تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٢

خبر [بناء] الرصافة (١)

أخبرنا محمّد بن على بن مخلد الورّاق وأحمد بن على بن الحسين التّوّزي. قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر التّميميّ النّحويّ قال نا الحسن بن محمّد السكوني قال نا محمّد بن خلف قال قال أحمد بن الشروي عن أبيه : قدم المهديّ من المحمّدية بالري سنة إحدى وخمسين ومائة في شوال ، ووفدت إليه الوفود وبنى له المنصور الرصافة ، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا ، وأجرى لها الماء. قال محمّد بن خلف وقال يحيى بن الحسن : كان بناء المهديّ بالرهوص إلا ما كان يسكنه هو ، واستتم بناء الرصافة وجميع ما فيها سنة تسع وخمسين ومائة (٢) ، هكذا قال يحيى بن الحسن.

وأخبرنا ابن مخلد وابن التوزي. قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال : نبأنا محمّد بن خلف قال نا الحارث بن أبي أسامة قال : فرغ من بناء الرصافة سنة أربع وخمسين ومائة.

قرأت على الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي قال حدّثني محمّد بن موسى عن محمّد بن أبي السرى عن الهيثم بن عدي قال : لما بنى المهديّ قصره بالرصافة دخل يطوف فيه ومعه أبو البختري وهب بن وهب. قال فقال له : هل تروي في هذا شيئا؟ قال : نعم : حدّثني جعفر بن محمّد عن أبيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خير صحونكم ما سافرت فيه أبصاركم».

أخبرنا أبو الحسين على بن محمّد بن البرّاء قال قال على بن يقطين : خرجنا مع المهديّ فقال لنا يوما : إني داخل ذلك البهو فنائم فيه فلا يوقظني أحد حتى أستيقظ.قال : فنام فما أنبهنا إلا بكاؤه ، فقمنا فزعين فقلنا : ما شأنك يا أمير المؤمنين؟ قال : أتاني الساعة آت في منامي شيخ والله لو كان في مائة ألف شيخ لعرفته ، فأخذ بعضادتي الباب وهو قال :

كأني بهذا القصر قد باد أهله

وأوحش منه ركنه ومنازله

وصار عميد القوم من بعد بهجة

وملك إلى قبر عليه جنادله

أخبرني القاضي أبو عبد الله الحسين بن على الصّيمريّ قال نبأنا محمّد بن عمران

__________________

(١) انظر في ذلك : المنتظم ٨ / ١٤٦. وفي الأصل : «خبر الرصافة».

(٢) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ١٤٨.

١٠١

المرزبانيّ قال أخبرني محمّد بن يحيى قال حدّثني محمّد بن موسى المنجم : أن المعتصم وابن أبي داود اختلفا في مدينة أبي جعفر والرصافة أيّهما أعلى. قال : فأمرني المعتصم فوزنتهما ، فوجدت المدينة أعلى من الرصافة بذراعين ونحو من ثلثي ذراع (١).

قال الشيخ أبو بكر : وربع الرصافة يسمى عسكر المهديّ ، وإنما سمي بذلك لأن المهديّ عسكر به عند شخوصه إلى الري.

***

ذكر محال مدينة السّلام وطاقاتها وسككها ودروبها وأرباضها

 ومعرفة من نسبت إليه ، من ذلك : نواحي الجانب الغربي

أخبرنا محمّد بن على بن مخلد وأحمد بن على بن الحسين التوزي قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر التّميميّ النّحويّ قال نبأنا الحسن بن محمّد السكوني قال نبأنا محمّد بن خلف وكيع قال : طاقات العكي ، هو مقاتل بن حكيم أصله من الشام.وطاقات الغطريف بن عطاء ، وهو أخو الخيزران خال الهادي والرشيد ولّي اليمن ويقال إنه من بني الحارث بن كعب ، وإن الخيزران كانت لسلمة بن سعيد اشتراها من قوم قدموا من جرش مولّدة ، طاقات أبي سويد ، اسمه الجارود مما يلي مقابر باب الشام. ربض العلاء بن موسى ، عند درب أبي حيّة. ربض أبي نعيم موسى بن صبيح من أهل مرو عند يقال شيرويه (٢) ويقال : إن أبا نعيم خال الفضل بن الرّبيع.

قال الشيخ أبو بكر : يقال شيرويه : هو اسم موضع في هذا الربض. وربض أبي عون عبد الملك بن يزيد ، الدرب النافذ إلى درب طاهر. وربض أبي أيّوب الخوزي ، وربض الترجمان يتّصل بربض حرب : الترجمان بن بلخ.

مربّعة شبيب بن روح المروروذي : كذا ذكر لي ابن مخلد وابن التوزي وإنما هو شبيب بن أوج. قال ذلك : أحمد بن أبي طاهر وإبراهيم بن محمّد بن عرفة الأزديّ ومحمّد بن عمر الجعابي. مربّعة أبي العبّاس : وهو الفضل بن سليمان الطوسي وهو من أهل أبيورد.

قال محمّد بن خلف وقال أحمد بن أبي طاهر حدّثني أبو جعفر محمّد بن موسى ابن الفرات الكاتب : أن القرية التي كانت في مربّعة أبي العبّاس كانت قرية جده

__________________

(١) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ١٤٨.

(٢) هكذا في النسختين.

١٠٢

من قبل أمه وأنه من دهاقين يقال لهم بنو زراري (١). وكانت القرية التي تسمى الوردانية وقرية أخرى قائمة إلى اليوم مما يلي مربّعة أبي قرة. قال محمّد بن خلف : ومربّعة أبي قرّة هو عبيد بن هلال الغساني من أصحاب الدولة. وزعم أحمد بن الحارث عن إبراهيم بن عيسى قال : كان في الموضع الذي هو اليوم معروف بدار سعيد الخطيب قرية يقال لها شرقانية ولها نخل قائم [إلى (٢)] اليوم مما يلي قنطرة أبي الجوز ، وأبو الجوز (٣) من دهاقين بغداد من أهل القرية.

قال محمّد بن خلف : وربض سليمان بن مجالد. وربض إبراهيم بن حميد ، وربض حمزة بن مالك الخزاعيّ. وربض رواد بن سنان أحد القواد. وربض حميد بن قحطبة ابن شبيب بن خالد بن معدان بن شمس الطائي. وقرية معدان بعمان على ساحل البحر يقال لها بوس (٤). وربض نصر بن عبد الله : وهو شارع دجيل يعرف بالنصرية. وربض عبد الملك بن حميد ، كاتب المنصور قبل أبي أيّوب. وربض عمرو بن المهلب. وربض حميد بن أبي الحارث أحد القواد ، وربض إبراهيم بن عثمان بن نهيك عند مقابر قريش. وربض زهير بن المسيّب ، وربض الفرس ومربعتهم أقطعهم المنصور.

ثم قال محمّد بن خلف وقال الفراشي ـ أحمد بن الهيثم ـ أقطاع المسيّب بن زهير في شارع باب الكوفة ما بين حد دار الكندي إلى حد سويقة عبد الوهّاب إلى داخل المقابر. وأقطاع القحاطبة من شارع باب الكوفة إلى باب الشام (٥).

