البلدان

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]

البلدان

المؤلف:

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3419-1
الصفحات: ٢٢٤

حمص جميعا يمن من طيّىء وكندة وحمير وكلب وهمدان وغيرهم من بطون اليمن.

افتتحها أبو عبيدة الجراح (١) سنة عشرة صلحا وانتقضت بعد الفتح فصالح أهلها ثانية.

وبحمص أقاليم منها : النمة وأهلها كلب ، والرستن وحماة وهي مدينة على نهر عظيم وأهلها بهراء وتنوخ وصوران وبه قوم من أياد ، وسلمية وهي مدينة في البرية كان عبد الله بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابتناها وأجرى إليها نهرا واستنبط أرضها حتى زرع فيها الزعفران وأهلها من ولد عبد الله بن صالح الهاشمي ومواليهم وأخلاط من الناس تجار وزراعين.

وتدمر (٢) وهي مدينة قديمة عجيبة البناء يقال لكثرة ما فيها من عجائب الآثار إن

__________________

ـ بين دمشق وحلب في نصف الطريق ، يذكّر ويؤنّث ، بناه رجل يقال له : حمص بن المهر بن جان بن مكنف ، وقيل : حمص بن مكنف العمليقي ، فتحها أبو عبيدة بن الجرّاح لما فرغ من دمشق قدّم أمامه خالد بن الوليد وملحان بن زيّار الطائي ، ثم اتّبعهما فلما توافوا بحمص قاتلهم أهلها ، ثم لجأوا إلى المدينة وطلبوا الأمان والصلح ، فصالحوه على مائة ألف وسبعين ألف دينار. قال صاحب معجم البلدان : ومن عجيب ما تأمّلته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثل. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٤٧).

(١) أبو عبيدة بن الجرّاح : هو غامر بن عبد الله بن الجرّاح بن هلال الفهري القرشي ، الأمير ، القائد ، فاتح الديار الشامية ، والصحابي ، وأحد العشرة المبشّرين بالجنة ، قال ابن عساكر داهيتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة ، وكان لقبه أمين الأمة ، ولد بمكة سنة ٤٠ ق. ه / ٥٨٤ م وهو من السابقين إلى الإسلام ، وشهد المشاهد كلها ، وولاه عمر بن الخطاب قيادة الجيش الزاحف إلى الشام ، بعد خالد بن الوليد ، فتم له فتح الديار الشامية ، وبلغ الفرات شرقا وآسيا الصغرى شمالا ، ورتب للبلاد المرابطين والعمال ، وتعلّقت به قلوب الناس لرفقه وأناته وتواضعه ، توفي بطاعون عمواس سنة ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م ودفن في غور بيسان ، وانقرض عقبه ، له ١٤ حديثا ، وكان طويلا نحيفا ، معروق الوجه ، خفيف العارضين ، أثر الثنيتين ، انتزع بأسنانه نصلا من جبهة النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد ، فهتم ، وفي الحديث : «لكل نبي أمين وأميني أبو عبيدة بن الجراح».

(٢) تدمر : مدينة قديمة مشهورة في بريّة الشام ، بينها وبين حلب خمسة أيام ، قيل : سميت بتدمر بنت حسّان بن أذينة بن السميدع بن مزيد بن عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السّلام ، وهي من عجائب الأبنية ، موضوعة على العمد الرخام ، زعم قوم أنها ممّا بنته الجنّ لسليمان بن داود النبي عليه السّلام ، وأهل تدمر يزعمون أن ذلك البناء قبل النبي سليمان عليه السّلام بكثير ، لكن الناس إذا رأوا بناء عجيبا جهلوا بانيه أضافوه إلى النبي سليمان عليه السّلام والجن. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٢١).

١٦١

سليمان بن داود النبي عليه السّلام بناها وأهلها كب وتلمنس وهي مساكن أياد وكان ابن أبي دؤاد بناها منزلا ، ومعرة النعمان مدينة قديمة خراب وأهلها تنوخ ، والبارة وأهلها بهراء ، ومدينة فامية وهي مدينة رومية قديمة خراب على بحيرة عظيمة وأهلها عذرة وبهراء ، ومدينة شيزر وأهلها قوم من كندة ، ومدينة كفر طاب ، والإطميم وهي مدينة قديمة وأهلها قوم من يمن وسائر البطون وأكثرهم كندة. وعلى ساحل البحر من جند حمص أربع مدن : مدينة اللاذقية (١) وأهلها قوم من يمن من سليح وزبيد وهمدان ويحصب وغيرهم ، ومدينة جبلة (٢) وأهلها همدان وبها قوم من قيس ومن أياد ، ومدينة بلنياس (٣) وأهلها أخلاط ، ومدينة أنظرظوس (٤) وأهلها قوم من كندة.

وخراج حمص القانون القائم يبلغ سوى الضياع مائتي ألف وعشرين ألف دينار.

جند دمشق

ومن حمص إلى مدينة دمشق (٥) أربع مراحل ، فالمرحلة الأولى جوسية وهي من حمص.

__________________

(١) اللاذقية : مدينة في ساحل بحر الشام ، وهي غربي جبلة ، وهي مدينة قديمة سميت باسم بانيها ، وهي عتيقة رومية فيها أبنية قديمة مكينة ، وهو بلد حسن في وطاء من الأرض ، وله مرفأ جيد محكم والبحر على غربيها وهي على ضفته. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٦).

(٢) جبلة : قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال حلب قرب اللاذقية ، أنشأ معاوية قلعة جبلة وكانت حصنا للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص ، وشحنها بالرجال ، وبنى معاوية بجبلة حصنا خارج الحصن الرومي القديم. وكان بها مجموعة من الرهبان يتعبّدون فيه.(معجم البلدان ج ٢ / ص ١٢٢).

(٣) بلنياس : ولعلها ما نعرفه اليوم باسم بانياس ، وضبطها صاحب معجم البلدان بلنياس ، وهي كورة ومدينة صغيرة وحمص بسواحل حمص على البحر ، ولعلها سميت باسم الحكيم بلنياس صاحب الطلمسات. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٨٠).

(٤) أنظراظوس : ضبطه صاحب معجم البلدان أنطرطوس بالطاء ، هو بلد من سواحل بحر الشام وهي آخر أعمال دمشق من البلاد الساحلية. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٢٠).

(٥) دمشق : دمشق الشام ، مدينة مشهورة ، وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ، ونضارة بقعة ، وكثر فاكهة ، ونزاهة رقعة ، وكثرة مياه. قيل : سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا. قيل بنيت دمشق على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمس وأربعين سنة من جملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة. قيل إن الذي بنى دمشق هو جيرون بن سعد بن عاد بن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٢٧).

١٦٢

والثانية قارا وهي أول عمل جند دمشق. والثالثة القطيفة وبها منازل لهشام بن عبد الملك بن مروان ومنها إلى مدينة دمشق. ومن سلك من حمص على طريق البريد أخذ من جوسية (١) إلى البقاع (٢) ، ثم إلى مدينة بعلبك (٣) وهي إحدى مدن الشام الجليلة وبها بنيان عجيب بالحجارة وبها عين عجيبة يخرج منها نهر عظيم وداخل المدينة الأجنة والبساتين.

