تاريخ المدينة المنوّرة

أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن فرحون المالكي [ ابن فرحون ]

تاريخ المدينة المنوّرة

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن فرحون المالكي [ ابن فرحون ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٣

نعير ، فوصل إلى المدينة في يوم السبت الثامن من شهر ربيع الآخر سنة ستين وسبعمائة ، ووصل في تلك الأيام الأمير زين الدين عطية فلبس الخلعة وقرئ منشوره على دكة المؤذنين.

وكانت ولايته من الله تعالى كاسمه ، لما انطوت عليه سيرته من الخير والصلاح والتوكل على الله تعالى ، والزهد في الدنيا والكراهة في الأمر والنهي ، وسعيه في مصالح دينه ، قانتا لله خائفا منه منيبا إليه ، أوقاته مقسمة في الطاعة ما بين خلوة في عبادة ، أو نظر في مصالح رعيته ، دائم الصمت ، كثير الخشية ، يجلس في النادي فلا يخوض معهم ولا يضحك لضحكهم ، قد لزم السكون واشتغل قلبه بذكر معاده ، إذا صلى الصبح جلس في مصلاه ولا يتكلم حتى يصلي الضحى مع حسن توجه وإقبال على الله تعالى.

وانصلح بصلاحه جميع قرابته ، ورد المدينة إلى حالة يغبط أهلها على سكناها من العافية والأمن العظيم ، وسلامة الناس في أنفسهم وأهلهم وأموالهم ، وكان في الولاية كارها لو لا ما يخاف من خروجها عن آل منصور لو تخلى عنها ، ولم يزل يشكو من المكس والعشور ، ويمنع وزيره أن يدخله في مطعومه أو مشروبه ، حتى طهره الله بحسن نيته ، وصلاح سريرته ، وعوضه عنه خيرا منه من جهة السّلطان الملك الأشرف شعبان ، بإشارة الأمير الكبير ، ذي الحسنات العديدة ، والمآثر الحميدة ، أتابك الدولة المنصورة سيف الدين يلبغا ، فسرّ بذلك وحمد الله تعالى عليه.

ومع هذا فما كان أمير المدينة ولا يظهر بولايتها عزا ولا فخرا ، ولم يقم فيها سنة متوالية منذ ملكها إلى الآن ، بل يقيم فيها إخوته وولده كراهية من مباشرة الأحكام ، وخوفا من الوقوع في مظالم العباد ، ويوصي كل من استنابه في المدينة بحسن السيرة ، وصفاء السريرة ، ولا جرم أن أخاه وولده ، جدد الله سعدهم ، ساروا في الناس أحسن سيرة ، وتخلقوا بأخلاقه الحميدة ، جزاهم الله عن الناس خيرا.

ولمّا نهب آل منصور وضيع الحاج ، كان الأمير زين الدين حاضرا معهم ، فلم يتدنس بشيء من ذلك ، وتورع عنه ، ومن شأنه التورع عن المواريث التي يعلم أن أهلها غيب ، ويحفظها عليهم ، وينفذ وصايا الأموات

٢٤١

الذين لا وارث لهم ، ويخرج الزكاة من ماله على المستحقين ، ويحسن إلى أرامل الشرفاء وأيتامهم من صلب ماله ، ومناقبه كثيرة ، ومحاسنه عديدة ، وفّقه الله لفعل الخير ، ووقاه كل ضير.

ولا شك أن ولاية هذا الأمير وحسن سيرته ، حجة لله تعالى على من عاصره من الأمراء وعلى من يأتي من بعده ، كما أن سيرة الملكين العادلين ، نور الدين الشهيد وصلاح الدين بن أيوب حجة الله تعالى على من خلفهم من الملوك والسلاطين ، فإنه لا يعجز أحد عن التشبيه بمن عاصره ، أو قربت أيامه من أيامه ، وخلفه من محل ولايته ، إذا حسّن نيته وسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق.

فيجب على أهل المدينة الدعاء لهذا الأمير ، وإخلاص الطاعة له ، ونشر محاسنه ، فبالشكر تدوم النعم ، فلا زالت سعادته طالعة في برج سيادته ، وسيادته محفوفة بحفظ الله تعالى وكلاءته.

٢٤٢

فصل

ولنختم الكتاب بذكر شيء من أحوال والدي وأخويّ رحمهم‌الله.

فأما والدي فهو أبو عبد الله محمد (١) بن أبي الفضل بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري ، الأبّدي المحتد ، ثم الجيّاني التونسي المولد والمنشأ ، واليعمري نسبة إلى يعمر (بفتح الياء المثناة من تحت والعين المهملة الساكنة والميم المفتوحة والراء المهملة بلا شك) وهو يعمر بن مالك بن بهثة بن حرب بن وهب بن جلّي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

قال ابن حزم في كتاب «جماهر الأنساب» : ومن بني يعمر الأبديون بالأندلس ، وهم ناقلة من ناحية منبج ، وهم بنوا بكر بن عبد الحميد بن معمر بن الطفيل بن جعفر بن صالح بن الحشرج بن ضبيع بن دويب بن يعمر بن مالك بن بهثة.

وقيل في يعمر : إنه بضم الميم ، والأول أصح وأشهر.

ويعمر بفتح الميم مضارع قولهم : عمر الرجل ، بفتح العين وكسر الميم : إذا عاش زمانا طويلا ، وإنما سمي بذلك تفاؤلا بطول العمر.

والأبّدي ؛ بضمّ الهمزة وتشديد الباء الموحدة ، وبعدها دال مهملة نسبة إلى بلدة الأندلس من كورة جيّان ، وجيّان بفتح الجيم وتشديد الياء المثناة من تحت بعدها ألف ونون لأجل صحة الصلاة.

