تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٢

وأنبأنا محمّد بن أحمد بن رزق قال أنبأنا محمّد بن أحمد بن الحسن قال نبأنا عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول : لا يكتب حديث سيف بن محمّد ابن أخت سفيان الثوري ، ليس سيف بشيء. وقال أبي : كان سيف يضع الحديث.

أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن محمّد بن موسى القرشيّ وأخبرنا الحسن بن على الجوهريّ قال أنبأنا محمّد بن العبّاس. قالا : أنبأنا أحمد بن جعفر أبو الحسين قال نبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال : ذكر أبي حديث عبد الرّحمن بن محمّد المحاربي عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن جرير بن عبد الله البجليّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيلة والصّراة وقطربّل ، يجبى إليها كنوز الأرض ، ويجتمع إليها كل إنسان ، فلهى أسرع ذهابا في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة». فقال : كان المحاربي جليسا لسيف بن محمّد ابن أخت سفيان الثوري ، وكان سيف كذابا. فأظن المحاربي سمعه منه.

قال عبد الله : فقيل لأبي : فإن عبد العزيز بن أبان رواه عن سفيان الثوري عن عاصم الأحول. فقال أبي : كل من حدّث هذا الحديث عن سفيان الثوري فهو كذاب. قال عبد الله فقلت له : إن لوينا حدّثناه عن محمّد بن جابر الحنفي. فقال : كان محمّد بن جابر ربما ألحق في كتابه الحديث ، ثم قال أبي : إن هذا الحديث ليس بصحيح ، أو قال : كذب.

قال أبو الحسين أحمد بن جعفر : وقد رواه عمّار بن سيف الضّبّيّ عن سفيان الثوري ، ورواه عن عمّار جماعة نفر منهم يحيى بن بكير الكرماني ، وإسحاق بن بشر الكاهلي ، وقد رواه عن يحيى بن أبي بكير : يحيى بن معين ، إلا أنه لم يروه على أنه صحيح وإنما رواه على المذاكرة ثم عرّف محله من الوهي. فقال : ليس بشيء. هكذا حدّثنا محمّد بن إسحاق الصاغاني عن يحيى بن معين.

قال الشيخ أبو بكر : وقد بين أبو عبد الله أحمد بن حنبل علة رواية محمّد بن جابر عن عاصم هذا الحديث.

وأما أبو شهاب الحناط فقد كان صدوقا : إلا أن يحيى بن سعيد القطّان لم يكن يرضى أمره ، وكان يقول : لم يكن بالحافظ وأحسب أنه وقع إليه حديث عاصم من جهة عمّار بن سيف ؛ أو سيف بن محمّد ، أو محمّد بن جابر ، فرواه عن عاصم مرسلا لأن الحسن بن الرّبيع لم يذكر عنه الخبر فيه ، والله أعلم.

٦١

وممن رواه عن الثوري وأوردنا حديثه عنه : إسماعيل بن أبان وهو أبو إسحاق الغنوي ـ وله روايات عن هشام بن عروة ، وعبد الملك بن جريج ، وقد ذكره محمّد ابن إسماعيل البخاريّ. فقال ما :

أخبرنا أبو الحسين محمّد بن الحسين بن محمّد بن الفضل القطّان قال أنبأنا على ابن إبراهيم المستملي قال أخبرني محمّد بن إبراهيم بن شعيب الغازي (١) قال سمعت محمّد بن إسماعيل البخاريّ يقول : إسماعيل بن أبان متروك وهو أبو إسحاق الكوفيّ (٢).

قال الشيخ أبو بكر : وفي رواة الكوفيّين أيضا إسماعيل بن أبان آخر إلا أنه أزدي ، وهو دون الغنوي في الطبقة ، يروي عن أبي أويس وجندل بن على وكان ثقة حدّث عنه البخاريّ في كتابه الصحيح.

وأما عبد العزيز بن أبان : فقد ذكرنا كلام أحمد بن حنبل فيه.

وأخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن محمّد بن إبراهيم الأشناني بنيسابور قال سمعت أبا الحسن أحمد بن محمّد بن عبدوس الطوائفي يقول سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول سمعت يحيى بن معين يقول : عبد العزيز بن أبان القرشيّ ليس بثقة. قيل : من أين جاء ضعفه؟ قال : كان يأخذ حديث الناس فيرويه.

وإسماعيل بن نجيح : هو إسماعيل بن عمرو بن نجيح البجليّ نسب في الرواية إلى جده ، وهو صاحب غرائب ومناكير عن سفيان الثوري وعن غيره.

أخبرني أحمد بن عبد الواحد الوكيل قال أنبأنا أحمد بن الفرج الورّاق قال نبأنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد قال : إسماعيل بن عمرو ضعيف ذاهب.

وأما عبيد الله بن سفيان الغداني فإنه بصري يعرف بابن رواحة وقد ذكره يحيى ابن معين.

أخبرني أبو بكر البرقانيّ قال حدّثني محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الملك الآدمي قال نبأنا محمّد بن على الإياديّ قال نبأنا زكريّا بن يحيى الساجي. قال : أبو سفيان الصّوّاف كان يقال له ابن رواحة ، عن ابن عون هو بصري قدم بغداد

__________________

(١) في الأصل : «العازي» وما أثبتناه عن الأنساب.

(٢) قاله البخاري في الضعفاء الصغير ١ / ٣٦.

٦٢

فحدّثهم ، ما سمعت أحدا من مشايخنا بالبصرة حدّث عنه. قال يحيى بن معين : أبو سفيان الصّوّاف كذاب.

وأما حديث عبد الرّزّاق بن همّام عن الثوري. قال : رواية أحمد بن محمّد بن عمر اليمامي تفرد بروايته عن عبد الرّزّاق وليس بمحل الحجة.

أخبرنا أبو سعيد الماليني فيما أذن لنا أن نرويه عنه قال أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ. قال : أحمد بن محمّد بن عمر اليمامي حدّث بأحاديث مناكير عن ثقات ، وحدّث بنسخ وعجائب.

أخبرني إسحاق بن إبراهيم. قال : ذكرت اليمامي هذا لعبيد الكشوري فقال : هو فينا كالواقدي فيكم.

قال الشيخ أبو بكر : والواقدي عند أئمة أهل النقل ذاهب الحديث.

***

بقية الأخبار التابعة لحديث أبي عثمان عن جرير لكونها في معناه :

حدّثنا أبو بكر البرقانيّ من كتابه قال قرئ على الحسين بن على التّميميّ وأنا أسمع حدثكم زنجويه بن محمّد اللباد قال نا سهل بن محمّد بن يعيش الختّليّ العسكريّ أبو السري قال نا عمر بن يحيى قال نا سفيان عن قيس بن مسلم عن ربعي بن خراش عن حذيفة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تكون وقعة بين زوراء». قالوا : وما الزوراء يا رسول الله؟ قال : «مدينة بين أنهار في أرض جوخي ، يسكنها جبابرة أمتي ، تعذب بأربعة أصناف : بخسف ، ومسخ ، وقذف (١)». قال البرقانيّ : ولم يذكر الرابع.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا شجاع بن جعفر الأنصاريّ قال نا محمّد بن زكريّا الغلابي قال نا محمّد بن عبد الرّحمن بن القاسم التّيميّ قال نا أبي عن يحيى ابن عبد الله بن حسن عن أبيه عن حسن بن حسن عن محمّد بن الحنفية.