ومن مدينة بعلبك إلى عقبة الرمان ثم إلى مدينة دمشق ، ومدينة دمشق مدينة جليلة قديمة وهي مدينة الشام في الجاهلية والإسلام وليس لها نظير في جميع أجناد الشام في كثرة أنهارها وعمارتها ونهرها الأعظم يقال له : [بردى](٤).

افتتحت مدينة دمشق في خلافة عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة افتتحها أبو عبيدة بن الجراح من باب لها يقال له : باب الجابية صلحا بعد حصار سنة ودخل خالد بن الوليد من باب لها يقال له : باب الشرقي بغير صلح فأجاز أبو عبيدة الصلح في جميعها وكتبوا إلى عمر بن الخطاب فأجاز ما عمل به أبو عبيدة.

وكانت دمشق منازل ملوك غسان وبها آثار لآل جفنة (٥) ، والأغلب على مدينة

__________________

(١) جوسية : قرية من قرى حمص على ستة فراسخ منها من جهة دمشق بين جبل لبنان وجبل سنير ، فيها عيون تسقي أكثر ضياعها سيحا ، وهي كورة من كور حمص. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٢١٥).

(٢) البقاع : هو أرض واسعة قريبة من دمشق وهي بين بعلبك ، وحمص ، ودمشق ، فيها قرى كثيرة ومياه غزيرة نميرة ، وأكثر شرب أهل هذه الضياع من عين تخرج من جبل ، يقال لهذه العين : عين الجرّ ، وبالبقاع قبر إلياس النبي عليه السّلام. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٥٦).

(٣) بعلبك : مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها في الدنيا ، بينها وبين دمشق مسافة ، قيل : إن بعلبك كانت مهر بلقيس وبها قصر سليمان بن داود عليه السّلام ، وهو مبني على أساطين الرخام ، وبها قبر النبي إلياس عليه السّلام ، وبها من عجيب الآثار الملعبان ، الكبير بني في أيام سليمان بن داود عليهما السّلام ، وطول الحجر من حجارته عشرة أذرع على عمد شاهقة يروع منظرها ، وبهذه المدينة من الهياكل شيء عجيب ، وهي قديمة البناء جدّا حتى إن عوام أهلها كانوا يزعمون أن سورها من بنيان الشياطين لا يغيّره زمان ولا يؤثّر فيه حدثان ، ولكثرة بساتينهم يشترى عندهم من الفواكه بدانق ما يأكل جماعة أهل البيت ويفضلون منه. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٣٧).

(٤) وردت في الأصل : «بردا» ، ولعل الصحيح ما أثبتناه.

(٥) جفنة : بطن من خزاعة من الأزد القحطانية ، وهم بنو جفنة بن عوف ، ذكرهم في العبر ولم يرفع نسبهم ، ومنازلهم كانت الحيرة. (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص ٢٠١).

١٦٣

دمشق أهل اليمن وبها قوم من قيس ومنازل بني أمية وقصورهم أكثر منازلها وبها خضراء معاوية وهي دار الإمارة ، ومسجدها الذي ليس في الإسلام أحسن منه بالرخام والذهب بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان في خلافته.

ولجند دمشق من الكور الغوطة وأهلها غسان وبطون من قيس وبها قوم من ربيعة وحوران ، ومدينتها بصرى وأهلها قوم من قيس من بني مرة خلا السويدا فإن بها قوما من كلب. والبثينة ومدينتها أذرعات وأهلها قوم من يمن ومن قيس ، والظاهر ومدينتها عمان ، والغور ومدينتها ريحا وهاتان المدينتان أرض البلقاء وأهلها قوم من قيس وبها جماعة من قريش.

وجبال ومدينتها عرندل وأهلها قوم من غسان ومن بلقين وغيرهم ، ومآب ، وزغر وأهلها أخلاط من الناس وبها القرية المعروفة بموتة التي قتل فيها جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة بن عبد الله بن رواحة ، والشراة ومدينتها أذرح وأهلها موالي بني هاشم وبها الحميمة منازل علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وولده.

والجولان (١) ومدينتها بانياس وأهلها قوم من قيس أكثرهم بنو مرة وبها نفر من أهل اليمن وجبل سنير وأهلها بنو ضبة وبها قوم من كلب ، وبعلبك وأهلها قوم من الفرس وفي أطرافها قوم من اليمن ، وجبل الجليل وأهلها قوم من عاملة ، ولبنان صيدا (٢) وبها قوم من قريش ومن اليمن. ولجند دمشق من الكور على الساحل كورة عرفة ولها مدينة قديمة فيها قوم من الفرس ناقلة وبها قوم من ربيعة من بني حنيفة ، ومدينة أطرابلس (٣) وأهلها قوم من الفرس كان معاوية بن أبي سفيان نقلهم إليها ولهم ميناء عجيب يحتمل ألف مركب ، وجبيل (٤) وصيدا وبيروت (٥).

__________________

(١) الجولان : قرية من نواحي دمشق ، وقيل جبل من نواحي دمشق ، ولعله الصحيح ، قال ابن دريد : يقال للجبل : حارث الجولان. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٢١٩).

(٢) لبنان : هو اسم جبل مطلّ على حمص. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٢).

(٣) أطرابلس : مدينة مشهورة على ساحل بحر الشام بين اللاذقية وعكّا وزعم بعضهم أنها بغير همز. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٥٦).

(٤) جبيل : بلد من سواحل دمشق في الإقليم الرابع ، هو بلد مشهور في شرقي بيروت على ثمانية فراسخ من بيروت ، من فتوح يزيد بن أبي سفيان وبقي بأيدي المسلمين إلى أن نزل عليه صنجيل الفرنجي. (معجم البلدان ج ٢ / ص ١٢٧).

(٥) بيروت : مدينة مشهورة على ساحل بحر الشام تعدّ من أعمال دمشق ، بينها وبين صيداء ثلاثة فراسخ ، فتحها المسلمون ولم تزل بيروت في أيدي المسلمين على أحسن حال حتى نزل ـ

١٦٤

وأهل هذه الكور كلها قوم من الفرس نقلهم إليها معاوية بن أبي سفيان ، وكل كور دمشق افتتحها أبو عبيدة بن الجراح في خلافة عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة وخراج دمشق سوى الضياع يبلغ ثلاثمائة دينار.

جند الأردن

ومن مدينة دمشق إلى جند الأردن (١) أربع مراحل ، أولها جاسم من عمل دمشق ، وخسفين (٢) من عمل دمشق ، وفيق ذات العقبة المذكورة ومنها إلى مدينة طبرية (٣) وهي مدينة الأردن ، وهي في أسفل جبل على بحيرة جليلة يخرج منها نهر الأردن المشهور وفي مدينة طبرية مياه تنبع حارة تفور في الصيف والشتاء ولا تنقطع فتدخل المياه الحارة إلى حماماتهم ولا يحتاجون لها إلى وقود وأهل مدينة طبرية قوم من الأشعريين هم الغالبون عليها.

ولجند الأردن من الكور صور وهي مدينة السواحل وبها دار الصناعة ومنها تخرج مراكب السلطان لغزو الروم وهي حصينة جليلة وأهلها أخلاط من الناس.

