البلدان

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]

البلدان

المؤلف:

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3419-1
الصفحات: ٢٢٤

الشارع الأعظم وفي دروب من جانبي الشارع الأعظم تنفذ إلى شارع يعرف بأبي أحمد وهو أبو أحمد بن الرشيد من أحد الجانبين وتنفذ إلى دجلة وما قرب منها من الجانب الآخر ، وتمر القطائع إلى ديوان الخرّاج الأعظم وهو في هذا الشارع الكبير وفي هذا الشارع قطائع قوّاد خراسان.

منها قطيعة هاشم بن باينجور ، وقطيعة عجيف بن عنبسة ، وقطيعة الحسن بن علي المأموني ، وقطيعة هارون بن نعيم ، وقطيعة حزام بن غالب ، وظهر قطيعة حزام الإصطبلات لدواب الخليفة الخاصية والعاميّة يتولّاها حزام ويعقوب أخوه ثم مواضع الرطابين (١) وسوق الرقيق في مربعة فيها طرق متشعّبة فيها الحجر ، والغرف ، والحوانيت للرقيق ، ثم مجلس الشرطة ، والحبس الكبير ، ومنازل الناس والأسواق في هذا الشارع يمنة ويسرة مثل سائر البياعات والصناعات ويتصل ذاك إلى خشبة بابك ، ثم السوق العظمى لا تختلط بها المنازل كل تجارة منفردة ، وكل أهل مهنة لا يختلطون بغيرهم ، ثم الجامع القديم الذي لم يزل يجمع فيه إلى أيام المتوكل فضاق على الناس فهدمه وبنى مسجدا جامعا واسعا في طرق الحير المسجد الجامع والأسواق من أحد الجانبين.

ومن الجانب الآخر القطائع ، والمنازل ، وأسواق أصحاب البيّاعات الدنية مثل أصحاب الفقاع (٢) ، والهرائس (٣) ، والشراب ، وقطيعة مبارك المغربي ، وسويقة مبارك ، وجبل جعفر الخياط ، وفيه كانت قطيعة جعفر ، ثم قطيعة أبي الوزير.

ثم قطيعة العباس بن علي بن المهدي ، ثم قطيعة عبد الوهاب بن علي بن المهدي ، ويمتد الشارع وفيه قطايع عامة إلى دار هارون بن المعتصم وهو الواثق عند دار العامة وهي الدار التي نزلها يحيى بن أكثم (٤) في أيام المتوكل لما ولّاه قضاء

__________________

(١) الرطابين : من يعلف الدابة علفا رطبا طريا. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : رطب).

(٢) الفقّاع : الشراب يتّخذ من الشعير ، أو من الأثمار ، سمّي به لما يعلوه من الزبد. (القاموس المحيط ، مادة : فقع).

(٣) الهريسة : طعام يعمل من الحبّ المدقوق واللحم. (القاموس المحيط ، مادة : هرس).

(٤) يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن المولود سنة ١٥٩ ه‍ / ٧٧٥ م التميمي الأسيدي المروزي ، أبو محمد ، قاض ، رفيع القدر ، عالي الشهرة ، من نبلاء الفقهاء ، يتصل نسبه بأكثم بن صيفي حكيم العرب. ولد بمرو سنة ١٥٩ ه‍ / ٧٧٥ م اتّصل بالمأمون أيام مقامه بها ، فولّاه قضاء البصرة سنة ٢٠٢ ه‍ ، ثم قضاء القضاة ببغداد ، وأضاف إليه تدبير مملكته ، فكان وزراء الدولة لا يقدّمون ولا يؤخّرون في شيء إلا بعد عرضه عليه ، وغلب على المأمون حتى لم يتقدّمه ـ

٦١

القضاة ، ثم باب العامة ودار الخليفة وهي دار العامة التي يجلس فيها يوم الاثنين ، ثم الخزائن خزائن الخاصة ، وخزائن العامة ، ثم قطيعة مسرور سمانة الخادم وإليه الخزائن.

ثم قطيعة قرقاس الخادم وهو خراساني ، ثم قطيعة ثابت الخادم ، ثم قطيعة أبي الجعفاء وسائر الخدم الكبار ، والشارع الثاني يعرف بأبي أحمد ، وهو أبو أحمد بن الرشيد أول هذا الشارع من المشرق دار بختيشوع (١) المتطبب التي بناها في أيام المتوكل.

ثم قطائع قواد خراسان ، وأسبابهم من العرب ، ومن أهل قم ، وأصبهان ، وقزوين ، والجبل ، وآذربيجان يمنة في الجنوب مما يلي القبلة فهو نافذ إلى شارع السريجة الأعظم ، وما كان مما يلي الشمال ظهر القبلة فهو نافذ إلى شارع أبي أحمد ديوان الخراج الأعظم ، وقطيعة عمر ، وقطيعة للكتاب ، وسائر الناس ، وقطيعة أبي أحمد بن الرشيد في وسط الشارع ، وفي آخره مما يلي الوادي الغربي الذي يقال له : وادي إبراهيم بن رياح قطيعة ابن أبي دؤاد ، وقطيعة الفضل بن مروان ، وقطيعة محمد بن عبد الملك الزيّات ، وقطيعة إبراهيم بن رياح في الشارع الأعظم ، ثم تتصل

__________________

ـ عنده أحد. كان مع تقدّمه في الفقه وأدب القضاء ، حسن العشرة ، حلو الحديث ، استولى على قلب المأمون حتى أمر بأن لا يحجب عنه ليلا ولا نهارا. وله غزوات وغارات ، منها أن المأمون وجهه سنة ٢١٦ ه‍ إلى بعض جهات الروم ، فعاد ظافرا. ولما مات المأمون وولي المعتصم ، عزله عن القضاء ، فلزم بيته ، وآل الأمر إلى المتوكّل فردّه إلى عمله. ثم عزله سنة ٢٤٠ ه‍ ، وأخذ أمواله ، فأقام قليلا ، وعزم على المجاورة بمكّة ، فرحل إليها فبلغه أن المتوكل صفا عليه ، فانقلب راجعا ، فلما كان بالربذة من قرى المدينة مرض وتوفي فيها سنة ٢٤٢ ه‍ / ٨٥٧ م. قال ابن خلكان : وكانت كتب يحيى في الفقه أجلّ الكتب ، فتركها الناس لطولها ، وله كتب في الأصول ، وكتاب أورده على العراقيين سمّاه «التنبيه» وبينه وبين داود بن علي مناظرات. وكان يتّهم بأمور شاعت عنه وتناقلها الناس في أيامه وتداولها الشعراء ، فذكر شيء منها للإمام أحمد بن حنبل ، فقال سبحان الله من يقول هذا؟ وأنكر ذلك إنكارا شديدا ، وأشار إلى حسد الناس له.

(١) بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع بن جرجس ، ومعنى بختيشوع : عبد المسيح وهذا اللفظ سرياني الأصل. وبختيشوع طبيب سرياني الأصل مستعرب. قربة الخلفاء العباسيون ولا سيما المتوكّل العباسي ، فعلت مكانته وأثرى حتى كان يضاهي المتوكّل في الفرش واللبس. خدم الواثق ، والمتوكّل ، والمستعين ، والمهتدي ، والمعتزّ. وصنف كتابا في الحجامة على طريقة السؤال والجواب. مات ببغداد سنة ٢٥٦ ه‍ / ٨٧٠ م.

٦٢

الإقطاعات في هذا الشارع ، وفي الدروب إلى يمنته ويسرته إلى قطيعة بغا الصغير ، ثم قطيعة بغا الكبير ، ثم قطيعة سيما الدمشقي ، ثم قطيعة برمش ، ثم قطيعة وصيف القديمة.

ثم قطيعة إيتاخ ويتّصل ذلك إلى باب البستان وقصور الخليفة ، والشارع الثالث شارع الحير الأول الذي صارت فيه دار أحمد بن الخصيب في أيام المتوكل فاصل هذا الشارع من المشرق.

ومن الوادي المتصل بوادي إسحاق بن إبراهيم وفيه قطايع الجند والشاكرية وأخلاط الناس ويمتد إلى وادي إبراهيم بن رياح.

