حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

كما تمادى في البغي والغيّ حتّى

كان بعث الحمام حدّ الحمام

وقال أيضا :

حان الردى للمظفّر

وفي التراب تعفّر

كم قد أباد أميرا

على المعالي توفّر

وقاتل النفس ظلما

ذنوبه ما تكفّر

وأقيم بعده أخوه ناصر الدين (١) أبو المحاسن حسن ؛ ولقّب الملك الناصر ، وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة ؛ فأقام إلى أن خلع في جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين ، وسجن بالقلعة ، وأقيم بعده أخوه صالح ، ولقب الملك الناصح (٢) ، وجعل شيخو أتابكه ، فأقام إلى أن خلع في شوّال سنة خمس وخمسين ، وحبس بالقلعة ، وأعيد الناصر حسن ، فأقام إلى أن قتل (٣) ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستّين ، وأقيم بعده ابن أخيه ناصر الدين أبو المعالي محمد بن المظفر حاجي ، ولقّب الملك المنصور ، فأقام إلى أن خلع في شعبان سنة أربع وستّين وسجن بالقلعة إلى أن مات سنة إحدى وثمانين ، وأقيم بعده ابن عمّة أبو المفاخر (٤) شعبان بن الأمير حسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون ، ولقّب الملك الأشرف وعمره يومئذ عشر سنين واستقرّ أتابكه يلبغا العمريّ. ثمّ إنّ يلبغا قتل (٥) بأيدي مماليكه في سنة ثمان وستّين ، وكان ساكنا بالكبش ، فقال فيه بعض الشعراء :

بدا شقا يلبغا وعدّت

عداه في سفنه إليه

والكبش لم يفده وأضحت

تنوح غربانه عليه

وأقيم أسندمر الناصر أتابكا ، فاتفقت معه مماليك يلبغا ، فركبوا على الأشرف فهزموا ، ونصر الأشرف ، وقال بعض الشعراء في ذلك :

هلال شعبان جهرا لاح في صفر

بالنّصر حتّى أرى عيدا بشعبان

وأهل كبش كأهل الفيل قد أخذوا

رغما وما انتطحت في الكبش شاتان

__________________

(١) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٠ : بدر الدين أبو المعالي حسن.

(٢) وفيه أيضا : الملك الصالح.

(٣) وفيه أيضا : قتله مملوكه الأمير يلبغا.

(٤) وفيه أيضا : أبو المعالي.

(٥) قتل ليلة الأربعاء عاشر ربيع الآخر. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٠].

١٢١

ثمّ أقيم الجائي اليوسفيّ أتابكا وهو زوج أمّ الأشرف ، فاتفق موت أمّ الأشرف ، فقال شهاب الدين السعديّ متفائلا بالجائي :

في مستهلّ العشر من ذي حجّة

كانت صبيحة موت أمّ الأشرف

فالله يرحمها ويعظم أجره

ويكون في عاشور موت اليوسفي

فاتّفق أن وقع الأمر كذلك ، ركب الجائي على الأشرف في سابع المحرّم ، فكسر ، وطلب يوم الثامن ، فساق حتّى أرمى نفسه في البحر ، فغرق ، ثم أخرجه الغوّاصون ودفن في تاسع المحرّم.

ثمّ إن الأشراف تأهّب للحجّ ، وسافر في شوّال سنة ثمان وسبعين ، وصحبه الخليفة والقضاة والأمراء ، فلمّا وصل إلى العقبة ، ركب عليه من معه من الأمراء والجند ، فانكسر السلطان ، ورجع هاربا إلى مصر ، فاختفى بها.

قال الحافظ ابن حجر : أخبر الشيخ بدر الدين السلسوليّ أحد علماء المالكيّة وصلحائهم ، أنّه رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا تجهز الأشرف للحجّ ، وعمر يقول له : شعبان بن حسين يريد أن يجيء إلينا ، فقال : لا ما يأتينا أبدا! فلم يلبث الأشرف أن رجع من العقبة.

قال ابن حجر : وعرض طشتمر على الخليفة أن يتسلطن ، فامتنع وقال : بل اختاروا من شئتم ، وأنا أولّيه ، ورجع هو والقضاة إلى مصر. ثمّ إنهم ظفروا بالأشرف ، فخنقوه (١) وأقيم بعده ولده علاء الدين عليّ وهو صبيّ (٢) ، ولقّب الملك المنصور ، فأقام إلى أن مات في صفر سنة ثلاث وثمانين ، وعمره يوم مات اثنتا عشرة سنة. وكان التدبير في أيّامه لأينبك البدريّ ، ثمّ لقرطاي ، ثمّ لبرقوق.

وأقيم بعده أخوه صلاح الدين حاجي (٣) بن الأشرف شعبان ، ولقّب الملك الصالح ، وسنّه حينئذ تسع سنين ، ثمّ خلع في رمضان سنة أربع وثمانين ، وأقيم في السلطنة سيف الدين أبو سعيد برقوق بن أنص ؛ ولقّب الملك الظاهر ؛ وهو أوّل السلاطين من الجراكسة ، وليس فيهم من تسلطن وأبوه مسلم غيره ؛ فإنّ أباه قدم إلى الديار المصريّة ، فأسلم ومات قبل سلطنة ولده بشهر. وكان الذي أشار بتلقيب برقوق بالظاهر شيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ ؛ فإنّ ولايته كانت وقت الظهر ، وخطب

__________________

(١) يوم الثلاثاء سادس ذي القعدة سنة ٧٧٨ ه‍. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٠].

(٢) وعمره سبع سنين. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٠].

(٣) وهو آخر المماليك البحرية الأتراك. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٠].

١٢٢

الخليفة قبل أن يفوّض إليه خطبة بليغة ، ثم قلّده بحضرة البلقينيّ والقضاة ، واستمرّ في السلطنة إلى ثالث جمادى (١) الآخرة سنة إحدى وتسعين ، فخلع وسجن بالكرك ، وأعيد حاجي إلى السلطنة. ولقّب الملك المنصور ، فأقام إلى صفر سنة اثنتين وتسعين وخلع. وعاد برقوق إلى السّلطنة ، فاستمرّ إلى أن مات في شوال سنة إحدى وثمانمائة ، وأقيم بعده ولده زين الدين أبو السعادات فرج ، ولقّب الملك الناصر ، وقال بعض الشعراء في ولايته :

مضى الظّاهر السّلطان أكرم مالك

إلى ربّه يرقى إلى الخلد في الدّرج

وقالوا : ستأتي شدّة بعد موته

فأكذبهم ربّي وما جا سوى فرج

فأقام إلى سادس ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة ، فخلع وأقيم أخوه عبد العزيز ، ولقّب الملك المنصور ، ثمّ خلع في رابع جمادى الآخرة من السنة ، وأعيد النّاصر فرج ، فأقام إلى أن خرج عليه شيخ المحموديّ ، وقاتله وحصره ، وظفر به وحكم ابن العديم (٢) بسفك دمه وقتل بسيف الشرع ؛ وذلك في المحرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة ، وأقيم الخليفة المستعين بالله أبو النّصر العباسيّ (٣) سلطانا مستقلا بالأمر ، وحلف له الأمراء على الوفاء ، ولم يغيّر لقبه ، فأقام يتصرّف بالولاية والعزل وغيرهما ، ثم سأله شيخ (٤) أن يفوّض إليه السلطنة على العادة ، فأجابه إلى ذلك في شعبان من السنة ، وبقيت الخلافة باسمه ، واستقرّ شيخ في السلطنة ، ولقّب الملك المؤيّد وكان من خيار الملوك.