كان ـ رحمه‌الله ـ قد اشتغل بالعلم على شيوخ بلده ، وبرع في الفقه والأصول والعربية ، وشارك في علوم عديدة ، وسمع الحديث على الحافظ

__________________

(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٥٦٢ (٤٠٧٤) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٦٠ / أ.

٢٤٣

جمال الدين أبي بكر محمد بن يوسف بن مسدي ، وصحب الشيخ أبا محمد المرجاني ، وخرج في صحبته للحج من تونس ، فلما وصل إلى مكة لحقه مرض فقال له الشيخ أبو محمد : هذا إشارة إلى الإقامة.

فأقام بها ولم يتعرف بأحد من الناس ، ولم يكن معه من النفقة غير ما أعدّه للطريق ، فبنى على التوكل على الله تعالى ، فعرف مكانه من العلم ، واشتهر بحسن الخط مع الضبط والصحة. فسأله بعض الناس في نسخ (الروضة) للشيخ محيي الدين النووي رحمه‌الله ، فنسخها له جميعا واستعان بما حصل له.

ثم انتقلت تلك النسخة مع بعض الشافعية إلى المدينة ، وهي اليوم في المدينة موقوفة في المدرسة الشهابية ، مع نسخة أخرى نسخها بعد إقامته في المدينة.

ثم حج ورجع إلى تونس ، فوجد الشيخ أبا محمد المرجاني قد انتقل إلى رحمة الله تعالى. فحمل ما له من الكتب ، وكانت كلها أو غالبها بخط يده ، وكانت كتبا كثيرة جليلة ، فلما وصل إلى الإسكندرية باعها ، حتى لم يبق معه إلا ما هو محتاج إليه من خطه وخط والده.

ثم قدم المدينة فسكن المدرسة الشهابية بين تلك الجماعة الذين تقدّم ذكرهم وفضائلهم ، وكانت نيته أن لا يشتغل بشيء غير نفسه ، ولا يتعرض بأحد من أبناء جنسه ، فألزموه حضور الدرس لأجل المسكن ، فلما حضر مع الطلبة اشتهر بينهم بعلمه وفضيلته.

وكان متفننا في عدة علوم ، فعظم عند الجماعة وأحبوه ولزموه ، واشتغلوا عليه بالفقه والعربية ، واشتغل عليه جماعة في علم الهيئة ، فأبان عن فضيلة تامة فكثر عليه المشتغلون في علم الميقات.

قال لي رحمه‌الله : كنت قد قطعت وقتي مع المشتغلين بعلم الميقات ، وحرت في الخلاص منهم ، حتى سمعت شخصا من العوام يقول يوما لجلسائه : ما رأيت أعلم من هذا المنجم.

قال : فقلت في نفسي : لقد أسأت باشتهاري بهذا العلم ، حتى يطلق عليّ هذا الاسم ، فتركت الاشتغال به.

٢٤٤

وكان له اختلاط بالجماعة الذي تقدم ذكرهم ؛ كالشيخ أبي محمد البسكري وأصحابه ، والشيخ أبي الحسن ، والشيخ عبد الواحد الجزولي ، والشيخ أبي العلاء الأندلسي ، والشيخ أبي إسحاق. وجماعة من الصلحاء الخدام ، وخلائق لا يحصون كثرة. فعرضوا عليه الزواج فامتنع من ذلك ، فكثروا عليه ورغبوه في والدتي ، وكانت الكبيرة من أربع بنات شرائف ، كان والدهن يقال له : الشريف عبد الواحد الحسيني ، ثابت النسبة ، وكان يتناول من وقف بلقس بعد أن أثبت نفسه في القاهرة.

ولما حج نقيب الأشراف شرف الدين أوقفه على تلك النسبة ، فلما رأى عليها خطوط القضاة المصريين ، أثبت اسم بنته مباركة في الشرفاء الذين يصرف إليهم وقف بلقس ، واستمرت تقبضه إلى أن توفيت إلى رحمة الله تعالى.

وكان زواجه لوالدتي من برّه بنا ، إذ ألحقنا بنسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعلنا من ذريته إجماعا ، وشرفاء عند أكثر العلماء. وبذلك أفتى ناصر الدين المسدالي وغيره ممن هو مثله في العلم. وكمل برّه بأن علّمنا فأحسن تعليمنا كما ترى ، وأدبنا فأحسن تأديبنا ، درى بذلك من درى ، وكان من أسباب تزوجه وتأهله في المدينة بعد تبتله وكراهته لذلك.

اتفق في بعض الأيام أن الجماعة سألوا والدي أن يقرأ عليهم شيئا من كتب الرقائق فأجابهم إلى ذلك.

قال لي رحمه‌الله : وكان من جملة ما قرأته أن رجلا كان يسأله جاره أن يزوجه إحدى بناته فيقول له : لا حاجة لي بالزواج فرأى ليلة في منامه أن القيامة قد قامت ، وأنّ الناس في شدة حر عظيم ، وعطش شديد. وكان بينهم ولدان معهم إداوات يتخللون الناس.

قال الرائي : فقلت لولد منهم : يا ولدي أنا عطشان فاسقني. فقال له : اذهب فما لك فينا ولد. قال : فاستيقظ الرجل وبه رجفة عظيمة ، فدقّ الباب على جاره وقال : زوجني إحدى بناتك الآن ، فلي قصة عجيبة. فزوّجه ولم يأت عليه الصباح إلا وهو مع زوجته.