والشارع الرابع يعرف بشارع برغامش التركي فيه قطائع الأتراك والفراغنة ، فدروب الأتراك منفردة ودروب الفراغنة منفردة والأتراك في الدروب التي في القبلة والفراغنة بإزائهم بالدروب التي في ظهر القبلة كل درب بإزاء درب لا يخالطهم أحد من الناس.

وآخر منازل الأتراك وقطائعهم قطائع الخزر مما يلي المشرق أول هذا الشارع من المطيرة عند قطائع الأفشين التي صارت لوصيف وأصحاب وصيف ، ثم يمتد الشارع إلى الوادي الذي يتصل بوادي إبراهيم بن رياح.

والشارع الخامس يعرف بصالح العباسي وهو شارع الإسكر فيه قطائع الأتراك والفراغنة ، والأتراك أيضا في دروب منفردة ، والفراغنة في دروب منفردة ممتد من المطيرة إلى دار صالح العباسي التي على رأس الوادي ، ويتصل ذاك بقطائع القوّاد والكتّاب والوجوه والناس كافة.

ثم شارع خلف شارع الإسكر يقال له شارع الحير الجديد فيه أخلاط من الناس من قوّاد الفراغنة والأسروشنية والأشناخنجية وغيرهم من سائر كور خراسان ، وهذه الشوارع التي من الحير كلما اجتمعت إلى إقطاعات لقوم هدم الحائط وبني خلفه حائط غيره ، وخلف الحائط الوحش من الظباء ، والحمير ، والوحش ، والأيايل ، والأرانب ، والنعام وعليها حائط يدور في صحراء حسنة واسعة ، والشارع الذي على دجلة يسمى شارع الخليج ، وهناك الفرض ، والسفن ، والتجارات التي ترد من بغداد وواسط وكسكر وسائر السواد من البصرة والأبلة ، والأهواز ، وما اتصل بذلك ومن الموصل ، وبعربايا ، وديار ربيعة ، وما اتصل بذلك.

٦٣

وفي هذا الشارع قطائع المغاربة كلهم أو أكثرهم ، والموضع المعروف بالأزلاخ الذي عمّر بالرجالة المغاربة في أول ما اختطّت سرّ من رأى ، واتّسع الناس في البناء بسرّمن رأى أكثر من اتّساعهم ببغداد ، وبنوا المنازل الواسعة إلا أن شربهم جميعا من دجلة مما يحمل في الروايا (١) على البغال وعلى الإبل لأن آبارهم بعيدة الرشاء (٢) ، ثم هي مالحة غير سائغة فليس لها اتّساع في الماء.

ولكن دجلة قريبة والروايا كثيرة ، وبلغت غلات ومستغلات سرّ من رأى وأسواقها عشرة آلاف ألف درهم في السنة ، وقرب محمل ما يؤتي به من الميرة من الموصل ، وبعربايا ، وسائر ديار ربيعة في السفن في دجلة فصلحت أسعارهم.

ولما فرغ المعتصم من الخطط ووضع الأساس للبناء في الجانب الشرقي من دجلة وهو جانب سرّ من رأى عقد جسرا إلى الجانب الغربي من دجلة فأنشأ هناك العمارات والبساتين والأجنّة ، حفر الأنهار من دجلة وصيّر إلى كل قائد عمارة ناحية من النواحي ، وحمل النخل من بغداد ، والبصرة ، وسائر السواد ، وحملت الغروس من الجزيرة ، والشام ، والجبل ، والرّيّ ، وخراسان ، وسائر البلدان فكثرت المياه في هذه العمارة في الجانب الشرقي بسرّمن رأى وصلح النخل وثبتت الأشجار وزكت الثمار وحسنت الفواكه ، وحسن الريحان ، والبقل ، وزرع الناس أصناف الزرع ، والرياحين ، والبقول ، والرطاب.

وكانت الأرض مستريحة ألوف سنين ، فزكا كل ما غرس فيها وزرع بها حتى بلغت غلة العمارات بالنهر المعروف بالإسحاقي وما عليه والإيتاخي ، والعمري ، والعبد الملكي ، ودالية ابن حمّاد والمسروري ، وسيف والعربات المحدثة ، وهي خمس قرى ، والقرى السفلى ، وهي سبع قرى ، والأجنة ، والبساتين ، وخراج الزرع أربع مائة ألف دينار في السنة.

وأقدم المعتصم من كل بلد من يعمل عملا من الأعمال ، أو يعالج مهنة من مهن العمارة ، والزرع ، والنخل ، والغرس ، وهندسة الماء ، ووزنه ، واستنباطه ، والعلم

__________________

(١) الروايا : جراب يوضع الماء فيه وينقل ويفرغ في المكان المطلوب. (القاموس المحيط ، مادة : روى).

(٢) الرشاء : وهو حبل الدلو ، وهنا أنّ الآبار بعيدة عن السكن لذلك استعملوا الروايا التي تنقل على البغال. (القاموس المحيط ، مادة : رشا).

٦٤

بمواضعه من الأرض ، وحمل من مصر من يعمل القراطيس (١) وغيرها ، وحمل من البصرة من يعمل الزجاج والخزف والحصر ، وحمل من الكوفة من يعمل الأدهان.

ومن سائر البلدان من أهل كل مهنة وصناعة فأنزلوا بعيالهم بهذه المواضع وأقطعوا فيها وجعل هناك أسواقا لأهل المهن بالمدينة.

وبنى المعتصم العمارات قصورا ، وصيّر في كل بستان قصرا فيه مجالس ، وبرك ، وميادين ، فحسنت العمارات ورغب وجوه الناس في أن يكون لهم بها أدنى أرض ، وتنافسوا في ذلك وبلغ الجريب (٢) من الأرض مالا كبيرا ومات المعتصم بالله سنة سبع وعشرين ومائتين.

وولي الخلافة هارون الواثق بن المعتصم ، فبنى الواثق القصر المعروف بالهاروني على دجلة ، وجعل فيه مجالس في دكة شرقية ، ودكة غربية ، وانتقل إليه وزادت الإقطاعات ، وقرّب قوما ، وباعد ديار قوم على الأخطاء لا على الأبعاد فأقطع وصيفا دار أفشين التي بالمطيرة ، وانتقل وصيف عن داره القديمة إلى دار أفشين ، ولم يزل يسكنها وكان أصحابه ورجاله حوله وزاد في الأسواق ، وعظمت الفرض (٣) التي تردها السفن من بغداد ، وواسط ، والبصرة ، والموصل.

وجدد الناس البناء وأحكموه وأتقنوه لما علموا أنها قد صارت مدينة عامرة ، وكانوا قبل ذلك يسمّونها العسكر.

ثم توفي الواثق في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وولي جعفر المتوكل بن المعتصم (٤) ، فنزل الهاروني وآثره على جميع قصور المعتصم ، وأنزل ابنه محمد

__________________

(١) القرطاس : جمعها القراطيس ، وهي الصحيفة التي يكتب فيها ، والقرطاس هو برديّ مصري.

(القاموس المحيط ، مادة : قرطس).

(٢) الجريب : الأرض المحلة. (القاموس المحيط ، مادة : جرب).

(٣) الفرض : من النهر ، الثّلمة ينحدر منها الماء ، وتصعد منها السفن ويستقي منها ، أو محطّ السفن في البحر. (القاموس المحيط ، مادة : فرض).