قال : وحدّثني عثمان بن عمران العجيفي عن نائل بن نجيح عن عمرو بن شمر عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه. قالا : قال على بن أبي طالب سمعت حبيبي محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق ، بين دجلة

__________________

(١) انظر الحديث في : كنز العمال ٣٨٧٢٦. والحاوي للسيوطي ٢ / ١٥٩.

٦٣

ودجيل وقطربّل والصّراة ، يشيد فيها بالخشب والآجر والجص والذهب ، يسكنها شرار خلق الله وجبابرة أمتي ، أما إن هلاكها على يد السفياني كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها» (١).

أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن محمّد بن موسى.

وأخبرنا الحسن بن على الجوهريّ قال أنبأنا محمّد بن العبّاس قال أنبأنا أحمد بن جعفر بن المنادي قال : ذكر في إسناد شديد الضعف عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشّيباني عن أبي قيس عن على بن أبي طالب أنه قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تكون مدينة بين الفرات ودجلة يكون فيها ملك بني العبّاس ، وهي الزوراء ، يكون فيها حرب مقطعة يسبى فيها النساء ويذبح فيها الرجال كما تذبح الغنم». قال أبو قيس فقيل لعلي : يا أمير المؤمنين لم سماها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الزوراء؟ قال : «لأن الحرب تدور في جوانبها حتى تطبقها» (٢).

أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال نا سليمان بن أحمد بن أيّوب الطبراني قال نا عبد الرّحمن بن حاتم أبو زيد المرادي قال نا نعيم بن حمّاد قال نا أبو عمر ـ صاحب لنا من أهل البصرة ـ عن ابن لهيعة عن الوهّاب بن حسين عن محمّد بن ثابت عن أبيه عن الحارث عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا عبر السّفياني الفرات ، وبلغ موضعا يقال له عاقرقوفا ، محا الله الإيمان من قلبه ، فيقتل بها إلى نهر يقال له الدجيل سبعين ألفا متقلدين سيوفا محلاة ، وما سواهم أكثر منهم ، فيظهرون على بيت الذهب فيقتلون المقاتلة والأبطال ويبقرون بطون النساء يقولون لعلها حبلى بغلام ، وتستغيث نسوة من قريش على شاطئ دجلة إلى المارة من أهل السفن يطلبن إليهم أن يحملوهن حتى يلقوهن إلى الناس فلا يحملوهن بغضا ببني هاشم ؛ فلا تبغضوا بني هاشم فإن منهم نبي الرحمة ومنهم الطيار في الجنة ، فأما النساء فإذا جنهن الليل أوين إلى أغورها مكانا مخافة الفساق ، ثم يأتيهم المدد من البصرة حتى يستنقذوا ما مع السّفياني من الذراري والنساء من بغداد والكوفة (٣)».

أخبرنا أبو القاسم على بن محمّد بن عيسى البزّار قال أنبأنا على بن محمّد بن

__________________

(١) انظر الحديث في : الموضوعات لابن الجوزي ٢ / ٦١. واللآلئ المصنوعة ١ / ٢٤٧. وكنز العمال ٣١٠٣٨.

(٢) انظر الحديث في : اللآلئ المصنوعة ١ / ٢٤٨. وكنز العمال ٣١٠٤١.

(٣) انظر الحديث في : تنزيه الشريعة ٢ / ٣٥٠.

٦٤

أحمد المصري قال نبأنا عبد الملك بن يحيى بن عبد الله بن بكير أبو الوليد قال نبأنا أبو يحيى بن عبد الله بن بكير قال : حدّثني الهقل بن زياد قال : حدّث أبو أسماء الرحبي أنه سمع ثوبان يحدّث قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يخرج السّفياني حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين جيشا إلى المدينة خمسة عشر ألفا ينتهبون المدينة ثلاثة أيام ولياليهن ثم يسيرون متوجهين إلى مكة». وذكر الحديث وقال : «ثم يسير جيشه الآخر في ثلاثين ألفا وعليهم رجل من كلب حتى يأتوا بغداد ، فيقتلون بها ثلاثمائة كبش من ولد العبّاس ، ويبقرون بها ثلاثمائة امرأة». قال ثوبان : فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «وذلك بما قدمت أيديهم وما الله بظلام للعبيد». فيقتلون ببغداد أكثر من خمسمائة ألف (١)». وذكر حديثا في الملاحم طويلا كتبنا منه هذا.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال نبأنا سليمان بن أحمد الطبراني قال نبأنا أبو زيد عبد الرّحمن بن حاتم المرادي قال نبأنا نعيم بن حمّاد قال نبأنا عبد القدوس ـ يعني ابن الحجّاج ـ عن أرطأة بن المنذر عمن حدّثه عن ابن عبّاس ، أنه أتاه رجل وعنده حذيفة فقال : يا ابن عبّاس قول الله تعالى : (حم عسق)؟. فأطرق ساعة وأعرض عنه ، ثم كررها فلم يجبه بشيء فقال حذيفة : أنا أنبئك قد عرفت لم كرهها ، إنما نزلت في رجل من أهل بيته يقال له : عبد الإله أو عبد الله ، ينزل على نهر من أنهار المشرق يبنى عليه مدينتان يشق النهر بينهما شقّا يجتمع فيهما كل جبار عنيد. قال أرطأة عن كعب : إذا بنيت مدينة على شاطئ الفرات ثمّ أتتكم القواصل والقواصم ، وإذا بنيت مدينة بين النهرين بأرض منقطعة من أرض العراق أتتكم الدهيماء.

أخبرنا أبو نعيم قال نبأنا أبو القاسم الطبراني قال نبأنا أبو زيد عبد الرّحمن بن حاتم قال نبأنا نعيم بن حمّاد قال نبأنا نوح بن أبي مريم عن مقاتل بن سليمان عن عطاء عن عبيد بن عمير عن حذيفة أنه سئل عن : (حم عسق) وعمر وعلي وابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عبّاس وعدة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حضور. فقال حذيفة : العين : عذاب ، والسين : السنة والمجاعة ، والقاف : قوم يقذفون في آخر الزمان. فقال له عمر : ممن هم؟ قال : من ولد العبّاس في مدينة يقال لها الزوراء ، ويقتل فيها مقتلة عظيمة وعليهم تقوم الساعة. قال ابن عبّاس : ليس ذلك فينا. ولكن القاف : قذف وخسف يكون. قال عمر لحذيفة : أما أنت فقد أصبت التفسير ، وأصاب ابن

__________________

(١) انظر الحديث في : المستدرك ٤ / ٥٢٠. والدر المنثور ٥ / ٢٤١. وكنز العمال ٣٨٦٩٨.

