البلدان

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]

البلدان

المؤلف:

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3419-1
الصفحات: ٢٢٤

برقة

ومدينة برقة (١) في مرج واسع وتربة حمراء شديدة الحمرة وهي مدينة عليها سور وأبواب حديد وخندق ، أمر ببناء السور المتوكل على الله ، وشرب أهلها ماء الأمطار يأتي من الجبل في أودية إلى برك عظام قد عملتها الخلفاء والأمراء لشرب أهل مدينة برقة ، وحوالي المدينة أرباض لها يسكنها الجند وغير الجند ، وفي دور المدينة والأرباض أخلاط من الناس وأكثر من بها جند قدم قد صار لهم الأولاد والأعقاب ، وبين مدينة برقة وبين ساحل البحر المالح ستة أميال.

وعلى ساحل البحر مدينة يقال لها أجية بها أسواق ومحارس ومسجد جامع وأجنة ومزارع وثمار كثيرة وساحل آخر يقال له طلميثة ترسي المراكب فيه في بعض الأوقات ولبرقة جبلان أحدهما يقال له الشرقي فيه قوم من العرب من الأزد ولخم وجذام وصدف وغيرهم من أهل اليمن ، والآخر يقال له الغربي فيه قوم من غسان وقوم من جذام والأزد ونجيب وغيرهم من بطون العرب.

وقرى بطون البربر من لواتة من زكودة ومفرطة وزنارة ، وفي هذين الجبلين عيون جارية وأشجار وثمار وحصون وآبار للروم قديمة.

ولبرقة أقاليم كثيرة تسكنها هذه البطون من البربر ، ولها من المدن برنيق (٢) وهي مدينة على ساحل البحر المالح ولها ميناء عجيب في الاتفاق والجودة تجوز فيه المراكب وأهلها قوم من أبناء الروم القدم الذين كانوا أهلها قديما وقوم من البربر من تحلالة وسوة ومسوسة ومغاغة وواهلة وجدانة.

وبرنيق من مدينة برقة على مرحلتين ولها أقاليم منسوبة إليها ، ومدينة أجدابية وهي مدينة عليها حصن وفيها مسجد جامع وأسواق قائمة من برنيق إليها مرحلتان.

ومن برقة إليها أربع مراحل وأهلها قوم من البربر من زنارة وواهلة ومسوسة وسوة وتحلالة وغيرهم وجدانة وهم الغالبون عليها ، ولها أقاليم وساحل على البحر المالح على مقدار ستة أميال من المدينة ترسى به المراكب ، وهي آخر ديار لواتة من المدن.

__________________

(١) برقة : اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الإسكندرية وأفريقيا ، واسم مدينتها انطابلس وتفسيره الخمس مدن. (معجم البلدان ج ١ / ص ٤٦٢).

(٢) برنيق : مدينة بين الإسكندرية وبرقة على الساحل. (معجم البلدان ج ١ / ص ٤٧٩).

١٨١

وبطون لواتة يقولون إنهم من ولد لواتة بن بر بن قيس عيلان ، وبعضهم يقول إنهم قوم من لخم كان أولهم من أهل الشام فنقلوا إلى هذه الديار ، وبعضهم يقول إنهم من الروم.

سرت

ومن مدينة أجدابية إلى مدينة سرت (١) على ساحل البحر المالح خمس مراحل ، مرحلة منها من ديار لواتة ، وفيهم قوم من مزاتة وهم الغالبون عليها منها الفاروج وقصر العطش واليهودية وقصر العبادي ومدينة سرت وأهل هذه المنازل وأهل مدينة سرت منداسة ومحنحا وفنطاس وغيرهم ، آخر منازلهم على مرحلتين من مدينة سرت بموضع يقال له تورغة وهو آخر حد برقة ، ومزاتة كلها إباضية (٢) على أنهم لا يفقهون ولا دين لهم.

وخراج برقة قانون قائم كان الرشيد وجه بمولى له ، يقال له بشار فوزع خراج الأرض بأربعة وعشرين ألف دينار على كل ضيعة شيء معلوم سوى الأعشار والصدقات والجوالي ، ومبلغ الأعشار والصدقات والجوالي خمسة عشر ألف دينار ، ربما زاد وربما نقص ، والأعشار للمواضع التي لا زيتون بها ولا شجر ولا قرى مقراة.

ولبرقة عمل يقال له : أوجلة وهو في مفازة مغرب لمن أراد الخروج إليها ينحرف إلى القبلة ، ثم يصير إلى مدينتين يقال لإحداهما جالو وللأخرى ودّان ولهما النخل والتمر والقسب الذي لا شيء أجود منه ، وأرض ودان لآنقهما.

__________________

(١) سرت : مدينة على ساحل البحر الرومي بين برقة وطرابلس الغرب لا بأس بها ، وفي سمتها من ناحية الجنوب في البر أجدابيّة ، ومنها يقصد إلى طرابلس الغرب ، وهي مدينة كبيرة على سيف البحر عليها سور من طوب وبها جامع وحمّام وأسواق. ولها ثلاثة أبواب : قبلي وجنوبي وباب صغير إلى البحر ليس حولها أرباض ، ولهم نخل وبساتين وآبار عذبة وجباب كثيرة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٣٢).

(٢) الإباضيّة : فرقة من الخوارج تنسب إلى عبد الله بن إباض ، قاموا بثورات متعدّدة على الخلفاء أهمها ثورة عبد الله بن يحيى سنة ١٢٩ ه‍ / ٧٤٧ م ، وبسطوا نفوذهم على اليمن وحضرموت ، وثاروا على العباسيين في عمان فأخمد السفّاح عصيانهم ولم يتمكّن من القضاء على حركتهم الفكرية والروحية التي انتشرت في عمان وزنجبار وشمالي أفريقيا حيث أصبحت مذهب البربر القومي فأسسو الدولة الرستميّة ، معروفون حتى يومنا في زنجبار وعمان وأفريقيا الشمالية ولا سيّما في الجزائر. (المنجد في اللغة والأعلام).

١٨٢

ودّان

ومن أعمال برقة المضافة كانت إليها ودّان (١) وهو بلد يؤتى من مفازة وهو مما يضاف إلى عمل سرت.

ومن مدينة سرت إليه مما يلي القبلة خمس مراحل وبه قوم مسلمون يدّعون أنهم عرب من يمن وأكثرهم من مزاتة وهم الغالبون عليه. وأكثر ما يحمل منه التمر فإن به أصناف التمور وإنما يتولاه رجل من أهله وليس له خراج.

زويلة

ووراء ذلك بلد زويلة (٢) مما يلي القبلة وهم قوم مسلمون إباضية كلهم يحجون البيت الحرام وأكثرهم رواية ويخرجون الرقيق السودان من الميريين والزغاويين والمرويين وغيرهم من أجناس السودان لقربهم منهم وهم يسبونهم ، وبلغني أن ملوك السودان يبيعون السودان من غير شيء ولا حرب.

