شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

ابن حاجب

شرح شافية ابن حاجب المشهور بكمال

المؤلف:

ابن حاجب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

ويقال : في الاستبرق ـ وهو معرّب ـ تبيرق ـ بالتاء في أوّله وحذف السّين ـ حملا على نحو استخراج.

(ويجوز التعويض عن حذف الزائد) والأصلي ـ أيضا ـ على ما حكى عن يونس ، ويمكن ادراجه في كلام المصنف ـ أيضا ـ بحمل الزائد على الزائد على ما يبني منه المصغر ـ أي الزائد على الأربعة أصليّا كان أم زائدا ، فيعوض عنهما بعد حذفهما (بمدّة بعد الكسرة) الواقعة بعد ياء التصغير ، (فيما ليست) تلك المدّة (فيه ك ـ مغيليم) ـ بالمدّة قبل الميم ـ (في) تصغير (مغتلم) بعد حذف تاء الافعتال ، وسفيريج في تصغير سفرجل ، وان كانت تلك المدّة فلا يجوز التعويض بها ، لاشتغال المحلّ بها ك ـ حريجيم في احرنجام.

فما ذكر إلى هنا حكم تصغير ما هو مفرد في اللفظ ، ومنه أسماء الجموع فان ألفاظها ألفاظ المفردات وان كانت دالّة على المتعدّد فلا معنى للعدول عن حكمها فيها ، كذا في شرح المفصل ، وذلك يعم ماله واحد من لفظه من أسماء الجموع ك ـ ركب عند من قال انّه اسم جمع لراكب ـ ، وما ليس له ذلك ك ـ قوم ، ورهط ، وكلّها يصغر على لفظه كالمفرد بالتفاصيل المتقدّمة ، ك ـ ركيب ، وقويم ، ورهيط.

[تصغير الجمع] :

وأمّا الجمع : فيقسم إلى كثرة وجمع قلّة ، وله أوزان مخصوصة ، والجموع الصحيحة من جمع القلّة ، (ويردّ جمع الكثرة ـ لا اسم (١) الجمع) ـ الّذي هو في حكم المفرد (إلى جمع قلّته) ان كان له جمع قلّة (فيصغر) جمع قلّته كراهة ما يختلج في القلب في بادي الرأي من التنافي بين صيغة (٢) الكثرة والتصغير الدال على التقليل.

وذلك (نحو : غليمة في) تصغير (غلمان) وهو جمع كثرة للغلام فردّ إلى ـ غلمة ـ

__________________

(١) وفي نسخة : لا اسمه.

(٢) ويمكن ان يكون : صيغة الكثرة والتصغير. بدل صيغة.

١٢١

وهو جمع القلّة فصغر ، (أو) يردّ جمع الكثرة(إلى واحده) ان كان له واحد ، (فيصغر) ذلك الواحد(ثمّ يجمع) مصغر الواحد(جمع السلامة) ـ بالواو والنون أو الياء ـ ان كان مذكرا عاقلا ، وان لم يصلح المكبر لذلك الجمع ، أو بالألف والتاء ان لم يكن مذكرا عاقلا سواء كان مذكرا أم مؤنثا ، كذا قال نجم الأئمّة رضي. (١)

وذلك (نحو : غليّمون) ـ بتشديد الياء ـ في تصغير الغلمان بالردّ إلى واحده ـ وهو الغلام ـ وتصغيره على غليّم بانقلاب ألفه ـ لوقوعها بعد ياء التصغير ـ ياء ، وادغام ياء التصغير فيها ، ثمّ جمعه بالواو والنون لعروض الوصفية بالتصغير كما مرّ ، وان لم يجز جمع الغلام بهما حيث لم يكن علما لمذكر عاقل ولا صفة يقبل التاء باطراد ولا في معنى ما يقبلها.

(ونحو دويرات) في تصغير دور وهو جمع كثرة للدار فردّ إليها وصغرت ثمّ جمع مصغرها بالألف والتاء ، فأنت في جمع الكثرة الّذي له جمع القلّة والواحد بالخيار ، وان لم يكن له جمع القلّة وكان له الواحد تعيّن الردّ إليه ، كما يقال : في شعراء ، ومساجد ، شويعرون ومسيجدات ، وان لم يكن له شيء منهما ردّ إلى ما يقدّر واحدا له ، كما يقال : في تصغير عباديد ـ في قولهم جاء القوم عباديد ـ بمعنى متفرقين ـ عبيديدون ، لأن «فعاليل» جمع «فعلول» أو «فعليل» فردّ إلى أحدهما وصغر ثمّ جمع ذلك المصغر ، وان أهمل واحده القياسي واستعمل ما ليس بقياس ردّ إلى المستعمل ، كما يقال : في محاسن ـ ومفرده القاسيّ المهمل محسن بفتح الميم ، والمستعمل المخالف للقياس في واحده حسن ـ حسينون أو حسينات.

وأمّا جمع القلّة : مكسرا كان أو صحيحا فيصغر على لفظه ، ك ـ اكيلب في اكلب ، واجيمال في اجمال ، وغليمة في غلمة ، واقيفزة في اقفزة.

فهذه قوانين التصغير الجاري على القياس ، (وما جاء على غير ما ذكر) من

__________________

(١) وفي نسخة : أو بالألف والتاء ان لم يكن عاقلا الخ ، وفي اخرى ان لم يكن مذكرا عاقلا سواء كان مذكرا غير عاقل أم مؤنثا مطلقا.

١٢٢

القياس ، (كأنيسيان) ـ في تصغر انسان ـ (وعشيشية) ـ بمعجميتين بعد كل منها ياء ـ على فعيعلة ، في تصغير ـ عشيّة ـ بفتح العين وتشديد الياء ـ ، لآخر النهار ، (واغيلمة ، واصيبية) في تصغير غلمة ـ جمع غلام ـ ، وصبية ـ جمع صبيّ ـ (شاذ) ، وقياس الأوّل : انيسين كسر يحين ـ في سرحان ـ لكن صغر كذلك على توهّم انّه تصغير انسيان ـ بالياء بعد السين ـ فيبقى الألف والنون ـ خامسة ، كزعفران ، فيبقى في التصغير ، ومنهم جعل أصل انسان ذلك على انّه «افعلان» ، وبعد حذف الياء «افعان» فذلك التصغير قياس عنده ، وسيجيء الكلام فيه ، ـ إنشاء الله تعالى ـ.

