شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

و «فعلية» كهبرية ـ لوسخ أسفل الشعر شبه النخالة ـ ، و «فعلوة» كعرقوة. (١)

(و) أمّا(الصفة) المؤنثة بالألف : فما كانت منها مقصورة الألف ـ وليس لها مذكر على «أفعل» ـ ان كان لها مذكر على «فعلان» (نحو : عطشي) مؤنث عطشان يجمع (على) «فعال» ـ بالكسر ـ ، نحو : (عطاش) ، (و) ان لم يكن لها مذكر كذلك (نحو) : شاة(حرمي) بالحاء والراء المهملتين ـ على زنة عطشي ـ أي مشتهية للفحل ـ يجمع (على) «فعالى» ـ بفتح الفاء والألف المقصورة ـ ، نحو (حرامي) ، وربّما جاء : حرام كعطاش بناء على اعتبار المذكر تقديرا ، كأنّه لو قيل : للمذكر لقيل : حرمان كعطشان ، كذا قال الجوهري ، وكذلك يقال : في حبلى ، وخنثى ـ بضمّ الأوّل منهما ـ حبالى ، وخناثي ، لعدم مذكر لهما على «أفعل» وعلى «فعلان».

(و) ما كانت ممدودة الألف : فان كانت على «فعلاء» ـ بفتح الفاء وسكون العين ـ ، (نحو : بطحاء) ـ للواسعة من مسيل الماء الّتي فيه دقاق الحصى ـ يجمع (على) «فعال» بالكسر ـ نحو : (بطاح) ، (و) ان كانت على «فعلاء» ـ بضمّ الفاء وفتح العين والمدّ ـ (نحو : عشراء) ـ للناقة الّتي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر وزال عنها اسم المخاض ـ ، ونفسآء : للّتي وضعت حملها ، يجمع (على) «فعال» بالكسر ـ نحو : (عشار) ، ونفاس ، لمناسبته لنحو الأنثى في ضمّ الأوّل ، ولنحو بطحآء في المدّ ، لكنّه لم يرد في جمع هذه الزنة إلّا في عشرآء ، ونفسآء على ما صرّح به بعض اللّغويين.

وجاء في النفسآء : نفس ـ بضمّتين ـ ، ونفاس ـ بالضم ـ ، وهو جمع نادر ، ويجوز فيهما عشراوات ، ونفساوات ـ بالألف والتاء وقلب الهمزة واوا ـ ، وهكذا في كل همزة منقلبة عن ألف التأنيث عند الجمع بالألف والتاء ، تحرّزا عن اجتماع علامتي التأنيث وهما الهمزة والتاء ، كصحراوات وغيرها.

والجمع بالألف والتاء مطرد في المؤنث الّذي ألفه ـ رابعة ـ وليس له مذكر على

__________________

(١) وهي الخشبة المعترضة على رأس الدلو.

٢٠١

«أفعل» سواء كانت ألفه مقصورة أو ممدودة على ما ذكره بعض المحقّقين.

(و «فعلى») من الصفة المقصورة الألف الّتي لها مذكر على «افعل» وذلك في اسم التفضيل ، (نحو : الصّغري) مؤنث الأصغر ، والكبرى مؤنث الأكبر ، والفضلي مؤنث الأفضل ، يجمع (على) «فعل» ـ بضمّ الفاء وفتح العين ـ ، نحو : (الصّغر) ، والكبر ، والفضل ، ولم يرد هذا الجمع في «افعل» للمذكر إلّا فيما لا يعقل ، كقوله تعالى : (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ*)(١) فانّه جمع الآخر ـ لليوم ـ وأجرى مجرى اخرى على ما في شرح المفصل ، لأن ما لا يعقل يجري مجرى المؤنث.

والمصنف عرّف هذا الجمع باللّام على خلاف سائر ما ذكره ، لأن اسم التفضيل المجرّد عن الاضافة لا يجمع إلّا معرّفا ولذا قال سيبويه : لا يقال : نسوة صغر ولا قوم أصاغر إلّا مع اللّام.

(و) المؤنث (بالألف) حالكونها(خامسة) : ان كانت مقصورة فالمسموع منهم فيه هو الجمع بالألف والتاء ، ولم يوجد في كلامهم تكسير لمثله أصلا ، وذلك : (نحو : حبارى) ـ لطائر ـ ، فان ألفها خامسة للتأنيث ـ ومخالفة الجوهري في ذلك ضعيفة ـ للاجماع على منعها من الصرف والتنوين ، يجمع (على حباريات) بالاتفاق ، وقلبت المقصورة ياء ، وهكذا كل ألف مقصورة للتأنيث عند الجمع بالألف والتاء كجبليات ، لتحرز عن اجتماع العلامتين.

واختيرت الياء لها والواو للمدودة ، لأنّ الواو أقوى وبالهمزة احرى ، وذو المقصورة الزائدة الّتي ليست للتأنيث ومعها زيادة اخرى كسرندى ـ للشديد ـ وحبنطى على «فعنلى» بالألف المزيدة للالحاق بسفرجل يجوز فيه حذف كل منهما ، فيقال : سراند ، وحبانط ـ ان حذفت الألف ـ ، والحباطي والسّرادي ـ بقلب الألف ياء وكسر ما قبلها ـ على «فعالي» ـ بالياء ـ ان حذفت النون.

وان كانت ـ الخامسة ـ في المؤنث الممدود جازان يجمع ما هي فيه بالألف والتاء ،

__________________

(١) الآية : ١٨٤ ـ ١٨٥ من سورة البقرة.

٢٠٢

كقاصعاوات ، وخنفساوات ، وان تحذف مع الهمزة ويجمع الاسم على صيغة منتهى الجموع ، كقواصع ، وخنافس في ـ قاصعآء وخنفسآء ، ولم يجوّزوا في نحوه خنافسآء مثلا وان صغر على خنيفسآء ، كراهة الزيادة على صيغ الجمع الأقصى ، وكذا يقال : في زعفران زعافر وان صغّر على زعيفران.

وفيما فوق الألف الخامسة يتعيّن الحذف كيف كانت ، كالحواليّ في حولايا.

