البلدان

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]

البلدان

المؤلف:

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3419-1
الصفحات: ٢٢٤

حتى قتل محمد في آخر المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة وبويع له بالخلافة.

ثم أقام المأمون بخراسان سنة تسع وتسعين ومائة وسنة مائتين وهو يوجه إلى العراق بالرجال ، فوجه بحميد بن عبد الحميد بن ربعي الطائي الطوسي (١).

ثم وجه علي بن هشام بن خسرو المرورودي ، ثم وجه بدي العلمين علي بن أبي سعيد ابن خالة الفضل بن سهل على خراج العراق.

ثم وجه الحسن بن سهل على جميع الأمور ، وانصرف هرثمة من العراق مغاضبا وصار إلى المأمون ، فحبسه المأمون ومات في الحبس بعد ثلاثة أيام بمرو في سنة مائتين.

ثم بايع المأمون للرضا علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام بمرو بولاية العهد سنة اثنتين ومائتين. ثم خرج من مرو في هذه السنة فسار سيرا مهونا ثم صار إلى سرخس فأقام بها.

وقتل الفضل بن سهل وزيره بسرخس في الحمام ، فقتل المأمون جماعة بسببه ، وسار المأمون إلى طوس فلما قدم طوس أقام بها وذلك في سنة ثلاث ومائتين.

وتوفي الرضا عليه السّلام بطوس وكان المأمون قد كاتب جميع ملوك خراسان فاستصلحهم حتى استقامت وولى خراسان كلها رجاء بن أبي الضحاك وكان زوج أخت الفضل بن سهل.

وقدم المأمون بغداد في النصف من صفر سنة أربع ومائتين وفسدت خراسان كلها على يد رجاء بن أبي الضحاك ، فولى المأمون خراسان غسان بن عبّاد (٢) فأصلحها واستقامت على يده وأحمده المأمون.

__________________

(١) حميد بن عبد الحميد بن ربعي الطوسي ، من كبار قوّاد المأمون العباسي ، كان جبارا ، فيه قوّة وبطش ، وكان المأمون يندبه للمهمّات. توفي سنة ٢١٠ ه‍ / ٨٢٥ م.

(٢) غسان بن عبّاد بن أبي الفرج ، وال ، من رجال المأمون العباسي ، وهو ابن عم الفضل بن سهل ، ولي خراسان من قبل الفضل بن سهل ، ثم ولاه المأمون السند سنة ٢١٣ ه‍ ، وكان العامل عليها بشر بن داود المهلّبي قد عصى المأمون ولم يحمل إليه خراجها ، فلما دخلها غسان استأمن إليه بشر ، وأقام نحو ثلاث سنوات أصلح فيها شؤون الإمارة ، ثم استعمل عليها عمران بن موسى البرمكي ، وعاد إلى بغداد سنة ٢١٦ ه‍ ، وتوفي فيها سنة ٢١٦ ه‍ / ٨٣١ م.

١٤١

وأقام بقية سنة أربع ومائتين وأشهرا من سنة خمس ومائتين. ثم احتال طاهر بن الحسين بن مصعب البوشنجي حتى ولاه المأمون خراسان وعهد له عليها ، فخرج إليها في سنة خمس ومائتين ، وبلغه سوء رأي من المأمون فأظهر خلافا لم يكشف رأسه فيه ، وبلغ المأمون ذلك فيقال أنه احتيل له بشربة ، وتوفي طاهر في سنة سبع ومائتين ، فولى المأمون مكانه ابنه طلحة بن طاهر بن الحسين ، فأقام أميرا بخراسان سبع سنين مستقيم الأمر ثم توفي طلحة بن طاهر سنة خمس عشرة ومائتين.

وكان المأمون قد ولى عبد الله بن طاهر كور الجبل وآذربيجان فخرج وأقام بالدينور عليلا ، فولاه المأمون خراسان مكان أخيه طلحة بن طاهر ووجه إليه بعهده وعقده مع إسحاق بن إبراهيم ، ويحيى بن أكثم (١) قاضي القضاة ، فشخص عبد الله بن طاهر إلى خراسان فنزل نيسابور ولم ينزلها وال من ولاة خراسان قبله وجعلها وطنه.

وأقام عبد الله بن طاهر على خراسان وأعمالها مستقيم الأمر شديد السلطان ، والبلدان كلها مستقيمة أربع عشرة سنة ، ثم توفي بنيسابور في سنة ثلاثين ومائتين وله ثمان وأربعون سنة ، فولى الواثق خراسان ابنه طاهر بن عبد الله بن طاهر ، فأقام بخراسان خلافة الواثق ، والمتوكل ، والمنتصر ، وبعض خلافة المستعين ، ووليها ثماني عشرة سنة مستقيم الأمور ثم توفي بنيسابور في رجب سنة ثمان وأربعين ومائتين وله أربع وأربعون سنة.

