البلدان

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]

البلدان

المؤلف:

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3419-1
الصفحات: ٢٢٤

ورئيس. وقطيعة الحكم بن يوسف البلخي صاحب الحراب وقد كان ولي الشرطة.

ومن باب الشام في الشارع الأعظم الماد إلى الجسر الذي على دجلة سوق ذات اليمين وذات الشمال.

ثم ربض يعرف بدار الرقيق (١) كان فيه رقيق أبي جعفر الذين يباعون من الآفاق وكانوا مضمومين إلى الربيع مولاه.

ثم ربض الكرمانية والقائد بوزان بن خالد الكرماني ، ثم قطيعة الصغد ودار خرقاش الصغدي ، ثم قطيعة ماهان الصامغاني وأصحابه ، ثم قطيعة مرزبان أبي أسد بن مرزبان الفاريابي وأصحابه وأصحاب العمد ثم تنتهي إلى الجسر. فهذا الربع الذي تولاه حرب بن عبد الله مولى أمير المؤمنين والمهندس الحجاج بن يوسف.

والربع من باب خراسان إلى الجسر على دجلة وما بعد ذلك بإزائها الخلد (٢)

__________________

ـ يتلفّظون به. خوارزم ليس اسما للمدينة إنما هو اسم للناحية بجملتها. وقد ذكروا في سبب تسميتها بهذا الاسم أن أحد الملوك القدماء غضب على أربعمائة من أهل مملكته ، وخاصّة حاشيته ، فأمر بنفيهم إلى موضع منقطع عن العمارات بحيث يكون بيهم وبين العمائر مائة فرسخ ، فلم يجدوا على هذه الصفة إلا موضع مدينة كاث ، وهي إحدى مدن خوارزم ، فجاؤوا بهم إلى هذا الموضع وتركوهم وذهبوا ، فلما كان بعد مدّة جرى ذكرهم على بال الملك ، فأمر قوما بكشف خبرهم ، فجاؤوا فوجدوهم قد بنوا أكواخا ووجدوهم يصيدون السمك ، وبه يتقوّتون ، وإذا حولهم حطب كثير ، فقالوا لهم : كيف حالكم؟ فقالوا : عندنا هذا اللحم ، وأشاروا إلى السمك ، وعندنا هذا الحطب فنحن نشوي هذا بهذا ونتقوّت به ، فرجعوا إلى الملك وأخبروه بذلك فسمّى ذلك الموضع خوارزم لأن اللحم بلغة الخوارزمية خوار ، والحطب رزم ، فصار خوارزم مخفّف فصار خوارزم استثقالا لتكرير الراء ، فأقرّ أولئك الذين نفاهم بذلك المكان وأقطعهم إيّاه ، وأرسل إليهم أربعمائة جارية تركية ، وأمدهم بطعام من الحنطة والشعير ، وأمرهم بالزرع والمقام هناك ، فلذلك في وجوههم أثر الترك ، وفي طباعهم أخلاق الترك ، وفيهم جلد وقوّة. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٥٢).

(١) دار الرقيق : محلة كانت ببغداد متصلة بالحريم الطاهري ، من الجانب الغربي ، ينسب إليها الرقيقي ، ويقال لها شارع دار الرقيق أيضا. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٨٠).

(٢) الخلد : موضع في بغداد على شاطىء دجلة ، بنى فيه المنصور قصره بعد فراغه من مدينته المدوّرة ، وكان موضع الخلد قديما ديرا فيه راهب ، وإنما اختار المنصور بناء قصره فيه لعلة البقّ ، وكان موضعا عذبا طيب الهواء لأنّه أشرف المواضع التي ببغداد كلها. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٣٦).

٤١

وكان فيه الإصطبلات وموضع العرض (١) وقصر يشرع على دجلة لم يزل أبو جعفر ينزله.

وكان فيه المهدي قبل أن ينتقل إلى قصره بالرصافة (٢) الذي بالجانب الشرقي من دجلة فإذا جاوز موضع الجسر (٣) فالجسر ، ومجلس الشرطة ، ودار صناعة للجسر ، فإذا جاوزت ذلك فأول القطائع قطيعة سليمان بن أبي جعفر في الشارع الأعظم على دجلة وفي درب يعرف بدرب سليمان ، وإلى جنب قطيعة سليمان في الشارع الأعظم قطيعة صالح بن أمير المؤمنين المنصور وهو صالح المسكين مادة إلى دار نجيح مولى المنصور التي صارت لعبد الله بن طاهر.

وآخر قطيعة صالح قطيعة عبد الملك بن يزيد الجرجاني المعروف بأبي عون وأصحابه الجرجانية ، ثم قطيعة تميم الباذغيسي متصلة بقطيعة أبي عون ، ثم قطيعة عبّاد الفرغاني ، وأصحابه الفراغنة ، ثم قطيعة عيسى بن نجيح المعروف بابن روضة وغلمان الحجابة ، ثم قطيعة الأفارقة ، ثم قطيعة تمام الديلمي مما يلي قنطرة التبانين ، وقطيعة

__________________

(١) العرض : بكسر أوله ، وسكون ثانيه ، وادي اليمامة ، ويقال لكل واد فيه قرى ومياه عرض ، والأعراض : قرى بين الحجاز واليمن. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١١٥).

(٢) الرصافة : ولعلها رصافة بغداد وهي بالجانب الشرقي ، لمّا بنى المنصور مدينته بالجانب الغربي ، واستتمّ بناءها أمر ابنه المهدي أن يعسكر في الجانب الشرقي ، وأن يبني له فيه دورا وجعلها معسكرا له فالتحق بها الناس وعمرّوها فصارت مقدار مدينة المنصور ، وعمل بها المهدي جامعا أكبر من جامع المنصور وأحسن ، وكان فراغ المهدي من بناء الرصافة والجامع بها سنة ١٥٩ ه‍ ، وهي السنة الثانية من خلافته. وبها مقابر خلفاء بني العباس. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٢).

(٣) الجسر : بكسر الجيم ، يريدون الجسر الذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين والفرس قرب الحيرة ، ويعرف أيضا بيوم قس الناطف ، وكان من حديثه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أمر خالد بن الوليد وهو بالعراق بالمسير إلى الشام لنجدة المسلمين ، ويخلّف بالعراق المثنى بن حارثة الشيباني ، فجمعت الفرس لمحاربة المسلمين ، وكان أبو بكر قد مات فسيّر المثنى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرّفه بذلك ، فندب عمر الناس إلى قتال الفرس ، فهابوهم ، فانتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفي والد المختار بن أبي عبيد في طائفة من المسلمين ، فقدموا إلى بانقيا ، فأمر أبو عبيد بعقد جسر على الفرات ، ويقال : بل كان الجسر قديما هناك لأهل الحيرة يعبرون عليه إلى ضياعهم فأصلحه أبو عبيد ، وذلك سنة ١٣ ه‍ ، وعبر إلى عسكر الفرس وواقعهم ، فكثروا على المسلمين ونكوا فيهم نكاية قبيحة لم ينكوا في المسلمين من قبلها ولا بعدها مثلها ، وقتل أبو عبيد فيها. (معجم البلدان ج ٢ / ص ١٦٢).

٤٢

حنبل بن مالك ، ثم قطيعة البغيين أصحاب حفص بن عثمان ودار حفص هي التي صارت لإسحاق بن إبراهيم ، ثم السوق على دجلة في الفرضة (١) ، ثم قطيعة لجعفر ابن أمير المؤمنين المنصور صارت لأم جعفر ناحية باب قطر ، بل تعرف بقطيعة أم جعفر (٢) ، ومما على القبلة قطيعة مرار العجلي وقطيعة عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي (٣) وقد كان يلي الشرطة ثم عزله وولاه خراسان فعصي هناك فوجّه إليه المهدي في الجيوش فحاربه حتى ظفر به فحمله إلى أبي جعفر فضرب عنقه وصلبه.

وفي هذه الأرباض والقطائع ما لم نذكره لأن كافة الناس بنوا القطائع وغير القطائع وتوراثوا.

وأحصيت الدروب والسكك فكانت ستة آلاف درب وسكة. وأحصيت المساجد فكانت ثلاثين ألف مسجد سوى ما زاد بعد ذلك. وأحصيت الحمامات فكانت عشرة آلاف حمام سوى ما زاد بعد ذلك. وجر القناة التي تأخذ من نهر كرخابا الآخذ من الفرات في عقود وثيقة من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها معقودة عقدا وثيقا فتدخل المدينة وتنفذ في أكثر شوارع الأرباض تجري صيفا وشتاء قد هندست هندسة لا ينقطع لها ماء في وقت ، وقناة أخرى من دجلة على هذا المثال وسماها دجيل.

وجر لأهل الكرخ وما اتصل به نهرا يقال له نهر الدجاج ، وإنما سمّي نهر الدجاج لأن أصحاب الدجاج كانوا يقفون عنده ، ونهرا يسمى نهر طابق (٤) ابن الصمية ولهم نهر

__________________

(١) الفرضة : ثلمة في النهر. (القاموس المحيط ، مادة : فرض).

(٢) قطيعة أم جعفر : كانت محلّة ببغداد عند باب التين ، وهو الموضع الذي فيه مشهد موسى بن جعفر رضي الله عنه قرب الحريم بين دار الرقيق وباب خراسان وفيها الزبيدية ، وكان يسكنها خدّام أم جعفر وحشمها ، وقال الخطيب : قطيعة أم جعفر بنهر القلّايين ولعلها اثنتان. وأم جعفر هي زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم محمد الأمين. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٢٧).

