تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٢

بالسواد للخضرة التي في النخيل والشجر والزرع ، لأن العرب قد تلحق لون الخضرة بالسواد فتوضع إحداهما موضع الآخر ، ومن ذلك قول الله تعالى حين ذكر الجنتين : (مُدْهامَّتانِ [الرحمن ٦٤] هما في التفسير خضراوان ، فوصفت الخضرة بالدهمة وهي من سواد الليل ، وقد وجدنا مثله في أشعارهم.

قال ذو الرمة :

قد أقطع النازع المجهول معسفة

في ظل أخضر يدعو هامة البوم

يريد : بالأخضر ـ الليل ـ سماه بهذا لظلمته وسواده.

أخبرنا على بن محمّد بن عبد الله المعدّل قال أنبأنا إسماعيل بن محمّد الصفار قال نبأنا الحسن بن على بن عفان قال نبأنا يحيى بن آدم قال قال حسن بن صالح : وأما سوادنا هذا فإنا سمعنا أنه كان في أيدي النبط فظهر عليهم أهل فارس فكانوا يؤدون إليهم الخراج فلما ظهر المسلمون على أهل فارس تركوا السواد ومن لم يقاتلهم من النبط والدهاقين على حالهم ، ووضعوا الجزية على رءوس الرجال ؛ ومسحوا عليهم ما كان في أيديهم من الأرض ووضعوا عليها الخراج ، وقبضوا كل أرض ليس في يد أحد ، فكانت صوافي إلى الإمام.

قال يحيى : كل أرض كانت لعبدة الأوثان من العجم أو لأهل الكتاب من العجم أو العرب ممن تقبل منهم الجزية ، فإن أرضيهم أرض خراج إن صالحوا على الجزية على رءوسهم والخراج على أرضيهم ؛ فإن ذلك يقبل منهم ، وإن ظهر عليهم المسلمون فإن الإمام يقسم جميع ما أجلبوا به في العسكر من كراع أو سلاح أو مال بعد ما يخمسه وهي الغنيمة التي لا يوقف شيء منها. وذلك قوله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [الأنفال ٤١]. وأما القرى والمدائن والأرض فهي فيء كما قال الله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) [الحشر ٧]. فالإمام بالخيار في ذلك إن شاء وقفه وتركه للمسلمين ؛ وإن شاء قسمه بين من حضره (١).

أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا عبد الله بن إسحاق قال أنبأنا على بن عبد العزيز قال قال أبو عبيد : إنما جعل ـ يعني عمر ـ الخراج على الأرضين التي تغل

__________________

(١) انظر الخبر في : كتاب الخراج ، ليحيى بن آدم ص ٢١ ، ٢٢.

٤١

من ذوات الحب والثمار والتي تصلح للغلة من العامر والغامر ؛ وعطل من ذلك المساكن والدور التي هي منازلهم فلم يجعل عليهم فيها شيئا (١).

***

باب ذكر حكم بيع أرض السواد وما روي في ذلك من

 الصحة والفساد

أخبرنا على بن محمّد بن عبد الله المعدّل قال أنبأنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار قال أنبأنا الحسن بن على بن عفان قال أنبأنا يحيى بن آدم قال حدّثني الحسن بن صالح قال أبو على الصّفّار أظنه عن منصور عن عبيد أبي الحسن عن عبد الله بن مغفل المزني. قال : لا تباع أرض دون الجبل إلا أرض بني صلوبا وأرض الحيرة فإن لهم عهدا (٢).

أنبأنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا عبد الله بن إسحاق البغويّ قال أنبأنا على بن عبد العزيز قال نبأ أبو عبيد قال أنبأ عبّاد بن العوام عن حجاج عن الحكم عن عبد الله ابن مغفل. قال : لا تشترين من أهل السواد إلا من أهل الحيرة وبانقيا وأليس. قال أبو عبيد : فأما أهل الحيرة فإن خالد بن الوليد كان صالحهم في دهر أبي بكر ، وأما أهل بانقيا وأليس فإنهم دلوا أبا عبيد وجرير بن عبد الله البجليّ على مخاضة حتى عبروا إلى فارس ؛ فبذلك كان صلحهم وأمانهم. ويروى عن الحسن بن صالح بن حي : أنه رخص في شراء أرض الصلح وكره شراء أرض العنوة ، وهو مذهب مالك بن أنس (٣).

وجاء عن مجاهد بن جبر : في أرض العنوة نحو ذلك.

أخبرنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رزق البزّار قال أنبأنا محمّد بن يحيى بن عمر بن على بن حرب الطائي قال نبأنا على بن حرب عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال : أيما مدينة افتتحت عنوة فأسلموا قبل أن يقسموا فأموالهم للمسلمين.

أنبأنا محمّد بن أبي نصر النرسي قال حدّثني جدي على بن أحمد بن محمّد بن يوسف القاضي بسرّ من رأى قال أنبأنا إبراهيم بن عبد الصّمد الهاشميّ قال أنبأنا

__________________

(١) انظر الخبر في الأموال ، لأبي عبيد ص ١٢١.

(٢) انظر الخبر في : كتاب الخراج ، ليحيى بن آدم ، ص ٢٧ ، ٥١.

(٣) انظر الخبر في : كتاب الأموال ، لأبي عبيد ، ص ١١٦ ، ١١٧.

٤٢

أبو مصعب عن مالك بن أنس. قال : أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم أحق بأرضه وماله : وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فإن من أسلم منهم أحرز له إسلامه نفسه ، وكانت أرضه للمسلمين فيئا. لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا عبد الله بن إسحاق قال أنبأنا على بن عبد العزيز قال نبأنا أبو عبيد قال حدّثني يحيى بن عبد الله بن بكير. قال قال مالك : كل أرض فتحت صلحا فهي لأهلها لأنهم منعوا بلادهم حتى صالحوا عليها ؛ وكل بلاد أخذت عنوة فهي فيء للمسلمين.

أخبرنا على بن محمّد المعدّل قال أنبأنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار قال نبأنا الحسن بن على العامري. قال قال يحيى بن آدم : وكره حسن ـ يعني ابن صالح ـ شراء أرض الخراج ؛ ولم ير بأسا بشراء أرض الصلح مثل الحيرة ونحوها (١).

قال الشيخ : فهؤلاء الذين كرهوا شراء أرض السواد إنما كرهوه لجهتين : إحداهما أن الخراج كانوا يذهبون إلى أنه صغار فلم يروا أن يدخلوا فيه ، والثانية : أن السواد لما فتح عنوة فوقف فلم يقسم حصل عندهم مما لا يجوز بيعة سوى من رخص في المواضع التي ذكر أن لأهلها ذمة وهي بانقيا والحيرة وأليس خاصة. وقد روي عن محمّد بن سيرين أنه قال : بعض السواد عنوة ، وبعضه صلح من غير تبيين لأحد الأمرين من الآخر.

