حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ذكر أمراء مصر من حين فتحت إلى أن ملكها بنو عبيد

أوّل أمير عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه ، ولّاه عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه على الفسطاط وأسفل الأرض ، وولي عبد الله بن سعد بن أبي سرح على الصّعيد إلى القيّوم.

أخرج ابن عبد الحكم ، عن أنس ، قال : أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ، عائذ بك من الظّلم ، قال : عذت معاذا ، قال : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ، فجعل يضربني بالسّوط ، ويقول : أنا ابن الأكرمين! فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ، ويقدم بابنه معه. فقدم فقال عمر : أين المصريّ؟ خذ السوط فاضرب ، فجعل يضربه بالسّوط ويقول عمر : اضرب ابن الأكرمين. ثمّ قال للمصريّ : ضعه على صلعة عمرو ، قال : يا أمير المؤمنين ، إنّما ابنه الّذي ضربني وقد اشتفيت منه ، فقال عمر لعمرو : مذ كم تعبّدتم النّاس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟ قال : يا أمير المؤمنين ، لم أعلم ولم يأتني.

وأخرج ابن عبد الحكم عن نافع مولى ابن عمر ، أنّ صبيغا العراقيّ جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين ، حتّى قدم مصر ، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب ، فضربه ونفاه إلى الكوفة ، وكتب إلى أبي موسى الأشعريّ أن ألّا يجالسه أحد من المسلمين.

وقال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في كتابه : حدّثنا عبد الله بن صالح ، حدّثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب أنّ عمرو بن العاص استحلّ مال قبطيّ من قبط مصر لأنّه استقرّ عنده أنّه كان يظهر الرّوم على عورات المسلمين يكتب إليهم بذلك ، فاستخرج منه بضعا وخمسين إردبا دنانير. قال أبو صالح : والإردبّ ستّ ويبات وعيّرنا الويبة ، فوجدناها تسعا وثلاثين ألف دينار.

قال الحافظ عماد الدين بن كثير : فعلى هذا يكون مبلغ ما أخذ من هذا القبطيّ يقارب ثلاثة عشر ألف ألف دينار.

٣

قال ابن عبد الحكم : توفّي (١) عمر ، وعلى مصر أميران : عمرو بن العاص بأسفل الأرض وعبد الله بن سعد على الصعيد. فلما استخلف عثمان بن عفان عزل عمرو بن العاص وولّى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أميرا على مصر كلّها ؛ وذلك في سنة خمس (٢) وعشرين.

وقال الواقديّ وأبو معشر : في سنة سبع وعشرين.

فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة ، وفي نفسه من عثمان أمر كبير ؛ وجعل عمرو ابن العاص يؤلّب الناس على عثمان ؛ وكره أهل مصر عبد الله بن سعد بعد عمرو بن العاص ؛ واشتغل عبد الله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقيّة ، ونشأ بمصر ناس من أبناء الصحابة يؤلّبون الناس على حرب عثمان ، والإنكار عليه في عزل عمرو ، وتولية من دونهم ؛ وكان عظم ذلك مسندا إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة ، حتّى استنفرا نحوا من ستّمائة راكب يذهبون إلى المدينة لينكروا على عثمان ، فساروا إليها ، وسألوه أن يعزل عنهم ابن أبي سرح ، ويولّي محمد بن أبي بكر أميرا ، فأجابهم إلى ذلك ، فلمّا رجعوا إذا هم براكب ، فأخذوه وفتّشوه (٣) ، فإذا في إداوته كتاب إلى ابن أبي سرح على لسان عثمان بقتل محمد بن أبي بكر وجماعة معه ، فرجعوا وداروا بالكتاب على الصحابة ؛ فلام النّاس عثمان على ذلك ، فخلف : ماله علم بذلك ، وثبت أنه زوّره على لسانه مروان بن الحكم ، وزوّره على خاتمه ، فكان ذلك سبب تحريض المصريّين على قتل عثمان حتّى حصروه وقتلوه. وكان الذي باشر قتله رجلا من أهل مصر من كندة يسمى أسود بن حمران ، ويكنى أبا رومان ، ويلقب حمارا ، وقيل : اسمه رومان ، وقيل اسمه سودان (٤) بن رومان المراديّ. وكان أشقر أزرق ، وقتل هو أيضا في الحال ـ لعنه الله ورضي عن عثمان أمير المؤمنين ـ وفعل المصريون في المدينة من الشرّ ما لا يفعله فارس والرّوم ، ونهبوا دار عثمان ، وعدلوا إلى بيت المال فأخذوا ما فيه ، وكان فيه شيء كثير جدّا ، وذلك في ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين.

وأخرج الواقديّ عن عبد الرحمن بن الحارث ، قال : الذي قتل عثمان كنانة بن بشر (٥) بن غياث التّجيبيّ ، حتّى قال القائل :

ألا إنّ خير الناس بعد ثلاثة

قتيل التّجيبيّ الّذي جاء من مصرا

__________________

(١) توفي سنة ٢٣ ه‍. انظر الكامل لابن الأثير : ٣ / ٢٦.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٣ / ٤٥ : ولي عبد الله بن سعد سنة ٢٦ ه‍.

(٣) انظر الكامل لابن الأثير : ٣ / ٨٥.

(٤) في الكامل لابن الأثير ٣ / ٩٠ : سودان بن حمران.

(٥) الكامل لابن الأثير : ٣ / ٩٠.

٤

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيّب ، قال : كانت المرأة تجيء في زمان عثمان إلى بيت المال ، فتحمل وقرها ، وتقول : اللهمّ بدّل ، اللهمّ غيّر. فلمّا قتل عثمان ، قال حسّان بن ثابت :

قلتم بدّل فقد بدّلكم

سنة حرّى وحربا كاللهب

ما نقمتم من ثياب خلفة

وعبيد وإماء وذهب

وروى محمد بن عائذ ، عن إسماعيل بن عيّاش ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير ، قال : سمع عبد الله بن سلام رجلا يقول لآخر : قتل عثمان بن عفّان فلم ينتطح فيها عنزان. فقال ابن سلام : أجل ، إنّ البقر والغنم لا تنتطح في قتل الخليفة ، ولكن تنتطح فيه الرجال بالسلاح ؛ والله ليقتلنّ به أقوام إنّهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد.