(٣) عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي : أمير من الشجعان الأشداء الجبارين ، في صدر العهد العباسي ، ولّاه المنصور إمرة خراسان سنة ١٤٠ ه‍ ، فقتل كثيرا من أهلها بتهمة الدعاء لولد علي بن أبي طالب ، ثم خلع طاعة المنصور ، فوجه المنصور الجند لقتاله ، فأسروه وحملوه إليه ، فقطعت يداه ورجلاه وضرب عنقه بالكوفة ، ونفي أهله وبنوه سنة ١٤٢ ه‍ / ٧٥٩ م.

(٤) نهر طابق : محلة ببغداد من الجانب الغربي قرب نهر القلّائين شرقا ، وإنما هو نهر بابك منسوب إلى بابك بن بهرام بن بابك وهو قديم ، وبابك هو الذي اتخذ العقد الذي عليه قصر عيسى بن علي واحتفر هذا النهر ، ومأخذه من كرخايا ويصب في نهر عيسى عند دار بطيخ ، ـ

٤٣

عيسى الأعظم الذي يأخذ من معظم الفرات تدخل فيه السفن العظام التي تأتي من الرقة ويحمل فيها الدقيق والتجارات من الشام ، ومصر تصير إلى فرضة عليها الأسواق وحوانيت التجار لا تنقطع في وقت من الأوقات فالماء لا ينقطع ، ولهم الآبار التي يدخلها الماء من هذه القنوات فهي عذبة ، شرب القوم جميعا منها.

وإنما احتيج إلى هذه القنوات لكبر البلد وسعته وإلا فهم بين دجلة والفرات من جميع النواحي تدفق عليهم المياه حتى غرسوا النخل الذي حمل من البصرة فصار ببغداد أكثر منه بالبصرة ، والكوفة ، والسواد (١) ، وغرسوا الأشجار وأثمرت الثمر العجيب وكثرت البساتين والأجنّة في أرباض بغداد من كل ناحية لكثرة المياه وطيبها ، وعمل فيها كل ما يعمل في بلد من البلدان لأنّ حذاق أهل الصناعات انتقلوا إليها من كل بلد وأتوها من كل أفق ونزعوا إليها من الأداني والأقاصي ، فهذا الجانب الغربي من بغداد وهو جانب المدينة وجانب الكرخ ، وجانب الأرباض.

وفي كل طرف منه مقبرة وقرى متصلة وعمارات مادة. والجانب الشرقي من بغداد نزله المهدي بن المنصور وهو ولي عهد أبيه ، وابتدأ بناءه في سنة ثلاث وأربعين ومائة فاختطّ المهدي قصره بالرصافة إلى جانب المسجد الجامع الذي في الرصافة ، وحفر نهرا يأخذ من النهروان (٢) سماه نهر المدي يجري في الجانب الشرقي.

وأقطع المنصور إخوته وقوّاده بعد ما أقطع من الجانب الغربي وهو جانب مدينته

__________________

ـ وفي بعض الكتب : أنه في سنة ٤٨٨ ه‍ أحرقت محلة نهر طابق وصارت تلولا لفتنة كانت بينهم وبين محلة باب الأرحاء. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٧١).

(١) السواد : يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمي بذلك لسواده بالزروع والأشجار لأنه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزروع والأشجار فيسمّونه سوادا كما إذا رأيت شيئا من بعد قلت ما ذلك سوادا ، وهم يسمّون الأخضر سوادا والسواد أخضر ، فسمّوه سوادا لخضرته بالزروع والأشجار وحدّ السواد من حديثه إلى الموصل. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٠٩).

(٢) النهروان : بالكسر والفتح وأكثر ما يجري على ألسنة الناس الكسر أي كسر النون ، وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدّها الأعلى من الجانب الشرقي حدّها الأعلى متّصل ببغداد وفيها بلاد متوسطة عدّة ، وكان بها وقعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج مشهورة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٧٥).

٤٤

وقسّمت القطائع في هذا الجانب وهو يعرف بعسكر المهدي (١) كما قسمت في جانب المدينة ، وتنافس الناس في النزول على المهدي لمحبتهم له ولاتساعه عليهم بالأموال والعطايا ولأنه كان أوسع الجانبين أرضا لأن الناس سبقوا إلى الجانب الغربي وهو جزيرة بين دجلة والفرات فبنوا فيه ، وصار فيه الأسواق والتجارات ، فلما ابتدي البناء في الجانب الشرقي امتنع على من أراد سعة البناء فأول القطائع على رأس الجسر لخزيمة بن خازم التميمي وكان على شرطة المهدي.

ثم قطيعة إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب ، ثم قطيعة العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب لأنه جعل قطيعته في الجانب الغربي بستانا ، ثم قطيعة السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب ، ثم قطيعة قثم بن العباس بن [عبيد](٢) الله بن العباس بن عبد المطلب (٣) عامل أبي جعفر على اليمامة ، ثم قطيعة الربيع مولى أمير المؤمنين لأنه جعل قطيعته بناحية الكرخ أسواقا ومستغلات فأقطع مع المهدي وهو قصر العضل بن الربيع والميدان (٤) ، ثم قطيعة جبريل بن يحيى البجلي ، ثم قطيعة أسد بن عبد الله الخزاعي (٥) ، ثم قطيعة مالك بن الهيثم الخزاعي (٦) ، ثم قطيعة سلم بن قتيبة

__________________

(١) عسكر المهدي : وهو محمد بن المنصور أمير المؤمنين ، وهي المحلة المعروفة اليوم ببغداد بالرصافة من محال الجانب الشرقي ، وقال ابن الفقيه : وبنى المنصور الرصافة في الجانب الشرقي للمهدي ، وكانت الرصافة تعرف بعسكر المهدي لأنه عسكر بها حين شخص إلى الرّيّ ، فلما قدم من الرّيّ نزل الرصافة ، وذلك سنة ١٥١ ه‍. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٤٠).

(٢) وردت في الأصل : «عبد» ولعلّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أمير ، ولاه المنصور العباسي إمرة اليمامة سنة ١٤٣ ه‍ ، فأقام فيها إلى أن توفي المنصور وولي المهدي ، فكتب المهدي بعزله ، فوصل الكتاب إلى اليمامة بعد وفاته سنة ١٥٩ ه‍ / ٧٧٦ م.

(٤) الميدان : محلة ببغداد ينسب إليها جماعة من العلماء ، والميدان محلة بشرقي بغداد بباب الأزج. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٢٨٠).

(٥) أسد بن عبد الله الخزاعي ، أمير من الشجعان ، الأجواد ، عاش في العصر العباسي الأوّل وكان مقرّبا من أمير المؤمنين.

(٦) مالك بن الهيثم الخزاعي ، من نقباء بني العباس ، خرج على بني أمية سنة ١١٧ ه‍ ، هو وسليمان بن كثير وموسى بن كعب والاهز بن قريط وخالد بن إبراهيم ، وطلحة بن زريق ، ودعوا لبيعة بني العباس ، وظهر أمرهم ، فقبض عليهم أسد بن عبد الله القسري أمير خراسان ، وأطلق مالك ، فكان بعد ذلك مع أبي مسلم الخراساني ، توفي بعد مقتل أبي مسلم سنة ١٣٧ ه‍ / ٧٥٥ م.

٤٥

الباهلي (١) ، ثم قطيعة سفيان بن معاوية المهلبي ، ثم قطيعة روح بن حاتم (٢) ، ثم قطيعة إبان بن صدقة الكاتب ، ثم قطيعة حمويه الخادم مولى المهدي ، ثم قطيعة سلمة الوصيف صاحب خزانة سلاح المهدي ، ثم قطيعة بدر الوصيف مع سوق العطش (٣) ، وهي السوق العظمى الواسعة ، ثم قطيعة العلاء الخادم مولى المهدي ، ثم قطيعة يزيد بن منصور الحميري (٤) ، ثم قطيعة زياد بن منصور الحارثي ، ثم قطيعة أبي عبيد معاوية بن برمك البلخي على قنطرة بردان (٥) ، ثم قطيعة عمارة بن حمزة بن ميمون ، ثم

__________________

(١) سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي الخراساني ، أبو عبد الله ، والي البصرة ، وليها ليزيد بن عمر بن هبيرة في أيام مروان بن محمد ، ثم وليها في أيام جعفر المنصور ، فكان من الموثوق بهم في الدولتين الأموية والعباسية ، وكان من عقلاء الأمراء ، عادلا حسنت سيرته ، ومات بالرّيّ سنة ١٤٩ ه‍ / ٧٦٦ م. قال ابن الأثير : كان مشهورا عظيم القدر.

(٢) روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب الأزدي ، أمير ، من الأجواد الممدوحين ، كان حاجبا للمنصور العباسي ، وولاه المهدي ابن المنصور السند ، ثم نقله إلى البصرة فالكوفة ، وولاه الرشيد على فلسطين ، ثم صرفه عنها ، فتوجّه إلى بغداد ، فوافق وصوله نعي أخيه يزيد بن حاتم أمير أفريقية ، فأرسله الرشيد إليها واليا على القيروان سنة ١٧١ ه‍ ، فاستمر إلى أن مات فيها. ودفن إلى جانب أخيه سنة ١٧٤ ه‍ / ٧٩١ م ، وكان موصوفا بالعلم ، والشجاعة ، والحزم.

