تاريخ اليمن الإسلامي

أحمد بن أحمد بن محمّد المطاع

تاريخ اليمن الإسلامي

المؤلف:

أحمد بن أحمد بن محمّد المطاع


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار التنوير للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

ولم يزل القتل فيهم الى ان دخل الليل وصاروا الى جبل الصّمع (١) فقتل من بني الحارث ستين رجلا ، ومن مراد وغيره ، أربعين رجلا ، ورجع الإمام من ساعته ، وأمسى في شعوب ، ودخل بكرة اليوم الثاني صنعاء وأقام بها أياما (٢).

ثم انه خرج الى الأبناء وعاملهم على أسعد بن أبي الفتوح ، وعاد إلى صنعاء وخشى ان يهاجمه قيس وأسعد بمن معهما في بيت بوس ، فغادرها إلى البون ، وبقي يتردّد في البون وهمدان ، وبنى صريم ودخل قيس صنعاء في الليلة التي خرج فيها الإمام منها ، ولما استقر قيس بها لم يطمئن ، وخاف أن يهاجمه الإمام الداعي فاستنجد بإبن زياد فأمدّه بالشريف يحيى بن الحسين بن الهادي في عسكر عظيم ، فدخل الشريف الهدوى صنعاء ، ومكث بها مدة ، ثم أراد العود إلى زبيد واستخلف على صنعاء ولده الحسين بن يحيى ، وسار إلى زبيد ، ثم إن الإمام نهض بمن معه وقصد صنعاء ، فوصل إلى باب السّبحة ، فكانت معركة قتل فيها من عسكره ومن أهل صنعاء جماعة ، ولم يتمكن من دخولها ، فعاد إلى ريدة ، دخل أسعد بن أبي الفتوح ، وأقام بصنعاء مع الشريف الحسن بن يحيى أيّاما ثم فسد ما بينهما ، وخرج الحسن بن يحيى مغاضا ولحق بالإمام الداعي وقصدا (٣) صنعاء ، فقابلهما ابن أبي الفتوح ، على أبواب صنعاء أربعة أيام ، ولم يظفرا بشيء ، ولم يزل أسعد ابن أبي الفتوح بصنعاء حتى فسد ما بينه وبين سلمة بن محمد الشهابي ، وكان أهل صنعاء مع سلمة ، فاخرجوا إبن ابي الفتوح وصار الى بيت بوس ، ولما خرج من صنعاء أرسل قاضيه محسن بن جريش إلى الإمام يوسف وحلف له على السمع والطاعة ، وطلب منه النّهوض إلى حرب صنعاء وهدم السور فلبّاه

__________________

(١) حصن اثري وهو من آخر قاع الرحبة وأوائل أرحب.

(٢) اللآلىء المضيئة والخزرجي.

(٣) الخزرجي وأنباء الزمن.

١٨١

الدّاعي ، وبادر مسرعا ، وسار إلى ضلع فتلقّاه إبن أبي الفتوح في ميدان عباد آخر شعبان من السنة ودخلا صنعاء عشية ذلك اليوم وكان أسعد قد استغوى بالمال قوما من (١) بني يعمر كانوا في عداد الجند المحافظ على صنعاء ففتحوا موضعهم لأسعد والإمام ، ولم يشعر أهل صنعاء إلّا وسيوف المغيرين تحصدهم ، ولما دخل الإمام ، وفتح باب الدرب ، دخلت همدان من طريق الجبانة ، وانهزم سلمة وبنو شهاب إلى دار أبي جعفر بن خلف في السّرار (٢) ، وكان مع الدّاعي وابن أبي الفتوح عسكر عظيم من همدان وخولان كلها ، ونهبت صنعاء يوم الثلاثاء فلما كان بكرة الأربعاء خرج الدّاعي ، وقصد دار ابن خلف ، وأخرج سلمة الشهابي ، وقتله ومعه زهاء أربعين رجلا ، ونهبت دار ابن خلف ، وغنموا ما فيها.

قال الأمام المنصور بالله عليه السلام : (وسبى من دار ابن خلف ودار ابي جعفر نساء كثيرة) ثم إن الامام أمر بالأمان ، ورفع أيدي النّاس عن النّهب آخر نهار الأربعاء ، ومركب يوم الخميس ، ومعه أهل صنعاء لهدم السور ، وكان يضرب من لم يجتهد في الهدم (٣).

وكان قد بلغ أسعد بن ابي الفتوح أن الدّاعي يتوعّده فخاف وخرج من صنعاء ومعه خولان فلم يتأخّر الإمام عن محاربته ، وسار إليه في همدان ، والأبناء ، وأهل صنعاء ، ونهب طرفا من بلاد خولان ، وهدم السّرين وهو بيت الحسن بن أبي الفتوح ، والد أسعد ، ثم رجع إلى صنعاء ، وأقام فيها اياما ، وصار أسعد بن أبي الفتوح إلى بيت بوس ، فسار إليه الامام في همدان

__________________

(١) اللآلىء المضيئة والخزرجي.

(٢) موضع من صنعاء.

(٣) اللآلىء المضيئة والخزرجي (ص).

١٨٢

وغيرهم ، فاقتتلوا ، ودارت الدائرة على أسعد ، فانهزم الى حدين (١) ، وعاد الإمام وقد ربح المعركة ورجع أسعد إلى بلده مدحورا.

ودخلت سنة ٣٧١ فيها خالفت همدان على الإمام الدّاعي ، وكسروا باب السجن واخرجوا من فيه ، فسار الإمام آخر النهار إلى بلد الأبناء بالمشرق ، وأقام به أياما ، ثم وصل إليه قوم من همدان ، كانوا له أصحابا فكاتبوه بالرجوع إلى صنعاء فرجع لأربع عشرة بقين من شعبان من السّنة ، ولم تطل إقامته بها ، وكره المقام معهم ، فرجع في حاضرته (٢) إلى بلد الأبناء وأقام فيهم قليلا ، ثم مضى إلى بلد عنس لأنّه خاف من أسعد بن ابي الفتوح ، ولما علم أسعد بمسيره أعدّ له رصدا (٣) في الطريق ، ومرّ الإمام من النّقيل (٤) ليلا ، فشعر به الرّصد فأخذوا عليه خيلا وبغلة ، وفاتهم إلى ذمار ، وأقام في عنس مدّة ، ثم فارقهم ، وصار إلى مارب عن طريق الغائط (٥) ، ثم انتقل الى الجوف ، ثم إلى ورور وريدة ، وذلك بعد أن تغيّر عليه أمر عنس بمعاملة الأمير عبد الله بن قحطان الحوالي (٦).