(٤) المتوكّل : هو جعفر ، المتوكّل على الله ، بن محمد ، المعتصم بالله ، بن هارون الرشيد ، أبو الفضل ، خليفة عباسي ، ولد ببغداد سنة ٢٠٦ ه‍ / ٨٢١ م. وبويع بعد وفاة أخيه الواثق سنة ٢٣٢ ه‍ ، وكان جوادا ممدوحا محبا للعمران ، من آثاره «المتوكّلية» ببغداد ، أنفق عليها أموالا كثيرة ، وسكنها. ولما استخلف كتب إلى أهل بغداد ، كتابا قرىء على المنبر بترك الجدل في القرآن ، وأن الذمة بريئة ممن يقول بخلقه ، أو غير خلقه ، ونقل مقرّ الخلافة من بغداد إلى دمشق ، فأقام بهذه شهرين ، فلم يطب له مناخها ، وعاد فأقام في سامرّاء إلى أن اغتيل ـ

٦٥

المنتصر (١) قصر المعتصم المعروف بالجوسق ، وأنزل ابنه إبراهيم المؤيد (٢) بالمطيرة ، وأنزل ابنه المعتز (٣) خلف المطيرة مشرقا بموضع يقال له بلكوارا فاتصل البناء من بلكوارا إلى آخر الموضع المعروف بالدور مقدار أربعة فراسخ ، وزاد في شوارع الحير شارع الإسكر والشارع الجديد ، وبنى المسجد الجامع في أول الحير في موضع واسع خارج المنازل لا يتصل به شيء من القطائع ، والأسواق ، وأتقنه ، ووسّعه ، وأحكم بناءه ، وجعل فيه فوارة ماء لا ينقطع ماؤها ، وجعل الطرق إليه من ثلاثة صفوف واسعة

__________________

ـ فيها ليلا سنة ٢٤٧ ه‍ / ٨٦١ م ، لغراء ابنة المنتصر ولبعض الشعراء هجاء في المتوكّل لهدمه قبر الحسين وما حوله ، سنة ٢٣٦ ه‍ ، كثرت الزلازل في أيامه ، فعمّر بعض ما خرّبت. وكان يلبس في زمن الورد الثياب الحمر ، ويأمر بالفرش الأحمر ، ولا يرى الورد إلّا في مجلسه ، وكان يقول : أنا ملك السلاطين والورد ملك الرياحين وكلّ منا أولى بصاحبه.

(١) المنتصر : هو محمد ، المنتصر بالله ، بن جعفر ، المتوكّل على الله ، بن المعتصم أبو جعفر ، من خلفاء الدولة العباسية ، ولد في سامرّاء سنة ٢٢٣ ه‍ / ٨٣٨ م ، بويع بالخلافة بعد أن قتل أباه سنة ٢٤٧ ه‍ ، وفي أيامه قويت سلطة الغلمان ، فحرّضوه على خلع أخويه المعتزّ والمؤيّد ، وكانا وليي عهده ، فخلعهما. وهو أول من عدا على أبيه من بني العباس ، ولم تطل مدّته ، وكان إذا جلس إلى الناس يتذكر قتله لأبيه فترعد فرائصه ، قيل : مات مسموما بمبضع طبيب ، ووفاته سنة ٢٤٨ ه‍ / ٨٦٢ م بسامرّاء ، ومدة خلافته ستة أشهر وأيام ، وهو أوّل خليفة من بني العباس عرف قبره ، وكانوا لا يحفلون بقبور موتاهم ، إلّا أن أمه طلبت إظهار قبره. وكان له خاتمان نقش على أحدهما : «محمد رسول الله» ، وعلى الثاني «المنتصر بالله».

(٢) عزله أخوه المعتزّ في رجب سنة ٢٣٢ من ولاية العهد ، وضربه وقيّده فمات بعد أيام فخشي المعتز أن يتحدّث عنه أنه قتله أو احتال عليه ، فأحضر القضاة حتى شاهدوه وليس به أثر.

(٣) المعتزّ : هو محمد ، المعتزّ بالله ، بن جعفر ، المتوكّل على الله ، بن المعتصم ، خليفة عباسي ، هو أخو المنتصر بالله ، ولد في سامرّاء سنة ٢٣٢ ه‍ / ٨٤٦ م ، وعقد له أبوه البيعة بولاية العهد سنة ٢٣٥ ه‍ ، وأقطعه خراسان ، وطبرستان ، والرّيّ ، وأرمينية ، وأذربيجان ، وكور فارس ، ثم أضاف إليه خزن الأموال في جميع الآفاق ، ودور الضرب ، وأمر أن يضرب اسمه على الدراهم ، ولما ولي المستعين بالله سنة ٢٤٨ ه‍ ، سجن المعتز ، فاستمر إلى أن أخرجه الأتراك بعد ثورتهم على المستعين ، وبايعوا له سنة ٢٥١ ه‍ ، فكانت أيامه أيام فتن وشغب.

وجاءه قوّاده فطلبوا منه مالا لم يكن يملكه ، فاعتذر ، فلم يقبلوا عذره ، ودخلوا عليه فضربوه ، فخلع نفسه ، فسلّموه إلى من يعذبه ، فمات بعد أيام شابا ، قيل : اسمه الزبير ، وقيل طلحة ، وكان فصيحا ، له خطبة ذكرها ابن الأثير في الكلام على وفاته ، قال ابن دحية : كان فيه أدب وكفاية فلم ينفعه ذلك لقرب قرناء السوء منه ، فخلع ، وما زال يعذّب حتى مات بسرّمن رأى ، وقيل : أدخل في الحمام فأغلق عليه حتى مات ، سنة ٢٥٥ ه‍ / ٨٦٩ م. وكانت مدة خلافته ثلاث وعشرون سنة وستة أشهر وأربعة عشر يوما.

٦٦

عظيمة من الشارع الذي يأخذ من وادي إبراهيم بن رياح ، في كل صف حوانيت بها أصناف التجارات والصناعات والبياعات ، عرض كل صف مائة ذراع بالذراع السوداء لئلا يضيق عليه الدخول إلى المسجد إذا حضر المسجد في الجمع في جيوشه وجموعه ، وبخيله ، ورجله. ومن كل صف إلى الذي يليه دروب وسكك فيها قطائع جماعة من عامة الناس ، فاتسعت على الناس المنازل والدور.

واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت ، والأسواق التي في صفوف المسجد الجامع ، وأقطع نجاح بن سلمة الكاتب في آخر الصفوف مما يلي قبلة المسجد ، وأقطع أحمد بن إسرائيل الكاتب أيضا بالقرب من ذاك ، وأقطع محمد بن موسى المنجم وإخوته وجماعة من الكتاب والقوّاد والهاشميين وغيرهم ، وعزم المتوكل أن يبتني مدينة ينتقل إليها ، وتنسب إليه ، ويكون له بها الذكر فأمر محمد بن موسى المنجم ومن يحضر بابه من المهندسين أن يختاروا موضعا ، فوقع اختيارهم على موضع يقال له الماحوزة.

وقيل له : إن المعتصم قد كان على أن يبني ههنا مدينة ، ويحفر نهرا قد كان في الدهر القديم فاعتزم على ذلك وابتدأ النظر فيه في سنة خمس وأربعين ، ووجّه في حفر ذلك النهر ليكون وسط المدينة فقدر النفقة على ألف ألف وخمسمائة ألف دينار ، فطاب نفسا بذلك ورضي به وابتدأ الحفر وأنفقت الأموال الجليلة على ذلك النهر واختطّ موضع قصوره ومنازله.

وأقطع ولاة عهوده وسائر أولاده وقوّاده وكتّابه ، وجنده ، والناس كافة ، ومدّ الشارع الأعظم من دار أشناس التي بالكرخ ، وهي التي صارت للفتح بن خاقان مقدار ثلاثة فراسخ إلى قصوره.

وجعل دون قصوره ثلاثة أبواب عظام جليلة يدخل منها الفارس برمحه ، وأقطع الناس يمنة الشارع الأعظم ويسرته ، وجعل عرض الشارع الأعظم مائتي ذراع ، وقدّر أن يحفر في جنبي الشارع نهرين يجري فيهما الماء من النهر الكبير الذي يحفره.

وبنيت القصور وشيّدت الدور ، وارتفع البناء وكان يدور بنفسه ، فمن رآه قد جدّ في البناء أجازه وأعطاه ، فجدّ الناس.

وسمّى المتوكل هذه المدينة الجعفرية (١) ؛ واتصل البناء من الجعفرية إلى

__________________

(١) الجعفرية : منسوبة إلى جعفر ، المتوكّل على الله ، وهي محلّه كبيرة أو مدينة كبيرة مشهورة في ـ

٦٧

الموضع المعروف بالدور ، ثم بالكرخ وسرّ من رأى مادا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه أبو عبد الله المعتز ، ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ، ولا موضع لا عمارة فيه ، فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ ، وارتفع البنيان في مقدار سنة.