وبقيت المدينة خمسة أيام بلا خليفة ، والمصريّون يلحّون على عليّ أن يبايعوه وهو يهرب منهم ؛ ويطلب الكوفيّون الزّبير فلا يجدونه ، والبصريّون طلحة فلا يجيبهم ، فقالوا فيما بينهم : لا نولّي أحدا من هؤلاء الثلاثة ، فمضوا إلى سعد بن أبي وقّاص فلم يقبل منهم ، ثمّ جاءوا إلى ابن عمر ، فأبى عليهم ، فحاروا في أمرهم ، وقالوا : إن نحن رجعنا بقتل عثمان عن غير إمرة ، اختلف الناس ؛ فرجعوا إلى عليّ ، فألحوا عليه فبايعوه ، فأشار عليه ابن عباس باستمرار نوّاب عثمان في البلاد إلى حين آخر ، فأبى عليه ، وعزل عبد الله ابن سعد بن أبي سرح عن مصر وولّى عليها قيس بن سعد بن عبادة.

وكان محمد بن أبي حذيفة لمّا بلغه حصر عثمان تغلّب على الديار المصرية ، وأخرج منها ابن أبي سرح ، وصلّى بالناس فيها ، فسار ابن أبي سرح ، فجاءه الخبر في الطريق بقتل عثمان ، فذهب إلى الشام ، فأخبر معاوية بما كان في أمره بديار مصر ، وأنّ محمد بن أبي حذيفة قد استحوذ عليها ، فسار معاوية وعمرو بن العاص ليخرجاه منها ، فعالجا دخول مصر ، فلم يقدرا ، فلم يزالا به حتّى خرج إلى العريش في ألف رجل ، فتحصّن بها. وجاء عمرو بن العاص ، فنصب عليه المنجنيق حتّى نزل في ثلاثين من أصحابه فقتلوا ؛ ذكره ابن جرير (١).

ثم سار إلى مصر قيس بن سعد بن عبادة بولاية من عليّ ، فدخل مصر في سبعة نفر ، فرقى المنبر ، وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين عليّ ، ثمّ قام قيس فخطب الناس ،

__________________

(١) وكذلك في الكامل لابن الأثير : ٣ / ١٣٥.

٥

ودعاهم إلى البيعة لعليّ ، فبايعوا ، واستقامت له طاعة بلاد مصر سوى قرية منها يقال لها خربتا ، فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان ، وكانوا سادة الناس ووجوههم ، وكانوا في نحو من عشرة آلاف ، منهم بسر بن أرطأة ، ومسلمة بن مخلّد ، ومعاوية بن حديج وجماعة من الأكابر ، وعليهم رجل يقال له يزيد بن الحارث المدلجيّ ، وبعثوا إلى قيس ابن سعد فوادعهم وضبط مصر ، وسار فيها سيرة حسنة.

قال ابن عبد الحكم : لمّا ولي قيس مصر اختطّ بها دارا قبليّ الجامع ، فلما عزل كان الناس يقولون : إنّها له ، حتّى ذكرت له ، فقال : وأيّ دار لي بمصر؟ فذكروها له فقال : إنّما تلك بنيتها من مال المسلمين ، لا حقّ لي فيها.

ويقال : إن قيسا أوصى لمّا حضرته الوفاة : إني كنت بنيت دارا بمصر وأنا واليها ، واستعنت فيها بمعونة المسلمين ؛ فهي للمسلمين ينزلها ولاتهم.

وكانت ولاية قيس مصر في صفر سنة ست وثلاثين. فكتب معاوية إلى قيس يدعوه إلى القيام بطلب دم عثمان ، وأن يكون هو أزرا له على ما هو بصدده من القيام في ذلك ، ووعده أن يكون نائبه على العراقين إذا تمّ له الأمر. فلمّا بلغه الكتاب ـ وكان قيس رجلا حازما ـ لم يخالفه ولم يوافقه ، بل بعث يلاطف معه الأمر ؛ وذلك لبعده من عليّ ، وقربه من بلاد الشام ؛ وما مع معاوية من الجنود ، فسالمه قيس وتاركه ؛ فأشاع بعض أهل الشام أنّ قيس بن سعد يكاتبهم في الباطن ، ويمالئهم على أهل العراق.

وروى ابن جرير أنّه جاء من جهته كتاب مزوّر بمبايعته معاوية ، فلمّا بلغ ذلك عليّا اتّهمه ، وكتب إليه أن يغزو أهل خربتا الذين تخلّفوا عن البيعة ، فبعث يعتذر إليه بأنّهم كثير عددهم ، وهم وجوه الناس ، وكتب إليه : إن كنت إنّما أمرتني بهذا لتختبرني لأنّك اتّهمتني ، فابعث على عملك بمصر غيري.

فولّى عليّ على مصر محمد (١) بن أبي بكر ، وارتحل قيس إلى المدينة ، ثم ركب إلى عليّ ، واعتذر إليه ، وشهد معه صفّين ، فلم يزل محمد بن أبي بكر بمصر قائم الأمر ، مهيبا بالديار المصرية ، حتّى كانت وقعة صفّين ، وبلغ أهل مصر خبر معاوية ومن معه من أهل الشام على قتال أهل العراق ، وصاروا إلى التحكيم. فطمع أهل مصر في محمد بن أبي بكر ، واجترؤوا عليه ، وبارزوه بالعداوة ، وندم عليّ بن أبي طالب على عزل قيس من مصر لأنّه كان كفؤا لمعاوية وعمرو. فلمّا فرغ عليّ من صفّين ، وبلغه أنّ

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٣ / ١٣٩ : وقيل : بعث الأشتر النخعي فمات بالطريق.

٦

أهل مصر استخفّوا بمحمد بن أبي بكر لكونه شابا ابن ستّ وعشرين سنة أو نحو ذلك ، عزم على ردّ مصر إلى قيس بن سعد.

ثمّ إنّه ولّى عليها الأشتر النّخعيّ ، فلمّا بلغ معاوية تولية الأشتر ديار مصر ، عظم ذلك عليه ؛ لأنّه كان طمع في استنزاعها من يد محمد بن أبي بكر ، وعلم أنّ الأشتر سيمنعها منه لحزمه وشجاعته. فلمّا سار الأشتر إليها وانتهى إلى القلزم ، استقبله الجايسار ـ وهو مقدّم على الخراج ـ فقدّم إليه طعاما ، وسقاه شرابا من عسل ، فمات منه. فلما بلغ ذلك معاوية وأهل الشام قالوا : إنّ لله جندا من عسل. وقيل : إن معاوية كان تقدّم إلى هذا الرجل في أن يحتال على الأشتر ليقتله ففعل ذلك ، ذكره ابن جرير.