أخبرني أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال نبأنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة قال : وأما شارع القحاطبة ، فمنسوب إلى الحسن بن قحطبة ، وهنالك منزله ، وكان الحسن من رجالات الدولة ومات سنة إحدى وثمانين ومائة.

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي. قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال قال محمّد بن خلف : وأقطع المأمون طاهر بن الحسين داره ، وكانت قبله لعبيد الخادم مولى المنصور قال : والبغيّين أقطاع المنصور لهم وهو من درب سوار إلى آخر

__________________

(١) في مطبوعة باريس : «بنو زداري».

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.

(٣) في مطبوعة باريس : «وأبو الجون».

(٤) في مطبوعة باريس : «بوسن» وفي نسخة «بوس».

(٥) النص من كتاب التاريخ لنفطويه النّحويّ ، وهو مفقود ، اقتبس منه المؤلف ١٢٦ نصا.

١٠٣

ربض البرجلانيّة وفي البرجلانيّة ، منازل حمزة (١) بن مالك. الخوارزميّة جند من جند المنصور الحربيّة ، نسبت إلى حرب بن عبد الله صاحب حرس المنصور. الزّهيرية ، إلى زهير بن محمّد قائد من أهل أبيورد. منارة حميد الطوسي الطائي.

قال محمّد بن خلف قال أبو زيد الخطيب وسمعت أبي يقول : شهار شهارسوج (٢) الهيثم : هو الهيثم بن معاوية القائد. وقال أبو زيد الخطيب : المنار الذي في شارع الأنبار بناه طاهر وقت دخوله. قال محمّد بن خلف : بستان القسّ : قسّ كان ثمّ قبل بناء بغداد. سويقة عبد الوهّاب بن محمّد بن إبراهيم الإمام.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق قال أنبأنا عثمان بن أحمد الدّقّاق قال أنبأنا محمّد بن أحمد بن البراء قال نبأنا على بن أبي مريم قال : مررت بسويقة عبد الوهّاب وقد خربت منازلها وعلى جدار منها مكتوب :

هذي منازل أقوام عهدتهم

في رغد عيش رغيب ماله خطر

صاحب بهم نائبات الدهر فانقلبوا

إلى القبور فلا عين ولا أثر (٣)

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي. قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال قال محمّد بن خلف : ودور الصحابة (٤) منهم أبو بكر الهذلي وله مسجد ودرب ومحمّد بن يزيد ، وشبّة بن عقال ، وحنظلة بن عقال ، ولهم درب ينسب إلى الاستخراجي اليوم. ولعبد الله بن عياش دار على شاطئ الصراة. ولعبد الله بن الرّبيع الحارثي دار في دور الصحابة ، ولابن أبي سعلى الشّاعر. ولأبي دلامة ـ زيد بن جون ـ إقطاع ، هكذا في رواية محمّد بن جعفر عن السكوني زيد بالياء.

وقد أخبرنا محمّد بن الحسن الأهوازيّ قال نا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكريّ قال أنبأنا أبو العبّاس بن عمّار قال أنبأنا ابن أبي سعد قال قال أحمد ابن كلثوم : رأيت أبا عثمان المازني والجمّاز عند جدي محمّد بن أبي رجاء فقال لهم : ما اسم أبي دلامة؟ فلم يردوا عليه شيئا. فقال جدي : هو زند إياك أن تصحف فتقول زيد. قال أبو أحمد العسكريّ : أبو دلامة هو زند بن الجون مولى قصاقص

__________________

(١) في مطبوعة باريس : حمرة ـ بالراء المهملة وتشديد الميم ـ وفي الهامش أشار إلى أنها بسكون الميم والراء المهملة أيضا. نقلا عن ابن ماكولا.

(٢) على هامش المطبوعة : أصلها بالفارسية هارسوج ، ومعناها بالعربية أربع جهات.

(٣) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٢٠١.

(٤) على هامش الأصل : أنبأنا سيدنا. قال : أنبأنا أبو بكر الخطيب إجازة. قال : المراد صحابة المنصور.

١٠٤

الأسديّ ، صحب السفاح والمنصور ومدحهما ، وفي أجداد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نسب إسماعيل زند بن بري بن أعراق الثرى.

أخبرني عبد الله بن أحمد بن عثمان الصّيرفيّ قال نبأنا محمّد بن عبد الله بن أيّوب قال أنبأنا أبو العبّاس أحمد بن عبيد الله بن عمّار الثقفي قال أبو أيّوب ـ يعني سليمان بن أبي شيخ : كان أبو جعفر المنصور أمر بدور من دور الصحابة أن تهدم أو تقبض وفيها دار لأبي دلامة فقال :

يا بني وارث النبي الذي ح

لّ بكفّيه ماله وعقاره

لكم الأرض كلّها فأعيروا

عبدكم ما احتوى عليه جداره

وكأن قد مضى وخلف فيكم

ما أعرتم وحلّ ما لا يعاره

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي. قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال قال محمّد بن خلف : كان موضع السجن الجديد أقطاعا لعبد الله بن مالك نزلها محمّد بن يحيى بن خالد بن برمك ثم دخلت في بناء أمّ جعفر أيام محمّد الذي سمته القرار. وكانت دار سليمان بن أبي جعفر قطيعة لهاشم بن عمرو الفزاري.ودار عمرو بن مسعدة للعبّاس بن عبيد الله بن جعفر بن المنصور دار صالح المسكين أقطعه إياها أبو جعفر. وسويقة الهيثم بن شعبة بن ظهير مولى المنصور توفي سنة ست وخمسين ومائة وهو على بطن جارية. دار عمارة بن حمزة أحد الكتّاب البلغاء الجلة. يقال : هو من ولد أبي أسامة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال : هو من ولد عكرمة. قصر عبدويه من الأزد من وجوه الدولة تولى بناءه أيام المنصور. دار أبي يزيد الشروي مولى على بن عبد الله بن عبّاس. سكة مهلهل بن صفوان مولى على بن عبد الله. صحراء أبي السري الحكم بن يوسف قائد : وهو مولى لبني ضبّة. الرهينة كانت لقوم أخذوا رهينة أيام المنصور وهي متصلة بربض نوح بن فرقد قائد صحراء قيراط مولى طاهر وابنه عيسى بن قيراط. دار إسحاق كانت جزيرة أقطعها المأمون إسحاق بن إبراهيم. سويقة : أبي الورد هو عمر بن مطرف المروزيّ كان يلي المظالم للمهديّ ويتصل بها. قطيعة إسحاق الأزرق الشروي من ثقات المنصور.

حدثت عن أبي عبيد الله المرزبانيّ قال حدّثني عبد الباقي بن قانع : إنما سميت سويقة أبي الورد لأن عيسى بن عبد الرّحمن كان يقال له أبو الورد ، وكان مع المنصور فالسويقة به سميت.

١٠٥

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال قال محمّد بن خلف : بركة زلزل الضارب وكان غلاما لعيسى بن جعفر فحفر هذه البركة للسبيل.