وفي الخزرجي (٧) انه لما فسد ما بين الإمام ، وابن أبي الفتوح ، وخرج الى خولان وأخرب دورا منها دار (٨) إبن ابي الفتوح وعاد إلى صنعاء واتفق هو وابن الضّحاك وجعل له الإمام جباية صنعاء ثم اختلفت عليه همدان ، فسار إلى بلد عنس ، وأقام فيه زمنا وهدأت الفتنة هذه المدة ، وكل من هؤلاء ،

__________________

(١) قرية تحت صنعاء.

(٢) أي من معه من الناس.

(٣) عيونا ترصده (تراقبه).

(٤) هو نقل صيد أو ما يعرف الآن سمارة.

(٥) الغائط موضع هناك قريب من الجوف.

(٦) اللآلىء المضيئة اما صاحب انباء الزمن فإنه عد سنة ٧١ من الأعوام الخالية من الحوادث.

(٧) العسجد ص ٤٧.

(٨) في العسجد الادار ابي الفتوح فيحقق.

١٨٣

ثبت على ما تحت يده وقنع به ، وفي انبأ الزمن (١) وغيره انه لما عاد الإمام الدّاعي من مارب إلى ريدة جمع همدان وسار بهم الى صنعاء ، فخالفت عليه همدان فرجع إلى مكاتبة إبن ابي الفتوح ، وبذل له نصف جباية صنعاء ، فسار إليها ، وطرد عمّال ابن الضّحاك ، وخطب للإمام ولعبد الله بن قحطان ، ولمّا ليم على ذلك قطع ذكر الجميع ، فسار الإمام الى حوث ، وعمر بها دارا نقل إليها أولاده ، هكذا أورد الخزرجي (٢) وصاحب أنباء الزمن (٣) وصاحب قرة العيون (٤) ، سلسلة الحوادث المذكورة من سنة ٣٥٨ إلى سنة ٣٧٤.

وفي اللآلىء المضيئة زيادة أشرنا إليها ، ثم قال في أنباء الزمن ودخلت سنة ٣٧٥ لم يتفق في هذه السنة ولا فيما بعدها ما يستحق الذكّر إلى سنة ٣٧٩ ، وذكر خبر عبد الله بن قحطان الآتي ، وفي اللآلىء المضيئة : انه لما وصل الى ريدة ، جمع همدان وأغار بهم على صنعاء ، فخرج عنها ابو العشيرة ، عم أسعد وكان واليا عليها من قبل أسعد ، وذلك يوم الجمعة سلخ ذي القعدة من سنة ٣٨١ ، ولم يزل يتنقّل من صنعاء إلى ريدة إلى ناعط (٥) إلى مدر (٦) ، وكان قد عمر حصن ناعط ، وأقام فيه ، ثم هدمه ، وتحول إلى مدر ، وجعل يدور في مخاليف همدان ، ثم أن همدان خالفوا عليه ، ورفعوا أيدي عماله فانتقل إلى توابة ، ثم صار إلى بلد بني ربيعة إلى حوث ، (٧) فبنى بها منزلا ، ونقل اليها خدمته ، ثم إن قوما من همدان كاتبوه ، فسار بمن معه إلى الحصبة قريبا من صنعاء ، وكان بها جماعة من أصحاب أبي حاشد ،

__________________

(١) غاية الأماني في حوادث سنة ٣٧٤ انظر ص ٢٢٦.

(٢) العسجد ص ٤٧.

(٣) غاية الأماني ص ٢٢٦.

(٤) قرة العيون ص ٢٢٦.

(٥) ناعط : جبل اثري في بلد خارف من حاشد بالشرق من مدينة عمران بمسافة ١٢ ك. م.

(٦) مدينة اثرية في أرحب بالشمال من صنعاء.

(٧) واد من أعمال ذي بين في بلاد بكيل ينحدر ماؤه الى الجوف.

١٨٤

فخرجوا وقاتلوا الإمام وأصحابه ، وهزموهم ، وذلك في رجب سنة ٣٨٢ فرجع الإمام الى ريدة ، وأقام بها أقل من شهر ، وعاد إلى صنعاء فدخلها سلما وأقام بها أيّاما ، ثم رجع إلى ريدة ، وفسدت عليه همدان ، فانصرف الى حوث لعشر بقين من شعبان من العام المذكور ، ولم يلبث أن رجع الى ريدة ، وحلفت له همدان على الطاعة ، فأرسل واليه على صنعاء ، وخطب له بها ، وذلك في صفر سنة ٣٨٧ (١) ، وولّى القضاء البوسي ، وعزل القاضي سليمان بن يحيى بن محمد النقوى وصادره ، ثم سار إلى صنعاء فوصلها آخر جمعة من رجب ، ثم رجع إلى حوث في شعبان من السنة.

هذه حوادث سنيّ الإمام يوسف الداعي قبل ظهور معارضة الإمام القاسم بن علي العياني ، وقد ذكرنا ما كان منه أيّام الإمام القاسم في موضعه وسنشير إلى بقيّة حوادثه بعد وفاة القاسم بن علي العياني إن شاء الله.

نزول عبد الله بن قحطان لمحاربة ابن زياد

ودخلت سنة ٣٧٩ (٢) فيها نهض الأمير عبد الله بن قحطان الحوالي إلى زبيد ، فتلقاه صاحبها ابن زياد إلى حجرة حران ، فاقتتلوا هنالك ، وكانت الهزيمة على ابن زياد ، وقتل من عسكره خلق كثير ، فصار منهزما نحو زبيد ، وتبعه الأمير الحوالي ، ودخل زبيد ونهبها اقبح نهب ، وأقام بها ستة أيّام ، ورجع إلى كحلان وأقام فيه الى سنة ٣٨٠ ، وفيها نهض الى مخلاف جعفر فاستولى عليه ، وأقام بإبّ ، ثم أنه أضطرب عليه أمر ذلك المخلاف ، فأمر بعمارة المنظر ، (٣) وتحوّل من إب إليها ، وجعل أمر الهان إلى أسعد ابن أبي

__________________

(١) هكذا في اللآلىء المضيئة انه دخل صنعاء سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وهو لا يلتئم مع سياق الكلام (ص).