ومن زويلة الجلود الزويلية ، وهي أرض نخل ومزدرع درة وغيرها ، وبها أخلاط من أهل خراسان من البصرة والكوفة.

ووراء زويلة على خمس عشرة مرحلة مدينة يقال لها : «كوار» بها قوم من المسلمين من سائر الأجياء أكثرهم بربر يأتون بالسودان.

وبين زويلة ومدينة كوار وما يلي زويلة إلى طريق أوجلة (٣) وأجدابية (٤) قوم يقال لهم : لمطة أشبه شيء بالبربر ، وهم أصحاب الدرق اللمطية البيض.

__________________

(١) ودّان : ثلاثة مواضع : أحدها بين مكة والمدينة قرية جامعة من نواحي الفرع ، وقال البكري : ودّان مدينة في جنوبي أفريقيا بينها وبين زويلة عشرة أيام من جهة أفريقيا. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٢١).

(٢) زويلة : مدينة في أول حدود بلاد السودان ، وفيها جامع ، وأسواق ، وحمّام ، وبها نخيل ، وبساط للزرع. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٧٩).

(٣) أوجلة : مدينة في جنوبي برقة نحو المغرب ضاربة في البرّ. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٢٨).

(٤) أجدابية : هو بلد بين برقة وطرابلس الغرب ، بينه وبين زويلة نحو الشهر سيرا. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٢٥).

١٨٣

فزّان

وجنس يعرف بفزّان (١) أخلاط من الناس لهم رئيس يطاع فيهم وبلد واسع ومدينة عظيمة ، وبينهم وبين مزاته حرب لاقح أبدا وتسمى برقة أنطابلس هذا اسمها القديم.

افتتحها عمرو بن العاص سنة ثلاث وعشرين صلحا ، ومن آخر عمل برقة من الموضع الذي يقال له : تورغة إلى أطرابلس ست مراحل وينقطع ديار مزاتة من تورغة ويصير في ديار هوارة فأول ذلك ورداسة ، ثم لبدة وهي حصن كالمدينة على ساحل البحر.

وهوارة يزعمون أنهم من البربر القدم وأن مزاتة ولوانة كانوا منهم فانقطعوا عنهم وفارقوا ديارهم وصاروا إلى أرض برقة وغيرها.

وتزعم هوارة أنهم قوم من اليمن جهلوا أنسابهم ، وبطون هوارة يتناسبون كما تتناسب العرب فمنهم بنو الله ان ومليلة وورسطفة ، فبطون الله ان بنو درصا وبنو مرزبان وبنو ورفلة وبنو مسراتة ، ومنازل هوارة من آخر عمل سرت إلى أطرابلس.

أطرابلس

أطرابلس (٢) مدينة قديمة جليلة على ساحل البحر عامرة آهلة وأهلها أخلاط من الناس.

افتتحها عمرو بن العاص سنة ثلاث وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب وكانت آخر ما افتتح من المغرب في خلافة عمر.

ومن أطرابلس إلى أرض نفوسة (٣) وهم قوم عجم الألسن إباضية كلهم لهم رئيس

__________________

(١) فزّان : وهم قوم يغلب عليهم اللون الأسود ، والفزّان ولاية واسعة بها نخل كثير وتمر كثير.(معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٩٥).

(٢) أطرابلس : مدينة في آخر أرض برقة وأول أرض أفريقيا ، ويقال لها أطرابلس الغرب. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٥٧).

(٣) نفوسة : جبال في المغرب بعد أفريقيا عالية ، وفيها منبران في مدينتين أحدهما سروس في وسط الجبل وبها خبز الشعير ألذ من كل طعام. والأخرى يقال لها جادو من ناحية نفزاوة وأهل جميع هذه البلاد شراة ، وهبيّة ، وإباضية متمرّدون على طاعة السلاطين. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٤٣).

١٨٤

يقال له : إلياس لا يخرجون عن أمره ومنازلهم في جبال أطرابلس في ضياع وقرى ومزارع وعمارات كثيرة ، لا يؤدون خراجا إلى سلطان ولا يعطون طاعة إلا إلى رئيس لهم بتاهرت (١) وهو رئيس الإباضية يقال له عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فارسي (٢).

وديار نفوسة متصلة من حد أطرابلس مما يلي القبلة إلى قريب من القيروان ولهم قبائل كثيرة وبطون شتى.

ومن أطرابلس على الجادة العظمى إلى مدينة يقال لها : قابس (٣) ـ عظيمة على البحر المالح عامرة كثيرة الأشجار والثمار والعيون الجارية ، وأهلها أخلاط من العرب والعجم والبربر ، وبها عامل من قبل ابن الأغلب صاحب أفريقية ـ خمس مراحل عامرة يسكنها قوم من البربر من زناتة ولواتة والأفارقة الأول فأولها وبلة أول مرحلة من أطرابلس ثم صبرة وهي منزل بها أصنام حجارة قديمة ثم قصر بني حبان ثم بام وقب ثم الفاصلات ثم قابس.

القيروان

ومن قابس إلى مدينة القيروان (٤) أربع مراحل أولها عين الزيتونة غير آهلة ، ثم

__________________

(١) تاهرت : اسم لمدينتين متقابلتين بأقصى المغرب ، يقال لإحداهما تاهرت القديمة والأخرى تاهرت الحديثة ، وهي كثيرة الأنداء والضباب والأمطار حتى إن الشمس فيها قلّ أن ترى.(معجم البلدان ج ٢ / ص ٨).

(٢) عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ، ثاني الأئمة الإباضية في تيهرت بالجزائر ، فارسي الأصل ، كان مرشّحا للإمامة في حياة أبيه ، وجعلها أبوه شورى ، فوليها بعد وفاته بنحو شهر سنة ١٧١ ه‍ ، واجتمع له من أمر الإباضية وغيرهم ما لم يجتمع مثله لزعيم إباضي قبله ، وكان فقيها عالما ، شجاعا يباشر الحروب بنفسه ، واستمر إلى أن توفي سنة ١٩٠ ه‍ / ٨٠٦ م وفي تاريخ وفاته خلاف.

(٣) قابس : مدينة بين طرابلس وسفاقس ثم المهدية على ساحل البحر فيها نخل وبساتين غربي طرابلس الغرب ، وهي ذات مياه جارية ، كان فتحها مع فتح القيروان سنة ٢٧ ه‍. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٢٨).

(٤) القيروان : معرّب وهو بالفارسية كاروان ، وهي مدينة عظيمة بأفريقيا غبرت دهرا وليس بالغرب مدينة أجلّ منها ، وهي مدينة مصّرت في الإسلام أيام معاوية بن أبي سفيان. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٧٦).

١٨٥

للس قصر فيه عمارة ، ثم غدير الأعرابي ، ثم قلشانة (١) وهي موضع المعرس لمن خرج من القيروان وقدم إليها ، ثم مدينة القيروان العظمى التي اختطها عقبة بن نافع الفهري (٢) سنة ستين في خلافة معاوية ، وكان عقبة الذي افتتح أكثر المغرب على أن أول من دخل أرض أفريقية وافتتحها عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان سنة ست وثلاثين.