ومدينة عكا (٤) وهي من السواحل ، وقدس (٥) وهي من أجل كوره ، وببسان وفحل

__________________

ـ عليها بغدوين الإفرنجي الذي ملك القدس. (معجم البلدان ج ١ / ص ٦٢٣).

(١) الأردن : هي كورة واسعة منها : الغور ، وطبرية ، وصور ، وعكا. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٧٦).

(٢) خسفين : قرية من أعمال حوران بعد نوى في طريق مصر بين نوى والأردن ، وبينها وبين دمشق خمسة عشر فرسخا. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٢٤).

(٣) طبرية : وهي بليدة مطلّة على البحيرة المعروفة ببحيرة طبرية وهي في طرف جبل ، وجبل الطور مطلّ عليها ، بينها وبين دمشق ثلاثة أيّام ، وبينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام ، وبينها وبين مكة يومان ، وهي مستطيلة على البحيرة عرضها قليل حتى تنتهي إلى جبل صغير فعنده آخر عمارة. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٠).

(٤) عكا : اسم بلد على ساحل بحر الشام ، وهي من أحسن بلاد الساحل وأعمرها ، قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر البشاري : هي مدينة حصينة كبيرة الجامع فيها غابة زيتون. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٦٢).

(٥) قدس : أو بيت المقدّس ، أو المقدس ، والمقدّس في اللغة المنزّه ، وفي الخبر : من صلّى من بيت المقدس فكأنما صلّى في السماء. ويمنع الدجّال من دخوله ، ويهلك يأجوج ومأجوج دونه. وفيه حسنات كثيرة وفضائل جليلة لا مجال لذكرها هنا. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٩٣).

١٦٥

وجرش والسواد. وأهل هذه الكور أخلاط من العرب والهجم افتتحت كور الأردن في خلافة عمر بن الخطاب افتتحها أبو عبيدة بن الجراح خلا مدينة طبرية فإن أهلها صالحوه ، وغيرها من كور جند الأردن افتتحها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص من قبل أبي عبيدة بن الجراح سنة أربع عشرة. وخراج جند الأردن يبلغ سوى الضياع مائة ألف دينار.

جند فلسطين

ومن جند الأردن إلى جند فلسطين (١) ثلاث مراحل ، ومدينة فلسطين القديمة كانت مدينة يقال لها : لدّ ، فلما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة ابتنى مدينة الرملة وخرب مدينة لدّ ونقل أهل له إلى الرملة.

الرملة مدينة فلسطين ولها نهر صغير منه شرب أهلها ، ونهر أبي فطرس منها على اثني عشر ميلا.

وشرب أهل الرملة من ماء الآبار ومن صهاريج يجري فيها ماء المطر وأهل المدينة أخلاط من الناس من العرب والعجم وذمتها سامرة.

ولفلسطين من الكور : كورة إيليا وهي بيت المقدس وبها آثار الأنبياء عليهم السّلام ، وكورة لدّ (٢) ومدينتها قائمة بحالها إلا أنها خراب ، وعمواس (٣) ، ونابلس (٤)

__________________

(١) فلسطين : وهي آخر كور الشام من ناحية مصر ، قصبتها البيت المقدّس ومن مشهور مدنها عسقلان ، والرملة ، وغزّة ، ونابلس ، وأريحا ، ويافا. قيل : إنما سميت بفلسطين بن سام بن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣١١).

(٢) لدّ : قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين ببابها يدرك عيسى بن مريم عليه السّلام الدجّال فيقتله ، وقيل : لدّ ، اسم رملة يقتل عندها الدجّال. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٧).

(٣) عمواس : هي كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس ، ومنها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ثم فشا في أرض الشام فمات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك سنة ١٨ ه‍. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٧٨).

(٤) نابلس : سئل شيخ من أهل المعرفة من أهل نابلس لم سمّيت بذلك ، فقال : إنه كان ههنا واد فيه حيّة قد امتنعت فيه وكانت عظيمة جدا ، وكانوا يسمّونها بلغتهم لس ، فاحتالوا عليها حتى قتلوها ، وانتزعوا نابها وجاؤوا بها فعلّقوها على باب هذه المدينة ، فقيل : هذا ناب لس ، أي ناب الحيّة ، ثم كثر استعمالها حتى كتبوها متّصلة هكذا «نابلس» ، وغلب هذا الاسم عليها ، وهي مدينة مشهورة بأرض فلسطين بين جبلين ، مستطيلة لا عرض لها ، كثيرة المياه لأنها ـ

١٦٦

وهي مدينة قديمة فيها الجبلان المقدسان وتحت المدينة مدينة منقورة في حجر وبها أخلاط من العرب والعجم والسامرة وسبسطية وهي مضافة إلى نابلس وقيسارية وهي مدينة على ساحل البحر كانت من أمنع مدن فلسطين وهي آخر ما افتتح من مدن البلد افتتحها معاوية ابن أبي سفيان في خلافة عمر بن الخطاب ، وبينا (١) وهي مدينة قديمة على قلعة وهي التي يروى أن أسامة بن زيد قال أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما وجهني فقال : «اغد على يبنا صباحا ثم حرق» (٢).

وأهل هذه المدينة قوم من السامرة ، ويافا (٣) وهي على ساحل البحر إليها ينفر أهل الرملة.

وكورة بيت جبرين وهي مدينة قديمة وأهلها قوم من جذام وبها البحيرة الميتة التي تخرج الحمرة وهي الموميا.

ومدينة عسقلان على ساحل البحر ، ومدينة غزة على ساحل البحر وهي رأس الإقليم الثالث وبها قبر هاشم بن عبد مناف.

وأهل جند فلسطين أخلاط من العرب والعجم ومن لخم وجذام وعاملة وكندة وقيس وكنانة.

افتتحت أرض فلسطين سنة ست عشرة بعد طول محاصرة حتى خرج عمر بن الخطاب فصالح أهل كورة إيليا وهي بيت المقدس ، وقالوا : لا نصالح إلا الخليفة ، فسار إليهم حتى صالحهم.

وافتتحت أكثر كور فلسطين خلا قيسارية فحلف عليها أبو عبيدة بن الجراح معاوية بن أبي سفيان فافتتحها سنة ثمان عشرة.

__________________

ـ لصيقة في جبل ، أرضها حجر ، بينها وبين بيت المقدس عشرة فراسخ ، ولها كورة واسعة وعمل جليل كله في الجبل الذي فيه القدس. وبظاهر نابلس جبل ذكروا أن آدم عليه السّلام سجد فيه. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٢٨٨).

(١) بينا : ضبطها صاحب معجم البلدان يبنى وهي بليدة قرب الرملة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٩١).

(٢) أخرجه ابن ماجه في السنن (جهاد ٣١) ، أبو داود في السنن (جهاد ٨٣) ، أحمد في المسند (٥ : ٢٠٥).

(٣) يافا : مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسارية وعكّا ، ويافا بلد قحط ، وربما نسب إليها يافوني. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٨٨).

١٦٧

ومبلغ خراج جند فلسطين مع ما صار في الضياع يبلغ ثلاثمائة ألف دينار.

ومن أراد أن يسلك من الشام على فلسطين إلى مكة سلك جبالا خشنة حزنة حتى يصير إلى إيلة ، ثم إلى مدين ، ثم يستمر به الطريق مع أهل مصر والمغرب.