وقياس الثاني : عشيّة ـ بضمّ العين وتشديد الياء ـ وأصله : بعد مجيء ياء التصغير ثلاث ياآت ، فتحذف الأخيرة ، لكن لو صغرت كذلك التبس بتصغير ـ عشوة ـ للربع الأوّل من اللّيل ـ فقلبوا إحدى الياآت الثلاث شينا معجمة ، لوجودها في الكلمة ، كما يقال : في خبّب عن الظهيرة ـ بثلاث موحدات ـ من باب التفعيل ـ بمعنى ابرد ـ خبخب ـ بمعجمتين وموحدتين ـ لوجود الخاء في الكلمة.

وقياس الأخيرين : غليمة ، وصبيّة ـ بضمّ الصاد من غير همزة في أوّله ـ على «فعيلة» ، لأن مكبرهما جمع القلّة ، فيصغر على لفظه ، لكن لمّا كان الأصل في «فعال» ك ـ غلام ، و «فعيل» كصبيّ ان يجمع في القلّة على «أفعلة» ـ بالهمزة ـ ردّوهما في التصغير إليها.

فهذه ونحوها خلاف القياس مقصورة على السماع ، وقد ورد بعضها على القياس ـ أيضا ـ.

ومن الشواذ : مغيربان ـ في مغرب ـ وعشيّان ـ في عشيّ ـ وابينون ، ـ في بنون ـ.

ثمّ انّ التصغير قد تقرّر انّه يدل على استصغار الشيء وتحقيره ، (وقولهم : هذا أصيغر منك) ـ في تصغير أصغر ـ ، (ودوين هذا) ، ـ في تصغير دون ـ ، (وفويق هذا) ـ في تصغير فوق ـ ، وان لم يكن المراد بها استصغار المسمّى والتحقير لكنّها مع ذلك داخلة في الّذي ذكرناه ، لأنّها(لتقليل ما بينهما) ـ أي بين الأمرين الّذين نسب

١٢٣

أحدهما إلى الآخر(من التفاوت) ، فانّ الأصغرية ، والدونية ، والفوقية ، ربّما فهم منها كثرة التفاوت ، فالتصغير لتقليل تلك المعاني واستصغارها ، وان لم يفد استحقار الذات الموصوفة بها بل ربّما أفاد تقليل استحقارها من بعض الوجوه.

وقد مرّ ـ أيضا ـ انّ التصغير من خواص الاسم ، (ونحو : ما احيسنه) ـ ممّا صغر فيه الفعل ـ (شاذ) كما ذكرنا ، (والمراد) به على شذوذه استصغار الشخص (المتعجب منه) ، فيرجع إلى اعتبار الاستصغار من جهة الحسن ، للملاطفة في الموصوف الّذي هو من معاني الاسم ، هذا عند البصريين القائلين : بأن صيغة التعجّب فعل ، وأمّا الكوفيّون : فهي عندهم من الأسماء.

(ونحو : جميل ، وكعيت ـ لطائرين ـ) الأوّل لطائر يشبه العصور ، والثاني للعندليب أو ما يشبهه ، كما قال المبرد ، (وكميت) (ـ للفرس ـ) الذكر والانثى ، من الكمتة ـ وهي اللّون الّذي بين الحمرة والسواد ـ (موضوع على) صيغة(التصغير) من غير قصد إلى الاستصغار والتحقير.

وقد يقال : لعل اختيار تلك الصيغة ـ لطائرين ـ لصغرهما ، وللفرس المذكور لنقصان كل من اللونين فيه ، على ما حكاه سيبويه عن الخليل ، ثمّ استعملت فيها من غير قصد إلى ذلك ، وإذا جمع مثل هذا جمع التكسير قدّر له مكبّر وجمع ذلك المكبّر ، لأنّهم لم يجمعوا المصغر الأجمع السلامة ، فلذا جمع الأولان في التكسير على جملان ، وكعتان على «فعلان» ـ بكسر الفاء ـ بردّهما إلى جمل ، وكعت ، وجمع هذين على ذلك ، ك ـ صرد ، وصردان ، وجمع الثالث على ـ كمت ـ بالرد إلى الأكمت ، ك ـ أحمر ، وحمر.

[تصغير الترخيم] :

(وتصغير الترخيم) مختص بذي الزيادة ، فلا يكون في المجرّد عنها ، ك ـ رجل ، وجعفر ، وخصّه جماعة بذي الزيادة الصالحة للبقاء في التصغير لغير الترحيم ، بخلاف

١٢٤

نحو : مدحرج ، ومتدحرج ، ومحرنجم ، والاستقراء دلّ على بطلان تخصيصه بالعلم كما توهّم الفرّاء.

وعند بنائه في الاسم (يحذف منه كلّ الزوائد) ، ويقتصر على الاصول ، (ثمّ يصغر) على اصوله ، ولالتزام الحذف فيه سمّى بذلك (١) ، لأنّ الترخيم التقليل ، ومنه صوت رخيم ـ إذا لم يكن قويّا ـ وهو في المزيد الثلاثي على «فعيل» أبدا(كحميد ـ في ـ أحمد) ، وحامد ، ومحمود ، والتعيين بالقرائن ، وك ـ اريق في اورق فيما حكاه الأصمعي من قولهم : في غول زعموا انّه جاء على جمل أورق ـ جاء بام الرّبيق على اريق ، وامّ الرّبيق الداهية ، وهمزة اريق منقلبة عن الواو المضمومة ، كما ـ في ـ ادد.

وفي المزيد الرّباعي على «فعيعل» أبدا ، كقريطس في قرطاس.

والزيادات في هذه صالحة للبقاء في التصغير لغير الترخيم ، ك ـ احيمد ، وحويمد ، ومحيميد ، واويريق ، وقريطيس.

ونحو : دحيرج في ـ مدحرج ـ عند من لم يشترط صلاحية الزيادة للبقاء في المصغر. (٢)

ويمتنع «فعيعيل» في هذا التصغير ، لأنّ المدّة قبل اللّام فيه من الزوائد في المكبّر ، ك ـ قنيديل ، ومفيتيح ، مع وجود تجرّد هذا (٣) التصغير عنها.

ويلحق التاء إذا حذفت في هذا التصغير علامة التأنيث ، ك ـ حبيلة ، وحميرة ـ في حبلى ، وحمراء ـ كما انّها تلحق إذا رجع المؤنث الزائد على ـ ثلاثة ـ إلى الثلاثي ، ك ـ عقيبة ـ في عقاب ـ وعنيقة ـ في عناق ـ للانثى من ولد المعز ـ ، إلّا ان يكون وضعه على التذكير ، ك ـ حييض ، وطميث ـ في حائض وطامث ـ.

__________________

(١) أي تصغير الترخيم.

(٢) وفي نسخة : في التصغير بدل قوله : في المصغر.

(٣) وفي نسخة : مع وجوب تجرّد هذا الخ.