[جمع «أفعل» اسما وصفة] :

(و «افعل») : (الاسم : كيف تصرّف) في حركة الهمزة والعين ، (نحو : اجدل) ـ بفتح الهمزة والدال ، للصقر ـ ، (واصبغ) ـ مثلثة الهمزة ومع كل حركة تثلث الباء ـ تسع لغات كذا في القاموس ، ويذكّر ويؤنث ، (واحوص) علما ، ليكون اسما ، يجمع (على) «افاعل» ، نحو : (اجادل ، وأصابع ، وأحاوص).

(وقولهم : حوص) على «فعل» ـ بالضم والسكون ـ في الأحوص ، كما في قول الأعشي ميمون بن القيس يخاطب عبد عمرو بن شريح الاحوص :

أتاني وعيد الحوص من آل جعفر

فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا (١)

فهو وان كان جمع الأحوص الّذي صار علما بالغلبة بقرينة الجمع على الأحاوص لكنّه لا يرد اعتراضا على ما ذكرنا ، لأنّه (للمح الوصفية الأصلية) ، فانّه في الأصل وصف من الحوص ـ بالتحريك ـ وهو ضيق في مؤخّر العين ، أو في إحدى العينين ـ ، والفعل : حوص كفرح ، ورجل أحوص وامرأة حوصاء ، والجمع : حوص.

وقد وقعت مناظرة بين علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص وعامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر فهجا الأعشي علقمة ومدح عامرا فأوعده علقمة بالقتال ، فقال : أبياتا منها هذا البيت ، وحذف الجزاء ، لظهور المراد ـ أي لووددت ذلك ، أو

__________________

(١) هذا البيت لا يحتاج إلى شيء من التوضيح والشرح وذكر المؤلف قائله وشرحه.

٢٠٣

امنت أو نحو ذلك ، وأراد بقوله : من آل جعفر من أجلهم ـ أي من أجل مودّتهم ومدحهم ـ ، والمراد بالحوص والأحاوص : قوم عبد عمرو بن شريح ومنهم علقمة.

(والصفة) : المجردة عن معنى التفضيل من العيب واللون الّتي هي على «افعل» للمذكر ، (نحو : احمر) ، واسود ، وابيض ، واعرج ، واعمى ، يجمع (على) «فعلان» ، نحو : (حمران) ، وسودان ، وعرجان ، وعميان ، (و) على «فعل» ـ بضمّ الفاء وسكون العين ـ مطردا ، كما يجمع مؤنثها أعني «فعلاء» ـ بالمدّ ـ كحمرآء ، وعرجآء ، وعميآء ، على ذلك ، وتقلب ضمّة الفاء كسرة في الأجوف اليائي للياء ، نحو : (حمر) ، وسود ، وبيض ، وعرج ، وعمي ، في المذكر والمؤنث.

وكذلك يطرد «فعل» في جمع «افعل» ممّا ليس له «فعلآء» ، لعدم تحقق معناه في المؤنث ، كآدر ـ من الادرة ـ لانفتاق الخصية ، وفي جمع «فعلاء» ممّا ليس له «افعل» ، لعدمه في المذكر ، كرتقاء ـ في الرتق من عيوب النّساء ـ ، بخلاف ما لم يتفق فيه إلّا أحدهما وان تحقق معناه في المذكر والانثى ، كآلى (١) ـ لعظيم الآلية ـ ، وعجزآء ـ لعظيمة العجز ـ ، فان عظمهما يتصوّر في القبيلتين ، وعدم بناء المقابل ليس لمانع خلقيّ.

(و) لا يجمع المذكر من الصفة المذكورة جمع السلامة ، فلذلك (لا يقال : احمرون) ، واعرجون مثلا عند الجمهور إلّا في الضرورة ، كقوله :

فما وجدت بنات بني نزار

حلائل أسودين وأحمرينا (٢)

__________________

(١) الآلى : بالمد في أوّله أصله : اءلى بهمزتين فقلبت الثانية الساكنة ألفا ، فلم يتّفق فيه البناء للمؤنث ، والعجزاء بالعكس.

(٢) هذا البيت من قصيدة لحكيم الأعور بن عياش أحد شعراء الشام يهجو بها مضر ، وبنات : فاعل وجدت ، وحلائل : جمع حليل وهو الزوج ويقال للزوجة حليلة ، وسميا بذلك لأن كل واحد منهما يحل للآخر ، وهو مفعول وجدت ، وأسودين : جمع أسود ، وأحمرين : جمع أحمر ،

٢٠٤

وذلك (للتّميز (١) عن «أفعل» التفضيل) الّذي يجمع جمع السلامة ، (و) كذلك (لا) يجمع مؤنثها أيضا جمع السلامة ، ومن ثمّة لا يقال : (حمراوات) ، وعرجاوات مثلا ، لكن ليس ذلك لتميز عن مؤنث اسم التفضيل ، لأنّه لا يجمع على هذه الصورة ، فان ألف مؤنث اسم التفضيل مقصورة تنقلب ياء في الجمع بالألف والتاء ، كما يقال : هنّ الفضليات ، وهي متميّز عن حمراوات ، بل (لأنّه فرعه) ـ أي قولهم : حمراوات فرع قولهم : احمرين ـ لأنّ المؤنث فرع المذكر فاذا منع الأصل عن التصحيح فكيف يصحّح الفرع.

(وجاء : الخضراوات) ـ بالألف والتاء ـ في جمع الخضرآء ، على ما روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم انّه قال : [ليس في الخضراوات صدقة] (٢) ، (لغلبته اسما) للبقول الرطبة الّتي تؤكل ـ ، و «فعلآء» الممدودة إذا كانت اسما يجمع كذلك ، كصحراوات.

(و) «افعل» للمذكر من صيغة التفضيل ، (نحو : الأفضل) يجمع في التكسير(على) «الأفاعل» ، نحو : (الأفاضل) ، (و) في التصحيح على نحو : (الافضلين) وان كان الأصل عدم التصحيح فيه ، لعدم قبوله التاء ، ولعل تصحيحه جبر لما فاته من ان يعمل عمل الفعل في الفاعل والمفعول مع ان معناه في الصفة أبلغ وأتم من اسم الفاعل الّذي انّما يعمل فيهما لأجل معنى الصفة ، كذا قال بعض المحقّقين.