(٣) سوق العطش : كان أكبر محلة ببغداد بالجانب الشرقي بين الرصافة ونهر المعلّى. بناه سعيد الحرشي للمهذي وحوّل إليه التجار ليخرّب الكرخ ، وقال له المهدي عند تمامها : سمّها سوق الرّيّ ، فغلب عليها سوق العطش ، وكان الحرشي صاحب شرطته ببغداد ، وأول سوق العطش يتّصل بسويقة الحرشي ، وداره والإقطاعات التي أقطعها له المهدي هناك ، وهذا كلّه الآن خراب لا عين ، ولا أثر ، ولا أحد من أهل بغداد يعرف موضعه ، وقيل : إن سوق العطش كانت بين باب الشماسية والرصافة تتصل بمسنّاة معز الدولة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٢٢).

(٤) يزيد بن منصور بن عبد الله بن يزيد بن شهر بن مثوب ، من ولد ذي الجناح الحميري ، أبو خالد ، وال ، هو خال المهدي العباسي ، كان مقدّما في دولة بني العباس ، ولي للمنصور البصرة سنة ١٥٢ ه‍ ، ثم اليمن سنة ١٥٤ ه‍ ، بعد الفرات بن سالم ، وأقام في اليمن باقي خلافة المنصور ، وسنة من خلافة المهدي ، وعزل سنة ١٥٩ ه‍ ، وولاه المهدي سنة ١٦١ ه‍ على سواد الكوفة ، ومات بالبصرة ، ولبشار بن برد هجاء فيه ، وبقي من أعقابه جماعة كانوا يعرفون باليزيدية ، وإليه نسبة يحيى بن المبارك العدوي اليزيدي ، كان يؤدب ولده فنسب إليه ، توفي سنة ١٦٥ ه‍ / ٧٨١ م.

(٥) قنطرة البردان : وهو محلة في بغداد بناها رجل يقال له السّريّ بن الحطم صاحب الحطميّة قرية قرب بغداد ، ينسب إليها كثير من أهل العلم. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٥٩).

٤٦

قطيعة ثابت بن موسى الكاتب على خراج الكوفة وما سقى الفرات ، ثم قطيعة عبد الله بن زياد بن أبي ليلى الخثعمي الكاتب على ديوان الحجاز ، والموصل ، والجزيرة ، وأرمينية ، وآذربيجان.

ثم قطيعة عبيد الله بن محمد بن صفوان القاضي ، ثم قطيعة يعقوب بن داود السلمي (١) الكاتب الذي كتب للمهدي في خلافته ، ثم قطيعة منصور مولى المهدي وهو الموضع الذي يعرف بباب المقير ، ثم قطيعة أبي هريرة محمد بن فروخ القائد بالموضع المعروف بالمخرّم (٢) ، ثم قطيعة معاذ بن مسلم الرازي (٣) جد إسحاق بن

__________________

(١) يعقوب بن داود بن عمر السلمي بالولاء ، أبو عبد الله ، كاتب من أكابر الوزراء. كان يكتب لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى ، وخرج إبراهيم على المنصور العباسي بالبصرة ، فظفر به المنصور وقتله سنة ١٤٥ ه‍ ، وحبس يعقوب ، ثم أطلق بعد وفاة المنصور ، فتقرّب من المهدي ، وعلت منزلته عنده ، حتى صدر مرسوم إلى الدواوين يقول : إن أمير المؤمنين المهدي قد آخى يعقوب بن داود. واستوزره سنة ١٦٣ ه‍ ، فغلب على الأمور كلها ، وقصدته الشعراء بالمدائح ، وكثر حسّاده ، وتتابعت الوشايات فيه ، وسقط عن برذون ، فانكسرت ساقه ، فعاده المهدي في اليوم الثاني ، وانتهز الوشاة فرصة غيابه عن العمل ، فذكروا للمهدي صلته الأولى بالعلويين ، فيقال : إنه أراد اختباره فطلب منه أن يريحه من شخص سمّاه له من العلويين ، فاكتفى يعقوب بأن وكل إلى أحد رجاله بالعلوي وأعطاه مالا ، وأوعز إليه بالرحيل والاختفاء ، وبعد مدّة سأله المهدي عنه ، فقال : مات. وعرف المهدي أنه يكذب عليه ، فانفجر سخطه ، وعزله سنة ١٦٧ ه‍ ، وأمر بحبسه في المطبق ، وصادر أمواله ، ومكث بالحبس إلى أن مضت خمس سنوات وشهور من ولاية هارون الرشيد فأخرج سنة ١٧٥ ه‍ ، وقد ذهب بصره ، ورد عليه الرشيد ماله ، وخيّره في الإقامة حيث يريد ، فاختار مكة ، فأذن له ، فأقام بها إلى أن مات سنة ١٨٧ ه‍ / ٨٠٣ م.

(٢) المخرّم : هو اسم رجل ، وهو كثير التخريم ، وهو إنفاذ الشيء إلى شيء آخر ، بضم أوله ، وفتح ثانيه ، وكسر الراء وتشديدها ، وهي محلّة كانت ببغداد بين الرصافة ونهر المعلّى وفيها كانت الدار التي يسكنها سلاطين البويهيّة ، والسلجوقية خلف الجامع المعروف بجامع السلطان ، خرّبها الإمام الناصر لدين الله في سنة ٥٨٧ ه‍ ، وكانت هذه المحلة بين الزاهر والرصافة ، هي منسوبة إلى مخرّم بن يزيد بن شريح بن مخرّم بن مالك بن ربيعة بن الحارث بن كعب كان ينزله أيام نزول العرب السواد في بدء الإسلام قبل أن تعمر بغداد بمدة طويلة فسمّي الموضع باسمه ، وقيل : إن قوما من بني الحارث بن كعب يقولون إن المخرّم إقطاع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الإسلام لمخرّم بن شريح بن محرم بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب. ذكر ذلك في كتاب أنساب البلدان وعلى الحاشية بخطّ جحجح : الذي رويناه أن كسرى أقطعه إيّاها.

(٣) معاذ بن مسلم : الرازي الهرّاء ، أبو مسلم ، أديب معمّر ، له شعر ، من أهل الكوفة ، عرف ـ

٤٧

يحيى بن معاذ (١) ، ثم قطيعة الغمر بن العباس الخثعمي صاحب الجر ، ثم قطيعة سلام مولى المهدي بالمخرّم وكان يلي المظالم ، ثم قطيعة عقبة بن سلم الهنائي ، ثم قطيعة سعيد الحرشي في مربعة الحرشي ، ثم قطيعة مبارك التركي ، ثم قطيعة سوار مولى أمير المؤمنين ورحبة سوار ، ثم قطيعة نازي مولى أمير المؤمنين صاحب الدواب وإصطبل نازي ، ثم قطيعة محمد بن الأشعث الخزاعي (٢) ، ثم قطيعة عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب ، [ثم](٣) قطيعة أبي غسان مولى أمير المؤمنين المهدي ، وبين القطائع منازل الجند وسائر الناس من التّنّاء (٤) ، ومن التجار ومن سائر الناس في كل محلة وعند كل ربض.

وسوق هذا الجانب العظمى التي تجتمع فيها أصناف التجارات والبياعات والصناعات على رأس الجسر مارا من رأس الجسر مشرقا ذات اليمين وذات الشمال من أصناف التجارات والصناعات.

وينقسم طرق الجانب الشرقي وهو عسكر المهدي خمسة أقسام ، فطريق مستقيم إلى الرصافة الذي فيه قصر المهدي والمسجد الجامع ، وطريق في السوق التي يقال لها

__________________

ـ بالهرّاء لبيعه الثياب الهروية الواردة من مدينة هراة ، له كتب في النحو ضاعت ، وأخبار مع معاصريه كثيرة ، وفيه يقول سهل بن أبي غالب الخزرجي من أبيات :

قل لمعاذ إذا مررت به :

قد ضجّ من طول عمرك الأمد!

(١) إسحاق بن يحيى بن معاذ ، وال من كبار القادة في العصر العباسي ، ولي دمشق في أيام المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، ثم ولّاه المتوكّل إمرة مصر في أواخر سنة ٢٣٥ ه‍ ، فقدم إليها وأحبّه أهلها ، كان جوادا عاقلا حسن التدبير والسياسة ، شجاعا محبّا للأدب ، مدحه كثير من الشعراء.

أمره المنتصر العباسي بإخراج العلويين من مصر ، فأخرجهم بلطف ورعاية ، فساء المنتصر ذلك ، فعزله سنة ٢٣٦ ه‍ ، قبل أن يكمل العام بمصر ، فأقام فيها ، وتوفي في العام التالي سنة ٢٣٧ ه‍ / ٨٥١ م.