والقيروان مدينة كان عليها سور من لبن وطين فهدمه زيادة الله بن إبراهيم ابن الأغلب لما ثار عليه عمران بن مجالد وعبد السّلام بن المفرج ومنصور الطنبذي فإنهم ثاروا عليه بالقيروان وهم من الجند القدم الذين كانوا قدموا مع ابن الأشعث.

وشربهم من المطر إذا كان الشتاء ووقعت الأمطار والسيول دخل ماء المطر من الأودية إلى برك عظام يقال لها المؤاجل ، فمنها شرب السقاة ولهم واد يسمى وادي السراويل في قبلة المدينة يأتي فيه ماء مالح لأنه في سباخ الناس يستعملونه فيما يحتاجون إليه.

ومنازل بني الأغلب على ميلين من مدينة القيروان في قصور قد بني عليها عدة حيطان لم تزل منازلهم حتى تحول عنها إبراهيم بن أحمد فنزل بموضع يقال له : الرقادة (٣) على ثمانية أميال من مدينة القيروان وبنى هناك قصرا.

__________________

(١) قلشانة : مدينة بأفريقيا أو ما يقاربها. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٤١).

(٢) عقبة بن نافع الفهري ، فاتح من كبار القادة في صدر الإسلام ، وهو باني مدينة القيروان ، ولد في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم سنة ١ ق. ه / ٦٢١ م ، ولا صحبة له ، شهد فتح مصر ، وكان ابن خاله عمرو بن العاص ، فوجّهه عمرو إلى أفريقيا سنة ٤٢ ه‍ واليا ، فافتتح كثيرا من تخوم السودان وكورها في طريقه ، وعلا ذكره ، فولاه معاوية أفريقيا استقلالا سنة ٥٠ ه‍ ، وسيّر إليه عشرة آلاف فارس ، فأوغل في بلاد أفريقيا حتى أتى وادي القيروان فأعجبه فبنى فيه مسجدا لا يزال إلى اليوم يعرف بجامع عقبة ، وأمر من معه فبنوا فيه مساكنهم ، وعزله معاوية سنة ٥٥ ه‍ ، فعاد إلى المشرق ، ولما توفي معاوية بعثه يزيد واليا على المغرب سنة ٦٢ ه‍ ، فقصد القيروان وخرج منها بجيش كثيف ، ففتح حصونا ومدنا ، وصالحه أهل فزّان ، فسار إلى الزاب وتاهرت ، وتقدّم إلى المغرب الأقصى فبلغ البحر المحيط ، وعاد ، فلما كان في تهودة من أرض الزاب تقدمته العساكر إلى القيروان ، وبقي في عدد قليل ، فطمع به الفرنج ، فأطبقوا عليه ، فقتلوه ومن معه ، ودفن بالزاب سنة ٦٣ ه‍ / ٦٨٣ م.

(٣) الرقادة : بلدة في أفريقيا بينها وبين القيروان أربعة أيام ، أكثرها بساتين ، ولم يكن في أفريقيا أطيب هواء ، ولا أعدل نسيما ، وأرقّ تربة منها ، ويقال : من دخلها لا يزال مستبشرا من غير سبب. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٦٣).

١٨٦

وفي مدينة القيروان أخلاط من قريش ومن سائر بطون العرب من مضر وربيعة وقحطان وبها أصناف من العجم من أهل خراسان ومن كان وردها مع عمال بني هاشم من الجند وبها عجم من عجم البلد البربر والروم وأشباه ذلك.

ومن القيروان إلى سوسة (١) وهي على ساحل البحر المالح مرحلة وبها دار صناعة تعمل فيها المراكب وأهل سوسة أخلاط من الناس ومن القيروان إلى الموضع الذي يقال له الجزيرة مرحلة وهي جزيرة أبي شريك موغلة في البحر يحيط بها ماء البحر كثيرة التجارة وفيها قوم من رهط عمر بن الخطاب وسائر بطون العرب والعجم ، ولها عدة مدن ليست بالعظام يتفرق فيها الناس وعاملها ينزل مدينة يقال لها البواسة بالقرب من إقليبية (٢) التي يركب منها إلى سقلية (٣).

ومن القيروان إلى مدينة سفوطرة مرحلتان خفيفتان وهي مدينة كبيرة فيها قوم من قريش ومن قضاعة وغيرهم.

ومن القيروان إلى مدينة تونس (٤) وهي على ساحل البحر وبها دار صناعة وهي مدينة عظيمة منها كان حماد البربري مولى هارون الرشيد وهو صاحب اليمن.

وكان على تونس سور من لبن وطين وكان سورها مما يلي البحر بالحجارة فخالف أهلها على زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب وكان منهم منصور الطنبذي وحصين التجيبي والقريع البلوي فحاربهم فلما ظهر عليهم هدم سور المدينة بعد أن قتل فيهم

__________________

(١) سوسة : بلد بالمغرب ، وهي مدينة عظيمة بها قوم لونهم لون الحنطة يضرب إلى الصفرة ، ومن السوسة يخرج إلى السوس الأقصى على ساحل البحر المحيط. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٢٠).

(٢) إقليبية : هو حصن منيع بأفريقيا قرب قرطاجنة ، مطلّ على البحر ، قال : لما أرادوا بناءه نقبوا في الجبل وجعلوا يقلبون حجارته في البحر من أعلى الجبل فسمّي إقليبيّة. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٨١).

(٣) سقلية : ضبطها صاحب معجم البلدان صقليّة بالصاد وأكثر أهل صقلية يفتحون الصاد ، من جزائر بحر المغرب مقابلة أفريقيا. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٧٣).

(٤) تونس : مدينة كبيرة محدثة في أفريقيا على ساحل بحر الروم ، عمّرت من أنقاض مدينة كبيرة قديمة بالقرب من قرطاجنة ، وكان اسم تونس في القديم ترشيش ، وهي على ميلين من قرطاجنة ، وهي قصبة أفريقيا ، وليس بها ماء جار إنما شربهم من آبار ومصانع يجتمع فيها ماء المطر ، في كل دار مصنع ، وآبارها خارج الديار في أطراف البلد ، وماؤها مالح ، ولها غلّة فائضة ، وهي من أصح بلاد أفريقيا هواء. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٧٠).

١٨٧

خلقا عظيما. ومن ساحل تونس يعبر إلى جزيرة الأندلس ، وقد ذكرنا جزيرة الأندلس وأحوالها عند ذكرنا تاهرت.

ومن القيروان إلى مدينة باجة (١) ثلاث مراحل ، ومدينة باجة مدينة كبيرة عليها سور حجارة قديم وبها قوم من جند بني هاشم القدم وقوم من العجم ، ويلي مدينة باجة قوم من البربر يقال هم وزداجة ممتنعين لا يؤدون إلى ابن الأغلب طاعة.

