تاريخ اليمن الإسلامي

أحمد بن أحمد بن محمّد المطاع

تاريخ اليمن الإسلامي

المؤلف:

أحمد بن أحمد بن محمّد المطاع


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار التنوير للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

يأمره بالكف عن ابن ابي الفتوح ، ويعاتبه ، فلم ينزجر الزّيدي ، وجعل يواصل خطواته ، ويجدّ في تخريب الحصول وتدمير الزروع ، وبسط يده على مخلاف الهان ، ومخلاف ذي جرّة (١) ، وهدم حصن نعظ (٢) ، وهو لإبن ابي الفتوح ، وعظمت ولايته عند أهل اليمن ، وانكمش الإمام بمخلاف همدان ، وأمسك عن أمره ونهيه مظهرا العتب على الزيدي ، غير راض عن أعماله ، ثم ان الزيدي رجع إلى طاعة الإمام والتمس منه العفو ، واعتذر عما كان ، وطلب من الإمام الدّخول معه صنعاء فقبل الإمام عذره ، ورافقه إلى صنعاء ، ودخلها في المحرم سنة ٣٩١ ، وأمر الزيدي بإرجاع مخاليف أسعد بن ابي الفتوح ، وقرّر الأمور بين أسعد وبين الزيدي ، ورجع إلى صعدة من طريق الجوف ، وفي الخزرجي (٣) وأنباء الزمن (٤) : ان همدان قصدت الامام في هذا العام إلى ورور ، وسألوه النفقة ، فكتب لهم الى عامله بصنعاء فلم يجدوا عنده ما يقوم بكفايتهم ، فساروا إلى ابن أبي الفتوح وابن أبي حاشد ، فحلفوا لهما وادخلوهما صنعاء ، وخرج ولاة الإمام منها ، ولما علم الزيدي بذلك ، أقبل من ذمار بجموعه ، حتى وصل بير الخولاني (٥) فقطع ما كان بها من أعناب إبن أبي الفتوح ، وسار إلى نفط فأخربها ، وخرج ابن ابي حاشد من صنعاء وعاد ابن أبي الصّباح نائب الإمام ، وكانت الأنباء قد أسلمت إبن أبي الفتوح وتأخّرت عن نصرته ، فلما رأى ذلك طرح نفسه على رؤوس القبائل ، وعلى الشريف الزّيدي ، فقبله على ان يكون مخلاف خولان من تحت يد الزّيدي ، وحمل ابن ابي الفتوح إلى الزيدي خمسة وسبعين ألف درهم ، ودخل الزّيدي صنعاء ووقعت منه مخالفة لأوامر الإمام ، ثم طلب من الإمام

__________________

(١) هو الاسم القديم لبلاد سنحان وبلاد الروس واليمانيين من خولان العالية.

(٢) فقرية من عزلة الربع الشرقي في ناحية سنحان تقع في صفح جبل كنن من غربيه.

(٣) العسجد ص ٥٠.

(٤) غاية الأماني ص ٢٣١.

(٥) قرية قريبة من بلاد الروس ذكرها الوادعي في ارجوزته.

٢٠١

الاتفاق فالتقيا بمدر ، واعتذر الزيدي عما كان ، ودخل الإمام صنعاء ، وأقام بها أياما ، ثم رجع إلى ورور ، والزّيدي إلى ذمار ، واستعمل على صنعاء هلال بن جعفر العلوي.

وفيها ارتفع سعر الطّعام بصنعاء إرتفاعا عظيما ، ومات الأمير إسحاق بن إبراهيم بن زياد صاحب زبيد ، وقد تقدّم الكلام عليه وعلى الأحداث التي كانت بعد وفاته ، عند الكلام على الحكومة الزّيادية

ولاية جعفر بن الإمام على صنعاء ووثوب الزّيدي عليها

وفيها (١) وصل جعفر بن الإمام القاسم عاملا لابيه على صنعاء ، وتلقّاه إبن أبي الفتوح فردّ عليه جميع مخلافه ، ولحق الناس من الأمير جعفر بن الإمام شدة عظيمة لجوره ، ثم تقدم الإمام إلى صنعاء ووصله ابن أبي الفتوح وتغيّر الإمام على الشريف الزيدي ، فخالف عليه ، وثبت بذمار إلى أن خرج الإمام من صنعاء فقصدها ، وأسر جعفر بن الامام وإخوته وسار بهم معه وحارب ابن ابي الفتوح ، وأخرب قرية نعظ ، ثم ان الامام راسل الزيدي واستعطفه ، فأطلق أولاده ، وأحسن إليهم ثم قصد الإمام إلى ريدة فصلح شأنهما ، وأقام الزّيدي عند الامام مدّة ، وتعاملا على احوال لم تظهر لأحد وولّاه الإمام ولاية عامّة من عجيب الى عدن ، واشهد له بذلك ، وذلك في المحرم سنة ٣٩٢ (٢)

وعاد الزّيدي إلى صنعاء وولّى عليها الشريف هلال بن جعفر العلوي وسار نحو الهان فبلغه موت الأمير سعد بن عبد الله بن قحطان صاحب كحلان ، وان قومه من الهان أقاموا بعده أحمد بن ابي يعفر ، وفي خلال ذلك وصل الإمام القاسم إلى صنعاء فمال عنه الشّريف هلال نائب الزيدي وكتب

__________________

(١) انباء الزمن والخزرجي (ص)

(٢) انباء الزمن والخزرجي (ص)