ترجمه الحافظ ابن حجر في معجمه وأثنى عليه ، وقال : أين مثله؟ بل أين أين مثله! وكان معه إجازة بصحيح البخاري من شيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ ، فكانت لا تفارقه سفرا ولا حضرا ، وأقام إلى أن توفّي في ثامن محرّم سنة أربع وعشرين ، وأقيم بعده ولده أحمد ، ولقّب الملك المظفّر ، وعمره يومئذ سنتان. وجعل ططر مدبّر المملكة ، ولقّب نظام الملك ، فلمّا كان سلخ شعبان من السنة خلع من الملك لصغره ، وأقيم ططر ، ولقّب الملك الظاهر ، فأقام إلى أن مات في سادس (٥) ذي الحجة من السنة.

__________________

(١) خامس جمادى الآخرة. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤١].

(٢) هو ناصر الدين محمد بن عمر بن ابراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد العقيلي الحلبي ابن العديم نزيل القاهرة ، توفي سنة ٨١٩ ه‍. [شذرات الذهب : ٧ / ١٤١].

(٣) أبو الفضل. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٢ ، ٢٤٣].

(٤) أبو النصر شيخ المحمودي أحد مماليك الظاهر برقوق. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٣ ، شذرات الذهب : ٧ / ١٦٤].

(٥) مات يوم الأحد رابع عشري ذي الحجة. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٣].

١٢٣

وأقيم بعد ططر (١) ولده محمد ولقّب الملك الصالح (٢) ، وجعل برسباي نظام الملك (٣) ، فلمّا كان في ثامن ربيع الآخر خلع سنة خمس وعشرين وأقيم برسباي ، ولقّب الملك الأشرف ، فأقام إلى أن مات في ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة.

وأقيم (٤) ولده يوسف ، ولقّب الملك العزيز ، وجعل جقمق نظام الملك ، فلمّا كان في سنة اثنتين وأربعين خلع وأقيم جقمق ، ولقّب الملك الظّاهر ، فأقام إلى أن مات سنة سبع وخمسين.

وأقيم ولده عثمان ، ولقّب الملك المنصور ، فمكث شهرا ونصفا ، ثمّ خلع في ربيع الأول ، وأقيم إينال العلائيّ ؛ ولقّب الملك الأشرف ، فأقام إلى أن مات في جمادى الأولى سنة خمس وستّين.

وأقيم ولده أحمد ولقّب الملك المؤيّد ، ثمّ خلع في رمضان من السنة (٥) ، وأقيم خشقدم (٦) الناصريّ ، ولقّب الملك الظاهر ، فأقام إلى أن مات في ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين.

وأقيم قايتباي العلائيّ (٧) ، ولقّب الملك الظاهر ، فأقام نحو شهرين وخلع ، وأقيم تمربغا (٨) ، ولقّب الملك الظاهر ، فأقيم أيضا نحو شهرين ، وخلع في رجب. وأقيم سلطان العصر الملك الأشرف قايتباي المحموديّ ، فأقام إلى أن مات ليلة الاثنين ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وتسعمائة.

وأقيم ولده محمد ، ولقّب الملك الناصر أبو السعادات محمد (٩).

__________________

(١) هو أبو الفتح ططر بن عبد الله الظاهري ، كان من جملة مماليك الظاهر برقوق. [شذرات الذهب : ٧ / ١٦٥].

(٢) تسلطن يوم الأحد رابع ذي الحجة سنة ٨٢٤ ه‍. النجوم الزاهرة : ١٤ / ٤٩.

(٣) ثم فوّض الخليفة المعتضد بالله للأمير برسباي الدقماقي نظام الملك أمور الدولة بأسرها ليقوم بتدبير ذلك عن السلطان الصالح محمد ليبلغ رشده. [النجوم الزاهرة : ١٤ / ٥٩].

(٤) سنة ٨٤١ ه‍. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٤].

(٥) سنة ٨٦٥ ه‍. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٤].

(٦) شذرات الذهب : ٧ / ٣١٥.

(٧) في شذرات الذهب : بلباي ، وكذلك في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٤ ، وفي النجوم الزاهرة : ١٦ / ٣١٨ : يلباي.

(٨) شذرات الذهب : ٧ / ٣٢٦.

(٩) قتل بالجيزة سنة ٩٠٤. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٤].

١٢٤

وقد نظم بعضهم أسماء بعض السلاطين في أرجوزة وهو حمزة بن عليّ الحسنيّ مذيّلا على أرجوزة الجزّار عقب ذكر الملك الظاهر ، فقال :

ثمّ تولّى الملك السعيد

وكلّ يوم ذراه عيد

ثمّ أخوه العادل استقلّا

بالملك أياما بها وولّى

ثمّ تولّى الملك المنصور

ومن جرى بنصره المقدور

ثمّ تولّاها المليك الأشرف

ومن غدا بكلّ جود يعرف

ثمّ تولّاها المليك الناصر

وماله في نصره موازر

ثمّ الأمير كتبغاء العادل

وما جرى في وقته فسائل

وبعده لاجين المنصور

ودولة بلاؤها مشهور

ثمّ بها الناصر عاد ثانيه

ولم ينل في ملكه أمانيه

ثمّ حوى الأمر بها المظفّر

ليقض أمر ربّنا المقدّر

ثمّ بها الناصر عاد ثالثه

ونجله المنصور كان وارثه

وبعده الأشرف وهو يافع

فلا ممانع ولا مدافع

ثمّ تولّى الناصر بن الناصر

وبعده الصالح ذو المماكر

أعني أبا الفداء إسماعيلا

طائره أضحى به جميلا

هذا آخر ما نظمه ، وقد ذيّلت عليه فقلت :