١٢٥

[تصغير المبنيّات] :

(وخولف باسم الاشارة ، والموصول) ما هو القياس في بناء التصغير ، لأنّ الأصل فيها عدم التصغير ، لغلبة شبه الحرف وعدم التمكّن ، فحيث خولف ذلك الأصل في تصغيرهما خولف القياس في بنائه ، (فالحقت ـ قبل آخرها ـ ياء) ، ساكنة ، هي ياء التصغير ، وان وقعت ثانية في بعضها ، نحو : ذا على خلاف القياس من كونها ـ ثالثة ـ ، وابقيت أوائلها على ما كانت عليه من الحركة وهي الفتحة في الجميع سوى ـ اولى ـ للاشارة إلى الجمع ، (وزيدت بعد آخرهما ألف) عوضا عن ضمّ الأوّل عند الخلوّ عن علامة التثنية والجمع ، واختاروها لكون هذه الأسماء مبنيّة ، ومناسبة الألف ـ باعتبار لزوم سكونها ـ للأصل في البناء ، وهو السكون ، ويقع في كلّها ـ بعد ياء التصغير ـ أمّا ياء للاضطرار إلى تحريكها ـ لوقوعها بعد ياء التصغير كما مرّ في نحو : رسالة ـ فتدغم ياء التصغير فيها على التقديرين ، ولذلك حصلت ياء مشدّدة في الجميع مفردا ، أو مثنى ، أو جمعا ، (فقيل : ذيّا وتيّا) ـ في ـ ذا ، وتا ـ ، ويلحقها علامة التثنية في المثنى ، وهي ساكنة ، فتحذف الألف الزائدة ـ للعوض ـ بالتقاء الساكنين ، فيقال : ذيّان ، وتيّان ، وقد يزاد اللّام والكاف في المفرد ، كقول رؤبة : مخاطبا لامرأته في صبيّ شك في أمره :

أو تحلفي بربّك العليّ

إنّي أبو ذيّالك الصبيّ (١)

(واوليّا) ـ بضمّ الهمزة ـ كما كانت والياء المشدّدة والقصر ـ وبالمدّ أيضا على اللّغتين في أولى ـ للجمع ـ.

__________________

(١) هذا البيت للرؤبة كما قال الشارح ، وأو : في ـ أو تحلفي ـ للعطف على تقعدنّ قبله ، وقيل انّه بمعنى إلى ان ـ أي إلى ان تحلفي. وقال النحاة يجوز في ـ إنّي ـ الكسر على انّه جواب للقسم ، والفتح على اضمار ـ على ـ الجارة ـ أي تحلفي على أنّي أبوه. وحاصل المعنى : لتقعدنّ مقعد البعيد الّذي هو كذا وكذا ، أي بيعدة مسخوطة مبغوضة أو تحلفي على ان هذا الصبيّ منّي.

١٢٦

وألف العوض في مصغر الممدود زيدت قبل الهمزة عند المبرد ، لأنّه لمّا تصرّف فيه بالتصغير نزّل منزلة الأسماء المتمكّنة وقدّرت همزته منقلبة عن الواو ، أو الياء ، كعطاء ، ورداء ، قتنقلب ياء في التصغير كالهمزة فيهما ، ويحذف باجتماع الثلاث ، كما في مصغرهما ، فلو زيدت الألف بعدها بأن يقال : اوليّا التبس بمصغر المقصور ، بخلاف ما إذا قلبت ألفه ياء وادغمت فيها ياء التصغير ، زويدت بعدها ألف العوض قبل الهمزة ، وفتحت الياء المشدّدة للمحافظة عليها ، فانّهما ـ أي ألف العوض والهمزة ـ تبقيان حينئذ ، إذ لا داعي إلى قلب الهمزة ياء ، لأنّها انّما تنقلب إليها بعد الألف الزائدة قبل التصغير ، كألف رداء ، لا بعد غيرها.

وقال الزجاج : بزيادتها في الآخر كما في غيره ، لكنّه يقدّر همزته ألفا في الأصل ، ولا دليل عليه ، قال : فإذا ردّت إلى أصلها في التصغير اجتمعت ثلاث ألفات ، فتنقلب الاولى ـ ياء ـ وتدعم فيها ياء التصغير ، وتنقلب الأخيرة الزائدة ـ عوضا ـ همزة ، كما في الأخيرة من نحو : حمراء ، بناء على ان همزته منقلبة عن الألف ، وتبقى الوسطى.

فالحكم بأن زيادة ألف العوض بعد الآخر امّا ناظر إلى قول الزجاج ، أو إلى الغالب في الأسماء المذكورة.

وقد تلحق الهاء فيقال : هؤليّا. ولم يصغر من أسماء الاشارة إلّا هذه الخمسة. (١)

(واللّذيّا ، واللّتيّا) ـ في الّذي ، والّتي ـ والاقتصار ـ على ما قرّر في تصغير هذه الأسماء يقتضي كسر الذال والتاء ، لكنّهم فتحوهما ، فلعلّ الفتح ليكون باب تصغير المبهم على نهج واحد من فتح ما قبل ياء التصغير كما قيل ، ويحذف منهما ألف العوض عند لحوق علامتي التثنية والجمع بالتقاء الساكنين ، وتبقى الياء المشدّدة قبل علامتهما ، كما في اسم الاشارة ، (و) يقال : (اللّذيّان واللّتيّان) ـ رفعا ـ واللّذيّين ،

__________________

(١) وهي ذا ، وتا ، وذان ، وتان ، وأو لاء ، هذا عبارة ابن هشام في الأوضح ، والاولى ان يقول الشارح : إلّا هذه الثلاثة ، أعني : ذا ، وتا ، وأولاء.

١٢٧

واللّتيّين ، ـ نصبا وجرّا ـ في المثنى ، (واللّذيّون) ـ رفعا ـ واللّذيّين ـ نصبا وجرّا ـ في الجمع ، وأجرى عليه هذا الاعراب مع شذوذ الواو في المكبّر ، لقوّة الاسميّة بالتصغير الّذي هو من خواص الأسماء ، فاجرى جمع المصغر مجرى جمع الأسماء المتمكّنة ، ولمّا كانت ألف العوض محذوفة ـ عند سيبويه ـ نسيا ـ إعتبر ضمّ الياء المشدّدة قبل الواو ، وكسرها قبل الياء ، وهو المسموع ، والأخفش : يحذفها مع الاعتداد بها ، فيبقى فتح المشدّدة الّتي كانت قبلها في الأحوال الثلاث ، ك ـ المصطفون ، والمصطفين ، والفرق : في حالتي النصب ، والجرّ بين الجمع والمثنى ـ عنده ـ بفتح النون وكسره.