٢٠٢

إلى الإمام يوسف الدّاعي يستدعيه اليه فتلقاه إلى مشرق همدان ، وتحالفا ورجع الداعي إلى ريدة ، وفي اثناء ذلك ورد إلى الإمام كتاب من ولده سليمان يذكر فيه خلاف بني المليح وبني المختار في صعدة ، فأمر الامام بالرّحيل من صنعاء واستخلف عليها ولده جعفرا ، ولما وصل إلى ريدة بلغه ان الزّبيري خلفه بالدّخول إلى صنعاء ، وقبض على ولده ، وبعث به إلى قلعة بني شهاب ، وخطب للدّاعي يوسف فاشتد ذلك على الامام ، وسار الى مدر فأطلق الزيدي ولد الإمام ، وكتب إليه يسأله الصّلح فاسعده ، والتقيا الى الصيد ، ولما اقبل الزّيدي بالجنود الكثيرة ، أرسل إليه الامام ألّا يلقاه إلا في نفر قليل فلقاه ، وتم الصلح بينهما وسارا جميعا إلى ريدة ، ثم افترقا ، فرجع الزّيدي إلى اليمن (١) ، وتوجه الإمام إلى وادعة وعمر فيها دارا ، وأسكنها إبن عمّه القاسم بن عبد الله ، ثم سار إلى عيان فاستقر فيها وترك الأمر والنهي لعدم وجود الأنصار الأخيار ، ولم يزل كذلك إلى ان مات في التاريخ الآتي. انتهى ما اورده الخزرجي (٢) وصاحب انباء الزمن (٣) بلفظه تقريبا وفيها من الإضطراب ما لا يخفى وسيمرّ بك التفصيل لبقية الحوادث ومنها تعلم انهما أرادا أن يختصرا فخلط عليهما.

وفي سيرة الإمام القاسم ما خلاصته

وفي سنة ٣٩١ وصلت كتب من عائلة الامام بترج من بلد خثعم يشكون إليه اختلال الأحوال بهم ، وشدّة الزّمان عليهم ومعصية اهل الطاعة لديهم ، فعزم الإمام على النهوض إليهم ، وكتب لأهل مخاليفه يستنهضهم ، لمرافقته ، فاجتمع إليه منهم قليل ، وكان يؤمّل أن يجتمع أكثر ، وصادف ذلك الوقت والنّاس في شدّة وقحط ، فاحتار فيما يصنع ، وبينما هو كذلك ،

__________________

(١) يعني جهة الجنوب من موضعهما.

(٢) العسجد ص ٥٠.

(٣) غاية الأماني ص ٢٣٢.

٢٠٣

إذ ورد عليه رسول ولده علي بن القاسم من ترج ، وأخبره بتفاقم الحالة وخطورتها ، وانتقاض القبائل عليهم ، فبادر بالعزم لنقل اولاده ، ورجع بهم إلى عيان وقطع صلته بتلك القبائل.

أحداث الزيدي واضطراب الأحوال

قبل عزم الإمام الى بلد خثعم ، وافته الأنباء باختلال أحوال الزيدي ومخالفته لما قرّره الإمام وجوره على الرعية ونحو ذلك ، فجمع الامام مشيخة همدان وفيهم أميرهم ابو جعفر احمد بن قيس بن الضحاك ، وولى عليهم ابنه جعفرا وذلك في جمادي الآخرة من السنة وولى على صعدة ابنه سليمان ، وسار لطيته (١) ولما رجع من بلد خثعم ، واستقر بعيان وصلته كتب الأمير أسعد عبد الله بن قحطان ، يذكر فيها : ما أجحف بأهل اليمن وجميع من أتّصل به من مخاليفه من الفتن بينه وبينهم ، فكتب الإمام لقبيلة حمير المنتقضة على أميرها يأمرهم بالسمع والطاعة والإخلاد إلى السكون.

ووصل إليه أهل وادعة يشكون ضلع (٢) الولاة عليهم ، وكان عمال وادعة من بني المختار ، وسألوا الإمام أن يولّي عليهم ابنه عليّا فولاه عليهم ، ورفع إليه ابن أبي الفتوح أيضا شكواه من الزّيدي فأمر الإمام الحسن بن طاهر الحسني ان يعزم للصّلح بينهما ، فسار الحسني الى الزيدي وعرض عليه أمر الإمام ، فلم يمتثل الزّيدي ولا بالى بالإمام ، وكان قد ارتفع شأنه ، وغلظ أمره ، واتّسعت رقعة نفوذه ، فعادت حالة الخلاف سيرتها الأولى ، وهبّ روّاد الفتن لبذر بذورهم ، وطال الترويد والترجيع ، ممن يحب توسيع الخرق بان الإمام يريد الإنتقام من الزيدي بتقوية السلاطين الذين قضي على نفوذهم ، فخاف الزّيدي مغبّة هذه الفكرة ، وأظهر للناس ان الإمام مال إلى سلاطين

__________________

(١) كذا في الأصل.

(٢) ضلع الرجل ضلعا : مال وجنف وجار.

٢٠٤

الجور وولّاهم ، وانه يريد الانتقام منه لقيامه على الظلمة ، وكثر الأخذ والرد بهذا ، واضطرب حبل الأمن فخاف الإمام على ولده جعفر عامله على صنعاء ومخلافها ، وسارع إلى صنعاء لتهدية الحال وتسكين الأمور ، فأقام بها قراب شهر ، وكتبه إلى الزيدي غير منقطعة ، ولكنها لم تزد الطين إلّا بلة ، والزّيدي جفاء وغلظة ، وجاء الى الإمام أسعد بن ابي الفتوح مسلما وشاكيا من الزّيدي ؛ فقابله الإمام بالاكرام ، ووعده مخاطبة الزيدي فيما شكاه ، وأراد الصلح بينهما ، وكتب بذلك الى الزيدي ، فكان حظّ الوساطة والكتاب من الزيدي الإهمال وعدم الإحتفال.

الدسائس والمؤامرات

في أثناء إقامة الإمام بصنعاء جاء اليه محمد بن سلمة (١) الشهابي صاحب قلعة بيت بوس مبايعا ، وطلب منه أن يرسل إبنه الأمير جعفر لإحتلال القلعة خوفا من الزيدي ، فسار إليها جعفر بن الإمام واسعد بن أبي الفتوح ، ومكث بها أيّاما ، ثم صح لهما ميل الشهابي إلى الغدر بهما ، فسارعا بمبارحة القلعة ليلا إلى صنعاء لإطلاع الامام على ما لاح لهما من غدر الشهابي وموالاته للزّيدي ، وتركا عسكرهما وخدمهما في القلعة ، ولما أحس الشّهابي بخروجهما أرسل جماعة من أصحابه وأمرهم أن يكمنوا في الطريق للفتك بهما فافتضح أمر الكمين وبلغ الإمام الواقع فأمر بهدم القلعة ورجوع من بها إلى صنعاء.