أخبرنا على بن محمّد المعدّل قال أنبأنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار قال نبأنا الحسن بن على قال حدّثنا يحيى بن آدم قال أنا أبو زيد عن أشعث عن ابن سيرين. قال : السواد منه صلح ومنه عنوة ؛ فما كان منه عنوة فهو للمسلمين : وما كان منه صلحا فلهم أموالهم. وقال يحيى : حدّثنا الحسن بن صالح عن أشعث عن ابن سيرين. قال : ما نعلم من له صلح ممن ليس لهم صلح من أهل السواد.

قال الشيخ أبو بكر : فيحتمل أن يكون الصلح الذي ذكره بن سيرين من السواد هو لأهل المواضع التي سميناها في حديث أبي عبيد ، ويحتمل أن يكون لقوم آخرين ؛ وإنا نظرنا في ذلك فوجدنا من السواد شيئا ذكر أنه صلح سوى ما تقدم ذكرنا له.

__________________

(١) انظر الخبر في : الخراج ، ليحيى بن آدم ص ٥٢ ، ٥٣.

٤٣

أخبرنا على بن أبي بكر القنوي قال أنبأنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار قال نبأنا الحسن بن على قال نبأنا يحيى بن آدم قال نبأنا الحسن بن صالح عن أشعث عن الشعبي. قال : صالح خالد بن الوليد أهل الحيرة وأهل عين التمر. قال : وكتب بذلك إلى أبي بكر فأجازه. قال يحيى : قلت للحسن بن صالح ؛ فأهل عين التمر مثل أهل الحيرة إنما هو شيء عليهم وليس على أرضيهم؟ قال : نعم.

وقال يحيى حدّثنا حسن بن صالح عن جابر عن الشعبي. قال : لأهل الأنبار عهد أو قال عقد (١).

وذكر محمّد بن خلف وكيع القاضي : أن محمّد بن إسحاق الصغاني أخبرهم قال نبأنا أبو سعيد الحدّاد قال نبأنا محمّد بن الحسن عن أبي شيبة عن الحكم قال : كلواذى صلح.

أخبرنا بذلك محمّد بن على الورّاق قال أنبأنا محمّد بن جعفر التّميميّ قال نبأنا الحسن بن محمّد السكوني قال نبأنا محمّد بن خلف : وبغداد من أفنية كلواذي ؛ فقد حصلت من بلاد الصلح على هذه الرواية وفي كونها صلحا جواز بيع أرضها ؛ ولا أحسب الذين كرهوا شراء أرض بغداد انتهت إليهم هذه الرواية عن الحكم.

وقد كان الليث بن سعد اشترى شيئا من أرض مصر وحكمها حكم سواد العراق ؛ وإنما استجاز الليث ذلك لأنه كان يحدّث عن يزيد بن أبي حبيب : أن مصر صلح.

وكان مالك بن أنس وعبد الله بن لهيعة ونافع بن يزيد ينكرون على الليث ذلك الفعل لأن مصر كانت عندهم عنوة. ولعل حديث يزيد بن أبي حبيب لم ينته إليهم أو بلغهم فلم يثبت عندهم ، والله أعلم.

***

__________________

(١) انظر الخبر في : كتاب الخراج ، ليحيى بن آدم ص ٥٢.

٤٤

فصل

قال الشيخ أبو بكر : قد ذكرنا فيما تقدم القول بأن السواد في الجملة فتح عنوة وصار غنيمة للمسلمين. فقال بعض أهل العلم : لمّا لم يقسم ووقف صار بيعه لا يصح ويؤيد هذا قول عمر بن الخطّاب لطلحة بن عبيد الله وعتبة بن فرقد : أما قوله لطلحة.

فأخبرنا الحسين بن شجاع الصّوفيّ قال أنبأنا محمّد بن أحمد بن الحسن الصّوّاف قال نبأنا محمّد بن عبدوس بن كامل ومحمّد بن عثمان بن أبي شيبة. قالا : نبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : نبأنا حميد بن عبد الرّحمن عن حسن عن مطرّف عن بعض أصحابه. قال : اشترى طلحة بن عبيد الله أرضا من النشاستك نشاستك بني طلحة هذا الذي عند السيلحين. فأتى عمر بن الخطّاب فذكر ذلك له فقال : إني اشتريت أرضا معجبة. فقال له عمر : ممن اشتريتها؟ اشتريتها من أهل الكوفة؟ اشتريتها من أهل القادسيّة؟ قال طلحة : وكيف أشتريها من أهل القادسيّة كلهم؟ قال : إنك لم تصنع شيئا إنما هي فيء.

وأما قوله لعتبة.

فأخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق وعليّ بن محمّد بن بشران. قالا : أنبأنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار قال نبأنا الحسن بن على بن عفان قال نبأنا يحيى بن آدم عن عبد السّلام بن حرب عن بكير بن عامر عن عامر. قال : اشترى عتبة بن فرقد أرضا من أرض الخراج ؛ ثم أتى عمر فأخبره ، فقال : ممن اشتريتها؟ قال : من أهلها. قال : فهؤلاء أهلها المسلمون أبعتموه شيئا؟ قالوا : لا. قال : فاذهب فاطلب مالك (١).

وأخبرنا ابن رزق وابن بشران قالا : أنبأنا إسماعيل ، قال : نبأنا الحسن قال نبأنا يحيى قال نبأنا قيس عن أبي إسماعيل عن الشعبي عن عتبة بن فرقد. قال : اشتريت عشرة أجربة من أرض السواد على شاطئ الفرات لقضب لدوابي ؛ فذكرت ذلك لعمر. فقال لي : اشتريتها من أصحابها؟ قلت : نعم : قال : رح إليّ ، فرحت إليه. فقال : يا هؤلاء أبعتموه شيئا؟ قالوا : لا. قال : ابتغ مالك حيث وضعته.

وقال قوم : بل السواد ملك لأهله لأن عمر قد أقره في أيديهم وفرض الخراج عليهم.

__________________

(١) انظر الخبر في : كتاب الخراج ليحيى بن آدم ص ٥٧.

٤٥

وقال قوم : باعهم عمر الأرض بالخراج فلهم رقاب الأرض يتوارثونها ويتبايعونها. واحتجوا على ذلك بما (١).

أخبرنا القاضي أبو الفرج محمّد بن أحمد بن الحسن الشّافعيّ قال أنبأنا أحمد بن يوسف بن خلاد المعدّل قال نبأنا محمّد بن يونس قال نبأنا عبد الله بن داود الخريبي قال : كان الحسن والحسين لا يريان بأسا بأرض الخراج.

وأخبرنا ابن رزق وابن بشران قالا : أنبأنا إسماعيل الصّفّار قال نبأنا الحسن بن على قال نبأنا يحيى بن آدم قال نبأنا حسن بن صالح عن ابن أبي ليلى قال : اشترى الحسن بن على ملحة أو ملحا ، واشترى الحسين بريدين من أرض الخراج. وقال : وقد رد إليهم عمر أرضيهم وصالحهم على الخراج الذي وضعه عليهم. قال : وكان ابن أبي ليلى لا يرى بشرائها بأسا (٢).

أخبرنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبّار السكري قال أنبأنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار قال نبأنا الحسن بن على بن عفان قال نبأنا يحيى بن آدم قال نبأنا ابن المبارك عن سفيان بن سعيد ، قال : إذا ظهر على بلاد العدو فالإمام بالخيار إن شاء قسم البلاد والأموال والسّبي بعد ما يخرج الخمس من ذلك ، وإن شاء منّ عليهم فترك الأرض والأموال فكانوا ذمة المسلمين كما صنع عمر بن الخطّاب بأهل السواد. فإن تركهم صاروا عهدا توارثوا وباعوا أرضهم. قال يحيى : وسمعت حفص بن غياث يقول : تباع ويقضى بها الدين وتقسم في المواريث (٣).

أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا عبد الله بن إسحاق قال أنبأنا على بن عبد العزيز قال قال أبو عبيد : ومع هذا كله إنه قد سهل في الدخول في أرض الخراج أئمة يقتدى بهم ولم يشترطوا عنوة ولا صلحا ، منهم من الصحابة : ابن مسعود ، ومن التابعين : محمّد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز ، وكان ذلك رأى سفيان الثوري فيما يحكى عنه (٤).

أما حديث بن مسعود ، فأخبرناه أبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل بن شاذان

__________________

(١) انظر الخبر في المصدر السابق ، نفس الصفحة.

(٢) انظر الخبر في : كتاب الخراج ، ليحيى بن آدم ص ٥٧.

(٣) انظر الخبر في : الخراج ، ليحيى بن آدم ص ٤٧.

(٤) انظر الخبر في : كتاب الأموال ، لأبي عبيد ص ١١٩.

٤٦

الصّيرفيّ بنيسابور قال نبأنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصم قال نبأنا أبو عمر أحمد بن عبد الجبّار العطاردي قال نبأنا أبو معاوية عن الأعمش.

وأنبأنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن رزق البزار أنبأنا عثمان بن أحمد الدّقّاق نبأنا محمّد بن عبيد الله المنادي أنا أبو بدر نبأنا سليمان بن مهران ـ وهو الأعمش ـ عن شمر بن عطيّة عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه قال قال عبد الله : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدّنيا (١)».

قال عبد الله وبراذان ما براذان (٢)! وبالمدينة ما بالمدينة! فقد ذكر ابن مسعود هذا الحديث : أن له براذان مالا.

أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عبيد الله بن أحمد الدّقّاق وأبو محمّد عبد الله بن يحيى السكري ، قالا : أنبأنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار قال نبأنا سعدان بن نصر قال نبأنا أبو معاوية عن الحجّاج عن القاسم بن عبد الرّحمن ، قال : اشترى عبد الله أرضا من أرض الخراج. قال فقال له صاحبها ـ يعني دهقانها : أنا أكفيك إعطاء خراجها والقيام عليها.

وأما حديث ابن سيرين فأخبرناه الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا عبد الله بن إسحاق البغويّ قال أنبأنا على بن عبد العزيز قال نبأنا أبو عبيد قال : حدّثني قبيصة عن سفيان عن عبد العزيز بن قرير عن ابن سيرين : أنه كانت له أرض من أرض الخراج ، وكان يعطيها بالثلث والربع (٣).

وأما حديث عمر بن عبد العزيز : فأخبرناه الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا عبد الله ابن إسحاق قال أنبأنا على بن عبد العزيز قال نبأنا أبو عبيد قال نبأنا عبد الرّحمن بن مهديّ عن حمّاد بن سلمة عن رجاء أبي المقدام عن نعيم بن عبد الله. أن عمر بن عبد العزيز : أعطاه أرضا بجزيتها.

__________________

(١) انظر الحديث في : سنن الترمذي ٢٣٢٨ ، ومسند الإمام أحمد ١ / ٣٧٧ ، ٤٢٦ ، ٤٤٣. والمستدرك ٤ / ٣٢٢. وصحيح ابن حبان ٢٤٧١. ومسند الحميدي ١٢٢. والمصنف لابن أبي شيبة ١٣ / ٢٤١.والزهد للإمام أحمد ٢٩. والأحاديث الصحيحة ١٢. ومشكاة المصابيح ٥١٧٨. وفتح الباري ٥ / ٤.وتاريخ أصبهان لأبي نعيم ٢ / ١١٦. وإتحاف السادة المتقين ٨ / ١٤٧.

(٢) راذان : قال ياقوت الحموي في معجم البلدان : راذان الأسفل وراذان الأعلى : كورتان بسواد بغداد تشتمل على قرى كثيرة ، وراذان أيضا قرية بنواحي المدينة جاءت في حديث عبد الله بن مسعود.

(٣) انظر الخبر في : الأموال ، لأبي عبيد ص ١٢٠.

٤٧

قال عبد الرّحمن : يعني ـ من أرض السواد ـ قال أبو عبيد : وكأنّ عمر بن عبد العزيز تأول الرخصة في أرض الخراج أن الجزية التي قال الله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة ٢٩]. إنما هي على الرءوس لا على الأرض ، وكذلك يروي عنه. قال أبو عبيد يقول : والداخل في أرض الجزية ليس يدخل في هذه الآية.

قال أبو عبيد : وقد احتج قوم من أهل الرخصة بإقطاع عثمان من أقطع من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسواد. والذي يروى عن سفيان أنه قال : إذا أقر الإمام أهل العنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها ؛ فهذا يبين لك أن رأيه الرخصة فيها.

قال أبو عبيد : إنما اختلافهم في الأرضين المغلة التي يلزمها الخراج من ذات المزارع والشجر ، فأما المساكن والدور بأرض السواد فما علمنا أحدا كره شراءها وحيازتها وسكناها ، قد اقتسمت الكوفة خططا في زمن عمر وهو أذن في ذلك ، ونزلها من أكابر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان منهم سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، وعمّار ، وحذيفة ، وسلمان ، وخبّاب ، وأبو مسعود ، وغيرهم. ثم قدمها علىّ عليه‌السلام فيمن معه من الصحابة فأقام بها خلافته كلها ، ثم كان التابعون بعد بها فما بلغنا أن أحدا منهم ارتاب بها ولا كان في نفسه منها شيء بحمد الله ونعمته ، وكذلك سائر السواد. والحديث في هذا أكثر من أن يحصى (١).

أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن محمّد بن موسى القرشيّ وأنبأنا الحسن بن على الجوهريّ قال أنبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال أنبأنا أحمد بن جعفر أبو الحسين. قال : كان فيما فاتني عن العبّاس بن عبد الله الترقفي حدّثني على بن الصباح ابن أخت الهرويّ. قال : أتيت عبد الله بن داود الخريبي فسألته سكنى بغداد. قال : ولا بأس. قلت له : أين ، فإن سفيان الثوري كان لا يدخلها فقال : كان سفيان يكره جوار القوم وقربهم. قلت : فابن المبارك يقول أنه كان كلما دخلها يتصدق بدينار. فقال : ومن أين يصح هذا لنا عن ابن المبارك؟ قلت : فسمعت ابن حرب والفضيل بن عياض. فقال : لم تذكر لنا فقيها بعد. قلت : فما تقول في أرض السواد؟ فقال : خذ بيد من اتخذ من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أرض السواد ، اتخذها سعد بن

__________________

(١) انظر الخبر في : كتاب الأموال ، لأبي عبيد ١٢٠ ، ١٢١.

٤٨

أبي وقاص ، وابن مسعود ، وعمّار ، وحذيفة ، وسلمان ، وأنس. قال البيهقي : وسمعت الحسن بن الرّبيع البوراني (١) يقول : قيل لابن المبارك : إن الناس يقولون إنك كلما دخلت بغداد تصدقت بدينار. فقال : إن دنانيرنا إذا لكثيرة. فقال أبو الحسين أحمد بن جعفر : وهذا إخبار من ابن المبارك وليس هو بجواب سؤال السائل ، وإنا نكره المراجعة ، فاستعمال المحاجزة والآفات المشهور عنه فيها التغليظ والذم الصريح والصّدقة إذا دخلها مجتازا غير مختار ، وقد ذكر عنه في ذم ساكنيها مع الكلام أشعار.

فمنها ما أخبر به عن أبي الحسن محمّد بن محمّد المعروف بحبيش بن أبي الورد. قال قال ابن المبارك يذم الناسك الذي سكن بغداد :

أيها الناسك الذي لبس الصو

ف وأضحى يعدّ في العبّاد

الزم الثغر والتعبد فيه

ليس بغداد مسكن الزهاد

إن بغداد للملوك محلّ

ومناخ للقارئ الصياد

أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصّيرفيّ قال نبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال نبأنا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز قال نبأنا أبو زكريّا يحيى بن أيّوب العابد. قال : شهدت معروفا ـ يعني الكرخي ـ ورجل عنده فذكر أن بغداد غصب. فقال له معروف : يا هذا اتق الله احفظ لسانك ما نعرف شيئا غصب.

أنبأنا محمّد بن على الورّاق وأحمد بن على المحتسب. قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر بن هارون الكوفيّ قال نبأنا الحسن بن محمّد السكوني قال نبأنا محمّد بن خلف قال زعم عبد الله بن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن حميد بن جبلة قال حدّثني أبي عن جدي جبلة ، قال : كانت مدينة أبي جعفر قبل بنائها مزرعة للبغداديين يقال لها المباركة ، وكانت لستين نفسا من البغداديّين فعوضهم عنها عوضا أرضاهم ، وأخذ جدي جبلة قسمه بينهم ، وكان شارع طريق الأنبار لأهل قرية بباب الشام يسمون الترايتة. قال : وقال ابن أبي سعد عن أبيه قال سمعت السري بن الحطم ـ وأظنه من بجيلة بن عمر : أن المنصور كان ابتاع منه ما بين قنطرة البردان إلى الجسر ، وأنه لم يقبض ثمن ذلك منه ؛ وإن حد أرضه من الجسر حتى ينتهي إلى قرية تعرف بالأثلة على فرسخ من الجانب الشرقي ، ومنزله بالحطمية على ميلين من بغداد ، ورفع في ذلك إلى الرشيد وإلى المأمون فلم يعطياه.

__________________

(١) في الأصل : النوراني ، والتصحيح من كتب الرجال.

٤٩

قال الشيخ أبو بكر : وفي حديثي ابن أبيّ سعد هذين إبطال لقول من زعم أن بغداد دار غصب ، ودحض لزعمه وكسر لدعواه ، وقد قدمنا القول عمّن حكيناه عنه في إجازة بيع أرض السواد ، وتحصل منه أن أرض بغداد ملك لأربابها ، يصح أن تورث وتستغل وتباع ، وعلى ذلك كان من أدركنا من العلماء والقضاة والشهود والفقهاء. لا يكرهون الشهادة في مبيع ، ولا يتوقفون عن الحكم في موروث ، وبهم يقتدى فيما وقع التنازع فيه ، وحكمهم هو الحجة على مخالفيه. مع ما.

أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن محمّد بن موسى وأخبرنا الحسن ابن على الجوهريّ قال أنبأنا محمّد بن العبّاس ، قالا : أنبأنا أحمد بن جعفر بن المنادي. قال : سأل رجل أحمد بن محمّد بن حنبل عن العقار الذي كان يستغله ويسكن في دار منه ، كيف سبيله عنده؟. فقال له : هذا شيء ورثته عن أبي ، فإن جاءني أحد فصحح أنه له خرجت عنه ودفعت إليه.

***

ذكر أقاليم الأرض السبعة وقسمتها

 وأن الإقليم الذي فيه بغداد سرتها (١)

ذكر علماء الأوائل أن أقاليم الأرض سبعة ، وأن الهند رسمتها فجعلت صفة الأقاليم كأنها حلقة مستديرة يكتنفها ست دوائر على هذه الصفة ، كل دائرة منها إقليم من الأقاليم الستة ، فالدائرة الوسطى هي إقليم بابل ، والدوائر الست المحدقة بالدائرة الوسطى : فالإقليم الأول منها إقليم بلاد الهند ، والإقليم الثاني إقليم الحجاز ، والإقليم الثالث إقليم مصر ، والإقليم الرابع إقليم بابل ، هو المثل بالدائرة الوسط التي اكتنفتها سائر الدوائر ، وهو أوسط الأقاليم وأعمرها وفيه جزيرة العرب وفيه العراق الذي هو سرّة الدّنيا.

وحدّ هذا الإقليم مما يلي أرض الحجاز وأرض نجد الثعلبية من طريق مكة ، وحده مما يلي الشام وراء مدينة نصيبين من ديار ربيعة بثلاثة عشر فرسخا ، وحده مما يلي أرض خراسان وراء نهر بلخ ، وحده مما يلي الهند خلف الديبل (٢) بستة فراسخ وبغداد في وسط هذا الإقليم.

__________________

(١) انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ٨ / ٧٠. ومرآة الزمان ، لسبط ابن الجوزي ١ / ٦١ ـ ٦٥.

(٢) في الأصل : «الدبيل» والتصحيح من القاموس ، والديبل : بضم الباء الموحدة وسكون الياء المثناة ، قصبة بلاد السند.

٥٠

والإقليم الخامس بلاد الروم والشام ، والإقليم السادس بلاد الترك ، والإقليم السابع بلاد الصين. فالإقليم الرابع الذي فيه العراق ـ وفي العراق ـ بغداد ـ هو صفوة الأرض ، ووسطها لا يلحق من فيه عيب سرف ولا تقصير (١).