مصر وكورها

ومن خرج من فلسطين مغرّبا يريد مصر (١) خرج من الرملة إلى مدينة يبنا ، ثم إلى مدينة عسقلان (٢) وهي على ساحل البحر ، ثم إلى مدينة غزة (٣) وهي على الساحل أيضا ، ثم إلى رفح (٤) وهي آخر أعمال الشام.

ثم إلى موضع يقال له الشجرتين وهي أول حد مصر ثم إلى العريش (٥) وهي أول مسالح مصر وأعمالها ، ويسكن العريش قوم من جذام وغيرهم وهي قرية على ساحل البحر ، ومن العريش إلى قرية يقال لها : البقارة ، ومنها إلى قرية يقال لها : الواردة في جبال من رمال ، ثم إلى الفرما (٦) وهي أول مدن مصر وبها أخلاط من الناس وبينها وبين البحر الأخضر ثلاثة أميال ، ومن الفرما إلى قرية يقال لها : جرجير مرحلة ، ومنها إلى قرية يقال لها : قافوس مرحلة ، ومنها إلى قرية يقال لها غيفة ثم الفسطاط.

وكانت الفسطاط (٧) تعرف بباب اليون وهو الموضع المعروف بالقصر فلما افتتح

__________________

(١) مصر : سميت بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح عليه السّلام ، وهي من فتوح عمرو بن العاص في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٦٠).

(٢) عسقلان : هي مدينة على ساحل البحر بين غزّة وبيت جبرين ويقال لها : عروس الشام ، ونزلها جماعة من الصحابة والتابعين. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٣٧).

(٣) غزّة : مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر ، بينها وبين عسقلان فرسخان أو أقلّ ، وهي من نواحي فلسطين غربي عسقلان. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٢٩).

(٤) رفح : مدينة عامرة فيها سوق ، وجامع ، ومنبر ، وفنادق ، وأهلها من لخم وجذام ، وفيهم لصوصية وإغارة على أمتعة الناس حتى إن كلابهم أضرّ كلاب أرض بسرقة ما يسرق مثله الكلاب. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٦٢).

(٥) العريش : مدينة في مصر من ناحية الشام على ساحل بحر الروم في وسط الرمل ، وبها الرمان العريشي. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٢٨).

(٦) الفرما : وهو اسم أعجمي أغلب الظنّ أنه يوناني ، وهي مدينة على الساحل من ناحية مصر.(معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٩٠).

(٧) الفسطاط : معناه هو بيت من أدم أو شعر ، وقال صاحب معجم العين : هو ضرب من الأبنية ، ـ

١٦٨

عمرو بن العاص باب اليون في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين اختطت قبائل العرب حول فسطاط عمرو بن العاص فسميت الفسطاط لهذا ، ثم اتسعوا في البلد فاختطوا على النيل واختطت قبائل العرب في المواضع المنسوبة إلى كل قبيلة ، وبنى عمرو بن العاص مسجد جامعها ودار إمارتها المعروفة بدار الرمل ، وجعل الأسواق محيطة بالمسجد الجامع في الجانب الشرقي من النيل وجعل لكل قبيلة محرسا وعريفا وابتنى حصن الجيزة في الجانب الغربي من النيل وجعله مسلحة للمسلمين وأسكنه قوما ، وكتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه : لا تجعل بيني وبين المسلمين ماء.

وافتتح عمرو كور مصر صلحا خلا الإسكندرية (١) ، فإنه أقام يحارب أهلها ثلاث سنين ، ثم فتحها سنة ثلاث وعشرين لأنه لم يكن في البلد مدينة تشبهها حصانة وسعة وكثرة عدة.

وكور مصر منسوبة إلى مدنها لأن لكل كورة مدينة مخصوصة بأمر من الأمور ، فمن مدن الصعيد وكورها مدينة منف (٢) ، وهي مدينة قائمة خراب يقول أهل مصر إنها المدينة التي كان فرعون يسكنها ، ومدينة بوصير كوريدس (٣) ، ومدينة دلاص (٤) وإليها ينسب اللجم الدلاصية ، ومدينة الفيوم (٥) ، وكان يقال في متقدم الأيام مصر والفيوم ،

__________________

ـ وهو ما بني أو شيّد لعمرو بن العاص بعد فتح مصر ، وأطلقت التسمية على ذلك الموضع.(معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٩٧).

(١) الإسكندرية : ذكر أن الذي بناها هو الإسكندر الأول ذو القرنين ، وذكر إبراهيم المصري قال : كانت الإسكندرية لشدّة بياضها لا يكاد يبين فيها دخول الليل إلّا بعد وقت. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢١٧).

(٢) منف : اسم مدينة فرعون بمصر ، هي أول مدينة عمرّت بعد الغرق ، سميت مافه ، ومعنى مافه في لسان القبط ثلاثون ، وثم عرّبت وقيل : منف. بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ ، وبينها وبين عين شمس سنة فراسخ. وكانت كما ذكر أول مدينة بنيت في مصر بعد الطوفان.(معجم البلدان ج ٥ / ص ٢٤٧).

(٣) بوصير كورديس : ضبطها صاحب معجم البلدان «قوريدس» ، وهي كورة من كور البوصيرية في بلاد مصر ، وبها قتل مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الذي به انقرض ملك بني أمية ، وهو المعروف بالحمار والجعدي. (معجم البلدان ج ١ / ص ٦٠٣).

(٤) دلاص : كورة بصعيد مصر على غربي النيل تشتمل على قرى وولاية واسعة ، ودلاص مدينتها معدودة في كورة البهنسا. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٢٣).

(٥) الفيّوم : فهي في مصر بينها وبين الفسطاط أربعة أيام بينهما مفازة لا ماء فيها ولا مرعى ، ـ

١٦٩

لجلالة الفيوم وكثرة عمارتها ، وبها القمح الموصوف وبها يعمل الخيش.

ومدينة القيس وبها تعمل الثياب القيسية والأكسية الصوف الجياد ، ومدينة البهنسا وبها تعمل الستور البهنسية.

ومدينة أهناس وبها تعمل الأكسية وبها شجر اللبخ ، ومدينة طحا وبها القمح الموصوف والكيزان التي يسميها أهل مصر البواقيل ، وأنصنا وهي مدينة قديمة يقال : إن سحرة فرعون كانوا منها ، وإن بها بقية من السحر وهي في الجانب الشرقي من النيل.

ومدينة الأشمونين وبها فرهة الخيل والدواب والبغال وهي من مدن مصر العظام ، ومدينة أسيوط (١) وهي من عظام مدن الصعيد بها يعمل الفرش القرمز الذي يشبه الأرمني ، وقهقاوة وبها مدينة قديمة يقال لها : بوتيج.

ومدينة يقال لها : بشمور وبها القمح اليوسفي المجزع ، ومدينة إخميم (٢) وهي في الجانب الشرقي من النيل ، ولها ساحل وبها يعمل الفرش القطوع والجلود الإخميمية ، والدير المعروف بدير بوشنودة ، ويقال : إن فيه قبر رجلين من حواري المسيح.

