تاريخ اليمن الإسلامي

أحمد بن أحمد بن محمّد المطاع

تاريخ اليمن الإسلامي

المؤلف:

أحمد بن أحمد بن محمّد المطاع


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار التنوير للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

حرب الباطن ومقتل الحسين بن الإمام الهادي

وفي اليوم الخامس من جمادى الآخرة كانت الحرب بين الإمام الناصر والأمير حسان بن عثمان. ولما كان الإمام عليلا خرج عسكره ، ولا قائد له فلم يثبتوا وتفرقوا منهزمين وقتل الحسين بن الهادي وجماعة من أصحابه وانصرف كل إلى مكانه واشتدت علة أحمد بن يحيى فانصرف إلى صعدة (١) وفي انباء الزمن ان قتل الحسين والهادي كان بصعدة.

وفاة الإمام الناصر عليه السلام

لم تطل ايام الإمام بعد وصوله فقد توفي على الأثر لثماني عشرة ليلة خلت من شهر جمادى الآخرة سنة ٣٢٢ عن إحدى وعشرين سنة من ولايته ، وكان عليه السلام زاهدا ، ورعا عالما متبحرا له عدة مصنفات منها كتاب في التوحيد في غاية البيان والتهذيب ، وكتاب النجاة ثلاثة عشر جزءا ، وكتاب مسائل الطبريين جزآن ، وكتاب أجاب به على الخوارج الاباضية ، وكتاب الدامغ أربعة أجزاء (٢).

وملك عليه السلام الجوفين ، فكانت له زراعة قوية فيها بلغ عدد البقر السود على حدها ثلاثمائة ثور أسود ، وزراعته بشط معين (٣) ، وله من الولد القاسم أبو محمد والحسن وجعفر ويحيى وعلي ومن أولاده محمد الوارد إلى حلب ، وأحمد أعقب بحلب ومصر ، وغيرهما ومنهم أبو الفضل الرشيد بن أحمد ، وله ولد باليمن ، ومنهم الحسن قام بالأمر ، بعد أبيه الناصر ، ومنهم يحيى بن الناصر ، قاتل أخاه على الإمامة ، هكذا قال الشرفي في اللآلىء

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) راجع شرح البسامة للزحيف.

(٣) اللآلىء المضيئة (ص) ومعين بلده في الجنوب الشرقي من مدينة الحزم لمسافة ٥ ك. م اعلا وادي الجوف.

١٦١

نقلا عن ابن عنبة (١) ، وليس بصحيح فإن الحسن مات بعلاف (٢) ، ولم يقتل كما سيأتي بيانه ، والقاسم المختار ، قتله ابن الضحاك بريدة وقد غفل الشرفي عن التنبيه على ذلك ، وفي الزحيق ان وفاة الإمام الناصر سنة ٣٢٥.

تتمة أخبار ثورة قبائل صعدة

اشار صاحب أنباء الزمن إلى خبر ثورة القبائل الصعدية بكلمة واحدة سردها بعد خبر وفاة الإمام ، ثم قال والأقرب ان هذه الفتنة كانت قبل وفاة الناصر رحمه الله.

وقد اشار إلى هذه الفتنة وما جرّته من الأحداث الخزرجي في الجزء المخصوص بالتراجم (٣) في ترجمة الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني صاحب الاكليل وصفة جزيرة العرب ، وذكر ان السبب في ذلك قصائده التي قالها من سجن الناصر ، مستنجدا بتلك القبائل ، ومستفزّا لحماستهم ، على الإمام وكان قد سجنه بسبب قصائده التي قالها في المفاضلة بين القحطانيين والعدنانيين (وعرّض فيها بهجو الحسين بن علي بن الحسن بن القاسم الرسّي ، واحمد بن أبي الأسد السلمي (٤) ، وأيوب بن محمد اليرسمي الفارسي ، وكان هؤلاء يتعصبون للعدنانيين على قبائل اليمن فانبرى للرد عليهم والمفاخرة بقومه فذكر خصومه أن في بعض قصائده الغض من الجناب المقدّس لسيد ولد آدم صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال صاحب اللآلىء المضيئة : وممن أسره الإمام النّاصر الحسن بن أحمد بن يعقوب الأرحبي العبدي ، نسابة همدان ، وكان من أهل النصب والعداوة لأهل البيت عليهم السلام ، وكان كثير الإفترى في النسب مع معرفته به ، ومما قاله وهو في سجن الناصر عليه السلام بصعدة القصيدة المسماة

__________________

(١) ابن عنبة هو احمد بن علي مؤلف كتاب عمد الطالب في أنساب آل أبي طالب توفي سنة ٨٢٨.

(٢) موضع قرب مكة.

(٣) وهو المعروف بكتاب طراز اعلام الزمن.

(٤) كذا في الأصل وفي بعض تراجمه الأسلمي.

١٦٢

الجار أولها :

خليلي اني مخبر فتخبرا

بذلّة كهلان وحيرة حميرا

عذيري من قحطان اني مشتك

عواديكما ظلما وخذلا فانكرا

إلى أن قال :

وأصبحت مأسورا بأيدي معاشر

رضا لهم بأقبح ذا متذكرا

أظل أقاسي كل احمر ضيطر (١)

زبانية حولى وكبلا مسمرا (٢)

إلى آخرها ، وفي كتاب مطلع البدور (٣) ومجمع البحور للقاضي احمد بن صالح بن أبي الرجال في ترجمة شيخ الزيدية العلامة ابو السعود بعد الكلام على نسب شيخ الزيدية المذكور قال : وقد عنّ هنا ذكر ابن الحائك مصنّف الإكليل ، وهو من علماء اليمن وقد تكلم فيه الإمام شرف الدين.