انتقاض الاشراف وبقية أخبار الإمام

بينما الإمام القاسم يفكر في مسألة الزيدي ، ويعاني من جفوته وتعاليه ما يعاني إذ بأنباء صعدة توافيه بما هو أدهى وأمر ، وذلك أنه كتب إليه ابنه

__________________

(١) تقدم الى محمد بن سلمة قتله الإمام الداعي (بصنعاء (ص).

٢٠٥

سليمان (١) ، وكان إليه امر تلك الجهة بأن الأشراف بني المختار وآل يحيى وبعض أهل صعدة تأمّروا على طلب المليح من نجران وادخلوه صعدة ، وكان الإمام قد توثّق من الأشراف بالعهود المغلظة والمواثيق المؤكدة ، وعلى الخصوص الداعي يوسف ، وجعل له ربع خراج صعدة كما جعل لغيره من الاشراف ، ولم يبق منابذا له سوى المليح الفار من صعدة ، كما تقدّم ، ولذلك اشتد قلق الإمام ، وآلمه نكث الأشراف وتناسيهم العهود وميلهم إلى الشرور وتربصهم به وبدولته ، رغما على ما يسديه إليهم من البر والإحسان ، ويعاملهم به من اللطف والحنان : ومن البليّة ان تدان بما كرهت ولن تدينا قال كاتب سيرته (٢) : اشتد إهتمام الإمام بذلك وقال ما يعذرني الله وكافة أمّة جدّي هؤلاء القرابة الذين قطعوا رحمي ، وكفروا إحساني وكافؤوني السّيء بالإحسان ، اتيت من الحجاز وأهل بيتي مطرّد أكثرهم ، فرددتهم (٣) وملّكتهم ، وأمّنتهم ، ووجدتهم متفرقين (٤) متباغضين ، فجمعتهم ولففت شملهم ، وأصلحت ذات بينهم ، ووجدتهم مسفوهين ، ومطرّحين عند أهل اليمن ، فرفعتهم واكرمتهم ، وجبرت فقيرهم ، ومكّنت غنيهم ، وقويت ضعيفهم ، ولا أمن ذلك عليهم لواجبة عليّ ، لكن ليعلم من بلغه ذلك ، انه لا حجّة لهم عليّ ، وأكثر عجبي من شيخهم الشريف يوسف بن يحيى بعد أن عاهدني وخلف ، وكذلك عاهدته وأبلغته مراده الخ وكتب بهذا إلى جميع العشائر ليطلعهم على أعمال الأشراف.

ثم أنه كتب إلى اهل طاعته من اليمنيّين كتابا ذمّ فيه سلوكهم ، وتخاذلهم عنه ، وميلهم الى عدائه وتساهلهم فيما عاهدوه عليه إلى آخر ما فيه

__________________

(١) عن اللآلىء المضيئة للشرفي.

(١) عن اللآلىء المضيئة للشرفي.

(٢) في اللآلى : فوددتهم.

(٣) اللآلىء مفترقين.

٢٠٦

من التقريع والتنديد ، وطلب من همدان الجوار والحمايد من غوائل الأعداء ، والحفظ والمتعة إلى أن يتسنّى له الخروج من بينهم ، والتحول عن أرضهم ، ولم يهمل الدّاعي يوسف بل كتب اليه وعاتبه ولاطفه ولقبه بالإمام ، وذكره بسالف العهد ، فأجاب عليه الدّاعي يوسف بكتاب جارح اطال فيه العتب والملام (١) (ورب ملوم لا ذنب له : ومظلوم خيّب الدهر أمله)

خروج الامام القاسم من صنعاء وانتشار دعاية الزيدي

لما تحقق الإمام اضطراب أمر الجهة الشّمالية بادر بالخروج من صنعاء ، وأقام بريدة ، لتدبير أمر بقيّة البلاد ، فوصل اليه رجل من بكيل بكتاب من الزّيدي أرسله إلى البكيلي ، وإلى أصحابه وفيه شكوى حارّة من الإمام ، وانه غدر به ، ورجع عن امر الله ووالى أعداء الله ، واختار ابن أبي الفتوح عليه وركن إلى الظلمة وسألهم النصرة على الإمام والمعذرة له في المخالفة عليه ، ووعدهم ومنّاهم ، ولم يقتصر على بكيل وحدها ، بل أذاع هذه الرسائل بين كافة القبائل ونشر دعايته في عرض البلاد وطولها ، فاضطر الامام الى الرد على دعاية الزيدي ، والإشتغال بالمعارك القلمية ، وسرد الأدلّة والبراهين على خطأ الزيدي وغيره من المشاغبين ، ولكن الزّيدي لم يقف عند تلك الغاية ، وانما جنح إليها لتخدير العقول شأن الصائد الماهر (لا يحكم اشباكه الا اذا عكّر صفو الغدير).

وذلك لئلّا تثور عليه رجالات اليمن لمجاذبته الإمام ، فقد هجم على صنعاء ، وأسر الأمير جعفر بن الامام وحبسه في قلعة بني شهاب وحبس معه عامل القلعة من قبل الإمام.

__________________

(١) انظر هذه الرسائل في اللآلى المضيئة.

٢٠٧

ولما علم الإمام بما فعله الزّيدي استصرخ القبائل واستثار همهم والهب حماستهم ، فلم يجبه إلّا القليل الشاذ الذي لا غنى فيه ولا منعة ، فمال إلى السّكون وانتظار العواقب ، وكتب إلى وادعة وبكيل يسألهم الإستقامة وكرم الجوار له ولذويه ، حتى يحكم الله بينه وبين خصومه وهو خير الحاكمين.