ومدينة أبشاية يقال لها البلينا ومن أبشاية تسلك إلى الواحات في مفازة وجبال خشنة ست رحلات ثم إلى ألواح الخارجة وهي بلاد فيها حصون ، ومزارع ، وعيون مطّردة ، ومياه جارية ، ونحل ، وأصناف الشجر ، والكروم ، ومزارع أرز وغير ذلك.

ثم إلى الواح الداخلة ولها مدينة يقال لها الفرفرون وأهلها أخلاط من الناس من أهل مصر وغيرهم.

ومن مدينة أبشاية التي يقال لها مدينة البلينا (٣) إلى مدينة هو (٤) ، ومدينة هو مدينة

__________________

ـ وهي في منخفض من الأرض ، ويقال : إن النيل أعلى منها. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٢٥).

(١) أسيوط : مدينة غربي النيل من نواحي صعيد مصر ، وهي مدينة جليلة كبيرة ، فيها خمسا وسبعين كنيسة للنصارى ، وهم بها كثير. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٢٩).

(٢) إخميم : بلد في الصعيد في الإقليم الثاني ، وفي غربيّه جبل صغير ، وبها عجائب كثيرة قديمة ، منها البرابي وهي أبنية فيها تماثيل وصور. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٥٠).

(٣) البلينا : مدينة على شاطىء النيل من غربيّه بصعيد مصر ، يقال إن بها طلسما لا يمرّ به تمساح إلّا وينقلب على ظهره. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٨٥).

(٤) هو : من حرفين ، هو الحمراء ، بليدة أزلية على تلّ بالصعيد بالجانب الغربي دون قوص.(معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٨٢).

١٧٠

قديمة كان بها أربع كور : كورة هو وكورة دندرة من غربي النيل ، وكورة قا ، وكورة قنا من الجانب الشرقي فخربت وقلّت عمارتها لكثرة من يخرج إليها في ناحية من الأعراب والخارجين وقطاع الطريق وانتقل الناس عنها إلى ما هو أعمر منها.

ومن مدينة هو إلى مدينة قفط (١) مرحلتان وهي مدينة في الجانب الشرقي فيها آثار الملوك المتقدمين وبربا.

ومن قفط تسلك إلى معادن الزمرد وهو معدن يقال له : خربة الملك على ثمان رحلات من مدينة قفط وفيه جبلان يقال لأحدهما العروس وللآخر الخصوم فيهما معادن الزمرذ وفيه موضع يقال له كوم الصابوني وكوم مهران ومكابر وسفسيد.

وكل هذه معادن يوجد فيها الجواهر ، وتسمى الحفائر التي يخرج منها الجوهر : «شيم» واحدتها «شيمة».

وكان بها معدن قديم يقال له : سروميط وهو معدن كان في الجاهلية ، وكذلك معدن مكابر.

ومن المعدن التي يقال له : خربة الملك إلى جبل صاعد ، وهو معدن تبر مرحلة ، وإلى الموضع الذي يقال له : الكلبي ، وموضع يقال له : الشكري ، وموضع يقال له : العجلي ، وموضع يقال له : العلاقي الأدنى ، وموضع يقال له : الريفة ، وهو ساحل بحر خربة الملك.

وكل هذه معادن تبر ، ومن الخربة إلى المعدن يقال له رحم معدن تبر ثلاث مراحل ، وبرحم قوم من بلي وجهينة وغيرهم من أخلاط الناس يقصدون للتجارات ، فهذه معادن الجوهر وما يتصل بها من معادن التبر القريبة.

ومن مدينة قفط إلى مدينة الأقصر وهي مدينة قد خربت وصارت مكانها مدينة قوص وهي على ساحل النيل من الجانب الشرقي من النيل.

وكورة إسنا (٢) ومدينة إسنا في الجانب الغربي من النيل ويقال : إن أهلها المريس

__________________

(١) قفط : كلمة عجمية ، وهي مسمّاة بقفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ، وهي في مصر.(معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٣٤).

(٢) إسنا : مدينة بأقصى الصعيد ، وليس وراءها إلّا أدفو ، وأسوان ، ثم بلاد النوبة ، وهي على شاطىء النيل من الجانب الغربي ، وهي مدينة عامرة طيبة كثيرة النخل والبساتين والتجارة.(معجم البلدان ج ١ / ص ٢٢٤).

١٧١

ومنها الحمير المريسية ، ثم كورة أتفو (١) وهي في الجانب الغربي من النيل ، وكورةسان وهي من الجانب الغربي.

ثم مدينة أسوان (٢) العظمى وبها تجار المعادن وهي في الجانب الشرقي من النيل وهي ذات نخل كثير ومزروع وتجارات مما يأتي من بلاد النوبة والبجة.

وآخر مدن بلاد الإسلام من هذه الناحية مدينة في جزيرة في وسط النيل يقال لها : بلاق (٣) عليها سور حجارة ، ثم حد بلاد النوبة (٤) بموضع يقال له : القصر على مقدار ميل من بلاق.

معادن التبر

ومن أراد المعادن معادن التبر خرج من أسوان إلى موضع يقال له الضيقة بين جبلين ، ثم البويب ، ثم البيضية ، ثم بيت ابن زياد ، ثم عذيفر جبل الأحمر ، ثم جبل البياض ، ثم قبر أبي مسعود ، ثم عفار ، ثم وادي العلاقي.

وكل هذه المواضع معادن التبر يقصدها أصحاب المطالب ، ووادي العلاقي كالمدينة العظيمة به خلق من الناس وأخلاط من العرب والعجم أصحاب المطالب وبها أسواق وتجارات وشربهم من آبار تحفر في وادي العلاقي ، وأكثر من بالعلاقي قوم من ربيعة من بني حنيفة من أهل اليمامة (٥) انتقلوا إليها بالعيالات والذرية.

__________________

(١) أتفو : ضبطها صاحب معجم البلدان : «أدفو» بالدال ، وهو اسم قرية بصعيد مصر الأعلى بين أسوان وقوص ، وهي كثيرة النخل ، بها تمر لا يقدر أحد على أكله حتى يدقّ في الهاون كالسّكر ، ويذرّ على العصائد. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٥٣).

(٢) أسوان : هي مدينة كبيرة وكورة في آخر صعيد مصر ، وأول بلاد النوبة على النيل في شرقيّة.(معجم البلدان ج ١ / ص ٢٢٧).

(٣) بلاق : بلد في آخر عمل الصعيد ، وأول بلاد النوبة كالحدّ بينهما. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٦٦).

(٤) النوبة : بلاد واسعة عريضة في جنوبي مصر وهم نصارى أهل شدّة في العيش ، وقد مدحهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال : «من لم يكن له أخ فليتّخذ أخا من النوبة». (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٥٦).

(٥) اليمامة : في الإقليم الثاني ، فتحها أمير المسلمين خالد بن الوليد عنوة ، ثم صولحوا ، وبين اليمامة والبحرين عشرة أيام ، وهي معدودة من نجد وقاعدتها حجر. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٥٠٥).

١٧٢

ووادي العلاقي وما حواليه معادن للتبر ، وكل ما قرب منه يعتمل فيه الناس ، لكل قوم من التجار وغير التجار عبيد من السودان يعملون في الحفر ، ثم يخرجون التبر كالزرنيخ الأصفر ، ثم يسبك.