وقد ترجم له ياقوت الحموي والتكريتي (٤) والسيوطي في بغية الوعاة قال : الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني ، هو الأوحد في عصره الفاضل على من سبقه المبرز على من لحقه ، لم يولد في اليمن مثله علما وفهما ولسانا وشعرا ورواية وفكرا ، واحاطة بعلوم العرب من النحو واللغة ، والغريب والشعر والأيام والسّير والمناقب والمثالب ، مع علوم العجم من النجوم والمساحة والهندسة ، والفلك ولد بصنعاء ونشأ بها ، ثم ارتحل وجاور بمكة وعاد فنزل بصعدة وهجا شعراءها فنسبوا إليه هجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فسجن وله تصانيف منها الإكليل في الأنساب ، وله ديوان نحو ستة مجلدات ، انتهى ما أردت نقله من البغية ، ثم قال بعد أن أورد كلام السيوطي هذا ، وذكر بعض مؤرخي أصحابنا في تأريخ له ان المذكور ، اعتقل لسيئات في دينه قيل بصعدة وقيل بصنعاء أيام النّاصر للحق بن الهادي ، وأيام أسعد بن أبي يعفر واستعان بأبي الحسن ابن القاسم المنصور

__________________

(١) انصح اللئيم العظيم الاست.

(٢) قلت الموجود في مطلع البدور (المخطوط الذي بحوزتي) البيت الأول فقط.

(٢) قلت الموجود في مطلع البدور (المخطوط الذي بحوزتي) البيت الأول فقط.

(٣) يحقق التكريتي المذكور ، ولعله يعني القفطي مؤلف طبقات النحاة.

١٦٣

من بني منصور اليمن ، ومنصور اليمن هو منصور ابن فرج بن حوشب ذكره القاضي النعمان (١) وغيره ، إلى أن قال : لهج ابن الحائك بتفضيل قبيلة قحطان على عدنان ، وحقّر ما عظم الله وتجاسر على انتقاص ما اصطفاه الله فمن ذلك قوله جوابا للكميت :

ألا يا دار لو لا تنطقينا

فانا سائلون ومخبرونا

بما قد غالنا من بعد هند

وماذا من هواها قد لقينا

إلى آخرها.

وله قصيدة الجار انشأها وهو مسجون أولها (خليلي اني مخبر فتخبّرا) فحبسه الناصر للحق ، بيد أسعد بن أبي يعفر ، فلما كثر تهييج القحطانية دخل إلى فطيمة ، فطلبوا الشفاعة ، فأعلمهم انه لم يسجنه وان أسعد حبسه لجرم اجترمه إليه.

فركب الحسن بن محمد بن أبي العباس من أهل العشة (٢) الى اسعد فأفهمه انه لا يخرجه إلّا بأمر النّاصر فعادوا إلى الناصر فأغلظ لهم وخرجوا من عنده واظهروا الخلاف وقاول الحسن بن أبي العباس جمعا من بني جماعة إلى أن قال : واستدعى حسان بن عثمان بن احمد بن يعفر وكان عدوا للناصر فكانت حروب ومن جملتها حرب الباطن ، وقد مضى ذكره انتهى.

قلت : وقد تناولت أقلام اليمنيين الهمداني نقدا وتفنيدا ونسبوا اليه وفرا من النقائص والملامات (٣) وليس من غرضنا تحليل ما كتبوه ، فالشوط بطين وانما سقنا ما مرّ لعلاقته بثورة القبائل الصعدية وانتقاضهم على الإمام الناصر ، وما كان من الحوادث بعد ذلك ، فجلال التاريخ وعلوه إنما هما لما يستفيده

__________________

(١) من علماء الاسماعيلية وهو النعمان بن محمد وفاته سنة ٣٦٣.

(٢) العشة : بلدة آهلة بالسكان من عزلة الأبقور ناحية سحار بصعدة.

(٣) قلت : ابو الحسن الهمداني مفخرة اليمن ولسانها وقد اصابه من رذاذ السياسية ما نهته ظلما وزورا فلما يعتد بقول منتقص حاقد.

١٦٤

الناظر فيه من آداب ، وأخلاق وتعاليم وسياسة ، وعرفان بمبادىء الأمور ومصائرها وتطورها. وضاحيها ليلاقي حلقات الوحدة التاريخية برباط وثيق ، وأما نزعة الفخر بالقبيلة والعصبية لها ، فنعرة سادت أيّام الأموية ، وما زالت تنمو وتترعرع ، حتى كان من أمرها ما كان بين عرب الأندلس وخراسان وسورية ، وغيرها من البلدان الاسلامية ، وكان لها شعراء ورؤساء يمثلون هذه النزعة السيئة ، ويثيرون وتري حقدها ويجحمون (١) خامد جمرها.

ونال اليمن حظه من الوجهتين السياسية والأدبية أمّا الناحية الأدبية فظهرت في شعر الهمداني وفخرياته ونشوان بن سعيد الحميري وقصائده والدّامغات ومطولات دعبل ونحو ذلك.

وأما الوجهة السياسية ففي أعمال معن بن زايدة الشيباني ، وعقبة بن سالم أمير البحرين وعمان ، حيث قتل الأول من الحضرميين تعصبّا لقومه من ربيعة ستة عشر الفا وهنّاه شاعره مروان ابن أبي حفصة (٢) بقوله :

وطئت خدود الحضرميين وطأة

بها ما بنوا من عثرة قد تضعضعا

فأقعوا على الاستاه أقعاء معشر

يرون اتباع الذل اولى وأنفعا

فجاذبه عقبة بن سالم عامل البحرين بقتل القيسيين تعصّبا (٣) للقحطانيين وكيدا لمعن لما عمله في اليمن وأمثلة ذلك كثيرة.

دخول حسان بن عثمان الحوالي صعدة وقيام الإمام يحيى ابن الناصر وخلاف اخوته وما كان من الأحداث (٤)

لما علم حسان بن عثمان بوفاة الإمام بادر بالنهوض إلى صعدة فخرج

__________________

(١) حجم النار أوقدها والجمر الجاحم الشديد الاشتعال (ص).

(٢) هو مروان بن سليمان بن يحيى ولد سنة ١٠٥ وكان شاعرا عالي الطبقة قدم على معن بن زائدة ومدحه بقصائد عدة توفي سنة ١٨٢.

(٣) راجع ما كتبه الاستاذ المعاصر احمد امين في كتابه ضحى الاسلام.

(٤) سيرة الإمام الناصر.