وجعلت الأسواق في موضع معتزل ، وجعل في كل مربعة وناحية سوقا ، وبنى المسجد الجامع ، وانتقل المتوكل إلى قصور هذه المدينة أول يوم من المحرم سنة سبع وأربعين ومائتين ، فلما جلس أجاز الناس بالجوائز السنية ووصلهم ، وأعطى جميع القوّاد ، والكتّاب ، ومن تولى عملا من الأعمال.

وتكامل له السرور وقال : الآن علمت أني ملك إذا بنيت لنفسي مدينة سكنتها.

ونقلت الدواوين : ديوان الخراج ، وديوان الضيّاع ، وديوان الزمام ، وديوان الجند والشاكرية ، وديوان الموالي والغلمان ، وديوان البريد ، وجميع الدواوين ؛ إلا أن النهر لم يتم أمره ، ولم يجر الماء فيه إلا جريا ضعيفا لم يكن له اتصال ولا استقامة ، على أنه قد أنفق عليه شبيها بألف ألف دينار ، ولكن كان حفره صعبا جدا ، إنما كانوا يحفرون جصا وأفهارا (١) لا تعمل فيها المعاول.

وأقام المتوكل نازلا في قصوره بالجعفرية تسعة أشهر وثلاثة أيام ، وقتل لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين في قصره الجعفري أعظم القصور شؤما.

وولي محمد المنتصر بن المتوكل فانتقل إلى سرّ من رأى وأمر الناس جميعا بالانتقال عن الماحوزة (٢) ، وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سرّ من رأى.

فانتقل الناس وحمّلوا نقض المنازل إلى سرّ من رأى وخربت قصور الجعفري ومنازله ، ومساكنه ، وأسواقه في أسرع مدة ، وصار الموضع موحشا لا أنيس به ولا ساكن فيه ، والديار بلاقع (٣) كأنها لم تعمر ولم تسكن ، ومات المنتصر بسرّمن رأى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين.

__________________

ـ الجانب الشرقي من بغداد. (معجم البلدان ج ٢ / ص ١٦٧).

(١) أفهار : مفردها الفهر ، وهو حجر رقيق تسحق به الأدوية. (القاموس المحيط ، مادة : فهر).

(٢) الماحوزة : لعلها ناحية الماء ، فالحوزة هي الناحية ، وحوزة المملكة : ما بين تخومها.

(القاموس المحيط ، مادة : حوز).

(٣) بلاقع : مفردها بلقع المكان إذا أقفر فهو بلقع ، والأرض القفر يقال لها : دار بلقع ، أي مقفرة. (القاموس المحيط ، مادة : بلقع).

٦٨

وولي المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم فأقام بسرّمن رأى سنتين وثمانية أشهر حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة والمعتز بسرّمن رأى معه الأتراك وسائر [الموالي](١) ، ثم خلع المستعين وولي المعتز فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر بعد خلع المستعين.

وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتين فأقام حولا كاملا ينزل الجوسق حتى قتل رحمه الله.

وولي أحمد المعتمد بن المتوكل (٢) فأقام بسرّمن رأى في الجوسق وقصور الخلافة ، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسرّمن رأى فبنى قصرا موصوفا بالحسن سمّاه المعشوق فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن ، ولسرّ من رأى منذ بنيت وسكنت إلى الوقت الذي كتبنا فيه كتابنا هذا خمس وخمسون سنة هلك بها ثمانية خلفاء ؛ مات وقتل فيها خمسة : المعتصم ، والواثق ، والمنتصر ، والمعتز ، والمهتدي.

وقتل في حريمها وفيما هو متصل بها ، وقريب منها اثنان المتوكل والمستعين ، واسمها في الكتب المتقدمة زوراء (٣) بني العباس.

__________________

(١) وردت في الأصل : «المالي» ، ولعلّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) المعتمد : هو أحمد ، المعتمد على الله ، بن المتوكّل على الله ، بن جعفر بن المعتصم ، أبو العباس ، خليفة عباسي ، ولد بسامرّاء سنة ٢٢٩ ه‍ / ٨٤٣ م ، ولي الخلافة سنة ٢٥٦ ه‍ ، بعد مقتل المهتدي بالله بيومين. طالت أيام ملكه ، وكانت مضطربة كثيرة العزل والتولية ، بتدبير الموالي وغلبتهم عليه ، فقام وليّ عهده أخوه الموفّق بالله (طلحة) فضبط الأمور ، وصلحت الدولة وانكفّت يد المعتمد عن كلّ عمل حتى إنه احتاج يوما إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها.

وكان من أسمح آل عباس ، جيد الفهم ، شاعرا ، إلّا أنه لما غلب على أمره انتقصه الناس ، وكان مقام الخلفاء قبله في سامرّاء فانتقل المعتمد منها إلى بغداد ، فلم يعد إليها أحد منهم بعده. ومات أخوه الموفّق سنة ٢٧٨ ه‍ ، فأهمل أمر الرعية ، ومات مسموما ، وقيل : رمي في رصاص مذاب ، وكان موته ببغداد ، وحمل إلى سامرّاء فدفن فيها.

(٣) زوراء : تأنيث الأزور ، وهو المائل ، والازورار عن الشيء : العدول عنه والانحراف ، ومنه سميت القوس الزوراء لميلها ، وبه دجلة بغداد ، والأرض الزوراء : البعيدة. ومدينة الزوراء ببغداد في الجانب الشرقي ، سمّيت الزوراء لا زورار في قبلتها ، وقال غيره : «الزوراء مدينة أبي جعفر المنصور ، وهي في الجانب الغربي ، وقيل : إنما سمّيت الزوراء لأنه لمّا عمّرها جعل الأبواب الداخلة مزوّرة عن الأبواب الخارجة أي ليست على سمتها». (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٧٥).

٦٩

ويصدق ذلك أن قبل مساجدها كلها مزورة فيها ازورار ليس فيها قبلة مستوية إلا أنها لم تخرب ولم يذهب اسمها.

قد ذكرنا بغداد وسرّ من رأى وبدأنا بهما لأنهما مدينتا الملك ودار الخلافة ووصفنا ابتداء أمر كل واحد منهما.

فلنذكر الآن سائر البلدان والمسافات فيما بين كل بلد وبلد ، ومدينة ومدينة على قسم أربعة حسب ما تقسم عليه أقطار الأرض بين المشرق ، والمغرب ، ومهب الجنوب ، وهو القبلة ، وهو مطلع سهيل (١) الذي يسمّيه الحساب التيمّن (٢) ، ومهبّ الشمال وهو كرسي بنات نعش الذي يسميه الحساب الجدي ، ونصف كل بلد إلى الربع الذي هو منه والذي يتصل به وبالله التوفيق.

__________________

(١) سهيل : نجم بهيّ طلوعه على بلاد العرب في أواخر القيظ. (القاموس المحيط ، مادة : سهل).

(٢) التيمّن : الجنوب. (القاموس المحيط ، مادة : يمن).

٧٠

الربع الأول وهو ربع المشرق

من بغداد إلى الجبل وآذربيجان وقزوين وزنجان وقم وأصبهان والرّيّ ، وطبرستان ، وجرجان ، وسجستان ، وخراسان وما اتصل بخراسان من النبت وتركستان.

كور الجبل (١)

من أراد أن ينفذ من بغداد مشرقا نفذ من جانبها الشرقي من دجلة ثم أخذ مشرقا إلى موضع يقال له ثلاثة أبواب وهو آخر بغداد مما يلي المشرق ثم استقام به المسير إلى جسر النهروان.

هو بلد جليل قديم على نهر يأخذ من نهر يأتي من الجبل يقال له : تامرا (٢) ، ثم يسقي بعده طساسيج من طساسيج السواد.

