رسالة في حديث عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين

السيّد علي الحسيني الميلاني

رسالة في حديث عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢

فقط ...!!

وعلى هذا الأساس أبطلوا استدلال الحنفيّة وأجابوا عنه بكلمات قاطعة :

قال المباركفوري : « ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته.

وقال القاري في المرقاة : فعليكم بسنتي. أي بطريقتي الثابتة عنّي واجباً ، أو مندوباً ، وسنة الخلفاء الراشدين ، فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي ، فالإضافة إليهم إما لعملهم بها ، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها.

وقال صاحب سبل السلام : أما حديث « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ». أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه الحاكم وقال : على شرط الشيخين.

ومثله حديث : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ». أخرجه الترمذي وقال : حسن. وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبّان ، وله طريق فيها مقال إلا أنه يقوي بعضها بعضاً.

فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها.

فإن الحديث عام لكل خليفة راشد لا يخص الشيخين ، ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفةٍ راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي ...

قال المباركفوري : إن الاستدلال على كون الأذان الثالث الذي هو من مجتهدات (١) عثمان أمراً مسنوناً ليس بتام ... » (٢).

ثم إنهم أطالوا الكلام عن معنى البدعة ، فقال هؤلاء ـ في الجواب عما ذكر ابن حجر وغيره ـ بأنه :

__________________

(١) كذا ، ولعله : محدّثات.

(٢) تحفة الأحوذي ٣ / ٥٠.

٤١

« لو كان الاستدلال تاماً وكان الأذان الثالث أمراً مسنوناً لم يطلق عليه لفظ البدعة ، لا على سبيل الإنكار ولا على سبيل غير الإنكار ، فإن الأمر المسنون لا يجوز أن يطلق عليه لفظ البدعة بأي معنى كان » (١).

وتلخصّ أن لا توجيه لما أحدث عثمان ، لا عن طريق هذا الحديث ـ على فرض صحته ـ ولا عن طريق آخر من الطرق المذكورة.

في علم الأصول :

واستند الأصوليون إلى هذا الحديث في كتبهم ، ولكن مع اختلاف شديد بين كلماتهم :

١ ـ فمنهم من استدل به للقول بحجية سنة الصحابة ، كالشاطبي ، حيث قال :

« سنة الصحابة سنة يعمل عليها ويرجع إليها ، والدليل على ذلك أمور :

أحدها ...

والثاني : ما جاء في الحديث من الأمر باتباعهم ، وأن سننهم في طلب الاتباع كسنة النبي صلى اله عليه [وآله] وسلّم كقوله : فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ » (٢).

٢ ـ ومنهم من جعله دليلاً على حجية رأي كل واحد من خلفائه الراشدين من غير حصر في الأربعة ، كصاحب « سبل السلام » كما عرفت من عبارته ، وكالمراغي وغيره كما ستعلم من عبارة شارح المنهاج.

٣ ـ ومنهم من جعله حجة على قول كل واحد من الخلفاء الأربعة ، ومن هنا جعلوا من السنة حرمة المتعتين لتحريم عمر ، ووجوب الأذان الزائد يوم الجمعة لزيادة عثمان إياه.

__________________

(١) تحفة الأحوذي ٣ / ٥٠.

(٢) الموافقات ٤ / ٧٦.

٤٢

٤ ـ ومنهم من احتج به للقول بحجية ما اتّفق عليه الخلفاء الأربعة :

قال البيضاوي : « قال القاضي أبو خازم : إجماع الخلفاء الأربعة حجة لقوله عليه‌السلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي » (١).

قال شارحه السبكي : « ذهب القاضي أبو خازم من الحنفية ـ بالخاء المعجمةـ وكذا أحمد بن حنبل ـ في إحدى الروايتين ـ إلى أن إجماع الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي حجة ، مستدلين بما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الترمذي والحاكم في المستدرك ـ وقال : على شرطهما ـ من قوله : عليكم بسنتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. الحديث.

فإن قيل : هذا عام في كل الخلفاء الراشدين.

قيل : المراد الأربعة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثّم تصير ملكاً عضوضاً ، وكانت مدة الأربعة هذه.

