شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

الْبَناتِ)(١) ، و(أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ)(٢) ، لأن همزتهما مكسورة ففتحة الهمزة الباقية تدل على انّها استفهاميّة ، وكذا : أستحرج المال ـ بضمّ التاء ـ على البناء للمفعول وفتح الهمزة ، لأن همزة الأصليّة (٣) مضمومة ، وهكذا : أبنك صالح ـ بفتح الهمزة ـ ، لأنّ الوصلية منه مكسورة.

ثمّ ان ما ذكر من قاعدة زيادة همزة الوصل للابتداء بالساكن انّما هو فيما اعتبر سكون أوّله بنفسه من غير ان يكون طاريا بعد لحوق شيء آخر اعتبارا متأصّلا بحيث يتحقق عند الابتداء وعدمه كما في : اسم ، وابن ، (وامّا سكون) أوائل الضمائر في قولهم : (فهو ، وفهي ، وهو ، ووهي ، ولهو ، ولهي ، فعارض) طار بعد لحوق العاطف ولام الابتداء المشبّهين بالجزء ممّا يلحقانه ، لعدم استقلالهما بالمفهومية وعدم صحّة الوقف عليهما ، وبعد تنزيل تلك الضمائر معهما منزلة كلمة واحدة موازنة لنحو : عضد ، وكتف ، وصيرورة أوائلها أوساطا فيما نزل منزلة كلمة واحدة ، وسكّنت ـ تخفيفا ـ كأوساط ما يوازنها من الكلمات ، ويزول ذلك السكون عند الابتداء وانفرادها عن اللواحق ، فلذلك لم تلحق الهمزة ، فلا يرد النقض به (٤) على تلك القاعدة.

ثمّ ان هذا السكون العارض فيما ذكر(فصيح) كثير في كلام الفصحاء ، وبه قرأ الكسائي وأبو عمرو ، وقالوان عن نافع في الكتاب العزيز : (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(٥)(وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ*)(٦) ، (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ ، لَهِيَ الْحَيَوانُ)(٧) واسكن الهاء

__________________

(١) الآية : ١٥٣ من سورة الصّافات.

(٢) الآية : ٧٥ من سورة ص.

(٣) وفي نسخة : همزة الوصلية.

(٤) أي بعدم لحوق الهمزة.

(٥) الآية : ٢١٦ البقرة.

(٦) الآية : ٧٢ المؤمنون. و ٣٩ سبأ.

٢٤١

من : (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الكسائي وقالون ، تشبيها لثم بالواو والفاء.

(وكذلك) في العروض والكثرة في كلام الفصحاء(لام الأمر) بعد الفاء والواو العاطفين ، فانّها تسكن تشبيها لها مع العاطف وحرف المضارعة بكتف ، (نحو : (وَلْيُوفُوا) (١) ، (فَلْيَنْظُرْ*)(٢).

(وشبّه به) أي بما ذكر ما هو قليل في كلامهم ولم يبلغ حدّا يستحق معه ان يجعل أصلا في التنزيل منزلة كلمة واحدة ، فكأنّه شبّه بما ذكر في ذلك ، وذلك هو الضمير مع همزة الاستفهام ، (نحو : أهو ، وأهي) كما قال زياد بن المنقذ أو غيره :

فقمت للطّيف مرتاعا فأرّقني

فقلت أهي سرت أم عادلي حلم (٣)

فكأنّهما شبها بنحو : فهو وفهي للمشابهة في الزنة في الالحاق بنحو : عضد ، وكتف.

(و) كذلك لام الأمر مع ثمّ العاطفة ، نحو : (ثُمَّ لْيَقْضُوا)(٤) تشبيها لميم الأخيرة المدغمة فيها ـ من ثمّ ـ مع لام الأمر وحرف المضارعة بالواو ولام الأمر وحرف المضارعة ، للمناسبة في الاشتمال على العاطف المفيد للاشتراك ، ولام الأمر.

(ونحو : (أَنْ يُمِلَّ هُوَ)) (٥) ـ باسكان هاء الضمير ، تشبيها (٦) للجزء الأخير من

__________________

(٧) الآية : ٦٤ العنكبوت.

(٨) الآية : ٢٩ الحجّ.

(٩) الآيات : ١٩ الكهف. و ٢٤ النبأ. و ٥ الطارق ، وغيرهم.

(١٠) البيت لزياد بن حمل ، والطيف : الخيال الّذي يجيء في المنام. ومرتاعا : أي خائفا.

وارقني : اسهرني والضمير فيه يرجع إلى الطيف. وهمزة أهي للاستفهام وسكنت الهاء تشبيها بكتف. والمعنى : رأيت الحبيبة في المنام وظننت انّها أتتني فلمّا يقظت قلت أهي أتتني أم أتاني خيالها في النوم.

(١١) الآية ٢٩ الحجّ.

(١٢) الآية ٢٨٢ البقرة.

٢٤٢

الفعل معه منزلة عضد ، (قليل) في كلامهم ، لاستقلال الفعل وجواز الوقف على آخره فيبعد تنزيل جزء منه منزلة الجزء من الضمير ، ولذلك اتّفق السبعة على ضمّ الهاء في الآية المذكورة إلّا ما روي عن قالون من اسكانه.

***

__________________

(١٣) وفي نسخة : تنزيلا.

٢٤٣

أحكام الوقف

(الوقف) في اللّغة : الحبس ، يقال : وقفت الدابة وقفا أي حبستها فوقفت هي وقوفا ، وفي الاصطلاح : (قطع الكلمة عمّا بعدها) ولو تقديرا ، أي السكوت عليها ، أو جعلها آخر الكلمة (١) بحيث لو كان بعدها شيء لم يكن متصلا بها بل كان مبتدأ به ، فيشمل الوقف على ما لم يكن بعدها شيء ، ولا ينتقض طرده بما ليس وقفا اصطلاحا ، وهو اسكان الكلمة من غير سكوت عليها ، ولا عكسه بالوقف بالحركة ولو خطاء ، فانّه يسمّى وقفا اصطلاحا كما قيل ، والنقضان يتوجّهان على تعريفه : بأنّه قطع الكلمة ولو تقديرا ، كما في الوقف على الساكن ، نحو : من ، وكم ، ولعل مراد قائله تعريف الوقف بالاسكان خاصّة فيندفع نقض العكس.