وتجري فيه المراكب العظام والسفن الكبرى ، فإذا عبر جسر النهروان تشعبت به طرق الجبل فإن أراد أن يأخذ على كور ماسبذان (٣) ، ومهر جان قذق (٤) ،

__________________

(١) كور الجبل : جبل بين اليمامة ومكة لبني عامر ، ثم لبني سلول. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٥٥٥).

(٢) تامرّا : بفتح الميم ، ليس في أوزان العرب له مثال ، هو طسوج من سواد بغداد بالجانب الشرقي ، وله نهر واسع يحمل السفن في أيام المدود ، ومخرج هذا النهر من جبال شهرزور والجبال المجاورة لها. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٨).

(٣) ماسبذان : بفتح السين والباء ، وأصله ماه سباذان مضاف إلى اسم القمر ، وكان بعد فتح حلوان قد جمع عظيم من عظماء الفرس يقال له آذين جمعا خرج بهم من الجبال إلى السهل وبلغ خبره سعد بن أبي وقاص وهو بالمدائن فأنفذ إليهم جيشا أميرهم ضرار بن الخطاب الفهري في سنة ١٦ ه‍ ، فقتل آذين وملك الناحية ، وقال مسعر بن مهلهل : وخرجنا من مرج القلعة إلى الطرز فعطف منها يمنة إلى ماسبذان ، ومهر جان قذق وهي مدن عدّة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٨).

(٤) مهر جان قذق : ثلاث كلمات ، مهر : معناه الشمس أو المحبّة والشفقة. جان : معناه النفس والروح ، قذق : وأظنه اسم رجل ، فيكون المعنى : محبّة أو شمس نفس قذق ، وهي كورة ـ

٧١

والصّيمرة (١) أخذ ذات اليمين عند عبوره جسر النهروان فسار ست مراحل إلى مدينة ماسبذان ، وهي مدينة يقال لها السيروان جليلة القدر عظيمة واسعة بين جبال وشعاب.

وهي أشبه المدن بمكة وفيها عيون ماء منفجرة تجري في وسط المدينة إلى أنهار عظام تسقي المزارع ، والقرى ، والضياع ، والبساتين على مسافة ثلاثة أيام.

وهذه العيون حارة في الشتاء ، باردة في الصيف ، وأهل هذه المدينة أخلاط من العرب والعجم.

الصّيمرة (٢)

ومن مدينة السيروان (٣) إلى مدينة الصّيمرة وهي مدينة كورة تعرف بهمرجان قذق مرحلتان.

ومدينة الصّيمرة في مرج أفيح (٤) فيه عيون وأنهار تسقي القرى ، والمزارع ، وأهلها أخلاط من الناس من العرب والعجم من الفرس والأكراد.

__________________

ـ حسنة واسعة ذات مدن ، وقرى قرب الصيمرة من نواحي الجبل عن يمين القاصد من حلوان العراق إلى همذان في تلك الجبال. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٢٦٩).

(١) الصّيمرة : بالفتح ، كلمة أعجمية وهي موضعين : أحدهما في البصرة على فهم نهر معقل ، وفيها قرى عدّة تسمّى بهذا الاسم ، جاءهم في حدود سنة ٤٥٠ ه‍ ، رجل يقال له ابن الشبّاس ، فادّعى عندهم أنه إله ، فاستخفّ عقولهم بترّهات فانقادوا له وعبدوه. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٩٨).

(٢) ينسب إلى هذه المدينة قوم من أهل العلم والفضل والدين والصلاح ، منهم : أبو عبد الله الحسن بن علي بن محمد بن جعفر الصيمري ، من أصحاب الإمام أبي حنيفة. ومنهم : أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين الصيمري الفقيه الشافعي ، وكان حافظا لمذهب الإمام الشافعي ، حسن التصنيف فيه. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٩٩).

(٣) السّيروان : بكسر أوله ، قال الأديبي : بلد بالجبل ، وقال غيره : السيروان كورة بالجبل ، وهي كورة ماسبذان ، وقيل : بل هي كورة برأسها ملاصقة لماسبذان ، قال أبو بكر بن موسى : هي من قرى الجبل ، بلغ سعد بن أبي وقّاص أن الفرس قد جمعت وعليهم آذين بن الهرفران بعد فتح حلوان وأنّهم نزلوا بسهل فأنفذ إليهم ضرار بن الخطاب الفهري في جيش فأوقع بهم وقتل آذين. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٣٥).

(٤) أفيح : موضع بنجد. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٧٦).

٧٢

وافتتحت ماسبذان في خلافة عمر بن الخطاب ، وخراج هذا البلد يبلغ ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم ، وكلامهم بالفارسية.

ومن أراد من بغداد إلى حلوان (١) أخذ من جسر النهروان ذات اليسار فصار إلى دسكرة الملك (٢) ، وبها منازل لملوك الفرس عجيبة البناء جليلة حسنة.

ثم صار من دسكرة الملك إلى طرارستان (٣) ، وبها آثار لملوك الفرس عجيبة موصوفة.

وفيها أنهار بعضها فوق بعض معقودة بالجص والآجر ، وبعض تلك الأنهار يأخذ من القواطيل (٤) ، وبعضها يأخذ من النهروان ومن طرارستان إلى جلولاء الوقيعة (٥) ، وهي أول الجبل.

وفيها كانت الوقعة أيام عمر بن الخطاب بالفرس لما لحقهم سعد بن أبي

__________________

(١) حلوان : حلوان العراق ، وهي في آخر السواد مما يلي الجبال من بغداد ، وقيل : إنها سمّيت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكان بعض الملوك أقطعه إيّاها فسميت به. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٣٤).

(٢) دسكرة الملك : قرية كبيرة ذات منبر بنواحي نهر الملك من غربي بغداد. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥١٨).

(٣) طرارستان : لم نقف على ترجمتها أو معلومات تفيد في تعريفها ولعلها مدينة من مدن بلاد فارس ، وذلك استنادا إلى ما ورد في النصّ أن «بها آثار لملوك الفرس عجيبة موصوفة».

(٤) القواطيل : مفردها قاطول على وزن فاعول من القطل ، وهو القطع ، وقد قطلته أي قطعته ، والقطيل المقطول أي المقطوع : اسم نهر كأنه مقطوع من دجلة ، وهو نهر كان في موضع من سامرّاء قبل أن تعمّر ، والرشيد أول من حفر في هذا النهر ، وبنى على فوّهته قصرا سمّاه أبا الجند لكثرة ما كان يسقي من الأرضين ، وجعله لأرزاق جنده. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٣٧).

(٥) جلولاء : طسوج من طساسيج السواد في طريق خراسان ، بينها وبين خانقين سبعة فراسخ ، وهو نهر عظيم جدا يمتد إلى بعقوبا ، ويجري بين منازل أهل بعقوبا ، ويحمل السفن إلى باجسرا.

وبها كانت الوقيعة المشهورة للمسلمين على الفرس سنة ١٦ ه‍ ، فاستباحهم المسلمون ، فسمّيت جلولاء الوقيعة لما أوقع بهم المسلمون.

وقال سيف : قتل الله ، عزّ وجل ، من الفرس يوم جلولاء مائة ألف فجلّلت القتلى المجال ما بين يديه وما خلفه ، فسميت جلولاء لما جلّلها من قتلاهم ، فهي جلولاء الوقيعة. (معجم البلدان ج ٢ / ص ١٨١).

٧٣

وقّاص ، ففضّ الله جموع الفرس ، وشرّدهم ، وذلك في سنة تسع عشرة من الهجرة.

ومن جلولاء إلى خانقين (١) وهي من أجلّ القرى وأعظمها أمرا ، ومن خانقين إلى قصر شيرين (٢).

__________________

(١) خانقين : بلدة من نواحي السواد في طريق همذان من بغداد ، وبينها وبين قصر شيرين ستة فراسخ لمن يريد الجبال ، ومن قصر شيرين إلى حلوان ستة فراسخ ، وهي من أعمال الجبل بقرب شهرزور ، سمّي الموضع بذلك لأن النعمان حبس به عدي بن زيد وخنقه فيه حتى مات ، وهناك حبس النعمان حتى مات ، وبخانقين نهر كبير قد بنيت عليه قنطرة عظيمة طبقا بالجصّ والآجر.