فلما قرأ والدي هذه الحكاية ، رغّب الجماعة والدي في الزواج ،

٢٤٥

فأطاعهم وتزوج والدتي ـ رحمهما‌الله ـ وكان بناؤه بها ليلة الاثنين الثالث عشر من شهر صفر عام اثنين وتسعين وستمائة ، فولدت له خمسة ذكور توفي منهم في حياته اثنان. وكان يقول : عندي مسرة بمن قدمته أكثر من مسرتي بكم رجاء ما وقع في تلك الحكاية ، نفعه الله بهما ، وكنت أول أولاده ، وكان مولدي يوم الثلاثاء السادس من جمادى الآخرة عام ثلاثة وتسعين وستمائة.

كان ـ رحمه‌الله ـ لا يزال مشغولا بنفسه وبذكره وقراءته واشتغاله بكتب العلم ، ليس مع الناس في شيء من أحوالهم الدنيوية ، ولم يصده العيال عن شيء من الأوراد والأفعال الصالحة التي كان عليها ، وكان ذا عيال كثيرة ، لم يمسه منهم قرابة لكن أصهاره قد جمعه معهم في بيت وفي نفقته ، ومع ذلك لم يكن يهمه شأنهم ولا شأن أولاده. بل قدم اشتغاله بالآخرة على كل شيء حتى كأنه خليّ من التعلقات رحمه‌الله ، وكلما نظرت إلى حالي وسعة مسكني وضيق خلقي وقلة صبري مع ما رأيته من ضيق مسكنه وسعة خلقه وطول صبره صغرت عند نفسي ، وأيست من خيري ، وأنى لي بحسن أخلاقه وحفظ لسانه!!

حكى الشيخ محمد الخراز رحمه‌الله والشيخ عمر الخراز رحمه‌الله ، أنه لما حج والدي معهما مع جماعاته المباركين الذي تقدم ذكرهم كانوا رفقة واحدة ، مع عدة جمالين.

قالا : فلما حججنا ورجعنا وكنا قريبا من المدينة المشرفة ، اجتمع الجمالون يتحدثون ويذكرون سيرة ركابهم معهم ، فقال جمّال والدي لأصحابه : يا جماعة أمّا رفيقي الذي أركبته فأخرس ، لم يتكلم منذ صحبته بكلمة ، فقال رفيقه : بل والله سمعته يوما يتكلم مع أصحابه ، وكانت هذه طريقته سفرا وحضرا ، لا يراه أحد جالسا في طريق ولا في حلقة فضول ، ولا يتكلم إلا جوابا ، وإن جاوب لم يفتح للفضول بابا.

كان القاضي فخر الدين محمّد بن محمّد بن الحارث المعروف بابن المسكين الفقيه الشافعي إذا لقيني يقبل عليّ ويسلّم ، ويقول : رحم الله والدك الشيخ أبا عبد الله ، ما كان أحسنه وأكثر أدبه وخيره.

٢٤٦

وحكى لي أنه اتفق له معه قضية.

قال لي رحمه‌الله : كنت إذا صليت صلاة الصبح ، أجلس في مصلاي حتى تطلع الشمس وأصلي الضحى وانصرف ، وكان يومئذ في الروضة المباركة جماعة من الأشياخ المباركين ، قال : وكنت أرتقب بصلاتي ارتفاع الشمس ، وأرى الناس ينتظرون الشيخ أبا عبد الله ويقومون لقيامه ، وكان يقوم إذا وصلت الشمس في الحائط الغربي إلى تحت الشبابيك الصغار.

قال : فقلت : لا أقدر أقول للجماعة كلها : أخّروا صلاتكم حتى ترتفع الشمس ، ولكن أجتمع بهذا الشيخ الذي يؤمّهم في هذا الوقت.

قال : فاجتمعت به وكنت به جاهلا ، فقلت له : رأيتك تقوم لصلاة الضحى قبل وقتها ، وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنها حتى ترتفع الشمس وتبيض ، وهذا وقت تكره فيه الصلاة ، وكثرت عليه من الأدلة وأنا في اجتهاد وحدة حتى فرغ ما عندي.

فالتفت إلي ، وقال : بعد اليوم نؤخّر كما قلت ، وسكت عني ، واشتغل بما كان فيه ، فانصرفت عنه وسألت عنه ، فقيل لي : هذا الشيخ أبو عبد الله بن فرحون ، فندمت وقلت : أيّ حاجة دعتني إلى التعرض لهذا الشيخ ، قال : فرحت إليه واعتذرت فتبسم وقال : ما قلت إلا خيرا. فأنا أدعو له كلما ذكرته.

قال لي الشيخ أبو عبد الله محمد بن الغرناطي ، كنت جالسا في المسجد الشريف مع الشيخ أبي القاسم القبتوري ـ وقد تقدم ذكرهما ـ فقال لي : يا محمد رأيت قط الكبريت الأحمر الذي لا يتغير أبدا ولا يتحوّل؟ فقلت له : لا. فقال : انظر إلى عبد الله بن فرحون منذ دخل المدينة لم يتغير حاله.

قلت : كان ـ رحمه‌الله ـ قد ترك الاشتغال بنا ، فكنا نغيب فلا يسأل عنا ، ونمرض فلا يهمّه مرضنا ، بل يسأل الله لنا ويدعو لنا ، فنحن نتقلب في بركته وبركة دعائه.

أخبرني أنه يوما خرج في الموسم عند قدوم بني عقبة يريد شراء

٢٤٧

نفقته ، وكان غالب عيش المدينة من زرعها وزرع السوارقية ، لا يأتي من الشام إلا قليل ، حتى كان السعيد يدخل بيته جمل أو جملان ، وكان للدارب على من يشتري شيئا مكس كثير ، وخراج عظيم.