أنشدنا الحسن بن أبي بكر قال أنشدنا أبي قال أنشدنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة نفطويه لنفسه :

لو ان زهيرا وامرأ القيس أبصرا

ملاحة ما تحويه بركة زلزل

لما وصفا سلمى ولا أمّ سالم

ولا أكثرا ذكر الدّخول فحومل

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال نبأنا محمّد بن خلف قال قال أحمد بن أبي طاهر حدّثني أحمد بن موسى من دهاقين بادوريا قال : كانت قطيعة الرّبيع مزارع للناس من قرية يقال لها بناوري من رستاق الفروسيج (١) من بادوريا واسمها إلى الساعة معروف في الديوان. قال محمّد ابن خلف. وقالوا : أقطع المنصور الرّبيع قطيعته الخارجة وقطيعة أخرى بين السورين ظهر درب جميل ، وأن التجار وساكني قطيعة الرّبيع غصبوا ولد الرّبيع عليها وكانت قطيعة الرّبيع وسويقة غالب تسمى قبل ذلك ورثالا. ويقال : أن الخارجة أقطعها المهديّ للربيع والمنصور أقطعه الداخلة.

أخبرني أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن محمّد بن عرفة قال : وأما قطيعة الرّبيعة فمنسوبة إلى الرّبيع مولى المنصور. وأما قطيعة الأنصار فإن المهديّ أقدمهم ليكثر بهم أنصاره ويتيمن (٢) بهم فأقطعهم هذه القطيعة وكانت منازل البرامكة بالقرب منهم.

قال ابن عرفة : وأما قطيعة الكلاب فأخبرني بعض الشيوخ عن رجل من أهلها عن أبيه. قال : لما أقطع أبو جعفر القطائع بقيت هذه الناحية لم يقطعها أحدا وكانت الكلاب فيها كثيرا فقال بعض أهلها : هذه قطيعة الكلاب فسميت بذلك. وأما سكك المدينة فمنسوبة إلى موالي أبي جعفر وقواده. منها سكة شيخ بن عميرة ، وكان يخلف البرامكة على الحرس وكان قائدا. وأما دار خازم : فهو خازم بن خزيمة النّهشلي

__________________

(١) الفروسيج : قال ياقوت : بفتح أوله وثانيه ، وسكون الواو ، وسكون السين ، فالتقى ساكنان ، لأنها أعجمية وياء مثناة من تحت مفتوحة ، وآخره جيم.

(٢) في مطبوعة باريس : «ويتميز بهم».

١٠٦

وهو أحد الجبابرة قتل في وقعة سبعين ألفا وأسر بضعة عشر ألفا فضرب أعناقهم وذلك بخراسان. وأما درب الأبرد : فإنه الأبرد بن عبد الله قائد من قواد الرشيد ، وكان يتولى همذان. وأما درب سليمان فمنسوب إلى سليمان بن جعفر المنصور.وسكة الشرط في المدينة كان ينزلها أصحاب شرط المنصور. وسكة سيابة منسوبة إليه ، وهو أحد أصحاب المنصور. وأما الزّبيديّة التي بين باب خراسان وبين شارع دار الرقيق ؛ فمنسوبة إلى زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور. وكذلك الزبيديّة التي أسفل مدينة السّلام في الجانب الغربي. وأما قصر وضاح : فمنسوب إلى وضاح الشروي مولى المنصور. وأما دور بني نهيك التي تقرب من باب المحول : فهم أهل بيت من أهل سمرة وكانوا كتابا وعمالا متصلين بعبد الله بن طاهر. وأما درب جميل ، فهو جميل بن محمّد وكان أحد الكتّاب. وأما مسجد الأنباريّين ، فينسب إليهم لكثرة من سكنه منهم ، وأقدم من سكنه منهم زياد القندي ، وكان يتصرف في أيام الرشيد ، وكان الرشيد ولى أبا وكيع ـ الجرّاح بن مليح ـ بيت المال فاستخلف زيادا ، وكان زياد شيعيا من الغالية فاختان هو وجماعة من الكتاب واقتطعوا من بيت المال وصحّ ذلك عند الرشيد فأمر بقطع يد زياد. فقال : يا أمير المؤمنين لا يجب على قطع اليد إنما أنا مؤتمن وإنما خنت فكفّ عن قطع يده. قال ابن عرفة : وممن نزل مسجد الأنباريّين من كبرائهم أحمد بن إسرائيل ومنزله في درب جميل ودليل بن يعقوب ومنزله في دور بني نهيك. وهنالك دار أبي الصقر إسماعيل بن بلبل ، وممن أدركنا من سراة الأنباريّين أبو أحمد القاسم بن سعيد وكان كاتبا أديبا.

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي. قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال قال محمّد بن خلف : طاق الحراني لإبراهيم بن ذكوان ثم السوق العتيقة إلى باب الشعير.

قال الشيخ أبو بكر : وفي السوق العتيقة ، مسجد تغشاه الشيعة وتزوره وتعظمه وتزعم أن أمير المؤمنين على بن أبي طالب صلى في ذلك الموضع ولم أر أحدا من أهل العلم يثبت أن عليّا دخل بغداد ولا روي لنا في ذلك شيء غير ما.

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن على الصيمري قال نبأنا أحمد بن محمّد ابن على الصّيرفيّ قال نبأنا القاضي أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي الحافظ ـ وذكر بغداد ـ فقال : يقال أن أمير المؤمنين على بن أبي طالب اجتاز بها إلى النهروان راجعا منه وأنه صلى في مواضع منها فإن صح ذلك فقد دخلها من كان معه من الصحابة.

١٠٧

قال الشيخ أبو بكر : والمحفوظ أن عليّا سلك طريق المدائن في ذهابه إلى النهروان ، وفي رجوعه. والله أعلم.

حدّثني أبو الفضل عيسى بن أحمد بن عثمان الهمداني قال سمعت أبا الحسن بن رزقويه يقول : كنت يوما عند أبي بكر بن الجعابي فجاءه قوم من الشيعة فسلموا عليه ودفعوا إليه صرة فيها دراهم. ثم قالوا له : أيها القاضي إنك قد جمعت أسماء محدثي بغداد وذكرت من قدم إليها ، وأمير المؤمنين على بن أبي طالب قد وردها فنسألك أن تذكره في كتابك. فقال : نعم : يا غلام ، هات الكتاب فجيء به فكتب فيه : وأمير المؤمنين على بن أبي طالب. يقال : إنه قدمها. قال ابن رزقويه فلما انصرف القوم.قلت له : أيها القاضي هذا الذي ألحقته في الكتاب من ذكره؟ فقال : هؤلاء الذين رأيتهم : أو كما قال.