وبعده شعبان وهو الكامل

وبعده المظفّر المماحل

وبعده الناصر واسمه حسن

وبعده الصالح في البرج سجن

ثمّ أعيد حسن وبعده

محمد المنصور أوهى عهده

وبعده شعبان وهو الأشرف

وهو ابن عشر أمره مستضعف

وبعده المنصور واسمه علي

وبعده الصالح حاجي قد ولي

وبعده برقوق وهو الظاهر

ثمّ أعيد الصالح المنافر

ولقّبوه الملك المنصورا

ثمّ أعادوا الظاهر المذكورا

وبعده الناصر واسمه فرج

وبعده عبد العزيز قد خرج

ولقّب المنصور ثمّ أمسكا

وأحضر الناصر حتّى ملكا

وبعد هذا بويع الخليفة

ذو الرتبة العالية المنيفه

المستعين الأعظم العبّاس

فاستوثق الأمر وسرّ الناس

وبعد هذا ملك المؤيّد

شيخ وبعده المظفّر أحمد

وبعده الظاهر واسمه ططر

ثمّ ابنه الصالح لما أن غبر

١٢٥

ثمّ برسباي وذاك الأشرف

ثمّ ابنه الملك العزيز يوسف

وبعده الظاهر وهو جقمق

ثمّ ابنه المنصور ثم أطلقوا

وبعده إينال وهو الأشرف

ثمّ ابنه المؤيّد المنصرف

وبعده خشقدم ليث الوغى

وبعد يلباي أتى تمربغا

والكلّ بالظاهر رسما يوصف

وبعدهم جاء المليك الأشرف

أقام في الملك ثلاثين سوى

سبع شهور وحوى ما قد حوى

وسلطنوا ولده محمّدا

ولقّب الناصر رغما للعدا

ذكر الفرق بين الخلافة والملك والسلطنة

من حيث الشرع

قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا محمد بن عمر ، حدّثني قيس بن الربيع ، عن عطاء بن السائب ، عن زادان ، عن سلمان أنّ عمر بن الخطاب ، قال له : أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان : إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقلّ أو أكثر ، ثمّ وضعته في غير حقّه فأنت ملك غير خليفة ، فاستعبر عمر.

وقال : أخبرنا محمد بن عمر ، حدّثني عبد العزيز بن الحارث ، عن أبيه سفيان بن أبي العوجاء ، قال : قال عمر بن الخطاب : والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكا ، فهذا أمر عظيم ، قال قائل : يا أمير المؤمنين ، إنّ بينهما فرقا ، قال : ما هو؟ قال : الخليفة لا يأخذ إلّا حقّا ولا يضعه إلا في حقّ ، وأنت بحمد الله كذلك ، والملك يعسف الناس ، فيأخذ من هذا ، ولا يعطي هذا. فسكت عمر.

ذكر من يطلق عليه السلطنة من حيث المصطلح

قال ابن فضل الله في المسالك : ذكر عليّ بن سعيد أنّ الاصطلاح ألّا تطلق هذه التسمية إلا على من يكون في ولايته ملوك ، فيكون ملك الملوك فيملك ، مثل مصر ، أو مثل الشام ، أو مثل إفريقيّة ، أو مثل الأندلس ، ويكون عسكره عشرة آلاف فارس أو نحوها ، فإن زاد بلادا أو عددا في الجيش ، كان أعظم في السلطنة ، وجاز أن يطلق عليه السلطان الأعظم ، فإن خطب له في مثل مصر والشام والجزيرة ومثل خراسان وعراق

١٢٦

العجم وفارس ومثل إفريقيّة والمغرب الأوسط والأندلس ، كان سمته سلطان السّلاطين كالسلجوقيّة.

ذكر ما يلقب به ملك مصر

قال الكندي : قال تعالى حكاية عن إخوة يوسف : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) [يوسف : ٨٨] فحكى أنّ اسم ملكها العزيز ، وذكر جماعة من المفسرين أنّ فرعون لقب لكلّ من ولي مصر ، ولعلّ هذا خاص بملوك الكفر.

ذكر جلوس السلطان في دار العدل للمظالم

قال ابن فضل الله : إذا جلس السلطان للمظالم ، جلس عن يمينه قضاة القضاة من المذاهب الأربعة ، الوكيل عن بيت المال ، ثمّ الناظر في الحسبة ، ويجلس عن يساره كاتب السرّ ، وقدّامه ناظر الجيش وجماعة الموقّعين تكملة حلقة دائرة ، وإن كان ثمّ وزير من أرباب الأقلام كان بينه وبين كاتب السرّ ، وإنّ كان الوزير من أرباب السيوف كان واقفا على بعد ، مع بقيّة أرباب الوظائف ، ويقف من وراء السلطان صفّان عن يمينه ويساره من السلاح دائرة والجمدارية (١) والخاصّكية (٢) ، ويجلس على بعد تقديره خمسة عشر ذراعا من يمنة ويسرة ، ذوو السنّ من أكابر أمراء المؤمنين ، وهم أمراء المشورة ، ويليهم من دونهم من أكابر الأمراء وأرباب الوظائف وقوفا وبقيّة الأمراء وقوف من وراء أمراء المشورة ، ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجّاب والدواداريّة (٣) ، لإحضار قصص الناس وإحضار المساكين ، وتقرأ عليه فما احتاج إلى مراجعة القضاة راجعهم فيه ، وما كان متعلّقا بالعسكر تحدّث مع الخاص وكاتب السرّ فيه.

قال : وهذا الجلوس يكون يوم الاثنين ويوم الخميس ، إلا أنّ القضاة وكاتب السرّ لا يحضرون يوم الخميس.

__________________

(١) الجمدار موظف يتصدّى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه. [صبح الأعشى : ٥ / ٤٥٩].

(٢) الخاصكية : ويلازمون السلطان في خلواته ويسوقون المحمل الشريف ويجهزون في المهمات الشريفة [كشف الممالك : ١١٦].

(٣) الدوادارية : مهمتهم تبليغ الرسائل عن السلطان وعامة الأمور وتقديم المشورة والبريد له. [الخطط المقريزية]

١٢٧

قال : ومن عادته إذا ركب يوم العيدين ويوم دخول المدينة يركب ، وعلى رأسه العصائب السلطانية وهي صفر مطرّزة بذهب بألقابه واسمه ، وترفع المظلّة على رأسه ، وهي قبّة مغشّاة بأطلس أصفر مزركش ، عليها طائرة من فضة مذهّبة ، يحملها بعض أمراء المئين الأكابر ، وهو راكب فرسه إلى جانبه ، وأمامه الطّبرداية (١) مشاة ، وبأيديهم الأطبار.

قلت : العصائب المذكورة حرام ، وقد بطلت الآن ولله الحمد.

ذكر عساكر مملكة مصر

قال ابن فضل الله في المسالك : وأمّا عساكر هذه المملكة ، فمنهم من هو بحضرة السلطان ، ومنهم من فرّق في أقطار المملكة وبلادها ، ومنهم سكّان بادية كالعرب والتركمان وجندها مختلط من أتراك وجركس وروم وأكراد وتركمان ، وغالبهم من المماليك المبتاعين ، وهم طبقات أكابرهم من له إمرة مائة فارس ، وتقدمة ألف فارس ، ومن هذا القبيل يكون أكابر النوّاب ، وربّما زاد بعضهم بالعشرة فوارس والعشرين. ثمّ أمراء الطبلخاناه (٢) ، ومعظهم من تكون له إمرة أربعين فارسا وقد يزيد إلى السبعين ، ولا تكون الطبلخاناه لأقلّ من أربعين ، ثمّ أمراء العشرات ومنهم من يكون له عشرون فارسا ، ولا يعدّ إلا في أمراء العشرات ، ثمّ جند الحلقة ، وهؤلاء لكلّ أربعين نفرا منهم مقدّم ليس له حكم عليهم إلا إذا خرج العسكر ، كانت مرافقتهم معه ، وترتيبهم في موقفهم إليه ، ويبلغ بمصر إقطاع بعض أكابر الأمراء المئين المقرّبين من السلطان مائتي ألف دينار جيشيّة ، وأما غيرهم فدون ذلك ، ودون دونه إلى ثمانين ألف دينار وما حولها ، وأما العشرات فنهايتها سبعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك.