قال : فاشتريت حمل قمح ، فلما دنوت من الدرب ، قال لي صاحب الجمل : أنا ما أدخل به أخاف أن أطالب بخراجه.

قال : فقلت له : سق الجمل وأنا أتكفل بما يريدون منك ، ففعل ، فلما أردت الدخول قرأت أوائل سورة (يس) وتعوذت ودخلت مع الجمل فلم يرونا ، ولا عرفونا ، فجاءهم من ذكر لهم أني اشتريت حمل قمح فقالوا : لم يدخل به من عندنا ولا رأيناه ، فدفع الله شرهم عنه بصدقه وضرورته لعياله ، فمن كان مع الله كان الله معه ، توفي رحمه‌الله يوم الخميس الرابع عشرين من شهر ربيع سنة إحدى وعشرين وسبعمائة ، جدّد الله عليه الرحمة.

ورآه أخي علي في المنام بعد وفاته ، فقال له : يا سيدي ما فعل الله بك؟ قال : أعطاني وحباني ، فها أنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

وأما أخي نور الدين أبو الحسن علي (١) واسمه من العلو والدين ، مع ما حوى من علم الفقه والأصول والعربية والحديث واللغة والمعاني والبيان والأدب ، مع المشاركة العظيمة في سائر العلوم ، وكان قد بلغ في العلوم الأدبية إلى النهاية.

فإن قلت : لم يكن في زمانه بالمدينة والحجاز من برع براعته ، ولا ساد سيادته ، مشاهدة حق عليها كل الخلق ، ممن جل ودق ، وكان يلقي درس الفقه في «مختصر ابن الحاجب» ، فيحضره الشيخ حسن الحاحائي ، والشيخ عبد السلام بن غلام ، وكانا من الفقه بمكان ، لم يلحقهما في علمهما وعملهما مثلهما وقد تقدم ذكرهما ، وكانا يدققان معه في البحث المتين فيظهر بذهن ثاقب وحفظ معين.

وله تواليف مفيدة في العربية والحديث واللغة والتصوف ، وله «ديوان»

__________________

(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٩٥ (٣٠٧٦) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٥٢ / ب ، «الدرر الكامنة» ٣ / ١١٥ (٢٦٣) ، «شجرة النور الزكية» ٢٠٣ / ٦٩٩.

٢٤٨

كبير في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي مدح غيره ، وله مجلدات من جمعه مشتملة على فوائد وغرائب.

وكان الشيخ الإمام العلامة حجة العرب ، وترجمان الأدب ، سراج الدين الدمنهوري قد جاور في المدينة في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، فكان إذا جلس في درس يقول للطلبة : إذا حضر الفقيه نور الدين فأحضروا معكم الدواة والورق ، حتى تقيدوا من فوائده ومن أشعاره واستشهاداته ، فكان كذلك.

وكان هذا الشيخ سراج الدين الدمنهوري من العلماء الأستاذين الذين انفردوا في زمانهم عن أقرانهم بعلوم جمة ، كالقراءات والعربية واللغة ، مع الفقه الغزير ، والمشاركة في كثير من العلوم ، ولكن كان في تلك العلوم في أعلا درجاتهم من الحفظ والذكر.

عرضت عليه شرحي وإعرابي «لبانت سعاد» ، المسمى ب (شفاء الفؤاد من بانت سعاد) ، فوجدته في مذاكرتي له بحرا زاخرا ، وكان أخي علي أحيانا يأتيه فيتعجب من حفظه وذكره ويقول لي : قلّ أن رأيت مثله. توفي رحمه‌الله في ثاني شهر ربيع الأول في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.

وكان لأخي ميعاد وعظ يقرأ في كلّ جمعة بعد الصلاة على كرسي عال بالروضة المشرفة بصوت حسن وأداء حسن ، لا يمل السامع من قراءته بل يتلذذ بإطالته ، وكان وعظه من كلام ابن الجوزي في (التبصرة) ، فكان بعض الناس يقول : عاش ابن الجوزي للناس.

وكان ـ رحمه‌الله ـ هو أول من اتعظ بقوله وانتفع بوعظه ، فصار يلازم الصيام ويسرده ويقوم من الليل أكثره ، ورقّت نفسه ودرّت دمعته كأنه يقرب الأجل ، فبادر للعمل. كان رحمه‌الله يقول : والله ما ندمت على ما أفنيت فيه عمري من الاشتغال بعلم الأدب ، يا ليته كان في الكتاب والسنّة.

كان يرى لي أكثر ما يرى الولد لوالده في التعظيم والحباء والإكرام ، وأما الغيرة علي والانتصار لي ، واهتمامه بحالي وما يعرض لي من عدو شافي فلا يوصف قدره ، فلله دره ، وبلّ بالرحمة قبره.

٢٤٩

توفي رحمه‌الله في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وسبعمائة. ومولده ليلة الجمعة العشرين من ربيع الأول عام ثمانية وتسعين وستمائة.

وأما أخي محمد ـ رحمه‌الله تعالى ـ فكان على طريقة والده من العزلة ، ومحبة الوحدة والخلوة ، وقلة الخلطة. كان بي حفيا ، وفي دينه قويا. صبر على مجاهدة النفس في العبادة ، حتى صارت له سجية وعادة.

كان ـ رحمه‌الله ـ من عظم شفقته عليّ يجلس دائما على طريقي إلى الصف الأول ، فلا يمر يوم حتى يقف معي ويسألني عن حالي ويدعو لي بقلب صاف ، وودّ واف ، ومتى فقدني في وقت صلاة ، وقف علي في بيتي وسأل عن حالي.