٦٥

عبّاس المعني ، فأصابت ابن عبّاس الحمى حتى عاده عمر وعدة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما سمع من حذيفة.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمّد بن عبد الله بن زياد القطّان قال نبأنا محمّد بن غالب قال نبأنا غسان بن المفضل قال نبأنا آدم بن عيينة أخو سفيان بن عيينة قال أخبرني سفيان بن عيينة. قال : رآني قيس بن الرّبيع على قنطرة الصراة. فقال : النجا النجا ، فإنا كنا نتحدّث أن هذا المكان الذي يخسف به. قال سفيان : ورآني أبو بكر الهذلي ببغداد. فقال : بأي ذنب دخلت بغداد؟.

أخبرنا محمّد بن على الورّاق وأحمد بن على المحتسب. قالا : أنبأ محمّد بن جعفر التّميميّ قال نا الحسن بن محمّد السكوني قال نا محمّد بن خلف قال حدّثني محمّد بن الحسين الوادعي قال نا صدقة بن سبرة ـ أبو وعلة المرهبي في بني مرهبة ـ قال نا الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حرب : أنه بعثه ابن هبيرة إلى أهل بغداد وهي خربة قبل أن تكون ، فنزل على موضع يقال له العقر وعنده قوم من أهل بغداد ، فجاء رجل حتى وقف على فرس له على دجلة من ذلك الجانب فأقحم فرسه الماء فشق الماء شقّا حتى وقف على العقر. فقال : لعنك الله من قرية ، ما أجمعك لخبيث البلدان! وأجمعك للمال الحرام! وأسفكك للدم الحرام. ثم إنه غاب بفرسه فذهب في الأرض. قال سماك : وا لهفتاه ، ألا سألته أي قرية هي؟ ثم انصرف سماك إلى ابن هبيرة فأخبره ثم عاد من قابل ، فجاء ذلك الرجل حتى قال ذلك القول ثم غاب في الماء فذهب ، حتى إذا كانت الثالثة رجع الرجل فصنع صنيعه الأول ، فوثب إليه سماك حتى تعلق بدابته فقال : يا عبد الله أي قرية هذه؟ قال : بغداد ، أما أنه سيصيبها خسف ومسخ ، فخرج سماك عنها وما يرى إلا أنه سيصيبه بعض ما قال الرجل.

قال الشيخ الإمام أبو بكر : وكل هذه الأحاديث التي ذكرناها واهية الأسانيد عند أهل العلم والمعرفة بالنقل ، لا يثبت بأمثالها حجة ، وأما متونها فإنها غير محفوظة ؛ إلا عن هذه الطرق الفاسدة وأمرها إلى الله العالم بها لا معقب لأمره ، ولا راد لحكمه ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

قرأت على محمّد بن الحسين القطّان عن دعلج بن أحمد السجستاني قال أنبأنا محمّد بن على الأبّار.

ثم أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن محمّد بن موسى.

٦٦

وأخبرنا الحسن بن على الجوهريّ قال أنبأنا محمّد بن العبّاس قال أنبأنا أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي قال حدّثني هارون بن على بن الحكم المزوق.

قال الأبّار : نا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ قال نا خضر بن اليسع البصريّ عن مسعدة بن اليسع عن أبي يعقوب الإسرائيلي ـ وكان قد قرأ الكتب أنه قيل له : ما بال بغداد لا تكاد ترى فيها إلا مستعجلا؟ فقال : لأنها قطعة من بابل فهي تبلبل بأهلها. واللفظ لحديث هارون. قال أبو الحسين بن المنادي : فنظرنا ما في كلام هذا الإسرائيلي فإذا هو كلام لا يصح في المعتبر ، وذلك لأن الناس في سائر البلدان يبادرون في حوائجهم غدوا ، ويبادرون الانقلاب إلى أهليهم رواحا ، لأن طرفي النهار يوجبان ذلك ضرورة ، فبابل كغيرها من البلدان الآهلة بلا فرق.

أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الماليني قراءة عليه قال أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ قال سمعت محمّد بن نوح الجنديسابوري بمصر يقول سمعت محمّد بن عثمان العبسي يقول سمعت يحيى بن معين يقول : ما رأيت الكذب أنفق منه ببغداد.

قال الشيخ أبو بكر : إنما قال يحيى هذا القول تنبيها على أن البغداديّين أرغب الناس في طلب الحديث ، وأشدهم حرصا عليه ، وأكثرهم كتبا له ، وليس يعيب طالب الحديث أن يكتب عن الضعفاء والمطعون فيهم ، فإن الحفاظ ما زالوا يكتبون الروايات الضعيفة ، والأحاديث المقلوبة ، والأسانيد المركبة ، لينقروا عن واضعيها ، ويبينوا حال من أخطأ فيها. وقد حفظ عن يحيى بن معين كلام في نحو هذا المعنى ، من ذلك :

ما حدّثني به الحسن بن أبي طالب قال أنبأنا محمّد بن عبد الله بن المطّلب الشّيباني قال حدّثني أبو ذر محمّد بن يوسف بن عبيد الفقيه بورثان قال حدّثني العبّاس بن محمّد بن حاتم قال قال يحيى بن معين : إذا كتبت فقمش ، وإذا حدّثت ففتش.

وأخبرنا أبو سعد الماليني قال أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال نا محمّد بن أحمد بن خالد بن يزيد قال نا عصام بن داود قال سمعت يحيى بن معين يقول : وأي صاحب حديث لا يكتب عن كذاب ألف حديث؟.

أخبرني أبو الحسين محمّد بن بكر بن عثمان البصريّ وحدّثني نصر بن إبراهيم الفقيه ببيت المقدس عنه أنبأنا أحمد بن محمّد بن عبد الله بن رزيق المخزوميّ نا

٦٧

الحسن بن رشيق نا أحمد بن محمّد بن حكيم الصدفي قال سمعت الحسن بن عرفة يقول : من لم يوثقه أهل بغداد فقد سقط ، هم جهابذة العلم.

قال الشيخ : وأهل بغداد موصوفون بحسن المعرفة والتثبت في أخذ الحديث وآدابه وشدة الورع في روايته ، اشتهر ذلك عنهم وعرفوا به ؛ حتى قال إسماعيل بن عليّة فيما :

أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمّد بن حسنويه الأصبهانيّ بها قال نبأنا القاضي أبو بكر محمّد بن عمر بن سالم الحافظ قال حدّثني عبد الله بن محمّد بن سعيد بن زياد قال نبأنا زياد بن أيّوب. قال سمعت ابن عليّة يقول : ما رأيت أحسن رغبة في طلب الحديث من أهل بغداد؟

وقال ابن عيينة : فيما أخبرنا أبو سعيد الماليني قال أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ قال نبأنا محمّد بن سعيد الحراني قال نبأنا محمّد بن على بن ميمون قال سمعت أبي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : شبان البغداديّين أورع ، أو خير من شبان من البصرة والكوفة.