(واللّتيّات) ـ للجمع المؤنث ، بالحاق علامته ، وهي الألف والتاء على اللّتيّا الّتي كانت للمفرد ، وحذف إحدى الألفين بالتقاء الساكنين.

واستغنوا بذلك ـ على الأصح ـ عن تصغير اللّائي ، واللّواتي.

[تصغير الضمائر ونحوها] :

(ورفضوا) ـ أي تركوا ـ (تصغير الضمائر) ، لعدم جواز وقوعها صفة ولا موصوفة ، كما يجوز في أسماء الاشارة والموصولات ، والتصغير في المعنى موصوف مع الصفة كما مرّ.

(و) كذلك رفضوا ـ أيضا ـ تصغير أسماء الشرط والاستفهام ، (نحو : اين ، ومتى ، وما ، ومن) ، (و) تصغير(حيث ، ومنذ) ، وعند ، واذا ، واذ ، (ومع) ، فان شيئا من هذه لا يقع صفة ولا موصوفة ، ومن ، وما ، وان استعملتا موصولتين أو موصوفتين في بعض الأوقات لكنّهما لا تقعان صفتين.

(و) رفضوا تصغير(غير) ، لتوغله في معنى الحرف وهو الاستثناء ، ولذلك كان قاصرا في التمكّن ولا يدخله اللّام ، ولا يثنى ولا يجمع في العربي الفصيح ، بخلاف مثل.

١٢٨

(و) رفضوا ـ أيضا ـ تصغير(حسبك) ، لتضمنه معنى الفعل ، لأنّه بمعنى : إكتف ـ ، وكذا كلّ ما يتضمن معنى الفعل من أسماء الأفعال.

(و) رفضوا تصغير(الاسم) حالكونه (عاملا عمل الفعل) ، سواء كان اسم فاعل ، أو مفعول ، أو صفة مشبّهة ، لأنّ المصغر في حكم الموصوف والصفة ، فقولنا : ضويرب في قوّة ضارب حقير ، كما مرّ ، والاسم العامل عمل الفعل إذا وصف انعزل عن العمل ، لبعده عن مشابهة الفعل ، فلا يقال : ضارب عظيم زيدا ، فالمصغر المشتق لا يجوز اعماله إلّا في الفاعل الّذي لا بدّ منه في المشتق ، (فمن ثمّ جاز ضويرب زيد) من غير أعمال في غير الفاعل ، (وامتنع ضويرب زيدا) باعمال النصب في ـ زيدا ـ على المفعولية ، خلافا للكسائي حيث جوّز ذلك كما جوّز أعمال المشتق المنعوت.

وحكى عن بعض العرب : أظنّني مرتجلا وسويّرا فرسخا (١).

ومنعوا من تصغير أمس ، وغد ، لأنّ الغرض الأهم منهما كون أحد اليومين قبل الآخر أو بعده بلا فصل ، وهذا لا يقبل الزيادة والنقصان ، ولذلك منع سيبويه : من تصغير أيّام الأسابيع ، كالسبت ، والأحد ، وأسماء الشهور ، ك ـ المحرم إلى ذي الحجّة ، فان معناها غير قابل للزيادة والنقصان ، وهي تجري مجرى أن يقال : اليوم الأوّل ، والثاني ، والشهر الأوّل ، والثاني ، وهكذا.

خلافا للجرميّ والمازنيّ حيث جوّزا تصغيرها.

***

__________________

(١) فان سويّرا تصغير سائر ، وقد عمل النصب بالمفعولية في ـ فرسخا ـ.

١٢٩

أحكام المنسوب

(المنسوب) هو الاسم (الملحق آخره ـ ياء ـ مشدّدة) المركب معها تركيبا صار معها في حكم كلمة واحدة ، (ليدل) ذلك الملحق آخره الياء ـ من حيث كونه ملحقا بآخره الياء ـ أو الحاقها بآخره ، (على نسبته) ـ أي نسبة ذلك المركب من الملحق والملحق به ـ يعني نسبة ما أريد به (إلى المجرّد عنها) ـ أي عن الياء ـ وهو المنسوب إليه أبا كان ، ك ـ علويّ ، أو أمّا ، كسلوليّ (١) ، أو بلدة ، كبصريّ ، أو صناعة ك ـ كسائيّ ، فقولنا : بصريّ مركب من البصرة والياء المشدّدة الّتي الحقت آخره ، ليدل الحاقها إيّاها وتركيبها معها على نسبة الشخص الّذي أريد به ـ إلى المجرّد عن الياء ، وهو البصرة.

فالياء علامة النسبة العارضة للمنسوب إليه ، لأنّها لكثرة وقوعها يناسبها خفة العلامة ، وكونها من حروف اللين ، واختيرت منها الياء لأنّها أخف من الواو وقابلة للإعراب ، بخلاف الألف ، وتشديدها للامتياز عن ياء المتكلم على ما قيل.

وخرج بقوله : ليدل ... الخ ما لحقته ياء مشدّدة للوحدة ، كروميّ ـ للواحد من الرّوم ـ على ما ذكره جماعة ، أو للمبالغة ك ـ احمريّ ، أو لمجرّد تكثير حروف الكلمة ، كبرديّ (٢) ، وكرسيّ.

والمراد بإلحاق المشدّدة اعتبار لحوقها أوّلا ، وان عرض له التغيير بعد ذلك ، ك ـ يمان ، وشام ـ في النسبة إلى اليمن والشام ـ على ما سيجيء إنشاء الله تعالى ،

__________________

(١) سلول : من اعلام النّساء ، ويقال : لبني عامر بن صعصعة من قيس بنو سلول للنسبة إلى امّهم ، ومنهم عبد الله بن همام السلولي الشاعر.

(٢) البرديّ : بالفتح نبات معروف ، وبالضم تمر جيّد.

١٣٠

والمقصود ان هذا هو القياس الغالب في المنسوب ، فلا يرد نحو : عوّاج (١) ، وتامر.

وهو كالمصغر محكوم عليه في المعنى ، فانّ البصريّ مثلا معناه : المحكوم عليه بأنّه منسوب ، أو منتسب إلى البصرة ، فلذلك اختصّ بالاسم ، وأمّا قولهم : اخشوشنيّ ، وتمعدديّ ، في النسبة إلى الفعلين من قولهم : اخشو شنو ، وتمعددوا (٢) ـ أي كونوا ذا خشونة وغلظة في المطعم والملبس واتركوا التنعم وتشبهوا في ذلك وبمعدّ بن عدنان ـ فالنسبة فيه إلى لفظي الفعلين على ما يقال ، وكلّ كلمة اسم بالنسبة إلى نفس لفظها ويجري عليها خواص الاسم ، إذا أريد بها لفظها ، كالوقوع مبتدأ في نحو : ـ من ـ حرف ، ـ وضرب ـ فعل ، ويحتمل الشذوذ.