(٢) محمد بن الأشعث بن عقبة الخزاعي ، وال من كبار القواد في عصر المنصور العباسي ، ولاه المنصور مصر سنة ١٤١ ه‍ ، ثم أمره باستنقاذ إفريقية من بعض المتغلّبة بعد مقتل حبيب بن عبد الرحمن الفهري ، فوجّه إليها جيشا بقيادة الأحوص العجلي فهزمه الثائر أبو الخطّاب ، فسار ابن الأشعث في أربعين أو خمسين ألفا سنة ١٤٢ ه‍ ، فقتل أبا الخطّاب سنة ١٤٤ ه‍ ، ودخل القيروان سنة ١٤٦ ه‍ ، وانتظم له الأمر في إفريقية ، فثار عليه عيسى بن موسى بن عجلان ، أحد جنده ، في جماعة من قوّاده ، وأخرجوه من القيروان سنة ١٤٨ ه‍ ، فعاد إلى العراق ، ثم غزا بلاد الروم مع العباس ابن عم المنصور ، فمات في الطريق سنة ١٤٩ ه‍ / ٧٦٦ م.

(٣) زيادة أثبتناها لسلامة المعنى واتّساق الكلام.

(٤) التّنّاء : المقيمون في المكان. (القاموس المحيط ، مادة : تنأ).

٤٨

سوق خضير وهي معدن طرائف الصين (١) ، وتخرج منها إلى الميدان ودار الفضل بن الربيع ، وطريق ذات اليسار إلى باب البردان ، وهناك منازل خالد بن برمك (٢) وولده ، وطريق الجسر من دار خزيمة إلى السوق المعروفة بسوق يحيى بن الوليد ، وإلى الموضع المعروف بالدور (٣) إلى باب بغداد المعروف بالشماسية (٤) ، ومنه يخرج من أراد إلى سر من رأى ، وطريق عند الجسر الأول الذي يعبر عليه من أتى من الجانب الغربي يأخذ على دجلة إلى باب المقير والمخرّم وما اتصل بذلك ، وكان هذا أوسع الجانبين لكثرة الأسواق والتجارات في الجانب الغربي كما وصفنا ، فنزله المهدي وهو

__________________

(١) الصين : بالكسر وآخره نون بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب وشماليها الترك ، قال ابن الكلبي عن الشرقي : سمّيت الصين بصين ، وصين وبغرابنا بغبر بن كماد بن يافث. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٥٠٠).

(٢) خالد بن برمك بن جاماس بن يشتاسف ولد سنة ٩٠ ه‍ ، ٧٠٩ م ، أبو البرامكة ، وأول من تمكن منهم في دولة بني العباس ، كان أبوه برمك من مجوس بلخ ، وتقلّد خالد قسمة الغنائم بين الجند في عسكر قحطبة بن شبيب بخراسان ، وكان قحطبة يستشيره ويعمل برأيه. ولما بويع السفاح ودخل خالد لمبايعته توهمه جماعة من العرب لفصاحته ، وأقرّه على الغنائم ، وجعل إليه ديوان الخراج ، وديوان الجند بعد ذلك ، وحلّ منه محل الوزير ، وبعد وفاة السفاح أقرّه المنصور نحو سنة ، ثم صرفه عن الديوان وقلّده بلاد فارس : الرّيّ ، وطبرستان ، ودنباوند وما إليها ، فأقام بطبرستان سبع سنين ، وعزله ونكبه ، ثم رضي عنه وأمّره الموصل ، ولما ولي المهدي أعاده إلى إمارة فارس ، ووجّهه مع ابنه هارون الرشيد في صائفة سنة ١٦٣ ه‍ ، ومات بعدها سنة ١٦٣ ه‍ / ٧٨٠ م ، وقيل : بعد أوبته منها ، وكان سخيا ، ثريا ، عاقلا فيه نبل ، قال المسعودي : لم يبلغ مبلغ خالد أحد من ولده ، في جوده ورأيه ، وبأسه ، وعلمه ، لا يحيى في جوده ونزاهته ، ولا جعفر في كتابته وفصاحة لسانه ، ولا محمد بن يحيى في شرطه وبعد همّته ، ولا موسى في شجاعته وبأسه.

(٣) الدور : بضم أوله وسكون الواو ، وهي سبعة مواضع بأرض العراق من نواحي بغداد أحد دور تكريت ، وهو بين سامرّا وتكريت ، والثاني بين تكريت وسامرّا أيضا ، يعرف بدور عرباني ، وفي عمل الدجيل قرية تعرف بدور بني أوقر وهي المعروفة بدور الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة وفيها جامع ومنبر ، وبنو أوقر كانوا مشايخها وأرباب ثروتها ، وبنى الوزير بها جامعا ومنارة ، وآثار الوزير حسنة ، وبينها وبين بغداد خمسة فراسخ. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٤٧).

(٤) الشمّاسية : منسوبة إلى بعض شمّاسي النصارى ، وهي مجاورة لدار الروم التي في أعلى مدينة الشمّاسية ، وفيها كانت دار معزّ الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه ، فرغ منها سنة ٣٠٥ ه‍ ، وبلغت النفقة عليها ثلاثة عشر ألف ألف درهم ، ومسنّاته باق أثرها ، وباقي المحلة كله صحراء موحشة يتخطّف فيها اللصوص ثياب الناس ، وهي أعلى من الرصافة ، ومحلة أبي حنيفة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٠٩).

٤٩

ولي عهد وفي خلافته ، ونزله موسى الهادي (١) ، ونزله هارون الرشيد ، ونزله المأمون (٢) ، ونزله المعتصم (٣) ، وفيه أربعة آلاف درب وسكة وخمسة عشر ألف مسجد سوى ما زاده الناس ، وخمسة آلاف حمام سوى ما زاده الناس بعد ذلك ، وبلغ أجرة الأسواق ببغداد في الجانبين جميعا مع رحا البطريق وما اتصل بها في كل سنة اثني عشر ألف ألف درهم.

__________________

(١) موسى الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ، أبو محمد من الخلفاء العباسيين ، ببغداد ، ولد بالرّيّ سنة ١٤٤ ه‍ / ٧٦١ م ، وولي بعد وفاة أبيه سنة ١٦٩ ه‍ ، وكان غائبا بجرجان فأقام أخوه الرشيد بيعته ، واستبدت أمه الخيزران بالأمر ، وأراد خلع أخيه هارون الرشيد ، فلم تر أمه ذلك ، فزجرها فأمرت جواريها أن يقتلنه فخنقنه ، ودفن في بستانه بعيسى آباذ سنة ١٧٠ ه‍ / ٧٨٦ م ، ومدة خلافته سنة وثلاثة أشهر. كان طويلا جسيما أبيض ، في شفته العليا تقلّص ، شجاعا ، جوادا ، له معرفة بالأدب ، وشعر.

(٢) المأمون العباسيّ : هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ، أبو العباس ، المولود سنة ١٧٠ ه‍ / ٧٨٦ م سابع الخلفاء من بني العباس في العراق ، وأحد أعاظم الملوك في سيرته ، وعلمه ، وسعة ملكه ، نفذ أمره من إفريقية إلى أقصى خراسان ، وما وراء النهر ، والسند. عرّفه المؤرّخ ابن دحية بالإمام العالم ، المحدّث ، النحوي ، اللغوي. ولي الخلافة بعد خلع أخيه الأمين سنة ١٩٨ ه‍ ، فتمم ما بدأ به جده المنصور من ترجمة كتب العلم والفلسفة وأتحف ملوك الروم بالهدايا سائلا أن يصلوه بما لديهم من كتب الفلاسفة ، فبعثوا إليه بعدد كبير من كتب أفلاطون ، وأرسطاطاليس ، وأبقراط ، وجالينوس ، وأقليدس ، وبطليموس ، وغيرهم ، فاختار لها مهرة التراجمة ، فترجمت ، وحضّ الناس على قراءتها ، فقامت دولة الحكمة في أيامه ، وقرّب العلماء ، والفقهاء ، والمحدّثين ، والمتكلّمين ، وأهل اللغة ، والأخبار ، والمعرفة بالشعر ، والأنساب. وأطلق حرية الكلام للباحثين ، وأهل الجدل ، والفلاسفة ، لو لا المحنة بخلق القرآن ، في السنة الأخيرة من حياته. كان فصيحا مفوّها ، واسع العلم ، محبا للعفو. من كلامه : لو عرف الناس حبّي للعفو لتقرّبوا إليّ بالجرائم. وأخباره كثيرة. توفي سنة ٢١٨ ه‍ / ٨٣٣ م.

(٣) المعتصم العباسي : هو محمد بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور ، أبو إسحاق ، المعتصم بالله العباسي ، خليفة من أعظم خلفاء هذه الدولة ، مولود سنة ١٧٩ ه‍ / ٧٩٥ م. بويع بالخلافة سنة ٢١٨ ه‍ ، يوم وفاة أخيه المأمون وبعهد منه ، وكان بطرطوس ، وعاد إلى بغداد بعد سبعة أسابيع في السنة نفسها. كان قوي الساعد ، يكسر زند الرجل بين إصبعيه ، ولا تعمل في جسمه الأسنان. كره التعليم في صغره ، فنشأ ضعيف القراءة يكاد يكون أمّيّا ، وهو فاتح عمورية من بلاد الروم الشرقية ، في خبر مشهور. هو باني مدينة سامرّا سنة ٢٢٢ ه‍ حين ضاقت بغداد بجنده.

وهو أول من أضاف إلى اسمه اسم الله تعالى ، من الخلفاء ، فقيل : المعتصم بالله ، وكان ليّن العريكة ، رضي الخلق ، اتّسع ملكه جدا. كان له سبعون ألف مملوك ، خلافته ثماني سنوات وثمانية أشهر ، وخلّف ثمانية بنين وثماني بنات ، وعمره ثمان وأربعون سنة ، توفي بسامرّاء سنة ٢٢٧ ه‍ / ٨٤١ م. كان أبيض أصهب حسن الجسم مربوعا طويل اللحية.