(٢) هذا على رأى صاحب انباء الزّمن وبينها بعد بعيد فتأمل (ص).

(٣) لعلها المعروفة بالحجرة من أعمال الحيمة الخارجية وتعرف بحجرة ابن مهدي وهو قاع خصيب له مجموعة قرى.

١٨٥

الفتوح ، وأعانه على من ناواه من أمر العرب ، وقطع خطبة بني العباس ، وخطب للعزيز العبيدي ، ومات الأمير عبد الله بن قحطان سنة ٣٨٧ ، وقام بالأمر بعده ولده أسعد بن عبد الله بن قحطان ، وكان أمر صنعاء مضطربا تارة يتغلّب عليها الامام الدّاعي وابن أبي الفتوح ، وتارة آل الضّحاك ، وكانت همدان وحمير وخولان وبني شهاب ، متفرقة معهم فمن كثر جمعه غلب على صنعاء وقيل ان وفاة الأمير عبد الله بن قحطان سنة ٣٨٩ (١)

الامام المنصوب بالله القاسم بن علي العياني

ودخلت سنة ٣٨٨ : فيها ظهر الإمام المنصور القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم الرسّي عليهم السلام ، وتجاذب هو والإمام الدّاعي يوسف بردة الخلافة ، وتنازعا ثوب الزعامة ، وكان كل واحد يثني على الآخر ، وربما لامه ، وكل ما كان بينهما من وفاق وشقاق يقول صاحب البسامة :

ويوسف العترة الداعي الذي شرفت

منه المناصب زاكي الأصل والثمر

والقاسم القائم المنصور من شرفت

به عيان على ما شيد من مدر

جرت بأعجب أمر كان بينهما

كأمر يوسف والأسباط فاعتبر

ونازلا كل طاغ في زمانهما

وحاولا كل جبّار وكل جري

وسائل السور (٢) من صنعاء ما فعلت

به الجنود وقاضى الجبر والقدر

قال في سيرة الامام المنصور (٣) : لما بلغ الإمام إلتياث الأحوال على ولاته باليمن وهو مقيم بترج (٤) بعث عمار بن أحمد الجعدي وأحمد بن

__________________

(١) راجع الخزرجي وقرة العيون وأنباء الزمن (ص).

(٢) إشارة إلى ما تقدم من هدم سور صنعاء بأمر الدّاعي يوسف وقاضي الجبر هو سليمان بن يحيى النقوي الذي عزله الإمام الدّاعي وصادره (ص).

(٣) نقل ذلك في اللآلىء المضيئة (ص).

(٤) بالتاء المثناة من أعلا والراء والجيم وهي معدودة من بيشة ونواحيها.

١٨٦

خالد بن صبيح (١) في شوال سنة ٣٨٨ لجمع الأعشار (٢) ، واستنهاض النّاس وزودهما بكتب ، فلما وصلا همدان تحشّد لذلك رجال من المسلمين من البونيين (٣) والخشب (٤) والمشرق والصّيد ، ولم يخالطهم من بكيل ولا من الظواهر الا الشيخ أحمد هندي من خولان ، فجمعوا نحوا من عشرة آلاف درهم ، ولما وصلوا صعدة نهض معهم إثنا عشرة رجلا منهم أبو العشيرة ابن أيوب اليرسمي ، وساروا ، وقد اجتمع زهاء مائة وثلاثين ، وخيلهم ثلاثة عشر فوصلوا إلى القاسم بن علي عليه السلام ، وهو بحص عمره بهرجاب أسفل وادي بيشه ، فلقيهم بنوه جعفر وعلي وسليمان وعربها وكان الإمام ثقيلا من شكوى أشتكاها ، ولما سلموا عليه إستأذنه الحسين بن أحمد بن يعقوب (٥) من انشاد قصيدة ، فقال عليه السلام : إذا كان محروسا من ذمّ العرب فأنشد :

دعانا القائم المنصور يبغي

عنايتنا ويمنعنا الأثاما

فلبّينا لدعوته وقمنا

عجالا في إجابته كراما

نبادر نفعه نبغي رضاه

نجيب السيد العلم الإماما

القصيدة إلى آخرها

وفي أنباء الزمن (٦) والخزرجي (٧) : ما خلاصته كان الإمام المنصور بالله ببلاد خثعم (٨) فسار عنها إلى صعدة فملكها ، وخرج إلى نجران ، ثم عاد إلى

__________________

(١) هو مؤلف سيرته.

(٢) جمع عشر وهو ما يؤخذ من تجارة أهل الحرب وأهل الذمة. وما يؤخذ من زكاة الزروع.

(٣) يعني البون الاعلا والبون الأسفل سبق ذكره.

(٤) بلد من أرض شمال صنعاء.

(٥) هو مؤلف سيرة الإمام المنصور القاسم بن علي العياني ، ومن كتابه نسخة خطية بمكتبة الامبروزيانا بايطاليا ، وكان المذكور قد تولى القضا للامام القاسم وله شعر بليغ أورده له في ترجمته صاحب مطلع البدور.

(٦) غاية الاماني ص ٢٢٨.

(٧) العسجد المسبوك ص ٤٨.

(٨) خثعم قبيلة من ولد خثعم بن غار بن كهلان مساكنهم جبال السراة من عسير.

١٨٧

تباله (١) فخالف عليه اهل صعدة فجمع همدان وسار إليها فدخلها وأخرب دروبها ، وأخرج منها الداعي يوسف بن يحيى فاستعمل الإمام عليها ولده جعفر ، وجعل له نصف خراجها ، والنصف الآخر لبني الهادي للضرورة ، وضيق الوقت ومهما حصل ما يكفيهم انتزع منهم ووضع في موضعه الشّرعي وأصطلح هو والإمام الدّاعي فناصره الدّاعي وانضم إليه :

ولم نقف على تفاصيل ما كان من الأحداث في خروجه المرة الأولى ولا في أي تاريخ كان خروجه.