(وفيه وجوه مختلفة في الحسن ، والمحلّ) ، فان بعضها أحسن من بعض ، ومحالها متفاوتة كما يظهر لك إنشاء الله تعالى ، وتلك الوجه تنحصر في أحد عشر وجها ، وهي : الاسكان ، والروم ، والاشمام ، وابدال الألف ، وابدال تاء التأنيث ـ في الاسمية ـ هاء ، وزيادة الألف ، والحاق هاء السكت ، واثبات الواو والياء ، أو حذفهما ، وابدال الهمزة ، والتضعيف ، ونقل الحركة.

وهذه حالات تقارن الوقف الّذي هو قطع الكلمة عمّا بعدها بحسب ما علم من استقراء كلامهم.

وعدّ الوقف من أحوال الأبنية الكلم باعتبار ما يعرض من تلك الحالات للأبنية ، كالوقف بالتضعيف ، وابدال الحرف من الكلمة ، ولا يقدح في ذلك عدم كون بعضها من أحوالها ، كضمّ الشفتين في الاشمام ، واخفاء الحركة الخارجة عن البناء اللّاحقة

__________________

(١) وفي بعض النسخ : آخر الكلام.

٢٤٤

لآخر الكلمة في الروم ، وذكر مثل ذلك لاستتمام البحث عن الوقف ، كبعض أحكام التقاء الساكنين على ما مرّ في أوّل الكتاب فتأمّل.

وامّا ما يظهر من كلام بعض المحقّقين : انّ الوقف ليس من أحوال الأبنية فذلك كأنّه ناظر إلى نفس الوقف الّذي هو القطع.

١ ـ (فالاسكان المجرّد) عن الروم ، والاشمام ، وهو أوّل الوجوه انّما هو (في المتحرّك) ، يعني : محله المتحرك لا غير ، إذ لا يتصوّر اسكان الساكن بل الوقف عليه بالسكوت وقطع الكلام ، ثمّ انّ الوقف بالاسكان يجري في المنون وغيره ، وفيما سكن ما قبل آخره أو تحرك ، والمعرب والمبني ، وهذا الوجه هو الأصل ، لأن سلب الحركة أبلغ في تحصيل غرض الاستراحة ، وقد يعدل عنه لتحصيل غرض آخر ، أو لخصوصيّة المحل الّذي وقع العدول عنه فيه على ما سيظهر لك ـ إنشاء الله تعالى ـ.

٢ ـ (والرّوم) وهو ثاني الوجوه أيضا كائن (في المتحرّك ، وهو) في اللّغة : القصد ، وفي الصناعة : (أن تأتي) أنت (بالحركة) حالكونها(خفيّة) ، بحيث يسمعها من كان قريبا منك ، بصوت ضعيف كأنك قصدتها ثمّ اختلستها للوقف ، فلذلك اختصّ بالمتحرّك ، والداعي إليه قصد التنبيه على الحركة الكائنة حال الوصل ، (وهو في المفتوح قليل) ، حتّى انّ الفراء منعه ، إذ المناسب له كون الحركة قويّة تامّة القبول للتبعيض ، والفتح حركة خفيفة سريعة الجري على اللّسان ، ومع ذلك فالروم فيه يشبه الثؤباء ويؤدّي إلى هيئة مستكرهة في الفم ، ولذلك لم يعتبره القرّاء في القرآن ، وانّما حكاه سيبويه عن بعض العرب وأجازه في الكلام دون القرآن.

٣ ـ (والاشمام) وهو الثالث ، وأصله : من الشم ، أيضا مختص بالمتحرك لكن لا مطلقا بل انّما يكون (في المضموم) ، (وهو ان) لا تأتي بالحركة أصلا بل (تضمّ الشفتين بعد الاسكان) ، للتنبيه على انّ حركة الوصل ضمّة تحصل بانضمام الشفتين ، فكأنك أشممتها كما تشمّ الرائحة ، فهو مجرد أحداث هيئة في الشفتين ، ولا يحصل في النطق به شيء بخلاف الروم ، فانّه ينطق بالحركة فيه خفيّة ، ومن ثمّ قيل : وقد يدرك

٢٤٥

الروم البصير وغيره ولا يدرك الاشمام غير بصير.

(والأكثرون على ان لا روم ، ولا اشمام في هاء التأنيث) ، أي الهاء المنقلبة عن تاء التأنيث في الوقف ، كنعمة ، ورحمة.

(و) في (ميم الجمع) ، نحو : لكم ، وعليكم ، ومنهم.

(و) في (الحركة العارضة) ، كالّتي عرضت في نحو :

(قُلِ ادْعُوا اللهَ)(١) ، لملاقاة الساكن.

امّا في هاء التأنيث : فلان الروم والاشمام لبيان حركة آخر الموقف عليه في الوصل والتاء الّتي كانت لها الحركة فيه قد زالت ، والهاء حادثة بعد الوقف بلا حركة ، وعبر بالهاء للاشعار بجوازهما في التاء الّتي لم تبدل هاء وقفا ، كأخت ، وبنت ، وامّا في ميم الجمع : فلأنها في الوصل امّا ساكنة ، وامّا مضمومة بضمّة عارضة للوصل بالواو الساكنة ، نحو : عليكموا ، وعلى أي حال لا حركة أصليّة للآخر ـ وصلا ـ حتّى ترام أو تشم ، وامّا في الحركة العارضة : فلأنها انّما عرضت فيما أصله السكون لعلّة هي ملاقاة الساكن وقد زالت في الوقف ، لقطعه عمّا بعده فعاد إلى أصله ، فهي كالعدم غير صالحة للاعتناء والبيان.