فلمّا بلغ عليا وفاة الأشتر تأسّف عليه لشجاعته ، وكتب إلى محمد بن أبي بكر باستقراره واستمراره بديار مصر ، وكان ضعف جأشه مع ما فيه من الخلاف عليه من العثمانيّة الذين ببلد خربتا ، وقد كانوا استفحل أمرهم ؛ وكان أهل الشام حين انقضت الحكومة سلّموا على معاوية بالخلافة ، وقوي أمرهم جدّا ، فعند ذلك جمع معاوية أمراءه ، واستشارهم في السير إلى مصر ، فاستجابوا له ؛ وعيّن نيابتها لعمرو بن العاص إذا فتحها ، ففرح بذلك عمرو ، فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلّد ومعاوية بن خديج ـ وهما رؤساء العثمانية ببلاد مصر ـ يخبرهم بقدوم الجيش إليهم سريعا ، فأجابوه ، فجهّز معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف ، فسار إليها ، واجتمعت عليه العثمانيّة وهم عشرة آلاف. فكتب عمرو إلى محمد بن أبي بكر : أن تنحّ عنّي بدمك ، فإنّي لا أحبّ أن يصيبك منّي ظفر ، وإنّ الناس قد اجتمعوا بهذه البلاد على خلافك. فأغلظ محمد بن أبي بكر لعمرو في الجواب ، وركب في ألفي فارس من المصريّين ، فأقبل عليه الشاميّون ، فأحاطوا به من كلّ جانب ، وتفرّق عنه المصريون ، وهرب هو فاختفى في خربة ، ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر ، ثمّ دلّ على محمد بن أبي بكر ، فجيء به ؛ وقد كاد يموت عطشا ، فقدّمه معاوية بن حديج فقتله ، ثمّ جعله في جيفة حمار ، فأحرقه بالنار ؛ وذلك في صفر سنة ثمان وثلاثين.

وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية يخبره بما كان من الأمر ، وأنّ الله قد فتح عليه بلاد مصر ، فأقام عمرو أميرا بمصر إلى أن مات بها ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين على المشهور ، ودفن بالمقطّم ، من ناحية الفجّ ؛ وكان طريق الناس يومئذ إلى الحجاز ، فأحبّ أن يدعو له من مرّ به ؛ وهو أوّل أمير مات بمصر.

وفي ذلك يقول عبد الله بن الزّبير :

ألم تر أنّ الدهر أخنت ريوبه

على عمرو السّهميّ تجبى له مصر

٧

فأضحى نبيذا بالعراء وضلّلت

مكائده عنه وأمواله الدّثر

ولم يغن عنه جمعه المال برهة

ولا كيده حتّى أتيح له الدّهر

فلما مات عمرو بن العاص ولّى معاوية على ديار مصر ولده عبد الله بن عمرو.

قال الواقديّ : فعمل له عليها سنتين. وقال غيره : بل أشهرا. ثمّ عزله وولّى عتبة (١) بن أبي سفيان.

ثمّ عزله وولّى عقبة بن عامر سنة أربع وأربعين ، فأقام إلى سنة سبع وأربعين فعزله.

وولّى معاوية بن حديج ، فأقام إلى سنة خمسين ، فعزله.

وولّى مسلمة بن مخلّد وجمعت له مصر والمغرب (٢) ؛ وهو أوّل وال جمع له ذلك.

قال ابن عبد الحكم : حدّثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة عن بعض شيوخ أهل مصر ، قال : أوّل كنيسة بنيت بفسطاط مصر الكنيسة التي خلف القنطرة أيّام مسلمة بن مخلّد ، فأنكر ذلك الجند على مسلمة ، وقالوا له : أتقرّ لهم أن يبنوا الكنائس! حتّى كاد يقع بينهم وبينه شرّ ، فاحتجّ عليهم مسلمة يومئذ. فقال : إنّها ليست في قيروانكم ، وإنّما هي خارجة في أرضهم ، فسكتوا عند ذلك.

فأقام مسلمة أميرا إلى سنة تسع وخمسين.

وكان عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفيّ المشهور بابن أم الحكم ـ وأمّ الحكم هي أخت معاوية ـ أميرا على الكوفة ، فأساء السيرة في أهلها ، فأخرجوه من بين أظهرهم طريدا ، فرجع إلى خاله معاوية ، فقال : لأولينّك مصر خيرا منها ، فولّاه مصر ، فلمّا سار إليها تلقّاه معاوية بن حديج على مرحلتين من مصر ، فقال : ارجع إلى خالك ، فلعمري لا تسير فينا سيرتك في أهل الكوفة ، فرجع ابن أمّ الحكم ولحقه معاوية بن حديج وافدا على معاوية. فلمّا دخل عليه وجده عند أخته أمّ الحكم ـ وهي أم عبد الرحمن الذي طرده عن مصر ـ فلما رآه معاوية ، قال : بخ بخ! هذا معاوية بن حديج ؛ فقالت أمّ الحكم : لا مرحبا! تسمع بالمعيديّ (٣) خير من أنّ تراه. فقال معاوية

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٣ / ٢٢٦ : في سنة سبع وأربعين عزل عبد الله بن عمرو بن العاص عن مصر ووليها معاوية بن حديج.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٣ / ٢٣٠ : وولّى مسلمة إفريقية مولى له يقال له : أبو المهاجر.

(٣) يضرب هذا المثل لمن خبره خير من مرآه ، وأوّل من قاله المنذر بن ماء السماء لمشقّة بن ضمرة المعيديّ. [المنجد في اللغة].

٨

ابن حديج : على رسلك يا أمّ الحكم ، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت ، وولدت فما أنجبت ؛ أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا ، فيسير فينا كما سار في أهل الكوفة ، فما كان الله ليريه ذلك ، ولو فعل لضربنا ابنك ضربا يطأطئ منه ـ وإن كره هذا الجالس ـ فالتفت إليها معاوية ، فقال : كفى ؛ فاستمرّ مسلمة على إمرة مصر إلى أن مات في خلافة يزيد في ذي الحجة سنة اثنتين وستين.

فولي بعده سعيد بن يزيد بن علقمة الأزديّ.

فلما ولي الزبير الخلافة بعد موت يزيد ، وذلك في سنة أربع وستّين ، استناب على مصر عبد الرحمن بن قحزم (١) القرشيّ الفهريّ ، فقصد مروان مصر ومعه عمرو بن سعيد الأشدق فقاتل عبد الرحمن ، فهزم عبد الرحمن وهرب.

ودخل مروان إلى مصر ، فتملّكها ، وجعل عليها ولده عبد العزيز ، وذلك في سنة خمس وستّين ، فلم يزل أميرا بها عشرين سنة. وكان أبوه جعل إليه عهد الخلافة بعد عبد الملك ، فكتب إليه عبد الملك يستنزله عن العهد الذي له من بعده لولده الوليد فأبى عليه. ثمّ إنه مات من عامه.