من كان ذا عضد يدرك ظلامته

ان الذليل الذي ليست له عضد

تنبو يداه إذا ما قلّ ناصره

وتأنف الضيم ان اثرى له عضد

فأسعفته بكيل ووادعة بما رام ، وكان قد اقترح عليهم عدة منازل في بطون متفرقة ، منها منزل في آل الدّعام ، ومنزل في بني سلمان ومنزل في بلاد سفيان ، ومنزل في بني معمر ، ومنزل في بني عبد بن الهرا ثم من بلاد وادعة ، وآخر في بلد بني ربيعة وبني حريم ، فبادروا بالتّلبية واوسعوا له في بلدانهم ما أراد.

اطلاق الزيدي جعفر بن الإمام وطلبه الصلح

ودخلت سنة ٣٩٢ فيها نهض الإمام من ريدة ، فسلك طريق المشرق ونزل بمدر ، ثم سار إلى ورور واطلق الزيدي ولده وابن عمه ، وكتب إليه يسأله الصلح وتسكين الفتنة فقال الامام اما انا فقدومي انصارى ونكث أهل بيعتي ، وهو يعلم ذلك منهم فليس بمحتاج إلى صلحي إلّا ليستقيم له أمر الرّعايا في اليمن بإسمي ، ولو لا الضّرورة إلى صلحه لما رأيت ذلك ولا استحللته فالله المستعان على ما تدعو إليه الضرورة والإمتحان ، ورد الجواب بالإيجاب.

من تضجر البلوى فغاية جهده

رجعي إلى الأقدار واستسلام

فطلب الزيدي لقياه والإتّفاق به في ريدة فكره الإمام الإتّفاق بها ورسم له موضع اللقاء بأعلا الصّيد ، فكان اتفاقهما هنالك ، وذلك في صفر من العام المذكور ، وقد وصل الزّيدي في جند عظيم ، وأبهة كبيرة وعلى رأسه

٢٠٨

ظلل سود من الخزّ ، وأمامه الجباجب (١) والصنوج والطبول تقدمه الرايات الصفر ، وكان الإمام في قلة من الجنود فخاف الغدر ، وأرسل إليه أن يقف مكانه ويلقاه منفردا إن أراد الصّلاح والسّلامة فامتثل الزّيدي إشارته وجاءه على فرس ليس معه إلا خادم ورجل من همدان ، واعتذر للإمام وأظهر النّدم على ما فرط منه ، وعرض على الإمام الدخول معه فاحترز منه وقال له لا أفعل معك في هذه اللقيا غير الصّلح حتى ننظر في الأمور بعد ، وتمّ الإتفاق على عدم الشقاق وسارا معا إلى ريدة وافترقا منها ، فسار الزيدي إلى اليمن ورجع الإمام إلى ورور ، ثم سار منها الى وادعة فأقام في بلد بني ربيعة ، وعمر بها دارا لبعض أهله وترك الزّعامة ، وتخلّى عن متاعبها وتربّص بالظالمين ، وجعل الخيار في الطّاعة إلى الرعايا ، فمن أراد منهم برضا وطواعية والاه ودفع إليه زكاته وسلم ذلك لسعاته ، ومن كره ذلك لم يسأله شيئا ، وما برح يرجو ويأمل مواتات الأيام ومساعدة الأقدار وإبتسام الحظّ بالإنتصار على الشرفاء بني المختار ، لبغيهم عليه ، وإقدامهم على نهب حصنه وهدمه ، وكفراتهم إحسانه :

وظلم ذوي القربا أشد مضاضة

على المرء من وقع الحسام المهنّد

وكانت بعض قبائل خولان تعده المأزرة (٢) فتحرّك من همدان ونزل على بطون بكيل ووادعة فالتف حوله منهم عسكر لا يصل بهم وحدهم شيئا من بني المختار ، واعوانهم أهل صعدة ، فجعل طريقه ناحية بني شاكر شرقي صعدة ، حتى وصل بمن اجتمع معه بلد بني مالك بالحقل ونزل على المدلهم بن الفحيش رئيس بني سعد ، وكان قد خالف عليه وانضم إلى بني المختار ، فلم يحصل له ما أمّل لا من المدلّهم ولا من خولان :

__________________

(١) الطبل والضخم من الأبواق ميل واحد ، جبجبه وجبجاب.

(٢) الموازرة.

٢٠٩

من خانه الدّهر خانته صنائعه

وعاوذ نباله ما كان إحسانا (١)

رجوع الإمام القاسم إلى عيان ووفاته عليه السلام

ولما أيس من القبائل ووعودها الخلّابة ، رجع الى عيان وقد تفهت (٢) نفسه من ممارسة الخطوب وملابسة الحروب ، ولسان حاله تنشد :

فررت من العداة الى العداة

وكنت عددتهم رمز الثقات

لقد خابت ظنوني عند قوم

يروي محاسني من سيآتي

يهيجون الغواة عليّ هيجا

وهم شرّ لديّ من الغواة

وعكف على تأليف الردّ على روافضته الذين طعنوا في سيرته من الشيعة وأسماء مؤلفه هذا (كتاب الرد على الرافضة) وهو آخر كتاب وضعه من كتب العلوم.

وبعد ان اصطدم (٣) بمصائب جسيمة محطّمة ، وامور نكراء جبارة وساءه الدّهر بصنيعه ، وتنكرت له الأيّام ، وخذله الأقارب ، وخانته الأنصار ، وأحاطت المشكلات وحوالك الخطوب بسماواته وجهاته ، بحيث يحار القدمة الشجاع في الخروج منها ، نزل على حكم القضاء وانكمش في دار عزلته يتردّد ما بين مذاب (٤) وعيان ، إلى ان وافته المنية بعيان لتسع خلون من رمضان سنة ٣٩٣ ، ولم يخلف درهما ، ولا دينارا سوى سلاحه ودوابه وثيابه :

فعفت منابره وحط سروجه

عن كل طامحة وطرف طامح

__________________

(١) من أبيات لأمير الشعراء احمد شوقي يقول فيها :

ولا ترى الدهر إلّا حرب مضطهد

وحالبين على المخذول خذلانا

والخط يبني لك الدنيا بلا عمد

ويهدم الدعم الطول اذا خانا

(٢) ضعفت وصغرت.