٥٠

ونزل ببغداد سبعة خلفاء : المنصور ، والمهدي ، وموسى الهادي ، وهارون الرشيد ، ومحمد الأمين وعبد الله المأمون ، والمعتصم.

فلم يمت بها منهم واحد إلا محمد الأمين بن هارون الرشيد (١) فإنه قتل خارج باب الأنبار عند بستان طاهر.

وهذه القطائع والشوارع والدروب والسكك التي ذكرتها على ما رسمت في أيام المنصور ووقت ابتدائها وقد تغيرت ومات المتقدمون من أصحابها وملكها قوم بعد قوم وجيل بعد جيل ، وزادت عمارة بعض المواضع ، وملك قوم ديار قوم ، وانتقل الوجوه والجلة والقواد وأهل النباهة من سائر الناس مع المعتصم إلى سر من رأى في سنة ثلاث وعشرين ومائتين ، ثم اتصل بهم المقام في أيام الواثق (٢) والمتوكل (٣) ، ولم تخرب

__________________

(١) محمد الأمين : هو محمد بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور ، خليفة عباسي ، ولد سنة ١٧٠ ه‍ / ٧٨٧ م في رصافة بغداد. بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه سنة ١٩٣ ه‍ بعهد منه ، فولى أخاه المأمون خراسان وأطرافها ، وكان المأمون ولي العهد من بعده. فلما كانت سنة ١٩٥ ه‍ أعلن الأمين خلع أخيه المأمون من ولاية العهد ، فنادى المأمون بخلع الأمين في خراسان ، وتسمى بأمير المؤمنين ، وجهز الأمين وزيره ابن ماهان لحربه ، وجهز المأمون طاهر بن الحسين فالتقى الجيشان ، فقتل ابن ماهان وانهزم جيش الأمين ، فتتبّعه طاهر بن الحسين ، وحاصر بغداد حصارا طويلا انتهى بقتل الأمين ، قتل بالسيف بمدينة السّلام ، وكان الذي ضرب عنقه مولى لطاهر ، بأمره. سنة ١٩٨ ه‍ / ٨١٣ م ، وكان أبيض طويلا سمينا ، جميل الصورة ، شجاعا ، أديبا ، رقيق الشعر ، مكثرا من الإنفاق ، سيّىء التدبير ، يؤخذ عليه انصرافه إلى اللهو ومجالسة الندماء.

(٢) الواثق : هو هارون الواثق بالله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد العباسي ، أبو جعفر ، من خلفاء الدولة العباسيّة بالعراق. ولد سنة ٢٠٠ ه‍ / ٨١٥ م في بغداد ، وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٢٢٧ ه‍ فامتحن الناس في خلق القرآن ، وسجن جماعة وقتل في ذلك أحمد بن نصر الخزاعي بيده سنة ٢٣١ ه‍. قال أحد مؤرخيه : كان في كثير من أموره يذهب مذهب المأمون ، وشغل نفسه بمحنة الناس في الدين ، فأفسد قلوبهم. مات في سامرّا سنة ٢٣٢ ه‍ / ٨٤٧ م ، قيل : بعلّة الاستسقاء ، وقال ابن دحية : كان مسرفا في حبّ النساء ، ووصف له دواء للتقوية ، فمرض منه وعولج بالنار ، فمات محترقا سنة ٢٣٢ ه‍ / ٨٤٧ م ، وخلافته خمس سنين وتسعة أو ستة أيام. وكان كريما عارفا بالأداب والأنساب ، طروبا يميل إلى السماع ، عالما بالموسيقى ، قال أبو الفرج الأصفهاني : صنع الواثق مئة صوت ما فيها صوت ساقط ، وكان كثير الإحسان لأهل الحرمين حتى قيل : إنه لم يوجد بالحرمين في أيامه سائل.

(٣) المتوكّل : هو جعفر بن محمد المتوكّل على الله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد ، ـ

٥١

بغداد ولا نقصت أسواقها ، لأنهم لم يجدوا منها عوضا ولأنه اتصلت العمارة والمنازل بين بغداد وسر من رأى في البر والبحر أعني في دجلة وفي جانبي دجلة.

سر من رأى

قد ذكرنا بغداد وابتداء أمرها والوقت الذي بناها أبو جعفر المنصور فيه ، ووصفنا كيف هندست ، وهندست أرباضها ، وقطائعها ، وأسواقها ، ودروبها ، وسككها ، ومحالها في الجانب الغربي من دجلة ، وهو جانب المدينة والكرخ.

والجانب الشرقي وهو جانب الرصافة الذي يسمى عسكر المهدي ، وقلنا في ذلك بما علمنا ، فلنذكر الآن سر من رأى ، وإنها المدينة الثانية من مدن خلفاء بني هاشم.

وقد سكنها ثمانية خلفاء منهم المعتصم وهو ابتدأها وأنشأها ، والواثق وهو هارون بن المعتصم ، والمتوكل جعفر بن المعتصم (١) ، والمنتصر محمد بن

__________________

ـ أبو الفضل ، خليفة عباسي ، ولد ببغداد سنة ٢٠٦ ه‍ / ٨٢١ م بعد وفاة أخيه الواثق سنة ٢٣٢ ه‍ ، وكان جوادا محبّا للعمران من آثاره المتوكّليه ببغداد ، أنفق عليها أموالا كثيرة ، وسكنها. ولما استخلف كتب إلى أهل بغداد كتابا قرىء على المنبر بترك الجدل في القرآن ، وأن الذمة بريئة ممن يقول بخلقه أو غير خلقه. ونقل مقرّ الخلافة من بغداد إلى دمشق ، فأقام بهذه شهرين ، فلم يطب له مناخها ، فعاد وأقام في سامرّا إلى أن اغتيل فيها ليلا سنة ٢٤٧ ه‍ / ٨٦١ م ، بإغراء ابنه المنتصر ، ولبعض الشعراء هجاء في المتوكّل لهدمه قبر الحسين وما حوله سنة ٢٣٦ ه‍ ، وكثرت الزلازل في أيامه فعمّر بعض ما خرّبت ، وكان يلبس في زمن الورد الثياب الحمر ، ويأمر بالفرش الأحمر ، ولا يرى الورد إلّا في مجلسه ، وكان يقول : أنا ملك السلاطين والورد ملك الرياحين وكلّ منّا أولى بصاحبه.

(١) المنتصر : المنتصر العباسي هو محمد المنتصر بالله بن جعفر المتوكّل على الله بن المعتصم ، أبو جعفر ، من خلفاء الدولة العباسية ، ولد في سامرّاء سنة ٢٢٣ ه‍ / ٧٣٨ م ، وبويع بالخلافة بعد أن قتل أباه سنة ٢٤٧ ه‍ ، وفي أيامه قويت سلطة الغلمان ، فحرّضوه على خلع أخويه المعتزّ ، والمؤيّد ، وكانا وليي عهده فخلعهما ، وهو أول من عدا على أبيه من بني العباس ، ولم تطل مدّته. وكان إذا جلس إلى الناس يتذكّر قتله لأبيه فترعد فرائصه. قيل : مات مسموما بمبضع طبيب ، وفاته بسامرّاء سنة ٢٤٨ ه‍ / ٨٦٢ م ، ومدة خلافته ستة أشهر وأيام ، وهو أول خليفة من بني العباس عرف قبره ، وكانوا لا يحفلون بقبور موتاهم ، إلا أن أمه طلبت إظهار قبره. وكان له خاتمان نقش على أحدهما : محمد رسول الله ، وعلى الثاني : المنتصر بالله.

٥٢

المتوكل (١) ، والمستعين أحمد بن محمد بن المعصتم (٢) ، و [المعتز](٣) أبو عبد الله

__________________

(١) المستعين : هو أحمد بن محمد بن المعتصم بن هارون الرشيد ، أبو العباس ، أمير المؤمنين ، المستعين بالله ، من خلفاء الدولة العباسية في العراق.

ولد بسامرّاء سنة ٢١٩ ه‍ / ٨٣٤ م ، وكانت إقامته فيها ، وبويع بها بعد وفاة المنتصر ابن المتوكّل سنة ٢٤٨ ه‍.

قال اليعقوبي : لم يكن يؤهل للخلافة ، ولكن لما توفي المنتصر استوحش الأتراك من ولد المتوكّل ، فبايعوه ، وأنكر بعض القواد البيعة ، ففرّق أموالا كثيرة ، فاستقامت أموره على أتم ما يرام.

وكان المتحكّم في الدولة على عهده أوتامش التركي ورجاله ، فثارت عصبة من الأتراك والموالي على أوتامش بموافقة المستعين ، فقتلوه وقتلوا شجاع بن القاسم سنة ٢٤٩ ه‍ ، وكتب المستعين إلى الآفاق بلعنه.

وفي أيامه ظهر يحيى بن عمر الطالبي بالكوفة وقتل ، وقامت ثورات في الأردن ، وحمص ، والمعرّة ، والمدينة ، والروذان بين فارس وكرمان ، وانتقل إلى بغداد ، فغضب القواد وطلبوا عودته إلى سامرّاء ، فامتنع ، فنادوا بخلعه ، واتصلوا بالمعتزّ وكان سجينا بسامرّاء ، فأطلقوه وبايعوه ، وزحفوا لقتال المستعين ببغداد ، فانتشرت الفوضى فيها ، فخلع نفسه واستسلم للمعتزّ لقاء مال معلوم يدفع إليه.