خلفه ولده محمد فسلك طريقته ، وزاد بصحبة المشايخ والفقراء والأخذ عنهم ، له اشتغال في الفقه والنحو واللغة ، ومع ذلك تراه كأنه أحد الترابية ، أعانه الله ووفقه.

وكانت وفاة أخي محمد رحمه‌الله في شهر جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، ومولده ليلة السبت سلخ شوال سنة سبعمائة ، تغمده الله برحمته ، وأسكنهم فسيح جنته ، كما نقلهم من لين المهود ، إلى ضيق اللحود ، فما أعظم مصيبة فراق الإخوان ، وقولي كان فلان وفلان ، رب ارزقني صبرا فلم يبق إلا القليل ، ومتعني بسمعي وبصري وكلاهما عليل ، والله تعالى هو الباقي بعد كل خلّ وخليل.

لو أنّ ما أبقت الأيام من جسدي

يكون فوق خباب الماء ما غرقا

أو كان في مقلة نامت لما انتبهت

أو كان في لهوات الماء ما شرقا

يا رب اعترتني أسقامي حتى نحلت ، وكرّ عليّ الجديدان (١) حتى ذبت ، وازددت وهنا وضعفا لما طعنت ، فإن سألتني : ما حالك؟

__________________

(١) الليل والنهار.

٢٥٠

قلت :

ما حال من أبلت الأيام جدّته

وخانه ثقاته السمع والبصر

وقلت أيضا :

تفكرت في خمس وسبعين قدّمت

من العمر لو مرت على حجر فنى

ذهبن بعيش أخضر غير يابس

شباب وشيب واستلاب محاسن

 ............ (١)

زهت يا لها في وقتها من محاسن

وقد سلبت عني صفيّ أحبّتي

وغابت ولم تقبل فدى من خزائني

سلام على الدنيا سلام مودّع

فكم جرّعتني مترعات الغبائن

ولما كان في سنة ثلاث وستين وسبعمائة في شهر شعبان تحامل عليّ الأعداء ، وقصدوا إتلافي وإعدامي ، وكمنوا لي في السّحر عند خروجي لصلاة الصبح ، ورصدوني عند رأس الزقاق تحت دار سلطان بن نجاد ، وكان في أيام الصيف والمدينة خالية من أكثر الناس ، فخرجت على عادتي وبيدي مصباح ، وقدر الله أن الغلام تأخر عني في البيت فكنت وحدي.

فلمّا خرجت من زقاقنا وتوجهت إلى السوق سمعت خلفي عدوا شديدا ، فلم التفت إليه ، وظننت أنه مارّ ، فعدا علي وضربني في ظهري بسكين ضربة شديدة عظيمة ، وقعت بها على الأرض ، ثم رجع من حيث جاء وظنّ أنه بلغ مقصوده ، فوقى الله شره وعتوه ، لكنه ظلعني ووهنني ، فصرت لا أحمل نفسي إلا بكلفة ومشقة ، وما دفع الله كان أعظم.

ولما تأخرت بسببها عن الصلاة في المسجد الشريف في شعبان ، وأكثر شهر رمضان المبارك ، شكوت حالي وقصصته على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت :

إليك رسول الله من عبدك الذي

تعوّق عن مغناك من فتك ضربة

عبيدك عبد الله جارك عمره

نزيلك لم يبرح مؤمّل عطفة

عليك (٢) رسول الله أشكو مصيبتي

وشدّة أهوال أطافت بمهجتي

__________________

(١) بياض ، وقد كتب في حاشية النسخ (أ) : كذا بالأصل.

(٢) كذا في جميع النسخ ، ولعلها : إليك.

٢٥١

أغاروا على نفسي سحيرا بمدية

لإتلاف روحي بل وإذهاب جثّتي

يريدون أن يخفوا لنور أتمّه

إلهي فما اسطاعوا فباؤوا بخيبة

شكوت رسول الله ما قد أصابني

على غير ذنب بل على نشر سنّة

أحلّوا دمي يا ربّ أنت حسيبهم

فعوّضهم يا ربّ كلّ بليّة

فإن بيدي تأخذ فتلك عقيدتي

وإلا فيا ويحي وويلي وحسرتي

ألست مقيما في جوارك سيدي

وقبلي أبي سبعين عاما بطابة

أترضى رسول الله ما قد أصابني

وحقّك ما يرضيك هاتيك نيّتي

وحقّك قد عانيت حتفي مع انني

صريع (١) على وجهي وباهي شيبتي

أقلّب وجهي في جهات تخيّلي

وليس سوى باب الحبيب لعلّتي

هو الباب للداعين إن هم لبابه

لجوا لم يصبرهم ولا بعض ساعة

هو البحر يجري كلّ حين ودائما

لجيرانه برّا بهم ذا محبّة

دعوت دعا عبد ضعيف مطعّن

وراء حجاب قد ثوى بمضرّة

لتطلق أقدامي فأسعى بها إلى

حبيبي الذي من جاه فاز بنعمة

ألا يا محبّين الحبيب محمدا

ومن جاور المختار في عزّ نعمة

عسى أنكم إن خلتم لي معاهدا

تبوّأتها مستجلبات (٢) لرحمة

ضربتم بسهم في دعائكم ولا

ينسيكم (٣) بعدي فقلبي بحضرة

وقولنا أخو يا رب (٤) عيق ببيته

وآمننا فاقبله معنا بمنّة (٥)

لئن كنت قهرا قد تأخرت عنكم

فقلبي فيكم شاهد بمودتي

عراص لها نفسي قد اشتدّ شوقها

وحقّ لنفسي أن تضاعف زفرتي

معالم وحي منتهي الخير عندها

فلا قطر في الدنيا إذا كالمدينة

فإن تذكروني في الدعاء فذاكم

وإلا سأستجدي صحابي بمكّة

__________________

(١) في (أ) ، (ج): «صريعا».