قيل : والصحيح أن المكمل لهذه المدة الحسن بن علي ، وكانت مدة خلافته أشهر بها تكملت الثلاثون » (٢).

وقال شارحه الأسنوي : « ... وجه الدلالة : أنه صلى الله عليه [واله] وسلّم أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين كما أمر باتباع سنته ، والخلفاء الراشدون هم : الخلفاء الأربعة المذكورون. لقوله : الخلافة بعدي ... » (٣).

وقال شارحه البدخشي : « قال القاضي أبو خازم ... أوجب اتباعهم إيجاب اتباعه ، ولهذا لم يعتد أبو خازم بخلاف زيد بن ثابت في توريث ذوي الأرحام ، وحكم برد أموال حصلت في بيت مال المعتضد بالله إلى ذوي الأرحام ، وقبل المعتضد فتواه وأنفذ قضاءه.

__________________

(١) المنهاج بشرح السبكي ٢ / ٣٦٧.

(٢) الإبهاج في شرح المنهاج ٢ / ٣٦٧.

(٣) نهاية السؤول في شرح منهاج الوصول ٣ / ٢٦٧.

٤٣

قال المراغي : وفيه نظر ، لعموم الخلفاء الراشدين وعدم الدليل على الحصر في الأربعة.

قال العبري : وفيه نظر ، لأن العرف خصّصه بالأئمة الأربعة حتى صار كالعلم لهم.

أقول : وفيه نظر ، لأن العرف طارئ فلا يخصّص عموم اللفظ الصادر قبل.

ثم عند الشيعة : إن إجماع الأربعة حُجّة لا من حيث هو ، بل من حيث اشتماله على قول علي رضي الله عنه » (١).

أقول :

أما القول الأوّل فلا دلالة لهذا الحديث عليه أصلاً.

نعم ، يدل عليه الخبر : « أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم » لكنه حديث موضوع باطل (٢).

وأما القولان الثالث والرابع فموقوفان على قيام الدليل القاطع على حصر المراد في الأربعة ، سواء قلنا بحجية قول كلٍّ منهم على انفراد أو قلنا بحجية قولهم إذا اتفقوا ...

ولا شيء من الدليلين على الحصر ـ وهما حديث « الخلافة بعدي ثلاثون سنة » و « أن العرف خصّصه بالأئمة الأربعة فصار كالعلم لهم » ـ بحيث يصلح لرفع اليد به عن ظهور « الخلفاء » في العموم ، ومن هنا قال الغزالي :

« قد ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي حُجّة مطلقاً ، وقوم إلى أنه حجّة إن خالف القياس ، وقوم إلى أن الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصة لقوله : اقتدوا باللذين من بعدي ، وقوم إلى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا.

__________________

(١) مناهج العقول في شرح منهاج الوصول ٢ / ٤٠٢.

(٢) كما في الرسالة الاولى من هذه الرسائل.

٤٤

والكل باطل عندنا » (١).

وحينئذ يبقى الحديث على ظهوره في وجوب اتباع سنة كل واحدٍ من الخلفاء الراشدين من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولكن من هم؟

وما معنى ذلك؟!

هذا ما سنبينه ..

* * *

الاختلافات في متن الحديث

فلنعد إلى النظر في متن الحديث ودلالته ... بعد فرض تمامية سنده وصحته ...

فبالنسبة إلى المتن ... قد اتفقت جميع ألفاظ الحديث على أنه « عهد » و « وصية » من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...

واشتملت ألفاظه على أمور أربعة هي :

الأمر بتقوى الله عزّ وجلّ ...

والأمر بالسمع والطاعة للحاكم كائناً من كان ...

والتحذير من محدثات الأمور ...

والأمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ...

وليس في شيء من ألفاظ الحديث الوصيّة بالقرآن والعمل به ..

وربما خلت بعض الألفاظ من الأمر بالتقوى ...

ثم إن الأمور الثلاثة ـ عدا الأمر بالتقوى ـ تختلف فيها الألفاظ تقديماً

__________________

(١) المستصفى في علم الأصول ١ / ٢٦٠.

٤٥

وتأخيراً.

ولربّما جاءت كلمة « عضّوا عليها ... » بعد « الطاعة » لا بعد « السنة » ...