وأما إقطاعات جند الخليفة فمنه ما يبلغ ألفا وخمسمائة دينار ، وما دون ذلك إلى مائتين وخمسين دينارا.

وأما إقطاعات أمراء الشام فعلى الثلاثين من مصر.

__________________

(١) الطبردار : حامل الطبر أي الفأس. [السلوك : ١ / ٤٢٧].

(٢) أمراء الطبلخانة لهم الإمرة على فرسان ما بين الأربعين حتّى الثمانين. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢١٤].

١٢٨

ذكر أرباب الوظائف في هذه المملكة

قال ابن فضل الله : الوظائف الكبار من ذوي السيوف : إمرة سلاح الدّوادارية ، الحجوبية ، إمرة جاندار (١) الأستاذدارية (٢) ، المهمندارية (٣) ، نقابة الجيوش (٤).

ومن ذوي الأقلام : الوزارة ، كتابة السرّ ، نظر الجيش ، نظر الأموال ، نظر الخزانة ، نظر البيوت ، نظر بيت المال ، نظر الإسطبلات (٥).

ومن ذوي العلم : القضاة ، الخطباء ، وكالة بيت المال ، الحسبة.

قال : وكانت وظيفة تسمّى نيابة السلطان ، أبطلها الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وكان النائب أولا سلطانا مختصرا ، وكان هو الذي يفرّق الإقطاعات ويعيّن الإمرة والوظائف ، ويتصرّف التصرّف المطلق في كلّ أمر ، إلا في ولاية المناصب الجليلة ، كالقضاء والوزارة وكتابة السّر ، لكن يعرض هو على السلطان من يصلح ، وقلّ ألّا يجاب ، وكان يسمّى كافل الممالك والسلطان الثاني.

وأما الوزارة ، فكان يليها من أرباب السيوف والأقلام على قدر ما يتّفق ، وكان الوزير ثاني النائب في المكانة.

قال : وقد أبطل الناصر الوزارة أيضا ، واستقلّ هو بما كان يفعله النائب والوزير ، واستجدّ وظيفة يسمّى مباشرها ناظر الخاص ، أصل موضوعها أن يكون مباشرها متحدّثا فيما هو خاصّ بمال السلطان يتحدث في مجموع الأمر في الخاصّ بنفسه ، وفي العام بأخذ رأيه فيه ، فيبقى بسبب ذلك كأنّه الوزير لقربه من السلطان.

وأوّل من ولي هذه الوظيفة كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن السديد. وأمّا إمّرة سلاح فموضوعها أنّ صاحبها مقدّم السلاح داريه ، والمتولّي بحمل سلاح السلطان

__________________

(١) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٢ : مهمته تسلم باب السلطان ، ويقدم البريد ، ويتسلّم الزردخانة.

(٢) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٢ : إليه أمر البيوت السلطانية من مطابخ وشراب وحاشية وغلمان.

(٣) في صبح الأعشى : ٤ / ٢٢ : يتلقى الرسل والعربان الواردين إلى السلطان وينزلهم دار الضيافة.

(٤) نقابة الجيوش : من الرتب الجليلة ، ومعه يمشي النقباء وإليه المرجع في طلب أي جندي وإحضاره أو ترسيمه. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٣].

(٥) نظر الاصطبلات : موضوعها الحديث في أموال الاصطبلات والعليق وأرزاق المستخدمين فيها وكل ما يبتاع لها أو بها. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٤].

١٢٩

في المجامع الجامعة ، وهو المتحدّث في السلاح خاناه وتعلّقاتها ، وهو من أمراء المئين (١).

والدواداريّة موضوعها أنّ صاحبها يبلّغ الرسائل عن السلطان ، ويقدّم القصص إليه ، ويشاور على من يحضر إلى الباب ، ويقدّم البريد إذا حضر ، ويأخذ خطّ السلطان على عموم المناشير والتواقيع والكتب (٢).

والحجوبيّة موضوعها أنّ صاحبها يقف بين الأمراء والجند وهو المشار إليه في الباب بالقائم مقام البوّاب في كثير من الأمور (٣).

وإمرة جاندار : صاحبها كالمتسلّم للباب ، وهو المتسلّم للزردخاناه (٤) ، ومن أراد السلطان قتله ، كان على يد صاحب هذه الوظيفة (٥).

والأستاذداريّة صاحبها إليه أمر بيوت السلطان كلّها من المصالح والنفقات والكساوي ، وما يجري مجرى ذلك ، وهو من أمراء المئين (٦).

ونقابة الجيش صاحبها كأحد الحجّاب الصغار ، وله تحلية الجند في عرضهم ، وإذا أمر السلطان بإحضار أحد أو التّرسيم عليه فهو صاحب ذلك.

والولاية صاحبها هو صاحب الشّرطة.

وأما الوزارة فصاحبها ثاني السلطان إذا أنصف ، وعرف حقّه ، ولكن في هذه المدد تقدّمت عليها النيابة وتأخّرت الوزارة وتقهقرت ، فصار المتحدّث فيها كناظر المال لا يتعدّى الحديث في المال ، ولا يتّسع له في التصرّف بحال ، ولا يمدّ يده في الولاية والعزل كتطلّع السلطان إلى الإحاطة بجزئيات الأحوال.

ثمّ إن السلطان أبطل هذه الوظيفة ، وعطّل جيد الدولة من عقودها ، وصار ما كان إلى الوزير منقسما إلى ثلاثة : إلى ناظر المال أو شادّ (٧) الدواوين ، أمر تحصيل المال ، وصرف النفقات والكلف ، وإلى ناظر الخاصّ تدبير جملة الأمور وتعيين المباشرين ، وإلى كاتب السرّ التوقيع في دار العدل ممّا يوقّع فيه الوزير مشاورة واستقلالا ، ثمّ إن

__________________

(١) الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٢.

(٢) الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٢.

(٣) الخطط المقريزية : ٢ / ٢١٩.

(٤) الزردخانة : دار السلاح. [السلوك : ١ / ٣٠٦].

(٥) الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٢.

(٦) الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٢.

(٧) شادّ الديوان : مفتّشه. [صبح الأعشى : ٤ / ٢٢].

١٣٠

كلّا من المتحدّثين الثلاثة لا يقدر على الاستقلال بأمر إلا بمراجعة السلطان.

ومن وظيفة كتابة السرّ قراءة الكتب الواردة على السّلطان وكتابة أجوبتها والجلوس لقراءة القصص بدار العدل ، والتوقيع عليها وتصريف المراسيم ورودا أو صدورا.

وأمّا نظر الجيش فلصاحبه النّظر في الإقطاعات ومعه من المستوفين ما يحرّر كليّات المملكة وجزئياتها.

وأمّا نظر الخزانة فكانت وظيفة كبيرة الوضع لأنّها مستودع أموال المملكة (١) ، فلما استحدثت وظيفة الخاص ضعف أمرها ، وغالب ما يكون ناظرها من القضاة أو نحوهم.

وأما نظر البيوت فمنوط بالأستاذداريّة ، فكل ما يتحدّث فيه الأستاذداريّة يشارك فيه (٢).