قالوا : ولذلك اعتدلت ألوان أهله وامتدت أجسامهم ، وسلموا من شقرة الروم والصقالبة ، ومن سواد الحبش وسائر أجناس السودان ، ومن غلظة الترك (٢) ، ومن جفاء أهل الجبال وخراسان ، ومن دمامة أهل الصين ، ومن جانسهم وشاكل خلقهم ، فسلموا من ذلك كله ، واجتمعت في أهل هذا القسم من الأرض محاسن جميع أهل الأقطار بلطف من العزيز القهار ، وكما اعتدلوا في الخلقة كذلك لطفوا في الفطنة والتمسك بالعلم والأدب ومحاسن الأمور ، وهم أهل العراق ومن جاورهم وشاكلهم (٣).

***

ذكر تعريب اسم العراق ومعناه

وأن حده حد السواد ومنتهاه

أخبرنا على بن أبي على البصريّ قال أنبأنا إسماعيل بن سعيد المعدّل قال قال أبو بكر محمّد بن القاسم الأنباريّ قال ابن الأعرابي : إنما سمي العراق عراقا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر ، أخذ من عراق القربة وهو الخرز الذي في أسفلها.

وقال غيره : العراق معناه في كلامهم الطير. قالوا : وهو جمع عرقة والعرقة ضرب من الطير : ويقال أيضا : العراق جمع عرق.

وقال قطرب : إنما سمي العراق عراقا لأنه دنا من البحر وفيه سباخ وشجر ، يقال : استعرقت إبلكم إذا أتت ذلك الموضع (٤).

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال نبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال أنبأنا أبو أيّوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال قال : أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي : العراق من يلدّ (٥) إلى عبادان ، وعرضه من العذيب إلى جبل حلوان. وإنما سميت

__________________

(١) انظر : مرآة الزمان ، لسبط الجوزي ١ / ٦٥. والمنتظم ٨ / ٧٠.

(٢) في المنتظم : ومن غلظ الترك.

(٣) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٧٠.

(٤) انظر : الروض المعطار في خبر الأقطار ، للحميري ص ١٠٩ ، ١١٠.

(٥) هكذا في الأصل : وفي القاموس : بلد : مدينة بالجزيرة.

٥١

العراق [عراقا (١)] لأن كل استواء عند نهر أو عند بحر عراق ، وإنما سمي السواد سوادا لأنهم قدموا يفتحون الكوفة فلما أبصروا سواد النخل قالوا : ما هذا السواد؟

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر بن بكير المقرئ قال حدّثني أحمد بن محمّد بن إبراهيم الأنباريّ قال نبأنا أبو عمر محمّد بن أحمد الحليمي قال نبأنا آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب عن معن بن الوليد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم بارك لنا في صاعنا ومدّنا وفي شامنا وفي يمننا وفي حجازنا». قال فقام إليه رجل ، فقال : يا رسول الله ، وفي عراقنا ، فأمسك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما كان في اليوم الثاني قال مثل ذلك ، فقام إليه الرجل. فقال : يا رسول الله ، وفي عراقنا ، فأمسك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما كان في اليوم الثالث قام إليه الرجل ، فقال : يا رسول الله وفي عراقنا ، فأمسك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فولّى الرجل وهو يبكي ، فدعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال : «أمن العراق أنت؟». قال نعم : قال : «إن أبي إبراهيم عليه‌السلام همّ أن يدعو عليهم فأوحى الله تعالى إليه لا تفعل ، فإني جعلت خزائن علمي فيهم ، وأسكنت الرحمة قلوبهم (٢)».

أخبرنا الحسن بن على بن عبد الله المقرئ قال أنبأنا محمّد بن جعفر التّميميّ الكوفيّ قال أنبأنا الجلودي ـ يعني أبا أحمد البصريّ ـ قال أنبأنا محمّد بن زكويه عن ابن عائشة قال : كتب عمر بن الخطّاب إلى كعب الأحبار : اختر لي المنازل. قال : فكتب : يا أمير المؤمنين إنه بلغنا أن الأشياء اجتمعت ؛ فقال السخاء : أريد اليمن. فقال حسن الخلق : أنا معك ، وقال الجفاء : أريد الحجاز. فقال الفقر : وأنا معك. وقال البأس : أريد الشام. فقام السيف : وأنا معك ، وقال العلم : أريد العراق ، فقال العقل : وأنا معك. وقال الغني : أريد مصر ، فقال الذل وأنا معك ، فاختر لنفسك. قال : فلما ورد الكتاب على عمر. قال : فالعراق إذا ؛ فالعراق (٣) إذا.

أخبرنا محمّد بن الحسين القطّان قال أنبأ عبد الله بن جعفر النّحويّ قال نا يعقوب ابن سفيان قال نا قبيصة قال نا سفيان عن الأعمش عن شمر بن عطيّة عن رجل عن عمر قال : أهل العراق كنز الإيمان ، وجمجمة العرب ، وهم رمح الله عزوجل يحرزون ثغورهم ويمدون الأمصار.

***

__________________

(١) ما بين المعقوفتين : سقط من الأصل.

(٢) انظر الحديث في : صحيح البخاري ٣ / ٣٠ ، ٤ / ٤٢ ، ٨ / ٩٩. وصحيح مسلم ، كتاب الحج ٤٧٦.

ومسند الإمام أحمد ٦٠ / ٢٤٠ ، ٣ / ٤٧. وفتح الباري ٤ / ٩٨ ، ٩٩. والترغيب والترهيب ٢ / ٢٢٧.ومرآة الزمان ١ / ٩٦.

(٣) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٧٠ ، ٧١.

٥٢

ذكر خبر غارة المسلمين على سوق بغداد

قال الشيخ أبو بكر : كانت بغداد في أيام مملكة العجم قرية يجتمع فيها رأس كل سنة التجار ، ويقوم بها للفرس سوق عظيمة. فلما توجه المسلمون إلى العراق وفتحوا أول السواد ، ذكر للمثنى بن حارثة الشّيباني أمر سوق بغداد.

فأخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق البزّار قال أنبأنا محمّد بن أحمد بن الحسن الصّوّاف قال نبأنا الحسن بن على القطّان قال نبأنا إسماعيل بن عيسى العطّار قال أنبأنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة قال : قال ابن إسحاق : وحدّثني عبيد الله : أن أهل الحيرة قالوا للمثني : ألا ندلك على قرية تأتيها تجار مدائن كسرى وتجار السواد ، ويجتمع بها في كل سنة من أموال الناس مثل خراج العراق ، وهذه أيام سوقهم التي يجتمعون فيها ، فإن أنت قدرت على أن تعبر إليهم وهم لا يشعرون أصبت بها مالا يكون فيه عز للمسلمين وقوة على عدوهم ، وبينها وبين مدائن كسرى عامة يوم. فقال : لهم ، فكيف لي بها؟ فقالوا له : إن أردتها فخذ طريق البر حتى تنتهي إلى الأنبار ، ثم تأخذ رءوس الدهاقين فيبعثون معك الأدلاء فتسير سواد ليلة من الأنبار حتى تأتيهم ضحى. قال : فخرج من النّخيلة ومعه أدلاء أهل الحيرة حتى دخل الأنبار فنزل بصاحبها فتحصن منه ، فأرسل إليه : ما يمنعك من النزول؟ فأرسل إليه إني أخاف ، فأرسل إليه : انزل فإنك آمن على دمك وقريتك وترجع سالما إلى حصنك.

فتوثق عليه ثم نزل. فقال : إني أريد أن تبعث معي دليلا يدلني على بغداد ، فإني أريد أن أعبر منها إلى المدائن. قال : أنا أجيء معك. قال المثنى : لا أريد أن تجيء معي ولكن ابعث معي من يعرف الطريق ، ففعل ، وأمر لهم بعلف وطعام وزاد وبعث معهم دليلا ، فأقبل حتى إذا بلغ المنصف. قال له المثنى : كم بيننا وبين هذه القرية؟ قال : أربعة فراسخ أو خمسة وقد بقي عليك ليل. فقال لأصحابه : انزلوا فاقضموا وأطعموا وابعثوا الطلائع فلا يلقون أحدا إلا حبسوه ، ثم سار بهم فصحبهم في أسواقهم فوضع فيهم السيف فقتل وأخذ الأموال ، وقال لأصحابه : لا تأخذوا إلا الذهب والفضة ، ومن المتاع ما يقدر الرجل منكم على حمله على دابته ، وهرب الناس وتركوا أمتعتهم وأموالهم وملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء ، ثم رجع راجعا حتى نزل بنهر السيلحين. فقال للمسلمين : احمدوا الله الذي سلمكم وغنمكم ، انزلوا فاعلفوا خيلكم من هذا القضب وعلقوا عليها وأصيبوا من أزوادكم. ثم سار وسمع القوم يهمس بعضهم إلى بعض : إن القوم سراع الآن في طلبنا. فقال : قبح الله ما تتناجون به

٥٣

أيسر بعضكم إلى بعض أتحسبونهم الآن في طلبكم؟ فو الله لو كان الصريخ قد بلغهم الآن إنه لكثير ، ولو كان الصريخ عندهم لدخلهم من رعب غارتنا عليهم إلى جنب مدائنهم ما يشغلهم عن طلبنا ثم جهدوا جهدهم ما أدركونا ، نحن على الجياد العراب وهم على المقاريف البطاء ، ولو أنهم طلبونا فأدركونا لم نكن نقاتلهم إلا التماس الثواب ورجاء النصر ، وعمركم الله ، لقد نصرتم عليهم وهم أكثر منكم وأعز. فأقبلوا ومعهم دليلهم حتى انتهى إلى الأنبار واستقبلهم صاحبها بالكرامة ، فوعده المثنى الإحسان إليه لو قد استقام أمرهم فرجع المثنى إلى عسكره.

قال الشيخ أبو بكر : والمثنى هو ابن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعيد بن مرة ابن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكان بن صعب بن على بن بكر بن وائل وهو أول من حارب الفرس في أيام أبي بكر الصديق.

***

باب ذكر أحاديث رويت في الثّلب لبغداد والطعن على أهليها

 وبيان فسادها وعللها وشرح أحوال رواتها وناقليها

أخبرنا أبو القاسم على بن محمّد بن عيسى بن موسى البزّار قال أنبأنا أبو الحسن على بن محمّد بن أحمد المصري قال نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال نا إبراهيم ابن زياد قال نا خلف بن تميم قال نا عمّار بن سيف قال : سمعت سفيان الثوري يسأل عاصما الأحول عن هذا الحديث فحدّثه عاصم وأنا حاضر عن أبي عثمان عن جرير. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربّل والصّراة ، تجبى إليها خزائن الأرض وجبابرتها ، لهى أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة» (١).

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال أنبأنا طلحة بن أحمد بن الحسن الصّوفيّ قال أنبأ محمّد بن أحمد بن صفوة قال نا يوسف بن سعيد قال نا خلف بن تميم قال حدّثني عمّار بن سيف عن عاصم عن أبي عثمان. قال : مرّ جرير ابن عبد الله بقنطرة الصراة ، فقيل : يا صاحب رسول الله ألا تنزل فتصيب من الغداء.

__________________

(١) انظر الحديث بجميع رواياته في : الكامل لابن عدي ٤ / ٣٨٤ ، ٥ / ١٧٢٦. واللآلئ المصنوعة ١ / ٢٤٤. والشفا للقاضي عياض ١ / ٦٧٥. وتفسير القرطبي ٦ / ١٢. وتخريج الإحياء ١ / ١٣٣.والفوائد المجموعة ٤٣٤. وتنزيه الشريعة ٢ / ٥٢.

٥٤

قال : فضرب خاصرة فرسه بسوطه. وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربّل والصراة ، يجبى إليها خزائن الأمصار وجبابرتها ، يخسف بها وبمن فيها ، فلهى أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة».

أخبرنا على بن أبي على المعدّل والحسن بن على الجوهريّ قالا : نا على بن محمّد ابن أحمد بن لؤلؤ الورّاق قال نا أبو عبيد محمّد بن أحمد بن المؤمل الصّيرفيّ قال نا محمّد بن على بن خلف قال نا حسين الأشقر عن عمّار بن سيف الضّبّيّ عن عاصم عن أبي عثمان النهدي قال : سمعت جرير بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيلة وقطربّل والصراة ، يجبى إليها خراج أهل الدّنيا وجبابرتها ، لهى أسرع انقلابا بأهلها من الوتد الحديد في الأرض الرخوة».

أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمّد بن عبد الله بن بشران الواعظ قال أنبأنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب (١) الطّيّبي قال نا بشر بن موسى قال نا الحسن بن حمّاد قال نا إسحاق بن منصور السّلوليّ عن عمّار بن سيف قال : سمعت عاصما الأحول وسأله سفيان عن أبي عثمان عن جرير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تبنى مدينة بين قطربّل والصراة ، ودجلة ودجيل ، يخرج بها جبابرة أهل الأرض يجبى إليهم الخراج ، يخسف الله بها فلهى أسرع ذهابا في الأرض من المعول في الأرض النخرة أو الخورة».