وفي خانقين كان التقاء سفيان بن أبي العالية مع شبيب الخارجي فهزمه شبيب سنة ست وسبعين. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٩٠ ، الروض المعطار ص ٢١٠).

(٢) قصر شيرين : بكسر الشين ، وشيرين بالفارسية تعني الحلو ، وهو اسم حظية كسرى أبرويز ، وكانت من أجمل خلق الله ، والفرس يقولون : كان لكسرى أبرويز ثلاثة أشياء لم يكن لملك قبله ولا بعده مثلها : فرسه شبديز ، وجاريته شيرين ، ومغنّيه وعوّاده بلهبذ.

وقصر شيرين موضع قريب من قرميسين بين همذان وحلوان في طريق بغداد إلى همذان ، وفيه أبنية عظيمة شاهقة بكلّ الطّرف عن تحديدها ، ويضيق الفكر عن الإحاطة بها ، وهي إيوانات كثيرة متّصلة ، وخلوات ، وخزائن ، وقصور ، وعقود ، ومنتزهات ، ومستشرقات ، وأروقة ، وميادين ، ومصايد ، وحجرات تدلّ على طول وقوّة.

قال محمد بن أحمد الهمذاني : كان السبب في بناء قصر شيرين ، وهو أحد عجائب الدنيا ، أن أبرويز الملك وكان مقامه بقرميسين أمر أن يبنى له باغ يكون فرسخين في فرسخين وأن يحصّل فيه من كلّ صيد حتى يتناسل جميعه ووكّل بذلك ألف رجل ، وأجرى على كل رجل في كل يوم خمسة أرغفة من الخبر ، ورطلين لحما ، ودورق خمر ، فأقاموا في عمله وتحصيل صيوده سبع سنين حتى فرغوا من جميع ذلك.

فلمّا تمّ واستحكم صاروا إلى البلهبذ المغنّي وسألوه أن يخبر الملك بفراغهم ممّا أمروا به ، فقال : أفعل. فعمل صوتا وغنّاه به ، وسمّاه باغ نخجيران ، أي بستان الصيد ، فطرب الملك عليه وأمر للصنّاع بمال.

فلما سكر قال لشيرين : سليني حاجة ، فقالت : حاجتي أن تصيّر في هذا البستان نهرين من حجارة تجري فيهما الخمور ، وتبني لي بينهما قصرا لم يبن في مملكتك مثله ، فأجابها إلى ذلك وكان السكر قد غلب عليه فأنسي ما سألته ، ولم تجسر أن تذكّره به ، فقالت لبلهبذ : ذكّره حاجتي ولك عليّ أن أهب لك ضيعتي بأصبهان ، فأجابها إلى ذلك وعمل صوتا ذكّره فيه ما وعد به شيرين وغنّاه إيّاه. فقال : أذكرتني ما كنت قد أنسيته ، وأمر بعمل النهرين ، وبناء القصر بينهما ، فبني على أحسن ما يكون وأحكمه ، ووفت لبلهبذ بضمانها ، فنقل عياله إلى هناك. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٠٧).

٧٤

وشيرين (١) امرأة كسرى (٢) كانت تصيّف بهذا القصر ، وبهذا الموضع آثار لملوك الفرس كثيرة ، ومن قصر شيرين إلى حلوان.

حلوان

ومدينة حلوان (٣) مدينة جليلة كبيرة ، وأهلها أخلاط من العرب والعجم من الفرس والأكراد افتتحت أيام عمر بن الخطاب.

__________________

(١) شيرين : زوجة أبرويز بن هرمز (من ولد كسرى أنوشروان) ، كانت يتيمة في حجر رجل من الأشراف ، وكان أبرويز صغيرا (وهو كسرى الثاني ، ملك ساساني ٥٩٠ ـ ٦٢٨ م) يدخل منزل ذلك الرجل فيلاعب شيرين وتلاعبه ، فأخذت من قلبه موضعا فنهاها عن ذلك الرجل فلم تنته فرآها وقد أخذت في بعض الأيام من أبرويز خاتما ، فقال لبعض خواصه : اذهب بها إلى دجلة فغرّقها ، فأخذها الرجل ومضى ، فقالت له : وما الذي ينفعك من تغريقي؟ فقال : قد حلفت لمولاي ، فقالت : اقذفني في مكان رفيق فإن نجوت لم أظهر وبرئت من يمينك ، ففعل وتوارت في الماء حتى غاب وصعدت إلى دير فترهّبت فيه وأحسن إليها الرهبان. لما تقرّر الملك الأبرويز بعد أبيه هرمز (وهو هرمز الرابع ٥٧٩ ـ ٥٩٠ م) مرّ بذلك الدير رسل كسرى فدفعت الخاتم إلى رئيسهم ، وقالت : ابعث به إلى أبرويز لتحظى عنده ، فأرسله وعرفه مكان شيرين فسّر سرورا عظيما ، وأرسل إليها فأحضرها ، وكانت من أجمل النساء وأظرفهنّ ففوّض إليها أمره وهجر نساءه وجواريه وعاهدها أن لا تمكّن منها أحدا بعده ، وبنى لها القصر السابق الذكر بالعراق ، فلما قتله ابنه شيرويه راودها عن نفسها فامتنعت ، فضيّق عليها واستأصلها ورماها بالزنا وتهدّدها بالقتل إن لم تفعل ، فقالت : أفعل على ثلاث شرائط ، قال : ما هي؟ قالت : تسلّم إليّ قتلة زوجي حتى أقتلهم ، وتصعد المنبر وتبرّئني مما قذفتني به ، وتفتح لي ناوس أبيك ، فإن له عندي وديعة عاهدني إن تزوّجت بعده ، رددتها إليه. فدفع إليها قتلة أبيه فقتلهم وبرّأها. قيل : وفتح لها ناوس أبيه وبعث بخادم معها ، فجاءت إلى أبرويز فعانقته ومصّت فصا مسموما كان معها ، فماتت من وقتها ، وأبطأت على الخدم ، فصاحوا ، فلم تكلّمهم ، فدخلوا فوجدوها معانقة لأبراويز ميتة. (الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور ، زينب بنت علي فوّاز العاملية اللبنانية ، وضع حواشيه وعلّق عليه محمد أمين الضناوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٩ م ، ج ٢ / ص ١٢).

(٢) كسرى : هو أبرويز أو كسرى الثاني ، ملك ساساني ٥٩٠ ـ ٦٢٨ م ابن هرمز الرابع ، توصّل إلى العرش بمساعدة موريق الإمبراطور البيزنطي. احتل أورشليم سنة ٦١٤ م. انتصر عليه هرقل ، اغتيل في السجن واسمه الحقيقي خسرو.

(٣) حلوان : حلوان العراق ، وهي في آخر السواد مما يلي الجبال من بغداد ، وقيل : إنها سمّيت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكان بعض الملوك أقطعه إيّاها فسميت به. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٣٤).

٧٥

وخراج حلوان على أنها من كور الجبل داخل في خراج طساسيج السواد ، ومن مدينة حلوان إلى المرج المعروف بمرج القلعة (١) وبهذا الموضع دواب الخلفاء في المروج.

ومن مرج القلعة إلى الزبيدية (٢) ، ثم منها إلى مدينة قرماسين (٣) ، وقرماسين مدينة جليلة القدر كثيرة الأهل.

أكثر أهلها العجم من الفرس والأكراد ، ومن مدينة قرماسين إلى الدينور (٤) ثلاث مراحل.

الدينور

والدينور (٥) مدينة جليلة القدر وأهلها أخلاط من الناس من العرب والعجم افتتحت أيام عمر (٦).

وهي التي تسمى : ماه الكوفة ، لأن مالها كان يحمل في أعطيات أهل الكوفة ولها عدة أقاليم ورساتيق (٧).

ومبلغ خراجها سوى ضياع السلطان خمسة آلاف ألف وسبعمائة ألف درهم.