ثمّ انّ نسبة المنع من الروم والاشمام في الثلاثة إلى الأكثر يقتضي وقوع الخلاف فيها ، كما توهّمه بعض شرّاح الشاطبية (٢) مع انّهم اجمعوا على المنع في الهاء والحركة العارضة بل قد يدّعي الاجماع في ـ الثلاثة ـ ، ومن ثمّ ردّ الحافظ أبو عمرو علي مكّي (٣) في تجويزهما في ميم الجمع بأنه خالف الاجماع ، ولعل المصنف اعتبر مخالفته ،

__________________

(١) الآية : ١١٠ الإسراء.

(٢) كتاب منظوم معروف بهذا الاسم في علم القراءات والتجويد لمؤلّفه : الشيخ أبو القاسم ابن فيرة بن خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الأندلسي المتوفّى سنة ٥٩٠ ه‍ ، واسمه الأصلي (حرز الأماني ووجه التهاني).

(٣) الإمام مكّي بن أبي طالب من مشاهير قرن الخامس المتوفّى ٤٣٧ ه‍.

٢٤٦

وكأنه قال : الأكثر على عدمهما في جميع هذه الثلاثة خلافا لبعضهم في خصوص ـ الميم ـ.

٤ ـ (و) الوجه الرابع الّذي هو (إبدال الألف) عن النون كائن ـ وجوبا ـ (في المنصوب المنون) المجرّد عن تاء التأنيث ، عوضا عن نون التنوين المحذوفة ، لخفتها ومناسبتها للفتحة فيحصل بابدالها الجمع بين الخفة المطلوبة في الوقف وابقاء الحركة والتعويض عن المحذوف ، وخالف فيه ربيعة ، فانّهم يقفون على المنصوب ـ أيضا ـ بحذف الحركة والتنوين معا من غير ابدال ، كما قال :

ألا حبّذا غنم وحسن حديثها

لقد تركت قلبي به هائما دنف (١)

فانّه وقف على دنف وهو منصوب من غير تعويض ، وغنم : إمرأة ، وكما قال :

ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر (٢)

(وفي إذن) عوضا عن نونه ، تشبيها لها بتنوين المنصوب ، وأجمع عليه القرّاء السبعة ، خلافا للمازني ، حيث أوجب الوقف عليها بالنون ، واختاره ابن عصفور ، والمبرد جوّز الوجهين.

(وفي إضربن) ـ بالنون الخفيفة ـ عوضا عنها ، تشبيها بذلك التنوين أيضا ، وهذا لازم شائع ، وجعل منه بعضهم قوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ)(٣).

(بخلاف المرفوع ، والمجرور) المنونين (في الواو والياء) المتناسبتين لهما ، فانّهما لم

__________________

(١) لم أقف على نسبة هذا البيت إلى قائل. ألا : للتنبيه. وحب : فعل وذا فاعله وهو للمدح. وغنم اسم امرأة وهي المخصوص بالمدح. وحسن حديثها : معطوف عليها. والدنف : بالتحريك يستوي فيه المذكّر والمؤنّث ومعناه المرض اللّازم.

(٢) هذا عجز بيت للبيد وصدره :

فقوما وقولا بالّذي تعلمانه

وقد مرّ توضيحه في (ص ٢٨) من هذا الكتاب.

(٣) الآية : ٢٤ ق.

٢٤٧

يبدلا عن تنوينهما ـ وقفا ـ ، فلا يقال : هذا رجلو ـ بالواو ـ ، ولا مررت برجلي ـ بالياء ـ ، بل يوقف عليهما بالاسكان ، وذلك (على الأفصح) ، استثقالا للواو والياء في مقام الوقف والتخفيف ، وحكى أبو الخطاب عن ازد السراة : انّهم يبدلونهما عن تنوينهما ، فيقولون : رجلو ، ورجلى ، مثلا ، حرصا على بيان الاعراب.

(ويوقف على الألف) في الأحوال الثلاث (في باب) المنون الّذي آخره ألف مقصورة ، نحو : (عصا ، ورحى) ، ومصلّى ، ومعلّى ، ومعزى ـ فيمن صرفه ـ ، فيقال : عصا ـ بالألف ـ في جميع الأحوال ، (باتفاق) وان اختلفوا في تحقيق تلك الألف ، فزعم أبو عليّ في بعض كتبه وفاقا لسيبويه فيما زعمه المصنف ورجّحه : انّها في النصب مبدلة عن التنوين ، وفي الرفع والجر هي المحذوفة الّتي كانت فاعيدت بعد سقوط التنوين وقفا ، حيث زال موجب حذفها وهو التقاء الساكنين ، قياسا لهذا الباب ـ حيث أشكل الأمر في ألفه ـ على الصحيح المنون المعلوم أمره في إبدال الألف عن تنوينه في النصب دون الرفع والجرّ.

وزعم المازني وبعضهم : انها مبدلة عن التنوين في الأحوال الثلاث ، لوقوعه في جميعها بعد فتح ما قبل الألف المحذوفة ، كما وقع بعد الفتحة في الصحيح المنون المنصوب ، ويضعف بأنّ الشائع في لغتهم : هو اعتبار الحركات المقدرة ، والتنوين فيما نحن فيه واقع في الرفع والجر بعد الضمّة والكسرة الاعرابيتين المقدرتين على الألف المحذوفة فلا عبرة بفتحة ما قبلها.

وزعم المبرد : وفاقا لسيبويه فيما فهمه بعضهم من كلامه ، أنها في الأحوال الثلاث هي المحذوفة المعادة بعد سقوط التنوين كما مرّ ، متمسّكا بكثرة امالتها في الأحوال كلّها ، وقوعها رويّا في الشعر مع قلّة امالة المبدلة عن التنوين وامتناع وقوعها رويّا عندهم ، فامالتها كما يروي في : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(١) ، والرويّ

__________________

(١) الآية : ١٢٥ البقرة.