__________________

ـ وهما صفتان لحلائل ، والاستشهاد بالبيت في قوله : أسودين وأحمرين حيث جمع أسود وأحمر جمع المذكر السالم بالواو والنون ، وهو عند ابن كيسان ممّا يسوغ القياس عليه وعند غيره خاص بضرورة الشعر.

(١) هكذا كتب في جميع نسخ هذا الشرح ولكن في شرح الشافية غير ذلك بل [لتميّزه] بدل قوله : للتميز. وكيف ما كانت فالعبارة تستقيم معناها.

(٢) الحديث : رواه الترمذي ثمّ قال : اسناد هذا الحديث ليس بصحيح ، كتاب الزّكاة باب ما جاء في زكاة الخضراوات.

٢٠٥

وما كان على «أفعل» مجرّدا عن التفضيل ويفرق بين مذكره ومؤنثه بالتاء ، كارمل ـ لمن لا زوجة له ـ ، وارملة ـ لمن لا زوج لها ـ ، يجمع جمع السلامة كأرملين ، وارملات ، وعلى «أفاعل» ، كأرامل ولو في المؤنث.

[جمع «فعلان» اسما وصفة] :

(و) اسم الجنس الّذي زيد في آخره الألف والنون (١) ، (نحو : شيطان) ـ ان كان من شاط ، إذا هلك ـ ، (وسلطان ، وسرحان) ـ بكسر الأوّل ، للذئب والأسد ـ يجمع (على) «فعالين» ، نحو : (شياطين ، وسلاطين ، وسراحين) ، وان كان الشيطان من شطن ـ إذا بعد لبعده عن رحمة الله تعالى ـ فهو «فيعال» لا «فعلان» ، ووزن جمعه «فياعيل».

(وجاء) : في جمع سرحان (سراح) ـ بالكسر والفتح ـ أيضا ، على ما قيل ، وأمّا أسماء الاعلام من هذا القبيل فلا يجمع جمع التكسير ان كانت مرتجلة كسلمان ، وعثمان ، بخلاف المنقول.

(والصفة) الّتي على «فعلان» ـ بالفتح ـ في المذكر : ان كان مؤنثه بالتاء كندمان ـ بمعنى النديم ـ وندمانة جاز تصحيحها كندمانون وندمانات ، قياسا فقط عند سيبويه ، وسماعا ـ أيضا ـ عند بعضهم ، وان كان مؤنثه «فعلى» (نحو : غضبان) وغضبى ، وسكران وسكرى ، امتنع فيها التصحيح إلّا في الضرورة ، وكلّاهما يكسّران في المذكر والمؤنث (على) «فعال» ـ بالكسر ـ نحو : (غضاب) ، وندام ، (و) «فعالى» ـ بالفتح والألف المقصورة في آخره ـ نحو : (سكارى) ، وغضابى ، وندامى ، وليس شيء منهما مطردا في قسم من القسمين.

ثمّ انّ الأصل فتح الفاء من «فعالى» ، (وقد ضمّت أربعة) من جموع هذه الزنة

__________________

(١) سواء كان الفاء مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة ، وسواء كان العين ساكنة أو متحرّكة.

٢٠٦

مع جواز الفتح فيها ، وهي : (كسالى) ـ في كسلان ، من الكسل ـ ، (وسكارى ، وعجالى) ـ في عجلان من العجل ـ ، (وغيارى) ـ في غيران ، من غار على أهله يغار غيرة.

وربّما جاء الضم في جمع ما يلحق بها ، كأسارى في اسير ، وجاء : قدامى ـ الطير : لقوادم ريشه ـ في قادمة ، والزموا الضم في هذين ، للدلالة على شدّة مخالفتهما لما كان ينبغي ان يجمعا عليه على ما قيل ، وربّما حكي : ضعافى ، وبه قرأ قوله تعالى : (ذُرِّيَّةً ضِعافاً)(١) على ما في الكشاف ، وكأنّه حمل الضعيف في هذا الجمع على كسلان ، للمناسبة في المعنى.

وما كان من الصفات على «فعلان» ـ بضمّ الفاء ـ يتعيّن في مؤنثها «فعلانة» ـ بالتاء ـ ، كعريان وعريانة ، وخمصان ـ لضامر البطن ـ وخمصانة ، ويجوز تصحيحها ، نحو : عريانون وخمصانون ، إذ ليس أصلها عدم لحوق التاء ، وجاء تكسيرها على «فعال» كخماص في المذكر والمؤنث ، واستغنوا بتكسير العارى على عراة كقضاة عن تكسير العريان ، لأنّه بمعناه ، ولم يرد في هذه الزنة «فعالى» كسكارى قط.

[جمع سائر الصفات] :

(و «فيعل») ـ بكسر العين ـ وهو مختص بالأجوف كما مرّ ، (نحو : ميّت) ، وجيّد ، وأصلهما : ميوت وجيود ، فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة ، ونحو : بيّن ، يجمع (على) «أفعال» ، وهذا الجمع تشترك فيه المذكر والمؤنث ، نحو : (أموات) فيهما ، وردّت الواو ، لزوال ما كان (٢) سبب انقلابها إلى الياء في المفرد ، (و)

__________________

(١) الآية : ٩ من سورة النّساء.

(٢) وفي بعض نسخ الكمال : مكان بدل قوله : ما كان ، والأصح ما أثبتناه.

٢٠٧

على «فعال» ـ بالكسر ـ ، نحو : (جياد) ، (و) على «افعلآء» ، نحو : «أبينآء» ـ بفتح الهمزة وسكون الباء وكسر الياء وفتح النون ـ ، والأصل في هذه الزنة جمع السلامة نحو : ميّتون وميّتات.

(و) صيغ المبالغة الّتي يفرق بين المذكّر والمؤنث في واحدها بالتاء ، (نحو : شرّابون) ـ بفتح الأوّل ـ ، (وحسّانون) ـ بفتح الأوّل وضمّه ـ ، (وفسّيقون) ـ بكسر الأوّل وتشديد الحرف الثاني من الثلاثة ـ للمبالغة في الشرب ، والحسن ، والفسق.