نهوض الامام القاسم الى صعدة وانتقاله إلى عيان

ودخلت سنة ٣٨٩ في المحرم منها تحرك الإمام بمن معه من الجنود إلى صعدة ولما قرب منها خرج لملاقاته الأمير عبد الله بن محمد بن المختار في عسكر من بني سعد فسلموا عليه وانضموا إلى عسكره ، فنزل بالمحرقة حذا صعدة ، ولقيه الدّاعي يوسف بن يحيى في عسكر عظيم ، وكان الامام القاسم قد ركب للقائه ، وتبعه عسكره ، فخاف ان يحدث بين العسكرين شرّ ، لما بينهما من ذحول (٢) الفتن واحقادها ، فكبح جماح فرسه ، وعاد إلى معسكره ، وقال : إن كان ابن عمّي يريد السّلام عليّ بغير هذا الجمع فليأت (٣) ، فلقيه الداعي في عشرة رجال ، فلقيه الامام وسلم كل منهما على صاحبه ، وأمره بالإنصراف الى منزله ، ورجع الإمام الى مضربه ، وأمر ولده جعفر بدخول صعدة ، في طرف من عسكره ، وأن يخطب على منبرها لأبيه وجدّه ، ويقطع ذكر يوسف الدّاعي والأمير عبد الله بن محمد ، وكانا من قبل يذكران معه ، فأراد إختبارهما بذلك فسلّما ولم يعارضا ، ثم ألحق ذكرهما

__________________

(١) تباله بلد مشهور من عسير.

(٢) احقاد.

(٣) كذا في الأصل.

١٨٨

بعد ذكره ، فيما بقي بعد ذلك ، وطلب منهما ومن الحسن بن يحيى ، وسائر أولاد المختار البيعة ، فبايعوه ، ودخل صعدة ، فمكث بها أيّاما ، ثم أنتقل الى عيان (١) واستخلف على صعدة ولده جعفرا ، وجعل خراجها وخراج ما حولها رسما مجرى على الشرفاء من ولد الهادي عليه السلام ، نصف الأعشار بعد إخراج المؤن يقبضه يوسف الدّاعي ، والنّصف الثاني إلى أولاد المختار ، وسائر الخراج يقبضه خزّان الأمير جعفر ، وذكر في كتاب لهم نصف هذا الخراج يجري عليهم حتى يفتح الله عليه من أرض الخراج والأفيا (٢) والأخماس (٣) ، ما يغنيهم عن ذلك ، ثم ينتزعه ويضعه في مواضعه المشروعة وانما رسمه لهم لضيق الوقت والضّرورة.

الامام القاسم بعيان وانتقاض بعض قبائل خولان

ما كاد الإمام يستقر بعيان حتى وافته الأنباء بإنتقاض آل الربيعة من خولان ، وقتلهم رجلا من اصحابه بقرب صعدة ، وميل بعض أهل صعدة إليهم ، وفيهم الدّاعي يوسف ، فثار ثائر الإمام وفرق الصربخ (٤) في البلاد ، فاجتمع عليه من الاجناد الجم الغفير ، وبادر إليه الدّاعي يوسف في أشياخ من وادعة متوسّلا بهم إليه في العفو عنه والأمان له ولقرابته ، فأسعفه الإمام بذلك ، ونهض بجيوشه حتّى نزل منزلا يقال له الحبط من بلاد سفيان فبات فيه ، وأمر مناديه ان يؤذّن العسكر بالرّحيل على ثلاث كتائب : الأولى بكيل ، والثانية وادعة

ومن أنضم إليها ، وعليها الشّريف الحسين بن المختار ، والثالثة أهل البونين والأخشاب وحمير ، وعقد لكل كتيبة لواء وكان هو وخاصته في

__________________

(١) عيان : جبل عال مطل على مدينة حجة من جهة الجنوب والمعنية هنا عيّان قرية في سفيان بالقرب من خيوان شمال صنعاء.

(٢) جمع في اصله ما يؤخذ من أموال الكفار.

(٣) جمع خمس وهو حصة الدولة من الغنائم الحربية.

(٤) اي الداعي.

١٨٩

مؤخر الجيش ، وله لواء أبيض ، وكذلك ألوية الكتائب ، ولما قرب من صعدة بلغه أن أوّل العسكر دخل البلد ، فأسرع بإرسال من صرفهم عن البلد ، وأرجعهم إلى المعسكر العام ، ولقيه إبنه جعفر بمن انضم إليه من مخلاف صعده فأمر بعض العسكر بهدم سور صعدة فظلوا يومهم يعملون في الهدم ، ثم نهض ونزل وسط بلد الرّبيعة فحضرت الصّلاة ، فصلّى بأصحابه ، وما كاد يفرغ منها حتى رآى قبائل الربيعة قد أصطفت للقتال ، وتأهّبت للنّزال ، فأمر بقتالهم ، وحرّض عسكره عليهم ، فهزم الثّوار وقتل منهم نيّفا وسبعين رجلا ، وحجز اللّيل بينهم وكان إبتداء القتال ، وقد مالت الشّمس للغروب ، وغنم جند الإمام ما وجدوه من متاع ونحوه ، ثم إن الإمام أمر بهدم حصون الثّوار ونسف زروعهم ، وطم آبارهم ، وتحول إلى الجبجب (١) وله في ذلك قصيدة طويلة أولها :

أقول لأصحابي ونحن بجانب

من «الحبط» تزهانا خيول العساكر

هل الجمع جمع المشعرين كجمعنا

ولا يزهدن فينا إمرؤ غير خابر

ومنها في ذكر مآل أولئك القوم :

فصبّحت خيلي حرثهم ووكانيا

وغنمت جيشي ما خبوا في المحافر

وأشعلت ناري في الحصون ونلتها

بهدم فعادت كالتلول الكنادر (٢)

كأن لم يحلّ الهالكون بسوحها

ولم يهتنوا منها بطيب المعامر

إلى آخرها.