(٣) في الأصل اصتدم.

(٤) مذاب : واد يسقي الجوف.

٢١٠

قال الزحيف : مات الإمام القاسم وخطب له (١) في نواحي مخلاف جعفر وكحلان وما يليه ، ولم يزل دأبه إقامة قناة الدين ، وإخماد نار الملحدين ، وكان إذا حضر معركة نازل الأقران ، وكان راعيا لأرباب العلم ، وازعا لأرباب الظلم كثير اللطف واللين ، دمث الشمائل جزل النائل ، ومن رسائله عليه السلام قوله : الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يرتبطان بغير زمام ، ولا يؤدي فرضهما بغير امام ، الاقرار بالنبوءة لا يصح إلّا مع الاقرار بالذريّة ، والإقرار بالكتاب ، لا يصح بغير نصاب ، طالب العلم من غير أهله كمشتري الدرّ بغير خبره ، والمؤتم بغير العترة كأعمى يتبع الأعمى :

ومشهده بعيان مشهور مزور وأولاده عليه السلام ستة وهم : يحيى وجعفر ، وعلي وسليمان ، وعبد الله والحسين ، وسيأتي طرف من تفصيل اخبارهم ان شاء الله

بقية أخبار الداعي يوسف

بعد موت الإمام القاسم بن علي العياني انتعش أمر الإمام الداعي ، وبادر إلى صنعاء خامس شوال من السنة ، وأمر البوسي فخطب له ، وأقام بصنعاء خمسة عشر يوما.

ثم تنكرت له همدان فخرج من صنعاء إلى حاز (٢) ، ثم صار إلى مدر من شرق همدان وأمر عمّاله ان يرفعوا أيديهم وصار إلى ريدة ومنها إلى صعدة واستقر أمره فيها حتى توفي في التاريخ الآتي (٣).

ودخلت سنة ٣٩٤ (٤) فيها مات القاسم الزيدي في مدينة ذمار ، ودفن

__________________

(١) كذا بالأصل وصواب العبارة بعد ان حطب له (ص).

(٢) قرية اثرية مشهورة في ناحية همدان على طرف قاع المنقب.

(٣) اللآلىء المضيئة.

(٤) انباء الزمن.

٢١١

عدني (١) الجامع ، وقام بالأمر بعده ولده محمد بن القاسم وسيأتي ذكر أخباره في موضعها ، ومن آثار الشريف القاسم الزيدي غيل آلاف جنوبي صنعاء.

تهافت المتغلّبين على صنعاء واضطراب أحوالها

فيها وصل ابن أبي حاشد إلى صنعاء وخطب للشريف الزيدي ، ثم تغيّرت عليه الأحوال ، فخرج منها وتركها بغير سلطان ، ولم تزل كذلك حتى اصطلح ابن ابي حاشد وابن عمه أبو جعفر ، فسارت إليه همدان ودخل صنعاء سنة ٣٩٥ وصالح ابن أبي الفتوح.

ودخلت سنة ٣٩٧ فيها تجهز ابن ابي الفتوح (٢) في جيش عظيم يريد الهان ، ولما صار في بعض الطريق ، وثب عليه غلمانه فقتلوه ، فأعيد إلى نعظ ، ودفن بها ، وتولّى بعده ، ابنه منصور بن أبي الفتوح ، وحلفت له خولان واستقامت أموره ، وخلت صنعاء من السلطان إلى سنة ٣٩٧ فدخلها احمد بن سعيد بن الضّحاك واليا عليها من قبل ابن عمه أبي جعفر ، ثم غلبه عليها ابن أبي حاشد ، ثم دخلها محمد الزيدي ، ومعه الإمام يوسف الداعي فأقاما بها نصف شهر ، ولم يتم لهما أمر ، فخرج الإمام نحو مدر ، ورجع الزّيدي إلى ذمار ، وأقامت الفتنة على صنعاء من همدان وخولان وحمير والأنباء وبني شهاب ، في كل شهر لها أمير وعليهم رئيس وفي اكثر أوقاتها تخلو من الأمراء والغالب عليها آل الضّحاك إلى سنة اربعمائة ، ثم سار جماعة من همدان وبني شهاب إلى الشريف الزّيدي الى ذمار يستدعونه فسار معهم إليها ودخلها في ذي القعدة من السنة المذكورة.

دعوة الإمام المهدي الحسن بن العلم العياني

ودخلت سنة ٤٠١ فيها وصل الإمام المهدي الحسين بن القاسم بن

__________________

(١) جنوبية.

(٢) المصدر نفسه والخزرجي وقرة العيون.

٢١٢

علي العياني إلى جهة البون فأجابته حمير وهمدان والمغارب ، ومالوا عن الزيدي ، وكان الزّيدي قد دعا إلى نفسه ، وأرسل بكتاب دعوته إلى الحسين بن القاسم في رجب سنة ٤٠٠ ، فأمر الحسين (١) أهل بلاده بالوصول إلى الزيدي ومبايعته ، بعد اختياره ومساءلته ، وكتب مع الوافدين عدّة مسائل في التوحيد لامتحانه بها وقبل مسير الوفد المزوّد بمسائل الامتحان المحرّرة من الحسين ، وافته الأنباء الصحيحة بأن كتاب الدّعوة الذي انفذه الزيدي إليه مصنوع على لسانه صنعة ابراهيم الطبري وكوبل بن أبي بحر ، وانهما عملا باسم محمد بن القاسم الزيدي وهما اذ ذاك بحضرة والده وان الغلام ليس منه وضع كتاب ، ولا خطاب ، وكان ابوه (٢) هو الذي أمره بالدعوة

فخرج الحسين بن القاسم لمحاربته ، وخرج الزّيدي من صنعاء وأقام ببيت بوس ، وأقام ابنه زيد بن محمد بصنعاء فحصن دربها ، ثم بدا للزّيدي فأخرج المسجونين من سجن صنعاء وأنهب أهراء (٣) الطعام ، وعاد إلى ذمار فتعطّلت صنعاء من السّلطنة إلى سنة ٤٠٢ ووصل الضّحاك بن جعفر فأقام بها مدّة ، ووصل رجل يقال له ابن أبي النجم من طرف الإمام المهدي في جماعة يطالب الناس بزكاة أموالهم فلم ينكر عليه الضّحاك.