وربما قال : « وعضوا على نواجذكم بالحقّ ».

لكن في أحد الألفاظ : « عليكم بتقوى الله ... أظنّه قال : والسمع والطاعة » فالراوي غير متأكد من أنه قال ذلك! ثّم لمن السمع والطاعة؟!

والحافظ أبو نعيم رواه بترجمة العرباض بسنده : عن الوليد بن مسلم ، ثنا ثور ابن يزيد ، عن خالد بن معدان ، حدثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر ، قالا :

« أتينا العرباض بن سارية ـ وهو مّمن نزل ... ـ وقلنا : أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين » (١).

رواه إلى هنا ولم يزد عليه.

ورواه بترجمة خالد من أوله إلى آخره (٢).

والأمر سهل ...

ثم إنه جاء في بعض ألفاظ الحديث في آخره :

« فكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث : فإن المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد » (٣).

لكن « أسد بن وداعة » ـ وهو من الذين كانوا يجلسون ويسبّون عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كما عرفت ـ لم يقع في شيء من طرق الحديث فبأي وجه كان يزيد في هذا الحديث؟! وهل المؤمن كالجمل ...؟!

فلما رأى بعضهم أن هذا تلاعبّ بالحديث بزيادة باطلة من رجل مبطل ، وأن ذلك قد يكشف عن حقيقة حال الحديث ... صحّفه إلى :

__________________

(١) حلية الأولياء ٢ / ١٣.

(٢) حلية الأولياء ٢ / ١٣.

(٣) المستدرك ١ / ٩٦.

٤٦

« ... وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشياً ، فكان أشدّ علينا من وداعة ، يزيد في هذا الحديث : فإن المؤمن ... » (١).

لكن تبقى كلمة « يزيد » بلا فاعل ...!

فرجح البعض الآخر إسقاط الجملة وإلحاق الكلام بالحديث ، فقال :

« وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنما المؤمن ... » (٢).

وليته أسقط الكلام أيضاً ، لكنه يقوّي المعنى ويؤكّد وجوب الطاعة المطلقة لوليّ الأمر كائناً من كان!!

هذا ما يتعلق بالمتن ...

معنى السنة :

والأمر المهّم الذي اتفقت عليه جميع ألفاظ الحديث إخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاختلاف الكثير من بعده ، ثم أمره من أدرك ذلك باتباع سنته وسنة الخلفاء بلفظ « فعليكم ».

ففي جميع الألفاظ : « فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء ... ».

و « السنة » هي الطريقة والسيرة ، يقال : سن الماء ، وسنّ السبيل ، وسنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا ، أي : شرّعه وجعله شرعاً.

وسنته عند أهل الشرع : قوله وفعله وتقريره ، ولهذا يقال في أدلة الشرع : الكتاب والسنة. أي : القرآن والحديث (٣).

وعلى الجملة ، فمعنى السنة في الشريعة نفس معناها في اللغة لم يعدل بها عنها.

__________________

(١) عارضة الأحوذي ١٠ / ١٤٥.

(٢) تهذيب الأسماء واللغات ٣ / ١٥٦ ، النهاية « سن » المصباح المنير ١ / ٣١٢ ، إرشاد الفحول : ٢٩.

(٣) النهاية « سنن ».

٤٧

حجّيّة سُنّة النبيّ :

وسُنّة النبي صل الله عليه وآله وسلّم الثابتة عنه بالطرق المعتبرة حجّة بلا كلام ، وضرورة دينية لا يخالف فيها إلا من لا حظ له من دين الإسلام ...

وقد استدلّوا عل حجيتها بآيات من الكتاب وأحاديث عن المصطفى ، لكن لا يتّم الاستدلال بها إلا على وجه دائر كما لا يخفى ...

فالعمدة في وجه الحجّيّة هي « العصمة » ومن هنا يتعرض العلماء ـ في بحثهم عن حجيّة السنة ـ لعصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

معنى سُنّة الخلفاء :

قال ابن فارس : « وكره العلماء قول من قال : سنة أبي بكر وعمر ، وإنما يقال : سنة الله وسنة رسوله » (٢).