قال ابن عبد الحكم : وقع الطّاعون بالفسطاط ، فخرج عبد العزيز إلى حلوان ، وكان ابن حديج يرسل إليه في كلّ يوم بخبر ما يحدث في البلد من موت وغيره ، فأرسل إليه ذات يوم رسولا فأتاه ، فقال له عبد العزيز : ما اسمك؟ قال : أبو طالب ، فثقل ذلك على عبد العزيز وغاظه ، فقال : أسألك عن اسمك فتقول : أبو طالب! ما اسمك؟ قال : مدرك ، فتفاءل عبد العزيز بذلك فمرض ، فدخل نصيب الشاعر فأنشأ يقول :

ونزور سيّدنا وسيّد غيرنا

ليت التّشكّي كان بالعوّاد

لو كان يقبل فدية لفديته

بالمصطفى من طارفي وتلادي

فأمر له بألف دينار ، ثمّ مات عبد العزيز بحلوان ، فحمل في البحر إلى الفسطاط ، ودفن بمقبرتها.

وكانت وفاته ليلة الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة ست (٢) وثمانين. وكتب على قصره بحلوان :

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٣٠ : جحدم.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٤ / ١٠١ : سنة خمس وثمانين.

٩

أين ربّ القصر الّذي شيّد القص

ر ، وأين العبيد والأجناد؟

أين تلك الجموع والأمر والنّه

ي وأعوانهم ، وأين السواد؟

وقال عمر بن أبي الجدير العجلانيّ يرثي عبد العزيز بن مروان وابنه أبا زبّان :

أبعدك يا عبد العزيز لحجّة

وبعد أبي زبّان يستعتب الدّهر

فلا صلحت مصر لحيّ سواكما

ولا سقيت بالنّيل بعدكما مصر

فأمر بعده عبد الملك ، فأقام شهرا إلّا ليلة ، ثمّ صرف وولّي بعده ابنه عبد الله بن أمير المؤمنين عبد الملك. قال الليث بن سعد : وكان حدثا ، وكان أهل مصر يسمّونه نكيس ، وهو أوّل من نقل الدواوين إلى العربية ؛ وإنّما كانت بالعجميّة ، وهو أوّل من نهى الناس عن لباس البرانس ، فأقام إلى التسعين ، فعزله أخوه الوليد.

وولّى قرّة بن شريك العبسيّ ، فقدمها يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأوّل ، وفي ذلك يقول الشاعر :

عجبا ما عجبت حين أتانا

أن قد أمّرت قرّة بن شريك

وعزلت الفتى المبارك عنّا

ثمّ فيّلت فيه رأي أبيك

وكان قرّة ظلوما عسوفا ، قيل : كان يدعو بالخمر والملاهي في جامع مصر ؛ أخرج أبو نعيم في الحلية ، قال : قال عمر بن عبد العزيز : الوليد بالشام ، والحجّاج بالعراق ، وقرّة بمصر ، وعثمان بن حيّان بالحجاز. امتلأت والله الأرض جورا!

وقال ابن عبد الحكم : أنبأنا سعيد بن عفير ، أنّ عمال الوليد بن عبد الملك كتبوا إليه أنّ بيوت الأموال قد ضاقت من مال الخمس ؛ فكتب إليهم : أن ابنوا المساجد ، فأوّل مسجد بني بفسطاط مصر المسجد الذي في أصل حصن الروم عند باب الرّيحان قبالة الموضع الذي يعرف بالقالوس يعرف بمسجد العيلة (١) ، فأقام قرّة واليا بمصر إلى أن مات سنة ستّ وتسعين (٢).

فولي بعده عبد الملك بن رفاعة القينيّ ، فأقام سنة تسع وتسعين.

ثمّ ولي أيوب بن شرحبيل الأصبحيّ فأقام إلى سنة إحدى ومائة.

__________________

(١) في الخطط المقريزية ١ / ٢٨٩ : جامع الفيلة بناه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٤ / ١٤٣ : وقيل : في صفر سنة ٩٥ ه‍.

١٠

ثمّ ولي بشر (١) بن صفوان الكلبيّ فأقام إلى سنة ثلاث ومائة.

ثمّ ولي أخوه حنظلة فأقام إلى سنة خمس ومائة.

ثمّ ولي محمّد بن عبد الملك أخو هشام بن عبد الملك الخليفة.

ثمّ ولي الحرّ بن يوسف.

ثمّ ولي حفص بن الوليد ، فأقام إلى آخر سنة ثمان ومائة.

وولي بعده سنة تسع ومائة عبد الملك بن رفاعة ، وصرف في السنة.

وولي أخوه (٢) الوليد ، فأقام إلى أن توفّي سنة تسع عشرة.

وولي بعده عبد الرحمن بن خالد الفهميّ ، فأقام سبعة أشهر ، وصرف ، وأعيد حنظلة بن صفوان في سنة عشرين ، ثمّ صرف وأعيد حفص بن الوليد ، فأقام ثلاث سنين ثمّ صرف.

وولي بعده سنة سبع وعشرين حسان بن عتاهية التّجيبيّ.

ثم أعيد حفص بن الوليد ، وعزل عنها سنة ثمان وعشرين.

وولي الحوثرة بن سهيل الباهليّ.

ثمّ ولي المغيرة بن عبيد الفزاريّ سنة إحدى وثلاثين.

ثمّ ولي عبد الملك بن مروان مولى لخم سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

ثمّ لمّا قامت الدولة العباسية ، وقام السفّاح ، وانهزم مروان (٣) الحمار ، وهرب إلى الديار المصريّة ، ولّى السّفاح نيابة الشام ومصر صالح بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، فسار صالح حتّى قتل مروان ببوصير في ذي الحجّة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، ثمّ رجع إلى الشّام واستخلف على مصر أبا عون عبد الملك بن أبي يزيد الأزديّ ، فأقام إلى سنة ستّ وثلاثين.

ثمّ أعيد صالح بن عليّ ثمّ صرف ، وأعيد أبو عون سنة سبع وثلاثين ، فأقام إلى سنة إحدى وأربعين.

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٤ / ١٨٢ : وكان على مصر أسامة بن زيد سنة ١٠٢ ه‍.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٤ / ٢٠٦ : في سنة ١١١ ه‍ استعمل هشام على مصر الحكم بن قيس بن مخرمة.

(٣) لقب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.

١١

ثمّ ولي بعده موسى بن كعب التميميّ ، فأقام سبعة أشهر ومات (١).