ورحل إلى واسط بأمه وأهله في أوائل سنة ٢٥٢ ه‍ ، فأقام عشرة أشهر ، ونقله المعتزّ إلى القاطول فسلّم فيها إلى حاجب يدعى سعيد بن صالح فضربه حتى مات سنة ٢٥٢ ه‍ / ٨٦٦ م.

قال ابن شاكر : كان قبل الخلافة خاملا يرتزق بالنسخ ، وأورد له نظما ، وكان يلثغ بالسين يجعلها ثاء.

(٢) وردت في الأصل : «المعزّ» ، ولعلّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) المعتزّ : هو محمد المعتزّ بالله بن جعفر المتوكّل على الله بن المعتصم ، خليفة عباسي وهو أخو المنتصر بالله ، ولد في سامرّاء سنة ٢٣٢ ه‍ / ٨٤٦ م ، وعقد له أبوه البيعة بولاية العهد سنة ٢٣٥ ه‍ ، وأقطعه خراسان ، وطبرستان ، والرّيّ ، وأرمينية ، وأذربيجان ، وكور ، وفارس ، ثم أضاف إليه خزن الأموال في جميع الآفاق ، ودور الضرب ، وأمر أن يضرب اسمه على الدراهم ، ولما ولي المستعين بالله سنة ٢٤٨ ه‍ سجن المعتزّ ، فاستمر إلى أن أخرجه الأتراك بعد ثورتهم على المستعين ، وبايعوا له سنة ٢٥١ ه‍ ، فكانت أيامه أيام فتن وشغب ، وجاءه قواده فطلبوا منه مالا لم يكن يملكه ، فاعتذر ، فلم يقبلوا عذره ، ودخلوا عليه فضربوه ، فخلع نفسه ، فسلموه إلى من يعذّبه ، فمات بعد أيام شابا. قيل : اسمه الزبير ، وقيل : طلحة ، وكان فصيحا ، له خطبة ذكرها ابن الأثير في الكلام على وفاته. قال ابن دحية : كان فيه أدب وكفاية ، فلم ينفعه ذلك لقرب قرناء السوء منه ، فخلع ، وما زال يعذّب بالضرب حتى مات بسر من رأى ، وقيل : أدخل في الحمام فأغلق عليه حتى مات. مدّة خلافته ثلاث سنوات وستة أشهر وأربعة عشر يوما.

٥٣

المتوكل (١) ، والمهتدي (٢). قال أحمد بن أبي يعقوب : كانت سر من رأى (٣) في متقدم الأيام صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ، وكان بها دير للنصارى (٤) بالموضع

__________________

(١) المهتدي : هو محمد بن هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد ، أبو عبد الله المهتدي بالله العباسي ، من خلفاء الدولة العباسية ، ولد في القاطول بسامرّاء سنة ٢٢٢ ه‍ / ٨٣٧ م. بويع له بعد خلع المعتزّ سنة ٢٥٥ ه‍ ، ولم يلبث أن انقض عليه الترك ببغداد ، فخرج لقتالهم ونشبت الحرب فتفرّق عنه من كان معه من جنده وهم من الترك أيضا ، وانضموا إلى صفوف أصحابهم ، فبقي المهتدي في جماعة يسيرة من أنصاره ، فانهزم والسيف في يده ، ينادي : يا معشر المسلمين ، أنا أمير المؤمنين ، قاتلوا عن خليفتكم! فلم يجبه أحد ، وأصيب بطعنة مات على أثرها سنة ٢٥٦ ه‍ / ٨٧٠ م ، كان حميد السيرة ، فيه شجاعة ، يأخذ أخذ عمر بن عبد العزيز في الصلاح. مدة خلافته أحد عشر شهرا وأيام.

(٢) سرّ من رأى : مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وقد خربت ، وفيها لغات : سامرّاء ممدودة ، وسامرّا مقصورة ، وسرّ من رأ مهموزة الآخر ، وسرّ من را مقصورة الآخر.

بها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه ، وقد ينسبون إليها بالسّرّمرّي ، وقيل : إنها مدينة بنيت لسام فنسبت إليه بالفارسية سام راه. وقيل : بل هو موضع عليه بالخراج ، قالوا بالفارسية : ساء مرّة أي موضع الحساب ، قال حمزة : كانت سامرّاء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي كانت موظّفة لملك الفرس على ملك الروم ، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة لأن سا اسم الإتاوة ، ومرّة اسم العدد ، والمعنى أنه مكان قبض عدد جزية الروم. وقال الشعبي : وكان سام بن نوح له جمال ورواء ومنظر ، وكان يصيّف بالقرية التي ابتناها نوح عليه السّلام ، عند خروجه من السفينة ببازبدى وسمّاها ثمانين ، ويشتو بأرض جوخى ، وكان ممرّه من أرض جوخى إلى بازبدى على شاطىء دجلة من الجانب الشرقي ، ويسمّى ذلك المكان الآن سام راه يعني طريق سام ، وقال إبراهيم الجنيدي : سمعتهم يقولون إن سامرّاء بناها سام بن نوح عليه السّلام ودعا أن لا يصيب أهلها سوء فأراد السفاح أن يبنيها فبنى مدينة الأنبار بحذائها ، وأراد المنصور بعد ما أسس بغداد بناءها ، وسمع في الرواية ببركة هذه المدينة فابتدأ بالبناء في البردان ، ثم بدا له وبنى بغداد.

وأراد الرشيد أيضا بناءها فبنى بحذائها قصرا وهو بإزاء أثر عظيم قديم كان للأكاسرة ، ثم بناها المعتصم ونزلها سنة ٢٢١ ه‍. قال أحمد البشاري نكتة حسنة فيها : لما كملت واتّسق خيرها واحتفلت سميت سرور من رأى ، ثم اختصرت فقيل : سرّ من رأى ، فلما خربت تشوّهت خلقتها واستوحشت سميت ساء من رأى ، ثم اختصرت فقيل : سامرّاء. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٥٩).

(٣) اشترى الوزير أحمد بن خالد الكاتب الدير من النصارى للمعتصم بخمسة آلاف درهم. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٩٦).

(٤) طرسوس : بفتح أوله وثانيه ، وضم ثالثه ، بوزن قربوس ، كلمة أعجمية رومية ، ولا يجوز سكون الراء إلا في ضرورة الشعر لأن وزن «فعلول» ليس من أبنيتهم اللغوية. قالوا : سميت بطرسوس بن الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السّلام ، قيل : إن مدينة طرسوس أحدثها ـ

٥٤

الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بدار العامة ، وصار الدير بيت المال.

فلما قدم المعتصم بغداد منصرفه من طرسوس (١) في السنة التي بويع له بالخلافة وهي سنة ثمان عشرة ومائتين نزل دار المأمون ، ثم بنى دارا في الجانب الشرقي من بغداد وانتقل إليها وأقام بها في سنة ثماني عشرة وتسع عشرة وعشرين وإحدى وعشرين ومائتين ، وكان معه خلق من الأتراك وهم يومئذ عجم.

أعلمني جعفر الخشكي قال : كان المعتصم يوجّه بي في أيام المأمون إلى سمرقند إلى نوح بن أسد (٢) في شراء الأتراك ، فكنت أقدّم عليه في كل سنة منهم بجماعة ، فاجتمع له في أيام المأمون منهم زهاء ثلاثة آلاف غلام.

فلما أفضت إليه الخلافة ألحّ في طلبهم واشترى من كان ببغداد من رقيق الناس.

كان ممن اشترى ببغداد جماعة جملة منهم أشناس ، وكان مملوكا لنعيم بن خازم أبي هارون بن نعيم ، وإيتاخ كان مملوكا لسلام بن الأبرش ، ووصيف كان زرادا مملوكا لآل النعمان ، وسيما الدمشقي ، وكان مملوكا لذي الرئاستين الفضل بن سهل (٣).

وكان أولئك الأتراك العجم إذا ركبوا الدواب ركضوا فيصدمون الناس يمينا وشمالا فيثب عليهم الغوغاء فيقتلون بعضا ويضربون بعضا وتذهب دماؤهم هدرا لا

__________________

ـ سليمان ، وكان خادما للرشيد في سنة تسعين ومائة ونيّف ، وهي مدينة بثعور الشام بين أنطاكية ، وحلب ، وبلاد الروم. وبها قبر المأمون عبد الله بن هارون الرشيد جاءها غازيا فأدركته منيته فمات ودفن فيها. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣١).

(١) نوح بن أسد بن سامان ، صاحب سمرقند ، وليها في أيام المأمون العباسي ، سنة ٢٠٤ ه‍ ، ثم صحب المأمون في إحدى زياراته لخراسان ، وعاد معه إلى بغداد ، فلزم خدمته إلى أن ولاه ما وراء النهر سنة ٢٣٧ ه‍ ، تابعا لبني طاهر ، فأقام إلى أن توفي فيها سنة ٢٤٥ ه‍ / ٨٦٠ م ، وخلفه أخوه أحمد بن أسد.

(٢) أشناس : أصبح فيما بعد من موالي المعتصم بالله ووهبه قصرا عند نهر القاطول. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٩٦).