(و) أسماء المفعولين والفاعلين الّتي في أوّلها الميم ، (نحو : مضربون ، ومكرمون (١) استغنى فيها بالتصحيح) في المذكر كما ذكر ، وفي المؤنث كشرّابات ، ومكرمات ، عن التكسير ، وكأنّهم أرادوا أن يكون من صيغ المبالغة هذه الصيغ المذكورة الصالحة للتصحيح في المذكر والمؤنث لقبولها التاء على عكس صيغها الّتي يستوي فيها المذكر والمؤنث (٢) ، وكمهذار ـ لمن يكثر الهذر في الكلام ـ ، ومنطيق ، وصبور ، حيث التزم فيها التكسير كمهاذير ، ومناطيق ، وصبر ، ومنع التصحيح في غير الضرورة.

وكرهوا التكسير الّذي هو من خواص الاسم في نحو : مكرمون ، للجريان على معنى الفعل ولفظه إلّا في الميم موقع حرف المضارعة ، وحملوا عليه : نحو : مضروبون ، للتشابه في الميم الزائدة ، فهذا هو الأصل ، (و) قد(جاء) : التكسير في بعض صيغ المبالغة ، كما جاء في ـ عوّار ـ بضمّ العين وتشديد الواو ، للجبان الضعيف ـ (عواوير) ـ بواوين وقلب مدّة المفرد ياء ـ وقد تحذف تلك الياء ، (و) في بعض أسماء المفعولين والفاعلين ، كقولهم : (ملاعين ، وميامين ، ومشائيم) في : ملعون ، وميمون ، ومشئوم ، من الشئوم ضدّ اليمن ، (ومياسير ، ومفاطير) ، في : الموسر ، ضدّ المعسر ، والمفطر ، من أفطر الصائم ، وهما اسمان للفاعل ، (ومناكير) في : منكر ، اسم مفعول من

__________________

(١) بكسر الرّاء وفتحها.

(٢) واسم يكون في هذه العبارة قوله : «هذه الصيغ» وخبرها قوله : «على عكس صيغها».

٢٠٨

الانكار ، (ومشادن) ـ بالشين المعجمة والدال المهملة ـ في : مشدن اسم فاعل ، من اشدنت الظبية إذا شدن ولدها أي قوي وطلع قرناه ، فهي مشدن بدون التاء كحائض ، وولدها شادن ، (ومطافل) في : مطفل ، اسم فاعل من اطفلت الظبية إذا كان معها طفلها وهي قريبة العهد بالنتاج ، وقد يقال : مشادين ، ومطافيل بزيادة الياء قبل الآخر.

والغالب فيما هو على زنة «مفعل» إذا أختص بالمؤنث التجرد عن التاء ، فلذلك لا يصحّح ، بل يجمع على «مفاعل» ، كذا قال نجم الأئمّة رضي. (١)

[أبنية الجمع من الرّباعي] :

(والرّباعيّ : نحو : جعفر ، وغيره) من أوزانه ، كدرهم ، وزبرج ، وبرثن ، يجمع (على) «فعالل» نحو : (جعافر) ، ودراهم ، وزبارج ، وبراثن ، (قياسا) (٢) مطردا في القلّة والكثرة ، في المجرّد عن التاء وفي ذي التاء ، يجمع للقلّة جمع الصحّة وفي الكثرة على «فعالل».

(و) ما فيه من الرّباعي الاصول مدّة زائدة رابعة ـ ألفا كانت (نحو : قرطاس) ، أو واوا نحو : عصفور ، أو ياء نحو : قنديل ، يجمع (على) «فعاليل» بقلب المدّة ياء ان لم تكن إيّاها ، نحو : (قراطيس) ، وعصافير ، وقناديل.

(وما كان) من المزيد الثلاثي (على زنته) ـ أي زنة الرّباعي ـ ، والمراد : عدد حروفه أمّا مع الموازنة أو مع القرب منها على سبيل التجوّز ، سواء كان (ملحقا) به (أو غير ملحق) (بمدّة) ـ رابعة ـ (أو غير مدّة يجري مجراه) في صورة الجمع ،

__________________

(١) وقال نظام الدين : فهذا تمام هيئات الجموع القياسية وغيرها للثلاثي مجردا أو مزيدا فيه.

(٢) سواء كان اسما أو صفة مجرّدا عن تاء التأنيث أم لا ، وسواء كان للقلّة أو للكثرة ، وذلك لأنّه لا يجوز أن يحذف منه شيء حتّى يرد إلى أبنية القلّة.

٢٠٩

(نحو : كوكب ، وجدول) ـ للنهر الصغير ـ ، بزيادة الواو فيهما للالحاق بجعفر ، (وعثير) للغابر ، بزيادة الياء للالحاق بدرهم ، (وتنضب) ـ بفتح التاء الزائدة وسكون النون وضمّ المعجمة وفي آخره الموحدة ، لشجر يتّخذ منه السهام ـ ، وليس ملحقا بشيء ، لعدم الموازنة لوزن من أوزان الرّباعي لكنّه قريب منها ، (ومدعس) ـ بكسر الميم وفتح العين ـ ، للرّمح الّذي يدعس به ـ أي يطعن ـ ، وليس ملحقا بشيء لوقوع الزيادة في أوّله لمعنى الآلة ، وحكم الزائدة للالحاق ان لا يكون زيادته لمعنى ، على ما سيجيء إنشاء الله تعالى ، وهذه الخمسة مجرّدة عن المدّة ، وجمعها : كواكب ، وجداول ، وعثاير ، وتناضب ، ومداعس.

(ونحو : قرواح) ـ بزيادة الواو والمدّة ، للأرض المستوية الّتي تبرز للشمس ، والطويلة القوائم من النوق ـ ، (وقرطاط) ـ بزيادة إحدى الطائين مع المدّة ، للبرذعة ، وقال الخليل : الحلس الّذي يلقي تحت الرجل ـ ، وهذان ملحقان ، فالأوّل : بقرطاس على لغة كسر القاف ، والثاني : به على لغة ضمها ، (ومصباح) ـ بزيادة الميم والمدّة ـ ، وهذا غير ملحق بشيء ، لأنّه آلة كمدعس ، وجمعها : قراويح ، وقراطيط ، ومصابيح مثل ذوي المدّة من الرّباعي (١) ، وجاء : قراوح ، وقراطط ، بحذف الياء.

