط) بالهمزة ، على : «فعائل» كهيئة علابط ، من الحط ، للصغير ، كأنّه منحط من الكبير ، (ودلامص) على : «فعامل» بالميم قبل اللّام ، على تلك الهيئة أيضا ـ للبراق اللين من الدرع ـ من : دلصت الدرع : إذا لانت ، (وقمارص) ـ بالميم بعد القاف والمهملتين بعد الألف ـ ، على تلك الهيئة ، قال الزمخشري : القارص : اللّبن الّذي يقرص اللّسان ـ أي يقبضه ـ لحموضته ، والقمارص : أشد منه لزيادة الميم ، (وهرماس) على : «فعمال» بالميم بعد العين ـ كهيئة قرطاس ، للشديد من الأسد ـ من الهرس ، وهو الدق ، لأنّه يدق الفريسة ، (وزرقم) ـ للأزرق والزرقاء ـ على : «فعلم» بضمّ الفاء في آخره الميم ، كبرثن ، من الزرقة ، (وقنعاس) على هيئة هرماس ، على زنة «فنعال» ـ بالنون بعد الفاء ـ للعظيم من الإبل لثباته ، من : القعس بمعنى الثبات ، كذا قال نجم الأئمّة ، ومنه : عزّ قاعس ـ أي ثابت ـ ، (وفرناس) على : «فعنال» بالنون بعد العين ـ على تلك الهيئة أيضا ـ ، للغليظ الرقبة من الأسد ، من : الفرس بمعنى الدق ، ومنه : المفترس ، (وترنموت) على : «تفعلوت» بالتاء في الأوّل والآخر ـ على هيئة قرطبوس في الحركة والسكون ، لصوت القوس عند الرمي والنزع ، من : الرنم ـ وهو الصوت.

فالاشتقاق المحقّق المدلول عليه بالتناسب اللفظي والمعنوي بين هذه المذكورات وما ذكر معها يقتضي كونها ـ ثلاثية ـ أي كونها من المزيد الثلاثي على الأوزان المذكورة ، وعدم نظير أو ندرته لشيء من تلك الأوزان في الأبنية الثلاثية المزيد فيها في كلامهم يقتضي ان يكون ترنموت ـ خماسيا ـ مزيدا كقرطبوس ، وحطائط ، وتالياه (١) ، وهرماس وموازناه (٢) من المزيد الرباعي ، كعلابط ، وقرطاس ، والبواقي من المجرّد الرّباعي ، كجعفر ، وزبرج ، وبرثن ، فحكم الجمهور على الجميع بالثلاثية ، ترجيحا للاشتقاق على عدم النظير.

__________________

(١) وهما : دلامس ، وقمارص.

(٢) وهما : قنعاس ، وفرناس.

٢٨٠