رجوع الإمام الى عيان ومسيره الى الجوف

لما رجع الامام الى عيان ، تواردت عليه كتب أهل اليمن بالسمع

__________________

(١) الجبجب بالضم : بلد بالقرب من سفيان أرحب.

(٢) جمع كندر وهو ما غلظ من الأرض وارتفع.

١٩٠

والطّاعة ، وطلب ولاته وعمّاله ، ومن جملة من راسله أبو جعفر احمد بن قيس بن الضحاك ، وكان رأس همدان وزعيمها ، فأسعد الجميع إلى ما طلبوه ، ووصل إليه أشياخ من بني الدّعام أهل الجوف يسألونه : ان يطأ بلادهم ، فنهض ومعهم في جمادي الأولى من السّنة فأمسى بالمراشي ، ونهض من الغد ، فتلقاه بنو الدعام في جمع كبير ، فأقام ببلدهم ثمانية أيام ، وولى عليهم رجلا حسينيا يقال له : سلمان بن صالح ، وعاد إلى عيان ، وعند نهوضه ، وفد عليه الشريف القاسم بن الحسين الزّيدي الحسني ، وكان محله بالطّائف من بلاد الحجاز ، وفد على الإمام في خيل وركائب من أصحابه وغيرهم من بلد خثعم ، فسار معه فأمسى بخيوان ، ثم سار إلى بلد الربيعة ، فبات في سوق لهم يسمّى الحضن فأصلح بينهم في دماء ونحوها ، ثم سار إلى أثافت وحد بني صريم ، ثم تقدم إلى أعلا غولة عجيب (١) ، فأقبلت إليه القبائل من كل صوب وهم على اتم اهبة وأكمل إستعداد ، فغصّ عجيب بالناس ، وصارت الجبال حول عجيب كقرون عرفة من كثرة من عليها ، وبعد أن حيّاهم الإمام ، سار بين تلك الجموع ، وراياته البيضاء ترفرف عليها كأنها قطع السّحاب ، وكان بين بكيل ووادعه وأهل البون من الأحقاد والثارات ما يتعذر معه الوفاق ، فكان في إجتماعهم بذلك المعسكر الوئام والحب والإخاء :

سحبت على الأحقاد أذيال الهوى

ومشى على الضّغن الواد الماحي

وجاءته وفود همدان (٢) فأخذ عليهم البيعة وبث ولاته في بلدانها ، وسألته النظر في صنعاء إذا كانت من أجل بلدانهم ، ومدينة اليمن ، وكانت الفوضى قد أضرت بسكانها ، وافترق أهلها إلى فريقين أهل القطيع وأهل السرار (٣) ، وكل فريق يغير ويقتل في الآخر ، فأمر الإمام عليها الشريف

__________________

(١) غولة عجيب جبل في اقصى البون من جهة الشمال الغربي من ريدة بمسافة ٨ ك. م.

(٢) اللآلىء المضيئة.

(٣) حارثان من صنعاء.

١٩١

القاسم بن الحسين الزيدي ، فصلحت بولايته وأمّن الناس ، وجاءته أيضا حمير من نواحي شبام وسألوه أن يطأ بلادهم ، فأجابهم وسار إلى حلملم ، وولّى الشريف أبا البركات إسماعيل بن أحمد بن محمد بن القاسم بن ابراهيم عليه السلام.

كما أنها وصلته قبائل المغرب كبني شاور وبني أعشب وغيرهم ، وسلاطين مسور ، فبايعوه ، وأعانوه بمال فقبله منهم ، وجاءه وفد من الحجاز أيضا ، فأكرمهم وعرض عليهم جنوده وأهل طاعته لأنهم كانوا يزعمون ان السلطان في اليمن لصاحب مصر فرجع الوفد ، وقد شهد له بالفضل والإمامة ، وأوجب على شرفاء الحجاز طاعته وموالاته ، وكان ذلك في رجب من السنة المذكورة ، وأقام الإمام بريدة إلى مستهل رمضان ثم رجع الى صعدة.

وفي هذه السنة خرج (١) الإمام الدّاعي يوسف إلى وادعة مغاضبا للإمام القاسم لقطعه المكوس في صعدة ، وما كان يؤخذ من التجار مقابل الزكاة والأعشار ، وكان التّجار قد شكوا إلى الإمام جور العّمال ، وأنهم يسلمون المعين بصنعاء ، وكان للدّاعي يوسف وأهل بيته قسط من ذلك فاستاء للقطع ، وخرج مغاضبا ، ثم أنه سعى بالصّلح بين الامامين الحسن بن محمد بن يحيى.

وفيها بلغ الإمام القاسم أن رجلا من بني خيثمة من نجران ، وجماعة من أصحابه نكثوا ووثبوا على عاملين من عماله فقتلوهما.

مسير الامام القاسم بن علي الى نجران وخبر صلح الإمام الهادي الى الحق واحتجاج نصارى نجران به

ودخلت سنة ٣٩٠ فيها جمع الإمام جموعه واستنهض أهل طاعته

__________________

(١) انباء الزمن واللآلىء المضيئة.

١٩٢

فاجتمع منهم خلق كثير ، وكانت أوفر الكتائب خيلا ، وأكملها عددا أصحاب القاسم الزيدي عامل صنعاء ومخاليفها ، ثم كتيبة يحيى بن المختار ، وكان عامل الإمام على همدان فتحرك بهذه الجموع لثلاث خلون من المحرم وقصد نجران ، ولما وصل أعلا نجران وفيه حصون همدان ووادعة ويام وشاكر ، وكلهم من أهل طاعته رحل عنهم إلى الدحامس فهرب الدحامس من حصنه ودخلته الجنود فهدموه وقطعوا نخله ، ونخل من كان معه من أهل بيته ، وقبض الإمام ممن جنح إلى حكمه ، ورجع إليه ستّين رجلا وحبسهم ، فيما يحب من الحقوق ، وسار بهم إلى صعدة وفي هذه الوقعة يقول ابو الفلاح احمد بن عبد الله مرتجزا (١)

قد عملت ذات الهجار الحابس

كالشّمس فوق الشمخ الأوانس

انا نوطيّ عزمة الدحامس

بألف خطى وألف فارس

ثم ان الإمام أمر عماله ان يفرضوا على التّجار والنّصارى والمزارعين.