وولى المستعين خراسان ابنه محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر (٢) ، فأقام واليا

__________________

(١) يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمي الأسيدي المروزي ، أبو محمد ، قاض ، رفيع القدر ، عالي الشهرة ، من نبلاء الفقهاء ، يتصل نسبه بأكثم بن صيفي حكيم العرب ، ولد بمرو سنة ١٥٩ ه‍ / ٧٧٥ م ، واتصل بالمأمون أيام مقامه بها ، فولاه القضاء في البصرة سنة ٢٠٢ ه‍ ، ثم قضاء القضاة ببغداد ، وأضاف إليه تدبير مملكته ، فكان وزراء الدولة لا يقدّمون ولا يؤخّرون في شيء إلا بعد عرضه عليه ، وغلب على المأمون حتى لم يتقدّمه عنده أحد ، وكان مع تقدمه في الفقه وأدب القضاء ، حسن العشرة ، حلو الحديث ، استولى على قلب المأمون حتى أمر بأن لا يحجب عنه ليلا ولا نهارا ، وله غزوات وغارات ، منها أن المأمون وجّهه سنة ٢١٦ ه‍ ، إلى بعض جهات الروم ، فعاد ظافرا ، ولما مات المأمون وولي المعتصم ، عزله عن القضاء ، فلزم بيته ، وآل الأمر إلى المتوكّل فردّه إلى عمله ، ثم عزله سنة ٢٤٠ ه‍ ، وأخذ أمواله ، فأقام قليلا ، وعزم على المجاورة بمكة ، فرحل إليها ، فبلغه أن المتوكّل صفا عليه ، فانقلب راجعا ، فلما كان بالربذة ، من قرى المدينة ، مرض وتوفي فيها سنة ٢٤٢ ه‍ / ٨٥٧ م.

(٢) محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي ، أمير خراسان ، وليها بعد أبيه سنة ـ

١٤٢

عليها من سنة ثمان وأربعين ومائتين إلى سنة تسع وخمسين ومائتين ، وقد كانت الأمور اضطربت بخروج الحسن بن زيد الطالبي (١) بطبرستان وغيره وخروج يعقوب بن الليث الصفار بسجستان وتخطيه إلى كور خراسان.

ثم سار يعقوب بن الليث الصفار (٢) إلى نيسابور في شوال سنة تسع وخمسين ومائتين فقبض على محمد بن طاهر واستوثق منه ومن أهل بيته وقبض أموالهم وما تحويه منازلهم وحملهم في الأصفاد إلى قلعة بكرمان يقال لها : قلعة «بم» ، فلم يزالوا في تلك الحال حتى مات الصفار وخلت خراسان منهم ، وصار بها عمرو بن الليث (٣)

__________________

ـ ٢٤٨ ه‍ ، وحاربه يعقوب الصفّار فأسره ، وخلص من الأسر يوم هزيمة الصفّار سنة ٢٦٤ ه‍ ، وأعيد إلى الإمارة سنة ٢٧١ ه‍ ، وعزل في آخر أيامه ، فعاش خاملا في بغداد إلى أن توفي سنة ٢٩٨ ه‍ / ٩١١ م.

(١) الحسين بن زيد بن محمد بن إسماعيل الحسني العلوي ، مؤسس الدولة العلوية في طبرستان ، كان يسكن الرّيّ فحدثت فتنة بين صاحب خراسان ، وأهل طبرستان سنة ٢٥٠ ه‍ ، فكتب إليه هؤلاء يبايعونه ، فجاءهم وزحف بهم على آمد من ديار بكر ، فاستولى عليها وكثر جمعه ، فقصد سارية بقرب جرجان ، فملكها بعد قتال عنيف ، ووجّه جيشا إلى الرّيّ فملكها ، وذلك في أيام المستعين العباسي ، ودامت إمرته مدة عشرين عاما ، كانت كلها حروبا ومعارك ، أخرج في خلالها من طبرستان وعاد إليها ، وتوفي بها سنة ٢٧٠ ه‍ / ٨٨٤ م ، وكان حازما مهيبا ، مرهوب الجانب ، فاضل السيرة ، حسن التدبير.