ونحو : جمجمة ، ومكرمة ، وسروالة ، ممّا فيه التاء من الرّباعي وما على زنته حكمه أيضا ما ذكر ، فيقال : جماجم ، ومكارم ، وسراويل.

واحترز بقوله : على زنته ـ عمّا لا يقارب الرّباعي وزنا ولا يجري مجراه في الجمع «كفعول ، وفعيل ، وفاعل ، وفعال» ونحوها.

ثمّ انّ الرّباعي وما يقاربه : ان كان أعجميا كجورب ، أو منسوبا نحو : أشعثي ، وبربريّ ، في : أشعث ، لرجل ، وبربر ـ لبلد ـ وجمع على صيغة منتهى الجموع الحقت

__________________

(١) يعني : هذه الأمثلة تكسيرها كتكسير الرّباعي الّذي قبل آخره مدّة نحو : قرطاس وان لم تكن رباعية.

٢١٠

التاء ـ غالبا ـ في الأعجمي ، وجوبا ـ في المنسوب بالاستقراء ، وقيل : في وجه المناسبة انّ الأعجمي فرع العربي فيناسبه التاء الّتي هي امارة الفرعية ، وياء النسبة كالتاء لمجيئهما (١) للفرق بين الواحد والجنس كروم وروميّ على قياس تمر وتمرة ، وحيث حذفت في الجمع ناسب ان يخلفها التاء ، (و) على هذا(نحو : جواربة ، واشاعثة) ، وبرابرة ، يحصل (في) جمع (الأعجمي والمنسوب) من الرّباعي وما يقاربه.

وتحذف مدّة المفرد ، استثقالا ، فيقال : في تبريزيّ ، وبغداديّ ، وشيرازيّ ، وبهلوليّ ، مثلا ، تبارزة ، وبغاددة ، وشيارزة ، وبهاللة ، وفي الثلاثي يتعيّن التصحيح ، نحو : بصريّون وبصريّات.

وقد ظهر إلى ههنا حكم الثلاثي والرّباعي المجردين والمزيدين عند امكان بناء الجمع.

وقد يتعذّر التكسير في المزيد منهما ، كما في : منطلق ، ومستخرج ، ومدحرج ، واحرنجام ، وقلنسوة ، وحكمه كالتصغير ، فتبقى الفضلي كالميم في منطلق ، والألف من الندد ، وتحذف غيره في المزيد الثلاثي ، والزائد كلّها في المزيد الرّباعي ، ويتخيّر في نحو : قلنسوة ممّا لا فضل فيه لإحدى الزيادات ، فيقال : مطالق ، ومخارج ، ودحارج ، وحراجم ، والادد ، وقلانس أو القلاسي مثلا ، لتعذّر منتهى الجموع مع بقاء الزيادات فكيف بما دونه من الجموع.

وإذا كان حذف إحدى الزيادتين مغنيّا عن حذف الاخرى دون العكس تعيّن حذف المغنى ، كخيزران فيقال : خزارين ـ بحذف الياء وابقاء الألف مع قلبها ياء كما في عصافير ، ولو حذف الألف لزم حذف الياء أيضا ، لئلّا يقع بعد ألف الجمع المزيدة بعد الياء أكثر من ثلاثة أحرف ، فانّه ليس بجائز.

__________________

(١) وفي نسخة : لمجيئتها.

٢١١

[جمع الخماسي] :

(وتكسير الخماسي مستكره كتصغيره ، بحذف خامسه) ، فيقال : في سفرجل سفارج ، وفي : فرزدق فرازد ـ عند من يجوّز حذف الأخير ، وفرازق ـ عند من يحذف ما يشبه الزائد ـ وهو الدال كما في التصغير ، ومعنى الاستكراه : انّهم لا يرتكبونه في سعة الكلام إلّا إذا سئلوا وقيل : لهم كيف تكسيره أو تصغيره.

[اسم الجنس] :

(ونحو : تمر ، وحنظل ، وبطّيخ ـ ممّا يميز واحده) عنه (بالتاء ليس بجمع) تكسير لذي التاء ، كتمرة ، وبطّيخة ، كما زعمه الكوفيّون ، بل هو اسم جنس (على الأصح) ، بدليل صحّة اطلاقه على القليل إلى الواحد (١) ، وتصغيره على لفظه من غير ردّ إلى ذي التاء مع وجوب الردّ إليه لو كان جمعا له ، لعدم كونه من أوزان القلّة ، (وهو) ـ أي هذا النحو من اللفظ المميّز فيه الواحد عن غيره بالتاء ـ (غالب في) المخلوق لله تعالى (غير المصنوع) للناس ، لأنّه تعالى كثيرا ما يخلق جملة من الجنس كالتّفاح والتّمر أوّل ما يخلقه فيناسبه وضع لفظ صالح للقليل والكثير ، ثمّ يلحق علامة ليتميز الواحد ، بخلاف مصنوعاتهم ، فانّ الغالب ان يصنع واحد واحد فيناسبها كون الدال على الواحد مقدّما على الصالح للكثير ، فينبغي كون المجرّد عن التاء فيها للواحد ، فانّ اللفظ المجرّد عنها مقدم على المقرون بها ، هذا ملخص ما يقال ومثله ـ على ضعفه ـ ربّما يكتفي به في النكات.

(و) على هذا(نحو : سفين) للجنس ، وسفينة للواحد ، مثل : تمر وتمرة ، (و) كذلك (لبن) بفتح اللّام وكسر الموحدة ـ لما يعمل من الطين ويبني عليه ـ ، ولبنة ،

__________________

(١) وقوله : إلى الواحد ، فإلى هنا بمعنى «مع» أي مع الواحد.

٢١٢

وقد يقالان بكسر اللّام وسكون الموحّدة ، (وقلنس) وقلنسوة ، (ليس بقياس) لأنّها مصنوعات.

(وكمء) ـ بفتح الكاف وسكون الميم وفي آخره الهمزة ـ (وكمأة) (وجبأ) ـ بفتح الجيم وسكون الموحّدة وفي آخره الهمزة ـ للحمر من الكمأ ـ (وجبأة) (عكس تمر وتمرة) ، لكونها مجرّدين من التاء للواحد ومعها للجنس ، هذا عند بعضهم ، وقيل : انّها مثل : تمر وتمرة.