٢٤٨

كما في سرى من قول الشماخ :

وربّ ضيف طرق الحيّ سري

صادف زادا وحديثا ما اشتهى (١)

وقد يمنع كثرة امالتها ويحمل الرويّ على الشذوذ ، ومنهم من يخص امالتها بما عدا النصب على ما يناسب قول أبي عليّ ، وقد تحذف الألف ـ وقفا ـ للضرورة ، كما حذفها لبيد عن المعلّى في قوله :

وقبيل من لكيز شاهد

رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ (٢)

ولكيز : مصغرا بالزاي المعجمة ـ ابن قصي بن عبد القيس أبو قبيلة ، ورهط مرجوم : بالجيم ـ.

(و) الألف المقصورة الكائنة في الوقف على المنصوب المنوّن (قلبها وقلب كلّ ألف) مقصورة ، كألف ـ حبلى ـ ويضربها ، وعصا ، وغير ذلك في الوقف (همزة) ساكنة مثل أن يقال رأيت رجلا ، وهذه عصاء ، ويضربهأ ، بهمزة ساكنة في آخرها كما هو لغة قوم (ضعيف) يحترز عنه الفصحاء.

(وكذلك) في الضعف (قلب ألف نحو : حبلى) وهو المقصورة الكائنة للتأنيث (همزة) ساكنة على ما مرّ ، (أو واوا) كما هو لغة بعض طيّ ، (أو ياء) كما هو لغة فزارة وبعض قيس ، وتخصيص الحكم بألف نحو : حبلى باعتبار القلب واوا أو ياءا ، فانّه مختص بتلك الألف ، بخلاف القلب همزة ، فانّه يعمّ الألفات كألف المثنى وغيره ، صرّح بذلك في شرح المفصل ، وذكر نجم الأئمّة رضي : ان هذا التخصيص خطأ ،

__________________

(١) البيت للشماخ بن ضرار الغطفاني في عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. الطرق : الاتيان ليلا. والسري : بضمّ السين السير تمام اللّيل وألفه منقلبة عن الياء. والاستشهاد : على انّ الألف من المقصور لام الكلمة في الأحوال كلّها لأنها وقعت رويا وليست مبدلة من التنوين في الوقف.

(٢) ينسب هذا البيت إلى لبيد بن ربيعة الصحابي المعروف يصف فيه مقاما فاخرت فيه قبائل ربيعة قبيلة من مضر. ومرجوم وابن المعلّ : سيدان من سادات لكيز. والاستشهاد بالبيت في قوله : (ابن المعلّ) حيث أراد ابن المعلّى فحذف الألف المقصورة في الوقف.

٢٤٩

لأنّ الحكم يعمّ كل ألف في الآخر على ما فصله.

والداعي لهم إلى القلب إلى هذه الحروف كونها أظهر من الألف مع التناسب ، فانّ الهمزة تناسبها في المخرج ، والواو والياء تناسبانها في المدّ وسعة المخرج ، وضعف الجميع لكراهة اقامة هذه الحروف ـ خصوصا الهمزة ـ مقام الألف التي هي أخف منها في الوقف الذي يناسبه الخفة ، ولضعفها لم يعدّها من الوجوه الّتي اعتبرها للوقف ، وبعض العرب قد يجرون الوصل في قلب الألف إلى الواو والياء فيه مجرى الوقف.

وقد اعترض بأن قوله : قلب كلّ ألف همزة يغني عن قوله : همزة ههنا ، وعن قوله : قلبها ـ سابقا ـ ، واجيب : بأن قوله : قلبها ثمّه لئلّا يتوهّم ان قوله : كلّ ألف تعميم للالفات المبدلة عن تنوين المنصوب ، بناء على استبعاد القلب همزة مع ثقلها في الجميع ، وقوله : همزة ههنا لئلّا يتوهّم ان ألف نحو حبلى إنّما تقلب واوا أو ياء دون الهمزة ، وانّ الحكم العام السابق مخصّص بما عدا تلك الألف.

٥ ـ (و) الخامس من الوجوه المعتبرة وهو (ابدال تاء التأنيث) في الاسم (١) (هاء) كائن (في) ما ليست التاء فيه عوضا عن اللّام المحذوفة ، (نحو : رحمة) ، ونعمة ، في الرفع والنصب والجر(على الأكثر) ، فرقا بينها وبين تاء التأنيث في الفعل ، كضربت فانّها يوقف عليها على لفظها بعينها ، إذ لو قلبت هاء كضربه التبس بضمير المفعول ، واختيرت الهاء في الإبدال ، لمناسبتها الخفة المطلوبة في الوقف بما فيها من الهمس واللّين في النطق ، وبذلك قد تزاد هاء السكت وقفا.

وهذا بخلاف ما ليست للتأنيث أصليّة كانت كما في : وقت ، وسمت ، أو زائدة كعنكبوت ، وعفريت ، وبخلاف المعوضة ، كأخت ، وبنت ، فانّ الوقف في الجميع على لفظها من غير ابدال ، لكون الأوّلين من أجزاء الكلمة ولو بعد الزيادة ، وقيام

__________________

(١) وفي نسخ المتن : ابدال تاء التأنيث الاسميّة هاء.

٢٥٠

الثالثة مقام الجزء.

ومقابل الأكثر : ما حكى عن بعض العرب من الوقف على تاء نحو : رحمة ، ونعمة ، على لفظها بدون الإبدال ، فيقولون : هذا طلحت ، وخبز الذّرّت مثلا ، وعليه روى قول الراجز :

الله نجّاك بكفّى مسلمت

من بعد ما وبعد ما وبعدمت

صارت نفوس القوم عند الغلصمت

وكادت الحرّة أن تدعي أمت (١)

ومسلمة : رجل ، والغلصمت : الحلقوم ، وبعدمت : أصله بعد ما لتكرير ما قبله ، فقلبت الألف تاء لموافقة القوافي ، وكما جاء : في مواضع من القرآن عن بعض السبعة ، كالوقف على ان (شَجَرَةُ الزَّقُّومِ)(٢) و(امْرَأَتَ نُوحٍ)(٣) بالتاء عن جماعة منهم.