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي [القاضي (١)] قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر السكوني قال قال محمّد بن خلف : مسجد ابن رغبان (٢) عبد الرّحمن بن رغبان مولى حبيب ابن مسلمة ونهر طابق إنما هو نهر بابك بن بهرام بن بابك وهو الذي اتخذ العقر الذي عليه قصر عيسى بن على واحتفر هذا النهر ونهر عيسى غربيّه من الفروسيج وشرقيّه من رستاق الكرخ. وفيه دور المعبديين وقنطرة بني زريق ودار البطيخ ودار القطن.وقطيعة النصارى إلى قنطرة الشوك من نهر طابق شرقيّه وغربيّه من قرية بناوري.ومسجد الواسطيّين مع ظلة ميشويه ، وميشويه ـ نصراني من الدهاقين ـ إلى خندق الصينيات إلى الياسرية. وما كان غربيّ الشارع فهو من قرى تعرف ـ ببراثا ـ وما كان من شرقيه فهو من رستاق الفروسيج وما كان من درب الحجارة وقنطرة العبّاس شرقيّا وغربيّا فهو من نهر كرخايا [وهو من براثا وإنما سمي كرخايا لأنه كان يسقى في رستاق الفروسيج والكرخ فلما أحدث عيسى الرحا المعروف بأبي جعفر قطع نهر كرخايا] (٣) وشق لرستاق الكرخ شربا من نهر رفيل. العبّاسية قطيعة للعبّاس بن محمّد. الياسرية لياسر مولى زبيدة. قنطرة بني زريق دهاقين من أهل بادوريا. قنطرة المعبديّ عبد الله بن معبد المعبدي. أرحاء البطريق : وافد لملك الروم واسمه طارات بن الليث بن العيزار بن طريف بن فوق بن مورق ، بنى هذا المستغلّ ثم مات فقبضت عنه.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.

(٢) في مطبوعة باريس : «مسجد ابن زغبان».

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.

١٠٨

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن جعفر الخالع ـ فيما أذن أن نرويه عنه ـ قال أنبأنا على بن محمّد بن السري الهمداني قال أنبأنا القاضي أبو بكر محمّد بن خلف قال أنبئت : أن يعقوب بن المهديّ سأل الفضل بن الرّبيع عن أرحاء البطريق فقال أخبرني إسحاق بن محمّد بن إسحاق قال له : من هذا البطريق الذي نسبت إليه هذه الأرحاء؟ فقال الفضل : إن أباك رضي‌الله‌عنه لما أفضت إليه الخلافة قدم عليه وافد من الروم يهنيه فاستدناه ثم كلمه بترجمان يعبر عنه. فقال الرومي : إني لم أقدم على أمير المؤمنين لمال ولا غرض (١) ، وإنما قدمت شوقا إليه وإلى النظر إلى وجهه لأنا نجد في كتبنا أن الثالث من أهل بيت نبي هذه الأمة يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. فقال المهديّ : قد سرّني ما قلت ، ولك عندنا كل ما تحبّ ، ثم أمر الرّبيع بإنزاله وإكرامه فأقام مدة ، ثم خرج يتنزه فمر بموضع الأرحاء فنظر إليه. فقال للربيع : اقرضني خمسمائة ألف درهم أبني بها مستغلا يؤدي في السنة خمسمائة ألف درهم. فقال : أفعل ، ثم أخبر المهديّ بما ذكر فقال : أعطه خمسمائة ألف درهم وخمسمائة ألف درهم ، وما أغلت فادفعه إليه ، فإذا خرج إلى بلاده فابعث إليه في كل سنة. قال : ففعل : فبنى الأرحاء ثم خرج إلى بلاده فكانوا يبعثون بغلتها إليه حتى مات الرومي ، فأمر المهديّ أن يضم إلى مستغله. قال : واسم البطريق طارات بن الليث بن العيزار بن طريف ، وكان أبوه ملكا من ملوك الروم في أيام معاوية بن أبي سفيان (٢).

أخبرني أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال نبأنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة قال : وأما قطيعة خزيمة فهو خزيمة بن خازم أحد قواد الرشيد ، وعاش إلى أيام الأمين وعمي في آخر عمره. وأما شاطئ دجلة فمن قصر عيسى إلى الدار التي ينزلها في هذا اليوم على قرن الصّراة إبراهيم بن أحمد فإنما كان أقطاعا لعيسى بن على ـ يعني ابن عبد الله بن عبّاس ـ وإليه ينسب نهر عيسى وقصر عيسى ، وعيسى بن جعفر وجعفر بن أبي جعفر وإليه ينسب فرضة جعفر وقطيعة جعفر ، وأما قصر حميد فأحدث بعد. وأما شاطئ دجلة من قرن الصراة إلى الجسر ومن حد الدار التي كانت لنجاح بن سلمة ثم صارت لأحمد بن إسرائيل ثم هي اليوم بيد خاقان المفلحي إلى باب خراسان فذلك الخلد. ثم ما بعده إلى الجسر ، فهو القرار نزله المنصور في آخر أيامه ثم أوطنه الأمين.

__________________

(١) في المنتظم : «ولا عرض».

(٢) انظر في الخبر : المنتظم ٨ / ٢١٦ ، ٢١٧.

١٠٩

أخبرنا على بن محمّد بن عبد الله المعدّل قال أخبرنا الحسين بن صفوان البردعي قال نبأنا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي الدّنيا قال حدّثني الحسن بن جهور قال : مررت مع على بن أبي هشام الكوفيّ بالخلد والقرار فنظر إلى تلك الآثار فوقف متأملا وقال :

بنوا وقالوا لا نموت

وللخراب بنى المبنّى

ما عاقل فيما رأيت

إلى الحياة بمطمئن (١)

أخبرني الأزهري قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال نبأنا ابن عرفة قال : وأما دار إسحاق فمنسوبة إلى إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، ولم يزل يتولى الشرطة من أيام المأمون إلى أيام المتوكل ومات في سنة خمس وثلاثين ومائتين ، وسنّه ثمان وخمسون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما. وأما قطيعة أم جعفر فمنسوبة إليها.

***

تسمية نواحي الجانب الشرقي

أخبرنا محمّد بن على بن مخلد وأحمد بن على التوزي قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر التّميميّ قال نبأنا لحسن بن محمّد السكوني قال نبأنا محمّد بن خلف قال : درب خزيمة بن خازم أقطاع. طاق أسماء بنت المنصور : وهي التي صارت لعليّ بن جهشيار. بين القصرين : قصر أسماء وقصر عبيد الله بن المهديّ. سويقة خضير مولى صالح صاحب المصلى كان يبيع الجرار هناك. سويقة يحيى بن خالد أقطاع ثم صارت لأم جعفر أقطعها المأمون طاهرا. سويقة أبي عبيد الله معاوية بن عبيد الله بن عضاة الأشعريّ الوزير. قصر أم حبيب ، أقطاع من المهديّ لعمارة بن أبي الخطيب مولى لروح بن حاتم. وقد قيل أنه [مولى المنصور] (٢). سويقة نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعيّ ، وكان هناك مسجد فتعطل أيام المستعين. سوق العطش بناه سعيد الخرسي للمهديّ ، وحول إليه كل ضرب من التجار فشبّه بالكرخ ، وسماه سوق الري فغلب عليه سوق العطش. وإن قنطرة البردان إلى الجسر للسرى بن الحطم. وقالوا : اشترى أبو النّضر هاشم بن القاسم موضع داره من السري بن الحطم. وكان يقال : ليس في ذلك الشارع أصح من دار أبي النّضر.

__________________

(١) انظر الخبر في : المنتظم ، ٨ / ٢٠١.

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.