وأما نظر بيت المال فوظيفة جليلة موضوعها حمل حمول المملكة إلى بيت المال والتصرّف فيه تارة بالميزان وتارة بالتسبيب بالأقلام ، ولا يلي هذه الوظيفة إلا من هو من ذوي العدالة المبرّزة.

وأمّا نظر الإصطبلات (٣) ، فلصاحبه الحديث في أنواع الإصطبل والمناخات وعلفها وأرزاق خدمها وما يبتاع لها.

وأما وظائف أهل العلم فمعروفة مشهورة لا تخلو مملكة من ممالك الإسلام منها.

هذا كلّه كلام ابن فضل الله.

ذكر في التاريخ أنّ الخليفة المقتفي بالله نقل المظفّر بن جهير من الأستاذ داريّة إلى الوزيريّة في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة ، قال بعضهم : وذلك أوّل ما سمع بوظيفة الأستاذداريّة في الدول.

وقال بعض المؤرّخين : لما تولّى الظاهر بيبرس (٤) أحبّ أن يسلك في ملكه بالديار المصريّة طريقة جنكزخان ملك التّتار وأموره ؛ ففعل ما أمكنه ، ورتّب في سلطنته أشياء كثيرة لم تكن قبله بديار مصر ، مثل ضرب البوقات وتجديد الوظائف ، فأحدث أمير سلاح وأمير مجلس ورأس نوبة الأمراء وأمير أخور ، وحاجب الحجاب والدّوادار

__________________

(١) الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٤.

(٢) الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٤.

(٣) ذكرت سابقا.

(٤) سنة ٦٥٨ ه‍. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٨].

١٣١

والجمدار وأمير شكار. وموضوع أمير سلاح أنه يتحدث على السلاح داريه ، ويناول السلطان آلة الحرب والسلاح يوم القتال ويوم الأضحى ، ولم تكن رتبته في زمن الظّاهر أن يجلس في ميسرة السلطان ، إنّما كان يجلس في هذا الموضع أتابك ، ثمّ في زمن الناصر بن قلاوون كان يجلس فيه رأس نوبة الأمراء.

وموضوع أمير مجلس ، أنّه يحرس مجلس السلطان وفرشه ، ويتحدّث على الأطبّاء والكحّالين (١) ونحوهم ، وكانت وظيفة جليلة أكبر قدرا من أمير سلاح.

ورأس نوبة (٢) ، وظيفة عظيمة عند التتار ويفخّمون فيها السين ، ولما أحدثها الظاهر بمملكة مصر كان صاحبها يسمّى رأس نوبة الأمراء ؛ ومعناه أكبر طائفة الأمراء ، وهو أكبر من أمير مجلس وأمير سلاح ، وهو في مرتبة الأمير الكبير الآن ، ولم يكن أحد يسمّى بالأمير الكبير إذ ذاك ؛ إلى أن ولي هذه الوظيفة شيخو العمريّ في زمن السلطان حسن ، فلقّب بالأمير الكبير زيادة على التلقيب برأس نوبة الأمراء ، وهو أوّل من لقّب بالأمير الكبير كما ذكر.

وموضوع أمير أخور النّظر في علف الخيل ، وأخور بالمعجمة المذود الذي يأكل فيه الفرس (٣).

والحاجب كان في الزمن الأول من أيام الخلفاء للذي يحجب الناس عن الدخول على الخليفة ، وكان يرفأ حاجب عمر بن الخطاب ، ثمّ عظمت الحجوبيّة في أيام الناصر ابن قلاوون.

والدوادار كان في زمن الخلفاء أيضا ، وهو الذي يحمل الدواة ويحفظها ، ومعناه ماسك الدواة ، وأول من أحدث هذه الوظيفة الملوك السلجوقيّة ، وكانت في زمنهم وزمن الخلفاء لرجل متعمّم ، ثمّ صارت في زمن الظاهر لأمير عشرة (٤).

والجمدار (٥) : ماسك البقجة التي للقماش.

__________________

(١) صبح الأعشى : ٤ / ١٨.

(٢) النجوم الزاهرة : ٧ / ١٦٤.

(٣) أي أمير العلف ، وهو المتولي لأمر دواب السلطان. [النجوم الزاهرة : ٧ / ١٦٤].

(٤) الخطط المقريزية : ٢ / ٢٢٢.

(٥) الجمدار : موظف يتصدّى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه. [صبح الأعشى : ٥ / ٤٥٩].

١٣٢

ذكر قضاة مصر

قال ابن عبد الحكم : أوّل قاض استقضي بمصر في الإسلام ـ كما ذكر سعيد بن عفير ـ قيس بن أبي العاصي ، فمات سنة أربع وعشرين ، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يستقضي كعب بن يسار بن ضنّة العبسيّ. قال ابن أبي مريم : وهو ابن بنت خالد بن سنان العبسيّ الذي تزعم عبس فيه أنّه تنبّأ في الفتّرة بين عيسى ابن مريم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأبى كعب أن يقبل القضاء ، وقال : قضيت في الجاهليّة ولا أعود إليه في الإسلام.

حدثنا سعيد بن عفير ، حدّثنا ابن لهيعة ، قال : كان قيس بن أبي العاصي بمصر ، ولّاه عمرو بن العاص القضاء. وقد قيل إن أوّل من استقضي بمصر كعب بن ضنّة بكتاب عمر بن الخطاب فلم يقبل.

حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد ، أنبأنا حيوة بن شريح ، أنبأنا الضّحاك بن شرحبيل الغافقيّ ، أنّ عمّار بن سعيد التّجيبيّ أخبرهم أنّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص ، أن يجعل كعب بن ضنّة على القضاء ، فأرسل إليه عمرو ، فأقرأه كتاب أمير المؤمنين ، فقال كعب : والله لا ينجيه الله من أمر الجاهلية وما كان فيها من الهلكة ، ثمّ يعود فيها أبدا إذا أنجاه الله منها ، فأبى أن يقبل القضاء ، فتركه عمرو. قال ابن عفير : وكان حكما في الجاهليّة. فلما امتنع كعب أن يقبل القضاء ولّى عمرو بن العاص عثمان بن قيس بن أبي العاص القضاء ، وقد كان عمر بن الخطاب قد كتب إلى عمرو بن العاص أن يفرض له في الشّرف.

قال : ودعا عمرو خالد بن ثابت الفهميّ ليجعله على المكس ، فاستعفاه منه ، فكان شرحبيل بن حسنة على المكس ، وكان مسلمة بن مخلّد على الطّواحين ؛ طواحين البلقس.

وأقام عثمان على القضاء إلى أن صرف سنة اثنتين وأربعين ، ثمّ ولي سليم بن عتر التّجيبيّ (١) على القضاء في أيّام معاوية بن أبي سفيان ، وجعل إليه القصص والقضاء جميعا.

حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا الحجاج بن شدّاد الصنعانيّ ، أن أبا صالح سعد بن عبد الرحمن الغفاريّ أخبره ، أن سليم بن عتر كان

__________________

(١) شذرات الذهب : ١ / ٨٣.