__________________

(١) مرج القلعة : بينه وبين حلوان منزل ، وهو من حلوان إلى جهة همذان ، قال سيف : وإنما سمي بذلك لأنّ النعمان بن مقرن حين سيّر لقتال من اجتمع بالماهين وهي نهاوند فقاتلهم وانتصر عليهم وكان المرج كله حصينا بجيشه ، ولما انتهى أهل الكوفة وكانوا في عسكره إلى حلوان عسكر في ذلك المرج. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١١٩).

(٢) الزبيدية : قرية بالجبال بين قرميسين ومرج القلعة ، بينها وبين كلّ واحد منهما ثمانية فراسخ.(معجم البلدان ج ٣ / ص ١٤٩).

(٣) قرماسين : بالفتح ، قال العمراني : موضع منه إلى الزبيدية ثمانية فراسخ ، قال ياقوت : أظنه في طريق مكة وليست قرميسين التي قرب همذان. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٧٥).

(٤) سيرد الحديث عنها لاحقا.

(٥) الدينور : مدينة من أعمال الجبل قرب قرميسين ، ينسب إليها خلق كثير ، وبين الدينور وهمذان نيّف وعشرون فرسخا ، وهي كثيرة الثمار والزروع ولها مياه ومستشرف ، أهلها أجود طبعا من أهل همذان. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٦١٦).

(٦) هو عمر بن الخطاب ، الخليفة الراشدي الثاني رضي الله عنه.

(٧) رساتيق : مفردها رستاق ، وهو الرّزداق بالضمّ : السواد والقرى فارسية الأصل معرّبة. الرّستا ، والرّزدق هو الصف من الناس والسطر من النخل. (القاموس المحيط ، مادة : الرّزداق).

٧٦

قزوين وزنجان

ومن أراد من الدينور إلى قزوين (١) وزنجان خرج من الدينور إلى مدينة أبهر (٢) وتشعبت به الطرق ، فإن قصد زنجان (٣) كان مسيره من أبهر إلى زنجان ، ثم سار إلى مدينة قزوين.

وقزوين عادلة عن معظم الطريق وهي في سفح جبل يتاخم الديلم (٤) ، ولها واديان يقال لأحدهما الوادي الكبير وللآخر وادي سيرم يجري فيهما الماء في أيام الشتاء ، وينقطع في أيام الصيف.

وأهلها أخلاط من العرب والعجم ، وبها آثار للعجم وبيوت نيران ، وخراجها مع خراج زنجان ألف ألف وخمسمائة ألف.

وتشعّبت منها الطرق إلى همذان ، وإلى الدينور ، وإلى شهرزور (٥) ، وإلى

__________________

(١) قزوين : بالفتح ، مدينة مشهورة بينها وبين الرّيّ سبعة وعشرون فرسخا ، وإلى أبهر اثنا عشر فرسخا ، وهي في الإقليم الرابع. قال ابن الفقيه : أوّل من استحدثها سابور ذو الأكتاف ، قال : وحصن قزوين يسمى كشرين بالفارسية بينه وبين الديلم جبل كانت ملوك الأرض تجعل فيه رابطة من الأساورة يدفعون الديلم إذ لم يكن بينهم هدنة ويحفظون بلدهم من اللصوص.(معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٨٩).

(٢) أبهر : يجوز أن يكون أصله في اللغة من الأبهر ، وهو عجس القوس ، أو من البهر وهو الغلبة ، وأبهر مدينة مشهورة بين قزوين وزنجان وهمذان من نواحي الجبل ، والعجم يسمّونها أوهر ، وقال بعض العجم : معنى أبهر مركّب من آب ، وهو الماء ، وهر ، وهي الرحا ، كأنه ماء الرحا. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٠٥).

(٣) زنجان : بفتح أوله ، وسكون ثانيه ، بلد كبير مشهور من نواحي الجبال بين آذربيجان وبينها ، وهي قريبة من أبهر وقزوين ، والعجم يقولون : زنكان ، افتتحها عنوة البرّاء بن عازب أيام خلافة عثمان بن عفان الخليفة الراشدي الثالث رضي الله عنه. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٧١).

(٤) الديلم : هو الموت ، والديلم : الأعداء ، والنمل الأسود ، والديلم : جيل سمّوا بأرضهم في قول بعض أهل الأثر ، وليس باسم لأب لهم ، والديلم في الإقليم الرابع وقد سبق التعريف بهم استنادا إلى كتاب صبح الأعشى وهذا التعريف استنادا إلى (معجم البلدان ج ٢ / ص ٦١٤).

(٥) شهرزور : وهي في الإقليم الرابع ، كورة واسعة في الجبال بين إربل وهمذان أحدثها زور بن الضحّاك ، ومعنى شهر بالفارسية المدينة ، وأهل هذه النواحي كلّهم أكراد. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٢٥).

٧٧

أصبهان (١) ، وإلى الرّيّ (٢) ، والطريق منها إلى آذربيجان.

آذربيجان

فمن أراد إلى آذربيجان (٣) خرج من زنجان فسار أربع مراحل إلى مدينة

__________________

(١) أصبهان : هي مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها ، ويسرفون في وصف عظمها حتى يتجاوزوا حدّ الاقتصاد إلى غاية الإسراف ، وأصبهان اسم للإقليم بأسره ، وهي من نواحي الجبل آخر الإقليم الرابع ، قيل : سمّيت باسم أصفهان بن فلّوج بن لنطي بن يونان بن يافث ، قال ابن دريد : أصبهان اسم مركّب لأن الأصب : البلد ، بلسان فارس ، وهان : اسم الفارس ، فكأنه يقال : بلاد الفرسان ، قال مسعر بن مهلهل : وأصبهان صحيحة الهواء نفيسة الجوّ ، خالية من جميع الهوام ، لا تبلى الموتى في ترتبتها ، ولا تتغير فيها رائحة اللحم ولو بقيت القدر بعد أن تطبخ شهرا ، وربما حفر الإنسان بها حفيرة فيهجم على قبر له ألوف السنين ، والميت فيه على حاله لم يتغيّر ، وتربتها أصح تراب الأرض ، ويبقى التفّاح فيها غضا سبع سنين ، ولا تسوس بها الحنطة. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٤٥).

(٢) الرّيّ : مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن ، كثيرة الفواكه والخيرات ، وهي محطّ الحاجّ على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال ، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا ، ومن قزوين إلى أبهر اثنا عشر فرسخا ، ومن أبهر إلى زنجان خمسة عشر فرسخا. وفي بعض كتب التاريخ الفارسي أن كيكاوس كان قد عمل عجلة وركّب عليها آلات ليصعد إلى السماء فسخّر الله الريح حتى علت به إلى السحاب ، ثم ألقته فوقع في بحر جرجان ، فلما قام كيخسرو بن سياوش بالملك حمل تلك العجلة وساقها ليقدم بها إلى بابل ، فلما وصل إلى موضع الرّيّ قال الناس : بريّ آمد كيخسرو ، واسم العجلة بالفارسية ريّ ، وأمر بعمارة مدينة هناك فسمّيت الرّيّ بذلك ، وقال العمراني : الرّيّ بلد بناه فيروز بن يزدجرد وسمّاه رام فيروز ، ثم ذكر الرّيّ المشهورة بعدها وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمّق ، المحكم ، الملمّع بالزرقة ، مدهون كما تدهن الغضائر في فضاء من الأرض ، وإلى جانبها جبل مشرف عليها أقرع لا ينبت فيه شيء ، وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٣٢).

(٣) آذربيجان : بالمدة رواية عن المهلب ، والمهلّب هذا غير معروف ، قال ابن المقفّع : آذربيجان مسمّاة بأذرباذ بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح عليه السّلام ، وقيل : أذر اسم النار بالفهلوية ، وبايكان معناه الحافظ والخازن ، فكأن معناه : بيت النار ، أو خازن النار ، وهذا أشبه بالحقّ وأحرى به ، لأن بيوت النار في هذه الناحية كانت كثيرة جدا. وهي مملكة جليلة ، الغالب عليها الجبال ، وفيها قلاع كثيرة وخيرات واسعة ، وفواكه جمّة ، مياهها غزيرة لا يحتاج السائر بنواحيها إلى حمل إناء للماء ، لأن المياه الجارية تحت أقدامه أين توجه ، وهو ماء بارد عذب صحيح ، وأهله صباح الوجوه حمرها ، رقاق البشرة ، ولهم لغة يقال لها : ـ

٧٨

أردبيل (١) ، وهي أول ما يلقاه من مدن آذربيجان. من أردبيل إلى برزند (٢) من كور آذربيجان مسيرة ثلاثة أيام ، ومن برزند إلى مدينة ورثان من كور آذربيجان.