ولمّا كان المنسوب المعرّف بما ذكر في قوّة الموصوف : بأنّه منسوب أو منتسب إلى شيء ـ وهما لا يعملان النصب بالمفعولية ـ لم يعمل إلّا في المرفوع المضمر فيه ، أو المظهر ، كما في رجل مصريّ حماره ، مثل : رجل قائم أبوه ، وفي الظرف ، نحو : انا قريشيّ أبدا ، لكفاية رائحة الفعل فيه ، وفي الحال ، نحو : انا هاشميّ منتسبا ، لمشابهتها للظرف.

ثمّ انّه يكون فيه تغييرات قياسيّة وغير قياسيّة ، (وقياسه حذف تاء التأنيث) ـ وجوبا ـ (مطلقا) سواء كان المنسوب إليه المشتمل عليها مؤنثا حقيقيّا ، ك ـ عزّة ـ لامرأة ـ ومكّة (٣) أم لا ، كطلحة ـ لرجل ـ ، وسواء كان علما كتلك الأمثلة ، أم لا ، كغرفة ، وصفرة ، وسواء كان مفردا ، أم جمعا ، كمسلمات ، فيقال : مكيّ ، ومسلميّ مثلا.

(و) قياسه ـ أيضا ـ حذف (زيادة التثنية والجمع) المصحح ، فيقال : في ـ

__________________

(١) عوّاج : من يبيع العاج. وتامر : من يبيع التمر.

(٢) قال الجوهري : هذا قول عمر (رضي‌الله‌عنه) وفي بعض الكتب ذكروا كأنّه حديث رسول الله (ص).

(٣) وفي بعض النسخ : ميّة وهو الظاهر.

١٣١

ضاربان ، وضاربون ـ مثلا ضاربيّ ، لأن كل من ياء النسبة ، وعلامة التأنيث ، والمثنى والمجموع شأنها لحوق آخر الكلمة وكونها في عداد أجزائها ، فلو اجتمعت مع إحدى تلك العلامات كانت المتقدّمة منها في حكم المتوسطة بين أجزاء الكلمة ، لكون المتأخرة عنها في عداد الأجزاء مع ان التوسط خلاف شأنها المألوف ، فكان المناسب حذف تلك العلامات واثبات الياء ، لأن اعتبارها (١) في مقام النسبة أهمّ ، وقد يذكر نكاة اخر تجري مجرى ما ذكر ، فتأمّل.

ولم يوجبوا حذف ألف التأنيث ـ على ما سيجيء ـ لأنّها من حروف العلّة الّتي يكثر فيها التغيير ، فقد يكتفي في دفع كراهة توسطها بالتغيير عن صورتها وقلبها واوا ـ كما سيجيء إنشاء الله تعالى ـ مع ان لفظ الألف ليست في الاختصاص بالمؤنث بمنزلة التاء على ما قيل.

ثمّ ان حذف تاء التأنيث حكم كلّي من غير استثناء شيء ، وحذف زيادة كلّ من المثنى والمجموع مطرد على كلّ حال ، (إلّا) حالكونه (علما قد اعرب بالحركات) الجارية على النون ، ك ـ قنّسرين ـ بالقاف وفتح النون المشدّدة أو كسرها وعلامة الجمع ـ لموضع بالشام ـ ، وماطرون ـ لموضع آخر بها ـ ، ونصيبين ـ لموضع آخر ـ ، وسبعان بضم الموحدة ـ لموضع ببلاد قيس ـ فانّها لا يجب حذفها في مثل ذلك (٢) ، بل يجوز اثباتها لصيرورتها من أجزاء الكلمة عند العلمية ، حيث جعل المجموع علما ، ومن ثمّ أجازوا إعرابها بالحركات على النون من دون مراعاة مقتضى الإعراب بالحرف ، كما قال :

طال ليلي وبتّ كالمجنون

واعترتني الهموم بالماطرون (٣)

__________________

(١) وفي نسخة : لأن اعتبار هذه الخ.

(٢) أي إذا كانت اعلاما لا بقيد الإعراب بالحركة.

(٣) البيت لأبي دعبل واسمه وهب بن وهب بن ربيعة ، على ما ذكره العيني. ونسبه الجوهري :

١٣٢

وقال آخر :

الا يا ديار الحيّ بالسّبعان

أملّ عليها بالبلي الملوان (١)

فالجر فيهما ـ بكسر النون ـ من غير مبالاة بالواو والألف الّتي هما علامتا الرفع ، ويجوز حذفها للنظر إلى كونها علامات في الوضع الأوّل ، كما جاز إعرابها بالحرف لهذا (٢).

(فلذلك) ـ الّذي ذكر من جواز الوجهين ـ (جاء قنّسريّ) ـ بحذف زيادة الجمع ـ ، (وقنّسرينيّ) ـ بإثباتها ـ ، وما طريّ ، وما طرينيّ ، ونصيبيّ ، ونصيبينيّ ، وسبعيّ ، وسبعانيّ.

(ويفتح) ـ وجوبا ـ ما قبل الآخر ، وهو الحرف (الثاني من) الاسم الّذي كان في عدد الحروف وكسر الحرف الثاني على (نحو : نمر) ، على زنة ـ كتف ـ للحيوان المعروف من السباع ـ سواء وافقه في فتح الحرف الأوّل أم لا ، كإبل ، (ودئل) ، فيقال : نمريّ ، وإبليّ ، ودئليّ ، ـ بفتح الحرف الثاني ـ ، لئلّا يجتمع كسرته مع كسرة ما قبل الياء النسبة المشدّدة ، فيجتمع كسرتان وياآن ، وهو مستثقل لتتابع الأمثال.

ومنهم من يبقى الكسرة في نحو : إبليّ ، لانجبار الثقل بجريان اللسان على نهج واحد.

وأبقوا ضمّ الثاني من نحو : عضديّ ، وعنقيّ ، لعدم اجتماع الأمثال ، واغتفر الانتقال من الضم إلى الكسر ، لعروضه ، كما في المبنى للمفعول.

وذلك : (بخلاف) ما زاد على ثلاثة أحرف وما قبل آخره مكسور ، سواء كان

__________________

ـ إلى عبد الرّحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري. ويروي : بالمجنون ـ بالباء ـ وهو على ما قيل في هذه الرواية مصدر على زنة المفعول ، أي بت متلبّسا بالجنّة.

(١) البيت : لتميم بن أبي فضل ، وقيل لغيره. واملال الكتاب : إملائه. والملوان : اللّيل والنهار وهو فاعل أملّ.

(٢) أي للنظر إلى كونها علامات في الوضع الأوّل.