ومن العلاقي إلى موضع يقال له : وادي الجبل مرحلة ، ثم إلى موضع يقال له : عنب.

ثم إلى موضع يقال له : كبار يجتمع الناس به لطلب التبر وبه قوم من أهل اليمامة من ربيعة.

ومن العلاقي إلى معدن يقال له : بطن واح مرحلة ، ومن العلاقي إلى موضع يقال له : أعماد مرحلتان ، وإلى معدن يقال له : ماء الصخرة مرحلة ، وإلى معدن يقال له : الأخشاب مرحلتان.

وإلى معدن يقال له : ميزاب تنزله لمى وجهينة أربع مراحل ، وإلى معدن يقال : له عربة بطحا مرحلتان.

ومن العلاقي إلى عيذاب (١) أربع مراحل ، وعيذاب ساحل البحر المالح يركب الناس منه إلى مكة والحجاز واليمن ، ويأتيه التجار فيحملون التبر والعاج وغير ذلك في المراكب.

ومن العلاقي إلى بركان وهي آخر معادن التبر التي يصير إليها المسلمون ثلاثون مرحلة.

ومن العلاقي (٢) إلى موضع يقال له دح ينزله قوم من بني سليم وغيرهم من مضر عشر مراحل.

ومن العلاقي إلى معدن يقال له : السنطة ، وبه قوم من مضر وغيرهم عشر مراحل ، ومن العلاقي إلى معدن يقال له : الرفق عشر مراحل.

ومن العلاقي إلى معدن يقال له : سختيت عشر مراحل فهذه المعادن التي يصل إليها المسلمون ويقصدونها لطلب التبر.

__________________

(١) عيذاب : بليدة على ضفة بحر القلزم هي مرسى المراكب التي تقدم من عدن إلى الصعيد.(معجم البلدان ج ٤ / ص ١٩٣).

(٢) العلاقي : حصن في بلاد البجّة في جنوبي أرض مصر ، به معدن التبر. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٦٣).

١٧٣

بلاد النوبة

فأما من قصد من العلاقي إلى بلاد النوبة الذين يقال لهم : علوة فيسير ثلاثين مرحلة بعضها إلى كباو ، ثم إلى موضع يقال له : الأبواب ، ثم إلى مدينة علوة العظمى التي تسمى سوبة وبها ينزل ملك علوة ، والمسلمون يختلفون إليها ومنها يأتي خبر ابتداء النيل.

ويقال : إن جزيرة علوة متصلة بجزيرة السند والنيل يجري من وراء علوة إلى أرض السند في النهر الذي يقال له : مهران كما يجري في نيل مصر ويزيد فيه في وقت زيادته بمصر.

وفي الجزيرة التي بأرض علوة مثل ما بجزائر السند من الفيلة والكركدنات وأشباه ذلك ، وفي نهر مهران التماسيح كما في نيل مصر.

ومن أسوان إلى أول بلاد النوبة الذين يقال لهم : مقرا ، وهو موضع يقال له : ماوا ، وبهذا الموضع كان زكريا بن قرقي خليفة أبيه قرقي ملك النوبة.

ومن ماوا إلى مدينة النوبة العظمى التي ينزلها ملك النوبة وهي سال ودنقلة ثلاثون مرحلة.

بلاد البجة

ومن العلاقي إلى أرض البجة (١) الذين يسمون الحداربة والكدانين خمس وعشرون مرحلة ، ومدينة ملك البجة الحداربة يقال لها : هجر (٢) يأتيها الناس من المسلمين للتجارات.

والبجة ينزلون خيام جلود وينتفون لحاهم وينزعون فلك ثدي الغلمان لئلا يشبه ثديهم ثدي النساء ويأكلون الذرة وما أشبهها ، ويركبون الإبل ، ويحاربون عليها كما يحارب على الخيل ، ويرمون بالحراب فلا يخطئون.

__________________

(١) البجة : أرض بالنوبة ، بها إبل فرهة ، وهم أمم عظيمة بين العرب والحبش والنوبة. (معجم البلدان ج ١ / ص ٤٠٣).

(٢) الهجر : لعله هجر اليمن بينه وبين عشر يوم وليلة من جهة اليمن. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٥٢).

١٧٤

ومن العلاقي إلى أرض البجة الذين يقال لهم : الزنافجة خمس وعشرون مرحلة.

والمدينة التي يسكنها ملك الزنافجة يقال لها : بقلين وربما صار المسلمون إليها للتجارات ، ومذهبهم مثل مذهب الحداربة وليس لهم شريعة إنما كانوا يعبدون صنما يسمونه «ححاخوا». فأما مدن مصر التي بأسفل الأرض فأولها مدينة أتريب (١) ولها كورة واسعة وبها القرية المعروفة بينها التي بها العسل الموصوف ، ثم مدينة عين شمس (٢) وهي مدينة قديمة يقال : إن بها مساكن لفرعون وبها آثار عجيبة ، وفيها مسلتان شاهقتان عظيمتان من حجارة صلدة مكتوب عليها باللسان القديم يقطر من رأس إحداهما ماء لا يدرى ما سببه ، ثم مدينة نتو ، ومدينة بسطة ، ومدينة طرابية ، ومدينة قربيط ، ومدينة صان ، ومدينة إبليل ، هذه التسع المدن تسمى كور الحوف.

ثم مدينة بنا وهي مدينة جليلة قديمة ومدينة بوصير وهي نظيرة بنا في العظم والجلالة ، ومدينة سمنود ، ومدينة نوسا ، ومدينة الأوسية وهي مدينة دميرة ، ومدينة البجوم ، وهذه الست المدن في الجانب الشرقي من النيل تسمى كور بطن الريف.

ومدينة سخا ، ومدينة تيدة ، ومدينة الإفراحون ، ومدينة طوّة ، ومدينة منوف السفلى ، وهذه المدن والكور السبع في جزيرة من النيل بين خليج دمياط وخليج الغرب. فأما المدن التي على ساحل البحر المالح فأولها الفرما وهي المدينة القديمة التي ندخل إلى مصر منها ، ثم مدينة تنيس يحيط بها البحر الأعظم المالح وبحيرة يأتي ماؤها من النيل وهي مدينة قديمة تعمل بها الثياب الرفيعة الصفاق والرقاق من الدبيقي والقصب والبرود والمخمل والوشي وأصناف الثياب ، وبها مرسى المراكب الواردة من الشام والمغرب (٣) ، ثم مدينة شطا (٤) وهي على ساحل البحر وبها تعمل الثياب الشروب

__________________

(١) أتريب : اسم كورة في شرقي مصر مسمّاة بأتريب بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ، عليه السّلام ، وقصبة هذه الكورة عين شمس. (معجم البلدان ج ١ / ص ١١١).

(٢) عين شمس : اسم مدينة فرعون موسى بمصر ، بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ ، ليست على شاطىء النيل ، كانت مدينة كبيرة ، وهي من عجائب مصر ، وهي هيكل الشمس ، وبها قدّت زليخا على يوسف عليه السّلام القميص. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٠٢).

(٣) المغرب : ضد المشرق ، وهي بلاد واسعة كثيرة ووعثاء شاسعة. قال بعضهم حدّها من مدينة مليانة ، وهي آخر حدود أفريقيا إلى آخر جبال السوس التي وراءها البحر المحيط ، وتدخل فيه جزيرة الأندلس. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٨٨).