[اسم الجمع] :

(ونحو : ركب) ـ بفتح الرّاء وسكون الكاف ، لركبان الإبل أو الخيل ـ ، (وحلق) ـ بفتح الأوّلين ، للمتعدّد من الحلقة ، بسكون الوسط وقد يفتح ـ ، (وجامل) ـ بالجيم ، للقطيع من الإبل مع رعاته وأربابه ـ ، (وسراة) ـ بفتح المهملة الاولى ، في سريّ بتشديد الياء ، للسيّد ـ (وفرهة) ـ بضمّ الأوّل وسكون الرّاء ، في : فاره للحاذق الماهر بالشيء ـ كصحبة في صاحب ، والفعل منه : فره ـ بضمّ العين ـ ولذا كان الوصف منه على : «فاعل» غير قياسي ، والقياس : فريه ككريم ، (وتؤام) ـ بضمّ الفوقانية المثنّاة بعدها الهمزة الممدودة على «فعال» بالضم ـ في : توأم ـ بفتح الفوقانية وسكون الواو ـ ، (وغزيّ) ـ بفتح المعجمة الاولى وكسر الثانية وتشديد الياء ـ في : غاز من الغزو للجهاد ، (ليس بجمع على الأصح) ، بل هي أسماء جموع :

لتصغيرها على ألفاظها.

ووقوعها مميزة للعشرين ونحوه ممّا لا يميّز بالجمع.

ولغلبة التذكير في الضمير العائد إليها.

وانّما لم تكن أسماء أجناس ، لعدم ورود الفرق بينها وبين واحدها بالتاء فيها أصلا ، وعدم صحّة اطلاقها على الواحد.

٢١٣

[شواذ الجمع] :

(ونحو : اراهط) ، وارهيط بزيادة الياء في : رهط ـ للقبيلة ـ ، (واباطيل) في : باطل ، (واحاديث) في : حديث ، (وأعاريض) في : عروض ، ـ بفتح الأوّل ، للجزء الّذي في آخر النصف الأوّل من البيت ـ ، (واقاطيع) في : قطيع ، للطائفة من البقر والغنم وغيرهما ، (واهال ، وليال) في : اهل ، وليل ، وحوائج في : الحاجة ، (وحمير) ـ بفتح الحاء ـ في حمار ، (وأمكن) في : مكان ، ومحاسن في : حسن ، ومشابه في : شبه ، إلى غير ذلك من الجموع الّتي لها آحاد من ألفاظها وليس قياس أوزان تلك الآحاد ان يجمع على أوزان تلك الجموع ، كائنة(على غير الواحد (١)) ، كالجموع الّتي لا واحد لها من لفظها كنساء في جمع امرأة ، فانّها جمع على غير المفرد ، وقد حكى في بعضها ما يجمع عليه ، مثل : ليلاة في : ليال كما قال :

يا ويحه من جمل ما أشقاه

في كلّ ما يوم وما ليلاه (٢)

وقال الفراء : واحد الأحاديث كأنّه أحدوثة ثمّ جعلوه جمعا للحديث ، وحمير اسم جمع عند الجمهور ، لأن «فعيلا» ليس من أوزان الجموع ، خلافا لسيبويه فانّه جعله من أوزان الجمع ، لكن القياس كون مفرده على «فعل» ـ بالفتح ـ مثل : كلب وكليب ، ومعز ومعيز ، وقد يعتبر في بعض ما ذكر الواحد المناسب المقدّر الغير

__________________

(١) هكذا وجدنا العبارة في جميع نسخ الكمال ، لكن في غير هذا الشرح هكذا العبارة : [على غير الواحد منها] أي على جمع غير صيغ جمع واحدها.

(٢) هذا البيت لم أعثر على قائله ، وفي رواية اخرى لهذا البيت : في كلّ يوم ما وكلّ ليلاه ، والظاهر انّ المعنى انّه يعمل جمله في جميع أوقات اللّيل والنهار من كل يوم وكل ليلة حتّى يرثي له كل من رآه ويترحم عليه قائلا : ويحه ما أشقاه ، و «ما» في قوله : في كل يوم «ما» زائدة ، والاستشهاد بالبيت على ان ليال جمع ليلاة بمعنى ليلة.

٢١٤

المستعمل ، كإبطيل ، وإقطيع ، وإعريض ، واهلاة ، وحائجة ، ومكن كفلس ، وحمر ، ومحسن ، ومشبه.

[جمع الجمع] :

(وقد يجمع الجمع) ، وليس بقياس مطرد على ما يستفاد من لفظة «قد» المفيدة للتقليل ، وصرّح به سيبويه وغيره ، سواء كان على وجه التكسير(نحو : أكالب) في جمع : أكلب جمع كلب ، ومثل : اراهط في ارهط في رهط عند بعضهم ، (وأناعيم) في : أنعام جمع نعم ـ بفتح النون والعين ـ ، وقد يسكن عينه للمال الراعية ، وأكثر اطلاقه على الإبل ، وهو مذكر لا يؤنث على ما قال الفراء ، ومثل : أراهيط في ارهاط في رهط على ما قيل ، وأقاويل في : أقوال في : قول ، (وجمائل) في : جمال ـ بكسر الجيم ـ في جمل ـ للذكر من الإبل ، أم على جهة التصحيح ، (و) ذلك نحو : (جمالات) في جمال أو جمالة في جمل أيضا ، (وكلابات) في : كلاب في كلب ، (وبيوتات) في : بيوت في بيت ، (وحمرات) في : حمر ـ بضمّتين ـ في : حمار ، (وجزرات) في : جزر ـ بضمّتين ـ في الجزور من الإبل هي الصالحة للجزر.

وحيث كان أقل ما يطلق عليه الجمع ثلاثة أمثال ما هو جمع له فاقل الجمع ثلاثة من الآحاد ، وأقل جمع الجمع تسعة منها ، ولا يخفى ـ اجراء قياس أوزان القلّة والكثرة فيه (١) بالنظر إليه وإلى ما هو جمع له على حسب اختلاف الصيغ ـ على المتأمّل.

***

__________________

(١) وفي بعض النسخ : فيها. والضمير في قوله فيه راجع إلى جمع الجمع وفي قوله : فيها راجع إلى الآحاد وقوله : على المتأمّل متعلّق بقوله : ولا يخفى.