وهذا قاله سفيان مع صحة رواية البصريّين ، الذين ما زالوا بالتحفظ والورع معروفين ، وأما أهل الكوفة وأهل خراسان أيضا ، فلهم من الأحاديث الموضوعة والأسانيد المصنوعة نسخ كثيرة. وقلّ ما يوجد بحمد الله في محدثي البغداديّين ما يوجد في غيرهم من الاشتهار بوضع الحديث والكذب في الرواية ، اختصاصا لهم وتوفيقا من الله الكريم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

***

باب المحفوظ من مناقب بغداد وفضلها

وذكر المأثور من محاسن أخلاق أهلها

قال أخبرنا (١) أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد الفقيه وأبو محمّد الحسن بن على بن الجوهريّ. قالا : نا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال نا أبو بكر الصولي قال أخبرنا سيدنا الشريف الأجل السيد الخطيب مستخص الدولة ونسيبها ذو الشرفين أبو القاسم على بن الشريف القاضي مستخص الدولة وعمادها ذي الشرفين أبي الحسين

__________________

(١) «أخبرنا سيدنا الشريف الأجل .....» «.... من كتابه ونحن نسمع» وضعت في المطبوعة في هامش الكتاب.

٦٨

إبراهيم بن العبّاس الحسيني رضي‌الله‌عنه وأرضاه وأخبرنا الأستاذ أبو الفضائل الحسن ابن الحسن بن أحمد الكلابي رضي‌الله‌عنه قراءة عليه وأنا أسمع في يوم الخميس التاسع من شوال سنة أربع وخمسمائة بدمشق. قالا : حدّثنا الشيخ الحافظ الإمام الأوحد الثقة السيد أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادي رضي‌الله‌عنه وأرضاه بقراءته علينا من كتابه ونحن نسمع.

نا أبو خليفة قال نا محمّد بن سلام قال سمعت أبا الوليد يقول : قال لي شعبة : أدخلت بغداد؟ قلت : لا : قال : فكأنك لم تر الدّنيا (١).

حدّثني عبد العزيز بن على الورّاق قال سمعت محمّد بن أحمد بن يعقوب الجرجرائي يقول سمعت أحمد بن يوسف بن موسى يقول سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول. قال لي محمّد بن إدريس : يا يونس دخلت بغداد؟ قلت : لا : قال : يا يونس ما رأيت الدّنيا ، ولا رأيت الناس (٢).

أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمّد بن عبد الله بن حسنويه الكاتب بأصبهان قال نا القاضي أبو بكر محمّد بن عمر الحافظ قال حدّثني أحمد بن عبد العزيز قال نا عمر ابن شبّة قال نبأنا عبد الواحد بن غياث. قال : أرسل إلى سعيد بن سلم ببغداد فأتيته فقال حدّثني يزيد بن مزيد : أنه كان يسامر الرشيد : فقال له : يا أعرابي هل لك في هذه السكة دار؟ قلت : لا : قال : اتخذ فيها دارا فإنها سكة الدّنيا.

بلغني عن أحمد بن أبي طاهر. قال : قيل لرجل : كيف رأيت بغداد؟ قال : الأرض كلها بادية ، وبغداد حاضرتها.

أخبرنا محمّد بن على بن محمّد الورّاق قال أنبأنا أحمد بن محمّد بن عمران قال نبأنا عبد الباقي بن قانع قال نبأنا خلف بن عمرو العكبري قال سمعت ابن عائشة يقول : ما رأيت أحسن من تلطف أصحاب الحديث ببغداد للحديث.

أخبرنا عمر بن إبراهيم الفقيه والحسن بن على الجوهريّ قالا : نبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال نبأنا الصولي قال نبأنا أبو خليفة قال نبأنا محمّد بن سلام. قال سمعت ابن عليّة يقول : ما رأيت قوما أعقل في طلب الحديث من أهل بغداد.

قرأت على محمّد بن الحسين القطّان عن دعلج بن أحمد قال نبأنا خلف بن عمرو العكبري قال نبأنا محمّد بن عبد المجيد قال نبأنا ابن عليّة قال :

__________________

(١) انظر الخبر في : المنتظم ، لابن الجوزي ٨ / ٨٣.

(٢) انظر الخبر في : المنتظم ، لابن الجوزي ٨ / ٨٤.

٦٩

أخبرنا رضوان بن محمّد بن الحسن الدّينوريّ قال نبأنا أبو عبد الله محمّد بن على ابن أحمد بن مهديّ بواسط قال نبأنا ابن شوذب المقرئ قال نبأنا جعفر بن محمّد ابن عامر قال نبأ أحمد بن عبد الحميد قال سمعت ابن عليّة يقول : ما رأيت قوما أحسن رغبة ، ولا أعقل لطلب الحديث من أهل بغداد.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق البزّار قال نا أبو بكر محمّد بن يوسف الصّوّاف ـ إملاء من لفظه من كتابه ـ قال نبأنا بكر بن أحمد التنيسي قال نبأنا محمّد بن على ابن ميمون الرّقي قال سمعت أبي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : شباب البغداديّين ، أحسن رغبة من شباب البصريين والكوفيّين.

أخبرنا عمر بن إبراهيم الفقيه ، والحسن بن على الجوهريّ ، وعليّ بن أبي على المعدّل قالوا : نا محمّد بن العبّاس قال نا الصولي قال نا أبو ذكوان قال حدّثني من سمع الشّافعيّ يقول : ما دخلت بلدا قط إلا عددته سفرا ؛ إلا بغداد فإني حين دخلتها عددتها وطنا.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن إبراهيم الخفّاف قال نبأنا أبو الحسن على بن أحمد الصّوفيّ الواسطيّ ـ في مجلس ابن مالك القطيعي ـ قال سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول : وأخبرنا عبد العزيز بن على الورّاق قال نا يوسف بن عمر القوّاس قال نبأ على بن أحمد الواسطيّ قال : سمعت ابن مجاهد المقرئ إمام الزمان قال : رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له : ما فعل الله بك؟ فقال لي : دعني مما فعل الله بي ، من أقام ببغداد على السّنة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة.

أخبرنا على بن محمّد بن عيسى البزّار ـ فيما أذن أن نرويه عنه ـ قال نا محمّد بن عمر بن سالم القاضي قال سمعت عمر بن أيّوب بن مالك يقول سمعت أبا معمر الهذلي يقول : قلت لرجل من أهل الكوفة : خير موضع بالكوفة أين هو؟ قال : مسجد الجامع. قلت : وسوء موضع عندنا دار البطيخ ، فلو قال رجل في خير موضع عندكم رحم الله عثمان قتل ، ولو قال في سوء موضع عندنا لا رحم الله معاوية قتل ؛ فشر موضع عندنا خير من خير موضع عندكم.

حدّثنا أبو طالب يحيى بن على بن الطّيّب الدسكري ـ لفظا بحلوان ـ قال أنبأنا أبو بكر المقرئ بأصبهان قال أنبأنا أحمد بن عبيد بن الأصبغ الحراني قال نبأنا بشر بن موسى قال نبأنا سعيد بن منصور قال سمعت ابن المبارك يقول : من أراد الشهادة فليدخل دار البطيخ بالكوفة ، وليقل : رحم الله عثمان بن عفان.