وولي محمّد بن الأشعث الخزاعيّ ، ثمّ عزل سنة اثنتين وأربعين.

وولي نوفل بن الفرات ، ثمّ عزل نوفل (٢).

وولي حميد بن قحطبة الطائيّ ، ثمّ صرف سنة أربع وأربعين.

وولي يزيد بن حاتم المهلبيّ (٣) ، فأقام إلى سنة اثنتين وخمسين فعزل.

وولي محمّد بن سعيد (٤) ، فأقام إلى أن استخلف المهديّ ، فعزله في سنة تسع وخمسين. وولّى أبا ضمرة محمد بن سليمان ، كذا في تاريخ ابن كثير وأمّا الجزّار فقال : إنّه ولي بعد يزيد بن حاتم عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج التّجيبيّ.

ثمّ ولي بعده أخوه فأقام سنة وشهرين.

ثم ولي بعده موسى بن عليّ اللّخمي سنة خمس وخمسين ، فأقام إلى سنة إحدى وستين.

ثمّ ولي عيسى بن لقمان اللخمي (٥).

ثم ولي واضح مولى المنصور سنة اثنتين وستّين.

ثمّ صرف من عامه وولي منصور بن يزيد الحميريّ.

ثمّ ولي بعده يحيى بن داود أبو صالح الخرسيّ (٦).

ثمّ ولي سالم بن سوادة التميميّ سنة أربع وستين.

ثم ولي إبراهيم بن صالح العباسيّ سنة خمس وستين (٧).

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٤ / ٣٦٨ : توفي موسى بن كعب سنة ١٤١ ه‍.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٤ / ٣٦٩ : عزل نوفل سنة ١٤٢ ه‍.

(٣) في الكامل لابن الأثير ٤ / ٣٧٦ : حاتم بن قتيبة بن المهلب بن أبي صفرة.

(٤) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٤١ : في سنة ١٥٧ ه‍ عزل المنصور محمد بن سليمان عن مصر واستعمل مولاه مطر.

(٥) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٦١ : في سنة ١٦١ ه‍ استعمل عيسى بن لقمان على مصر ، وفيها عزل محمد بن سليمان أبو ضمرة عن مصر في ذي الحجّة ووليها سلمان بن رجاء ...

(٦) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٦٢ : في سنة ١٦٢ ه‍ : عزل سلمة بن رجاء من مصر ووليها عيسى بن لقمان في المحرم ؛ وعزل عنها في جمادى الآخرة ووليها واضح مولى المهدي ، ثم عزل في ذي القعدة ووليها يحيى الحرشي.

(٧) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٦٨ : وكان إبراهيم بن صالح على مصر سنة ١٦٧ ه‍.

١٢

ثم ولي موسى بن مصعب مولى خثعم.

ثمّ ولي الفضل بن صالح العباسيّ سنة تسع وستين.

ثم ولي عليّ بن سليمان العباسيّ من السنة.

ثمّ ولي موسى بن عيسى العباسي.

ثمّ عزل سنة اثنتين وسبعين. وولي مسلمة بن يحيى الأزديّ.

ثمّ ولي محمد بن زهير الأزديّ سنة ثلاث وسبعين.

ثمّ ولي داود بن يزيد المهلبيّ سنة أربع وسبعين.

ثم أعيد موسى بن عيسى سة خمس وسبعين ، ثمّ عزله الرشيد سنة ستّ وسبعين. وولي عليها جعفر بن يحيى البرمكي ، فاستناب عليها عمر (١) بن مهران ـ وكان شيعيّا زريّ الشكل أحول ـ وكان سبب ذلك أنّ الرشيد بلغه أنّ موسى بن عيسى عزم على خلعه ، فقال : والله لأولّينّ عليها أخسّ الناس ، فاستدعى عمر بن مهران ، ولّاه عليها نيابة عن جعفر ، فسار عمر إليها على بغل ، وغلامه أبو درّة على بغل آخر ، فدخلها كذلك ، فانتهى إلى مجلس موسى بن عيسى ، فجلس في أخريات النّاس ، حتّى انفضّوا فأقبل عليه موسى بن عيسى ، وهو لا يعرف من هو ، فقال : ألك حاجة يا شيخ؟ قال : نعم ، أصلح الله الأمير! ثمّ مال بالكتب ، فدفعها إليه ، فلمّا قرأها قال : أنت عمر بن مهران؟ قال : نعم ، قال : لعن الله فرعون حين قال : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الزخرف : ٥١] ، ثمّ سلّم إليه العمل وارتحل منها.

ثمّ في سنة سبع وسبعين عزل الرشيد جعفرا عن مصر ، وولّى عليها إسحاق بن سليمان (٢) ، كذا في تاريخ ابن كثير وغيره.

وذكر الأديب أبو الحسين الجزّار في أرجوزته في أمراء مصر خلاف ذلك ؛ فإنّه قال : أعيد موسى بن عيسى سنة خمس وسبعين. ثم أعيد إبراهيم بن صالح العباسيّ سنة ستّ وسبعين ، ثمّ ولي عبد الله بن المسيب الضبيّ.

ثمّ ولي إسحاق بن سليمان العباسي سنة سبع وسبعين. كذا قال والله أعلم.

ثم عزل إسحاق سنة ثمان وسبعين وولي هرثمة بن أعين ، فأقام نحوا من شهر.

ثمّ عزل وولي (٣) عبد الملك بن صالح العباسيّ ، فأقام إلى سلخ سنة ثمان وسبعين.

وولي عبيد الله بن مهديّ العباسيّ سنة تسع وسبعين.

__________________

(١) انظر الكامل لابن الأثير : ٥ / ٩١.

(٢) انظر الكامل لابن الأثير : ٥ / ٩٦.

(٣) انظر الكامل لابن الأثير : ٥ / ٩٧.

١٣

ثم أعيد موسى بن عيسى سنة ثمانين.

ثم أعيد عبيد الله المهديّ ، وصرف في رمضان سنة إحدى وثمانين.

وولي إسماعيل بن صالح العباسيّ.

ثم ولي إسماعيل بن عيسى سنة اثنتين وثمانين ، ثمّ صرف وولي الليث بن الفضل البيروذيّ.

ثمّ ولي أحمد بن إسماعيل العباسيّ سنة سبع وثمانين.

ثم ولي عبد الله بن محمد العباسيّ.

ثم ولي الحسين بن حمل الأزدي سنة تسعين.

ثمّ ولي مالك بن دلهم الكلبيّ سنة اثنتين وتسعين.