١١٠

أخبرنا أبو عبد الله الخالع ـ فيما أذن أن نرويه عنه ـ قال أنبأنا على بن محمّد بن السرى الهمداني قال أنبأنا القاضي أبو بكر محمّد بن خلف قال قال أحمد بن الحارث : إن بغداد صوّرت لملك الروم أرضها وأسواقها وشوارعها وقصورها وأنهارها غربيّها وشرقيّها ، وأن الجانب الشرقي [لمّا] (١). صورت شوارعه ، فصور شارع الميدان وشارع سويقة نصر بن مالك ، من باب الجسر إلى الثلاثة الأبواب والقصور التي فيه ، والأسواق والشوارع من سويقة خضير إلى قنطرة البردان ، فكان ملك الروم إذا شرب دعا بالصور فيشرب على مثال شارع سويقة نصر. ويقول : لم أر صورة شيء من الأبنية أحسن منه.

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي. قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال قال محمّد بن خلف : مربّعة الخرسي هو سعيد الخرسي. دار فرج الرخجي ، كان مملوكا لحمدونة بنت عضيض أم ولد الرشيد.

وأخبرني الأزهري قال نبأنا أحمد بن إبراهيم قال نبأنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة قال : وقصر فرج منسوب إلى فرج الرخجي ، وابنه عمر بن فرج كان يتولى الدواوين وأوقع به المتوكل. وأما شارع عبد الصّمد ، فمنسوب إلى عبد الصّمد بن على بن عبد الله بن العبّاس ، وكان أقعد أهل دهره نسبا. وكان بينه وبين عبد مناف كما بين يزيد ابن معاوية وبين عبد مناف ، وبينهما في الوفاة مائة وإحدى وعشرون سنة. ومات محمّد بن على سنة ثماني عشرة ، وبينه وبين عبد الصّمد خمس وستون سنة ، وبين داود بن على وعبد الصّمد بن على اثنان وخمسون سنة ، ومات في أيام الرشيد. وهو عم جده وله أخبار كثيرة ، وكانت أسنان عبد الصّمد وأضراسه قطعة واحدة ما ثغر ، وقد كان الرشيد حبسه ثم رضي عنه فأطلقه.

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي : قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال قال محمّد بن خلف : درب المفضّل بن زمام مولى المهديّ ، أقطاع. رحبة يعقوب بن داود الكاتب مولى بني سليم. خان أبي زياد كان ممن وسمه الحجّاج من النبط ، وهو من سواد الكوفة وعاش إلى أيام المنصور ، ثم انتقل فنزل في هذا الموضع وكان يكنى أبا زينب فغلب عليه أبو زياد ، ونشأ له ابن تأدّب وفصح. دار البانوجة (٢) بنت

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.

(٢) هكذا في الأصل ، وسيأتي أنها : «البانوقة».

١١١

المهديّ. وكذلك سويقة العبّاسة ودار العبّاسة بالمخرّم. وقطيعة العبّاس بباب المخرّم : هو العبّاس بن محمّد بن على بن عبد الله بن عبّاس أخو أبي جعفر.

أخبرني الأزهري قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال نبأنا عرفة قال : قطيعة العبّاس التي في الجانب الشرقي تنسب إلى العبّاس بن محمّد بن على بن عبد الله بن العبّاس ، وهو أخو المنصور وبينه وبين وفاة أبي العبّاس خمسون سنة ، وهو أخوه لأن أبا العبّاس مات سنة ست وثلاثين ومائة. مات العبّاس سنة ست وثمانين ومائة ، وكان يتولى الجزيرة وأهله يتهمون فيه الرشيد ويزعمون أنه سمّه وأنه سقى بطنه فمات في هذه العلة وإليه تنسب العبّاسية.

قال الشيخ أبو بكر : يعني بالعبّاسية قطيعته التي بالجانب الغربي وقد ذكرناها فيما مضى.

أخبرنا عبيد الله بن أحمد الصّيرفيّ قال أنبأنا الحسن على بن عمر الحافظ قال قال ابن دريد : يزيد بن مخرّم الحارثي من ولد صاحب المخرم ببغداد.

سمعت أبا الحسن محمّد بن أحمد بن رزق يقول سمعت أبا عمر الزاهد يقول سمعت أبا على الخرقي يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت أبي يقول : المخرم كنانة السنة.

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال نبأنا محمّد بن خلف قال أنبأني محمّد بن أبي على قال حدّثني محمّد بن عبد المنعم ابن إدريس عن هشام بن محمّد قال : سمعت بني الحارث بن كعب يقولون : إنما سميت مخرم بغداد بمخرّم بن شريح بن مخرم بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو. وكانت له أقطعها أيام نزلت العرب في عهد عمر بن الخطّاب (١).

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال نبأنا محمّد بن خلف قال : وذكر يحيى بن الحسن بن عبد الخالق قال : كانت دار أبي عبّاد ثابت بن يحيى إقطاعا من المهديّ لشبيب بن شيبة الخطيب ، فاشتراها أبو عبّاد

__________________

(١) في مطبوعة باريس : في عهد عمر بن عبد العزيز.

١١٢

من ورثته في أيام المأمون ، قال محمّد بن خلف : سوق الثلاثاء كانت لقوم من أهل كلواذي وبغداد. سويقة حجاج الوصيف مولى المهديّ. دار عمارة بن أبي الخطيب مولى لروح بن حاتم وقد قيل أنه مولى للمنصور. نهر المعلّى بن طريف مولى المهديّ ، وأخوه الليث بن طريف.

أخبرني الأزهري قال نبأنا أحمد بن إبراهيم قال نبأنا ابن عرفة قال : أما نهر المهديّ فمنسوب إلى المهديّ ، ومنزله كان هناك ، وكان مستقره في عيساباذ ، وأما نهر المعلى فكان المعلى من كبار قواد الرشيد ، وجمع له من الأعمال ما لم يجمع لكبير أحد ، ولى المعلى البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين والغوص. وهذه الأعمال جمعت لمحمّد بن سليمان بن على بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب ، وجمعت لعمارة بن حمزة وإليه تنسب دار عمارة : وعمارة بن حمزة مولى لبني هاشم ، وهو من ولد عكرمة مولى ابن عبّاس أمه بنت عكرمة ، وكان أتيه الناس. فكان يقال أتيه من عمارة ، وزعموا أنه دخل عليه رجل من أصحابه وتحت مقعده جوهر خطير فأراد أن يدفعه إلى صاحبه ذاك ، فترفع عن مدّ يده إليه فقال لصاحبه : ارفع المقعد فخذ ما تحته.

أخبرنا ابن مخلد وابن التوزي قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال نبأنا محمّد بن خلف قال : درب الأغلب على نهر المهديّ ، هو الأغلب بن سالم بن سوادة أبو صاحب المغرب من بني سعد بن زيد مناة بن تميم. وعقد هرثمة لإبراهيم ابن الأغلب ابنه. الصالحية ، لصالح المسكين. قباب الحسين في طريق خراسان ، هو الحسين بن قرة الفزاري. عيساباذ ، هو عيسى بن المهديّ وأمه الخيزران.

أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال أنبأنا إسماعيل بن على الخطبي قال : سنة أربع وستين يعني ومائة ، بنى المهديّ بعيساباذ قصره الذي سماه قصر السّلام.

أخبرني الأزهري قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال نبأنا ابن عرفة قال : حوض داود ، منسوب إلى داود بن على.