(٣) الفضل بن سهل السرخسي المولود سنة ١٥٤ ه‍ / ٧٧١ م ، أبو العباس ، وزير المأمون وصاحب تدبيره ، اتصل به في صباه وأسلم على يده سنة ١٩٠ ه‍ ، وكان مجوسيا. صحبه قبل أن يلي الخلافة ، فلما وليها جعل له الوزارة وقيادة الجيش معا ، فكان يلقّب بذي الرياستين (الحرب والسياسة) ، مولده سنة ١٥٤ ه‍ / ٧٧١ م في سرخس بخراسان ، ووفاته فيها أيضا سنة ٢٠٢ ه‍ / ٨١٨ م قتله جماعة بينما كان في الحمّام ، قيل : إن المأمون دسّهم له وقد ثقل عليه أمره ، وكان حازما ، عاقلا ، فصيحا ، من الأكفّاء ، وأخباره كثيرة.

٥٥

يعدون على من فعل ذلك فثقل ذلك على المعتصم ، وعزم على الخروج (١) من بغداد ، فخرج إلى الشماسية وهو الموضع الذي كان المأمون يخرج إليه فيقيم به الأيام والشهور ، فعزم أن يبني بالشماسية خارج بغداد مدينة فضاقت عليه أرض ذلك الموقع وكره أيضا قربها من بغداد فمضى إلى البردان بمشورة الفضل بن مروان (٢) وهو يومئذ وزير ، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين ، وأقام بالبردان أياما ، وأحضر المهندسين ثم لم يرض الموضع فصار إلى موضع يقال له : باحمشا (٣) من الجانب الشرقي من دجلة فقدر هناك مدينة على دجلة وطلب موضعا يحفر فيه نهرا فلم يجده المهندسين ثم لم يرض الموضع فصار إلى موضع يقال له : باحمشا (٤) من الجانب الشرقي من دجلة فقدر هناك مدينة على دجلة وطلب موضعا يحفر فيه نهر فلم يجده فنفذ إلى القرية المعروفة بالمطيرة (٥) فأقام بها مدة ثم مدّ إلى القاطول (٦) فقال هذا أصلح المواضع. فصير النهر المعروف بالقاطول وسط المدينة ويكون البناء على دجلة وعلى القاطول ، فابتدأ البناء وأقطع القواد ، والكتاب ، والناس فبنوا حتى ارتفع البناء واختطت الأسواق على القاطول وعلى دجلة ، وسكن هو في بعض ما بني له وسكن بعض الناس

__________________

(١) لمّا ضاقت بغداد بعسكر المعتصم ، وكان إذا ركب يموت جماعة من الصبيان ، والعميان ، والضعفاء لازدحام الخيل وضغطها ، فاجتمع أهل الخير على باب المعتصم ، وقالوا : إمّا أن تخرج من بغداد ، فإن الناس قد تأذّوا بعسكرك أو نحاربك ، فقال : كيف تحاربونني؟ قالوا : نحارك بسهام السحر ، قال : وما سهام السحر؟ قالوا : ندعو عليك ، فقال المعتصم : لا طاقة لي بذلك ، وخرج من بغداد ونزل سامرّاء ، وسكنها ، وكان الخلفاء يسكنونها بعده إلى أن خربت إلّا يسيرا منها. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٩٦).

(٢) الفضل بن مروان بن ماسرجس ، المولود سنة ١٧٠ ه‍ / ٧٨٦ م ، وزير ، كان حسن المعرفة بخدمة الخلفاء ، جيد الإنشاء ، أخذ البيعة للمعتصم ، ببغداد ، بعد وفاة المأمون سنة ٢١٨ ه‍ ، وكان المعتصم في بلاد الروم ، فاستوزره نحو ثلاث سنوات ، واعتقله ، ثم أطلقه ، فخدم بعده جماعة من الخلفاء إلى أن توفي سنة ٢٥٠ ه‍ / ٨٦٤ م.

(٣) باحشما : بسكون الميم ، هي قرية بين أوانا والحظيرة ، وكانت بها وقعة للمطّلب في أيام الرشيد وهو المطّلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٧٥).

(٤) باحشما : بسكون الميم ، هي قرية بين أوانا والحظيرة ، وكانت بها وقعة للمطّلب في أيام الرشيد وهو المطّلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٧٥).

(٥) المطيرة : بالفتح ثم الكسر ، على وزن فعيلة من المطر ، هي قرية من نواحي سامرّاء ، وكانت من متنزّهات بغداد وسامرّاء. قال البلاذري : وبيعة مطيرة محدثة بنيت في خلافة المأمون ، ونسبت إلى مطر بن فزارة الشيباني ، وكان يرى رأي الخوارج وإنّما هي المطرية فغيّرت وقيل : المطيرة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٧٦).

(٦) القاطول : على وزن فاعول من القطل ، وهو القطع ، وقد قطلته أي قطعته ، والقطيل المقطول أي المقطوع : اسم نهر كأنه مقطوع من دجله ، وهو نهر كان في موضع من سامرّاء قبل أن تعمّر ، وكان الرشيد أول من حفر هذا النهر وبنى على فوّهته قصرا سمّاه أبا الجند لكثرة ما كان يسقي من الأرضين وجعله لأرزاق جنده. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٣٧).

٥٦

أيضا ، ثم قال أرض القاطول غير طائلة وإنما هي حصار وأفهار (١) ، والبناء بها صعب جدا وليس لأرضها سعة ، ثم ركب متصيّدا فمر في مسيره حتى صار إلى موضع سر من رأى صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ولا أنيس فيها إلا دير للنصارى ، فوقف بالدير وكلم من فيه من الرهبان ، وقال ما اسم هذا الموضع؟ فقال له بعض الرهبان : نجد في كتبنا المتقدمة أن هذا الموضع يسمى سر من رأى ، وأنه كان مدينة سام بن نوح وأنه سيعمر بعد الدهور على يد ملك جليل مظفر منصور له أصحاب كأن وجوههم وجوه طير الفلاة ينزلها وينزلها ولده.

فقال : أنا والله أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي ، ولقد أمر الرشيد يوما أن يخرج ولده إلى الصيد فخرجت مع محمد والمأمون ، وأكابر ولد الرشيد فاصطاد كل واحد منا صيدا ، واصطدت بومة ، ثم انصرفنا ، وعرضنا صيدنا عليه فجعل من كان معنا من الخدم يقول هذا صيد فلان ، وهذا صيد فلان حتى عرض عليه صيدي فلما رأى البومة ، وقد كان الخدم أشفقوا من عرضها لئلا يتطيّر بها أو ينالني منه غلظة ، فقال من صاد هذه؟ قالوا : أبو إسحاق فاستبشر وضحك وأظهر السرور ؛ ثم قال : أما أنّه يلي الخلافة ويكون جنده وأصحابه ، والغالبون عليه قوما وجوههم مثل وجه هذه البومة فيبني مدينة قديمة ، وينزلها هؤلاء القوم ثم ينزلها ولده من بعده. وما سر الرشيد يومئذ بشيء من الصيد كما سر بصيدي لتلك البومة.

ثم عزم المعتصم على أن ينزل بذلك الموضع فأحضر محمد بن عبد الملك الزيّات (٢) ، وابن أبي دؤاد ، وعمر بن فرج ، وأحمد بن خالد المعروف بأبي الوزير ، وقال لهم اشتروا من أصحاب هذا الدير هذه الأرض ، وادفعوا إليهم ثمنها أربعة آلاف دينار (٣) ففعلوا ذلك ثم أحضر المهندسين ، فقال اختاروا أصلح هذه المواضع ،

__________________

(١) أفهار : مفردها فهر ، وهو حجر رقيق تسحق به الأدوية. (القاموس المحيط ، مادة : فهر).

(٢) محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة ، أبو جعفر ، المعروف بابن الزيّات ، وزير المعتصم ، والواثق العباسيين ، وعالم باللغة والأدب ، من بلغاء الكتّاب والشعراء. ولد سنة ١٧٣ ه‍ / ٧٨٩ م. نشأ في بيت تجارة في الدسكرة قرب بغداد ، ونبغ ، فتقدّم حتى بلغ رتبة الوزارة ، وعوّل عليه المعتصم في مهام دولته ، وكذلك ابنه الواثق. ولما مرض الواثق عمل ابن الزيّات على تولية ابنه وحرمان المتوكّل ، فلم يفلح ، وولي المتوكّل فنكبه ، وعذّبه إلى أن مات ببغداد سنة ٢٣٣ ه‍ / ٨٤٧ م. وكان من العقلاء الدهاة ، وفي سيرته قوة وحزم.

(٣) ورد في معجم البلدان (٣ / ١٩٦): «أن المعتصم أمر أبا الوزير أحمد بن خالد الكاتب بأن يأخذ مائة ألف دينار ويشتري بها بناحية سرّ من رأى موضعا يبني فيه مدينة ، فقال أبو الوزير : ـ

٥٧

فاختاروا عدة مواضع للقصور ، وصيّر إلى كل رجل من أصحابه بناء قصر ، فصيّر إلى خاقان (١) عرطوج (٢) أبي الفتح بن خاقان بناء الجوسق (٣) الخاقاني ، وإلى عمر بن فرج بناء القصر المعروف بالعمري ، وإلى أبي الوزير بناء القصر المعروف بالوزيري ، ثم خط القطائع للقوّاد ، والكتّاب ، والناس وخط المسجد الجامع ، واختطّ الأسواق حول المسجد الجامع ، ووسعت صفوف الأسواق ، وجعلت كل تجارة منفردة وكل قوم على حدتهم على مثل ما رسمت عليه أسواق بغداد.