(٢) يعقوب بن الليث الصفّار ، أبو يوسف ، من أبطال العالم ، وأحد الأمراء الدهاة الكبار ، كان في صغره يعمل الصفرة أي النحاس في خراسان ويظهر الزهد ، ثم تطوّع في قتال الشراة ، فانضوى إليه جمع ، فظفر في معركة معهم ، وأطاعه أصحابه ، واشتدت شوكته فغلب على سجستان سنة ٢٤٧ ه‍ ، ثم امتلك هراة وبوشنج ، واعترضته الترك ، فقتل ملوكهم وشتت جموعهم ، فهابه أمير خراسان ، وغيره من أمراء الأطراف ، ثم امتلك كرمان وشيراز ، واستولى على فارس ، فجبى خراجها ، ورحل عنها إلى سجستان قاعدة ملكه ، وكتب إلى الخليفة ببغداد ، وهو يومئذ المعتزّ بالله يعرض طاعته ويقدم له هدايا من نفائس غنمها بفارس ، وفي سنة ٢٥٩ ه‍ ، انتحل لنفسه عذرا في اقتحام نيسابور ، فدخلها عنوة ، وقبض على أميرها محمد بن طاهر ، آخر الأمراء من هذه الأسرة ، وتمّ له ملك خراسان ، وفارس ، فطمع ببغداد ، فزحف إليها بجيشه ، وكان الخليفة فيها المعتمد على الله ، فخرج جيش المعتمد ونشبت بينهما حرب طاحنة ، ولم يظفر الصفّار ، فعاد إلى واسط ينظر في شؤون إمارته الواسعة ، فتوفي في جنديسابور من بلاد خوزستان سنة ٢٦٥ ه‍ / ٨٧٩ م ، وكان الحسن بن زيد يسميه «السندان» لثباته.

(٣) عمرو بن الليث الصفّار ثاني أمراء الدولة الصفّارية ، وأحد الشجعان الدهاة ، ولي بعد وفاة مؤسس الدولة أخيه يعقوب بن الليث سنة ٢٦٥ ه‍ ، وأقره المعتمد العباسي على أعمال أخيه ـ

١٤٣

أخو الصفار. فأقام آل طاهر ولاة خراسان خمسا وخمسين سنة وليها منهم خمسة أمراء ومع انقضاء الدول تزول الأمور وتتغير الأحوال ويقع العجز ويظهر التقصير وكان خراج خراسان يبلغ في كل سنة من جميع الكور أربعين ألف ألف درهم سوى الأخماس التي ترتفع من الثغور ينفقها آل طاهر كلها فيما يرون ويحمل إليهم بعد ذلك من العراق ثلاثة عشر ألف ألف سوى الهدايا.

فهذا ربع المشرق قد ذكرنا منه ما حضرنا ذكره ، وعلمنا خبره ووصفنا أحواله.

فلنذكر الآن ربع القبلة وما فيه وبالله التوفيق.

__________________

ـ كلّها ، وهي : خراسان ، وأصبهان ، وسجستان ، والسند ، وكرمان ، فأقام ست سنين ، وعزله المعتمد سنة ٢٧١ ه‍ ، فامتنع ، فسيّر إليه جيشا ، فانهزم الصفّار إلى كرمان ، ثم قاتل عسكر الموفّق سنة ٢٧٤ ه‍ ، ورده عن كرمان وسجستان ، ورضي عنه المعتمد سنة ٢٧٦ ه‍ ، فولاه شرطة بغداد ، وكتب اسمه على الأعلام ، وولاه المعتضد خراسان بعد وفاة المعتمد سنة ٢٧٩ ه‍ ، وأضاف إليه الرّيّ سنة ٢٨٤ ه‍ ، ثم ولاية ما وراء النهر ، قال ابن الجوزي في حوادث سنة ٢٨٦ ه‍ : «ووردت يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة هدية عمرو بن الليث من نيسابور ، وكان مبلغ المال الذي وجه به أربعة آلاف ألف درهم ، مع عشرين من الدواب بسروج ولجم محلاة ، ومئة وعشرين دابة بجلال مشهرة ، وكسوة حسنة وطيب وبزاة وطرف» ، وعظمت مكانته عند المعتضد ، فطلب إليه أن يوليه ما وراء النهر ، فجاءه اللواء بذلك ، وهو بنيسابور ، وامتنع عليه إسماعيل بن أحمد الساماني ، وكان والي ما وراء النهر ، فنشبت بينهما معارك انتهت بظفر الساماني في بلخ ، وأسر الصفّار سنة ٢٨٧ ه‍ ، فبعث المعتضد إلى الساماني بولاية خراسان ، وأمر بالصفار فجيء به إلى بغداد ، فسجن فيها إلى أن توفي سنة ٢٨٩ ه‍ / ٩٠٢ م ، وقيل : خنق ، قبل الموت المعتضد بيسير.