١٣٣

يقصّ على الناس وهو قائم ، فقال له صلة بن الحارث الغفاريّ ـ وهو من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والله ما تركنا عهد نبيّنا ، ولا قطعنا أرحامنا ، حتّى قمت أنت وأصحابك بين أظهرنا! وكان سليم بن عتر أحد العبّاد المجتهدين ، وكان يقوم في ليله فيبتدىء القرآن حتّى يختمه ، ثمّ يأتي أهله ، ثمّ يقوم فيغتسل ثمّ يقرأ فيختم ، ثمّ يأتي أهله فيقضي منهم حاجته ، وربّما فعل ذلك في الليل مرّات ، فلمّا مات قالت امرأته : رحمك الله! فو الله لقد كنت ترضي ربّك وتسرّ أهلك.

ثمّ لمّا ولي مسلمة بن مخلّد البلد ، ولّى السائب بن هشام بن عمرو أحد بني مالك بن حسل شرطه ، وكان هشام بن عمرو أحد النّفر الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كانت في قريش كتبت. وكان عمرو بن العاص ولّى السائب بن هشام شرطه بعد خارجة بن حذافة (١) ، وكان أيضا على شرطه عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثمّ عزل مسلمة السائب وولى عابس بن ربيعة المراديّ الشرطة ، ثمّ جمع له القضاء مع الشّرطة.

وسبب ذلك أنّ معاوية كتب إلى مسلمة يأمره بالبيعة ليزيد ، فأتى مسلمة الكتاب وهو بالإسكندرية ، فكتب إلى السائب بذلك ، فبايع النّاس إلا عبد الله بن عمرو بن العاص ، فأعاد عليه مسلمة الكتاب فلم يفعل ، فقال مسلمة : من لعبد الله بن عمرو؟ فقال عابس بن سعيد : أنا ، فقدم الفسطاط ، فبعث إلى عبد الله بن عمرو فلم يأته ، فدعا بالنّار والحطب ليحرق عليه قصره ، فأتى فبايع ، واستمرّ عابس على القضاء حتّى دخل مروان بن الحكم مصر في سنة خمس وستّين ، فقال : أين قاضيكم؟ فدعي له عابس ـ وكان أمّيّا لا يكتب ـ فقال له مروان : أجمعت كتاب الله؟ قال : لا ، قال : فأحكمت الفرائض؟ قال : لا ، قال : فيم تقضي؟ قال : أقضي بما علمت ، وأسأل عمّا جهلت ، قال : أنت القاضي. فلم يزل عابس على القضاء إلى أن توفّي سنة ثمان وثمانين.

فولّى عبد العزيز بن مروان بشير بن النّضر المزنيّ القضاء.

ثم ولي عبد الرحمن بن حجيرة الخولانيّ وجمع له القضاء والقصص وبيت المال ، فكان يأخذ رزقه في السّنة ألف دينار على القضاء ؛ فلم يكن يحول عليه الحول وعنده ما تجب فيه الزكاة ، فلم يزل على القضاء حتى مات سنة ثلاث وثمانين (٢).

ويقال : بل ولي في سنة ثلاث وثمانين ، ومات في سنة خمس وثمانين.

ثمّ ولي القضاء مالك بن شراحيل الخولانيّ ، فلم يزل على القضاء حتّى مات

__________________

(١) شذرات الذهب : ١ / ٤٩.

(٢) شذرات الذهب : ١ / ٩٣.

١٣٤

فولي من بعده يونس بن عطيّة الحضرميّ ، وجمع له القضاء والشرطة ، فلم يزل حتّى مات سنة ستّ وثمانين.

فولي بعده ابن أخيه أوس ، ثم ولي عبد الرحمن بن معاوية بن حديج الكنديّ وجمع له القضاء والشرطة ، فتوفّي عبد العزيز بن مروان ، وولي بعده عبد الله بن عبد الملك فأراد عزل ابن حديج فاستحيا من عزله عن غير شيء ، ولم يجد عليه مقالا ولا متعلّقا فولّاه مرابطة الإسكندريّة.

وولي عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة القضاء والشّرطة فلم يزل إلى سنة تسع وثمانين ، فغضب عليه عبد الله بن عبد الملك ، فعزله وولّى عبد الأعلى بن خالد بن ثابت الفهميّ مكانه (١). ثمّ أتى عبد الله بن عبد الملك فعزله.

وولي قرّة بن شريك العبسيّ الإمرة ، فعزل عبد الأعلى ، وولّى عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة ، وهو ابن حجيرة الأصغر ، ثم عزل في سنة ثلاث وتسعين.

وولي عياض بن عبد الله الأزديّ ثمّ السّلاميّ ، ثمّ صرف في سنة ثمان وتسعين ، وأعيد ابن حجيرة ثمّ صرف (٢) وأعيد ، فلم يزل إلى سنة مائة. ثمّ صرف وولي عبد الله ابن خذامر (٣) ثمّ صرف سنة اثنتين ومائة.

وولي يحيى (٤) بن ميمون الحضرميّ فأقام إلى سنة أربع عشرة ومائة ، ثمّ صرف ولم يكن بالمحمود في ولايته.

ثم ولي يزيد بن عبد الله بن خذامر ثمّ صرف.

وولي الخيار بن خالد المدلجيّ ، فأقام نحو سنة ، ومات سنة خمس عشرة ومائة ، وكان محمودا جميل المذهب.

ثم ولي توبة بن نمر الحضرميّ ، فأقام ما شاء الله ، ثمّ استعفى ، فقيل له : فأشر علينا برجل نولّيه ، فقال : كاتبي خير بن نعيم الحضرميّ ، فولّي خير سنة إحدى وعشرين ومائة ، فلم يزل حتّى صرف سنة ثمان وعشرين ومائة.

وولي عبد الرحمن بن سالم بن أبي سالم الجيشانيّ ، فلم يزل إلى ولاية بني العباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، فصرف عن القضاء واستعمل على الخراج ، ورد خير

__________________

(١) فتوح مصر لابن عبد الحكم : ٢٣٨.

(٢) فتوح مصر لابن عبد الحكم : ٢٣٩.

(٣) فتوح مصر لابن عبد الحكم : ٢٤٠.

(٤) فتوح مصر لابن عبد الحكم : ٢٤٤.

١٣٥

بن نعيم ؛ فلم يزل حتّى عزل نفسه في سنة خمس وثلاثين ؛ وذلك أنّ رجلا من الجند قذف رجلا ، فخاصمه إليه وثبّت عليه بشاهد واحد ، فأمر بحبس الجنديّ إلى أن يثّبت الرجل شاهدا آخر ، فأرسل أبو عون عبد الملك بن يزيد ، فأخرج الجنديّ من الحبس ، فاعتزل خير وجلس في بيته ، وترك الحكم ، فأرسل إليه أبو عون ، فقال : لا ، حتّى يردّ الجنديّ إلى مكانه! فلم يردّ ، وتمّ على عزمه ، فقالوا له : فأشر علينا برجل نولّيه ، فقال : كاتبي غوث بن سليمان.

فولي غوث بن سليمان الحضرميّ ، فلم يزل حتّى خرج مع صالح بن علي إلى الصّائفة.