١٦٥

العلويون منها ، واستغاثوا بأسعد بن أبي يعفر وكان مالكا لصنعاء ومخاليفها فكتب لهم إلى قبائل همدان وخولان ، وبلغ ذلك حسان فخرج منها إلى برط ، ودخل العلويون صعدة وبايعوا الحسن بن الناصر ، فخرج أخوه القاسم بن الناصر الملقب بالمختار ، إلى همدان ، وجاذب أخاه أهداب الخلافة ، ودعا إلى نفسه ، وكان الحسن أيضا ينازع أخاه يحيى زمام الزعامة ، ويريد تنفيذ احكام الإمامة ، فكانت بينهم حروب وفتن وبلايا ومحن (١) ، سنأتي على شرحها وتبيانها ، حتى قيل ان خراب صعدة القديمة ، كان على يد المختار وأخيه الحسن ، لكثرة ما كان بينهما من الفتن ، وتتابع المحن ، وما زالت أحوالهم متقلبة ، وأمورهم مضطربة إلى سنة ٣٣٠.

خلاصة ما كان من الأحداث بين أولاد الناصر (٢)

لما خرج المختار إلى همدان كما قدمنا انضمت إليه جموع كثيرة من همدان فنهض بهم إلى كانط (٣) ، وفيها مظفر بن عليان بن الدعام فوقع الحرب بينه وبين جيش المختار ، فانهزم مظفر بن عليان ، وكان من أصحاب حسان بن عثمان ، وخرج من ريدة ، إلى غرق مدخل سنة ٣٢٣ ، وقيل ان مظفر بن عليان كان بريدة ، وإنما أرسل جيشا لمحاربة المختار فلما انهزموا رجعوا إليه إلى ريدة ثم انه خرج منها إلى غرق.

وفيها نهض حسان وقصد صعدة في بني الحرث ونهد وزبيد واستنفر من حوله من قبائل خولان وغيرهم فحاربه أهل صعدة محاربة شديدة ، وهزموه

__________________

(١) قلت : لعل هذه الحروب هي أول الحروب التي وقعت بين الأئمة انفسهم في سبيل الاستحواذ على الحكم وشغلت التاريخ اليمني بمعارك طاحنة أخذت الكثير من صفحات الكتب وجهد المؤرخين.

(٢) سيرة الإمام الناصر واللآلىء المضيئة.

(٣) قرية اثرية من عداد خارف حاشد على بعد ٨٠ ك. م من صنعاء شمالا.

١٦٦

إلى نجران فأقام بالهجر ، والحرب بينه وبين حمدان نجران ، ثم عاد إلى برط.

ودخلت سنة ٣٢٤ فيها ظهر بالسرو (١) رجل يدّعي النبوءة ، فمال إليه من بقي من أصحاب ابن فضل ، فوجّه الأمير أسعد بن أبي يعفر العساكر والقواد إلى رداع ، ولم يزل بمدّعي النبوءة حيث أمسكه بلا عهد ولا أمان فحبسه حتى هلك من محبسه بعلّة الجدري.

وفيها وقع الخلاف بين المختار (٢) ، وأحمد بن محمد بن الضحاك فمال ابن الضحاك الى الحسن بن الناصر ، وكاتبه وأمده بمال ولما حصلت المواد (٣) لديه ، سار إلى قرقر وصار ابن الضحاك إلى ريدة ، وكاتب مظفر بن عليان وأمده بمال ، هو والحسن بن أحمد على أخيه فنهض مظفر من غرق ، وقد عامل من وثق بهم المختار ، فمكروا به ولم يعينوه ، وصار الضحاك إلى قرقر في لقاء مظفر ، فخرج القاسم بن احمد منها اقبح مخرج ، لثلاث باقية من شهر ربيع الآخر من السّنة ، فصار إلى بلد بني ربيعة ، ولم يتم ابن الضحاك لمظفر ما شرط له ، فكاتب القاسم بن احمد وعامله على أن يجعل له سهما في بلده ، وحلف له وانصرف الى غرق ، وصار القاسم بن احمد إلى ورور ، ووقع بين القاسم وبين ابن الضحاك حرب بناحية مشرق هذّان بالقرب من أكانط في موضع يقال له قطوان وعسكر على القاسم بن أحمد ، أهل اكانط ، فوقعت الهزيمة على أصحابه ، وقتل منهم نفرا كثيرا وعاد إلى ورور في ربيع الأول سنة ٣٢٦ ، وجرى بينه وبين مظفر بن عليان مكاتبة ، حتى التقيا فأشار عليه مظفّر بن عليان بالرجوع إلى صعدة فصار إليها (٤)

__________________

(١) هو ما يعرف بمنطقة البيضاء ونواحيها وهو سرو مذحج وسرو حمير يافع ونواحيها.

(٢) اللآلىء المضيئة وانباء الزمن.

(٣) كذا في الأصل.

(٤) أعدها الهمداني من مواطن بني الحارث في نجران انظر الصفة ص ٢٨٣.

١٦٧

حتى وصل بلاد خولان ومكث بها أياما وجرت بينه وبين أخيه الحسن مراسلة وكره الحسن دخوله صعدة ، فخرج الحسن إلى الغيل (١) ، ولقي المختار في جماعة من بني سعد ويرسم (٢) ، وغيرهم ، وأظهر الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فمال اليه كثير من الناس ، واصطلح هو وأخوه وتحالفا وأقاما على ذلك أياما ، ثم نهض القاسم إلى صعدة وقد عامل الحسن جماعة من السفهاء ، على إثارة الفتنة مع دخول أخيه البلد ، ففعلوا ذلك وقتلوا رجلا ، من أصحاب المختار ، وهاجت الحرب من الصبح إلى المغرب ، قتل فيها ثمانية رجال ، ثم أمر القاسم المختار أصحابه بالكف عن أموال الناس ، وبات على ظهر فرسه تلك الليلة حتى أتاه المخالفون يطلبون الأمان ، فأمنهم وسكنت الفتنة ، وظهر للنّاس نكث العهد من الحسن ، فمالوا عنه إلى أخيه القاسم المختار ، وشكروه على صبره فسار فيهم أحسن سيرة ، وشدّد على السفهاء ، ولما علم الحسن انه قد ظهر أمره للناس ، وتحقق عندهم غدره خاف على نفسه ، فخرج إلى بني سعد ثم سار الى خيوان ، وكاتب ابن الضحاك (٣) ، فاتّفقا على محاربة المختار ، واستعانا بحسان بن عثمان ، واتفقوا على المسير إلى صعدة في يوم معين فمرض حسان في ذلك اليوم ، فانتقض ما كانوا ابرموه ، وبعد أيام عامل الحسن وابن الضحاك جماعة من بني كليب وبني جماعة ، على نهب صعدة ، فدخلوها وانضم إليهم من أهل صعدة من كان مائلا إلى الحسن وغيرهم من السفهاء ، ووقعت الحرب بينهم ، وبين أصحاب المختار ، واستمرت ثلاثة أيام ، ثم مالوا إلى خديعة المختار ، فطلبوا الصّلح على أن يخرج من صعدة حتى تسكن الفتنة ، فأجابهم إلى ذلك ، فلما افترق أصحابه اعادوا الحرب ، فانهزم إلى الغيل ، وتمكن القوم