(وتشبيه تاء ـ هيهات ـ به) أي بما ذكر من تاء نحو رحمة في الابدال ـ هاء ـ في الوقف (قليل) ، وبه قرأ الكسائيّ ، والبزيّ وافقه في الموضعين في القرآن المجيد ، وقيل : في الثاني فقط ، والأكثر على الوقف عليها بلفظها من غير ابدال ، وبه قرأ الآخرون ، وذلك انّه اسم فعل بمعنى : بعد ، وأصله الّذي نقل عنه مجهول ، فربّما قدر مفردا تشبيها له بنحو : تورية ، وقوقاة (٤) ، من المفردات الّتي توازنها ، على أن

__________________

(١) هذا الأبيات من الرجز المشطور ولم أقف على نسبتها إلى قائل ، ومسلمت : بفتح الميم واللّام ـ اسم شخص ، وأصله مسلمة ، و «ما» في قوله : «من بعد ما» يجوز ان تكون مصدرية ، وان تكون كافة مسوغة لبعد ان يليها الفعل ، وقد كرّر «بعد ما» ثلاث مرات لقصد التهويل وتفخيم الحال ، يريد نجاك الله من الاعداء بكف هذا الرجل المسمّى مسلمة بعد ما كاد يتعسر عليك الافلات وكادت النّساء الحرائر يسبين فيصرن اماء. والاستشهاد على انّ الألف قلبت تاء في قوله : «وبعدمت».

(٢) الآية : ٦٢ الصافات.

(٣) الآية : ١٠ التحريم.

(٤) مصدر قوقت الدجاجة إذا صوتت عند البيض وأصلها : قوقية فقلبت الياء ألفا.

٢٥١

أصله : هيهية كدحرجة ، فقلبت يائه الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فالوقف بالهاء.

ويقدره الأكثر جمعا ، لوقوع التاء فيه بعد ما غالب وقوعها بعده في الجمع ، وهو الألف ، فالمناسب تقدير الجمعيّة والوقف بالتاء ، على ان أصله : هيهيات ـ بيائين ـ على «فعللات» فحذفت الثانية على خلاف القياس ، ووزنه «فعللات» فحذفت الثانية على خلاف القياس ، ووزنه «فعلات» ، مع ان في الوقف بالتاء رعاية لمشابهة الفعل في الوقف على تائه بلفظها ، ولرسم الخط حيث كتب مطولة.

(و) تشبيه التاء(في) الجمع المؤنث بالألف والتاء ، نحو : (الضاربات) بالّتي في نحو : رحمة في الوقف بالهاء على ما حكاه قطرب عن بعض طيّ (ضعيف) ، لعدم تمحضها للتأنيث فانّها للجمعية والتأنيث معا على ما حققوه.

(وعرقات) ـ بكسر المهملة الاولى وسكون الثانية بعدها القاف ـ بمعنى : الأصل ، (ان فتحت تاؤه في النصب) وهو الأكثر(فبالهاء) في الوقف ، لأنّ الفتحة تدل على اعتبار الإفراد كسعلاة ، (١) (وإلّا) أي وان لم يفتح تاؤه في النصب بل كسرت (فبالتاء) من غير ابدال ، لدلالة الكسرة ـ نصبا ـ على اعتبار الجمعيّة لعرقة مثل : كسرة وكسرات ، فيجوز في الراء على هذا الفتح والكسر والاسكان.

واعلم انّ الحكم بكون إبدال تاء نحو : رحمة هاء من وجوه الوقف يدل على عدم إبدالها إيّاها إلّا في الوقف ، أو فيما أجرى مجراه من الوصل في الوضع (٢) كما في الأسماء المعدودة ، وهكذا غيره من وجوهه على ما تقرّر بينهم واشتهر ، وهذا يقتضي لزوم السكون في الهاء ، للزومه في الوقف والجاري مجراه.

(وأمّا ثلاثة ... أربعة) عند ذكر العددين على طريقة الأسماء المعدودة من غير

__________________

(١) فحكم عليه بأنّه اسم جمع فالتاء فيه لمحض التأنيث. وقال الرضي : اسم مفرد.

(٢) أي لا على نيّة الوقف والقطع كما مرّ في التقاء الساكنين.

٢٥٢

اعراب ، وقلب التاء من ـ ثلاثة ـ هاء ـ كما مرّ(في) قول (من حرّك) الهاء من ثلاثة وحذف الهمزة من ـ أربعة ـ على ما حكاه سيبويه ، (فلأنّه) أبدل التاء من ثلاثة ـ هاء ـ ساكنة اجراء للوصل مجرى الوقف ، ثمّ (نقل حركة همزة القطع) الّتي هي جزء من الأربعة(لما وصل) ثلاثة بأربعة ، فلذلك حذف تلك الهمزة على قياس حذفها ، إذ لو لا ذلك النقل لم تحذف ، لكونها همزة القطع ، فليس فيه ما ينافي ما دلّ عليه جعلها من وجوه الوقف مع انّ الضدّ قد يحمل على الضدّ. (١)

وهذا(بخلاف (الم اللهُ)(٢) ، فانّه لمّا وصل) الم بالجلالة وحذفت همزتها ـ درجا ـ لكونها وصليّة(التقى ساكنان) ، فحركت الميم بالفتحة للتفخيم كما مرّ ، والمقصود ان لا يتوهّم من كون حذف الهمزة في ثلاثة ... أربعة وتحريك ما قبلها لنقل الحركة أنّ الحذف والتحريك ههنا كذلك كما توهمه بعضهم ، بل حذف الهمزة ههنا للدرج ، والهمزة الساقطة ـ درجا ـ تسقط مع حركتها من غير نقل إلى ما قبلها ، فتحريك الميم ليس لنقل الحركة بل لالتقاء الساكنين ، وقد مضى الكلام فيه.

٦ ـ (وزيادة الألف) الّتي هي السادسة من جهات الوقف ـ كائنة وجوبا(في أنا) وهو ضمير المتكلم ، حفاظا للفتحة البنائية في النون عن السقوط بالوقف ، مع ان سقوطها مظنة الالتباس بأنّ المخفّفة الساكنة النون. (٣)

وقد تزاد ـ وصلا ـ في لغة بعض العرب في السعة (٤) ، وفي لغة غيرهم للضرورة ، كما في قوله :

أنا سيف العشيرة فاعرفوني

حميدا قد تذرّيت السّناما (٥)

__________________

(١) أي لو فرض عدم الاجراء في الوضع فالضدّ قد يحمل على الضدّ.