٢١٥

التقاء السّاكنين

(التقاء السّاكنين : يغتفر في الوقف) لكون الوقف على الحرف جاريا مجرى حركته ، إذ يحصل عنده من توفّر الصوت عليه ما ليس له عند الوصل بحرف آخر على ما يشهد به الوجدان ، والتقائهما فيه يغتفر(مطلقا) ، سواء كان أوّلهما حرف لين كالمؤمنون ، والمؤمنين ، والمؤمنات ، أم لا كعمرو وبكر ، وذكر نجم الأئمّة رضي : انّ الساكنين إذا كان أوّلهما حرفا صحيحا يمتنع التقائهما إلّا مع كسرة مختلسة ضعيفة على الأوّل منهما ، لكن السامع والمتكلم يحسبانهما ساكنين في بادي الرّأي ، وسواء كان الثاني مدغما أم لا.

(و) يعتفر ـ أيضا ـ إذا كان على حدّه وصفته الّتي يستحق الاغتفار إذا كان عليها وذلك (في المدغم) الّذي (قبله) حرف (لين) وهو الساكن من حروف العلّة ، سواء جانستها حركة ما قبلها ليكون حرف مدّ أم لا ، والحركة المجانسة للألف هي الفتحة ، وللواو هي الضمّة ، وللياء هي الكسرة ، والألف حرف مدّ أبدا ، للزوم الفتح قبلها ، بخلاف الأخيرين لجواز الحركة المخالفة قبلهما كقول وبيع ، فحرف اللين أعم من حرف المد ، وقد يطلق على تلك الحروف ـ مطلقا ـ حروف المد واللين ، لما فيها من اللين ومدّ الصوت ، وان كان المدّ عند تحرّك ما قبلها بمجانستها (١) من الحركة أكثر.

ويشترط في الاغتفار ههنا كون اللين والمدغم (في كلمة) واحدة ، (نحو : خويصّة) ـ بالصاد المشدّدة المسبوقة بياء التصغير الساكنة ـ في : تصغير خاصّة ـ لما يختص بالشيء ـ ، (والضّالّين) ، خاصّة ، ودابّة ، (وتمودّ الثوب) ـ بالدال المشدّدة ـ

__________________

(١) وفي نسخة : بمجانسها.

٢١٦

على صيغة الماضي المجهول : من تماددنا الثوب ، ـ أي مدّ كلّ منّا بعضا منه ـ ، وانّما اغتفر في هذه الصورة ، لما في حروف اللين من المدّ الّذي يتوصّل به إلى النطق بالساكن بعدها مع استمرار الصوت ، بخلاف الصحيح ، وما في حرف المشدّد من سهولة النطق وكونه في حكم حرف واحد متحرّك ، لشدّة الالتصاق.

واشتراط وحدة الكلمة : للاحتراز عمّا لو كانا في كلمتين ، إذا لا يتصوّر ذلك إلّا بوقوع اللين في آخر الكلمة الاولى والمدغم في أوّل الثانية والآخر محل التغيير فآثروا فيه التحرّز عن التقاء الساكنين بتحريك ذلك اللين ان لم يكن مدّة ، نحو : ولا تخشوا النّاس ، وحذفه ان كان مدّة (إِذْ قالُوا اللهُمَ)(١) ، و(يا أَيُّهَا النَّبِيُ)(٢) ، و(ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٣) ، بحذف اللين الملاقي للام التعريف المدغمة في الثلاثة.

وان وقع المدغم فيه في آخر الكلمة في صورة الاغتفار اجتمعت ثلاثة سواكن ـ وقفا ـ ، كما في اصيمّ ـ تصغير الأصمّ ـ ودوابّ ـ جمع دابّة ـ ، ويمتنع الجمع بين أربع سواكن فما فوقها في جميع اللّغات.

(و) يغتفر ـ أيضا ـ (في) الأسماء المعدودة من غير اختصاص باللين والمدغم ، سواء كانت أسماء حروف التهجي ، (نحو : ميم ، وقاف ، وعين) ، أم غيرها ، نحو : بشر ، بكر ، عمرو ، إلى غير ذلك ، (ممّا بنى لعدم التركيب) مع الغير ، فانّ التركيب فرع الاتصال والارتباط المعنوي والأسماء المعدودة لا يتصل بعضها ببعض ولا بغيرها معنى ، وان اتّفق اتصالها لفظا ، والتركيب مع الغير شرط في الاعراب فبنيت تلك الأسماء على السكون الّذي هو الأصل في البناء ، وسكونها للبناء في حال

__________________

(١) الآية : ٣٢ الأنفال والشاهد فيها في الواو واللّام.

(٢) الآية : ٦٥ الأنفال والشاهد فيها : ألف ياء النداء ونون «النبيّ».

(٣) الآية : ٧٨ الحجّ. الشاهد : في الدّين ـ الياء من في ، والدال من ـ الدين ـ ففي هذه الموارد يجب حذف حرف اللين في التلفظ فلا ينطق به.

٢١٧

الوقف والوصل ، نحو : كم ، وهل وغيرهما ممّا بني على السكون ، وأثر الوقف هو السكوت عليها والقطع عمّا بعدها.

واغتفر فيها التقاء الساكنين (وقفا ووصلا) ، فرقا بينها وبين المبنى لوجود المانع عن الاعراب ، أعني : المشابهة لمبنى الأصل ، ولم يعكس ، لأنّ المبني للمانع أكثر ، وبالتحرّز عن التقاء الساكنين أجدر.

وبعض النحاة ـ كالزمخشري ـ لم يشترط التركيب مع الغير في الاعراب ، بل اكتفى بمجرّد الصلاحية لاستحقاق الاعراب بعد التركيب ، ولذلك زعم : انّ السكون في هذه الأسماء ليس للبناء ، بل للوقف ولو بالنيّة ، كما في حالة الوصل ، فانّ الوصل في تلك الأسماء بنيّة الوقف ، كما يدل عليه : كونه فيها كالوقف في وجوب قلب التاء في أواخرها نحو : ثلاثه ، أربعه ، بغله ، ناقه ـ هاء ساكنة ، وفي اثبات همزة الوصل في أوائلها ، نحو : واحد ، واثنان ، رجل ، امرأة ، لكنّه في الوقف على وجه الوجوب ، وفي الوصل على الجواز ، فانّه يجوز فيه حذفها بعد نقل حركتها إلى ما قبلها جوازا راجحا على ما يقال.