٧٠

أخبرنا عمر بن إبراهيم الفقيه والحسن بن على الجوهريّ وعليّ بن أبي على. قالوا : نا محمّد بن العبّاس قال نا أبو بكر الصولي قال نا القاسم بن إسماعيل قال نا أبو محلم قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول : الإسلام ببغداد ، وإنها لصيادة تصيد الرجال ، ومن لم يرها لم ير الدّنيا (١).

قرأت في كتاب أبي الحسن الدّارقطنيّ بخطه أنبأنا الحسن بن رشيق قال نبأنا على ابن سعيد بن بشير قال نبأنا عثمان بن أبي شيبة قال نبأنا أبو محمّد نجاد قال سمعت أبا معاوية ذكر بغداد فقال : هي دار دنيا وآخرة.

سمعت القاضي أبا القاسم على بن المحسن التّنوخيّ يقول : كان يقال من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد ، وصلاة التراويح بمكة ، ويوم العيد بطرسوس.

قال الشيخ الإمام أبو بكر : من حضر الجمعة بمدينة السّلام عظّم الله في قلبه محل الإسلام ، لأن شيوخنا كانوا يقولون : يوم الجمعة ببغداد كيوم العيد في غيرها من البلاد.

وسمعت أبا الحسين على بن محمّد بن عبد الله بن بشران المعدّل يقول حدّثني من سمع أبا بكر بن الصلت يقول : كنت أصلي صلاة الجمعة في جامع المدينة فانقطعت عن ذلك جمعة لعارض عرض لي ؛ فرأيت في تلك الليلة في المنام كأن قائلا يقول لي : تركت الصلاة في جامع المدينة ، وإنه ليصلي فيه كل جمعة سبعون وليّا لله عزوجل.

أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال أنبأنا أبو عمر محمّد بن عبد الواحد الزاهر قال أخبرني السّعدي ـ يعني على بن أحمد ـ عن عبد الله الرملي قال : حدّثني صديق لي عن صديق له من الصّالحين قال : أردت الانتقال من بغداد إلى بلد آخر ، فأريت في منامي أتنتقل من بلد فيه عشرة آلاف ولي لله عزوجل؟ قال : فجلست ولم أنتقل من بغداد.

أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي قال أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرّحمن الزّهريّ قال قرأت في كتاب أبي حدّثني أبو بكر حمزة قال : كتب إلى صديق لي من حلوان ، إني رأيت فيما يرى النائم كأن ملكين أتيا ببغداد فقال أحدهما للآخر : اقلبها فقد حق القول عليها. فقال له الآخر : كيف أقلبها وقد ختم الليلة فيها خمسة آلاف ختمة؟

__________________

(١) انظر الخبر في : المنتظم ، لابن الجوزي ٨ / ٨٤.

٧١

قال الشيخ : وعلى ذكر الجمعة ببغداد :

حدّثني أبو الحسين هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال الكاتب قال : حدّثني وشاح مولى القاضي أبي تمام الزينبي في مسجد جامع المنصور يوم الجمعة ـ وقد تجارينا ذكر من دخل المقصورة وقلة عددهم فيما عهد قديما منهم : أن القاضي أبا تمام كان يصلي في أيام الجمع على باب داره الراكبة لدجلة بباب خراسان ، والصفوف مادة من المسجد إلى ذلك المكان ، والصلاة قائمة بمكبرين ينقلون التكبير عند الركوع والسجود والنهوض والقعود. قال وقال لي وشاح أيضا : كان على أبواب المقصورة بوابون بثياب سواد يمنعون من دخول أحد إليها إلا من كان من الخواص المتميزين بالأقبية السود ، وإنه حضر في يوم جمعة بدراعة يتبع القاضي أبا تمام فرد حتى مضى ولبس القباء ، وكان هذا رسما جاريا مأخوذا به في سائر مقاصير الجوامع. وقد بطل الآن ذلك فليس يلبس السواد والقباء سوى الخطيب والمؤذنين.

قال لي هلال بن المحسن وحدّثني أبو الحسين محمّد بن الحسن بن محفوظ قال : كنت أمضي مع والدي إلى المسجد الجامع بالمدينة لصلاة الجمعة ، فربما وصلنا إلى باب خراسان في دجلة وقد ضاق الوقت وقامت الصلاة وامتدت الصفوف إلى الشاطئ ، فنصعد ونفرش إلى الشميزية ونصلي.

قال هلال : وأذكر وأنا أحبو وذاك في أيام الملك عضد الدولة وقد حملني خادم كان يلازمني ويحفظني في يوم جمعة لمشاهدة أناس في اجتماعهم وليصلي هو معهم ، فوقف عند الباب الجديد من شارع الرصافة والصفوف ممتدة في المسجد الجامع بالرصافة إلى هذا الموقع ، ومسافة ما بينها كمسافة ما بين المسجد الجامع بالمدينة ودجلة.

قرأت على أبي بكر أحمد بن محمّد بن أحمد بن جعفر اليزدي بأصبهان عن أبي شيخ عبد الله بن محمّد بن جعفر بن حيّان قال حدّثني أبو الحسن البغداديّ قال قال إبراهيم بن عبد الله : جئت أنا وأبي إلى أبي عثمان الجاحظ في آخر عمره. فقال : جئت إلى شق مائل ، ولعاب سائل ، الأمصار عشرة ، فالصناعة بالبصرة ، والفصاحة بالكوفة ، والخير ببغداد ، والغدر بالري ، والحسد بهراة ، والجفاء بنيسابور ، والبخل بمرو ، والطرمذة بسمرقند ، والمروءة ببلخ ، والتجارة بمصر (١).

__________________

(١) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٧١.

٧٢

أخبرني القاضي أبو القاسم على بن المحسن التّنوخيّ قال أخبرني أبي قال قال أبو القاسم بزياش بن الحسن الديلمي ـ وهو شيخ لقيته ببغداد يتعلق بعلوم فصيح بالعربية : سافرت الآفاق ، ودخلت البلدان من حد سمرقند إلى القيروان ، ومن سر نديب إلى بلد الروم ، فما وجدت بلدا أفضل ولا أطيب من بغداد. قال : وكان سبكتكين حاجب معز الدولة ـ المعروف بالحاجب الكبير ـ آنسا بي ، فقال لي يوما : قد سافرت الأسفار الطويلة ، فأي بلد وجدت أطيب وأفضل؟ فقلت له : أيها الحاجب إذا خرجت من العراق ، فالدّنيا كلها رستاق (١).

حدّثني أبو القاسم عبيد الله بن على الرقي ـ وكان أحد الأدباء ـ قال : أخذ أبو العلاء المعري وهو ببغداد يوما يدي فغمزها ، ثم قال لي : يا أبا القاسم هذا بلد عظيم ، لا يأتي عليك يوم وأنت به إلا رأيت فيه من أهل الفضل من لم تره فيما تقدم (٢).