__________________

(١) قرية خربة في صعدة.

(٢) يرسم : ارض في الغرب من صعدة بمسافة نحو ميل.

(٣) هو احمد بن محمد السابق ذكره.

١٦٨

من صعدة فنهبوها نهبا شديدا ، وقتلوا من أهلها وسبوا وفعلوا بهم أعظم من فعل القرامطة ، وخرج أكثر أهل صعدة عنها ، ثم ان المختار جمع القبائل من نجران ووائلة ودهمة وبنى سليمان ، فاجتمع إليه عسكر عظيم فسار بهم إلى صعدة وحارب المتغلّبين عليها محاربة شديدة ، كانت الدائرة على المتغلّبين ، وكان الحسن بن الناصر فيهم ، كأحدهم ليس له من الأمر شيء إلّا إثارة الفتنة ، وصاح صائحهم يطلب الأمان ، فلم يجبهم المختار إلى ذلك وأمسى وقد أحاط بهم ، وعلموا أنه داخل عليهم فكسروا جانبا من القرية ، وهربوا منه ، ولم يعلم بمخرجهم إلّا آخر الليل ، ودخلت القرية ، فوجد فيها من أموال النّاس مالا يوقف عليه (١) ، وخربت منازلهم ، وصاروا إلى علاف فخرج الهيصم بن عباد الأكيلي قائد بني كليب إلى ابن الضحاك ، صاحب ريدة يستنجده على المختار فخرج ابن الضحاك معه ، وانضم إليهم الحسن ابن الناصر ، فكانت بينهم وبين المختار معركة قتل فيها من الفريقين سبعة عشر رجلا ، واختلّ على المختار بعض من كان معه فانهزم الى العشة من صعدة ، فدخلها القوم وانتهبوها وأقاموا بها ثلاثة أيام ، ثم صاروا إلى علاف وسار الحسن معهم خوفا من أخيه المختار ، ورجع ابن الضحاك إلى ريدة ، وعاد المختار إلى صعدة فلبث بها أياما ، وقد تفرق أهلها ، ونالهم الضرّ من أثر ما وقع.

ودخلت سنة ٣٢٧ فيها نهض ابن الضحاك من ريدة ومعه عسكر من همدان لحرب القاسم المختار ، فوصل علاف واتفق بالأكيليين ، وراسل بني سعد كلها ، وطلب منهم ان يصطلحوا ويولوا الحسن بن احمد فكرهوا ذلك ، وجعلوا بينهم هدنة لمدة سنتين على ان يعزلوا الأخوين الحسن والقاسم عن الأمر ، وصار ابن الضحاك إلى صعدة ، ولم يقع بينهم حرب ومكث. بها مدّة وأمر بهدم الحصن الذي بناه النّاصر عليه السلام ، وكانت صعدة يومئذ خالية

__________________

(١) انباء الزمن واللآلىء المضيئة.

١٦٩

من التجار ، وأهل اليسار ، قد تفرّقوا أيدي سبا وذهبوا تحت كل كوكب ، فجعل ابن الضحاك على من بقي من تجارها ضريبة المكس (١) فنفروا من البلدة وتركوها (أقفر من جوف حمار (٢) فأرسلت بنو سعد إلى ابن الضحاك انك قد أحدثت في البلد (٣) أحداثا واجتمعوا إلى القاسم المختار ، فنهض بهم ، وبمن أجابه من شاكر وأهل نجران ، وبلغ الأكيليين وابن الضّحاك حركة القاسم ، فخرجوا من البلد وصاروا إلى علاف ، ومعهم الحسن وصار القاسم المختار إلى «الغيل» فاتفقوا على قصد المختار إلى الغيل ، فخرج القاسم ، بمن معه ، وكانت الحرب بينهم ، فقتل جماعة من أصحاب ابن الضحاك ، وانهزم الباقون إلى علاف ، وأسر منهم جماعة ، فمنّ عليهم المختار ، وردّهم إلى ابن الضحاك ولم يزل ابن الضحاك بعلاف ينتظر اجتماع عشائره لاستئناف القتال حتى بلغه وفاة ولده قيس بن احمد ، وكان قد استخلفه على ريدة فترك علاف وعاد إلى ريدة.

واعتل الحسن بن أحمد بعلاف ، ومات يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة ٣٢٧. ودفن بعلاف ، وثبت القاسم المختار إلى شهر ربيع الآخر فاستنهض الاكيليون إبن الضحاك ، فخرج معهم إلى علاف ، وكاتب بني سعد ، ثم نهض فحاربه اليرسميون ، وقتل منهم ودخل شق يرسم مخربه ، ومالت بنو سعد عن القاسم ، فخرج عنهم وصار اخوه يحيى بن احمد إلى الغيل ، فلزمه ، وانصرف ابن الضحاك الى ريدة ، وعاد الأكيليون إلى علاف ، فأقام يحيى بن احمد في الغيل ، ولم يعد إليه أحد من

__________________

(١) المكس : هو ما يأخذه اعوان السلطان ظلما عند البيع والشراء وانشد :

وفي كل أسواق العراق اتاوة

وفي كل ما باع امرء مكس

وفي الحديث لا يدخل صاحب مكس الجنة.