أخبرني ابن مخلد وابن التوزي قالا : أنبأنا محمّد بن جعفر قال نبأنا السكوني قال قال محمّد بن خلف : حوض داود بن الهندي مولى المهديّ. وقيل هو : داود مولى نصير ونصير مولى المهديّ. حوض هيلانة. قيل : أنها كانت قيمة للمنصور حفرت

١١٣

هذا الحوض ، ولها ربض بين الكرخ [وبين] (١) باب المحول يعرف بها. وقال قوم : هيلانة جارية الرشيد التي يقول فيها :

أف للدنيا وللزينة فيها والأثاث

إذ حثا الترب على هيلان في الحفرة حاث

أخبرنا الحسن بن على الجوهريّ قال نبأنا محمّد بن عمران بن عبيد الله المرزبانيّ قال نبأنا أحمد بن محمّد بن عيسى المكي قال نبأنا محمّد بن القاسم بن خلّاد قال نبأنا الأصمعي قال : كان الرشيد شديد الحب لهيلانة ، وكانت قبله ليحيى بن خالد ، فدخل يوما إلى يحيى قبل الخلافة فلقيته في ممرّ فأخذت بكمّيه فقالت : نحن لا يصيبنا منك يوم مرة. فقال لها : بلى : فكيف السبيل إلى ذلك؟ قالت : تأخذني من هذا الشيخ ، فقال ليحيى : أحبّ أن تهب لي فلانة ، فوهبها له حتى غلبت عليه ، وكانت تكثر أن تقول : هي إلانه فسماها هيلانة. فأقامت عنده ثلاث سنين ثم ماتت ، فوجد عليها وجدا شديدا وأنشد :

أقول لما ضمّنوك الثرى

وجالت الحسرة في صدري

اذهب فلا والله لا سرّني

بعدك شيء آخر الدهر

أخبرنا محمّد بن أبي على الأصبهانيّ قال أنبأنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكريّ عن محمّد بن يحيى الصولي قال أنبأنا الغلابي قال نبأنا محمّد بن عبد الرّحمن قال : لما توفيت هيلانة جارية الرشيد ، أمر العبّاس بن الأحنف أن يرثيها فقال :

يا من تباشرت القبور لموتها

قصد الزمان مساءتي فرماك

أبغي الأنيس فلا أرى لي مؤنسا

إلا التردّد حيث كنت أراك

ملك بكاك وطال بعدك حزنه

لو يستطيع بملكه لفداك

يحمي الفؤاد عن النساء حفيظة

كيلا يحل حمى الفؤاد سواك

فأمر له بأربعين ألف درهم ، لكل بيت عشرة آلاف درهم ، وقال : لو زدتنا لزدناك.

أخبرني الأزهري قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال نبأنا ابن عرفة قال : وأما شاطئ

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.

١١٤

دجلة من الجانب الشرقي : فأوله بناء الحسن بن سهل ، وهو قصر الخليفة في هذا الوقت. ودار دينار ، دار رجاء بن أبي الضّحاك ، ثم منازل الهاشميّين ، ثم قصر المعتصم وقصر المأمون ، ثم منازل آل وهب إلى الجسر كانت أقطاعا لناس من الهاشميّين ، ومن حاشية الخلفاء ، ولمدينة السّلام دروب ومواضع منسوبة إلى كور خراسان ، ومواضع كثيرة منسوبة إلى رجال ليست بأقطاع لهم ، وقيل : إن الدروب والسكك ببغداد أحصيت فكانت ستة آلاف درب وسكة بالجانب الغربي ، وأربعة آلاف درب وسكة بالجانب الشرقي.

***

ذكر دار الخلافة والقصر الحسني والتاج

حدّثني أبو الحسين هلال بن المحسن قال : كانت دار الخلافة التي على شاطئ دجلة تحت نهر معلى ، قديما للحسن بن سهل ، ويسمّى القصر الحسني. فلما توفي صارت لبوران بنته ، فاستنزلها المعتضد بالله عنها فاستنظرته أياما في تفريغها وتسليمها ، ثم رمّتها وعمّرتها وجصّصتها وبيضتها وفرشتها بأجل الفرش وأحسنه ، وعلقت أصناف الستور على أبوابها ، وملأت خزائنها بكل ما يخدم الخلفاء به.ورتبت فيها من الخدم والجواري ما تدعو الحاجة إليه ، فلما فرغت من ذاك انتقلت وراسلته بالانتقال ، فانتقل المعتضد بالله إلى الدار ووجد ما استكثره واستحسنه ، ثم استضاف المعتضد بالله إلى الدار مما جاورها كلّ ما وسّعها به وكبّرها وعمل عليها سورا جمعها به وحصّنها ، وقام المكتفي بالله بعده ببناء التاج على دجلة ، وعمل وراءه من القباب والمجالس ما تناهى في توسعته وتعليته ، ووافى المقتدر بالله فزاد عن ذلك ، وأوفى مما أنشأه واستحدثه ، وكان الميدان والثريّا ، وكذا حير الوحوش متصلا بالدار.

كذا ذكر لي هلال بن المحسن : أن بوران سلمت الدار إلى المعتضد ، وذلك غير صحيح لأن بوران لم تعش إلى وقت المعتضد.

وذكر محمّد بن أحمد بن مهديّ الإسكافي في تاريخه : أنها ماتت في سنة إحدى وسبعين ومائتين وقد بلغت ثمانين سنة ، ويشبه أن تكون سلمت الدار للمعتمد على الله ، والله أعلم.

حدّثني القاضي أبو القاسم على بن المحسن التّنوخيّ قال حدّثني أبو الفتح أحمد ابن على بن هارون المنجم قال حدّثني أبي قال قال : أبو القاسم على بن محمّد

١١٥

الحواري (١) في بعض أيام المقتدر بالله ، وقد جرى حديثه ـ وعظم أمره وكثرة الخدم في داره : قد اشتملت الجريدة في هذا الوقت على أحد عشر ألف خادم خصي ، وكذا من صقلبي ورومي وأسود. وقال : هذا جنس واحد ممن تضمه الدار فدع الآن الغلمان الحجريّة وهم ألوف كثيرة ، والحواشي من الفحول.

وقال أيضا : حدّثني أبو الفتح عن أبيه وعمه عن أبيهما أبي القاسم على بن يحيى : أنه كانت عدة كل نوبة من نوب الفراشين في دار المتوكل على الله ، أربعة آلاف فراش. قالا : فذهب علينا أن نسأله كم نوبة كانوا؟

حدّثني هلال بن المحسن قال حدّثني أبو نصر خواشاذة خازن عضد الدولة قال : طفت دار الخلافة ، عامرها وخرابها وحريمها وما يجاورها ويتاخمها ، فكان ذلك مثل مدينة شيراز.