ضريبة على كل بقدر ما يملك ، ليستعين بها على مؤنة عسكره ، فوصل إليه مشيخة النصارى (٢) ، وفي مقدمتهم إبن أبي الجهم ، فقالوا : يا مولانا نحن

__________________

(١) انظر الرجز في اللآلىء المضيئة للشرفي.

(٢) أشرنا إلى هؤلاء في خبر دخول الإمام الهادي الى الحق عليه السلام نجران ، وألمعنا إلى ما كان منهم من القلاقل والفتن في ذكر مقتل عامل الإمام الهادي على نجران : ولا ريب ان هذه الرّواية مشكلة جدّا لما سبق في القسم الأول من هذا التاريخ في ترجمة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب من انه اجلاهم عن نجران نصّ على ذلك ابن الاثير في تاريخه وياقوت الحموي في معجمه ، وغيرهما من كتاب المغازي والسير والتاريخ ، وأعجب من هذا إنا لم نقف على عاقبة أمر نصارى نجران وكيفية خروجهم من اليمن نهائيا ، وسيمر بك في هذا التاريخ ذكرهم في موضعين الأول في أيام هشام بن القبيب الهمداني سنة ٥١٠ ، والثاني في أيام الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة لما استولى على نجران وبعد ذلك لم تقف على شيء من أمرهم ، وقد ذاكرت بعض علماء اليمن فيما رواه أهل التاريخ من أن عمر أجلاهم من اليمن حتى قال ياقوت في معجمه انهم بنوا نجران الكوفة عوضا عن وطنهم الأول فقال : انه اطلع على رواية في الاستيعاب لا بن عبد البر ان تلك الرواية لم تصح عن عمر والله اعلم (ص).

١٩٣

رعيتك في ذمّة جدك ، وقد أخرجنا الجزية إلى سعاتك ، فلم تكلفنا غيرها ، فقال لهم الامام : ليس الجزية شرطكم ، ولكنّا أجريناكم مجرى اليهود نضرائكم ، حتى ننظر في الأمر بعد ذلك ، ثم أنا أعلمكم بما يجب فإن اقمتم بما شرط على أسلافكم تممت لكم ، فقال النصراني : وما ذاك أيّها الامام ، فقال له الإمام : النّبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح سلفكم بأن يدعهم على دينهم ومؤمنهم في بلدهم ، على تسليم اربعمائة أوقية تبرا وأربعمائة حلة من وشي اليمن ، فأختاروا الآن اما تسليم ذلك وادعكم على الحال التي وادعكم عليها النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو تسلمون فلا أسألكم إلّا ما أسأل المسلمين ، فقالوا يا مولانا : ذلك حين كان سلفنا يملكون الوادي أو أكثره ، ونحن اليوم جيران مستضعفون ، وقد صالح ابن عمك الهادي بصلح فاقبله منا ، فقال لهم : الامام ان الهادي لم يدع معكم الاماروني أعوانه دونه ، واليوم قد أيّد الله دينه باعوان أولى قوة وعزّ فانظروا لأنفسكم ، فتقدم أشياخ من بني الحارث وسألوا الامام أن يجريهم على قبض الجزية والمعونة إذا سئل المسلمون معونة غير زكواتهم فأوجب لهم ، قال مؤلّف سيرته : فسألنا الإمام عليه السلام لم ترك النّصارى من شرط رسول الله صلى الله وسلم عليه ، فقال : لسبب أنا أبصر به منكم وأعرف بالسيرة في ذلك (١)

رجوع الإمام إلى صعده

لما أكمل الامام أمر نجران عاد إلى صعدة ، وعزم على ان لا يرد المليح بن ابراهيم بن محمد بن المختار على عماله نجران ، وخشى أن يكون من تفريط فيجرى مثل الذي جرى ، وكذلك عزم على عزل أخيه يحيى بن محمد من ولاية البون وريدة ، فلما علموا بذلك سألوه أن يثبتهم على

__________________

(١) انظر هذا في اللآلىء المضيئة للشرفي (خ).

١٩٤

ولايتهم ، فقال لهم : يا أهل بيتي أنا أعوّضكم عما كنتم تنالون منها من وجوه غير الولاية فإنّي رأيت ولايتكم لم تجر عليّ وعليكم خيرا ، وعليّ لكم أن أواسيكم بنفسي في كل الحالات من المعائش والملابس ، فلم يرضهم ذلك وقاموا من مجلسه غاضبين نافرين ، وكاتبوا أنصارهم من القبائل ، وابن عمهم يوسف الداعي إذ كانوا يعلمون منه الكراهية للإمام ، فلم يساعدهم أحد فعادوا الى الإمام وسألوه العطف ، فعطف عليهم وأحسن اليهم وسيأتي خبر أحداثهم وما كان منهم قريبا.

كتاب الامام القاسم بولاية الزيدي على صنعاء ومخاليفها (١)

ولما رجع الإمام إلى عيان سألته القبائل : أن ينهض معهم إلى بلدانهم فاعتذر بكثرة أشغاله وارجع النّظر في ذلك إلى القاسم الزّيدي ، وكتب له عهد جاء فيه : واعلم ان النّاس سبع طبقات منهم القضاة وهم المقدّمون ، إلى ان قال : وأما السّلاطين سلاطين البلد فهم رجلان ، رجل دخل معنا ليعلم فعلنا في أنفسنا ، وفيمن اتّصل بنا ، والآخر قد استوقفنا وتربّص بنا ، وليس من السّلاطين من قد دخل معنا بما ذكرت إلا الأمير ابو جعفر احمد بن قيس ، فراعه منك بعين الصّيانه واعرفه بالنقاء والأمانة وكريم افعاله فإنّ لم يوسّطنا أحد من الملوك ما وسطنا من داره وعشائره إلى أن قال : واعلم أن الملوك نشأوا في النّعمة ، وألفوا من الخاصة والعامة الكرامة ، ومتى ورد على أمر غير ما يعرف ، كرهه ، وأما سائر من قبلك من السلاطين ، فهم أربعة ، أحدهم المنتاب بن ابراهيم ، وسبأ عبد الحميد ، وأسعد بن أبي الفتوح ، وابراهيم ابن نزيل ، فأما سبأ والمنتاب وابراهيم بن نزيل ، فقد دخل كل هؤلاء على ما تحت أيديهم والكل دخل معنا مدخلا لم يريبنا به ، ولا بد أن نختبر كل أولئك ونذكره بما قد أوجب لنا على نفسه (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ)

__________________

(١) انظر نصه في اللآلى المضيئة.