قلت : وجه كراهية العلماء ذلك واضح ، لأن كلمة « السنة » أصبحت في عرف المتشرعة مختصّةً بما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولاً وفعلاً وتقريراً ، لأنه الحجّة بعد الكتاب ، حيث يقال : الكتاب والسنة ، لكنهم كرهوا هذا القول مع كون حديث « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين » بمرأىً منهم ومشهد ، فإن كانوا في شك من صدور الحديث عن النبي فلا بحث ، وإلأ فبم يفسرونه؟!

هنا مشاكل :

١ ـ لقد ذكرنا أن « السنة » في اللغة بمعنى « الطريقة » ، وهي بنفس المعنى في الشريعة بالنسبة إلى « سنة النبي » صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهل تفسر « سنة الخلفاء » بنفس المعنى كذلك؟!

__________________

(١) لا حظ كتب الأصول كإرشاد الفحول : ٢٩.

(٢) فقه العربية « سنن ».

٤٨

٢ ـ لقد عطف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « سنة الخلفاء » على « سنته » وظاهر العطف هو المغايرة بين السنتين ، فما معنى هذه المغايرة؟! وكيف يأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتباع سنتهم المغايرة لسنته؟!

٣ ـ أمره باتباع سنتهم مطلق غير مقيّد كما هو الحال في وجوب اتباع سنته ، وهكذا أمر يقتضي عصمة المتبوع بلا ريب ، اما النبي فمعصوم بالإجماع ، وأما الخلفاء فليس كلّهم بمعصوم بالإجماع ، فكيف يؤمر ـ أمراً مطلقاً ـ باتباع المعصوم وغير المعصوم معاً؟!

هذه مشاكل حار القوم في حلها .. واضطربوا اضطراباً شديداً تجاهها ...

قال الشوكاني : « إن أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوه أكثرها متعسفة » (١).

المشكلة الأولى :

أما الأولى فلا مانع من حلّها بتفسير « السنة » هنا أيضاً بـ « الطريقة » كما ذكر الشرّاح كصاحب « سبل السلام » والقاري والمباركفوري ...

وهذا هو الذي اختاره الشوكاني حيث قال :

« الذي ينبغي التعويل عليه والمصير إليه هو العمل بما يدلّ عليه هذا التركيب بحسب ما تقتضيه لغة العرب ، فالسنة هي الطريقة ، فكأنه قال : الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين ، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته ، فإنهم أشدّ الناس حرصاً عليها وعملاً بها في كل شيء وعلى كل حال ، كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلاً عن أكبرها » (٢).

__________________

(١) إرشاد الفحول.

(٢) إرشاد الفحول.

٤٩

أقول :

وهكذا تنحل المشكلة الأولى ، وقد أكّد كلهم على أنه « كانت طريقتهم نفس طريقته » متجاوزين ظهور الحديث في المغايرة ، وقد أضاف الشوكاني بأن علّل اتخاد الطريقة بقوله : « فإنهم أشدّ الناس حرصاً عليها وعملاً بها في كل شيء وعلى كل حال ، كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلاً عن أكبرها ».

قلت : لكنّا وجدنا الخلفاء الثلاثة ـ وكذا أكثر الأصحاب ـ يخالفونه في أكبر الأمور فضلاً عن أصغرها ، حتى مع وجود النصوص الصريحة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد سبق أن ذكرنا بعض الموارد المسلمة من تلك المخالفات ... فالّذين كانت « طريقتهم نفس طريقته ، فإنهم أشد الناس حرصاً عليها وعملا بها ... » غير هؤلاء ، فمن هم؟!

المشكلة الثانية :

وإذا كان المراد من « الخلفاء » غير الذين يقول بهم أهل السنة فالمشكلة الثانية منحلة أيضاً ...

أما على قولهم فقد رأيتهم يتجاوزون هذه المشكلة ... إلأ الشوكاني ... فإنه قال بعد عبارته المذكورة :

« وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر ، وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضاً من سنته ، لما دلّ عليه حديث معاذ لمّا قال له رسول الله : بما تقضي؟ قال : بكتاب الله. قال : فإن لم تجد؟ قال : فبسنة رسوله. قال : فإن لم تجد؟ قال : أجتهد رأيي. قال : الحمد لله الذي وفق رسوله أو كما قال.