(٤) شطا : بليدة بمصر ، وهي على ثلاثة أميال من دمياط على ضفة البحر الملح ، وبها يعمل الثوب الرفيع الذي يعرف بالشطوي أو الثياب الشطويّة ، ويبلغ ثمن الثوب ألف درهم ولا ـ

١٧٥

الشطوية ، ثم مدينة دمياط (١) وهي على ساحل البحر وإليها ينتهي ماء النيل ، ثم يفترق من دمياط فيخرج بعضه إلى بحيرة تنيس وهي بحيرة تجري فيها السفن والمراكب العظام ويجري باقي ماء النيل إلى البحر المالح وتعمل بدمياط الثياب الصفاق الدبيقية والثياب الشروب والقصب.

وبورة وهي حصن على ساحل البحر من عمل دمياط تعمل بها الثياب والقراطيس ، ثم حصن نقيزة على ساحل البحر ، ثم مدينة البرلس (٢) على ساحل البحر المالح وهي موضع الرباط ، ثم مدينة رشيد (٣) ، وهي مدينة عامرة آهلة لها ميناء يجري فيه ماء النيل إلى البحر المالح وتدخله المراكب من البحر حتى تصير في النيل.

ومدينة إخنو (٤) وهي على ساحل البحر والمدينة يقال لها وسيمة يعمل بها القراطيس ، ثم مدينة الإسكندرية العظيمة الجليلة التي لا توصف سعة وجلالة وكثرة آثار الأولين.

ومن عجائب الآثار التي بها المنارة التي على ساحل البحر على فوهة الميناء الأعظم وهي منارة متقنة محكمة طولها مائة وخمس وسبعون ذراعا وعليها مواقيد توقد فيها النيران إذا نظر النواظير إلى مراكب في البحر على مسافة بعيدة وبها مسلتان من حجارة مجزعة على سرطانات نحاس وعليها كتاب قديم وآثارها وعجائبها كثيرة ولها خليج يدخله الماء العذب من النيل ، ثم يصب في البحر المالح.

وللإسكندرية من الكور مما ليس على ساحل البحر المالح وهو على ساحل

__________________

ـ ذهب فيه. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٨٨).

(١) دمياط : مدينة قديمة بين تنّيس ومصر على زاوية بين بحر الروم والنيل ، مخصوصة بالهواء الطيب وعمل ثياب الشرب الفائق ، وجاء في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : «يا عمر إنه سيفتح على يديك بمصر ثغران الإسكندرية ودمياط ، فأما الإسكندرية فخرابها من البربر ، وأما دمياط فهم صفوة من شهداء من رابطها ليلة كان معي في حظيرة القدس مع النبيين والشهداء». ومن شمالي دمياط يصبّ ماء النيل إلى البحر المالح في موضع يقال له الأشتوم. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٣٧).

(٢) البرلّس : بليدة على شاطىء نيل مصر قرب البحر من جهة الإسكندرية. (معجم البلدان ج ١ / ص ٤٧٨).

(٣) رشيد : بليدة على ساحل البحر والنيل قرب الإسكندرية. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٥٢).

(٤) إخنو : ضبطها صاحب معجم البلدان إخنا ، وفي فتوح البلدان ضبطت بالجيم ، وهي مدينة قديمة ذات عمل منفرد. (معجم البلدان ج ١ / ص ١٥١).

١٧٦

خلجان النيل كورة البحيرة ، وكورة مصيل (١) ، وكورة المليدس ، وهذه الكور على خليج الإسكندرية الذي يدخل المدينة.

وكورة ترنوط (٢) ، وكورة قرطسا (٣) ، وكورة خربتا (٤) ، وهي أيضا على الخليج وكورة صا (٥) ، وكورة شباس (٦) ، وكورة الحيز ، وكورة البدقون ، وكورة الشراك ، وهذه الكور على خليج من النيل يقال له : النسترو.

وللإسكندرية بعد ذلك من الكور كورة مريوط (٧) ، وهي كورة عامرة ولها كروم ، وشجر ، ولها ثمار موصوفة ، ثم كورة لوبية ، ثم كورة مراقية (٨) وهاتان الكورتان على ساحل البحر المالح ينزل أداني قراها قوم من بني مدلج من كنانة وينزل أكثرها قوم من البربر وبها قرى وحصون.

افتتحت كور مصر كلها في خلافة عمر بن الخطاب والأمير عمرو بن العاص بن وائل السهمي.

وبلغ خراج مصر على يد عمرو في خلافة عمر في أول سنة من جزية رؤوس

__________________

(١) مصيل : من قرى مصر ، كانوا ممن أعانوا على عمرو بن العاص ، فسباهم وحملهم إلى المدينة فردّهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على شرط القبط. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٧٠).

(٢) ترنوط : قرية بين مصر والإسكندرية ، وهي قرية كبيرة جامعة على النيل ، فيها أسواق ومسجد جامع وكنيسة خراب كبيرة. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٢).

(٣) قرطسا : قرية من قرى مصر القديمة كان أهلها ممن أعان على عمرو بن العاص ، فسباهم عمرو بن العاص وأرسلهم إلى المدينة ، ثم ردّهم عمر بن الخطاب أسوة للقبط. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٧٠).

(٤) خربتا : يعدّ من كور مصر ، ثم كور الحوف الغربي ، وهو حوالي الإسكندرية. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٠٦).

(٥) صا : كورة بمصر ، يقال لها : صا ، وهي مسمّاة بصا بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السّلام. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٣٩).

(٦) شباس : قرية قرب الإسكندرية بمصر ، وعدّها القضاعي في كورة الحوف الغربي ، فقال من كورة شباس. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٦٠).

(٧) مريوط : قرية من قرى مصر قرب الإسكندرية ساحلية تضاف إليها كورة من كور الحوف الغربي. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٤٠).

(٨) مراقية : إذا قصد القاصد من الإسكندرية إلى أفريقيا ، فأول بلد يلقاه مراقية ، ثم لوبية.(معجم البلدان ج ٥ / ص ١١٠).

١٧٧

الرجال أربعة عشر ألف ألف دينار ثم جباها عمرو في السنة الثانية عشرة آلاف ألف فكتب إليه عمر يا خائن ، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان اثني عشر ألف ألف دينار ، ثم أسلم رجالها فبلغ خراج الأرض في أيام معاوية مع جزية رؤس الرجال خمسة آلاف ألف دينار.

وبلغ في أيام هارون الرشيد أربعة آلاف ألف دينار ثم وقف مال مصر على ثلاثة آلاف ألف دينار.

وشرب مصر وجميع قراها من ماء النيل صيفا وشتاء يزيد في أيام الصيف ويأتي من أرض علوة مخرجه من عيون وزيادته من أمطار تأتي في الصيف فينتشر على وجه الأرض حتى يطبق جميع الأرضين ثم يبتدئ نقصانه في شهر من شهور القبط يقال له : «بابه» ، وهو تشرين الأول فيبتدىء الناس بالعمارة وزرع الغلات لأن أرض مصر لا تمطر إلا المطر اليسير إلا ما كان منها على السواحل.