وكتب في إشخاص الفعلة ، والبنّائين ، وأهل المهن من الحدّادين ، والنجارين ، وسائر الصناعات ، وفي حمل الساج ، وسائر الخشب ، والجذوع من البصرة وما والاها من بغداد ، وسائر السواد من أنطاكية (٤) ، وسائر سواحل الشام ، وفي حمل عملة الرخام ، وفرش الرخام ، فأقيمت باللاذقية (٥) وغيرها دور صناعة الرخام ، وأفرد قطائع

__________________

ـ آخذ خمسة آلاف دينار وإن احتجت إلى زيادة استزدت ، قال : فأخذت خمسة آلاف دينار وقصدت الموضع فابتعت ديرا كان في الموضع من النصارى بخمسة آلاف درهم ، وابتعت في الموضع من النصارى بخمسة آلاف درهم ، وابتعت بستانا كان بجانبه بخمسة آلاف درهم».

(١) خاقان : جمعها خواقين ، علم واسم لكلّ ملك ، يقال : خقنه القوم على أنفسهم ، أي ملّكوه.

(المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : خقن).

(٢) وردت في ترجمة الفتح بن خاقان في الأعلام (٥ / ١٣٣) : غرطوج.

(٣) الجوسق : جمعها جواسيق ، وجواسق : القصر وهي لفظة فارسية الأصل. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : الجوسق).

(٤) أنطاكية : بالفتح ثم السكون ، والياء المخفّفة ، كانت العرب إذا أعجبها شيء نسبته إلى أنطاكية ، قال الهيثم بن عدي : أول من بني أنطاكية أنطيخس ، وهو الملك الثالث بعد الإسكندر ، وذكر يحيى بن جرير المتطبب التكريتي : أن أول من بنى أنطاكية أنطيغونيا في السنة السادسة من موت الإسكندر ولم يتمّها فأتمّها بعده سلوقلوس ، وهو الذي بنى اللاذقية ، وحلب ، والرها ، وأفامية. وقال في موضع آخر من كتابه : بنى الملك أنطيغونيا على نهر أورنطس مدينة وسمّاها أنطيوخيا وهي التي كمّل سلوقوس بناءها وزخرفها وسمّاها على اسم ولده أنطيوخوس وهي أنطاكية.

(٥) اللاذقية : بالذال وقاف مكسورة ، مدينة في ساحل بحر الشام تعدّ من أعمال حمص ، وهي غربي جبلة بينهما ستة فراسخ ، وهي من أعمال حلب ، قال بطليموس في كتاب الملحمة : هي مدينة عتيقة رومية فيها أبنية قديمة مكينة ، وهي بلدة حسنة في وطأ من الأرض ولها مرفأ جيد محكم ، وقلعتان متصلتان على تل مشرف على الربض والبحر على غربيها وهي على صفّته. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٦).

٥٨

الأتراك عن قطائع الناس جميعا ، وجعلهم معتزلين عنهم لا يختلطون بقوم من المولدين ولا يجاورهم إلا الفرغنة (١).

وأقطع أشناس وأصحابه الموضع المعروف بالكرخ وضم إليه عدة من قوّاد الأتراك ، والرجال ، وأمره أن يبني المساجد والأسواق.

وأقطع خاقان عرطوج وأصحابه مما يلي الجوسق الخاقاني ، وأمر بضم أصحابه ، ومنعهم من الاختلاط بالناس.

وأقطع وصيفا وأصحابه مما يلي الحير ، وبنى حائطا سماه حائر الحير ممتدا.

وصيّرت قطائع الأتراك جميعا والفراغنة العجم بعيدة من الأسواق والزحام في شوارع واسعة ودروب طوال ، ليس معهم في قطائعهم ودروبهم أحد من الناس يختلط بهم من تاجر ولا غيره.

ثم اشترى لهم الجواري فأزوجهم منهن ، ومنعهم أن يتزوجوا ويصاهروا إلى أحد من المولدين (٢) ، إلى أن ينشأ لهم الولد فيتزوج بعضهم إلى بعض.

وأجرى لجواري الأتراك أرزاقا قائمة ، وأثبت أسماءهن في الدواوين فلم يكن يقدر أحد منهم يطلّق امرأته ولا يفارقها ، ولمّا أقطع أشناس التركي في آخر البناء مغربا (٣) ، وأقطع أصحابه معه وسمى الموضع الكرخ أمره أن لا يطلق (٤) لغريب من تاجر ، ولا غيره مجاور لهم ولا يطلق (٥) معاشرة المولدين.

فأقطع قوما آخرين فوق الكرخ وسمّاه الدور ، وبنى لهم في خلال الدور والقطائع المساجد والحمامات ، وجعل في كل موضع سويقة فيها عدة حوانيت للفاميين (٦) والقصابين ومن أشبههم ممن لا بد لهم منه ولا غنى عنه.

وأقطع الأفشين خيذر بن كاوس الأسروشني في آخر البناء مشرقا على قدر

__________________

(١) الفرغنة : المنطقة خلا زرعها. والفراغنة : قوم من العجم. (القاموس المحيط ، مادة : فرغ).

(٢) المولّدون : المولّد المحدث من كلّ شيء ، ومنه المولّدون من الشعراء أو الأدباء سمّوا بذلك لحدوثهم ، والقول : رجل مولّد وكلام مولّد : عربي غير محض. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : ولد).

(٣) مغربا : ناحية بعيدة. أو ناحية المغرب.

(٤) يطلق : يستعجل. (النجد في اللغة والأعلام ، مادة : طلق).

(٥) يطلق : يسمح ب.

(٦) الفاميّ : البقال. (القاموس المحيط ، مادة : فوم).

٥٩

فرسخين وسمّى الموضع المطيرة ، فأقطع أصحاب الأسروشنية وغيرهم من المضمومين إليه حول داره ، وأمره أن يبني فيما هناك سويقة فيها حوانيت للتجار فيما لا بد منه ومساجد وحمامات.

واستقطع الحسن بن سهل (١) بين آخر الأسواق وكان آخرها الجبل الذي صار فيه خشبة بابك ، وبين المطيرة موضع قطيعة أفشين ، وليس في ذلك الموضع يومئذ شيء من العمارات ثم أحدقت العمارة به حتى صارت قطيعة الحسن بن سهل وسط سر من رأى.

وامتدّ بناء الناس من كل ناحية واتصل البناء بالمطيرة. وجعلت الشوارع لقطائع قوّاد خراسان وأصحابهم من الجند والشاكرية (٢) ، وعن يمين الشوارع ويسارها الدروب فيها منازل الناس كافة ، وكان الشارع المعروف بالسريجة ، وهو الشارع الأعظم ممتدا من المطيرة إلى الوادي المعروف في هذا الوقت بوادي إسحاق بن إبراهيم (٣) لأن إسحاق بن إبراهيم انتقل من قطيعته في أيام المتوكل فبنى على رأس الوادي واتّسع في البناء.

ثم قطيعة إسحاق بن يحيى بن معاذ ، ثم تتصل قطائع الناس يمنة ويسرة في هذا

__________________

(١) الحسن بن سهل بن عبد الله السرخسي ولد سنة ١٦٦ ه‍ / ٧٨٢ م ، أبو محمّد ، وزير المأمون العباسي ، وأحد كبار القادة والولاة في عصره ، اشتهر بالذكاء المفرط ، والأدب والفصاحة ، وحسن التوقيعات والكرم ، وهو والد بوران زوجة المأمون ، وكان المأمون يجلّه ويبالغ في إكرامه ، وللشعراء فيه أماديح. أصيب بمرض السويداء سنة ٢٠٣ ه‍ ، فتغيّر عقله حتى شدّ في الحديد ، ثم شفي منه قبل زواج المأمون بابنته سنة ٢١٠ ه‍ ، وتوفي في سرخس من بلاد خراسان سنة ٢٣٦ ه‍ / ٨٥١ م. قال الخطيب البغدادي : وهو أخو ذي الرياستين الفضل بن سهل ، كانا من أهل بيت الرياسة في المجوس وأسلما ، هما وأبوهما سهل في أيام الرشيد.

(٢) الشاكريّة : مفردها شاكريّ : الأجير والمستخدم ، لفظة فارسية الأصل. (المنجد في اللغة والأعلام ، ماة : شكر).

(٣) إسحاق بن إبراهيم بن ميمون التميمي ، الموصلي ، أبو محمد ، ابن النديم ، من أشهر ندماء الخلفاء. تفرّد بصناعة الغناء ، وكان عالما باللغة ، والموسيقى ، والتاريخ ، وعلوم الدين ، وعلم الكلام ، راويا للشعر ، حافظا للأخبار ، شاعرا ، له تصانيف ، من أفراد الدهر أدبا ، وظرفا ، وعلما. فارسي الأصل ، مولده سنة ١٥٥ ه‍ / ٧٧٢ م ، في بغداد. عمي قبل سنتين من موته سنة ٢٣٥ ه‍ / ٨٥٠ م. نادم الرشيد ، والمأمون ، والواثق العباسيين ، ولما مات نعي إلى المتوكّل ، فقال : ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته ، وألف كتبا كثيرة ، قال ثعلب : رأيت لإسحاق الموصلي ألف جزء من لغات العرب كلها سماعه.

٦٠