ومن القيروان إلى مدينة الأربس (٢) مرحلتان وهي مدينة كبيرة عامرة بها أخلاط من الناس.

ومن القيروان إلى مدينة يقال لها مجانه أربع مراحل ، وبهذه المدينة معادن الفضة والكحل والحديد والمرتك والرصاص بين جبال وشعاب وأهلها قوم يقال لهم السناجرة يقال إن أولهم من سنجار من ديار ربيعة وهم جند للسلطان وبها أصناف من العجم من البربر وغيرهم.

ومن القيروان مما يلي القبلة إلى بلاد قمودة وهو بلد واسع فيه مدن وحصون ، والمدينة التي ينزلها العامل في هذا الوقت مذكورة ، والمدينة القدية العظمى التي هي يقال لها سبيطلة وهي التي افتتحت في أيام عثمان بن عفان وحصرها عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير وأمير الجيش عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وثلاثون.

ومن قمودة إلى مدينة قفصة وهي مدينة حصينة عليها سور حجارة وفيها عيون ماء داخل المدينة وهي مفروشة بالبلاط وحولها عمارة كثيرة وثمار موصوفة.

ومن قفصة إلى مدائن قسطيلية (٣) وهي أربع مدائن في أرض واسعة لها النخل

__________________

(١) باجة : بلدة بأفريقيا تعرف بباجة القمح ، سمّيت بذلك لكثرة القمح فيها ، بينها وبين تنس يومان ، وهي كثيرة الأنهار ، وهي على جبل يقال له عين الشمس. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٧٣).

(٢) الأربس : مدينة وكورة بأفريقيا ، وكورتها واسعة ، وأكثر غلّتها الزعفران ، وبها معدن حديد ، وبينها وبين القيروان ثلاثة أيام من جهة المغرب. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٦٥).

(٣) قسطيلية : مدينة بالأندلس وهي حاضرة نحو كورة إلبيرة ، كثيرة الأشجار متدفّقة الأنهار تشبه دمشق ، وهي مدينة كبيرة عليها سور حصين ، وبها تمر قسب كثير يجلب إلى أفريقيا ، لكن ماءها غير طيّب ، وسعرها غال ، وأهلها شراة ، وهبيّة ، وإباضية. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٩٦).

١٨٨

والزيتون فالمدينة العظمى يقال لها توزر (١) وبها ينزل العمال ، والثانية يقال لها الحامة ، والثالثة تقيوس (٢) ، والرابعة نفطة (٣) ، وحول هذه المدن أربع سباخ ، وأهل هذه المدن قوم عجم من الروم القدم والأفارقة والبربر ، ومن مدائن قسطيلية إلى مدائن نفزاوة (٤) ثلاث مراحل.

ونفزاوة عدة مدن فالمدينة العظمى التي ينزلها العمال يقال لها بشرة وبها قوم من الأفارقة القدم ومن البربر يحيط بالمدائن التي تلي القبلة الرمال.

ومما يلي القبلة من القيروان بلد يقال له الساحل ـ ليس بساحل بحر ـ كثير السواد من الزيتون والشجر والكروم وهي قرى متصلة بعضها في بعض كثيرة ، ولهذا البلد مدينتان يقال لإحداهما سه وللأخرى قبيشة.

ومن بلد الساحل إلى مدينة يقال لها أسفاقس (٥) يكون من سه وقبيشة على مرحلتين وهي على ساحل البحر يضرب البحر المالح سورها وهي آخر بلد الساحل.

ومن أسفاقس إلى موضع يقال له بنزرت (٦) مسيرة ثمانية أيام وفي جميع المراحل حصون متقاربة ينزلها العباد والمرابطون.

__________________

(١) توزر : مدينة في أقصى أفريقيا من نواحي الزاب الكبير من أعمال الجريد ، معمورة ، بينها وبين نفطة عشرة فراسخ ، أرضها سبخة ، بها نخل كثير. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٦٧).

(٢) تقيوس : مدينة بأفريقيا قريبة من توزر. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٤).

(٣) نقطة : مدينة بأفريقيا من أعمال الزاب الكبير ، وأهلها شراة إباضية وهبيّة متمرّدون ، وبين نقطة ومدينة توزر مرحلة وبينها وبين قفصة مرحلتان. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٤٢).

(٤) نفزاوة : مدينة في أفريقيا ، قال البكري : تسير من القيروان إلى نفزاوة مسيرة ستة أيام نحو المغرب ، وبالنفزاوة عين تسمّى بالبربرية تاورغي ، وهي عين كبيرة لا يدرك قعرها ، ولمدينة نفزاوة سور صخر وطوب ولها ستة أبواب وفيها جامع وأسواق حافلة وحمّام ، وهي كثيرة النخل والثمار وحواليها عيون كثيرة وفي قبلتها مدينة أزلية تعرف بالمدينة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٤٢).

(٥) أسفاقس : اسم مدينة من نواحي أفريقيا ، إذا خرجت من قابس تريد الغرب جئتها ، ومنها إلى المهدية ، والغالب على غلّتها الزيتون. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٠٠).

(٦) بنزرت : مدينة بأفريقيا بينها وبين تونس يومان ، وهي من نواحي شطفورة ، مشرفة على البحر ، وتنفرد بنزرت ببحيرة تخرج من البحر الكبير إلى مستقرّ تجاهها ، يخرج منها في كل شهر صنف من السمك لا يشبه السمك الذي خرج في الشهر الذي قبله إلى انقضاء الشهر ، ثم صنف آخر وهكذا. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٩٢).

١٨٩

ومن القيروان إلى بلاد الزاب عشر مراحل ، ومدينة الزاب العظمى طبنة (١) وهي التي ينزلها الولاة وبها أخلاط من قريش والعرب والجند والعجم والأفارقة والروم والبربر.

والزاب بلد واسع فمنه مدينة قديمة يقال لها : باغاية (٢) بها قبائل من الجند وعجم من أهل خراسان وعجم من عجم البلد من بقايا الروم حولها قوم من البربر من هوارة بجبل جليل يقال له : أوراس (٣) يقع عليه الثلج.

ومدينة يقال لها : تيجس من عمل باغاية حولها قوم بربر عجم يقال لها : نفزة ، ومدينة عظيمة جليلة يقال لها : ميلة عامرة محصنة لم يلها وال قط ولها حصن دون حصن فيه رجل من بني سليم يقال له : موسى بن العباس بن عبد الصمد من قبل ابن الأغلب ، وسواحل البحر تقرب من هذه المدينة ولها مرسى يقال له : جيجل ، ومرسى يقال له قلعة خطاب ، ومرسى يقال له إسكيدة ، ومرسى يقال له ملر ، ومرسى يقال له مرسى دنهاجة ، وهذا البلد كله عامر كثير الأشجار والثمار وهم في جبال وعيون.