حدّثني عبد العزيز بن على قال سمعت على بن عبد الله الهمداني بمكة يقول نبأنا على بن محمّد الفاني الورّاق (٣) قال حدّثني أبو الحسين المالكيّ قال حدّثني عبيد الله ابن محمّد التّميميّ قال : سمعت ذا النون يقول بمصر : من أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد. قيل له : وكيف ذاك؟ فقال : لما حملت إلى بغداد رمى بي على باب السلطان مقيدا ، فمر بي رجل متزر بمنديل مصري ، معتم بمنديل ديبقي ، بيده كيزان خزف رقاق وزجاج مخروط. فسألت : هذا ساقي السلطان؟ فقيل لي : لا هذا ساقي العامة ، فأومأت إليه : اسقني ، فتقدم وسقاني فشممت من الكوز رائحة مسك ، فقلت لمن معي : ادفع إليه دينارا فأعطاه الدينار فأبى. وقال : ليس آخذ شيئا. فقلت له : ولم؟ فقال : أنت أسير وليس من المروءة أن آخذ منك شيئا. فقلت : كمل الظرف في هذا (٤).

أخبرنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن عثمان الدمشقي في كتابه إلينا قال : أنبأنا أبو الميمون عبد الرّحمن بن عبد الله بن عمر البجليّ قال نبأنا أبو زرعة عبد الرّحمن بن عمرو النّصري (٥) قال نا أبو مسهر قال نا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى قال : إذا كان علم الرجل حجازيّا ، وخلقه عراقيّا ، وطاعته شامية ، فقد كمل (٦).

__________________

(١) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٨٤ ، ٨٥.

(٢) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٨٥.

(٣) في المنتظم : «القاضي».

(٤) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٨٤.

(٥) في المطبوعة والأصل : «البصري» تصحيف.

(٦) انظر الخبر في : تاريخ أبي زرعة ص ٣٦ ب مخطوط.

٧٣

أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن محمّد بن موسى. وأخبرنا الحسن ابن على الجوهريّ قال أنبأنا محمّد بن العبّاس قالا : قال أبو الحسين أحمد بن جعفر ابن المنادي : ثم إن بغداد سميت حين سكنت مدينة السّلام ، فليس في الأرض مدينة على هذا الاسم غيرها ، وكان بعض إخواننا إذا ذكرها يقرأ قول الله : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ ١٥].

قال أبو الحسين : هذا إلى تركنا ذكر أشياء كثيرة من مناقبها التي أفردها الله بها دون سائر الدّنيا شرقا وغربا ، وبين ذلك من الأخلاق الكريمة ، والسجايا المرضية ، والمياه العذبة الغدقة ، والفواكه الكثيرة الدمثة ، والأحوال الجميلة ، والحذق في كل صنعة ، والجمع لكل حاجة ، والأمن من ظهور البدع ، والاغتباط بكثرة العلماء والمتعلمين ، والفقهاء ، والمتفقهين ، ورؤساء المتكلمين ، وسادة الحسّاب والنّحويّة ، ومجيدي الشعراء ، ورواة الأخبار والأنساب وفنون الآداب ، وحضور كل طرفة ، واجتماع ثمار الأزمنة في زمن واحد ؛ لا يوجد ذلك في بلد من مدن الدّنيا إلا بها ، سيما زمن الخريف ، ثم إن ضاق مسكن بساكن وجد خيرا منه ، وإن لاح له مكان أحب إليه من مكانه لم تعذر عليه النقلة إليه من أي جانب من جانبيه أراده ومن أي طرف من أطرافه خف عليه ، ومتى هرب أحد من خصمه وجد من يستره في قرب أو بعد ، وإن آثر أن يستبدل دارا بدار أو سكة بسكة أو شارعا بشارع أو زقاقا بزقاق فغير ذلك من التبديل اتسع له الإمكان في ذلك حسب الحالة والوقت ، ثم عيون التجار المجهزين ، والسلاطين المعظمين ؛ وأهل البيوتات المبجلين ؛ في ناحية ناحية ، تنبعث الخيرات بهم إلى الذين هم في الحال دونهم غير منقطع ذلك ، ولا مفقود ، فهي من خزائن الله العظام التي لا يقف على حقيقتها إلا هو وحده. ثم هي مع ذلك منصورة محبورة ، كلما ظن عدوّ الإسلام أنه فائز باستئصال أهلها كبته الله وكبه لمنخريه واستؤصلت قدرته بما ليس في تقدير الخلق أجمعين ، فضلا من الله ونعمة ، والله ذو الفضل العظيم.

أخبرني أحمد بن محمّد بن أحمد بن يعقوب الكاتب قال حدّثني جدي محمّد ابن عبيد الله بن الفضل بن قفرجل قال نبأنا محمّد بن يحيى النديم قال نبأنا عون بن محمّد قال نبأنا سعيد بن هرثم قال : قالت زبيدة لمنصور النمري : قل شعرا تحبب فيه بغداد إلى أمير المؤمنين الرشيد ، فقد اختار عليها الرافقة (١) فقال :

__________________

(١) الرافقة : هي الرقة ، مدينة من الجزيرة على الفرات.

٧٤

ما ذا ببغداد من طيب الأفانين

ومن منارة للدنيا وللدين

تحيي الرياح بها المرضى إذا نسمت

وجوشت بين أغصان الرياحين

قال : فأعطته ألفي دينار.

أنشدنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن غالب البرقانيّ قال أنشدنا أبو نصر الشاشي لأبي قاسم الشّاعر الورّاق :

أعاينت في طول من الأرض والعرض

كبغداد دارا إنها جنة الأرض

صفا العيش في بغداد واخضر عوده

وعود سواه غير صاف ولا غض

تطول بها الأعمار إن غذاءها

مريء وبعض الأرض أمرا من بعض

هذا القدر أنشدنا البرقانيّ من هذه الأبيات ، وهي أكثر من هذه وقائلها عمارة بن عقيل ولها خبر سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.