(٢) يقال في الأمثال اخلى من جوف حمار لأنه اذا اصيب الحمار الوحشي لم ينتفع بما في جوفه ولكن يرمي به انظر «الحيوان في الأدب العربي» ج ١ ص ٣٠٦.

(٣) كذا في الأصل ولعله يريد «بلدا» فسهى عنه.

١٧٠

التجار ، ومضى القاسم إلى غيل جلاجل (١) فاستنصر بابن عمر السنحاني ووادعة ، فخرج معه منهم ألف رجل وخمسمائة راكب ، ولقيته سعد كلها ودخل البلد وانصرف اخوه يحيى الى علاف :

هذه خلاصة ما عثرنا عليه من أخبار أولاد الإمام النّاصر الثّلاثة منقولة من (انباء الزمن) و (اللآلىء المضيئة) و (ملحق سيرة الإمام الهادي) وقال في (اللآلىء) (٢) بعد أن أورد أبيات البسامة التي أشار فيها إلى يحيى بن الناصر بقوله :

ولابنه الماجد المنصور ما سمحت

بقود ذى لجب كالبحر معتكر

ما لفظه : هؤلاء ثلاثة أئمة ذكرهم السيد رحمه الله (اي صاحب البسامة) لم يذكرهم الإمام المهدي عليه السلام في البحر (٣) ولا الحاكم (٤) في شرح العيون الأول المنصور يحيى بن أحمد بن الهادي عليه السلام مات في شهر محرم سنة ٣٧٦ (٥) وقبر في مشهد الهادي بصعدة ، قال السيد : كان من أعلام الأئمة وهداة هذه الأمة ، وله مسائل يذكر فيها عن أبيه وجدّه ، ويكثر الرّواية عن عمه المرتضى ، وعارضه أخوه القاسم ، وهو المسمى بالمختار ، وأخوه الحسن بن الناصر ، وكان خراب صعدة القديمة على يدي الحسن هذا ، وأخيه المختار سنة ٣٢٧ ، ثم توفي الحسن بعد ذلك في شوال هذه السنة. وأسر أخوه المختار في سنة ٣٤٥ ذكر ذلك في تأريخ صنعاء الصغير (٦) : انتهى.

__________________

(١) بضم الجيم بلدة وغيل في وادعة الشمال الغربي من صعدة.

(٢) يعني اللآلىء المضيئة السابق ذكرها.

(٣) يعني مقدمة البحر وهي الرسالة المعنونة بيواقيت السير.

(٤) هو الحاكم الجشمي المتوفي سنة ٤٩٤ وكتابه المشار إليه فيه فصل عن التاريخ وطبقات المعتزلة.

(٥) سيأتي ان وفاته قبل هذا التاريخ (ص) قلت في اتحاف المهتدين للمؤرخ زبارة ص ٤٦ وفاته سنة ٣٦٦ فيحقق.

(٦) هذا الكلام الشرفي في اللآلىء المضيئة ولعله بتاريخ صنعاء الصّغير كتاب اسحق بن يحيى بن ـ ـ جرير الصنعاني وهو من الكتب المعقودة أما تاريخ صنعاء للرازي فلا شيء فيه يتعلق بالحوادث المتأخرة إلا نادرا.

١٧١

وفاة الأمير أسعد بن أبي يعفر الحوالي

ودخلت سنة ٣٣١ فيها مات الأمير اسعد بن أبي يعفر الحوالي الحميري في كحلان وحمل في تابوب إلى شاهرة (١) ضلع التي حبسها على جامع صنعاء الكبير ، ودفن بها ، وكان رحمه الله عالي النفس ، كبير الهمة حسن العقيدة ، مقداما ، لقيت منه القرامطة مماحكة شديدة ، أطاش بها سهامهم ، وزلزل أقدامهم في عدة وقعات ، ولم يزل بهم حتى بدّد شملهم ، وفرقهم عبا ديد (٢) وخرب ديارهم ، وأزال خضراءهم (٣) وعفراءهم ، بوقعة المذيخرة السالفة الذكر ، وبها قرضهم آخر الدّهر من المخلاف الأخضر (٤) ، وامتد نفوذه وشمل سلطانه بمخلافي صنعاء والجند وأعمالهما ، وبقيت مسور وبلاده بيد منصور بن حسن وصعدة وأعمالها بيد أولاد الإمام الناصر وابن الضحاك ، وحسان بن عثمان كما مرّ.

وقد حفظ لنا التاريخ نتفا ضئيلة جدا من أخبار آل يعفر لكنها تنم عن حصافة ورجاحة ، ولا سيما الأمير أسعد فإنه ظهر وسلطة مواليهم عليهم (٥) قاهرة ، فقضى على المشاغبين والمواثبين لدولتهم من الموالي والقرامطة واسترجع ما اغتصبته الموالي ومحقته القرامطة.

وكان الإمام الهادي قد منّ على أسعد ، وأطلقه من سجن شبام ، فلم

__________________

(١) قرية في ضلاع همدان شمالي صنعاء بمسافة ١٥ ك. م وبها قبر عبد الله بن قحطان احد سلاطين بني يعفر.

(٢) اي اشتاتا.

(٣) يقال : اباد الله خضراءهم أي سوادهم وجمعهم وغضراهم اي خبزهم وغضارتهم.

(٤) يعني لواء إب.

(٥) راجع ما تقدم عند ظهور الامام الهادي عليه السلام وما بعده (ص).

١٧٢

يجحد هذه المنّة للإمام وحسبك ما عمله (١) مع الإمام المرتضى لما خرج من الحبس وأسعد في سلطان ومنعة ، والإمام المرتضى كالأسير بين أولئك ، فعامله أسعد معاملة رفق وكرم ، ولم يزل حريصا على موالاة الإمام الهادي وأولاده ، حتى الممات ، وقد وصفه كثير من مؤرخي الآل بكرم الطّباع وسلامة المعتقد.