ومدينة يقال لها : سطيف (٤) بها قوم من بني أسد بن خزيمة عمال من قبل ابن الأغلب ، ومدينة يقال لها بلزمه ، أهلها قوم من بني تميم وموالي لبني تميم وقد خالفوا على ابن الأغلب في هذا الوقت.

ومدينة يقال لها نقاوس كثيرة العمارة والثمر بها قوم من الجند وحواليها البربر من مكنانة بطن من زناتة وحولهم قوم يقال لهم أورية ، وطبنة مدينة الزاب العظمى وهي في وسط الزاب وبها ينزل الولاة.

__________________

(١) طبنة : لعلها أعجمية ، وفي العربية طبنة وهي لعبة للأعراب ، وهي خطّة يخطونها مستديرة ، وجمعها طبن ، وهي بلدة في طرف أفريقيا مما يلي المغرب. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٣).

(٢) باغاية : مدينة كبيرة في أقصى أفريقيا بين مجّانة وقسنطينية الهواء. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٨٦).

(٣) أوراس : جبل بأرض أفريقيا فيه بلاد عدّة وقبائل من البربر ، وهو جبل قريب من باغاية ، مياهه كثيرة ، وعمارته متصلة ، وفي أهله نخوة وتسلط على من جاورهم من ناس. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٣٠).

(٤) سطيف : مدينة في جبال كتامة بين تاهرت والقيروان من أرض البربر ببلاد المغرب ، وهي صغيرة إلّا أنها ذات مزارع ، وعشب عظيم ، ومنها خرج أبو عبد الله الشيعي داعية عبيد الله المسمّى بالمهدي. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٤٨).

١٩٠

ومدينة يقال لها مقرة لها حصون كثيرة والمدينة العظمى مقرة أهلها قوم من بني ضبة وبها قوم من العجم وحولها قوم من البربر يقال لهم بنو زنداج وقوم يقال لهم كزبرة وقوم يقال لهم سارسة ، ومنها إلى حصون تسمى برحلس وطلمة وحبرور بها قوم من بني تميم من بني سعد يقال لهم بنو الصمصامة خالفوا على ابن الأغلب وظفر ابن الأغلب ببعضهم فحبسهم.

ومدينة أحه وهي على الجبل وخالف أهلها على ابن الأغلب وكان من خالفه قوم من هوارة يقال لهم بنو سعمان وبنو ورجيل وغيرهم.

ومدينة أربة (١) وهي آخر مدن الزاب مما يلي المغرب في آخر عمل بني الأغلب ولم يجاوزها المسودة ، وإذا خرج الخارج من عمل الزاب مغربا صار إلى قوم يقال لهم بنو برزال وهم فخذ من بني دمر من زناتة وهم شراة كلهم. وقد ذكرنا فتح أفريقية وأخبارها في كتاب أفردناه.

ومن هذا الموضع البلد الذي تغلب عليه الحسن بن سليمان بن سليمان بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام وأول المدن التي في يده مدينة يقال لها هاز سكانها قوم من البربر القدم يقال لهم بنو برنيان من زناتة أيضا ثم مدن بعض سكانها صنهاجة وزواوة يعرفون بالبرانس وهم أصحاب عمارة وزرع وضرع ، وإلى هاز ينسب البلد وبينها وبين عمل أدنة (٢) مسيرة ثلاثة أيام.

ثم إلى قوم يقال لهم بنو دمر من زناتة في بلد واسع وهم شراة كلهم عليهم رئيس منهم يقال له مضادف بن جرتيل في بلد زرع ومواش بينه وبين هاز مرحلة ، ومنها إلى حصن يقال له حصن ابن كرام وليس أهله بشراة ، ولكنهم جماعية بلدهم بلد زرع ثم يصير إلى بلد يقال له متيجة تغلب فيه رجال من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام يقال لهم بنو محمد بن جعفر ، وهو بلد واسع فيه عدة مدن وحصون وهو بلد زرع وعمارة ، بين هذا البلد وبين حصن مصادف بن جرتيل مسيرة ثلاثة أيام مما يلي

__________________

(١) أربة : اسم مدينة بالمغرب ، وهي أكبر مدينة بالزاب يقال : إن حولها ثلاثمائة وستين قرية.(معجم البلدان ج ١ / ص ١٦٩).

(٢) أدنة : ضبطها صاحب معجم البلدان «أذنة» بالذال ، قال أحمد بن يحيى بن جابر : بنيت أذنة سنة ١٤١ ه‍ ، أو ١٤٢ ه‍ ، وجنود خراسان معسكرون عليها بأمر صالح بن علي بن عبد الله بن عباس ، ثم بني الرشيد القصر الذي عند أذنة قريب من جسرها على سيحان في حياة أبيه المهدي سنة ١٦٥ ه‍. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٦١).

١٩١

البحر. ثم مدينة مدكرة فيها ولد محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه السّلام.

ومدينة الخضراء (١) ويتصل بهذه مدن كثيرة وحصون وقرى ومزارع ، يتغلب على هذا البلد ولد محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام كل رجل منهم مقيم متحصن في مدينة وناحية وعددهم كثير حتى أن البلد يعرف بهم وينسب إليهم ، وآخر المدن التي في أيديهم المدينة التي تقرب من ساحل البحر يقال لهم سوق إبراهيم وهي المدينة المشهورة فيها رجل يقال له عيسى بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.

ثم من هذه إلى تاهرت ، والمدينة العظمى مدينة تاهرت جليلة المقدار عظيمة الأمر تسمى «عراق المغرب» لها أخلاط من الناس تغلب عليها قوم من الفرس يقال لهم بنو محمد بن أفلج بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الفارسي.

وكان عبد الرحمن بن رستم يتولى أفريقية وصار ولده إلى تاهرت فصاروا إباضية ورأس الإباضية ، فهم رؤساء إباضية المغرب ، ويتصل بمدينة تاهرت بلد عظيم ينسب إلى تاهرت في طاعة محمد بن أفلج ابن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ، والحصن الذي على ساحل البحر الأحمر ترسى به مراكب تاهرت يقال له مرسى فروخ.

جزيرة الأندلس ومدنها

ومن أراد جزيرة الأندلس (٢) نفذ من القيروان إلى تونس على ما ذكرنا وهي على ساحل البحر المالح فركب البحر المالح يسير فيه مسيرة عشرة أيام مسحلا (٣) غير موغل حتى يحاذي جزيرة الأندلس من موضع يقال له تنس (٤) بينه وبين تاهرت مسيرة أربعة

__________________

(١) الخضراء : مدينة بينها وبين مليانة يوم واحد ، وهي مدينة جليلة كثيرة البساتين على شاطىء نهر ، وهي من أخصب مدن أفريقيا. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٣٠).

(٢) الأندلس : وهي كلمة عجميّة لم تستعملها العرب في القديم ، وإنّما عرفتها العرب في الإسلام ، وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام ، وهي جزيرة كبيرة فيها عامر وغامر ، تغلب عليها المياه الجارية ، والشجر ، والتمر ، والرخص ، والسعة في الأحوال. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣١١).