ثمّ ولي الحسن بن التختاخ سنة ثلاث وتسعين.

ثمّ ولي حاتم بن هرثمة بن أعين.

ثمّ صرف في سنة خمس وتسعين. وولي جابر بن الأشعث الطائيّ.

ثمّ ولي عباد بن نصر الكنديّ سنة ستّ وتسعين.

ثمّ ولي المطّلب بن عبد الله الخزاعيّ سنة ثمان وتسعين.

ثمّ ولي العباس بن موسى في السنة.

ثمّ أعيد المطّلب سنة تسع وتسعين.

ثمّ ولي السريّ بن الحكم سنة مائتين.

ثمّ ولي سليمان بن غالب سنة إحدى.

ثمّ أعيد السريّ بن الحكم في السّنة ، فمات في سنة خمس (١) ومائتين ، فولي بعده أبو نصر محمد بن السريّ.

ثمّ تغلّب عليها عبيد الله بن السريّ في سنة ست ، فأقام إلى سنة عشر ، فوجّه إليه المأمون عبد الله بن طاهر فاستنقذها (٢) منه بعد حروب يطول ذكرها.

وقد ذكر الوزير أبو القاسم المغربيّ : أنّ البطيخ العبد لاويّ الذي بمصر منسوب إلى عبد الله بن طاهر هذا ، قال ابن خلّكان : إمّا لأنه كان يستطيبه ، أو لأنه أوّل من زرعه بها.

__________________

(١) انظر الكامل لابن الأثير : ٥ / ١٩٧.

(٢) انظر الكامل لابن الأثير : ٥ / ٢١١.

١٤

ثمّ ولي بعده عيسى (١) بن يزيد الجلوديّ.

ثمّ في سنة ثلاث وعشرين (٢) ومائتين ثار رجلان بمصر ، وهما عبد السلام وابن جليس ، فخلعا المأمون ، واستحوذا على الديار المصرية ، وتابعهما طائفة من القيسيّة واليمانيّة فولّى المأمون أخاه أبا إسحاق بن الرشيد نيابة مصر مضافة إلى الشام ، فقدمها سنة أربع عشرة ، وافتتحها ، وقتل عبد السلام وابن جليس ، وأقام بمصر.

ثمّ ولي عليها عمير (٣) بن الوليد التميميّ.

ثم صرف وأعيد عيسى بن يزيد الجلوديّ.

ثمّ ولي عبدويه بن جبلة سنة خمس عشرة.

ثمّ ولي عيسى بن منصور مولى بني نصر ، وفي أيّامه قدم المأمون مصر في سنة ستّ عشرة (٤).

ثمّ ولي نصر بن كيدر السعيديّ سنة تسع عشرة.

ثمّ ولي المظفّر بن كيدر.

ثمّ ولي موسى بن أبي العباس الحنفيّ.

ثمّ ولي مالك بن كيدر سنة أربع وعشرين ومائتين.

ثمّ أعيد عيسى بن منصور ثانية سنة تسع وعشرين.

ثمّ ولي هرثمة بن النّضر الجبليّ سنة ثلاث وثلاثين.

ثمّ ولي ابنه حاتم في السنة ، فأقام شهرا.

ثمّ ولي عليّ بن يحيى سنة أربع وثلاثين.

ثمّ ولي أخوه إسحاق بن يحيى الجبليّ سنة خمس وثلاثين.

ثمّ ولي عبد الواحد بن يحيى ، مولى خزاعة سنة ستّ وثلاثين.

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٢١٦ : في سنة ٢١٣ ه‍ ولّى المأمون أخاه أبا إسحاق المعتصم مصر والشام.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٢١٦ : سنة ٢١٣ ه‍.

(٣) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٢١٦ : ابن عميرة بن الوليد الباذغيسي ، وقتل سنة ٢١٤ ه‍.

(٤) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٢٢١ : في سنة ٢١٧ ه‍ وصل المأمون إلى مصر في المحرّم.

١٥

ثمّ ولي عنبسة بن إسحاق الضّبي سنة ثمان وثلاثين ، ثمّ عزل وولي يزيد بن عبد الله من الموالي سنة اثنتين وأربعين.

ثمّ ولي مزاحم (١) بن خاقان سنة ثلاث وخمسين (٢).

ثمّ ولي ابنه أحمد في السنة.

ثمّ ولي أزجور التركيّ في السنة ، ثمّ صرف فيها أيضا.

وولي أحمد بن طولون (٣) التركيّ ، ثمّ أضيفت إليه نيابة الشّام والعواصم والثغور وإفريقيّة ، فأقام مدّة طويلة ، وفتح مدينة أنطاكية ، وبنى بمصر جامعه (٤) المشهور ، وكان أبوه طولون من الأتراك الذين أهداهم نوح بن أسد السامانيّ ـ عامل بخارى ـ إلى المأمون في سنة مائتين ـ ويقال إلى الرشيد في سنة تسعين ومائة ـ وولد ابنه أحمد (٥) في سنة أربع عشرة ـ وقيل سنة عشرين ومائتين ـ ومات طولون سنة ثلاثين ، وقيل سنة أربعين. وحكى ابن عساكر عن بعض مشايخ مصر أنّ طولون لم يكن أبا أحمد ؛ وإنما تبنّاه ، وأمّه جارية تركيّة اسمها هاشم ، وكان الأتراك طلبوا منه أن يقتل المستعين ، ويعطوه واسطا فأبى وقال : والله لا تجرّأت على قتل أولاد الخلفاء فلمّا ولي مصر ، قال : لقد وعدني الأتراك إن قتلت المستعين أن يولّوني واسطا ، فخفت الله ولم أفعل ، فعوّضني ولاية مصر والشّام وسعة الأحوال.

قال محمد بن عبد الملك الهمدانيّ في كتاب عنوان السير : قال بعض أهل مصر : جلسنا في دكّان ، ومعنا أعمى يدّعي علم الملاحم ـ وذلك قبل دخول أحمد بن طولون بساعة ـ فسألناه عمّا يجده في الكتب لأجله ، فقال : هذا رجل من صفته كذا وكذا ، يتقلّد هو وولده قريبا من أربعين سنة ؛ فما تمّ كلامه حتّى اجتاز أحمد ، فكانت صفته وولايته وولاية ولده كما قال.

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٣١٢ : عقد المستعين لأتامش على مصر سنة ٢٤٨.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٣٣٧ : في سنة ٢٥٣ مات مزاحم بن خاقان بمصر في ذي الحجة.

(٣) في الكامل لابن الأثير ٥ / ٣٣٩ : في سنة ٢٥٤ ه‍ استعمل المهتدي أحمد بن طولون على ديار مصر جميعها.