(٢) في (أ) ، (ج): «متجليات».

(٣) في (أ): «ينساكم».

(٤) في (ب): «وقولوا أخونا رب ...». (٥) في (أ): «بمنية».

٢٥٢

سلام عليكم من ضعيف مضرّج

كسير غضيب ذي ضنى وصبابتي

بطيّب طيب قد كتبت حروفه

ليسري بأخباري إلى خير بلدة

صلى الموت قد عاينته يا أحبّتي

ولكن قضى في العمر تأخير مدّتي

فلي أسوة الفاروق في ضربة قضى

وأسوة عثمان شهيد بضربة

لفزت بها في الفائزين وليتها

ولكن بقاء لإنهاء لمدّتي

فلا ملتجا للملتجين كبيته

سوى المصطفى للملتجين بروضة

لئن عاقني عنكم بلائي فلم أحج

فذاك على قلبي أشدّ رزيتي

فلا تحسبوا لي سلوة عن جلالها

سأسعى ولو صفحا على صفح وجنتي

وقد زرتها خمسين حجّا وعمرة

فما زادني إلا حفيل محبتي

فياربّ هلا دعوة في مشاعر

أعلّ بها حينا محاجر مقلتي

أرى زمزما بعد الحطيم وأهلها

وميزاب بيت الله حتى بطوفة

فأدعو بقلب مخلص في مقامه

وملتزم مستعطفا لشكيتي

لعلّي أرى نصري قريبا معجّلا

بذاك لي أدعو أنتموا لي ذخيرتي

ولي صحتي ربي الكريم يعيدها

فتقوى بها رجلي على طيّ ركبتي

أقاموا ليغتالوا بليل عدمتهم

أكانوا فلا كانوا سحيرا بخلوة

على غير ما ذنب أظنّ أتيته

قبل لي ذنب إنني حزب شرعة

فأصبح مسرورا بما قد أصابني

شقيّ يعادي أو محاسد نعمة

لقد لزمت نفسي لهمّي لوعة

فصارت كأمثال للازب ضربة

وقد سئمت نفسي المطاعم كلّها

فكالصّاب أو كالصّبر تسري بريقتي

وعن مضجعي تنبو جنوبي كأنها

على حسك السّعدان لي طول ليلتي

عليك رسول الله منّي تحية

تفوق مدى الأيام كلّ تحيّة

عليك صلاة الله ما حجّ بيته

وما زار ركب مصطفاه بحجرة

وآلك والصحب الكرام فهديهم

بأنواره تجلي دجى كلّ ظلمة

أبو بكر الصديق أعظم بشأنه

وصاحبه الفاروق شيخ الصحابة

وعثمان ذو النورين والعلم الرضى

أخو المصطفى عال عليّ لنصرة

٢٥٣

وباقي كرام عشرة بمحمد

أعوذ بهم من شرّ كلّ مصيبة

علاؤهم عندي يحلّ مضايقي

وحبّهم ألقاه في لحد حفرتي

والحمد لله ربّ العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وقلت هذه الأبيات في فضل المدينة المشرفة ، والتشويق إلى سكناها والإقامة بها ، والدفن في بقيعها ، وجمعت فيها ما حضرني من فضلها من الأحاديث الصحيحة التي لا اختلاف فيها ، وسمّيتها (تشويق النفوس إلى نص العروس).

فقلت الحمد لله ولي التوفيق :