(٣) مسحّلا : أي متّخذا الطريق الساحلي. (القاموس المحيط ، مادة : ساحل).

(٤) تنس : هي آخر أفريقيا مما يلي المغرب ، بينها وبين وهران ثماني مراحل وإلى مليانة في جهة ـ

١٩٢

أيام ، أو صار إلى تاهرت يوافي الجزيرة (جزيرة الأندلس) فيقطع اللج في يوم وليلة حتى يصير إلى بلد تدمير (١) وهو بلد واسع عامر فيه مدينتان يقال لإحداهما العسكر وللأخرى لورقة في كل واحدة منبر.

ثم يخرج منها إلى المدينة التي يسكنها المتغلب من بني أمية وهي مدينة يقال لها قرطبة (٢) فيسير ستة أيام من هذا الموضع في قرى متصلة وعمارات ومروج وأودية وأنهار وعيون ومزارع ، وقبل أن يصير إلى مدينة قرطبة من تدمير يصير إلى مدينة يقال لها إلبيرة (٣) نزلها من كان قدم البلد من جند دمشق من مضر وجلهم قيس وأفناء قبائل العرب ، بينها وبين قرطبة مسيرة يومين ، وغربيها مدينة يقال لها رؤية (٤) نزلها جند الأردن وهم يمن كلهم من سائر البطون.

وغربي رية (٥) مدينة يقال لها شدونة (٦) نزلها جند حمص وأكثرهم يمن وفيهم من نزار نفر يسير ، وغربي شدونة مدينة يقال لها الجزيرة نزلها البربر وأخلاط من العرب قليل ، وغربي المدينة التي يقال لها الجزيرة مدينة يقال لها إشبيلية (٧) على نهر عظيم

__________________

ـ الجنوب أربعة أيام وإلى تاهرت خمس مراحل أو ستّ. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٦).

(١) تدمير : كورة بالأندلس تتصل بأحواز كورة جيّان ، سمّيت باسم ملكتها تدمير ، وهي شرقي قرطبة ، ولها معادن قصيرة ، ومعاقل ، ومدن ، ورساتيق ، وبينها وبين قرطبة سبعة أيام للراكب القاصد. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٢٢).

(٢) قرطبة : كلمة عجمية رومية ولها في العربية مجال يجوز أن يكون من القرطبة وهو العدو الشديد ، وهي مدينة عظيمة بالأندلس وسط بلادها وكانت سريرا لملكها ، وبها كانت ملوك بني أمية ، ومنبع النبلاء من ذلك الصقع. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٦٨).

(٣) إلبيرة : هي كورة كبيرة من الأندلس ومدينة متصلة بأراضي كورة قبرة ، بين القبلة والشرق من قرطبة ، أرضها كثيرة الأنهار والأشجار وفيها مدن عدّة منها : قسطيلية ، وغرناطة ، وفي أرضها معادن : فضة وذهب ، وحديد ، ونحاس ، ومعدن حجر التوتيا. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٨٩).

(٤) رؤية : من أعمال بطليوس. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٢٠).

(٥) ريّة : كورة واسعة في الأندلس متّصلة بالجزيرة الخضراء ، وهي قبلي قرطبة ، وهي كثيرة الخيرات ، ولها مدن ، وحصون ، ورستاق ، ولها من الأقاليم نحو من الثلاثين كورة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٣١).

(٦) شدونة : ضبطها صاحب معجم البلدان «شذونة» بالذال ، مدينة في الأندلس تتّصل نواحيها بنواحي موزور ، وهي منحرفة عن موزور إلى الغرب مائلة إلى القبلة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٧٣).

(٧) إشبيلية : مدينة كبيرة عظيمة وليس بالأندلس أعظم منها وهي قاعدة ملك الأندلس وسريره ـ

١٩٣

وهو نهر قرطبة دخلها المجوس الذين يقال لهم الروس سنة تسع وعشرين ومائتين فسلبوا ونهبوا وحرقوا وقتلوا.

وغربي إشبيلية مدينة يقال لها البسلة (١) نزلها العرب أول ما دخل البلد مع طارق مولى موسى بن نصير اللخمي ، وغربيها مدينة يقال لها باجة نزلها العرب أيضا مع طارق ، وغربيها على البحر المالح المحيط مدينة يقال لها الأشبونة (٢) ، وغربيها على البحر أيضا مدينة يقال لها أحسونبة وهي الأندلس في الغرب على البحر الذي يأخذ إلى بحر الخزر.

ومما يلي الشرق من هذه المدينة يقال لها ماردة (٣) على نهر عظيم وبينها وبين قرطبة أربعة أيام وهي غربي قرطبة وهي تحاذي أرض الشرك وجنس منهم يقال لهم الجلالقة وهي في الجزيرة.

ثم يخرج من قرطبة مشرقا إلى مدينة يقال لها جيان وبها من كان من جند قنسرين والعواصم وهم أخلاط من العرب من معد واليمن ، ومن جيان ذات الشمال إلى مدينة طليطلة (٤) وهي مدينة منيعة جليلة ليس في الجزيرة مدينة أمنع منها وأهلها يخالفون على بني أمية ، وهم أخلاط من العرب والبربر والموالي ولها نهر عظيم يقال له دوير.

ومن طليطله لمن أخذ مشرقا إلى مدينة يقال لها وادي الحجارة كان عليها رجل من البربر يقال له مسل بن فرج الصنهاجي يتولاها يدعو لبني أمية ، ثم صار ولده وذريته

__________________

ـ ، وبها كان بنو عبّاد ، ولمقامهم بها خربت قرطبة ، وهي قريبة من البحر ، ومما فاقت به على غيرها من نواحي الأندلس زراعة القطن ، فإنه يحمل منها إلى جميع بلاد الأندلس والمغرب ، وهي على شاطىء عظيم قريب في العظم من دجلة أو النيل تسير فيه المراكب المثقلة. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٣٢).

(١) البسلة : بالسين الساكنة ، رباط يرابط به المسلمون. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٠٢).

(٢) أشبونة : وهي مدينة بالأندلس يقال لها : لشبونة ، وهي متّصلة بشنترين قريبة من البحر المحيط ، يوجد على ساحلها العنبر الفائق. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٣١).

(٣) ماردة : كورة واسعة من نواحي الأندلس متصلة بحوز فرّيش بين المغرب والجوف ، هي مدينة رائعة كثيرة الرخام عالية البنيان فيها آثار قديمة حسنة تقصد للفرجة والتعجّب بينها وبين قرطبة ستة أيام. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٦).

(٤) طليطلة : مدينة كبيرة ذات خصائص محمودة بالأندلس ، وهي غربي بلاد الروم ، وكانت قاعدة الملوك القرطبيين وموضع قرارهم ، وهي على شاطىء نهر تاجه وعليه القنطرة. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٥).