قال الخزرجي واستولى الأمير اسعد على البلاد (٢) في رجب سنة ٣٠٤ وفي أيامه قدم الوزير على زعيس الجراح من العراق ، فأقام بصنعاء على أوفى كرامة ، وقدم له مالا جزيلا ، فرجع الوزير إلى بغداد ، وهو من الشاكرين لأسعد بن أبي يعفر وعمل على رفع الخراج عن اليمن فجزاه الله خيرا (٣) وتولى بعده أبو يعفر سبعة أشهر ، ثم ولى عبد الله بن قحطان بن عبد الله بن أبي يعفر ، وهو الذي أمّه معاذة بنت علي بن فضل ، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة ٣٥٢ ، وكانت له وقعات مشهورة منها أن أبا يعقوب المحابي (٤) وازر الحسين بن سلامة على قتال بني الحوالي فالتقوا للحرب في اليوم السادس عشر من شوال سنة ٣٤٠ ، فقتل منهم مقتلة عظيمة نحوا من ألفي رجل وكانت الدائرة على أبي يعقوب المحابي وهو من جهة الحسين بن سلامة والله أعلم (٥).

__________________

(١) راجع سيرة الامام الهادي (ص).

(٢) المراد ما استولى عليه بعد هلاك ابن فضل (ص).

(٣) العسجد المسبوك ص ٤٣ وقرة العيون ج ١ ص ٢٠٩.

(٤) في الأصل المخائي والاصلاح من كتب التاريخ.

(٥) هذه رواية الخزرجي وقد نقلها عنه صاحب اللآلىء وغيره ، وهي تخالف ما سبق فان الحسين بن سلامة ، لم يكن قد وجد في سنة ٣٤٢ وسيأتي ما يخالف هذه الرواية ويدل على ان محاربة عبد الله بن قحطان كانت لأبي الجيش إسحاق بن ابراهيم سنة ٣٧٩ (ص).

١٧٣

هلاك منصور بن حسن ومقام الشاوري وقتله وما كان من الأحداث

ودخلت سنة ٣٣٢ فيها هلك منصور بن حسن داعية المهدي العبيدي ، ويلقب بمنصور اليمن ، وقد أشرنا إلى نسبه وكيفيّة خروجه في السنة التي خرج فيها ، وكان على جانب من الدهاء والفطنة ميّالا إلى الدّعة محبّا للمسالمة ، استمر على عهده لمولاه لم يطمح إلى ما طمح إليه رفيقه الطاغية ابن فضل ، وفي سبيل المحافظة على العهد والثبات على المبدأ ، اشتبك في حروب مع ابن فضل فحاصره ، ونازله مدة ليست بالقصيرة كما تقدم واستمر على ما بيده من البلاد ، إلى أن مات ، وعهد إلى ابنه الحسن بن منصور ، وإلى رجل من أصحابه يقال له : عبد الله الشاوري كان خصيصا به ، وحضّهما على السمع والطاعة لمولاه المهدي والمحافظة على المذهب ، والدعاية إليه وأمرهما بالكتابة إلى المهدي فيمن يتولى ذلك المنصب فكتب الشاوري وبعث حسن بن منصور بهدية وبالكتاب إلى القيروان وكان المهدي قد عرف الشاوري أيّام منصور ، وكان حسن بن منصور يرجو أن توسّد إليه الرياسة ، فخاب أمله ورجع بخفيّ حنين (١) فإن المهدي امر الشاوري بالاستقلال وبعث إليه بتسع رايات ، فعزم حسن بن منصور على الإنتقام لنفسه ، وأخذ الإمارة نهبا واغتصابا ، وكان الشاوري يجلّ أولاد منصور ، ولا يحتجب عنهم ، فدخل عليه الحسن في بعض غفلاته فقتله ، وقعد على سريره ، وتتبع أصحاب الشاوري وكل من يدين بالقرامطة قتلا وتشريدا ، وأعلن للناس رجوعه عن معتقد ابيه وانخراطه في عداد أهل السنة والجماعة ، فدانت له البلاد ومالت إليه القلوب ، وأحبّه الناس وبسط نفوذه على مسور ولاعة ، وما صاقبها من البلاد ، وكان قتل الشاوري سنة ٣٣٣ كما أشار إليه في أنباء الزمن (٢).

__________________

(١) لهذا المثل قصة وهي ان حنينا كان اسكافيا من أهل الحيرة فساومه اعرابي بخفين فاختلفا حتى اغضبه في قصة طويلة انظرها في مجمع الأمثال ج ١ ص ٢٩٦.

(٢) غاية الأماني ص ٢٢٠.

١٧٤

واستمر حسن بن منصور نافذا الكلمة ضابطا لما تحت يده من البلاد ثلاث [سنوات](١) الى سنة ٣٣٦ كما في أنباء الزمن.

فخرج ذات يوم من مسور إلى محل يعرف بعين محرم (٢) ، واستخلف على مسور ابراهيم بن عبد الحميد التّباعي جدّ بني المنتاب سلاطين مسور فلما وصل عين محرم ، وثب عليه عامله المعروف بابن العرجاء ، وقتله طمعا في السيادة ورغبة في الاستبداد :

استووا بالأذى ضرّا وبالش

ر ولوعا وبالدماء نهامة

وما كادت أنباء قتله تتصل بابراهيم بن عبد الحميد حتى أظهر مكنون سرّه واحتجن (٣) الأمر لنفسه :

ولربما زلق الحمار

فكان من غرض المكاري

وبادر بإخراج أولاد منصور بن حسن وحريمه إلى جبل بني أعشب فتخطّتهم الناس وأبادوهم قتلا وتنكيلا ، وسبوا حريمهم ، ولم يبقوا على احد منهم واتفق ابن العرجاء (٤) وإبراهيم بن عبد الحميد على قسمة البلاد بينهما ، وانضوى إبراهيم في أهل السنة وخطب لخليفة بغداد ، وراسل ابن زياد وسأله أن يرسل إليه برجل من قبله للإشراف على الإدارة ، فلم يحفل ابن زياد بما أظهر من الانقياد وأسرّ له سوءا في ارتغا ، وأوعز إلى معتمده الذي أرسله من قبله ، ويعرف بالسّراج أن يقتل إبراهيم بن عبد الحميد ، عند أول فرصة تلوح له ، وكان ابراهيم قد اجلّ ممثل ابن زياد وأكرمه حتى بلغه ما اعتزم من الغدربة ، فقبض عليه ، وحلق رأسه ولحيته ونفاه من بلاده ، وقطع مواصلة

__________________

(١) ساقط من الأصل والزيادة من عندنا لأن هذا مراد المؤلف رحمه الله.