أنشدنا القاضي أبو القاسم على بن المحسن التّنوخيّ قال أنشدنا أبو على الهائم قال : أنشدنا السري بن أحمد الرفاء الموصليّ لنفسه من أبيات :

إذا سقى الله منزلا فسقى

بغداد ما حاولت من الديم

يا حبذا صحبة العلوم بها

والعيش بين اليسار والعدم

وأنشدنا التّنوخيّ قال أنشدنا أبو سعد محمّد بن على بن محمّد بن خلف الهمداني لنفسه :

فدى لك يا بغداد كل قبيلة

من الأرض حتى خطتي ودياريا

فقد طفت في شرق البلاد وغربها

وسيرت رحلي بينها وركابيا

فلم أر فيها مثل بغداد منزلا

ولم أر فيها مثل دجلة واديا

ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا

وأعذب ألفاظا وأحلى معانيا

وكم قائل لو كان ودك صادقا

لبغداد لم ترحل فكان جوابيا

يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم

وترمي النوى بالمقترين المراميا

قرأت في كتاب طاهر بن المظفر بن طاهر الخازن بخطه من شعره :

سقى الله صوب الغاديات محلّة

ببغداد بين الكرخ فالخلد فالجسر

هي البلدة الحسناء خصّت لأهلها

بأشياء لم يجمعن مذ كنّ في مصر

هواء رقيق في اعتدال وصحة

وماء له طعم ألذّ من الخمر

ودجلتها شطان قد نظّما لنا

بتاج إلى تاج وقصر إلى قصر

تراها كمسك والمياه كفضة

وحصباؤها مثل اليواقيت والدر

٧٥

حدّثنا القاضي أبو الحسن على بن محمّد بن حبيب الشّافعيّ البصريّ قال أنشد أبو محمّد البافي قول الشّاعر :

دخلنا كارهين لها فلما

ألفناها خرجنا مكرهينا

فقال : يوشك أن يكون هذا في بغداد ، وأنشد لنفسه في معنى ذلك وضمنه البيت :

على بغداد معدن كل طيب

ومغنى نزهة المتنزهينا

سلام كلما جرحت بلحظ

عيون المشتهين المشتهينا

دخلنا كارهين لها فلما

ألفناها خرجنا مكرهينا

وما حب الديار بنا ولكن

أمر العيش فرقة من هوينا

وحدّثنا على بن محمّد بن حبيب قال : كتب إليّ أخي من بغداد وأنا بالبصرة شعرا يتشوقني فيه يقول :

ولو لا وجد مشتاق

يقاسي فيكم جهدا

وما بالقلب من نار

إذا ما ذكركم جدّا

لقلنا قول مشتاق

إلى البصرة قد جدّا

شربنا ماء بغداد

فأنساناكم جدا

ولكن ذكركم أضحى

على الأيام مشتدا

فلا ننسى لكم ذكرا

ولا نطوي لكم عهدا

قال : وكتب إليّ أخي أيضا من البصرة وأنا ببغداد :

طيب الهواء ببغداد يشوقني

قدما إليها وإن عاقت معاذير

فكيف صبري عنها الآن إذ جمعت

طيب الهواءين ممدود ومقصور (٤)

***

ذكر نهري بغداد دجلة والفرات وما جعل الله فيهما

 من المنافع والبركات

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت الأهوازيّ قال أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن مخلد العطّار قال قرأت على العبّاس بن يزيد البحراني قلت حدّثكم مروان بن معاوية عن إدريس الأودي عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نهران من الجنة النيل والفرات» (٢).

__________________

(١) انظر الأبيات في : المنتظم ٨ / ٨٥.

(٢) انظر الحديث في : كنز العمال ٣٥٣٣٨.

٧٦

أخبرنا أبو الحسن محمّد بن عمر بن عيسى البلديّ قال نا أبو العبّاس عمرو بن هشام بن عمرو قال : قرئ على الحارث بن محمّد القنطري حدّثكم يزيد بن هارون.

وأخبرنا أبو الفتح محمّد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ، وأبو بكر محمّد بن أحمد بن يوسف الصياد أبو القاسم طلحة بن على بن الصّقر (١) الكتاني قالوا : أنبأنا أحمد بن يوسف بن خلاد العطّار قال نا الحارث بن محمّد قال نا يزيد بن هارون قال أنبأ محمّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فجزت أربعة أنهار من الجنة : الفرات والنبل وسيحان وجيحان» (٢).

أخبرنا أبو طالب محمّد بن على بن إبراهيم البيضاوي قال أنبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال أنبأنا ابن المجدر قال نا داود بن رشيد قال نا عبد الله بن جعفر أنبأنا عبيد الله بن عمر عن حبيب بن عبد الرّحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «النيل والفرات ودجلة وسيحان وجيحان من أنهار الجنة» (٣).

أخبرنا إبراهيم بن عبد الواحد بن محمّد بن الحباب الدلال قال أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشّافعيّ قال نبأنا محمّد بن أحمد بن برد قال نبأنا محمّد بن عيسى بن الطباع.

وأخبرنا أبو منصور محمّد بن عيسى بن عبد العزيز البزّار بهمذان ـ واللفظ له ـ قال نا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن الحسين الرّازيّ قال نا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن طرخان البلخيّ قال نا أحيد بن الحسين قرأت عليه أن محمّد بن حفص حدّثهم قال نبأنا الرّبيع بن بدر عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينزل في الفرات كل يوم مثاقيل من بركة الجنة» (٤).

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشميّ بالبصرة قال نا عبد الرّحمن بن أحمد الختلي قال حدّثني عبد الله بن محمّد بن على البلخيّ قال نا محمّد بن أبان قال : نا أبو معاوية عن الحسن بن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وليس في الأرض جنة إلا ثلاثة أشياء : غرس العجوة ، وأواق تنزل في الفرات كل يوم من بركة الجنة ، والحجر».

__________________

(١) في الأصل والمطبوعة : «بن الصفراء» والتصحيح من الأنساب للسمعاني ١٠ / ٣٥٤.

(٢) انظر الحديث في : مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٦١. والأحاديث الصحيحة ١١١. وكنز العمال ٣٥٣٣٤.

والبداية والنهاية ١ / ٢٦.

(٣) انظر الحديث في : كشف الخفا ٢ / ٤٥٦.

(٤) انظر الحديث في : كنز العمال ٣٥٣٣٩.

٧٧

أخبرنا أبو القاسم على بن محمّد بن على بن يعقوب الإياديّ قال أنبأنا أحمد بن يوسف بن خلاد قال نا الحارث بن محمّد قال نا سعيد بن شرحبيل عن ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال قال كعب : «نهر النيل نهر العسل في الجنة ، ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة ، ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة ، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة. قال : فأطفأ الله نورهن ليصيرهن إلى الجنة» (١).

أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا أبو على عيسى بن محمّد الطوماري قال نا محمّد بن أحمد بن البراء قال نا عبد المنعم بن إدريس قال حدّثني أبي قال : ذكر وهب بن منبه أن في ربض الجنة ترّا (٢) من أنهار الجنة ؛ فهو أصل أنهار الأرض كلها التي أظهرها الله تعالى حيث ما أراد أن يظهرها ، وأن النيل نهر العسل في الجنة ، ودجلة نهر اللبن في الجنة ، والفرات نهر الخمر في الجنة ، وسيحان وجيحان (٣) نهران بأرض الهند وهما نهرا الماء في الجنة.

أنبأنا على بن محمّد بن عبد الله المعدّل قال أنبأنا عثمان بن أحمد الدّقّاق قال نبأنا محمّد بن أحمد بن البراء قال نبأنا الفضل بن غانم قال نبأنا الهيثم بن عدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : «أوحى الله تعالى إلى دانيال الأكبر : أن فجر لعبادي نهرين ، واجعل مفيضهما البحر ، فقد أمرت الأرض أن تطيعك». قال : فأخذ قناة أو قصبة فجعل يخدها في الأرض ويتبعه الماء ، فإذا مر بأرض شيخ كبير أو يتيم ناشده الله فيحيد عن أرضه ، فعواقيل دجلة والفرات من ذلك.