(٢) الآية : ١ آل عمران.

(٣) هذا كلّه على قول من حرك النون وصلا امّا من سكّنها فيه فالوقف بالسكون لا غير.

(٤) وفي بعض النسخ : في السبعة والظاهر الصحيح : في السعة بقرينة قوله للضرورة.

(٥) البيت لحميد بن حريث الكلبي ، وتذرّيت : علوت وأصله من بلوغ الذروة وهي أعلى

٢٥٣

وزعم الكوفيون : انّ الألف جزء من ـ أنا ـ في الوضع فحذفت ـ وصلا ـ تخفيفا ، واعيدت ـ وقفا ـ للحاجة.

وقال سيبويه : تزاد الألف ـ وقفا ـ في حيّهل من أسماء الأفعال أيضا ، فيقال : حيّهلا ، وجوز بعضهم كون ألفها بدلا من التنوين في ـ حيّهلا ـ كابدالها من نون التأكيد الخفيفة.

(ومن ثمّ) أي ومن أجل زيادتها وقفا في ـ أنا ـ (وقف على) قوله تعالى : ((لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)(١) بالألف) ، لأن أصله : لكن أنا ـ بسكون النون المخفّفة ـ من لكن ، فحذفت همزة ـ أنا ـ بعد نقل حركتها إلى النون وادغمت النونان ، وانّما صاروا إلى ذلك؟ إذ لو كانت لكن هي المشدّدة النون ـ والألف لاشباع فتحها ـ لزم النصب في اسمها فلا يكون الضمير الغائب المرفوع المذكور بعدها اسما لها ، واعتبار حذف ضمير الشأن المنصوب ضعيف عندهم فكيف يعتبر في أفصح الكلام.

وتحذف الألف من ـ لكنّا ـ وصلا ، خلافا لابن عامر وحده من السبعة ، حيث أثبتها في الحالتين لئلّا يلتبس بلكنّ المشدّدة ، وقوله تعالى : هو ضمير الشأن ، والجملة بعده خبر له ، وهو مع ما بعدها خبر أنا ، والعائد الياء من ربّي ـ أي لكن انا الشأن الله ربّي ـ كأنه قال : لكني مؤمن موحد.

(وأنه) بالهاء الساكنة في ـ انا ـ مكان الألف وقفا كما في لغة بعض طيّ ، ومنه قوله :

لو كنت أدري فعليّ بدنة

من كثرة التّخليط أنّي من أنه (٢)

__________________

ـ الشيء ، والسنام للبعير معروف. وهو استعارة للارتقاء إلى المراتب العليّة وعلوّ المجد والرفعة. والشاهد : أنا حيث جاء بالألف مع الوصل.

(١) الآية : ٣٨ الكهف.

(٢) البيت لم أعثر على قائله ، وكلماته لا يحتاج إلى توضيح ، والشاهد فيه ـ أنه ـ حيث جاء بالهاء الساكنة وقفا.

٢٥٤

(ومه) في ـ ما ـ الاستفهامية الّتي ليست بمجرورة ، كما يحكي عن أبي ذؤيب انّه : ورد المدينة عند وفات النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فسمع أصوات الناس فقال : مه يعني : أيّ شيء ، فاخبروه بالقصّة ، (قليل) في كلامهم ، والشائع : الألف.

ثمّ ان هذه الهاء مبدلة عن الألف عند الزمخشري ، للقرب في المخرج ، وقيل : الاولى أنها في ـ مه ـ هاء السكت حملا على المجرورة الّتي يأتي حكمها ـ إن شاء الله تعالى ـ.

٧ ـ (و) الوجه السابع وهو (الحاق هاء السكت) (لازم في) كل كلمة بقيت بعد حذف شيء منها على حرف واحد ، من غير ان يصير كالجزء ممّا قبلها ، امّا لعدم شيء قبلها(نحو :) قولك : مبتدئا(ره) ـ بفتح الرّاء ـ ، (وقه) ـ بالكسر ـ ، في : ر ، وق ، أمرين من رأي ووقي ، وقد صارا بالاعلال على حرف ، (و) امّا لوجود ما يستقل بالمفهومية ، نحو : (مجيء مه) بنصب المجيء على المفعول المطلق لقولك : جئت ، مضافا إلى ـ ما ـ الاستفهامية ، (ومثل مه) برفع المثل على الخبرية لقولك : أنت ، مضافا إلى ـ ما ـ أيضا ، (في) قولك : (مجيء م جئت) ـ أي مجيء أي شيء جئت ـ ، (ومثل م أنت) ـ أي مثل أيّ شيء أنت ـ ، وتقديم المصدر والخبر على الفعل والمبتدأ لاشتمالهما على الاستفهام المقتضي للصدر ، إلّا فيما يضطر إلى تقديمه ، كالمضاف إلى اداته ، لامتناع تقديم المضاف إليه.

ـ فما ـ الاستفهامية في نحو ذلك على حرف ، على الأكثر من حذف ألفها في الجر (١) ، فلو وقف عليها وعلى نحو : ر ، وق ، بالسكون كانت في معرض الابتداء بالسكون عند الابتداء ، لجواز الابتداء بها حيث لم تصر جزءا ممّا قبلها ، وان أبقيت حركتها لزم الوقف على المتحرّك ، فزادوا حرفا يقع عليه السكون ، واختاروا الهاء ، لخفتها وسهولة السكوت عليها ، وهكذا الحكم عند ابن مالك فيما يبقى على حرفين

__________________

(١) وبعض العرب لا يحذف الألف من «ما» الاستفهامية المجرورة.

٢٥٥

أحدهما زائدة ، نحو : لم يعه في لم يعي من وعي ، فان حرف المضارعة زائدة ، وردّ بالاجماع على وجوب الوقف على نحو : (لَمْ أَكُ) بدون الهاء.