(٢) سبق ذكره في حوادث علي بن الفضل.

(٣) احتجن الشيء جذبه بالمحجن وهو العود المعطوف.

(٤) في قرة العيون ج ١ ص ٢١٥ العرجي.

١٧٥

ابن زياد ، فما اخطأ ولا كاد ، ولم يزل يتتبع القرامطة بالقتل والسبي ، حتى أفناهم ، ولم يبق منهم إلّا طائفة قليلة بناحية مسور كاتمين أمرهم لهم رئيس يقال له : ابن الطفيل ، فقتله ابراهيم عبد الحميد ، فانتقلت الدعوة إلى رجل يعرف بابن دحيم ، فكان لا يستقر في موضع خوفا من ابن عبد الحميد ، وكان يستمد سلطته الروحية من إمامه المعز ، وكان إذ ذاك بمصر ، كما أشار اليه الخزرجي (١) والذي في (الخطط للمقريزي) ان دخول المعز لدين الله الفاطمي مصر كان سنة ٣٦٢.

ولما حانت وفاة مقيم الدعوة المذكور استخلف رجلا من شبام (٢) يقال له يوسف ابن الأسد فقام بما عهد إليه إلى أن مات ، واستخلف سليمان بن عبد الله الزواحي ، وهو رجل من حمير ينسب إلى قرية من أعمال حراز يقال لها الزواحى ، فقام الزّواحي ببثّ الدعوة واستمالة الرّعاع بالمال ، وكل ما هم به احد دافع بالجميل (٣) ، وأظهر التبري من كل نحلة غير الإسلام ، وكان فيه كرم نفس ، وإفضال على النّاس ، ولما حضرته الوفاة استخلف علي بن محمد الصليحي وسيأتي الكلام عليه في موضعه إن شاء الله (٤).

وفي (أنباء الزمن) (٥) بأن ابراهيم بن عبد الحميد استمر على ولايته إلى أن مات ، وقام بعده ولده المنتاب ابن ابراهيم ، وهو الذي ينسب إليه مسور فيقال : (مسور المنتاب) ولما استقل بالأمر بعد ابيه في تلك الجهة كتب الى المعز العبيدي إلى مصر ، ولما حضرته الوفاة استخلف رجلا من شبام يعرف بابن الاسد (٦) ، فقام بالدّعوة إلى أن حضرته الوفاة فاستحلف سليمان بن

__________________

(١) انظر العسجد المسبوك ص ٤٥.

(٢) لعلها شبام حراز.

(٣) وكان هذا المسلك سياسة خلفه علي بن محمد الصليحي.

(٤) الخزرجي واللآلىء المضيئة وقرة العيون.

(٥) غاية الأماني ص ٢٢١.

(٦) في الغاية سيف بن الأسد.

١٧٦

عبد الله الزواحي :

وفي (ملحق سيرة) الإمام الهادي ان هلاك منصور بن حسن كان في شهر جمادي الآخرة سنة ٣٠٢ اثنتين وثلاثمائة وثبت إبنه ابو الحسن في موضعه هو واخوته ولما ينازعهم أحد فيما كان في ايديهم ، وفي (قرة العيون ايضا (١) ان وفاة منصور بن حسن سنة ٣٠٢ وذكر أحداث الحسن بن منصور ، وقتل الشاوري ، وإعلانه بالبراءة من مذهب القرامطة ، ثم ذكر خبر مقتله ، وتغلب ابن العرجاء وإبراهيم بن عبد الحميد ، وبقية الأحداث على الأسلوب المتقدم ، وهو يخالف ما سبق من ترجمة الإمام الناصر عليه السلام ، ووقعة نغاش التي أباد بها القرامطة من ناحية مسور فتأمل.

قال في أنباء الزّمن ودخلت سنة ٣٣٧ ، وذكر عدة سنين بعدها ، لم يتفق فيها ما يستحق الذكر الى سنة ٣٤٤ ، قال (٢) : وفيها وصل المختار ابن الناصر إلى ريدة ، فخرج إليه ابن الضّحاك من صنعاء واستمدّ منه الولاية على صنعاء فولاه.

ودخلت سنة ٣٤٥ فيها غدر ابن الضّحاك الهمداني بالمختار الناصر وحبسه في قصر ريدة ، وأقام محبوسا من صفر إلى شوال من السّنة ثم قتله ابن الضحاك قال الزحيف : انه الزم بتأديب أولاد الضّحاك وتعليمهم القرآن ، وإنه علّم قيس بن الضحاك فنشأ على محبته وولايته ، فلما قتل انتصر له قيس هذا وجمع الجنود من نجد ونجران والسّراة ، ثم أقبل بتلك العساكر حتى أوقع بقومه بخيوان فكان ممن قتل أبوه ووطى بلاد همدان ، واستولى على الأمر ، ويقال ان اكثر الأسباب في ظهور مذهب الهادي باليمن قيس هذا ، لأنه قوّى مذهب شيعة الهادي بتعصّبه لهم. انتهى.

__________________

(١) قرة العيون ج ١ ص ٢١٢.

(٢) غاية الأماني ص ٢٢٢.

١٧٧

وفي اللآلىء المضيئة ان وفاة قيس بن الضحاك سنة ٣٢٧ ، وكان والده بجلاف كما تقدم.

احداث علي بن وردان والأسمر بن أبي الفتوح وآل الضحاك

فيها (١) تغلب مولى آل يعفر علي بن وردان على صنعاء وثار الأسمر يوسف ابن أبي الفتوح الخولاني ، ومعه خولان فعارض آل يعفر وآل الضحاك ، وكانت صنعاء وجهاتها لابن الضحاك ، فقصدوه إلى حراز فهزمهم ، وقتل طائفة من عسكرهم ، ومات علي بن وردان سنة ٣٥٠ ، واستخلف اخاه سابور ، فقام بالأمر وصار ابن الضحاك معه ، كما كان مع أخيه فخرجا جميعا لقتال ابن أبي الفتوح ، وقد صار في بلد خولان فلم يظفروا منه بطائل ، فعاد الضّحاك إلى صنعاء وسار سابور نحو ذمار فلحقه الأسمر بن أبي الفتوح وقتله في ثقيل يكلا (٢) سنة ٣٥١.