١٣٣

على أربعة أحرف ـ مع سكون الثاني ـ نحو : (تغلبيّ) ـ في النسبة إلى تغلب بن وائل ابن قاسط ـ ، ومغربيّ ، أو مع تحرّكه ، ك ـ علبطيّ ، أو فوق الأربعة ك ـ جحمرشي ، ومستخرجيّ ، فان كسرة ما قبل الآخر تبقى فيه ـ وجوبا ـ على خلاف نحو : نمر ، (على الأفصح) ، وان اجتمعت كسرتان وياآن ، لعدم الاعتناء بالخفة الحاصلة من ابدال الكسرة ـ فتحة ـ في الكلمة الّتي بنائها على الثقل وكثرة الحروف ، خلافا للمبرد ، حيث أجاز فتح ما قبل الآخر قياسا مطردا في ذي الأربعة مع سكون الثاني ، إلحاقا له بذي الثلاث ، لتنزيل الحرف الثاني ـ لسكونه ـ منزلة المعدوم ، ولم يساعده السماع إلّا في لفظ واحد ، وهو : تغلبيّ ، وتنزيل الساكن من غير حروف المد واللين منزلة المعدوم ضعيف.

(ويحذف) ـ وجوبا ـ (الياء ، والواو ، من «فعيلة ، وفعولة» ،) ويفتح العين منهما ، لأنّ المدّة الجارية مجرى اشباع الحركة ـ الواقعة بين العين واللّام ـ كالمعدوم ، لضعفها ، فشبّه الأوّل بنحو : نمر ونسب إليه كما ينسب إليه ، وحمل عليه الثاني لمواخاة واو المدّ ليائه ، ولذلك جعلتا (١) رديفين في الفواصل والقوافي ، هذا عند سيبويه ، وزعم المبرد : انّ النسبة إلى «فعولة» فعوليّ ، فرقا بينها وبين «فعيلة» كما فرقوا بين نمر ، وعضد.

ثمّ انّ المصنف اكتفى عن التعرّض لحذف تاء التأنيث بما مرّ ، وكذا فيما يذكره بعد ذلك.

وحذف الواو ، والياء ممّا ذكر مشروط : (بشرط صحّة العين ،) ـ بأن لا يكون معتلة ـ (ونفي التضعيف ، ك ـ حنفيّ) ـ في حنيفة ـ (وشنئيّ) ـ في شنوئة ـ ، بالمعجمة والنون من مهموز اللّام ـ لحيّ من الأزد ـ ، وقع بينهم شنآن وهو البغضاء.

(و) يحذف ـ الياء ـ أيضا ـ وجوبا (من «فعيلة») مصغرة ، حملا على ما تقدّم ، لتشابههما في زيادة الياء الساكنة ، حالكونها (غير مضاعفة) وان كانت معتلة العين ،

__________________

(١) وفي نسخة : جعلا.

١٣٤

فالشرط فيها نفي التضعيف فقط ، (ك ـ جهنيّ) في : جهينة ـ مصغرة ـ ، لأبي قبيلة ، ورجل آخر ، قيل ورد فيه قوله :

تسائل عن حصين كلّ ركب

وعند جهينة الخبر اليقين (١)

والمجرّد عن التاء في الثلاثة يبقى فيه الواو ، والياء ، نحو : تميميّ ، وسلوليّ ، وحسينيّ ، للفرق بين النسبة إلى المذكر في اللفظ والمؤنث فيه ، ولم يعكس ، لأنّ المذكر أولى بعدم التغيير ، ولأنّ المؤنث أثقل وبالتخفيف أجدر.

وعند تحقّق الشرايط المذكورة لا مانع فيه من التخفيف بالحذف ، (بخلاف) : ما فقد فيه بعض الشروط ، نحو : (شديديّ) وملوليّ ، ـ في شديدة ، وملولة ـ على «فعيلة ، وفعولة» من ـ الملال ـ لوجود التضعيف ، (وطويليّ) ، وقووليّ ، في طويلة وقوولة ـ ، لاعتلال العين ، فانّه لو حذفت الواو ، والياء منها اجتمع مثلان في المضاعف فحكمه الادغام ، وانقلبت العين المعتلة ـ ألفا ـ ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فيحصل : شديّ ، ومليّ ، وطاليّ ، وقاليّ ، فمع الاشتمال على كثرة التغييرات يقع الالتباس بالنسبة إلى : شدّ ، وطال ، وملّ ، وقال ، ـ اعلاما ـ مثلا ، ولا ينقلب العين من طويلة ، وقوولة ، ونحوها مع تحرّكه وانفتاح السابق ـ ألفا ـ ، لعدم موازنة الفعل الّتي هي شرط في القلب ، كما يجيء في باب الاعلال.

وكذا لو حذفت ـ الياء ـ من «فعيلة» مصغرة إذا كانت مضاعفة لزم الادغام وكثرة التغيير والالتباس ، بخلاف المعتلة العين منها ، ك ـ عيينة ـ بيائين ـ فالنسبة إليها : عينيّ كجهنيّ ، ولا يلزم قلب الياء الباقية ألفا لانضمام ما قبلها.

__________________

(١) والظاهر ان هذا البيت لأخنس. قد يقال : ان حصين بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن كلاب خرج ومعه رجل من بني جهينة يقال له الأخنس فنزلا منزلا فقام الجهنيّ إلى الكلابي فقتله وأخذ ماله وكانت صخرة بنت عمرو بن معاوية تبكيه في المواسم فقال الأخنس : تسائل عن حصين الخ.

ويقال : ان جهينة آخر رجل يخرج من النار ويدخل الجنّة.

١٣٥

وهذه الأحكام قياسيّة يحكم بالشذوذ على ما خالفها ، (و) من ذلك : (سليقيّ) كما وقع في قول الشاعر :

ولست بنحويّ يلوك لسانه

ولكن سليقيّ أقول فأعرب (١)

(وسليميّ) ـ بفتح السين وكسر ما بعدها واثبات الياء فيهما ـ في النسبة إلى : السليقة ـ وهي الطبيعة ـ وسليمة ، ـ بفتح السين ـ لحيّ (في) قبيلة(الأزد ، وعميريّ) ـ بفتح الأوّل وكسر الثاني واثبات الياء ـ في عميرة ـ بفتح الأوّل ـ أيضا لحيّ (في) قبيلة(كلب ، شاذ) ، والقياس فيها : سلقيّ ، وسلميّ ، وعمريّ ، كحنفيّ ، ويقتصر فيها على السماع ، فلو نسب إلى سليمة من غير الأزد ، وعميرة من غير كلب وجب ان يكون على ما هو القياس ، وكأنّهم قصدوا بالمخالفة له فيهما الفرق بين النسبة إلى سليمة وعميرة منهما وإليهما من غيرهما على ما قيل.