١٩٥

الآية (١).

. وأما ابن أبي الفتوح فبيني وبينه مكافة فكفّ عنه ما أنكف عنك ، وأما ابن قحطان فبينه وبين صاحبي مكافة فارع منه ما رعى ، فقد وعدته بذلك من نفسي والذي بيدك يا سيدي من المخلاف ما حاز عجيب (٢) الى حدود إبن أبي الفتوح في ناحية صنعاء ومشرق بلاد همدان جملة وبلاد حمير ومغارب مخلافك كالصيد (٣) وشاحذ (٤) والناقر (٥) ونضار (٦) والاحبوب (٧) وشمر (٨) والطرف (٩) ، ؛ وما اتصل بذلك ، وحراز فهذه البلدان فيها مبدأ مؤنتك ومؤنة أعوانك وأخدامك وتبرّ (١٠) من رأيت من أهلها وتوفر خراجات هذه البلدان حق التوفير ، وتطلق واجباتها لمن ثبت إسمه في ديوان النجدة.

والذي في صفقة الحسين بن المختار

الظاهر [هكذا في الأصل ولعلها الظواهر] ظاهر الصّيد ، وظاهر بيت زود ، ثم الظاهر معرضا حدة حلملم ، وحلملم معك ، وقارن والأشمور ، وما حاز هذه البلدان إلى الظاهر ، فهو بموصول بمخلاف الحسين بن المختار ،

__________________

(١) الآية ١ سورة الفتح.

(٢) يعني عوله عجيب السابق ذكره.

(٣) بلد من حاشد معروف والمقصود هنا اسم لناحية من الخيمة الداخلية.

(٤) يسمى اليوم بالشاحذية وهي عزله من ناحية الرجم واعمال الطويلة بالغرب الجنوبي من كوكبان.

(٥) في الأصل النافر بالنون ولعله الباقر بالباقر بلده قرية من عزلة بني العباس من مخلاق اقيان كون.

(٦) بلد تابع لأعمال المحويث.

(٧) عزله من ناحية الخيمة الداخلية بالغرب من صنعاء.

(٨) لعله جبل شمر في عزله وادي عصام ناحية حبان.

(٩) من ناحية صعفان في بلاد حراز.

(١٠) في اللآلىء وبر رجال.

١٩٦

ومغارب هذه البلاد ومعه بنو أعشب وبنو شاور ، وقدم ، وميتك ، ودروان (١) وحجة ، وما بيد المنتاب فهو بيده إلى عيان ، وما بيد بن عبد الحميد فهو بيده حتى تنظر طاعته ، وأعلا وادي لاعه ، بيد ابن ابي جعفر [كذلك بالأصل ولعله ابن أبي يعفر] وعليه فيها رسم وبيد العرجيين منها طرف وعليهم تسليم [كذا بالأصل] بلا شرط فتعاملهما بحسب ما ترى إلى آخر الكتاب (٢).

وصول الأشراف ووفد عنس إلى الامام القاسم

وفي هذه السنة وفد الى الامام بنو ابي الطيب الحسنيون من أمراء الحجاز وأهل الثّروة فيهم والجاه ، وغرضهم من هذه الوفادة تحفيز الامام على فتح تهامة الشام ، وتوليتهم عليها ، وكان وصولهم في شهر صفر.

وفيه وصل متقدّم عنس وعميدها الحسن بن أحمد العنسي ومعه كتب من رؤساء عنس ، يطلبون من الإمام أن يولّى عليهم من قبله ويخبرونه بطاعتهم ، وانضوائهم تحت رايته ، وكانوا من أعز أهل اليمن وأكثرهم خيلا ، ولما رأى الامام إقبال أهل اليمن عليه ، ومبادرتهم إلى طاعته أراد إغتنام الفرصة والوثوب على تهامة الشام ، طلبة الأشراف فكتب إلى عموم اليمنيين يستنهضهم ويستثير همهم بقصيدة أولها : (٣)

طال الثوأ بصعدة وعيان

ومذاب والأحراج من سنحان

حولا تحرم لأنهم بنيّة

تدعو لمبتعد من البلدان

فهل الزمان ساعف لموائك

يقصر ويقرب مرة ويداني

ناطته همته لأعلى مطلب

لا يستفاد من الحلى بتواني

فنأى وأخلى من وني في رائه

واضاف ظن الخير في قحطان

__________________

(١) دروان قرية من ضواحي حجة

(٢) وقد أثرنا نقل هذا الكتاب لأنه يعطينا صورة وان لم تكن كاملة عن التّقسيمات الإدارية (ص).

(٣) انظر القصيدة كاملة في اللآلىء المضيئة للشرفي

١٩٧

ومنها :