١٩٤

بعده إلى هذه الغاية في البلد ، ثم منها مشرقا إلى مدينة سرقصطة (١) وهي من أعظم مدائن ثغر الأندلس على نهر يقال له أبرة ، وذات الشمال منها مدينة يقال لها نطيلة محاذية لأرض الشرك الذين يقال لهم البسكنس ، وذات الشمال من هذه المدينة مدينة يقال لها وشقة وهي محادة من الإفرنج لجنس يقال لهم الجاسقس.

ومن سرقصطة إلى القبلة مدينة يقال لها طرطوشة (٢) وهي آخر ثغر الأندلس في الشرق محادة للإفرنجيين وهي على هذا النهر المنحدر من سرقصطة.

ومن طرطوشة لمن أخذ مغربا إلى بلد يقال له بلنسية (٣) وهو بلد واسع جليل نزله قبائل البربر ولم يعطوا بني أمية الطاعة ولهم نهر عظيم ببلد يقال له الشقر ، ومنها إلى بلد تدمير البلد الأول ، فهذه جزيرة الأندلس ومدنها.

رجعنا إلى ذكر تاهرت

في معظم طريق المغرب

ومن مدينة تاهرت (٤) وما يحوز عمل ابن أفلح الرستمي إلى مملكة رجل من هوارة يقال له ابن مسالة الإباضي إلا أنه مخالف لابن أفلح يحاربه ، ومدينته التي يسكنها يقال لها الجبل منها إلى مدينة يقال لها يلل تقرب من البحر المالح مسيرة نصف يوم ولها مزارع وقرى وعمارات وزرع وأشجار ، ثم من مملكة ابن مسالة الهواري إلى

__________________

(١) سرقصطة : ضبطها صاحب معجم البلدان «سرقسطة» بالسين ، بلدة مشهورة في الأندلس ، ذات فواكه عذبة لها فضل على سائر فواكه الأندلس ، مبنية على نهر كبير ، وهو نهر منبعث من جبال القلاع. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٤٠).

(٢) طرطوشة : مدينة بالأندلس تتصل بكورة بلنسية وهي شرقي بلنسية وقرطبة ، قريبة من البحر متقنة العمارة ، مبنية على نهر أبره ولها ولاية واسعة وبلاد كثيرة تعدّ في جملتها تحلّها التجار وتسافر منها إلى سائر الأمصار. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٤).

(٣) بلنسية : مدينة مشهورة في الأندلس متّصلة بحوة كور تدمير ، وهي شرقي تدمير وشرقي قرطبة ، وهي برية بحرية ذات أشجار وأنهار ، وتعرف بمدينة التراب ، والغالب على شجرها القراسيا ، ولا يخلو منه سهل ولا جبل ، وينبت بكورها الزعفران ، وبينها وبين تدمير أربعة أيام ومنها إلى طرطوشة أيضا أربعة أيام. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٨١).

(٤) تاهرت : اسم لمدينتين متقابلتين بأقصى المغرب ، يقال لإحداهما تاهرت القديمة والأخرى تاهرت الحديثة ، وهي كثيرة الأنداء والضباب ، والأمطار حتى إن الشمس فيها قلّ أن ترى.(معجم البلدان ج ٢ / ص ٨).

١٩٥

مملكة لبني محمد بن سليمان عبد الله بن الحسن بن الحسن أيضا سوى المملكة التي ذكرناها وهي مدينة مدكرة.

ومسكنهم في المدينة العظمى التي يقال لها غطلاس وأهل هذه المملكة قوم من بطون البربر من سائر قبائلهم وأكثرهم قوم يقال لهم بنو مطماطة وهم بطون كثيرة ولهم في مملكتهم مدينة عظيمة يقال لها أيزرج بها بعضهم.

وأهل هذه المدينة مطماطة ومدينة أيضا يملكها رجل منهم يقال له عبيد الله تسمى المدينة الحسنة إذا فسرت من لسان البربر بالعربية ، ثم إلى المدينة العظمى المشهورة بالغرب التي يقال لها تلمسان (١) وعليها سور حجارة وخلفه سور آخر حجارة وبها خلق عظيم وقصور ومنازل مشيدة ينزلها رجل منهم يقال له محمد بن القاسم بن محمد بن سليمان ، وحول هذه المدينة قوم من البربر يقال لهم مكناسة وسرسة.

ثم إلى المدينة التي تسمى مدينة العلويين كانت في أيدي العلويين من ولد محمد بن سليمان ثم تركوها فسكنها رجل من أبناء ملوك زناتة يقال له علي بن حامد بن مرحوم الزناتي ، ثم منها إلى مدينة يقال لها نمالتة فيها محمد بن علي بن محمد بن سليمان ، وآخر مملكة بني محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مدينة فالوس وهي مدينة عظيمة أهلها بطون البربر من مطماطة وترجة وجزولة وصنهاجة وأنجفة وأنحره.

ثم بعد مملكة بني محمد بن سليمان مملكة رجل يقال له صالح بن سعيد يدعي أنه من حمير ، وأهل البلد يزعمون أنه من أهل البلد نفزي ، واسم مدينته العظمى التي ينزلها باكور وهي على البحر المالح.

ومن هذه المدينة جاز رجل من ولد هشام بن عبد الملك بن مروان ومن معه من آل مروان إلى جزيرة الأندلس لما هربوا من بني العباس ومملكة صالح بن سعيد الحميري مسيرة عشرة أيام في عمارات وحصون وقرى ومنازل وزرع وضرع وخصب ، وآخر مملكته مدينة يقال لها مرحانة على جبل تحتها أنهار وأودية وعمارات ، ثم يصير

__________________

(١) تلمسان : بالمغرب وهما مدينتان متجاورتان مسوّرتان إحداهما قديمة والأخرى حديثة ، والحديثة اختطها الملثّمون ملوك المغرب ، واسمها تافرزت ، فيها يسكن الجند وأصحاب السلطان وأصناف من الناس ، واسم القديمة أقادير ، تسكنها الرعية. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٢).

١٩٦

منها إلى مملكة بني إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام وأول حد مملكتهم بلد يقال له غميرة بها رجل يقال له عبيد الله بن عمر بن إدريس.