(وعبديّ ، وجذميّ) كلّاهما ـ بضمّ الأوّل وفتح الثاني وحذف الياء ـ كجهنيّ ، على ما حكاهما سيبويه (في) النسبة إلى (جذيمة) على «فعيلة» بفتح الفاء وكسر العين والذال المعجمة ـ لأبي حيّ من بني أسد ، (وعبيدة) بتلك الزنة ـ لأبي حيّ من بني عديّ ـ (أشذّ) من نحو : سليميّ ، وعميريّ ، إذ غاية ذلك إبقاء الياء وفيه رجوع إلى أصل الكلمة ، والشذوذ ههنا بالعدول عن الفتح الّذي هو أصل الكلمة إلى الضم الثقيل ، والقياس : فيهما الفتح ك ـ حنفيّ. (٢)

والقصد في ارتكاب ذلك إلى الفرق بين النسبة إليهما ـ من القبيلتين المذكورتين ـ وإلى عبيدة بن معاوية بن قشير وغيره ، وإلى جذيمة من بني عبد القيس ، فانّ النسبة

__________________

(١) لم أعثر على نسبة هذا البيت إلى قائل معيّن. ومعناه : أي لست بمنسوب إلى علم النحو ويلوك : في محل الجر نعت لنحوي وهو مضارع لاك يقال : لاك الفرس اللجام في فمه إذا علكه. يريد انّه ليس ممّن يتكلّم بلغة العرب بسبب معرفة النحو بل هو ممّن يتكلّم بسليقة فيعرب.

(٢) وفي بعض النسخ خلاف في المتن. وفي نسخة يكون المتن هكذا : وعبديّ وجذميّ في بني عبيدة وبني جزيمة. وعلى هذه النسخة شرح الرضي.

١٣٦

إليهما على القياس ، وكذلك قول العامّة : ـ في خليفة ـ خليفتيّ ـ بإثبات الياء وتاء التأنيث ـ أشذ من نحو : سليقيّ ، لشذوذه من جهة تاء التأنيث ـ أيضا ـ.

(وخريبيّ) ـ بضمّ الخاء المعجمة واثبات الياء ـ على صيغة التصغير ، ـ في خريبة ـ مصغرة ، لموضع بالبصرة يقال له : بصيرة الصغرى ، وردينيّ ـ في الرمح المنسوب إلى ردينة ـ (شاذ) ، والقياس حذف الياء ، كجهنيّ لوجود تاء التأنيث ، والمقصود في خريبيّ الفرق بين النسبة إليها وإلى خريبة ـ لقبيلة ـ وإلى خرب كصرد ، جمع خربة ـ بضمّتين ـ لعروة المزادة ـ إذا جعلت علما ـ.

(وثقفيّ) ـ بحذف الياء ـ كحنفيّ ، في النسبة إلى ثقيف ـ بفتح الأوّل ـ كتميم ، ـ إلى قبيلة منهم المختار بن عبيدة ، (وقرشيّ) كجهنيّ ـ بحذف الياء ـ في النسبة إلى قريش ـ ، (وفقميّ) ـ بتقديم الفاء على القاف ـ كقرشيّ (في) النسبة إلى فقيم ، ـ مصغّرا ـ لأبي حيّ من (كنانة) ، (وملحيّ) كقرشيّ ـ أيضا ـ (في) النسبة إلى مليح ـ مصغّرا ـ لأبي حيّ من (خزاعة) (شاذ) ، والقياس اثبات الياء في الكلّ ، للخلوّ عن تاء التأنيث ، بأن يقال : ثقيفيّ كتميميّ ، والباقي كحسينيّ.

ولعلّهم أرادوا الفرق بين النسبة إلى المذكورين وإلى قريش ـ لدابة في البحر ـ وفقيم بن جرير بن دارم بن تميم ومليح بن عمرو بن ربيعة من بني سكون ، ومليح ابن الهون من خزيمة ، فانّ النسبة إلى كلّ ذلك على القياس ، وكذا هذليّ في ـ هذيل ـ شاذ.

فهذا حكم الواو والياء فيما حروفه مع أحديهما أربعة ، ولا عبرة بتاء التأنيث.

وأمّا ان زادت الحروف معهما عليها ك ـ تكريت ـ لموضع ـ وسكّيت ـ بتشديد الكاف ـ لرجل ـ ، وصعفوق ـ لحيّ باليمامة ـ أبقيت في النسبة ، فيقال : تكريتيّ ، وسكّيتيّ ، وصعفوقيّ ، لأنّ الوضع بكثرة الحروف يشعر بعدم المبالات بمثل الثقل الحاصل منها في مثله.

والحكم المتقدم ليس مطردا في كلّ ـ ذي الأربعة ـ مع إحديهما ، بل يختص

١٣٧

بالصحيح اللّام من ذلك.

(وتحذف) ـ وجوبا ـ (الياء) الاولى الزائدة الساكنة من «فعيل» ـ بفتح الفاء وكسر العين ـ و «فعيل» ـ مصغرا ـ (من معتل اللّام من المذكر والمؤنث) من غير فرق ، استثقالا للياآت الأربعة المجتمعة ، (وتقلب الياء الأخيرة) الأصيلة الباقية(واوا) ، لئلّا تبقى ثلاث ياآت مجتمعة ، ولم يستغنوا بذلك عن حذف الزائدة ، حذرا عن مخالفة قياس الاعلال ان لم تقلب الواو ياء مع مقارنتها للياء الساكنة السابقة ، والوقوع فيما هرب عنه من اجتماع أربع ياآت ان قلبت إليها.

وتفتح ما قبل الواو كما في ـ نمريّ ـ ، ولم تقلب ألفا للاضطرار إلى تحريكها ، لالتزام كسر ما قبل ياء النسبة ، وذلك (كغنويّ) مثل : حنفيّ ، في ـ غنيّ ، وغنيّة ـ بفتح الأوّل ـ ، (وقصويّ ، وامويّ) كلّاهما بضمّ الأوّل ، كجهنيّ في : قصيّ ، وأميّة ـ مصغرين ـ لقبيلتين ـ.

لكن قد خولف هذا الحكم في المصغر نادرا ، (و) من ذلك النادر أنّه (جاء اميّيّ) ـ بضمّ الأوّل ويائين مشدّدتين ـ من غير حذف ولا قلب ، لانفتاح ما قبل المشدّدة الاولى ، فكأنّه انجبر به شيء من الثقل.