(٤) في الخطط المقريزية ٢ / ٢٦٥ : بدىء ببنائه في سنة ٢٦٣ ه‍.

(٥) في تاريخ العرب والإسلام لزكار ٣٩٩ : من مواليد سامراء.

١٦

وقال بعض أصحابه : ألزمني ابن طولون صدقاته ، وكانت كثرة ، فقله له يوما : ربما امتدّت إليّ اليد المطوّقة بالجوهر ، والمعصم ذو السّوار ، والكمّ الناعم ، أفأمنع هذه الطبقة؟ فقال : هؤلاء المستورون الّذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف ، احذر أن تردّ يدا امتدّت إليك ، واعط من استعطاك ، فعلى الله تعالى أجره ؛ وكان يتصدّق في كلّ أسبوع بثلاثة آلاف دينار سادة سوى الراتب ، ويجري على أهل المساجد في كلّ شهر ألف دينار ، وحمل إلى بغداد في مدّة أيامه ، وما فرّق على العلماء والصالحين ألفي ألف دينار ومائتي ألف دينار ، وكان خراج مصر في أيامه أربعة آلاف دينار وثلثمائة ألف دينار ، وكان لابن طولون ما بين رحبة مالك بن طوق إلى أقصى المغرب.

واستمرّ ابن طولون أميرا بمصر إلى أن مات بها ليلة الأحد لعشر خلون من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين ، وخلّف سبعة عشر ابنا. قال بعض الصوفيّة : ورأيته في المنام بعد وفاته بحال حسنة ، فقال : ما ينبغي لمن سكن الدّنيا أن يحقر حسنة فيدعها ولا سيئة فيأتيها ، عدل بي عن النار إلى الجنّة بتثبّتي على متظلّم عييّ اللّسان شديد التهيّب ، فسمعت منه وصبرت عليه حتّى قامت حجّته ، وتقدّمت بإنصافه ، وما في الآخرة أشدّ على رؤساء الدنيا من الحجاب لملتمس الإنصاف.

وولي بعه ابنه أبو الجيش خمارويه ، وأقام أيضا مدّة طويلة ، ثمّ في ذي الحجّة سنة اثنتين وثمانين قدم البريد فأخبر المعتضد بالله أنّ خمارويه ذبحه بعض خدمه على فراشه (١) وولّوا بعده ولده جيش (٢) فأقام تسعة أشهر ، ثمّ قتلوه ونهبوا داره ، وولّوا هارون بن خمارويه ، وقد التزم في كلّ سنة بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار ، تحمل إلى باب الخليفة ، فأقرّه المعتضد على ذلك ، فلم يزل إلى صفر سنة اثنتين وتسعين ، فدخل عليه عمّاه شيبان وعديّ ابنا أحمد بن طولون ، وهو ثمل في مجلسه ، فقتلاه (٣) ، وولي عمّه أبو المغانم شيبان ، فورد بعد اثني عشر يوما من ولايته من قبل المكتفي ولاية محمد بن سليمان الواثقيّ ، فسلّم إليه شيبان الأمر ، واستصفى أموال آل طولون ، وانقضت دولة الطولونية عن الديار المصرية.

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٦ / ٨١ : في ذي الحجة بدمشق.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٦ / ٨١ : وكان صبيا غرّا.

(٣) في الكامل لابن الأثير ٦ / ١١٠ : وقع بين أصحاب هارون في بعض الأيام عصبية فاقتتلوا ، فخرج هارون يسكنهم ، فرماه بعض المغاربة بمزراق معه فقتله.

١٧

وأقام محمد بن سليمان بمصر أربعة أشهر ، وولي عليها بعده عيسى بن محمد (١) الوشريّ فأقام واليا عليها خمس سنين وشهرين ونصفا ، ومات سنة سبع وتسعين ومائتين ، فولّى المقتدر أبا منصور تكين الخاصة (٢) ، ثمّ صرف في سنة ثلاث وثلثمائة ، وولي ذكاء أبو الحسن ، ثمّ صرف وأعيد تكين ثمّ صرف سنة تسع.

وولي هلال بن بدر ثمّ صرف في سنة إحدى عشرة.

وولي أحمد بن كيغلغ ثم صرف من عامه ، وأعيد تكين الخاصّة ، فأقام إلى أن مات سنة إحدى وعشرين وثلثمائة ، وورد الخبر بموته إلى بغداد ، وأنّ ابنه محمدا قد قام بالأمر من بعده ، فسيّر إليه القاهر الخلع بتنفيذ الولاية واستقرارها ، ثمّ صرف.

وولي أبو بكر محمر بن طغج الملقّب بالإخشيد (٣) ، ثمّ صرف من عامه ، وأعيد أحمد بن كيغلغ ، ثمّ صرف سنة ثلاث وعشرين.

وأعيد محمد بن طغج الإخشيديّ ، وفي هذا الوقت كان تغلّب أصحاب الأطراف عليها لضعف أمر الخلافة وبطل معنى الوزارة ، وصارت الدواوين تحت حكم الأمراء محمد بن رائق ، وصارت الدّنيا في أيدي عمّالها ؛ فكانت مصر والشام في يد الإخشيد ؛ والموصل وديار بكر وديار ربيعة ومضر في أيدي بني حمدان ؛ وفارس في يد عليّ بن بويه ، وخراسان في يد نصر بن أحمد ، وواسط والبصرة والأهواز في يد اليزيديّ (٤) ، وكرمان في يد محمد بن الياس ، والرّيّ وأصفهان والجبل في يد الحسن بن بويه ، والمغرب وإفريقيّة في يد أبي عمرو الغسّانيّ ، وطبرستان وجرجان في يد الدّيلم ، والبحرين واليمامة وهجر في يد أبي طاهر (٥) القرمطيّ ؛ فأقام محمد بن طغج في مصر إلى أن مات في ذي الحجّة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة (٦).

وقام ابنه أبو القاسم أنوجور ـ قال الذهبيّ في العبر : ومعناه بالعربية : محمود مقامه ـ وكان صغيرا ، فأقيم كافور (٧) الإخشيد الخادم الأسود أتابكا ، فكان يدبّر المملكة فاستمرّ إلى سنة تسع وأربعين.

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٦ / ١١١ : النوشري.

(٢) في الكامل لابن الأثير ٦ / ١٣٧ : الخادم.

(٣) في تاريخ العرب والإسلام لزكار ٤٠١ : الاخشيد كلمة تركية كانت تطلق على ملوك فرغانة في بلاد ما وراء النهر.