بفضل الإله مالك الملك غافر

مقسّم أرزاق العباد وقاهر

تقسّمت الأوطان بين المعاشر

فكان نصيبي كابرا بعد كابر

مدينة خير الرّسل مهبط وحيه

سقاها إلهي ماطرا بعد ماطر

ومدّ عليها وبله وسيوله

فيغدودق الوادي بأحد وحاجر

وتزهو تلاع بالعقيق وزهوها

وسلع إلى السقيا إلى سفح عائر

ووادي قناة يا له كم به ثوى

شهيد كعبد الله والد جابر

وبئر أريس مع قباء ورامة

بها طبت في وقت من الهمّ شاغر

وفي خيف بطحان السعيد مساجد

ترى بين نخل كالنجوم الزّواهر

دعا المصطفى فيها ففرّ عداته

وكانت قلوب القوم عند الحناجر

كريم مقامات تجلّت بقاعها

بها أمن عاص من مقيم وزائر

كلفت بها حتى ألفت جمالها

وحتى بدا مني خفيّ الضّمائر

وكنت إلى الراحات ترتاح مهجتي

وتهذي بربات الخدود السواجر

وألهوا إذا وقتي خلا من منغّص

بإخوان صدق نزهة للمحاضر

فبعد الصبا عفت الهوى ومزاحه

وقلت : أيا نفسي كفى أن تكابري

فنكّب إذن عن عزّة وسعادها

وحاشاك أن تهوى كحيل المحاجر

ودع عنك لبنى واستماع غنائها

وأقبل على الأخرى بقلب وبادر

فلو نظرت سعدى إليّ تعجبت

وقالت بمن اعتاض عني مسامري

٢٥٤

ألم تعلمي أني تعوّضت طيبة

فلا تطمعي في العود يا أمّ عامر

تبدّلت من كلّ البلاد بأسرها

بلاد رسول الله أبرك طاهر

فما مثلها عندي شبيه بذاتها

سوى مكّة سادت بتلك المشاعر

فضائل صحّت في الصحاح لطيبة

فخذها بقلب واستمعها لآخر

شهيد لنا أو شافع سيد الورى

لصبر على لأوائها المتكاثر

كذاك لمن وافا بها مثل ذا له

ليهن بوعد من صدوق لشاكر

وكم صحّ في أخبارها من فضائل

فمن تربها للداء دفع الضّرائر

حباها بمثلي ما دعاه لمكّة

فجاور وطب نفسا بهذي المفاخر

وذلك ضعف الضعف صدق محقق

فكن قانعا فيها بقوت وصابر

وكم من كرامات تجلّت لأهلها

بلفظ روينا مسند متواتر

فمن سعدكم يا نازلين جواره

بتحويل حماها ونفي المضارر

وطابت فما الدجال يهدى خلالها

ولا مجرم إلا ابتلي بالدوائر

ومن أهلها بالسوء قصدا أرادهم

أذيب كملح ذاب ويل لماكر

ولمّا أن اختار المهيمن حفظها

حماها بأملاك شداد البوادر

فمن عزّها أملاكه في نقابها

ترددّ دجّالا محلا (١) بكافر

وطاعن طاعون كذاك تردّه

وإن عمّ تطوافا فليس بعابر

وأمّن من خسف ومن أن يصيبنا

عذاب وهو فينا بقدرة قادر

ومنها لمجذوم دواء سباخها (٢)

فخذها كرامات أتت ببشائر

وكان إذا ليل سجى قام داعيا

لأهل بقيع الغرقد المتفاخر

فيهدي إليهم من حفيل دعائه

ويسأل مولاه بإحضار خاطر

ووصّى جميع النّاس طرّا بجاره

فقال : احفظوني أمتي في مجاوري

وقد قال : ما من ذاك والله ابتغي

مكانا لدفني من جميع المقابر

سوى هذه يعني بها ترب طيبة

فأكرم لترب للرسول مباشر

__________________

(١) في (أ): «... دجلا محلى بكافر». (٢) في (أ): «سباختها».

٢٥٥

دعا ودعا حتى دعا في ثمارها

فصار بها يزكو كحائط جابر

كذلك في صاع ومدّ دعا لنا

فيشبعنا ربع وشطر لصابر

وجا أنها تنفي الذّنوب مصحّحا

وإطلاقه يحوي عظيم الكبائر

لها مسجد للمصطفى أيّ مسجد

به حجرة فيها الدليل لحائر

صلاة بألف يا سعادتنا به

فوائد طابت متجرا لمتاجر

به روضة مع منبر وسط جنّة

علت يا لها من روضة لمفاخر

ومنبره والحوض تحت رتاجه

وهل مثله من منبر في المنابر

وحول ضريح المصطفى قد تعاقبت

ملائكة سبعون ألف مظاهر

ذكرت قليلا من فضائل طيبة

ومن رام حصرا ما يكون بقادر

ألا لا تلوموني فإني أحبّها

فكم خوّلتني ما تمنّت خواطري

فمن طيبها طيبي وأحمد طيبها

سوى البيت ما يلقى لها من مناظر

أيا عاذلي فيها تأمّل جمالها

وأنوار خير الخلق باد وحاضر

سألزمها دهري وأحكي علومها

وأدفع عنها طاقتي كلّ جائر

وألزم ذاتي صحنها ورحابها

وحجرتها والسر خلف الستائر

حلفت يمينا ليس في الكون (١) مثلها

لأنّ بها قبر الشفيع الموازري

فمرّغ بها خديك حبّا لأحمد

وقل : يا حبيبي يا شفيعي وناصري

جوارك يا خير البرية أرتجي

فكن لي مجيرا عند عدّ جرائري

لذلي لعصياني (٢) تدارك بنظرة

فعندي ذنوب أعدمتني بصائري

فظنّي (٣) إن حالي إليك شكوته

تجيب بيا لبيك لست بكاسري (٤)

فياربّ عد يا ذا الجلال بمنّة

فقد رجفت مني لخوفي بوادري

__________________

(١) في (أ): «لا يكون».

(٢) في (أ): «بذلي بعصياتي».

(٣) في (أ): «وظني».

(٤) في (أ): «بكاشر».

٢٥٦

وصلّ على المختار من آل هاشم

وآل وصحب في مساء وباكر

أخصّ أبا بكر حبيب محمد

وصاحبه الفاروق ماضي الأوامر

وليس كعثمان الشهيد بداره

ومن كعليّ في قتال العساكر

زبير وسعد وابن عوف وطلحة

وبعد سعيد والختام بعامر

فعفوا وصفحا يا كريم بحبّهم

فإني غريق في ذنوب غوابر

مدحتك لا والله غيرك مقصدي

وما هبت تقصيري لأنّك عاذري

عبيد ضعيف عاجز بك ملتجي

غريب غدت أحبابه في المقابر

وفي دار خير الرّسل عندك مولدي

وفيها مقامي لم أحل دهر داهر

ولي قد مضى سبعون عاما مصانه

تنيف بسبع طاب زرعا لباذر

تخلّلها خمسون حجّا وعمرة

تنيف بسبع حبذا من ذخائر

ولي نسب أرجو إليك يجرّني

شريف كريم فاخر بعد فاخر

عليك أصلّي يا شفيعا مشفّعا

حنانيك من ماح مقفّ وحاشر

عليك صلاة الله بدءا وموئلا

عليك سلام الله مدّ المحابر

عليك صلاة الله جهدي وطاقتي

وبعد فأفديه بسمعي وناظري

ويا ربّ فاغفر للجميع بجاهه

وباللطف عاملنا ولطف مثابر

على سنّة المختار ثبّت قلوبنا

ولا تخزنا في يوم كشف السرائر

وهذا لتشويق النفوس وسمتها

فسارع إلى نصّ العروس وبادر

والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا إلى يوم الدين.