ومن ورثان (٣) إلى البيلقان (٤) ، ومن البيلقان إلى مدينة المراغة (٥) وهي مدينة آذربيجان العليا ، ولآذربيجان من الكوار أردبيل ، وبرزند ، وورثان ، وبرذعة (٦) ،

__________________

ـ الأذرية لا يفهمها غيرهم ، وفي أهلها لين وحسن معاملة ، إلا أن البخل يغلب على طباعهم ، وهي بلاد فتنة وحروب ما خلت قطّ منها. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٥٥).

(١) أردبيل : بالفتح : من أشهر مدن أذربيجان ، وكانت قبل الإسلام قصبة الناحية ، هي مدينة كبيرة جدا ، في فضاء من الأرض فسيح ، يتسرّب في ظاهرها وباطنها أنهار كثيرة المياه ، ومع ذلك ليس فيها شجرة واحدة من شجر جميع الفواكه لا في ظاهرها ، ولا في باطنها ولا في جميع الفضاء الذي هي فيه ، وإذا زرع فيها أو غرس فيها شيء من ذلك لا يفلح ، هذا مع صحة هوائها ، وعذوبة مائها ، وجودة أرضها ، وإنما تجلب إليها الفواكه من وراء الجبل من كل ناحية مسيرة يوم وأكثر وأقل ، وبينها وبين بحر الخزر مسيرة يومين ، بينهما غيضة إذا دهمهم أمر التجأوا إليها ، فتمنعهم وتعصمهم ممن يريد أذاهم ، فهي معقلهم ، ومنها يقطعون الخشب الذي يصنعون منه قصاع الخلنج والصواني. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٧٤).

(٢) برزند : بلد من نواحي تفليس من أعمال جرزان من أرمينية الأولى ، كان أول من عمّرها الأفشين وجعلها معسكرا له بعد أن كانت خرابة ، قال أبو سعد : برزند من نواحي أذربيجان.(معجم البلدان ج ١ / ص ٤٥٤).

(٣) ورثان : بالفتح ، بلد في آخر حدود أذربيجان ، كانت ورثان من أرض أذربيجان بناها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وأحيا أرضها وحصّنها ، فصارت ضيعة له ، ثم صارت لأم جعفر ، زبيدة بنت جعفر بن المنصور. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٢٦).

(٤) البيلقان : بالفتح ، مدينة قرب الدربند الذي يقال له باب الأبواب ، تعدّ في أرمينية الكبرى ، قريبة من شروان. قيل : إن أول من استحدثها قباذ الملك لما ملك أرمينية ، وقيل : إن أوّل من أنشأها بيلقان بن أرمني بن لنطي بن يونان وقد عدّها قوم من أعمال أرّان ، قال أحمد بن يحيى بن جابر : سار سلمان بن ربيعة في أيام عثمان بن عفان إلى أرّان ففتح البيلقان صلحا على دمائهم ، وأموالهم ، وحيطان مدينتهم ، واشترط عليهم أداء الجزية والخراج. (معجم البلدان ج ١ / ص ٦٣٣).

(٥) المراغة : بالفتح ، بلدة عظيمة مشهورة أعظم وأشهر بلاد أذربيجان ، قالوا : كانت المراغة تدعى أفراز هروذ فعسكر مروان بن محمد بن الحكم وهو والي أرمينية وأذربيجان منصرفه من غزو موقان وجيلان بالقرب منها ، وكان فيها سرجين كثير فكانت دوابه ودواب أصحابه تتمرّغ فيها ، فجعلوا يقولون : ابنوا قرية المراغة ، وهذه هي قرية المراغة ، فحذف الناس القرية وقالوا : المراغة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٠٩).

(٦) برذعة : وقد رواه أبو سعد بالدال المهملة ، بلد في أقصى أذربيجان ، قال حمزة : برذعة معرّب برده دار ، ومعناه بالفارسية موضع السبي ، وذلك أن بعض ملوك فارس سبى سبيا من ـ

٧٩

والشيز (١) ، وسراة (٢) ، ومرند (٣) ، وتبريز (٤) ، والميانج (٥) ، والرومية (٦) ، وخوي (٧) ، وسلماس (٨).

وأهل مدن آذربيجان وكورها أخلاط من العجم الآذرية والجاودانية القدم أصحاب مدينة البذ (٩) التي كان فيها بابك ثم نزلتها العرب لما افتتحت.

__________________

ـ وراء أرمينية وأنزلهم هناك. وذكر ابن الفقيه أن أول من أنشأ عمارتها قباد الملك. (معجم البلدان ج ١ / ص ٤٥١).

(١) الشيز : بالكسر ، ناحية بأذربيجان من فتوح المغير بن شعبة صلحا ، قال : وهي معرّبة جيس ، يقال : منها كان زرادشت بني المجوس ، تجمع معادن الذهب ، ومعادن الزيبق ، ومعادن الأسرب ، ومعادن الفضة ، وغيرهما. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٣٥).

(٢) سراة : بلفظ جمع السريّ ، وهو جمع جاء على غير قياس ، قال الأصمعي : السراة الجبل الذي فيه طرف الطائف إلى بلاد أرمينية. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٣٠).

(٣) مرند : بفتح أوله وثانيه ، من مشاهير مدن أذربيجان ، بينها وبين تبريز يومان. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٢٩).

(٤) تبريز : بكسر أوله ، أشهر مدن أذربيجان ، وهي مدينة عامرة حسناء ذات أسوار محكمة بالآجر والجصّ ، وفي وسطها أنهار عدّة جارية ، والبساتين محيطة بها ، والفواكه بها رخيصة ، وعمارتها بالآجر الأحمر المنقوش والجصّ على غاية الإحكام. (معجم البلدان ج ٢ / ص ١٥).

(٥) الميانج : بالفتح ، أعجمي ، قال أبو الفضل : موضع بالشام. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٢٧٦).

(٦) الرّومية : هي مسمّاة باسم رومي بن لنطي بن يونان بن يافث بن نوح عليه السّلام ، وقيل : إنّما سمّي الروم روما لإضافتهم إلى مدينة رومية ، فعرّب هذا الاسم فسمّي من كان بها روميا ، وهي شمالي وغربي القسطنطينية بينهما مسيرة خمسين يوما أو أكثر. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١١٣).

(٧) خوي : بلفظ تصغير خوّ وهو يوم من أيام أهل خوي في هذا الموضع ، خوي : ذات سور حصين ومياه وأشجار ، كثيرة الخيرات ، وافرة الغلّات ، كثيرة الأهل ، وأهلها من أهل السنة والجماعات على مذهب واحد ، ليس بينهم اختلاف المذاهب ، يعمل بها الديباج الذي يسمّونه الجولخ ، بها عين كنكلة ، ينبع منها ماء كثير جدا بارد في الصيف حار في الشتاء. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٦٦).

(٨) سلماس : مدينة مشهورة بأذربيجان ، بينها وبين أرمية يومان ، وبينها وبين تبريز ثلاثة أيام ، وهي بينهما ، وبين سلماس وخوي مرحلة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٧٠).

(٩) البذّ : كورة بين أذربيجان وأرّان ، بها مخرج بابك الخرمي في أيام المعتصم ، يقال : إن بالبذ موقف رجل لا يقوم فيه أحد يدعو الله إلا استجيب له ، وفيه تعقد أعلام المحمّرة المعروفين بالخرّميّة ، ومنه خرج بابك ، وفيه يتوقّعون المهدي ، وتحته نهر عظيم إن اغتسل فيه صاحب ـ

٨٠