وهذا الحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف ، فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به ، وقد أوضحت هذا في بحثٍ مستقلً.

٥٠

فإن قلت : إذا كان ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته لم يبق لقوله : « سنة الخلفاء الراشدين » ثمرة.

قلت : ثمرته أن من الناس من لم يدرك زمنه وأدرك زمن الخلفاء الراشدين ، أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء ، ولكنه حدث أمر لم يحدث في زمنه ، ففعله الخلفاء ، فأشار بهذا الإرشاد إلى سنة الخلفاء إلى دفع ما عساه يتردّد إلى بعض النفوس من الشك ويختلج فيها من الظنون.

فأقل فوائد الحديث أن ما يصدر منهم من الرأي وإن كان من سنته كما تقدّم ، ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل.

وبالجملة فكثيراً ما كان صلى الله عليه [وآله] وسلم ينسب الفعل أو الترك إليه أو إلى أصحابه في حياته مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه ، لأنه محل القدوة ومكان الأسوة.

فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث ، ولم أقف عند تحريره على ما يوافقه من كلام أهل العلم. فإن كان صواباً فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم » (١).

أقول :

لقد تنبه هذا الشيخ الجليل إلى أن القول بأن « طريقتهم نفس طريقته » يتنافى وظاهر الحديث الدال على « المغايرة » ، ورفع اليد عن الظهور بلا دليل غير جائز ، فنقل الكلام إلى حجيّة آراء الخلفاء واجتهاداتهم ، وقال بذلك استناداً إلى حديث معاذ ، ثّم ذكر في هذا المقام دلالة الحديث على المغايرة بصورة سؤال ، وحاول الإجابة عنه بما هو في الحقيقة التزام بالإشكال!

وعلى الجملة ، فإن الكلام في إثبات أنّ « طريقة الخلفاء نفس طريقة النبي »

__________________

(١) إرشاد الفحول : ٢١٤.

٥١

والإجابة عما إن قيل بأنه : كيف تكون طريقتهم نفس طريقته وظاهر الحديث المغايرة؟! وأنه إذا « كانت طريقتهم نفس طريقته » لم يبق لقوله : « وسنة الخلفاء » ثمرة؟!

امّا أن اجتهادات الخلفاء وآرائهم حجّة أو لا؟ فذاك بحث آخر ليس هذا موضعه ، وخلاصة الكلام فيه أنه لا دليل عليه إلآ حديث معاذ الذي أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد عن « الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة قال : حدّثنا ناس من أصحاب معاذ عن معاذ ».

فمن الحارث؟! ومن أصحاب معاذ؟!

ولذا اعترف الشوكاني بهوانه ، بل عده بعضهم في (الموضوعات) كما لا يخفى على من يراجع شروح السنن والكتب المطولات ...

والحاصل : إن المشكلة الثانية باقية على أساس أهل السنة ، وأن هذا الذي ظهر للشوكاني في تفسير الحديث ـ ولم يقف على ما يوافقه من كلام أهل العلم ـ يجب عليه أن يستغفر منه!

المشكلة الثالثة :

قد ذكرنا أن الأمر المطلق بالإطاعة والمتابعة المطلقة دليل على عصمة المتبوع ... وقد نصّ على ذلك العلماء في نظائره ، كقوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) قال الرازي بتفسيره ما نصه :

« إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهى عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وإنه محال.

فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من

٥٢

أمر الله بطاعته عل سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ » (١).

وفي هذا المقام أيضاً نبّه الغزّالي على ذلك ، حيث قال بعد الحكم ببطلان الأقوال ـ في عبارته التي نقلناها آنفاً ـ ما نصّه :

« فإنه من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة في قوله ، فكيف يحتجّ بقولهم مع جواز الخطأ؟!

وكيف ندّعي عصمتهم من غير حجة متواترة؟!

وكيف يتصوّر عصمة قوم مجوز عليهم الاختلاف؟!

وكيف يختلف المعصومان؟!

كيف وقد اتفقت الصحابة على جوازمخالفة الصحابة ، فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد ، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كل مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه؟!