وفيها مات الحسين بن سلامة صاحب زبيد وقد تقدم.

دخول الإمام المهدي صنعاء وقتل الشريف الزيدي

في آخر سنة ٤٠٢ دخل الإمام صنعاء وطلب من أهلها خمس العبيد والخيل وجعل أخاه جعفرا على صنعاء فضرب السّكة باسمه ، فثار عليه أهل صنعاء وحاربوه وسط المدينة ، فتحرك الإمام لنصرة أخيه ، ودخل صنعاء

__________________

(١) ارجع اللآلىء المضيئة.

(٢) هذه رواية الخزرجي وقد تقدم ان الحسين ابي القاسم الزيدي مات سنة ٣٩٤ فتأمل (ص)

(٣) هى مخازن الغلال.

٢١٣

فهدم دورا لبعض أهلها ، وأخذ أموالهم فاستجدوا بالزيدي بعد أن غادرها الامام وترك أخاه ، فاغار الزّيدي على صنعاء سنة ٣٠٣ وفر منها جعفر بن الإمام.

ولما دخلها الزّيدي أمر بهدم دور جماعة من شيعة الإمام الحسين ، واجتمع معه بها عسكر عظيم ولما علم الإمام بما كان جمع جنوده ، وقصد صنعاء فالتقوا عند الجبوب (١) واقتتلوا قتالا شديدا ساعة من النهار ، ثم انهزم الزيدي ، طريق الفج (٢) ودخل الإمام بعسكره صنعاء وخرج في أفراس يتطلب الزّيدي ، فأدركه بحقل صنعاء فقتله هنالك ، وإلى ذلك أشار صاحب البسامة بقوله :

وكان منها على الزيدي ملحمة

بحقل صنعاء تجري مدمع النظر

وكان مقتله يوم الخميس لسبع بقين من صفر سنة ٤٠٣ ودفن بنجد عصر ، وفي صفر هذا العام مات الإمام الدّاعي يوسف بن يحيى ودفن بصعدة.

احداث زيد بن محمد الزيدي

فيها نهض الشّريف الزيدي بجمع عظيم من مذحج للأخذ بثأر والده ، فوصل الهان وبه ابن أبي الفتوح ، فكانت بينهما حرب انهزم فيها ابن الزّيدي ، وقتل جماعة من أصحابه ، ونهب منصور بن أبي الفتوح أعلامه وارسلها إلى الإمام المهدي ، فاستنجد الزّيدي بصاحب زبيد ، وكان الذي عزم إلى زبيد لطلب النجدة رجل من أصحابه يقال له ابن مروان ، فلما وصل إلى زبيد أنجده صاحبها بمال عظيم ، فعاد ابن مروان واتفق بالشّريف الزيدي

__________________

(١) موضع اسفل جبل نقم بالشرق من صنعاء.

(٢) لعله فج عطان أو الأشمور والفج الطريق الواسع الواضح بين جبلين في قبل جبل وهو أوسع من الشعب.

٢١٤

ببلد عنس ، ثم سارا لحرب منصور بن أبي الفتوح ، وكادا يقضيان عليه ، فاستنجد بالإمام ، فبادر إليه في جيوش عظيمة ، ولما قرب من الهان انفضّ عن الزيدي انصاره من عنس وغيرهم ، ولم يبق معه غير رفيقه ابن مروان ، ففرّا معا وتركا خيلهما وأثقالهما فاستولى عليها الإمام وعلى مائتي فرس لعنس ، ورجع الإمام إلى ريدة ، وأدّب أهل البون (١) بسبب انتقاضهم عليه عند مسيرة لانجاد منصور بن أبي الفتوح.

إعتزام الإمام الرجوع إلى صنعاء وقتله (٢)

لما أكمل الإمام مهمّة في تأديب الثائرين نهض يريد صنعاء ، وقد خالف عليه منصور بن أبي الفتوح ، وتابعته بنو شهاب ، وبنو حريم ، ووادعة ، ونزل بنو حريم حمدة (٣) فنهبوا دار الإمارة ، وأخرجوا المحبوسين أهل من البون ، فجمع الإمام عسكره لحربهم فقاتلوه عند ريدة وهزموه إلى حمدة وقتلوا جماعة من عسكره وحطوا عليه بحمده (٤). خرج نحو بلد الصّيد فنهبوا حمدة وأعاد الناس أبا جعفر أحمد بن قيس بن الضّحاك على إمارة صنعاء فأقام بها إلى سنة ٤٠٤.

ثم ان الإمام جمع جمعا عظيما ، وجمع ابن الضّحاك سائر القبائل المخالفة على الإمام ، وسار بهم إلى ذيبين فانهزم الإمام إلى الجوف ، ثم عاد إلى بلد الصّيد في مائة فارس ، فعلمت به همدان ولقوه إلى قرب ريدة وأحاطوا به ، فدافع عن نفسه دفاع الأبطال ، وغشيهم بنفسه مرارا ، وخرق

__________________

(١) راجع ما أورده الخزرجي ولكنه لم يبن اسم القبيلة المنتقضة وقد ذكرها الزحيف وغيره عند ايراد كلام الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام (ص)

(٢) الخزرجي وأنباء الزمن والزحيف والحدائق الوردية

(٣) حمدة : مدينة أثرية في ناحية عبال سريح في الغرب من عمران

(٤) كذا في الأصل.