ثم ولي أبو خزيمة إبراهيم بن يزيد الحميريّ وذلك أنّ أبا عون ـ ويقال صالح بن عليّ شاور في رجل يولّيه القضاء ، فأشير عليه بثلاثة نفر : حيوة بن شريح ، وأبو خزيمة ، وعبد الله بن عياش القتبانيّ ، وكان أبو خزيمة يومئذ بالإسكندرية ، فأشخص ، ثم أتي بهم إليه ، فكان أوّل من نوظر حيوة بن شريح ، فامتنع ، فدعي له بالسّيف والنّطع ، فلمّا رأى ذلك حيوة أخرج مفتاحا كان معه ، فقال : هذا مفتاح بيتي ، ولقد اشتقت إلى لقاء ربي. فلمّا رأوا عزمه تركوه ، فقال لهم حيوة : لا تظهروا ما كان من آبائي لأصحابي فيفعلوا مثلما فعلت ، فنجا حيوة ، ثمّ دعي بأبي خزيمة فعرض عليه القضاء فامتنع ، فدعي له بالسيف والنّطع فضعف قلبه ، ولم يحتمل ذلك ، فأجاب إلى القبول فاستقضي. وكان أبو خزيمة يعمل الأرسان ويبيعها قبل أن يلي القضاء ، فمرّ به رجل من أهل الإسكندرية ، وهو في مجلس الحكم ، فقال : لأختبرنّ أبا خزيمة ، فوقف عليه فقال له : يا أبا خزيمة ، احتجت إلى رسن لفرسي ، فقام أبو خزيمة إلى منزله ، فأخرج رسنا فباعه منه ، ثمّ جلس. وكان أبو خرشة المراديّ صديقا لأبي خزيمة ، فمرّ به يوما ، فسلّم عليه ، فلم ير منه ما كان يعرف ، وكان أبو خرشة قد خوصم إليه في جدار ، فاشتدّ ذلك على أبي خرشة ، فشكاه إلى بعض قرابته ، فسأل أبا خزيمة ، فقال : ما كان ذلك إلا أن خصمك خفت أن يرى سلامي عليك ، فيكسره ذلك عن بعض حجّته ، فقال أبو خرشة : فإنّي أشهدك أنّ الجدار له. ثمّ استعفى أبو خزيمة فأعفي.

وولي مكانه عبد الله بن بلال الحضرميّ ، ويقال إنما هو غوث الذي كان استخلفه حين شخص غوث إلى أمير المؤمنين أبي جعفر وذلك في سنة أربع وأربعين. ثمّ قدم غوث ، فأقرّه خليفة له يحكم بين الناس حتّى مات عبد الله بن بلال. قال يحيى بن بكير : لم يزل أبو خزيمة على القضاء ، حتّى قدم غوث من الصائفة فعزل أبو خزيمة ، وردّ غوث على القضاء. ثمّ إنّ غوثا شخص إلى العراق ، فأعيد أبو خزيمة إلى القضاء ،

١٣٦

فلم يزل حتّى توفّي سنة أربع وخمسين. وكان ابن حديج إذ ذاك بالعراق ، قال : فدخلت على أمير المؤمنين أبي جعفر ، فقال لي : يا بن حديج ، لقد توفّي ببلدك رجل أصيبت به العامّة! قلت يا أمير المؤمنين ، ذاك إذا أبو خزيمة ، قال : نعم.

ثمّ ولي مكانه ابن لهيعة ، وأجرى عليه في كلّ شهر ثلاثين دينارا ؛ وهو أوّل قاض بمصر أجري عليه ذلك ، وأوّل قاض استقضاه بها خليفة ، وإنّما كان ولاة البلد هم الّذين يولّون القضاة ، فلم يزل قاضيا حتّى صرف سنة أربع وستّين.

وولي إسماعيل بن اليسع الكوفيّ ، وعزل سنة سبع وستّين. وكان محمودا عند أهل البلد ، إلّا أنه كان يذهب إلى قول أبي حنيفة ، ولم يكن أهل البلد يومئذ يعرفونه. قال ابن عبد الحكم : حدّثنا أبي عبد الله قال : كتب فيه الليث بن سعد إلى أمير المؤمنين : يا أمير المؤمنين : إنك ولّيتنا رجلا يكيد سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أظهرنا ، مع أنّا ما علمنا في الدينار والدرهم إلا خيرا ، فكتب بعزله.

وردّ غوث بن سليمان على القضاء ، فأقام حتّى توفّي في جمادى الآخرة سنة ثمان وستّين. حدثنا أبو رجاء حمّاد بن مسور ، قال : قدمت امرأة من الرّيف ، فرأت غوثا رائحا إلى المسجد ، فشكت إليه أمرها ، فنزل عن دابّته ، وكتب لها بحاجتها ، ثم ركب إلى المسجد فانصرفت المرأة وهي تقول : أصابت والله أمّك حتّى سمّتك غوثا ، أنت غوث عند اسمك.

وقيل : إنه أوّل قاض ركب للهلال مع الشهود. وقيل : بل ابن لهيعة.

فلما مات غوث ولي المفضّل (١) بن فضالة بن عبيد القتبانيّ ، ثمّ عزل سنة تسع وستين ، وهو أوّل القضاة بمصر طوّل الكتب ، وكان أحد فضلاء الناس وخيارهم.

ثم ولي أبو طاهر الأعرج عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن حزم الأنصاريّ ، وكان محمودا في ولايته ، ثمّ استعفي فأعفي في سنة أربع وسبعين. قالوا : فأشر علينا برجل ، فأشار بالمفضّل بن فضالة ، فولّى المفضّل ، فأقام إلى صفر سنة سبع وسبعين وعزل.

وولي محمد بن مسروق الكنديّ من أهل الكوفة ، ولم يكن بالمحمود في ولايته ، وكان فيه عتوّ وتجبّر ، فلم يزل إلى سنة أربع وثمانين ، فخرج إلى العراق.

واستخلف إسحاق بن الفرات التّجيبيّ (٢) ، فعزل في صفر سنة خمس وثمانين.

__________________

(١) شذرات الذهب : ١ / ٢٩٧.

(٢) شذرات الذهب : ٢ / ١١.

١٣٧

وولي عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب ؛ وهو أوّل من دوّن أسماء الشهود ، فأقام إلى أن عزل في جمادى الأولى سنة أربع وتسعين.

وولي هاشم بن أبي بكر البكريّ من ولد أبي بكر الصديق ، وكان يذهب مذهب أبي حنيفة ، فأقام حتّى توفّي في أول يوم من المحرّم سنة ستّ وتسعين.

ثم ولي إبراهيم بن البكّاء ؛ ولّاه جابر بن الأشعث ، وجابر يومئذ والي البلد ، فأقام إلى أن صرف جابر سنة ستّة وتسعين ، وولّي مكانه عبّاد بن محمد ، فعزل ابن البكّاء.

وولي لهيعة بن عيسى الحضرميّ ، فأقام حتّى قدم المطلب بن عبد الله بن مالك سنة ثمان وتسعين فعزل لهيعة.

وولي الفضل بن غانم ، وكان قدم مع المطّلب من العراق فأقام نحو سنة ، ثمّ غضب عليه المطّلب فعزله.

وولي لهيعة بن عيسى ، فأقام حتّى توفّي في ذي القعدة سنة أربع ومائتين.