فانتفاء الدليل على العصمة ، ووقوع الاختلاف بينهم ، وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه ، ثلاثة أدلة قاطعة » (٢).

أقول :

نعم ، هي ـ وغيرها مّما ذكرناه ومما لم نذكره ـ أدلة قاطعة على أن ليس « الخلفاء » في هذا الحديث مطلق الصحابة ، ولا مطلق الخلفاء ، ولا خصوص الأربعة مطلقاً ...

__________________

(١) التفسير الكبير ١٠ / ١٤٤.

(٢) المستصفى ١ / ١٣٥.

٥٣

بطلان الحديث دلالةً :

وتلخّص أن هذا الحديث لا ينطبق في معناه على الأصول المعتمدة عند أهل السنة ، وأن الوجوه التي ذكروها أكثرها متعسفة لا تحل المشاكل الموجودة فيه على أصولهم ... فلا مناص من الاعتراف ببطلان الحديث من ناحية الدلالة كذلك ...

* * *

إنطباق الحديث على مباني الإمامية

لكنه ينطبق من حيث الدلالة على مباني الإماميّة في الأصولين ، واستدلالاتهم من الكتاب والسنة المتواترين .. وبيان ذلك :

إن هذا الحديث وصية وعهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قاله وكأنه مودّع ـ تعيينا لوظيفة الأمّة وتكليفها إذا كان« الاختلاف الكثير » فإنهم إذا تبعوا « سنته وسنة الخلفاء الراشدين » أمنوا من الهلاك والضلال ... فهو صريح في حصر الاتباع في « الخلفاء » من بعده اتباعاً مطلقاً ، فيجب كونهم معصومين ...

والإشارة إلى حديث الثقلين :

وحديث الثقلين ... كذلك ... (١).

__________________

(١) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة القطعية الصدور ، المتفق عليها بين المسلمين ، أخرجه من أهل السنة مسلم في صحيحه ، وكذا أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم كافة ... عن أكثر من صحابي وصحابية ... عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بألفاظ مختلفة في مواقف متعددة ... راجع : الأجزاء ١ ـ ٣ من كتابنا : نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الاطهار.

٥٤

إنه وصيّة وعهد منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قاله غير مرة ، بعد أن نعى نفسه الكريمة ، فهو تعيين للوظيفة وبيان للتكليف من بعده ... فأمر باتباع « عترته أهل بيته » مع « كتاب الله سبحانه » وقال : « لن تضلوا ما إن اتّبعتموهما » ...

ومن ذلك ما ورد في حديث مرض وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد جاء فيه التصريح بلفظ الوصيّة ، وهو أنه :

« أخذ بيد علي والفضل بن عبّاس فخرج يعتمد عليهما حتى جلس على المنبر وعليه عصابة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد ، أيّها الناس ، فماذا تستنكرون من موت نبيكم؟! ألم ينع إليكم نفسه وينع إليكم أنفسكم؟! أم هل خلد أحد ممن بعث قبلي فيمن بعثوا إليه فأخلد فيكم؟!

ألا إني لاحق بربي ، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا ، كتاب الله بين أظهركم تقرأونه صباحاً ومساءً ، فيه ما تأتون وما تدعون ، فلا تنافسوا ولا تباغضوا ، وكونوا إخواناً كما أمركم الله ، ألا ثّم أوصيكم بعترتي أهل بيتي » (١).

والجدير بالذكر تعبيره عنهما ـ في بعض الألفاظ ـ بـ « خليفتين » (٢).

وهذا الحديث دليل واضح على عصمة الذين أمر باتباعهم من « عترته أهل بيته » لوجوه عديدة منها ما ذكروه حول آية « إطاعة أولي الأمر » كها عرفت.

الإشارة إلى حديث الأثني عشر خليفة :

وقد حدد عليه وآله الصلاة والسلام عدد الذين أمر بالتمسك جمهم في حديث آخر متواتر أجمعوا على روايته ، ذاك حديث « الاثنا عشر خليفة » وهو أيضاً عهد من رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ...

أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة قال ـ واللفظ للأول ـ :

__________________

(١) جواهر العقدين : ١٦٨ مخطوط.