(بخلاف) «فعيل» ـ بفتح الفاء وكسر العين ـ ، نحو : (غنويّ) ، فانّ الحذف والقلب لا زمان فيه ، ولم يجيء خلافه على ما زعمه المصنف ، لانكسار ما قبل المشدّدة ، فيجتمع الكسرتان والياآت ويزداد الثقل ، وقال السيرافي : بعضهم يقول : غنيّيّ ـ بمشدّدتين وانكسار ما قبلهما ـ إلّا انّه أثقل من ـ اميّيّ ـ ، للكسرة ، ومثله حكى عن يونس.

(وامويّ) ـ بفتح الهمزة مع الحذف والقلب في المشدّدة الاولى ـ على ما حكاه سيبويه عن بعض العرب ، ردّا إلى المكبر طلبا للخفة ، (شاذ) ، والقياس ضمّ الهمزة.

(و) إذ قد عرفت حكم «فعيل ، وفعيلة» من معتل اللّام فاعلم أنّه قد(اجرى تحويّ) ـ بالفوقانيّة والمهملة المفتوحتين ـ (في تحيّة) وهي «تفعلة» لا «فعيلة» لأنّ

١٣٨

التاء في أوّلها زائدة ، ـ وهي مصدر حيّي ، يحيّي ـ بالتضعيف ، (مجرى غنويّ) في الحذف والقلب ، لمشابهتها الغنيّة في عدد الحروف ، والحركات ، والسكنات ، ووقوع الياء المشدّدة بعد الحرف الثاني ، مع انّ العلّة المذكورة للحذف والقلب ثمّ جارية ههنا.

(وامّا) «فعول» من معتل اللّام المذكر(نحو : عدوّ ، فعدويّ) ، كقعوليّ من غير حذف ولا قلب ، هو الّذي يقال : في النسبة إليه (اتفاقا) ، إذ ليس فيه اجتماع الأمثال المستثقلة ، (و) المؤنث : (نحو : عدوّة) فيها خلاف ، (قال المبرد) : حكمها حكم المذكر وهي (مثله) في النسبة من غير فرق ، نظرا إلى عدم الداعي إلى حذف الواو ، (وقال سيبويه) : انّها تجري مجرى «فعولة» من الصحيح اللّام ، على ما اختاره من حذفد واو المدّ وفتح الحرف الثاني فيقال : (عدويّ) ، كشنئيّ فرقا بين المذكر والمؤنث.

(وتحذف) ـ وجوبا ـ (الياء الثانية) المتحرّكة(من) كلّ ما وقع قبل آخره ياء مشدّدة ، (نحو : سيديّ ، وميتيّ) ، ـ بياء واحدة ساكنة ـ في : سيّد ، وميّت ـ بتشديد الياء ـ ، (ومهيميّ) ـ بياء واحدة ساكنة ـ أيضا ، في : مهيّم اسم فاعل ، (من هيّم) من الهيمان ، لكراهتم اكتناف يائين مشدّدتين بالحرف الأخير من المنسوب إليه ، كالدال في ـ سيّد ـ في النسبة الّتي مبناها على التخفيف مع كسرة الاولى ، ولانفتاحها في ـ مهيّم اسم مفعول ـ أبقيت على حالها من غير حذف.

وحذفت المتحرّكة ، مع انّ الساكنة لسكونها وجريانها مجرى المعدوم الّذي لا يعتنى به أولى بالحذف ، إذ لو أبقيت المتحرّكة انقلبت ـ ألفا ـ ، لانفتاح ما قبلها ، فيلزم ـ مع كثرة التغيير ـ كونه في معرض الالتباس بالنسبة إلى : ساد ، ومات ، مثلا ، ولقربها من الطرف على ما قال شارح اللباب.

فان قيل : لو كانت الباقية هي الاولى الساكنة كان ـ طيئيّ ـ بياء ساكنة قبل الهمزة هو الأصل في النسبة إلى طيّئ على زنة سيّد ـ لأبي قبيلة ـ فلم يجز قلب الياء ألفا ، لاشتراطه بالتحرّك مع انّها قلبت إليها ، حيث قيل : طائيّ ، قلنا : الحكم

١٣٩

المذكور أصل ثبت بالاستقراء ، فالباقية هي الياء الساكنة ، (وطائيّ شاذ) ، لوقوع الاعلال المخالف للقياس أعني : قلب الياء الساكنة ألفا فيه ، ولو لا حكمه في باب الاعلال بأنّ شذوذه للاعلال أمكن الحمل على ان أبقاء المتحرّكة ، وقلبها ألفا ، وحذف الساكنة فيه شاذ لمخالفته لتلك القاعدة (١) ، وان كان الاعلال قياسيا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها على ما قيل.

(فان كان نحو : مهيّم ، تصغير ـ مهوّم) ـ بتشديد الواو ـ اسم فاعل من هوّم الرجل ـ بتشديدها ـ إذا حرّك رأسه من النعاس ـ (قيل) : في النسبة إليه (مهيّميّ) بإبقاء المشدّدة مع علامة النسبة ، والحاق ياء ساكنة بعدها ، (بالتعويض) بها عن الواو المحذوفة بالتصغير.

وتوضيح ذلك : ان تصغير مهوّم ـ مهيوم ـ بحذف الواو الزائدة ـ كما مرّ في تصغير مقدّم من قدّم ـ ، ثمّ قلبت الواو الواقعة بعد ياء التصغير ـ ياء ـ ، وقد تقدّم جواز التعويض عن المحذوفة بمدّة زائدة بعد كسرة التصغير وهي : الياء ، وهذا التعويض واجب في النسبة ههنا عند المصنف والزمخشري ، إذ مع عدمه تكتنف المشدّدتان بالميم فيلزم الحذف على القاعدة ، ويلتبس بالنسبة إلى ـ مهيّم ـ اسم فاعل ـ من هيّم ـ ، ومع التعويض لا حاجة إلى الحذف ، لتوسّط مدّة العوض الّتي هي كالاستراحة بين المشدّدة الاولى وكسرتها ، والميم وكسرته ، ولم يعكس ، لأن اسم الفاعل من ـ هيّم ـ لم يحذف منه شيء قبل النسبة حتّى تعوّض عنه بعدها ، كما حذف من مصغر ـ مهوّم ـ.

وأمّا تصغير ـ مهيّم ـ من هيّم ـ فهو بصورة المكبّر ، إذ بعد حذف الياء الزائدة وادغام ياء التصغير في الباقية تحصل تلك الصورة ، واكتفوا في النسبة إليهما (٢) بالقرائن من غير تعويض في المصغر ، لئلّا يلتبس بالنسبة إلى الواوي ، لأن عدم

__________________

(١) أي : السابقة في سيّد وميّت.

(٢) والضمير راجع إلى المكبر وإلى تصغير مهيّم.

١٤٠