(و) الحاق ـ هاء السكت (جائز في نحو : لم يخشه ، ولم يغزه ، ولم يرمه) ، وهيه ، نحو : (ما أَدْراكَ ما هِيَهْ)(١) ، وهوه ، كما قال حسان :

إذا ما ترعرع فينا الغلام

فما إن يقال له من هوه (٢)

(وغلاميه) باضافة الغلام إلى ضمير المتكلم ، وضربنيه بصيغة الماضي مع تلك الياء ونون الوقاية ، (وعلامه ، وحتّامه ، وإلّا مه) بما الاستفهامية المخفوضة بحرف الجر الّتي هي : على ، وحتّى ، والى ، ونحو : فيمه أنت (٣) ، وعمه يتساءلون (٤) ونحوهما في القرآن المجيد في رواية عن البزّيّ عن ابن كثير ، خلافا لجميع من عداه من السبعة ، تبعا للرسم في المصاحف بدونها.

وبالجملة فالحاقها جائز في كلامهم في الأمثلة المذكورة ونحوها ، (ممّا) ليس بساكن بل متحرك و (حركته غير اعرابيّة ، ولا مشبّهة بها) ، سواء كانت تلك الحركة ـ الّتي ليست باعرابية ولا مشبهة بالاعرابية ـ بنائيّة ، كالّتي في هو وهي ، وفي ياء المتكلم عند تحريكها بالفتح على ما هو الأصل فيها ، أم كانت في جزء من الكلمة بالوضع قبل آخرها المحذوف ، سواء زاد ما بقي منها بعد حذف آخرها على واحد ، نحو : لم يخش ، ولم يغز ، ولم يرم ، أم بقى على واحد صار كالجزء ممّا قبلها

__________________

(١) الآية : ١٠ القارعة.

(٢) البيت نسبه الشارح لحسان ، وما في قوله : إذا ما زائدة ، وترعرع الغلام : كتدحرج إذا أنشاء وقارب الحلم ، فما ان يقال : جواب الشرط ، وإن بكسر الهمزة مزيدة لتأكيد النفي ومن الاستفهامية مبتدأ خبرها هو ، يريد الغلام منهم إذا بلغ كان معروفا للناس ولا يحتاج إلى ان يستفهم عنه.

(٣) الآية : ٤٣ النازعات.

(٤) الآية : ١ النبأ.

٢٥٦

لعدم استقلال ما قبلها بالمفهومية ، نحو : حتّام ، وما يتلوه ، فيجوز في جميع ما ذكر الحاقها ، لحفظ الحركات الّتي يعتني بها ، للزومها كالبنائيّة ، أو لدلالتها على الآخر المحذوف من الكلمة أيضا ، كما في الأفعال المذكورة ، فان لاماتها حذفت بالجزم وبقيت حركات ما قبلها دالّة عليها.

ويجوز تركها والوقف بالاسكان للخفة ، مع عدم الاضطرار إلى زيادتها ، ويكتفي للدلالة على المحذوف بالقرائن.

وهذا بخلاف الساكن ، نحو : إضرب ، ولم يضرب ، وكم ، وكأيّن ، لعدم الداعي إلى الحاقها ، وبخلاف ما تحرك حركة اعرابية ، نحو : زيد ، وبكر ، وبخلاف ما حركته مشبهة بالاعرابية وذلك (كالماضي ، وباب : يا زيد ، ولا رجل) فان حركة الماضي مشبهة بحركة المضارع ، لأن بناء الماضي على الحركة ـ مع انّ الأصل في البناء السكون ـ لتشبيهه بالمضارع في الوقوع موقع الاسم ، كزيد ضرب ، وزيد يضرب ، كما يقال : زيد ضارب ، ووقوعه موقعه في الشرط ، فان قولك : إن ضربت ضربت معناه : إن تضرب أضرب.

وحركة المنادي ، واسم لا النافية للجنس عارضتان كالاعرابية ، فالوقف على الجميع بالاسكان بدون الهاء ، لعدم الاعتناء بالمحافظة على حركاتها ، لكونها عارضة أو مشبهة بها ، وما حكاه سيبويه عن بعض العرب : من الحاقها مع الحركة الاعرابية شاذ ، وكذا لحوقها مع الحركة البنائية العارضة (١) ، نحو : من عله في قوله :

يا ربّ يوم لي لا اظلّله

ارمض من تحت واضحى من عله (٢)

__________________

(١) أي الحركة المشبهة بالاعرابية.

(٢) البيت قد ينسب إلى أبي مروان ، وأنا لا أدري من أبو مروان؟ ولا أظلّله : على البناء للمفعول أي لا أظلّل فيه ، وارمض وأضحى : مضارعان مجهولان على ما زعمه العينيّ من رمضت قدمه إذا أحرقت من شدّة الرمضاء ، وهي الأرض الّتي تقع عليها شدّة حرارة الشمس ، ـ وأضحى فلان : برز للشمس ،

٢٥٧

عند بعضهم.

(و) كذا الحاق ـ هاء ـ السكت وقفا جائز(في) كل اسم آخره ألف مقصورة ، لبيان تلك الألف ، بشرط كون ذلك الاسم غريقا في البناء بحيث يمتنع اضافته إلى شيء ، (نحو : ههناه ، وهؤلاه) بالقصر ، وذاه ، ويا ربّاه ، بخلاف ما يجوز اضافته ، لامتناعه فيه أيضا ، لئلّا يلتبس بالمضاف إلى الضمير نحو : عصاه ، فتاه.

وقد يجري الوصل مجرى الوقف في الحاق هاء السكت ، نحو : (لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ)(١) ، (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ)(٢) ، على قراة غير حمزة والكسائي ، بالهاء وصلا أيضا ، ويجب اسكانها فيه كما في الوقف ، وتحريكها في قول عروة :

يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل

عفراء يا ربّاه من قبل الأجل (٣)

لحن ، وربّما اعتذر له بأنه للتحرز عن التقاء الساكنين وصلا على غير حده ، ويناسبه كسرها على الأصل في تحريك الساكن على ما يروي ، وربّما يروي مضمومة ، تشبيها بهاء الضمير.