(٢) مسند أحمد ٥ / ١٨١ ، الدر المنشور ٢ / ٦٠ ، فيض القدير ٣ / ١٤.

٥٥

« سمعت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول : يكون اثنا عشر أميراً. فقال : كلمة لم أسمعها. فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش » (١).

وأخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ... وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة ... وفي الباب عن ابن مسعود وعبدالله بن عمرو » (٢).

وأخرجه أحمد في غير موضع (٣).

وأخرجه الحاكم (٤) وغيره كذلك.

فإذا ما ضممنا هذا الحديث إلى حديث الثقلين عرفنا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوصي بالتمسكّ بالكتاب والأئمة الاثني عشر ، ويجعلهما الخليفتين من بعده ...

وإذا كان حديث الثقلين دالاً على العصمة ـ كما تقدّم ـ فالأئمة الاثنا عشر معصومون ...

ومن كان معصوماً كانت سنته حجة ...

وعلى هذا يثبت حجيّة سنة أهل البيت ...

وبهذا البيان تنحل جميع مشكلات حديث « عليكم بسنتي ... » التي ذكرها الغزالي ... والتي ذكرناها ... فلقد دار أمر وجوب الاتباع مدار وجود العصمة ، وإذا كانت العصمة فلا تغاير بين « سنة الخلفاء الراشدين » و « سنة الرسول الأمين » ... وإذا كانت العصمة فلا اختلاف .. وإذا كانت العصمة فالمخالف هو المخطئ ...

نعم ، قد حاول القوم ـ عبثاً ـ صرف حديث « الاثنا عشر خليفة » عن الدلالة على ما تذهب إليه الإمامية ... لكنهم حاروا في كيفية تفسيره وتضاربت كلماتهم ...

__________________

(١) أنظركتاب الأحكام باب للاستخلاف من صحيح البخاري ، وكتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش من صحيح مسلم.

(٢) صحيح الترمذي باب ما جاه في الخلفاء.

(٣) مسند أحمدج ٥ / ٨٩ ، ٩٨ ، ١٠٦ ، ١٠٧ وغيرها.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٧.

٥٦

حتى كان لكل واحد منهم قول ، وببالي أني رأيت من يصرح منهم بوجود أربعين قولا في معنى الحديث ...

لكن المهم اعترافهم بالعجز عن فهم معنى الحديث ...

فابن العربي المالكي يقول ـ بعد ذكر رأيه ـ « ولم أعلم للحديث معنىً » (١).

وابن البطّال ينقل عن المهلّب قوله : « لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث. يعني بشيء معين » (٢).

وابن الجوزي يقول : « قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مظانّه وسألت عنه فلم أقع على المقصود » (٣).

فهي إذن محاولات يائسة ... والحديث صحيح قطعاً ... فليتركوا الأهواء والعصبيّات الجاهليّة ، وليعترفوا بواقع الأمر الذي شاءه الله ورسوله ....

وتلخص : إنّ معنى الحديث :

عليكم بسنتي وسنة الأئمة الاثني عشر الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ...

ويؤكد ذلك ما رووه عن أبي ليلى الغفاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « سيكون بعدي فتن ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، فإنه فاروق بين الحق والباطل ».

وعن كعب بن عجرة أنه قال : « تكون بين أمتي فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق. يعني علياً » (٤).

__________________

(١) شرح الترمذي ٩ / ٦٩.

(٢) فتح الباري ١٣ / ١٨٠.

(٣) فتح الباري ١٣ / ١٨١.

(٤) ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ٣ / ١٢٠ ، اُسد الغابة ٥ / ٢٨٧ ، أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ٤٨ ، كنز العمال ١١ / ٦١٢. منتخب كنز العمال ـ هامش مسند أحمد ـ ٥ / ٣٤.

٥٧

هل يأمر النبي بإطاعة الأمير كائناً من كان؟!