وقد انتهى ما أردت إيراده عظة لمن اتعظ ودان ، وتسلية لمن يظلم ويهان ، وتعزية لمن يغرّه الحدثان بقوله : كان فلان وكان ، وختم لنا بخير ، وأصلح حالنا ، وألّف بين قلوبنا ، وطهّرها من الكبر والحسد ، والبغضاء التي تفرّق بين الأصحاب ، وتفتح من الشرّ كلّ باب بمنّه وكرمه.

٢٥٧

* آخر ما ورد بالنسخة (أ) :

وكان الفراغ من تأليفه في الحادي عشر من شهر رمضان المعظم أحد شهور سنة أربع وسبعين وسبعمائة (١) والحمد لله رب العالمين.

وتم نسخ هذه النسخة المباركة على يد كاتبه لنفسه ولمن شاء الله من بعده أحقر العبيد وأقل الورى ، أحد ساكني مكة أم القرى ، الراجي لطف رب العباد أبي الفيض وأبي الإسعاد عبد الستار بن الشيخ عبد الوهاب الكتبي المكي ، بلغه الله ما يتمناه وجعل آخرته خيرا من أولاه بمحض فضله وكرمه آمين.

* آخر ما ورد بالنسخة (ب) :

وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة يوم الاثنين المبارك رابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومئتين وألف بقلم كاتبها الفقير إليه عز شأنه جعفر بن السيد حسين بن هاشم بن السيد يحيى هاشم الحسيني المدني غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين آمين.

* أما النسخة (ج) فهي ناقصة الآخر.

__________________

(١) هذا التاريخ لا يصح ، فالمؤلف توفي سنة ٧٦٩ ه‍ وقد ذكر الشيخ عبد الستار ناسخ هذه النسخة في أولها أنه أتم تأليفه ـ يعني المؤلف ـ سنة ٧٧٤ ه‍. فالله أعلم أن هذا تاريخ نسخ النسخة المنقول منها.

٢٥٨

قائمة المراجع

* الجامع الصحيح للبخاري ، تحقيق محب الدين الخطيب ، الطبعة الأولى ١٤٠٠ ه‍ ، الناشر المطبعة السلفية القاهرة.

* الموطأ للإمام مالك ، تحقيق سعيد اللحام ، الطبعة الأولى ١٤١١ ه‍ ، الناشر دار إحياء العلوم بيروت.

* الجامع الصحيح للترمذي ، تحقيق أحمد شاكر ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت.

* الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر العسقلاني ، الناشر دار إحياء التراث العربي بيروت.

* التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ، للسخاوي. الطبعة الأولى ١٤١٤ ه‍. الناشر دار الكتب العلمية بيروت.

* العقد الثمين للفاسي ، تحقيق فؤاد السيد ، الطبعة الثانية ١٤٠٦ ه‍ ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت.

* التعريف بما آنست الهجرة للمطري ، الطبعة الرابعة ١٤٠٤ ه‍ ، الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.

* الكامل لابن الأثير ، عني بمراجعته نخبة من العلماء ، الطبعة السادسة ١٤٠٦ ه‍ ، الناشر دار الكتاب العربي بيروت.

* إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر العسقلاني. الطبعة الثانية (مصورة) ١٤٠٦ ه‍ ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت.

* إتحاف الورى بأخبار أم القرى لابن فهد ، تحقيق فهيم شلتوت ، الطبعة بدون الناشر جامعة أم القرى مكة المكرمة.

٢٥٩

* الروضتين في أخبار الدولتين للمقدسي. الطبعة بدون تاريخ ، الناشر دار الجيل بيروت.

* المغانم المطابة في معالم طابة للفيروز ابادي. نسخة خطية مصورة.

* الديباج المذهب في أعيان المذهب لابن فرحون. الناشر دار الكتب العلمية بيروت.

* جامع كرامات الأولياء للنبهاني ، تحقيق إبراهيم عوض ، الطبعة الثالثة ، الناشر مصطفى الحلبي.

* حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للسيوطي ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الأولى ١٣٧٨ ه‍ ، الناشر المكتبة الفيصلية.

* درة الحجال في أسماء الرجال لابن القاضي ، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور ، الطبعة بدون تاريخ ، الناشر دار التراث القاهرة.

* ذيل العبر للعراقي ، تحقيق صالح مهدي عباس ، الطبعة الأولى ١٤٠٩ ه‍ ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت.

* ذيل الروضتين لأبي شامة ، عني بنشره السيد عزت العطار ، الطبعة الثانية ١٩٤٧ ه‍ ، الناشر دار الجيل بيروت.

* رسائل في تاريخ المدينة ، قدم لها حمد الجاسر ، الناشر دار اليمامة الرياض.

* رحلة ابن جبير ، تاريخ الطبعة ١٤٠٤ ه‍ ، الناشر دار بيروت للطباعة بيروت.

* سنن ابن ماجه ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت.

* صحيح مسلم ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، تاريخ الطبعة ١٤١٣ ه‍.

الناشر دار إحياء الكتب العربية القاهرة.

* سبل الهدى والرشاد للصالحي ، تحقيق عادل عبد الموجود ، وعلي محمد معوض ، الطبعة الأولى ١٤١٤ ه‍. الناشر دار الكتب العلمية بيروت.

٢٦٠