فولّي السريّ بن الحكم بعد مشاورة أهل البلد إبراهيم بن إسحاق القارئ حليف بني زهرة ، وجمع له القضاء والقصص ؛ وكان رجل صدق ، ثم استعفى لشيء أنكره فأعفي.

وولي مكانه إبراهيم بن الجرّاح ؛ وكان يذهب إلى قول أبي حنيفة ، ولم يكن بالمذموم في ولايته ، حتّى قدم عليه ابنه من العراق ، فتغيّرت حالته ، وفسدت أحكامه ؛ فلم يزل قاضيا إلى سنة اثنتي عشرة ومائتين ، فدخل عليه عبد الله بن طاهر البلد فعزله.

وولي عيسى بن المنكدر بن محمد بن المنكدر ، وخرج إبراهيم بن الجرّاح إلى العراق ومات هناك. وأجرى عبد الله بن طاهر على عيسى بن المنكدر أربعة آلاف درهم في الشهر ؛ وهو أوّل قاض أجري عليه ذلك ، وأجازه بألف دينار ، فلمّا قدم المعتصم مصر في سنة أربع عشرة ومائتين كلّمه فيه ابن أبي دؤاد ، فأمره فوقف عن الحكم ، ثمّ أشخص بعد ذلك إلى العراق ، فمات هناك.

وبقيت مصر بلا قاض حتّى قدم المأمون الخليفة مصر في محرّم سنة سبع عشرة وولّى القضاء يحيى بن أكثم فحكم بها ثلاثة أيام ، وخرج المأمون إلى سخا (١) ، وأصلح

__________________

(١) في معجم البلدان : سنحا.

١٣٨

أحوالها وتوجّه إلى الإسكندرية وعاد إلى مصر ، وخرج عنها في الخامس من صفر.

وجعل القضاء بمصر إلى هارون (١) بن عبد الله الزهري المالكيّ ، قلّده ذلك وهو بالشّام ، فقدم في رمضان سنة تسع عشرة ومائتين ، وكان محمودا عفيفا محبّبا في أهل البلد ، فأقام إلى ربيع الأول سنة ستّ وعشرين ، فكتب إليه أن يمسك عن الحكم ، وقد كان ثقل مكانه على ابن ابي دؤاد.

وقدم أبو الوزير واليا على خرج مصر ، وقدم معه بكتاب ولاية محمد بن أبي الليث الأصمّ على القضاء ، فلم يزل قاضيا إلى شعبان سنة خمس وثلاثين ومائتين ، فعزل وحبس.

وبقيت مصر بلا قاض حتى ولي الحارث (٢) بن مسكين في جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين ، ثم صرف في ربيع الآخر سنة خمس وأربعين.

وولي دحيم (٣) بن اليتيم عبد الرحمن بن إبراهيم بن اليتيم الدّمشقي جاءته ولايته بالرّملة ، فتوفّي قبل أن يصل إلى مصر في العام المذكور.

وولي بعده بكّار بن قتيبة أبو بكرة الثقفيّ من أهل البصرة من ولد أبي بكرة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخل البلد في جمادى الآخرة فأقام قاضيا ، وأحمد بن طولون يصله في كلّ سنة بألف دينار. ثمّ إنّ ابن طولون بلغه أنّ الموفّق خرج عن طاعة أخيه المعتمد ، وكان المعتمد وليّ عهد أخيه ، فأراد ابن طولون خلع الموفّق من ولاية العهد ، فوافقه فقهاء مصر ، وخالف القاضي بكّار فحبسه أحمد بن طولون ، وذلك في سنة سبع وخمسين ومائتين ، ورتّب في الحكم عوضا عنه وهو كالخليفة عنه محمد بن شاذان الجوهري ، ومات بكّار في ذي الحجّة سنة خمس وسبعين ومائتين.

وأقامت مصر بعد بكار بلا قاض ، حتى ولّى خماروية بن أحمد بن طولون أبا عبد الله محمد بن عبدة بن حرب القضاء سنة سبع وسبعين ومائتين ، فأقام إلى سنة ثلاث وثمانين ، فألزم منزله في جمادى الآخرة.

وبقيت مصر بلا قاض حتى ولي أبو زرعة (٤) محمد بن عثمان الدمشقيّ ، فأقام ثماني سنين ، وعزل في صفر سنة اثنتين وتسعين.

وأعيد ابن عبدة ، ثمّ صرف في رجب من السنة.

__________________

(١) شذرات الذهب : ٢ / ٧٥.

(٢) شذرات الذهب : ٢ / ١٢١.

(٣) شذرات الذهب : ٢ / ١٠٨.

(٤) شذرات الذهب : ٢ / ٢٣٩.

١٣٩

وولي أبو مالك بن أبي الحسن الصغير.

ثم ولي بعده أبو عبيد عليّ بن الحسين (١) بن حرب المعروف بابن حربويه ، في شعبان سنة ثلاث وتسعين ، ثم عزل في سنة إحدى وثلاثمائة.

قال ابن يونس في تاريخ مصر : كان أبو عبيد بن حربوية شيئا عجبا ، ما رأينا قبله ولا بعده مثله. وكان آخر قاض يركب إليه أمراء مصر وكان لا يقوم للأمير إذا أتاه ، ثمّ أرسل موقّعه الإمام أبا بكر بن الحدّاد إلى بغداد سنة إحدى وثلاثمائة في طلب إعفائه عن القضاء فأعفي. انتهى. هذا ما ذكره ابن عبد الحكم.

وولي مكانه أبو الذّكر محمد بن يحيى الأسوانيّ خلافة لأبي يحيى عبد الله بن إبراهيم بن مكرّم ، إلى أن صرف في صفر سنة اثنتين وثلاثمائة.

وولي أبو عليّ عبد الرحمن بن إسحاق بن محمد بن معتمر السّدوسيّ ، وصرف في ربيع الآخر سنة أربع عشرة.

وولي أبو عثمان أحمد بن إبراهيم بن حماد ، وصرف في ذي الحجة سنة ست عشرة.

وولي أبو محمد عبد الله بن أحمد (٢) بن ربيعة بن سليمان الرّبعيّ الدّمشقي ، وصرف في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة.

وأعيد أبو عثمان بن حمّاد ، وصرف في ربيع الآخر سنة عشرين.

وأعيد الرّبعيّ ، وصرف في صفر سنة إحدى وعشرين.

وولي أبو هاشم إسماعيل بن عبد الواحد الرّبعيّ المقدسيّ الشافعيّ ، وصرف في ربيع الآخر من السنة.

وولي أبو جعفر أحمد (٣) بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ ، وصرف في رمضان سنة اثنتين وعشرين.

وولي أبو عبد الله محمد بن موسى بن إسحاق السرخسيّ.

ثمّ ولي أبو بكر بن الحداد الإمام المشهور صاحب المولدات ، بأمر أمير مصر في ربيع الأول سنة أربع وعشرين ، فباشر مدّة لطيفة.

__________________

(١) شذرات الذهب : ٢ / ٢٨١.

(٢) شذرات الذهب : ٢ / ٣٢٣.

(٣) شذرات الذهب : ٢ / ١٧٠.

١٤٠