١٤٤

الربع القبلي

من أراد من بغداد إلى الكوفة وإلى طريق الحجاز ، والمدينة ، ومكة ، والطائف (١) ، من بغداد إلى الكوفة ثلاثون فرسخا وهي ثلاث مراحل ، أولها قصر ابن هبيرة على اثني عشر فرسخا من بغداد كان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري ابتناه في أيام مروان بن محمد بن مروان (٢) ، وابن هبيرة يومئذ عامل مروان على العراق وأراد البعد من الكوفة.

وهي مدينة عامرة جليلة ينزلها العمال والولاة ، وأهلها أخلاط من الناس وهي على نهر يأخذ من الفرات يقال له : الصراة ، وبين قصر ابن هبيرة ، وبين معظم الفرات مقدار ميلين إلى جسر على معظم الفرات يقال له : جسر سورا.

ومن قصر ابن هبيرة إلى موضع يقال له : سوق أسد (٣) غربي الفرات في الطسوج

__________________

(١) الطائف : عمّرها حسين بن سلامة وسدّها ابنه ، وهي قرب مكّة ، والطائف هو وادي وجّ وهو بلاد ثقيف ، بينها وبين مكة اثنا عشر فرسخا. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٠).

(٢) مروان بن محمد بن الحكم ، أبو عبد الملك ، القائم بحق الله ، ويعرف بالجعدي وبالحمار ، آخر ملوك بني أمية في الشام ، ولد بالجزيرة سنة ٧٢ ه‍ / ٦٩٢ م ، وأبو متوليها ، وغزا سنة ١٠٥ ه‍ ، فافتتح قونية وغيرها ، وولاه هشام بن عبد الملك على أذربيجان ، وأرمينية ، والجزيرة سنة ١١٤ ه‍ ، وخاض حروبا كثيرة ، ولما قتل الوليد بن يزيد سنة ١٢٦ ه‍ ، وظهر ضعف الدولة الأموية في الشام دعا الناس وهو بأرمينية إلى البيعة له ، فبايعوه فيها ، وزحف بجيش كثيف في أيام إبراهيم بن الوليد ، قاصدا الشام ، فخلع إبراهيم واستوى على عرش بني مروان سنة ١٢٧ ه‍ ، وفي أيامه قويت الدولة العباسية ، وتقدم جيش قحطبة بن شبيب الطائي إلى طوس يريد الإغارة على الشام ، فسار إليه مروان بعسكره ، ونزل بالزّاب بين الموصل وإربل ، وتصاول الجمعان ، فانهزم جيش مروان ، ففرّ إلى الموصل ، ومنها إلى حرّان فحمص فدمشق ففلسطين ، وانتهى إلى بوصير من أعمال مصر ، فقتل فيها ، قتله عامر أو عمرو بن إسماعيل المرادي الجرجاني ، وحمل رأسه إلى السفاح العباسي ، سنة ١٣٢ ه‍ / ٧٥٠ م.

(٣) سوق أسد بالكوفة منسوبة إلى أسد بن عبد الله القسري أخي خالد بن عبد الله أمير العراقين.(معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٢٢).

١٤٥

الذي يقال له : الفلوجة (١) ، ومن سوق أسد إلى الكوفة والمسافات من بغداد إلى الكوفة في عمارات وقرى عظام متصلة عامرة فيها أخلاط من العجم ومن العرب.

والكوفة مدينة العراق الكبرى والمصر الأعظم وقبة الإسلام ودار هجرة المسلمين.

وهي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق سنة أربع عشرة وبها خطط العرب.

وهي على معظم الفرات ، ومنه شرب أهلها ، وهي من أطيب البلدان وأفسحها وأغذاها وأوسعها.

وخراجها داخل في خراج طساسيج السواد ، وطساسيجها التي تنسب إليها : طسوج الجبة ، وطسوج البداة ، وفرات بادقلا ، والسالحين (٢) ، ونهر يوسف.

والحيرة منها على ثلاث أميال ، والحيرة على النجف ، والنجف (٣) كان على ساحل بحر الملح ، وكان في قديم الدهر يبلغ الحيرة ، وهي منازل آل بقيلة وغيرهم.

وبها كانت منازل ملوك بني نصر من لخم وهم آل النعمان بن المنذر ، وعليه أهل الحيرة نصارى فمنهم من قبائل العرب على دين النصرانية من بني تميم آل عدي بن زيد العبادي الشاعر ومن سليم ومن طيّىء وغيرهم.