(٤) في الكامل لابن الأثير ٦ / ٢٤٧ : البريدي.

(٥) في الكامل لابن الأثير ٦ / ٢٩٩ : توفي في رمضان سنة ٣٣٢ بالجدري.

(٦) في الكامل لابن الأثير ٦ / ٣١٨ : وكان مولده سنة ٢٦٨ ه‍ ببغداد ، وتوفي في دمشق.

(٧) في تاريخ العرب والإسلام لزكار ٤٠٣ : وهو من أصل حبشي أسود الوجه كان قد اشتراه سيّده الإخشيد ثم أعتقه ليصبح من كبار القواد في الدولة ، وحكم كوصيّ اثنين وعشرين عاما.

١٨

فمات أنوجور ، وقام بعده أخوه عليّ ، فاستمرّ إلى أن مات سنة خمس وخمسين ؛ فاستقرّت المملكة باسم كافور يدعى له على المنابر بالبلاد المصرية والشاميّة والحجاز ، فأقام سنتين وأربعة أشهر ، ومات بمصر في جمادى الأولى سنة سبع (١) وخمسين. قال الذهبيّ : كان كافور خصيّا حبشيّا ، اشتراه الإخشيد من بعض أهل مصر بثمانية عشر دينارا ثمّ تقدّم عنده لعقله ورأيه إلى أن صار من كبار القوّاد ، ثم لمّا مات أستاذه كان أتابك (٢) ولده أنوجور ، وكان صبيّا ؛ فغلب كافور على الأمور ، وصار الاسم للولد ، والدّست لكافور ، ثمّ استقلّ بالأمر ، ولم يبلغ أحد من الخصيان ما بلغ كافور ومؤنس المظفّريّ الذي ولي سلطنة العراق ، ومدحه المتنبيّ بقوله :

قواصد كافور توارك غيره

ومن قصد البحر استقلّ السواقيا

فجاءت بنا إنسان عين زمانه

وخلّت بياضا خلفها ومآقيا

وهجاه بقوله :

من علّم الأسود المخصيّ مكرمة

أقومه البيض أم آباؤه الصّيد؟

وذاك أنّ الفحول البيض عاجزة

عن الجميل ، فكيف الخصية السّود!!

وقال محمد بن عبد الملك الهمدانيّ : كان بمصر واعظ يقصّ على الناس ، فقال يوما في قصصه : انظروا إلى هوان الدنيا على الله تعالى ، فإنّه أعطاها لمقصوصين ضعيفين : ابن بويه ببغداد وهو أشلّ ، وكافور عندنا بمصر وهو خصيّ ؛ فرفعوا إليه قوله وظنّوا أنّه يعاقبه ، فتقدّم له بخلعة ومائة دينار ، وقال : لم يقل هذا إلّا لجفائي له ، فكان الواعظ يقول بعد ذلك في قصصه : ما أنجب من ولد حام إلّا ثلاثة : لقمان ، وبلال المؤذّن ، وكافور.

وقال أبو جعفر مسلم بن عبد الله بن طاهر العلويّ : كنت أساير كافور يوما ، وهو في موكب خفيف ، فسقطت مقرعته من يده ، فبادرت بالنزول ، وأخذتها من الأرض ودفعتها إليه ، فقال : أيّها الشريف ؛ أعوذ بالله من بلوغ الغاية ، ما ظننت أنّ الزمان يبلغني حتّى يفعل بي هذا ـ وكاد يبكي ـ أنا صنيعة الأستاذ ، ووليّه ، فلمّا بلغ باب داره ودّعته وسرت ، فإذا أنا بالبغال والجنائب بمراكبها ، وقال أصحابه : أمر الأستاذ بحمل هذا إليك ، وكان ثمنها يزيد على خمسة عشر ألف دينار.

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير ٧ / ٢٤ : سنة ٣٥٦ ه‍.

(٢) في صبح الأعشى ٤ / ١٨ أتابك : مربي الأمير ومدبر المملكة وأمير أمراء الجيش.

١٩

ولمّا مات كافور ولّى المصريّون مكانه أبا الفوارس أحمد بن عليّ بن الإخشيد وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، فأقام شهورا حتّى أتى جوهر القائد من المغرب فانتزعها منه.

ذكر أمراء مصر من بني عبيد

لما توفّي كافور الإخشيديّ لم يبق بمصر من تجتمع القلوب عليه ، وأصابهم غلاء شديد أضعفهم ؛ فلمّا بلغ ذلك المعزّ أبا تميم معدّ بن المنصور إسماعيل ، وهو ببلاد إفريقيّة بعث مولى أبيه جوهر (١) ؛ وهو القائد الروميّ ، في مائة ألف مقاتل ، فدخلوا مصر في يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ، فهرب أصحاب كافور ، وأخذ جوهر مصر بلا ضربة ولا طعنة ولا ممانعة ، فخطب جوهر للمعزّ يوم الجمعة على منابر الديار المصرية وسائر أعمالها ، وأمر المؤذنين بجامع عمرو وبجامع ابن طولون أن يؤذّنوا بحيّ على خير العمل ، فشقّ ذلك على الناس ، وما استطاعوا له ردّا ، وصبروا لحكم الله ، وشرع في بناء القاهرة والقصرين والجامع الأزهر ، وأرسل بشيرا إلى المعزّ يبشّره بفتح الديار المصرية وإقامة الدعوة له بها ، وطلبه إليها. ففرح المعزّ بذلك ، وامتدحه شاعره محمد بن هانىء (٢) الأندلسي بقصيدة أوّلها :

يقول بنو العبّاس : هل فتحت مصر؟

فقل لبني العبّاس : قد قضي الأمر

وابن هانىء هذا قد كفّره غير واحد من العلماء ، منهم القاضي عياض في الشفاء لمبالغاته في مدائحه ، من ذلك قوله في المعزّ :

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهّار

وقوله :

__________________

(١) وهو أبو الحسن جوهر بن عبد الله القائد المعزّي المعروف بالكاتب مولى المعز لدين الله أبي تميم معد العبيدي الفاطمي ، وكان رحيله من إفريقية يوم السبت ١٤ ربيع الأول من سنة ٣٥٨ ه‍. [الكامل لابن الأثير : ٧ / ٣١].

(٢) ولد بإشبيلية ، وشيّع المعزّ إلى الديار المصرية. وجد مخنوقا بتكّة سراويله في سانية من سواني برقة يوم الأربعاء الثالث والعشرين من رجب من سنة ٣٦٢ ه‍ وعمره ست وثلاثون أو اثنتان وأربعون سنة. [شذرات الذهب : ٣ / ٤٢].

٢٠