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن أحمد بن حمّاد الواعظ مولى بني هاشم قال نبأنا أبو على إسماعيل بن محمّد الصّفّار إملاء قال حدّثني أبو بكر محمّد بن إدريس الشعراني قال نا موسى بن إبراهيم الأنصاريّ عن إسماعيل بن جعفر المدني عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال : أوحى الله تعالى إلى دانيال : «أن احفر لي سيبين نهرين بالعراق». قال دانيال : إلهي بأي مكاتل؟ وبأي مساحي؟ وبأي رجال؟ وبأي قوة؟

__________________

(١) انظر الحديث في : المطالب العالية ٤٦٨٩.

(٢) التر : الأصل.

(٣) سيحان ، أو سيحون : نهر يحيط بأرض كوش وهو نهر أذنة من الثغر الشامي ، ويصب في البحر الرومي ، ومخرجه من نحو ثلاثة أيام من ملطية ، ويجري في بلاد الروم وليس للمسلمين عليه إلا مدينة أذنة بين طرطوس والمصيصة. أما جيحان ، أو جيحون : نهر عظيم مخرجه من بلاد الروم من عيون تعرف بعيون جيحان على ثلاثة أيام من مدينة مرعش ، ويخرج إلى البحر الرومي وهو بحر الشام. (انظر : الروض المعطار للحميري ص ٣٣٣ ، ١٨٥).

٧٨

أحفر لك هذين النهرين ، فأوحى الله تعالى أن أعدّ سكة حديد وعرّضها واجعلها في خشبة وألقها فوق ظهرك ؛ فإني باعث إليك الملائكة يعينونك على حفر هذين السيبين». قال : ففعل. فحفر فكان إذا انتهى إلى أرض أرملة أو يتيم حاد عنه ، حتى حفر الدجلة والفرات ، فهذه العواقيل التي في دجلة والفرات من حفر دانيال.

قال الشيخ أبو بكر : ذكر بعض من تقدم من العلماء بأخبار الأوائل ، أن ملك الأردوان ـ وهم النبط ـ كان في السواد قبل ملك الفرس ، وإن النبط هم الذين استنبطوا الأرض وعمّروا السواد وحفروا الأنهار العظام فيه. ويقال لهم : ملوك الطوائف.

وحكى الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش المنتوف قال : كان حد ملك النبط الأنبار إلى عانات كسكر ، إلى ما والاها من كور دجلة إلى جوخي وما حول ذلك من السواد.

قال ابن عياش : وكانت سرّة الدّنيا في أيدي النّبط ، واعتبر ذلك أنّ الفرات ودجلة ينصبان من الشام والجزيرة ، ولا ينتفع بهما حتى يأتيا بلادهم فيفجرونهما في كل موضع ، ثم يسوقون بقيتهما إلى البحر. قال : وكان ملكهم ألف سنة ، وإنما سموا نبطا لأنهم أنبطوا الأرض وحفروا الأنهار العظام. منها الصراة العظمى ، ونهر أبّا ، ونهر سورا ، ونهر الملك ، حفر الصراة العظمى فيروز حشنش ، وحفر نهر أبّا أبا بن الصامغان ، وحفر نهر الملك أفقورشة وكان آخر ملوك النبط ، ملك مائتي سنة. قال : ثم ولّيت فارس فحفروا الأنهار الصغار ، كوثا والصراة الصغرى التي عليها قصر ابن هبيرة وكل سيب بالعراق ، ثم حفروا النهروان. قال : وكان يقال له نهروان لأنه إذا قل ماؤه عطش أهله ، وإذا كثر ماؤه غرقوا (١).

أخبرنا أبو القاسم الحسن بن الحسن بن على بن المنذر القاضي وأبو القاسم على ابن محمّد بن على بن يعقوب الإياديّ وأبو على الحسن بن أحمد وإبراهيم بن شاذان البزّار. قال الإياديّ : حدّثنا. وقالا : أخبرنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشّافعيّ قال نبأنا محمّد بن إسماعيل السلمي قال نبأنا سعيد بن سابق ـ زاد بن المنذر وابن شاذان ـ أبو عثمان من أهل رشيد. ثم اتفقوا. قال : حدّثني مسلمة بن على عن مقاتل بن حبّان عن عكرمة عن ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أنزل الله من الجنة إلى الأرض

__________________

(١) انظر الخبر في : المنتظم ١ / ٥٧.

٧٩

خمسة أنهار ، سيحون وهو نهر الهند ، وجيحون وهو نهر بلخ ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق ، والنيل وهو نهر مصر ، أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل ، فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قول الله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) [المؤمنون ١٨]. فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج : أرسل الله تعالى جبريل فرفع من الأرض القرآن ـ زاد بن المنذر وابن شاذان ـ والعلم كله. ثم اتفقوا : والحجر من ركن البيت ، ومقام إبراهيم ، وتابوت موسى بما فيه ، وهذه الأنهار الخمسة ، فيرفع كل ذلك إلى السماء. فذلك قوله تعالى : (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) [المؤمنون ١٨]. فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدين وخير الدّنيا. وقال الإياديّ : خير الدّنيا والآخرة» (١).

***

باب تعريب اسم بغداد (٢)

أخبرنا محمّد بن على الورّاق وأحمد بن على المحتسب قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر الكوفيّ النّحويّ قال نا الحسن بن محمّد السكوني قال نا محمّد بن خلف قال حدّثني محمّد بن أبي على عن محمّد بن أبي السرى عن ابن الكلبي قال : إنما سميت بغداد بالفرس لأنه أهدى لكسرى خصي من المشرق فأقطعه بغداد ، وكان لهم صنم يعبدونه بالمشرق يقال له : البغ فقال : بغ داد. يقول : أعطاني الصنم. والفقهاء يكرهون هذا الاسم من أجل هذا ، وسماها أبو جعفر مدينة السّلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السّلام (٣).

أخبرني الأزهري قال أنبأنا أحمد بن محمّد بن موسى وأخبرنا الجوهريّ قال أنبأنا محمّد بن العبّاس قال أنبأنا أحمد بن جعفر بن المنادي. قال : حدّثني أبو موسى هارون بن على بن الحكم المقرئ المعروف بالمزوق قال نبأنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ قال نبأنا داود بن منصور قاضي المصيصة : أن رجلا ذكر عند عبد العزيز بن أبي روّاد بغداد ، فسأله عن معنى هذا الاسم. فقال : بغ بالفارسيّة صنم وداد عطيته.

__________________

(١) انظر الحديث في : تفسير القرطبي ١٢ / ١١٣. والمجروحين ٣ / ٣٢٣ ، ٣٢٤. والدر المنثور للسيوطي ٥ / ٨. والمنتظم ١ / ١٥٩.

(٢) انظر : الروض المعطار ، للحميري ص ١٠٩ ، ١١٠.

(٣) انظر : الروض المعطار ، ص ١٠٩.

٨٠