وممّا ذكرناه يظهر أن ما جاء في هذا الحديث من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر بـ « السمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً » ... كذب قطعاً ... وأن هذا من زيادات أمثال « أسد بن وداعة » ... ويشهد بذلك عدم جزم الراوي بأن النبي قاله ... لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأذن بأن يتسلّط على رقاب الناس إلا من توفّرت فيه الصفات والشروط التي اعتبرها الشرع والعقل ، ولا يجوزـ فضلاً عن أن يأمر ـ الاستسلام والانصياع التامّ لمن تأمّر وتولى شؤون المسلمين كيفما كان وكيفما تسلط!

وعلى الجملة ، فإن هذه الفقرة من الحديث إنما زيدت فيه ـ بناء على صدوره في الأمل ـ لحمل الناس على إطاعة معاوية وعماله وإن ظلموا وجاروا ، وإن فسقوا وفجروا ...

إنها زيدت فيه كما زيد تعليل مفاده بأنه « فإنما المؤمن ... »

ويؤكد ما ذكرنا اضطراب القوم كذلك في معناها ، ونكتفي بما ذكره شارحا الترمذي :

قال ابن العربي : « قوله : اسمعوا وأطيعوا. يعني ولاة الأمر وإن تأمر عليكم عبد حبشي.

فقال علماؤنا : إن العبد لا يكون والياً ...

والذي عندي : أن النبي أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير اهله حتى توضع الولاية في العبيد ، فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا. تغليباً لأهون الضررين ، وهو الصبر على ولاية من لا تجوز ولايته ، لئلا يغير ذلك فيخرج منه إلى فتنة عمياء صمّاء لا دواء لها ولا خلاص منها » (١).

وقال المباركفوري : « قوله : أي صار أميراً أدنى الخلق فلا تستنكفوا عن طاعته.

__________________

(١) عارضة الأحوذي ١٠ / ١٤٥.

٥٨

أو : لو استولى عليكم عبد حبشي فأطيعوه مخافة إثارة الفتن.

ووقع في بعض نسخ أبي داود : وإن عبداً حبشياً ، بالنصب. أي : وإن كان المطاع عبداً حبشياً.

قال الخطابي : يريد به إطاعة من ولاه الإمام عليكم وإن كان عبداً حبشياً ، ولم يرد بذلك أن يكون الإمام عبداً حبشياً ، وقد ثبت عنه أنه قال : الأئمة من قريش » (١).

أقول :

أما ما ذكره الخطابي فحمل بلا دليل ، على أنه قد تقدم أن العلماء لا يجوّزون ولاية العبد.

وأمّا ما ذكره ابن العربي ـ وكذا ابن حجر (٢) ـ فهو عبارة أخرى عن الأمر بالتقية التي يشنّعون ـ بألسنتهم ـ بها على الإمامية مع ورود الكتاب والسنة بها ، ويلتزمون بها عملاً ...

وعلى هذا ـ وبعد التنزل عما تقدّم ـ يكون المعنى :

إن أمر عليكم أئمة الجور بعض من لا أهلية له للإمارة وكان في مخالفتكم له ضرر كبير فعليكم بالسمع والطاعة ...

* * *

__________________

(١) تحفة الأحوذي ٧ / ٤٣٨.

(٢) فتح الباري ١٣ / ١٠٤.

٥٩

خاتمة البحث

لقد استعرضنا أهمّ أسانيد الحديث في أهمّ الكتب ... فظهر أنه حديث من الأحاديث المفتعلة في زمن حكومة معاوية ، لأغراض سياسية.

وهو من حيث الدلالة حديث باطل لا يمكن قبوله بالنظر إلى الأسس المقررة عند أهل السنة ، فضلاً عن أن يستند إليه ويجعل قاعدة في شيء من المسائل العلميّة.

وعلى هذا فإنه لا يصلح مبرّراً لما « أحدثه » الخلفاء والأمراء في الدين ... ومستنداً للأقوال المتعدّدة في باب حجية قول الصحابي وإجماع الخلفاء الأربعة ... فتبقى تلك البدع بلا مبرّر ، وتلك الأقوال بلا دليل ...

نعم ، يصلح دليلاً ـ إن صحّ سنداً ـ على ما تذهب إليه الإمامية من حجية قول الأئمة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ... ووجوب إطاعتهم والانقياد لهم والاقتداء بهم ...

وآخر دعوانا أن الحمد له ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على الرسول الأمين وآله الطاهرين الميامين.

* * *

٦٠