وعجم مصر جميعا القبط ، فمن كان بالصعيد يسمون المريس ، ومن كان بأسفل الأرض يسمون البيما.

طريق مكة من مصر

ومن أراد الحج من مصر وخرج من مصر إلى مكة فأول منزل يقال له جب عميرة به مجتمع الحاج يوم خروجهم ، ثم منزل يقال له القرقرة في صحراء لا ماء بها ، ثم منزل يقال له : عجرود به بئر قديمة بعيدة الرشاء زعقة الماء ، ثم إلى جسر القلزم (١) فمن أراد أن يدخل مدينة القلزم وهي مدينة على ساحل البحر عظيمة فيها التجار الذين يجهزون الميرة من مصر إلى الحجاز وإلى اليمن وبها مرسى المراكب وأهلها أخلاط من الناس تجارها أهل يسار.

ومن القلزم ينزل الناس في برية وصحراء ست مراحل إلى أيلة ويتزودون الماء لهذه الست المراحل.

ومدينة إيلة جليلة على ساحل البحر المالح وبها يجتمع حاج الشام وحاج مصر

__________________

(١) بحر القلزم : القلزمة ابتلاع الشيء ، يقال : تقلزمه إذا ابتلعه ، وسمي بحر القلزم قلزما لا بتلاعه من ركبه ، وهو المكان الذي غرق فيه فرعون وأتباعه. وهو كبير متّسع له شواطىء على مصر.(معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٣٩).

١٧٨

والمغرب وبها التجارات الكثيرة وأهلها أخلاط من الناس ، وبها قوم يذكرون أنهم موالي عثمان بن عفان. وبها برد حبرة يقال : إنه برد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقال إنه وهبه لرؤبة بن يحنة لما صار إلى تبوك.

ومن أيلة (١) إلى شرف البعل ، ومن شرف البعل إلى مدين (٢) وهي مدينة قديمة عامرة بها العيون الكثيرة والأنهار المطردة العذبة والأجنة والبساتين والنخيل وأهلها أخلاط من الناس.

ومن أراد أن يخرج منها إلى مكة أخذ على ساحل البحر المالح إلى موضع يقال له : عينون (٣) فيه عمارة ، ونخل وبه مطالب يطلب الناس فيها الذهب ، ثم إلى العونيد (٤) وهي مثلها ، ثم إلى الصلا ، ثم إلى النبك (٥) ، ثم إلى القصيبة (٦) ، ثم إلى البحرة ، ثم إلى المغيثة وهي تبعل ، ثم إلى ظبة (٧) ، ثم إلى الوجه ، ثم إلى منخوس وبمنخوس غاصة يخرجون اللؤلؤ ، ثم إلى الحوراء (٨) ، ثم إلى الجار ، ثم إلى الجحفة (٩) ، ثم إلى قديد (١٠) ، ثم إلى عسفان ، ثم إلى بطن مر.

__________________

(١) أيلة : مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام ، وهي آخر الحجاز وأول الشام. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٤٧).

(٢) مدين : على بحر القلزم محاذية لتبوك على نحو ست مراحل وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السّلام. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٩٢).

(٣) عينون : كلمة عبرانية جاءت بلفظ جمع سلامة العين ، ولا يجوز في العربية ، هي من قرى بيت المقدس ، وقيل : قرية وراء البثينة من دون القلزم في طرف الشام. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٠٤).

(٤) عونيد : موضع قرب مدين بين مصر والمدينة قرب الحوراء. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٩١).

(٥) النبك : قرية مليحة بذات الذخائر بين حمص ودمشق فيها عين عجيبة باردة في الصيف صافية طيبة عذبة ، يقولون : مخرجها من يبرود. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٠٠).

(٦) القصيبة : وهو اسم لمدينة الكورة ، ويقال كورة كذا قصبتها فلانة ، يعني أنها أشهر مدينة بها وهي أرض من اليمامة. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤١٦).

(٧) ظبة : اسم موضع كذا ذكره ابن الأعرابي. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٦٥).

(٨) الحوراء : كورة من كور مصر القبلية في آخر حدودها من جهة الحجاز ، وهي على البحر في شرقي القلزم. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٦٣).

(٩) الجحفة : كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمرّوا على المدينة. (معجم البلدان ج ٢ / ص ١٢٩).

(١٠) قديد : اسم موقع قرب مكة. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٥٥).

١٧٩

ومن أراد أن يسلك على طريق مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخذ من مدين إلى منزل يقال له : أغراء ، ثم إلى قالس (١) ، ثم إلى شغب ، ثم إلى بدا ، ثم إلى السقيا ، ثم إلى ذي المروة ، ثم إلى ذي جشب ، ثم إلى المدينة فهذه المنازل من مصر إلى مكة والمدينة.

المغرب

فأما من أراد أن يسلك من مصر إلى برقة وأقاصي المغرب (٢) نفذ من الفسطاط في الجانب الغربي من النيل حتى يأتي ترنوط ، ثم يصير إلى منزل يعرف بالمنى قد أقفر أهله ، ثم إلى الدير الكبير المعروف ببومينا وفيه الكنيسة الموصوفة العجيبة البناء الكثيرة الرخام ، ثم إلى المنزل المعروف بذات الحمام وفيه مسجد جامع وهو من عمل كورة الإسكندرية ، ثم يصير في منازل لبني مدلج في البرية بعضها على الساحل وبعضها بالقرب من الساحل. منها : المنزل المعروف بالطاحونة ، والمنزل المعروف بالكنائس ، والمنزل المعروف بجب العوسج ، ثم يصير في عمل لوبية وهي كورة تجري مجرى كور الإسكندرية.

منها : منزل يعرف بمنزل معن ، ثم المنزل المعروف بقصر الشماس ، ثم خربة القوم ، ثم الرمادة وهي أول منازل البربر يسكنها قوم من مزاته وغيرهم من العجم القدم وبها قوم من العرب من بلى وجهينة وبني مدلج وأخلاط ، ثم يصير إلى عقبة وهي على ساحل البحر المالح صعبة المسلك حزنة خشنة مخوفة فإذا علاها صار إلى منزل يعرف بالقصر الأبيض ، ثم مغاير رقيم ، ثم قصور الروم ، ثم جب الرمل وهذه ديار البربر من ماصلة بن لواتة وأخلاط من الناس ، ثم يصير إلى وادي مخيل وهو منزل كالمدينة به المسجد الجامع وبرك الماء وأسواق قائمة وحصن حصين وفيه أخلاط من الناس وأكثرهم البربر من ماصلة وزنارة ومصعوبة ومراوة وفطيطة.

ومن وادي مخيل إلى مدينة برقة ثلاث مراحل في ديار البربر من مراوة ومفرطة ومصعوبة وزكودة وغيرهم من بطون لواتة.

__________________

(١) قالس : موضع أقطعه النبي صلّى الله عليه وسلّم بني الأحب من عذرة. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٣٩).

(٢) المغرب : ضد المشرق ، وهي بلاد واسعة كثيرة ووعثاء شاسعة ، قال بعضهم : حدّها من مدينة مليانة وهي آخر حدود أفريقيا إلى آخر جبال السوس التي وراءها البحر المحيط وتدخل فيه جزيرة الأندلس. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٨٨).

١٨٠