ومن لم يجعل وصل تلك الأسماء بنيّة الوقف زعم انّ الواضع كما أثبت تلك الأحكام (١) للوقف مطلقا أثبتها للوصل في هذه الأسماء من غير ان يكون في نيّة الوقف والقطع فتأمّل.

وفرق سيبويه : بين ما سكونه منظور بالوضع كأسماء حروف التهجّي ، فانّ المنظور في وضعها ان يلقى كل منها بانفراده إلى المتعلم لينطق به ويقف ويكرّر حتّى يتعلمه ثمّ يلقى إليه آخر ، وبين ما يعرض سكونه عند قصد التعديد ، فجوّز في القسم الثاني الّذي أصله الاعراب ان يشمّ فيه الرفع الّذي هو أقوى الاعراب ، كما يقال : واحد ، اثنان ، زيد ، بكر ، بالاشمام ، بخلاف الأوّل ، خلافا للأخفش ، حيث

__________________

(١) أي قلب التاء هاء واثبات الهمزة مرجوحا.

٢١٨

منعه في القسمين. (١)

(و) يغتفر التقاء الساكنين ـ أيضا ـ عند دخول همزة الاستفهام على همزة وصل مفتوحة في الاسم مع لام التعريف ، كما(في نحو : آلحسن عندك) ، (و) بدونها ، كما في نحو : (آيمن الله يمينك) ، وآيم الله يمينك ، وانّما اغتفر عند ذلك (للإلتباس) بالخبر لو حذفت همزة الوصل ، كما هو حكمها في الدرج ، فحيث منع عنه اللبس قلبت ألفا ، ليجري ذلك مجرى حذفها لما في القلب من اذهابها بالكلية ، مع انّ الألف ـ لضعفها ـ في حكم العدم.

وبعض العرب يكتفي بترقيقها وتسهيلها على وجه يكون بين الهمزة والألف ، وهو المراد بقولهم : بين بين ، والأوّل أشهر واولى ، لكونه أقرب إلى أصلها الّذي هو الحذف ، وقرأ على الوجهين قوله تعالى : (الْآنَ)(٢) ، وقوله : (آلذَّكَرَيْنِ*)(٣) وآيمن الله ـ بضمّ الميم والنون ـ لفظ موضوع للقسم ، ويلزم اضافته إلى اسم الله ـ سبحانه ـ عند الجمهور ، وكذا : آيم ـ بحذف النون ـ ، وهمزتها للوصل كما يجيء ـ إنشاء الله تعالى ـ.

ورفعهما (٤) بالابتداء في المشهور ، ويلزم حذف خبرها في الجملة القسميّة في كلام الحالف ، كما يقال : آيمن الله لأفعلنّ كذا ، والتقدير : آيمن الله قسمي مثلا ، وهذا القسم في كلام المستفهم مبتدأ والخبر يمينك ونحوه ، وكأنّه قال : أهذا القسم يمينك.

فهذه مواقع اغتفاره حتما.

__________________

(١) في الأسماء قبل التركيب ثلاثة مذاهب : أحدها : انّها مبنية وعليه ابن الحاجب وابن مالك. والثاني : انّها معربة وعليه الزمخشري. والثالث : انّها واسطة لا مبنية ولا معربة وعليه أبو حيان وجلال الدين السيوطي.

(٢) الآية : ٥١ يوسف.

(٣) الآية : ١٤٣ ـ ١٤٤ الأنعام.

(٤) وفي نسخة : ورفعها.

٢١٩

(و) هو (في نحو : لاها الله ، وإي الله ، جائز) ، فان لاها الله أصله : لا والله فحذفت واو القسم وهي شفوية وعوّضت عنها هاء وهي حلقيّة ، لما بينهما من التناسب في الطرفية للمخرج ، ولتمحّضها للعوضيّة امتنع الجمع بينهما ، ويتعيّن الجر فيما بعدها ، وتنزّل كحرف القسم منزلة الجزء ممّا بعدها ، فيجوز حذف ألفها عند ملاقات اللّام المدغمة من الجلالة ، لكونها في كلمتين حقيقة كالألف في (أَيُّهَا النَّبِيُّ ،) واثباتها ، لتنزيلها منزلة الجزء فكأنّهما في كلمة واحدة ك ـ (الضَّالِّينَ ، *) وأي : حرف جواب بمعنى نعم ، والأصل : إي والله فحذف حرف القسم ، ثمّ انّهم جوّزوا حذف الياء لملاقاتها اللّام المدغمة في كلمتين ، فيقال : إ الله ـ بكسر الهمزة ـ وهي همزة أي : وابقائها ، كراهة الحذف لاحتمال الغفلة عن المقصود ، والكون على صورة الجلالة المزالة عن صورتها بكسر أوّلها فتبقى إمّا : مع التحرّك للتوسل إلى تفخيم الجلالة ، أو التسكين ، كأنّه جعل حرف الجواب كالقائم مقام حرف القسم ، نازلا منزلة الجزء من الاسم كالألف من ها ، ولكن هذا مجرد اعتبار لابقاء الياء من غير تمحّض التعويض ، فلذلك جاز الجمع (١) ، وكان حرف القسم في حكم المحذوف من غير عوض ، ومن ثمّه (٢) قالوا : الأفصح نصب الاسم كنظائره بعد نزع الخافض من غير تعويض.

ومنعوا من التقاء الساكنين في غير الصور المذكورة ، (و) قولهم : في المثل عن الشدّة وتفاقم الشرّ التقت (حلقتا البطان) باثبات ألف التثنية وملاقاتها اللّام الساكنة(شاذ) ، والقياس : حذفها كما في قولك : غلاما الرجل ، وثوبا بنك ، لكن الأمثال قد يجرى على خلاف القياس لبعض الأغراض ، فلعلهم استسهلوا خلاف

__________________

(١) أي بين أي وحرف القسم فقال إي والله.

(٢) أي من أجل ان حرف القسم في حكم المحذوف من غير عوض.

أي الأفصح إي الله بنصب الله لأن أي ليس عوضا كالهاء. ونظيره قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) أي من قومه.

٢٢٠