ثم إلى بلد يقال له ملحاص لخانة عنده يجتمع فيها حاج السوس الأقصى وطنجة (١) ويملكه علي بن إدريس ، ثم قلعة صدينة وهو بلد عظيم به محمد بن عمر بن إدريس ، ثم من قلعة صدينة إلى النهر العظيم الذي يقال له لمهار به حصون وعمارات وبلد واسع عليه رجل من ولد داود بن إدريس بن إدريس وإلى نهر يقال له سبو عليه حمزة بن داود بن إدريس بن إدريس ، ثم يدخل إلى المدينة العظمى التي يقال لها مدينة أفريقيا ـ على النهر العظيم الذي يقال له قاس ـ بها يحيى بن يحيى بن إدريس بن إدريس بن إدريس وهي مدينة جليلة كثيرة العمارة والمنازل ، ومن الجانب الغربي من نهر قاس ـ وهو نهر يقال إنه أعظم من جميع أنهار الأرض عليه ثلاثة آلاف رحا تطحن ـ المدينة التي تسمى مدينة أهل الأندلس ينزلها داود بن إدريس وكل واحد من يحيى بن يحيى ، وداود بن إدريس يخالف على صاحبه يدافعه ويحاربه ، وعلى طرف قاس مدينة يقال لها [...](٢) تسكنها برقسانة قوم من البربر القدم ، وعلى نهر قاس عمارات جليلة وقرى وضياع ومزارع من حافتيه يأتي ماؤه من عيون قبلية إلا أنهم يقولون إنه لا يزيد ولا ينقص ويفيض في النهر الذي يقال له سبو وقد ذكرناه ، ويفرغ سبو في البحر المالح.

ومملكة بني إدريس واسعة كبيرة ، حدثني أبو معبد عبد الرحمن بن محمد بن ميمون بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم التاهرتي قال : تاهرت مدينة كبيرة آهلة بين جبال وأودية ليس لها فضاء بينها وبين البحر المالح مسيرة ثلاث رحلات في مستوى من الأرض وفي بعضها سباخ وواد يقال له وادي شلف وعليه قرى وعمارة يفيض كما يفيض نيل مصر يزرع عليه العصفر والكتان والسمسم وغير ذلك من الحبوب ويصير إلى جبل يقال أنقيق ثم يخرج إلى بلد نفزة (٣) ثم يصير إلى البحر المالح ، وشرب أهل مدينة تاهرت من أنهار وعيون يأتي بعضها من صحراء وبعضها من جبل قبلي يقال

__________________

(١) طنجة : مدينة على ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء ، وهي من البرّ الأعظم وبلاد البربر. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٩).

(٢) بياض في الأصل.

(٣) نفزة : قبيلة كبيرة منها بنو عميرة وبنو ملحان المقيمون بشاطبة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٤٢).

١٩٧

له جزول لم يجدب زرع ذلك البلد قط إلا أن يصيبه ريح أو برد وهو جبل متصل بالسوس يسميه أهل السوس درن ويسمى بتاهرت جزول ويسمى بالزاب أوراس ، ومن خرج من تاهرت سالك الطريق بين القبلة والغرب سار إلى مدينة يقال لها أوزكا ثلاث مراحل والغالب عليها فخذ من زناتة يقال لهم بنو مسرة رئيسهم عبد الرحمن بن أودموت بن سنان وصار بعده ولده فانتقل ابن له يقال له زيد إلى موضع يقال له ثارينة فولده به.

ومن مدينة أوزكا لمن سلك مغربا إلى أرض الزناتة ثم يصير إلى مدينة سجلماسة بعد أن يسير سبع مراحل أو نحوها على حسب الجد في المسير والتقصير ، ومسيره في قرى ليست بآهلة وفي بعضها مفازة.

سجلماسة

وسجلماسة (١) مدينة على نهر يقال له زيز وليس بها عين ولا بئر وبينها وبين البحر عدة مراحل وأهل سجلماسة أخلاط والغالبون عليها البربر وأكثرهم صنهاجة وزرعهم الدخن والذرة وزرعهم على الأمطار لقلة المياه عندهم فإن لم يمطروا لم يكن لهم زرع.

ومن مدينة سجلماسة قرى تعرف ببني درعة وفيها مدينة ليست بالكبيرة يقال لها تامدلت (٢) ليحيى بن إدريس العلوي عليها حصن كان منها عبد الله بن إدريس ، وحولها معادن ذهب وفضة يوجد كالنبات ، ويقال : إن الرياح تسفيه والغالب عليهم قوم من البربر يقال لهم بنو ترجا.

السوس الأقصى

ومن المدينة التي يقال لها تاملت (٣) إلى مدينة يقال لها السوس (٤) ، وهي السوس

__________________

(١) سجلماسة : مدينة في جنوبي المغرب في طرف بلاد السودان ، بينها وبين فاس عشرة أيام ، وهي في منقطع جبل درن ، وأكثر أقوات أهل سجلماسة من التمر وغلتهم قليلة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢١٧).

(٢) تامدلت : مدينة في مضيق بين جبلين في سند وعر ولها مزارع واسعة وحنطة موصوفة في نواحي أفريقيا ولعلهما واحد. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٧).

(٣) ولعلها تامدلت.

(٤) السوس : بلدة في خورستان فيها قبر دانيال النبي ، عليه السّلام ، قال حمزة : السوس تعريب ـ

١٩٨

الأقصى نزلها بنو عبد الله بن إدريس بن إدريس ، وأهلها أخلاط من البربر والغالب عليهم مداسة ، ومن السوس إلى بلد يقال له أغمات (١) وهو بلد خصب فيه مرعى ومزارع في سهل وجبل وأهله قوم من البربر من صنهاجة.

ومن أغمات إلى ماسة ، وماسة قرية على البحر تحمل إليها التجارات وفيها المسجد المعروف بمسجد بهلول وفيه الرباط على ساحل البحر ، ويلقي البحر عند مسجد بهلول المراكب الخيطية التي تعمل بالإبلة التي يركب فيها إلى الصين.

ومن سجلماسة لمن سلك متوجها إلى القبلة يريد أرض السودان من سائر بطون السودان يسير في مفازة وصحراء مقدار خمسين رحلة ثم يلقاه قوم يقال لهم أنبية من صنهاجة في صحراء ليس لهم قرار ، شأنهم كلهم أن يتلثموا بعمائمهم سنة فيهم ولا يلبسون قمصا إنما يتشحون بثيابهم ومعاشهم من الإبل ليس لهم زرع ولا طعام ، ثم يصير إلى بلد يقال له غسط وهو واد عامر فيه المنازل وفيه ملك لهم لا دين له ولا شريعة يغزو بلاد السودان وممالكهم كثيرة.

تم كتاب البلدان ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. كتبه علي بن أبي محمد بن علي الكندي الأنماطي غفر الله له ولمن قال آمين والحمد لله كفى أفضاله وصلواته على محمد وآله.

ووافق فراغة في صبيحة يوم السبت الحادي والعشرين من شوال سنة سبع وستمائة تأليف أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب.

__________________

ـ الشوش ، ومعناه الحسن ، والنزه ، والطيّب ، واللطيف ، قال ابن المقفع : أول سور وضع في الأرض بعد الطوفان سور السوس وتستر ، ولا يدرى من بنى سور السوس. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣١٩).

(١) أغمات : ناحية في بلاد البربر من أرض المغرب قرب مراكش وليس بالمغرب بلد ـ فيما زعموا ـ بلد أجمع لأصناف من الخيرات ولا أكثر ناحية ولا أوفر حظا ولا خصبا منها.(معجم البلدان ج ١ / ص ٢٦٦).

١٩٩
٢٠٠