استنجاد الضحاك بآل زياد ودخول عبد الله بن قحطان صنعاء

ودخلت سنة ٣٥٢ فيها كتب الضحاك الى ابن الجيش بن زياد صاحب زبيد وبذل له الطاعة وخطب له بصنعاء فكتب الأسمر بن ابي الفتوح إلى الأمير عبد الله بن قحطان الحوالي الى شبام يستنهضه فتحرّك الأمير الحوالي إلى كحلان ، وأقام به مدة ، ثم سار إلى صنعاء سنة ٣٥٣ ، فخرج منها الضحاك منهزما ، ولكن الحوالي فارق صنعاء وشيكا ، فعاد إليها الضحاك وأعاد خطبة آل زياد قال الخزرجي (٣) ، فلم يستقر له أمر ، وعاد أمر البلاد إلى عبد الله بن قحطان ، وامتدت أيامه قال في أنباء الزمن (٤) : ولم يزل يتتبع القرامطة حتى

__________________

(١) راجع الخزرجي وأنباء الزمن واللآلىء المضيئة.

(٢) يكلا مدينة اثرية على ربوة حمراء اعلا مخلاف الكيميم بالحدا.

(٣) العسجد المسبوك ص ٤٦.

(٤) غاية الأماني ص ٢٢٣.

١٧٨

ظفر بولدين لعلي بن الفضل وجماعة من رؤساء القرامطة فأمر بقتلهم ، وبعث برؤوسهم إلى مكة أيّام الموسم.

ودخلت سنة ٣٥٤ لم يتّفق فيها ولا في السّنين التي بعدها ما ينبغي ذكره.

قيام الإمام المنتصر لدين الله محمد بن المختار

لمّا قتل القاسم المختار على الصّفة المتقدّمة ، قام بعده ولده الإمام المنتصر لدين الله محمد ، فأخذ بثأر والده وقصد آل الضّحاك إلى عقر ديارهم ، فأمكنه الله منهم ، وكان معه قيس بن الضحاك ، وكان قيس بن الضّحاك المذكور قد جمع الجنود من نجد ونجران والسراة ، وأوقع بقومه بخيوان فكان ممن قتل والده ووطى بلاد همدان واستولى على الأمر ، وللمنتصر لدين الله قصيدة طويلة ضمنها معنى اخذه بثأر والده وأولها :

علام ألام يا سلمى علاما

عداني اللّوم فاطّرحي الملاما

ومنها :

جلونا حينما صلنا عليهم

بأجمعنا عن أوجهنا القتاما

واقطر سيف ثار بني عليّ

ومنهم طال ما قد كان صاما

وحكمنا البواتر في طلاهم

فخرّت هامهم فلقا تراما

رأينا قتلهم اذ ذاك أحرى

بنا من أن نذل وأن نضاما

وإلى هذا الإمام أشار صاحب البسامة بقوله :

واستعبرت من بني الضحاك اذ فتكوا

ظلما بأفضل مختار من الخير

فعاجلتهم رزياها بمنتصر

لغدرهم ثابت الأقدام في الغدر (١)

ولم يذكر الزحيف ولا غيره تأريخ وفاة المنتصر ولا تاريخ قيامه ولا مدة خلافته وعن الزحيف نقلنا خبر هذا الإمام.

__________________

(١) انباء الزمن.

١٧٩

قيام الداعي الإمام يوسف بن يحيى بن الناصر

ودخلت سنة ٣٥٨ (١) فيها قام الامام الداعي يوسف بن يحيى ، وفي الزّحيف ان قيام الداعي سنة ٣٦٨ قال : قال الامير شرف الدين الحسين بن محمد (٢) مصنف الشفاء والتقرير ، فيما نقله عن خط يده المباركة ما لفظه : ان يوسف هذا قام في سنة ٣٦٨ ، وأقام بريدة أياما ثم صار إلى صنعاء في هذه السنة ، وخطب لنفسه ، ثم خرج في اليوم الثاني فهدم ما كان قد بنى في درب صنعاء وهي أول هديمة هدمها في درب صنعاء واقام بصنعاء اياما وعاد إلى ريدة ، وكان معه عسكر عظيم زهاء ألف فارس من حمير وهمدان وغيرهم ، ووقع بينه وبين قيس الهمداني وقعة ، وكان قيس قد بنى الدرب فلما دخل الإمام صنعاء المرة الثانية ، أمر بهدمه أيضا وذلك سنة ٣٦٩ وخرب ما كان حول صنعاء وقطع في ضهر : انتهى.

ولما ظهر الإمام الداعي ، نهض إلى نجران وجهاته ، ثم عاد إلى ريدة فاستخرج منها جسد عمّه المختار بن الناصر رحمه الله فوجده على حالته التي كان عليها في حياته لم يتغير ، فحمله إلى صعدة ودفنه فيها (٣).

وسار إلى صنعاء فدخلها وخرج منها ابن الضحاك الى بيت بوس ، وخرج الإمام إلى الرّحبة وفيها جنود إبن الضحاك وأسعد بن ابي الفتوح الخولاني في جند عظيم من مارب وغيره ، وجند الامام يومئذ زهاء ألف فارس من همدان وحمير وغيرهم ، فحمل جند ابن الضحاك على اول عسكر الامام فقتلوا منهم جماعة وكان الإمام في آخر العسكر ، فلما وصله أوّل عسكره منهزمين ، خرج في الخيل فحمل على بني الحارث وابن الرويّة ، فانهزموا

__________________

(١) هو العلامة الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد ولد سنة ٥٨٢ وتوفي سنة ٦٦٢ ومن مؤلفاته كتاب شفاء الأوام والتقرير في الفقه وغيرهما.

(٢) انباء الزمن.

(١) هو العلامة الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد ولد سنة ٥٨٢ وتوفي سنة ٦٦٢ ومن مؤلفاته كتاب شفاء الأوام والتقرير في الفقه وغيرهما.

١٨٠