٨ ـ (و) الوجه الثامن وهو حذف الواو والياء قد يكون ـ وجوبا ـ وقد يكون ـ جوازا ـ فمن ذلك (حذف الياء) كائن ـ جوازا ـ (في) كل ياء مكسور ما قبلها

__________________

ـ ومن عله : أي من فوق ، والهاء للسكت عند بعضهم ، وبناء ـ عل ـ بمعنى فوق عارض ويزول عند الاضافة. وقال ابن الخشاب : الهاء في عله مبدلة عن الواو.

(١) الآية : ٢٥٩ البقرة.

(٢) الآية : ٩٠ الأنعام.

(٣) البيت نسبه الشارح لعروة ، أسل : مضارع للمتكلم مخفف أسأل ، وايّاك مفعوله الأوّل وأتى بضمير الفصل للتقديم للتخصيص ، وعفراء : مفعوله الثاني ، وعفراء اسم امرأة ، وبعد المصرعين :

فان عفراء من الدّنيا الأمل

٢٥٨

تكون جزء من الكلمة ملفوظة في الأحوال كلّها وصلا ، (نحو : القاضي) ، والعمى ، والجواري ، أي معرّفة باللّام ـ ، أو تكون ضميرا للمتكلم (و) ذلك كالياء في نحو : (غلامي) ، واكرمني ، سواء(حرّكت) الّتي هي ضمير المتكلم في الوصل ، (أو سكّنت) فيه ، فيجوز فيما ذكر حذف الياء واسكان ما قبلها ، نحو : (رَبِّي أَكْرَمَنِ ، رَبِّي أَهانَنِ)(١) لأنّ الوقف محل الاستراحة مع ما في حذفها من ظهور الفرق بين الوصل والوقف ، ويجوز اثباتها ، لثبوتها في الوصل مع عدم حدوث موجب للحذف في الوقف ، (واثباتها أكثر) في الجميع في كلامهم ، كراهة الحذف من غير موجب ، والفرق بين الحالين (٢) بقطع الكلمة عمّا بعدها وعدمه.

ثمّ ان جواز الحذف في نحو : القاضي مختص بحالتي الرفع والجر ، ويتعين في المنصوب الوقف باثبات الياء وحذف حركتها ، لعدم تطرق الحذف إليها على حال حتّى مع التنوين ، فهي في حكم الصحيح.

وربّما أشعر كلام بعضهم : بلزوم اثبات ياء المتكلم وقفا ، فيمن حرّك وصلا مع حذف حركتها ، أو الحاق هاء السكت ، نحو : ضربنيه ، وغلاميه ، ولزوم الحذف فيمن أسكن ، فقوله : حرّكت أو سكنت للردّ على هذا ، لا لدلالة الاستقراء على فساده ، ولذلك حذفها ورش (٣) بلا خلاف ـ وقفا ـ ، مع انّه فتحها ـ وصلا ـ في قوله تعالى : (فَما آتانِيَ اللهُ)(٤) ، وأثبتها ساكنة في أكثر ما في القرآن ـ وقفا ـ من أسكنها وصلا.

وحكم الياء فيما ذكر(عكس) حكم الياء الّتي هي جزء من الكلمة ، وتحذف ـ رفعا وجرّا ـ ، نحو : (قاض) ، وجوار ، وعم ، بالتنوين ، فان حذف الياء في نحوه

__________________

(١) الآيتان : ١٥ ـ ١٦ الفجر.

(٢) أي الوقف والوصل.

(٣) واسمه : عثمان بن سعيد المتوفى سنة ١٩٠ الهجرية.

(٤) الآية : ٣٦ النمل.

٢٥٩

ـ رفعا وجرّا ـ في الوقف نظرا إلى بقاء موجب الحذف وهو التنوين تقديرا ، أكثر من اثباتها نظرا إلى سقوطه عن اللفظ ، وذلك (١) لأن رعاية الأصل المقدر شائعة في كلامهم ، كالضمة في : اغزي ، والكسرة في : إرموا ، مع الاعتناء بالتخفيف في الوقف.

وقرأ ابن كثير : ولكل قوم هادي) (٢) وما لهم من دونه من والي (٣) ، بالاثبات.

وتثبت ـ وجوبا ـ نصبا عند الجميع مع قلب تنوينه ألفا في غير لغة ربيعة ، خلافا للزمخشري فيما يفهم من كلامه من ورود الحذف فيه على قلّة ، وردّه المصنف بأنه مخالف لما ذكروه.

وإذا نودي المنقوص المفرد المعيّن فالوجه في الياء : الاثبات عند الخليل والمبرد ، لامتناع التنوين في هذا المنادي ، فهو كالقاضي ـ معرّفا باللّام ـ ، والحذف عند يونس وسيبويه ، لأنّ المنادي موضع تخفيف ولذلك يلحقه الترخيم.

والمنادي المضاف : حكمه حكم المنصوب من نحو : القاضي ، وغير المعين ، وشبه المضاف : في المنصوب المنون من نحو : قاض ، لكونهما منونين منصوبين.

(واثباتها) فيما حذف منه حرف آخر قبل الوقف وليس فيه ما يوجب حذف الياء ، (نحو : يامري إتّفاق) منهم ، لئلّا يلزم إلّا جحاف بكثرة الحذف والتغيير من غير اعلال موجب للحذف ، وـ يا ـ للنداء ، والمري : اسم فاعل من الاراءة ، وأصله : المرئي ـ بسكون الراء وكسر الهمزة ـ فنقلت كسرتها إلى الراء وحذفت ، وتحذف يائه عند التنوين بالاعلال ـ رفعا وجرّا ـ كقاض ، وتثبت في غير ذلك كما في حال النداء.

(واثبات الواو والياء ، وحذفهما في الفواصل) الّتي هي رؤوس الآي ،

__________________

(١) أي أكثرية حذف الياء من اثباتها.

(٢) الآية : ٧ الرعد.

(٣) الآية : ١١ الرعد.

٢٦٠