اما اجبتم دعوتي فتأهبوا

لهبوط بيش منزل العبدان

فيه مغانم لا تجلّ لجمعنا

لو كان كالحسين من قحطان

إختلال صعدة ، وأحداث المليح بن إبراهيم وإخوته ، وأخبار الزيدي وما كان منه

قبل ان يستكمل الإمام القاسم أهبته للوثوب إلى غايته التي ندب إليها ووعد الاشراف بإنجازها ، فوجىء باختلال صعدة ووثب المليح (١) واخوته عليها ، فخفّ الإمام إليهم في جماعة قليلة ، ولم يتمهل إلى وصول النّجدات من أنصاره ، وعاجل البلدة مسرعا بمن خف من عسكره ، ولما وصل صعدة تحقق إنحلال امره بها ، فقد أمتنع أهلها عن الوصول إليه وتعصّبوا على بعض خدمه ، وأعلن المليح في أسواقها بالخلاف ، فاشتبك الإمام معهم في معركة حامية دامت سحابة يومه ، وكاد أن يحاط به وبمن معه ، لو لا مبادرته (٢) بالانسحاب من القرية ، ومبارحتها إلى حصن الناصر ، وهناك وافته القبائل المغيرة ، فأمرهم باعادة الكرّة ، ومهاجمة تلك المدرة فانهزم المليح وغادرها في خفارة خولان إلى نجران ، وانتشر الجند المغير في النّهب والسلب ، وأراد الإمام كف عاويتهم ومنعهم ، فلم يتمكن إلّا آخر النهار ، بعد أن ركب إلى صعدة في جماعة من الأشراف وغيرهم ، ونادى بالأمان وإخراج أهل الاطماع ، وأرسل لخولان ، وأخذ عليهم الذمة في حفظ البلد ، وصيانته ورجع في خافرته عن طريق غرق ، وكان قد استقدم القاسم الزّيدي ، فوافاه إلى ورور (٣) ، وبينما هم هنالك إذ وصلت كتب سلاطين المخلاف إلى الإمام

__________________

(١) هو المليح بن ابراهيم بن علي.

(٢) في الأصل لو لا مبادرته.

(٣) ورور : جبل وواد اسفل شؤانة من بني جبر حاش من ناحية ذي بين تعرف الآن بظفار داؤد.

١٩٨

يرجونه عزل الزّيدي ، وتولية غيره عليهم ، فمال الإمام إلى مقترحهم وعرض الأمر على الزيدي فكره ذلك ، وتعصّب له الحند. ونصح آخرون بضرورة بقاء الزيدي لحزمه وكياسته ، فرجح الإمام عن فكرة عزله وأكّد ولايته ، فغضبت القبائل وعاتبوه على ذلك حتى أضطروه إلى معاودة الفكرة الأولى ومواذنة الزّيدي ثانية ، ولما عرف الزيدي ميل الإمام وانصياعه الى تلبية إقتراح القبائل ، فارق صنعاء مغاضبا ، وسار إلى عنس ، ولم يخبر الإمام بحركته إلّا من مهران ، ولما وصل بلد عنس ، أجتمعت إليه القبائل ، وسألوه ان يطلعهم على ما كتب إليهم الإمام في شأنه ، فاحتار وارتبك ، وقال لهم أن الإمام اكتفى بإرسالي إليكم (١) لثقته بي ، فلم يقبلوا منه واضطروه إلى مراجعة الامام وعرض الحقيقة عليه ، فكتب لهم الإمام منشورا بخطّه أمرهم فيه بالسمع والطاعة للزيدي ، واشترط عليه مشاورته في كل أمر ، ومؤاذنته قبل إحداث أي شيء ، وعلى ذلك أقام الزيدي ببلد عنس ، واتّسعت ولايته وعظم شأنه ، وسنأتي على تفاصيل اخباره قريبا

عزم الإمام لحرب نجران

وفي هذا العام حشد الإمام الجنود لمحاربة نجران ، وكتب إلى أهل طاعته بالحجاز (٢) ، أن ينهضوا في لقائه إلى نجران ، وكان له عليهم وال يقال له : رزين بن احمد بن يعقوب الهمداني ، فنهض رزين المذكور في وادعة وسنحان وجنب وغيرهم ، إلى نجران ، وسار الإمام بمن معه من قبائل اليمن ، وارسل كل واحد من سلاطين اليمن ، كإبن ابي الفتوح ، وعبد الحميد صاحب جبل تيس (٣) ، والمنتاب صاحب مسور ، وأسعد بن عبد الله بن قحطان بالجنود والمدد ، فتكاثف الجند وعظم الحشد ، ولكنه

__________________

(١) في الأصل بزيادة عن ولا معنى لها هنا.

(٢) (نقل هذه الأخبار صاحب اللآلىء المضيئة عن سيرة الإمام القاسم (ص).

(٣) جبل تيس : يعرف اليوم بجبل بني حبش ومنه قرية المحويت مركز قضاء المحويث.

١٩٩

رغما على كثرته تخاذل وفشل ، ولم يأت بالثمرة المطلوبة ، من تأديب العصاه واخضاعهم وتوطيد راية الامام بإرغام قبيلة نجران العاتية على سلوك السنن الأقوم والطريقة المثلى ، بل أصبح بالحال كما قيل :

جيوش ما لها في الملك نفع

حكمت صورا تصوّر في الكتاب

مما اتت قتالهم من غير نيل

كمثل الضّرب في صور الحساب

ورجع الامام الى صعدة وقد أيس من نيل وطر ، أو ادراك غاية بتلك الجموع المغلولة ، وعزم على ترك نجران ومن بها يعمهون في باطلهم إلّا من أراد الإنضمام طواعية ، ريثما تسعفه الأيام بما يريد من وجود أنصار تقوم بهم الحجة ، ولما رأى الأشراف كثرة إختلاف النّاس على الإمام عادوا أدراجهم قانعين من الغنيمة بالإياب :

الوحشة بين الامام والقاسم الزيدي

وكان الزيدي قد تخلف عن غزو نجران بعد الذي سبق منه ، فاحفظ تخلّفه قلب الإمام عليه ، وعاتبه على ما صدر فأكثر ، وكان أبو جعفر احمد بن قيس بن الضحاك ، يكره ولاية الزّيدي ، وكذلك قبائل مخاليف صنعاء فانتهزوا فرصة إنحراف الإمام عنه وطلبوا منه ان يولّي عليهم إبنه جعفرا ، ونشط كثير من الناس لتوسيع دائرة الخلاف ، وبذر بذور الشقاق بالسّعاية بين الإمام وعامله الزيدي ، فكانت دعوتهم أسرع إلى القلوب من النّار في يابس الهشيم ، فلم يتلعثم الزيدي عن إظهار الخلاف جراهية (١) ، ولبس جلد النمر ، وأغار على مخاليف إبن أبي الفتوح وعاث فيها فسادا وجرت بينه وبين ابن أبي الفتوح مصاولة ومنازلة ، غلب فيها ابن ابي الفتوح ولم يطق المقاومة ، واستغاث بالإمام ، وكان من أنصاره ، فكتب الإمام إلى الزّيدي

__________________

(١) اي ظاهرا بارزا.

٢٠٠