أخبرني الحسن بن على بن عبد الله المقري قال نا إسماعيل بن الحسن قال حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحامليّ قال نا محمّد بن إشكاب قال نا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال نا عمّار بن سيف الضّبّيّ عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن جرير. قال : كنا معه بقطربّل. فقال : ما هذه؟ قال : قطربّل. قال : فضرب بطن فرسه حتى وقف خارجا منها. ثم قال : إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيلة والصراة وقطربّل ، يجبى إليها خزائن الأرض وجبابرتها ، يخسف بأهلها ، فلهى أسرع هويّا في الأرض من وتد الحديد في الأرض الرخوة».

قال عمّار : سمعته يحدّث به رجلا. قال أبو غسان : فقلت له : أبا سفيان؟ فقال :قد أخذ على أن لا أسميه ، ولم يقل لي. قال عمّار : فشككت في بعضه فقومني فيه وقد حفظت إسناده من عاصم والحديث إلا الشيء.

أنبأنا محمّد بن أحمد بن رزق قال نا القاضي أبو بكر محمّد بن عمر بن محمّد

__________________

(١) في الأصل : «بن نيحاب» وما أثبتناه من التبصير ص ١٤٢٩ ، واللباب والإكمال ٥ / ٢٥٨. والأنساب للسمعاني ٨ / ٢٨٩.

٥٥

الجعابي قال نبأنا عبد الله بن محمّد بن ناجية قال نبأنا أبو أمية محمّد بن إبراهيم قال نبأنا أحمد بن يعقوب المسعودي قال قلت لعمّار بن سيف : سمعت هذا الحديث من عاصم؟ قال : رجل ثقة كأنك تسمعه منه ـ يعني حديث جرير تبنى مدينة.

قال الشيخ أبو بكر : هذا خلاف الحديث الذي بدأنا به لأن عمّارا ذكر في تلك الرواية أنه حضر الثوري يسأل عاصما عنه ، وفي هذه الرواية أنكر أن يكون سمعه من عاصم ، والله أعلم.

وقد روى هذا الحديث عن عاصم ؛ سيف بن محمّد ابن أخت سفيان الثوري وهو أخو عمّار بن محمّد ، ومحمّد بن جابر اليمامي ، وأبو شهاب الحناط. وروى عن سفيان عن عاصم.

فأما حديث سيف : فأخبرناه عبيد الله بن أحمد بن محمّد الحربيّ القزاز قال نا أحمد بن سلمان الفقيه قال ثنا إدريس بن عبد الكريم قال نا أبو إبراهيم الترجماني.

وأخبرنا على بن أبي على قال أنبأنا طلحة بن محمّد بن جعفر المعدّل قال نا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغويّ وعمر بن إسماعيل بن أبي غيلان. قالا : نا إسماعيل بن إبراهيم الترجماني قال نا سيف بن محمّد عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي. قال : كنت مع جرير بن عبد الله بقطربّل. فقال : ما اسم هذه القرية؟ قال قلت : قطربّل. قال : ثم أومأ إلى الدجيل. قال قلت : دجيل. قال : ثم أومأ إلى دجلة. قال قلت : دجلة. قال : ثم أومأ إلى الصراة. قال قلت : ذاك يسمى الصراة. قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربّل والصراة ، يجبى إليها بخزائن الأرض وكنوز الأرض وجبابرتها ، تخسف بأهلها فلهى أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة»

. لفظ حديث إدريس.

وأما حديث محمّد بن جابر : فأخبرنيه أبو الحسن على بن حمزة بن أحمد المؤذن يجامع البصرة قال نبأنا أبو القاسم عمر بن محمّد بن سيف قال نبأنا عمر بن الحسين الحلبيّ القاضي قال نبأنا محمّد بن سليمان لوين قال نبأنا محمّد بن جابر عن عاصم عن أبي عثمان عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبنى مدينة بين دجلة والدجيل وقطربّل والصراة ، يجبى إليها خراج أهل الأرض ، هي أسرع خسفا من السكة في الأرض الخوارة».

٥٦

وأما حديث أبي شهاب فأخبرناه الحسن بن أحمد بن إبراهيم قال أنبأنا محمّد بن أحمد بن على بن مخلد الجوهريّ قال نبأنا أحمد بن موسى الشطوي قال نبأنا الحسن ابن الرّبيع قال نبأنا أبو شهاب عن عاصم عن أبي عثمان عن جرير يرفعه. قال : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربّل والصراة ، لأهلها أسرع هلاكا في الأرض من السكة الحديد في الأرض الرخوة».

وأما حديث سفيان الثوري : فأخبرناه أبو القاسم إبراهيم بن عبد الواحد بن الخباب الدلال والحسن بن أبي بكر. قالا : أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشّافعيّ قال نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدّثنا يحيى بن معين قال حدّثنا يحيى بن أبي بكير قال نا عمّار بن سيف قال نا سفيان الثوري عن عاصم عن أبي عثمان عن جرير قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربّل ، يجتمع فيها خزائن الأرض يخسف بها ، فلهى أسرع ذهابا في الأرض من الحديد أو الحديدة في الأرض الرخوة».

أخبرنا أحمد بن محمّد بن غالب أبو بكر الخوارزميّ البرقانيّ قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال أخبرني الحسن بن سفيان وحدّثنا عمران بن موسى. قال : نا محمّد بن الحسن الأعين أبو بكر قال نا يحيى بن معين قال نا يحيى ابن أبي بكير عن عمّار بن سيف عن سفيان الثوري عن عاصم عن أبي عثمان عن جرير. قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يكون خسف بين دجلة ودجيل وقطربّل والصراة ، بأمراء جبابرة يخسف الله بهم الأرض ، ولهى أسرع بهم هويّا من الوتد اليابس في الأرض الرطبة (١)».

أخبرنا على بن محمّد بن عيسى بن موسى البزّار قال أنبأنا على بن محمّد بن أحمد المصري قال نبأنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال سمعت إبراهيم بن سعيد الجوهريّ يقول نبأنا إسماعيل بن أبان قال نبأنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أبي عثمان بن جرير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحوه.

قال أحمد بن عمرو : ولا أعلم روى أبو عثمان عن جرير غير هذا.

حدّثني الحسن بن أبي طالب قال نبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن قال

__________________

(١) انظر الحديث في : الموضوعات لابن الجوزي ٢ / ٦٦. واللآلئ المصنوعة ١ / ٢٤٥.

٥٧

نبأنا صالح بن أبي مقاتل الحافظ قال نبأنا محمّد بن إشكاب قال نبأنا عبد العزيز بن أبان قال نبأنا سفيان عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبنى مدينة بين دجلة والدجيل ، لهى أسرع خرابا من السكة في الأرض الرخوة».

أخبرني أبو الفرج الحسين بن على الطّناجيريّ قال أنبأنا عمر بن أبي الطّيّب الورّاق قال نا على بن أحمد بن نوح التستري قال نا عمران بن عبد الرّحمن شاذان قال نا إسماعيل بن نجيح قال أنبأنا سفيان الثوري عن عاصم عن أبي عثمان قال : كنت مع جرير بالتل والتلول. فقال : أين الدجلة؟ فقلت : هذه. فقال : أين الدجيل؟ فقلت : هذه. فقال : أين قطربّل؟ قال قلت : هذه. فقال لي : النجا النجا ، ارتحل ارتحل ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربّل والصراة ، يجبى إليها خزائن الأرض ، لهى أشد خرابا من المرود في الأرض الرخوة».

أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغويّ قال نبأنا عمر بن إبراهيم أبو بكر الحافظ قال نا محمّد بن عثمان بن مخلد الواسطيّ قال نا أبو سفيان عبيد الله بن سفيان الغداني (١) قال نبأنا سفيان عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن جرير بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تبنى مدينة بين نهر يقال له دجلة ونهر يقال له دجيل ونهر يقال له الصراة ، يجتمع فيها ملوك أهل الأرض وخزائن أهل الأرض ؛ لهى أشد رسوخا في الأرض من السكة الحديد».

أخبرني أبو الحسين محمّد بن أبي على الأصبهانيّ قال نبأنا محمّد بن إسحاق القاضي وعليّ بن محمّد بن سعيد الأهوازيّان قالا : نبأنا أبو الحسن أحمد بن الحسن القرشيّ قال نبأنا أحمد بن محمّد بن عمر بن يونس قال قلت لعبد الرّزّاق : أحدّثك سفيان الثوري هذا الحديث؟ قال : نعم : عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي.قال : نزل جرير بن عبد الله البجليّ صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قطربّل. فقال : أي نهر هذا؟ قالوا : دجلة ودجيل. قال : هاهنا نهر سوى هذا؟ قالوا : نعم نهر يقال له الصّراة أسفل منه بفرسخ. فقال : الرحيل ، الرحيل. سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تبنى مدينة بين نهرين يقال لهما دجلة ودجيل والآخر يقال له الصراة ، يجتمع فيها

__________________

(١) الغداني : نسبة إلى غدانة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم (الأنساب للسمعاني ٩ / ١٢٧).

٥٨

جبابرة الأرض وملوك الأرض وكنوز الأرض ، لهى بهم أسرع رسوخا في الأرض من سكة حديد».

فقال عبد الرّزّاق لعمر : من حدّثك هذا عني؟ فقلت : أحمد بن داود. قال : نعم ما حدّثت به غيره ولا أحدّث به غيرك.

أخبرنا أبو الحسن على بن يحيى بن جعفر بن عبد كويه الإمام بأصبهان قال نا سليمان بن أحمد بن أيّوب الطبراني قال نا علان بن عبد الصّمد الطيالسي قال نا أحمد بن مطهر المصيصي قال نا صالح بن بيان الثقفي.

قال الطبراني : وحدّثنا إبراهيم بن محمّد التستري الدستوائي قال نا سليمان بن الرّبيع النهدي قال نا همّام بن مسلم قال نا سفيان عن أبي عبيدة.

وحدّثني الحسن بن أبي طالب ـ واللفظ له ـ قال نا أبو بكر أحمد بن إبراهيم قال نا جعفر بن أحمد بن يحيى المروزيّ المؤذن قال نا سليمان بن الرّبيع قال نا همّام بن مسلم قال سمعت سفيان قال نا أبو عبيدة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل ، لهى أسرع ذهابا في الأرض من وتد الحديد في الأرض الرخوة»(١).

أبو عبيدة هو حميد الطويل : وهذا الإسناد ليس. بمحفوظ ، وصالح بن بيان ضعيف ، وهمّام بن مسلم مجهول ، والمحفوظ حديث عاصم الأحول عن أبي عثمان عن جرير.

ونحن ذاكرون ما انتهى إلينا من علله إن شاء الله.

***

ذكر علل هذا الحديث :

أخبرنا على بن محمّد بن عبد الله المعدّل إجازة قال نبأنا محمّد بن أحمد بن الحسن ثم أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ قراءة قال نا أبي قال نا عبد الله بن سليمان قالا : نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سئل أبي عن حديث جرير «تبنى مدينة» فقال : ما حدّث به إنسان ثقة.

أخبرنا الحسن بن على الجوهريّ قال أنبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال نبأنا أبو

__________________

(١) انظر الرواية في : المعجم الصغير للطبراني ١ / ٩٢.

٥٩

الطّيّب محمّد بن القاسم الكوكبي قال نا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال سمعت يحيى بن معين يقول قال لي يحيى بن آدم : حديث عاصم عن أبي عثمان عن جرير ما رواه أحد إلا عمّار بن سيف. ثم قال يحيى بن معين : ومنهم من يرويه عنه عن سفيان عن عاصم ، ومنهم من يرويه عنه عن عاصم ، وليس للحديث أصل.

أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن غالب الفقيه قال سمعت أبا الحسن الدّارقطنيّ يقول : عمّار بن سيف الضّبّيّ كوفي متروك.

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال نا يوسف بن أحمد الصيدلاني بمكة قال نا محمّد بن عمرو العقيلي قال نا على بن عبد العزيز قال : ذكرت لأحمد ـ يعني ابن منيع ـ حديث عاصم عن أبي عثمان عن جرير «تبنى مدينة» ففارقني ثم رجع إليّ فقال : ذهبت إلى أحمد بن حنبل فأخبرته به. فقال لي : يا أبا جعفر ليس لهذا الحديث أصل.

أخبرنا محمّد بن على الورّاق وأحمد بن على المحتسب قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر التّميميّ قال نبأنا الحسن بن محمّد السكوني قال نبأنا القاضي أبو بكر محمّد ابن خلف بن حيّان وكيع ـ وذكر حديث عمّار بن سيف ـ فقال : قال المخرّمي ـ يعني محمّد بن عبد الله ـ سمعت : يحيى بن معين يقول : ما أصاب عمّار هذا الحديث إلا على ظهر كتاب.

أنبأنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد الكاتب قال أنبأنا محمّد بن حميد المخرّميّ قال نبأنا على بن الحسين بن حيّان قال : وجدت في كتاب أبي بخط يده قال أبو زكريّا ـ يعني يحيى بن معين : عبد العزيز بن أبان كذاب خبيث ، قلت له : بأي شيء استدللت على كذبه؟ قال : حدّث عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن جرير في دجلة ودجيل. فقلت له : فقد حدّث به عمّار بن سيف عن سفيان. قال : عمّار كان رجلا مغفلا لا يدري من سفيان سمعه أو من عاصم؟ كذا قال يحيى بن آدم.

قال الشيخ أبو بكر : هذا الكلام على عمّار بن سيف في روايته هذا الحديث.

وأما سيف بن محمّد. فأخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد بن محمّد بن جعفر قال أنبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز قال أنبأنا أحمد بن سعيد السوسي قال نبأنا عبّاس بن محمّد قال سمعت يحيى بن معين يقول : سيف بن محمّد ابن أخت سفيان الثوري ضعيف.

٦٠