قال هلال : وسمعت هذا القول من جماعة آخرين عارفين خبيرين. ولقد ورد رسول لصاحب الروم في أيام المقتدر بالله ، ففرشت الدار بالفروش الجميلة ، وزينت بالآلات الجليلة ، ورتّب الحجاب وخلفاؤهم والحواشي على طبقاتهم. على أبوابها ودهاليزها وممراتها ومخترقاتها وصحونها ومجالسها ، ووقف الجند صفين بالثياب الحسنة ، وتحتهم الدواب بمراكب الذهب والفضة ، وبين أيديهم الجنائب على مثل هذه الصورة. وقد أظهروا العدد المكسيّة (٢) والأسلحة المختلفة ، فكانوا من أعلى باب الشماسية وإلى قريب من دار الخلافة ، وبعدهم الغلمان الحجرية والخدم الخواص الداريّة والبرّانية إلى حضرة الخليفة ، بالبزّة الرائعة والسيوف والمناطق المحلاة. وأسواق الجانب الشرقي وشوارعه وسطوحه ومسالكه مملوءة بالعامة النظّارة ، وقد اكترى كل دكان وغرفة مشرفة بدراهم كثيرة ، وفي دجلة الشذّاءات والطيّارات والزبازب والدلالات (٣) والسميريات ، بأفضل زينة وأحسن ترتيب وتعبية ، وسار الرسول ومن معه من المواكب إلى أن وصلوا إلى الدار ، ودخل الرسول فمر به على دار نصر القشوري الحاجب. ورأى ضففا (٤) كثيرا ومنظرا عظيما ، فظن أنه الخليفة وتداخلته له

__________________

(١) في مطبوعة باريس : «الخوارزمي».

(٢) في مطبوعة باريس : «العدد الكثيرة».

(٣) في مطبوعة باريس : «الزلالات».

(٤) في مطبوعة باريس : «صففا» تصحيف والضفف : الجماعة مع ازدحام.

١١٦

هيبة وروعة ، حتى قيل له إنه الحاجب ، وحمل من بعد ذلك إلى الدار التي كانت برسم الوزير ، وفيها مجلس أبي الحسن على بن الفرات يومئذ ، فرأى أكثر مما رآه لنصر الحاجب ولم يشك في أنه الخليفة ؛ حتى قيل له هذا الوزير ؛ وأجلس بين دجلة والبساتين في مجلس قد علقت ستوره واختيرت فروشه ، ونصبت فيه الدسوت ، وأحاط به الخدم بالأعمدة والسيوف. ثم استدعى ـ بعد أن طيف به في الدار ـ إلى حضرة المقتدر بالله ، وقد جلس وأولاده من جانبيه ، فشاهد من الأمر ما هاله. ثم انصرف إلى دار قد أعدّت له.

حدّثني الوزير أبو القاسم على بن الحسن المعروف بابن المسلمة قال حدّثني أمير المؤمنين القائم بأمر الله قال حدّثني أمير المؤمنين القادر بالله حدّثتني جدتي أم أبي إسحاق بن المقتدر بالله : أن رسول ملك الروم لما وصل إلى تكريت أمر أمير المؤمنين المقتدر بالله باحتباسه هناك شهرين ، ولما وصل إلى بغداد أنزل دار صاعد ومكث شهرين لا يؤذن له في الوصول ، حتى فرغ المقتدر بالله من تزيين قصره وترتيب آلته فيه ، ثم صفّ العسكر من دار صاعد إلى دار الخلافة ، وكان عدد الجيش مائة وستين ألف فارس وراجل ، فسار الرسول بينهم إلى أن بلغ الدار ثم أدخل في أزج تحت الأرض ، فسار فيه حتى مثل بين يدي المقتدر بالله وأدّى رسالة صاحبه ، ثم رسم أن يطاف به في الدار وليس فيها من العسكر أحد البتّة ، وإنما فيها الخدم والحجّاب والغلمان السودان ، وكان عدد الخدم إذ ذاك سبعة آلاف خادم ، منهم أربعة آلاف بيض ، وثلاثة آلاف سود ، وعدد الحجاب سبعمائة حاجب ، وعدد الغلمان السودان غير الخدم أربعة آلاف غلام. قد جعلوا على سطوح الدار والعلاليّ ، وفتحت الخزائن ، والآلات فيها مرتبة كما يفعل لخزائن العرائس ، وقد علقت الستور ونظم جوهر الخلافة في قلايات على درج غشيت بالديباج الأسود ، ولما دخل الرسول إلى دار الشجرة ورآها كثر تعجبه منها ، وكانت شجرة من الفضّة وزنها خمسمائة ألف درهم ، عليها أطيار مصوغة من الفضة تصفّر بحركات قد جعلت لها ، فكان تعجّب الرسول من ذلك أكثر من تعجّبه من جميع ما شاهده. قال لي هلال بن المحسن : ووجدت من شرح ذلك ما ذكر كاتبه أنه نقله من خط القاضي أبي الحسين بن أمّ شيبان الهاشميّ وذكر أبو الحسين أنه نقله من خط الأمير ـ وأحسبه الأمير أبا محمّد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله ـ قال : كان عدد ما علق في قصور أمير المؤمنين المقتدر بالله من الستور الديباج المذهبة بالطرز المذهبة الجليلة ، المصورة بالجامات

١١٧

والفيلة والخيل والجمال والسباع والطرد (١) والستور الكبار البضغائية (٢) والأرمنيّة والواسطيّة والبهنسيّة السواذج ، والمنقوشة ، والديبقية المطرزة ، ثمانية وثلاثين ألف ستر ، منها الستور الديباج المذهبة المقدم وصفها اثنا عشر ألفا وخمسمائة ستر ، وعدد البسط والنخاخ (٣) الجهرمية والدارابجرديّة والدّورقيّة ، في الممرات والصحون التي وطئ عليها القواد ورسل صاحب الروم ، من حدّ باب العامة الجديد إلى حضرة المقتدر بالله ، سوى ما في المقاصير والمجالس من الأنماط الطّبريّ والديبقي التي لحقها للنظر (٤) دون الدّوس ، اثنان وعشرون ألف قطعة ، وأدخل رسل صاحب الروم من دهليز باب العامة الأعظم إلى الدار المعروفة بخان الخيل ، وهي دار أكثرها أروقة بأساطين رخام ، وكان فيها من الجانب الأيمن خمسمائة فرس عليها خمسمائة مركب ذهبا وفضة بغير أغشية ، ومن الجانب الأيسر خمسمائة فرس عليها الجلال الديباج بالبراقع الطوال ، وكل فرس في يدي شاكري بالبزّة الجميلة. ثم أدخلوا من هذه الدار إلى الممرات والدهاليز المتصلة بحير الوحش ، وكان في هذه الدار من أصناف الوحش التي أخرجت إليها من الحير قطعان تقرب من الناس ، وتتشممهم وتأكل من أيديهم. ثم أخرجوا إلى دار فيها أربعة فيلة مزيّنة بالديباج والوشي ، على كل فيل ثمانية نفر من السند والزراقين بالنار ، فهال الرسل أمرها. ثم أخرجوا إلى دار فيها مائة سبع خمسون يمنة وخمسون يسرة ، كل سبع منها في يد سبّاع وفي رءوسها وأعناقها السلاسل والحديد. ثم أخرجوا إلى الجوسق المحدث ، وهي دار بين بساتين في وسطها بركة رصاص قلعيّ ، حواليها نهر رصاص قلعي أحسن من الفضّة المجلوّة ، طول البركة ثلاثون ذراعا في عشرين ذراعا ، فيها أربع طيارات لطاف بمجالس مذهبة مزينة بالديبقي المطرز وأغشيتها ديبقي مذهب ؛ وحوالي هذه البركة بستان بميادين فيه نخل ، وأنّ عدده أربعمائة نخلة ، وطول كل واحدة خمسة أذرع ، قد لبّس جميعها ساجا منقوشا من أصلها إلى حد الجمّارة بحلق من شبة مذهبة ، وجميع النخل حامل بغرائب البسر الذي أكثره خلال لم يتطير ، وفي جوانب البستان أترج حامل ودستنبلو ومقفع وغير ذلك. ثم أخرجوا من هذه الدار إلى دار الشجرة ، وفيها شجرة في وسط بركة كبيرة ، مدوّرة فيها ماء صاف ،

__________________

(١) في مطبوعة باريس : «الطيور». والطرد : ما يطرد من الكواسر.