٢١٥

صفوفهم فتظافروا عليه وقتلوه في صفر من السنة المذكورة بذي عرار بين ريدة والبون وعمره نيف وعشرون سنة.

وكان من عيون الأئمة الكبار المبرزين في كل فنّ له المصنّفات المفيدة في علم الكلام وغيره ، قيل ان مصنفاته بلغت ثلاثة وسبعين مصنّفا منها كتاب المعجز في علم الكلام (١) ، وتفسير القرآن كاملا وغير ذلك من المصنفات العالية ، الدالة على ملكته في العلوم ، ورسوخ قدمه في سائر الفنون وملك من الهان إلى صعدة ، ولم يزل داعيا إلى الحق إلى أن قتلته بنو حماد ، قال في الحدائق الوردية (٢) : وبقي جماعة من شيعته يعتقدون أنه حي وانه المنتظر الذي بشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وقد كتبنا رسالة في هذا المعنى سميناها بالرسالة الزّاجرة لذوي النهي عن الغلو في أئمة الهدى (٣) انتهى.

والى معتقد شيعته اشار صاحب البسامة بقوله :

وانزلت ساحة المهدي قارعة

بذي عرار ونقع الخيل لم يثر

وقال قوم هو المهدي منتظر

قلنا كذبتم حسين غير منتظر

كيف انتظاركم نفسا مطهرة

سالت على البيض والصمصامة الذكر

وللخيالات أوهام مسلّطة

على العقول التي ظلت عن الفكر

ولم تزل فكرة الاعتقاد في المهدي الحسين بن القاسم سائدة عند جماعة من الشرفاء إلى القاسم العياني وشيعتهم برهة غير قصيرة كما نراه في سيرة ذي الشرفين ان شاء الله (قال الخزرجي) (٤). وفي جهلة الشيعة ، من

__________________

(١) معه نسخة خطية في مكتبة برلين بالمانيا.

(٢) الحدائق الوردية ج ٢ ص ٦٤.

(٣) وكذا الف في نفس الموضوع العلامة حميدان بن احمد بن يحيى حميدان المتوفي سنة ٦٥٦ رسالة بعنوان «بيان الاشكال فيما حكى عن المهدي من الأقوال» توحد غالبا ضمن مجموعة.

(٤) العسجد المسبوك ص ٥٢.

٢١٦

يزعم أنه حيّ لم يقتل ، وأنه المهدي الذي بشّر به النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان على هذا الإعتقاد كثيرا من الأشراف ، ثم انقرض أهل هذا الاعتقاد ، وكانوا خلقا كثيرا في مغارب صنعاء قال وكان الحسين بن القاسم من أعلم خلق الله وأفصحهم ، ولم يبلغ عمره ثلاثين سنة ، وقال (الزحيف) ان اناسا من شيعته ضلّوا فيه وذهبوا إلى أن كلامه أفصح من القرآن بل قد رأيت من المصنفات ما نسب إليه وفيه ما يقتضي هذا المعني وتأوّله بعضهم بأنّه قاله وهو ذاهب العقل ، وقال أصحابه فيه أقاويل هائلة ، ولما ظهرت منهم هذه المقالات ونحوها ، قال الفقيه جيعد بن الحجّاج الوادعي صهر نشوان بن سعيد الحميري (١) :

أما الحسين فقد حواه الملحد

واغتاله الزّمن الخؤون الأنكد

فتصبّروا يا غافلين فإنّه

في ذي عرار ويحكم مستشهد

فغضب الشرفاء القاسميون وأحنقهم هذا المقال وتوهّموا أن القائل نشوان بن سعيد فقال فيه عبد الله بن القاسم بن جعفر :

أما الصحيح فإن اصلك فاسد

وجزاك منّا ذابل ومهنّد

فأجاب نشوان مدافعا عن نفسه بقصيدة طويلة منها (٢) :

من اين يأتيني الفساد وليس لي

نسب خبيث في الأعاجم يوجد

لا في علوج الرّوم جد أرزق

أبدا ولا في السود خال أسود

إني من العرب الصّميم إذا امرء

غلبت عليه العجم فهو مولد

فدع السفاهة انها مذمومة

والكف عنها في الواقب احمد

__________________

(١) هو علامة اليمن ومحققها اللغوي نشوان بن سعيد بن ابي حمير بن عبيد بن القاسم بن عبد الرحمن الحميري كان من العلماء الاجلاء من أشهر مؤلفاته شمس العلوم توفي نحو سنة ٥٧٣.

(٢) مطلع البدور.

٢١٧

والله ما مني نظام جاءكم

فيه أقول حوى الحسين الملحد

ولقد أتيت به فقمت مبادرا

عجلا امزق طرسه واقدد

فأشاعه من ظنّ ان ظهوره

في النّاس مكرمة عليها يحسد

اغضبتم إن قيل مات إمامكم

ليس الإمام ولا سواه يخلد

لا عار في قتل الإمام عليكم

القتل للكرماء حوض يورد

ان النبوة بالنّبي محمد

ختمت وقد مات النّبي محمد

ومنها :

فدع التهدّد وبالحسام جهالة

فحسامك القطاع ليس له يد

من قد تركت به قتيلا إنني

ممن توعده ومن تتهدد

ان لم أمت إلّا بسيفك انني

لقرير عين بالبقاء مخلد

بقية أخبار المتغلبين على صنعاء

لما قتل الإمام الحسين بن القاسم سار ابن أبي حاشد إلى صنعاء وأقام بها إلى ذي الحجة من السّنة ولم يتم له أمر مع همدان فخرج من صنعاء وتعطّلت من السّلطة إلى نصف شوال سنة ٤٠٥ ، ودخلها أبو جعفر احمد بن قيس بن الضّحاك إلى شهر ربيع من سنة ٤٠٦ ، ثم خرج منها وارتفعت أيدي عمّاله ، وخلت من الإمارة إلى سنة ٤٠٨ ، لكثرة الإختلاف ، واضطراب الأمور ، وتعدّد الطامعين والثائرين ، ولقد أثرّت هذه الحالة السّيئة في عمران البلاد أثرا عظيما حتى قيل انه لم يبق من دور صنعاء سوى ألف وأربعين دارا ، ومن مساجدها مائة وستة ، ومن الحمّامات إثنا عشر حماما ، بعد أن كانت عدد الدّور بها أيام الرّشيد مائة ألف دار وأربعين الف (١) دار ، ومساجدها ثلاثة عشر الف مسجد وحماماتها كذلك ، ثم ان همدان راجعت أبا جعفر احمد بن قيس في الرّجوع إلى الإمارة فأجابهم.