(٢) هكذا في الأصلين.

(٣) في مطبوعة باريس : «أنخاخ» والنخاخ : جمع نخ ، وهو البساط الطويل.

(٤) في مطبوعة باريس : «تحتها للنظر».

١١٨

وللشجرة ثمانية عشر غصنا لكل غصن منها شاحنات كثيرة عليها الطيور والعصافير من كل نوع مذهبة ومفضّضة ، وأكثر قضبان الشجرة فضة ، وبعضها مذهب. وهي تتمايل في أوقات ولها ورق مختلف الألوان يتحرك كما تحرك الريح ورق الشجر ، وكل من هذه الطيور يصفر ويهدر ، وفي جانب الدار بمنة البركة تماثيل خمسة عشر فارسا على خمسة عشر فرسا قد ألبسوا الديباج وغيره ، وفي أيديهم مطارد على رماح يدورون على خط واحد في النارود خببا وتقريبا [فيظن أن كل واحد منهم إلى صاحبه قاصد (١)]. وفي الجانب الأيسر مثل ذلك. ثم أدخلوا إلى القصر المعروف بالفردوس ، فكان فيه من الفرش والآلات ما لا يحصى ولا يحصر كثرة ، وفي دهاليز الفردوس عشرة آلاف جوشن مذهبة معلّقة. ثم أخرجوا منه إلى ممر طوله ثلاثمائة ذراع ، قد علق من جانبيه نحو من عشرة آلاف درقة وخوذة وبيضة ودرع وزردية وجعبة محلاة وقسيّ ، وقد أقيم نحو ألفي خادم بيضا وسودا صفّين يمنة ويسرة. ثم أخرجوا ـ بعد أن طيف بهم ثلاثة وعشرين قصرا ـ إلى الصحن التسعيني وفيه الغلمان الحجرية ، بالسلاح الكامل ، والبزة الحسنة ، والهيئة الرائعة ، وفي أيديهم الشروخ والطبرزينات والأعمدة ، ثم مروا بمصافّ من علية السواد من خلفاء الحجاب الجند والرجالة وأصاغر القواد ، ودخلوا دار السّلام. وكانت عدة كثير من الخدم والصقالبة في سائر القصور ، يسقون الناس الماء المبرد بالثلج والأشربة والفقاع ، ومنهم من كان يطوف مع الرسل ، فلطول المشي بهم جلسوا واستراحوا في سبعة مواضع واستسقوا الماء فسقوا ، وكان أبو عمر عدي بن أحمد بن عبد الباقي الطرسوسي : صاحب السلطان ، ورئيس الثغور الشامية معهم في كل ذلك ، وعليه قباء أسود وسيف ومنطقة ، ووصلوا إلى حضرة المقتدر بالله وهو جالس في التاج مما يلي دجلة ، بعد أن لبّس بالثياب الديبقية المطرزة بالذهب على سرير آبنوس قد فرش بالديبقي المطرز بالذهب ، وعلى رأسه الطويلة ، ومن يمنة السرير تسعة عقود مثل السّبح معلقة ، ومن يسرته تسعة أخرى من أفخر الجواهر وأعظمها قيمة غالبة الضّوء على ضوء النهار ، وبين يديه خمسة من ولده ثلاثة يمنة واثنان ميسرة ، ومثّل الرسول وترجمانه بين يدي المقتدر بالله ، فكفر له. وقال الرسول : لمونس الخادم ونصر القشوري ـ وكانا يترجمان عن المقتدر ـ : لو لا أني لا آمن أن يطالب صاحبكم بتقبيل البساط لقبّلته ، ولكنني

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.

١١٩

فعلت ما لا يطلب رسولكم بمثله ، لأن التكفير من رسم شريعتنا. ووقفا ساعة ؛ وكانا شابّا وشيخا ، فالشاب الرسول المتقدم ؛ والشيخ الترجمان ، وقد كان ملك الروم عقد الأمر في الرسالة للشيخ متى حدث بالشاب حدث الموت. وناوله المقتدر بالله من يده جواب ملك الروم ، وكان ضخما كبيرا فتناوله وقبّله إعظاما له ، وأخرجا من باب الخاصة إلى دجلة ، وأقعدا وسائر أصحابهما في شذا من الشذوات الخاصة وصاعدا إلى حيث أنزلا فيه من الدار المعروفة بصاعد ، وحمل إليهما خمسون بدرة ورقا في كل بدرة خمسة آلاف درهم ، وخلع على أبي عمر عدي الخلع السلطانية ، وحمل على فرس وركب على الظهر ، وكان ذلك في سنة خمس وثلاثمائة.

***

ذكر دار المملكة التي بأعلى المخرم

حدّثني هلال بن المحسن : قال : كانت دار المملكة التي بأعلى المخرّم ، محاذية الفرضة قديما لسبكتكين غلام معزّ الدولة فنقض عضد الدولة أكثرها ، ولم يستبق إلا البيت الستّيني الذي هو في وسط أروقة من ورائها أروقة في أطرافها قباب معقودة ، وتنفتح أبوابه الغربية إلى دجلة وأبوابه الشرقية إلى صحن من خلفه بستان ونخل وشجر. وكان عضد الدولة جعل الدار التي هذا البيت فيها دار العامة ؛ والبيت برسم جلوس الوزراء وما يتصل به من الأروقة والقباب مواضع الدواوين ، والصحن مناما لديلم النوبة في ليالي الصيف. قال هلال : وهذه الدار وما تحتوي عليه من البيت المذكور والأروقة خراب. ولقد شاهدت مجلس الوزراء في ذلك ومحفل من يقصدهم ويحضرهم ، وقد جعله جلال الدولة إصطبلا أقام فيه دوابّه وسوّاسه ، وأما ما بناه عضد الدولة وولده بعده في هذه الدار فهو متماسك على تشعثه.

قال الشيخ أبو بكر : ولما ورد طغرلبك الغزّي بغداد واستولى عليها عمّر هذه الدار وجدد كثيرا ـ مما كان وهي منها ـ في سنة ثماني وأربعين وأربعمائة. فمكثت كذلك إلى سنة خمسين وأربعمائة ، ثم أحرقت وسلب أكثر آلاتها ، ثم عمّرت بعد وأعيد ما كان أخذ منها.

حدّثني القاضي أبو القاسم على بن المحسن التّنوخيّ قال سمعت أبي يقول : ما شيت الملك عضد الدولة في دار المملكة بالمخرّم التي كانت دار سبكتكين حاجب معز الدولة من قبل ، وهو يتأمل ما عمل وهدم منها. وقد كان أراد أن يترك في الميدان

١٢٠