__________________

(١) أنباء الزمن والخزرجي وقرة العيون : وقد نقلنا رواية عدد دور صنعاء أيام الرشيد تبعا لأولئك مع أنها لا تخلو من مبالغة (ص).

٢١٨

نفوذ الأحباش أمراء زبيد في بلاد الجبال

ودخلت سنة ٤١٠ فيها ثار الشّريف زيد بن محمد الزّيدي بقوم من بني شهاب فسجنوه (١) بأشيح (٢) فسار إليهم ابن ابي الفتوح وأمدّه القائد مرجان صاحب الكدرا ، وعاضدهم ابن أبي حاشد ثم ان ابن ابي الفتوح نزل إلى تهامة فتلقّاه القائد بالكدرا واحسن تلقيه ثم عاد

إلى الهان حتى أخرج الشّريف زيد بن القاسم الزيدي من أشيح وسلمه إلى مولاه القائد ، وتحالفت همدان والأبناء على بني شهاب أمرهم بذلك القائد فحاربوهم مرارا في بيت بوس ثم اصطلحوا ، وفيها نزل باليمن ثلج عظيم وكان ذلك في شهر شباط بعد أن اصاب الناس في الشتاء برد عظيم جمد فيه الماء.

قال في انباء الزمن (٣) ودخلت سنة ٤١١ وسنة ٤١٢ وفيها كانت اليمن موزعة بين أمراء ومتغلبين كثيرين فزبيد والتهائم إلى بني زياد ، ولحج وأبين وحضرموت والشوالي إلى بني معن ، والسمدان وذخر والتّعكر إلى بني الكرندي ، وحبّ وعزّان وخدد وبيت عز والشعر والنّقيل والشوافي والسحول ، بيد حسين التبعي ، واليمن الأعلى أوزاعا بين آل يعفر ، وآل الضحاك ، وآل ابي الفتوح ، وأولاد الإمام الداعي يوسف بن يحيى ، وأولاد الإمام القاسم العياني.

ودخلت سنة ٤١٤ فيها نهض الأمير جعفر بن الإمام القاسم العياني من صعدة فاستدعته حمير وهمدان إلى صنعاء فسار إليها وأقام بها شهرا ، ثم طلب من الناس النّهوض معه إلى صعدة فسارت معه ، فلما وصل صعدة نهبها

__________________

(١) الخزرجي وفي كلامه عن ثورة زيد بن محمد الزيدي إيهام فتأمل ، وصاحب الكدرا في ذلك التاريخ هو العبد نجاح مولى مرجان كما تقدم (ص).

(٢) اشيح : حصن شهير في بني سويد وتعرف الآن بحصن ظفار وهو من الشمال الغربي من صوران بمسافة ٣٠ ك. م.

(٣) غاية الأماني ص ٢٤١.

٢١٩

واحرق بعض دورها وقتل جماعة من أهلها ورجع الى عيان (١).

وكان قد وثب على صنعاء ذعفان وابن أبي حاشد ، ثم وقع خلاف بين همدان وذعفان وابن أبي حاشد فاستدعوا جعفر بن الإمام ، وأدخلوه صنعاء وذلك سنة ٤١٥ ، فطالب النّاس مطالبة شديدة وأقام بها مدة يحارب ذعفان وابن أبي حاشد ، ثم اصطلحوا لمدة شهرين ، ونزل ذعفان إلى القائد بالكدرا يستمده فأمده بأموال جليلة ، وكتب معه إلى المنتاب بن إبراهيم بن عبد الحميد صاحب مسور ، وأمرهم بحرب جعفر بن الإمام ، فاجتمعت عليه همدان وحمير وصاحب مسور فخرج إلى بيت شعب فحصرته همدان (٢) وحمير ، وأعادوا ابن أبي حاشد على إمارة صنعاء فهجم أهل بيت خولان على محطة حمير وقتلوا منهم مائة رجل وانهزم عسكر المنتاب وذلك في المحرم سنة ٤١٦ ثم تهادنوا إلى آخر السنة.

ظهور المعيد الناعطي

ودخلت سنة ٤١٨ فيها ظهر شخص مجهول الاسم بناعط وتلقب بالإمام المعيد لدين الله وسار إلى مأرب وبها عبد المؤمن بن أسعد بن ابي الفتوح الخولاني فأكرم الخولاني نزله وأقام النّاعطي عنده وكتب إلى النواحي بدعوته ، وكان يسطّر كتبه من عبد الله الإمام المعيد لدين الله الداعي إلى طاعة الله الدّامغ لأعداء الله : بهذه الفخفخة تسلّط على عقول السذج البسطاء وتابعه منصور ابن أبي الفتوح ، ولما وصل كتابه إلى صاحب الكدرا أعاده مختوما فغضب منصور بن أبي الفتوح وكتب إلى سبأ بن عبد الحميد وأخيه عبد المؤمن يحثهما على النهوض مع الإمام ، وساروا إلى مسور ، فلقيهم منصور في جيوش عظيمة ثم قصد الإمام صنعاء ومعه منصور فدخلها في جند كبير ، وخطب له قاضي صنعاء ابن النقوى بالإمامة فعظم شأن

__________________

(١) أنباء الزمن.

(٢) الخزرجي.

٢٢٠