والخورنق (٤) بالقرب منها مما يلي المشرق وبينه وبين الحيرة ثلاثة أميال ، والسدير (٥) في برية تقرب منها.

__________________

(١) الفلّوجة : هي القرية ، والأرض المصلحة للزراعة ، والجمع فلاليج. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣١٢).

(٢) السالحين : والعامة تقول صالحين ، وكلاهما خطأ وإنما هو السيلحين قرية قرب الحيرة ضاربة في البر قرب القادسية. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٣٩).

(٣) النجف : عين تسقي عشرين ألف نخلة ، وبالقرب من هذا الموضع قبر علي بن أبي طالب.(معجم البلدان ج ٥ / ص ٣١٣).

(٤) الخورنق : بلدة قرب بلخ ، وهو فارسي معرّب من خرنكاه ، تفسيره : موضع الشرب. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٥٨).

(٥) السدير : هو نهر ، ويقال قصر ، وهو معرّب وأصله بالفارسية سه دله أي فيه قباب متداخلة مثل الجاري بكمّين. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٢٧).

١٤٦

خطط الكوفة

كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص (١) لما افتتح العراق يأمره أن ينزل بالكوفة ويأمر الناس أن يختطوها ، فاختطت كل قبيلة مع رئيسها ، فأقطع عمر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكانت عبس (٢) إلى جانب المسجد ، ثم تحول قوم منهم إلى أقصى الكوفة.

واختط سلمان بن ربيعة الباهلي (٣) ، والمسيب بن نجبة الفزاري (٤) ، وناس من قيس حيال دار ابن مسعود. واختط عبد الله بن مسعود (٥) ، وطلحة بن عبيد الله (٦) ، وعمرو بن حريث (٧) الدور حول المسجد.

وأقطع عمر جبير بن مطعم (٨) ، فبنى دارا ، ثم باعها من موسى بن طلحة (٩).

__________________

(١) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري ، صحابي ، أمير ، ولد سنة ٢٣ ق ه / ٦٠٠ م ، فاتح الطرق مات في قصره في العقيق سنة ٥٥ ه‍ / ٦٧٥ م.

(٢) عبس : بطن من غطفان من العدنانية ، قال في العبر : وليس أحد بنجد أحد من بني عبس اليوم ، والعبس الأسد وبه سمي أحد رجالها وإليهم ينسب عنترة بن شدّاد العبسي. (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص ٣١٥).

(٣) سلمان بن ربيعة بن يزيد الباهلي ، صحابي من القادة ، القضاة ، شهد فتوح الشام ، وسكن العراق ، ولي غزو أرمينية في زمن عثمان بن عفان واستشهد فيها سنة ٣٠ ه‍ / ٦٥٠ م.

(٤) المسيّب بن نجبة بن ربيعة بن رياح الفزاري ، تابعي كان رأس قومه ، شهد القادسية وفتوح العراق ، وكان مع علي في مشاهده ، سكن الكوفة ، قتل المسيّب مع سليمان بن صرد في إحدى الوقائع بالعراق سنة ٦٥ ه‍ / ٦٨٤ م.

(٥) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، أبو عبد الرحمن ، صحابي ، من أكابرهم ، فضلا وعقلا ، وقربا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو من أهل مكة ومن السابقين إلى الإسلام ، توفي سنة ٣٢ ه‍ / ٦٥٣ م.

(٦) طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي ، القرشي ، المدني ، أبو محمد ، ولد سنة ٢٨ ق. ه / ٥٩٦ م ، صحابي ، شجاع ، من الأجواد قتل يوم الجمل وهو بجنب عائشة سنة ٣٦ ه‍ / ٦٥٦ م ، ودفن في البصرة.

(٧) عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان المخزومي القرشي ، أبو سعيد ، وال من الصحابة ولد سنة ٢ ق. ه / ٦٢٠ م ، ولي أمر الكوفة لزياد ، ومات بها سنة ٨٥ ه‍ / ٧٠٤ م.

(٨) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي ، أبو عدي ، صحابي ، كان من علماء قريش وسادتهم ، توفي في المدينة سنة ٥٩ ه‍ / ٦٧٩ م.

(٩) موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ، أبو عيسى ، تابعي ، من أفصح أهل عصره ، كان يقال له المهدي لفضله ، توفي سنة ١٠٦ ه‍ / ٧٢٤ م.

١٤٧

وأقطع سعد بن قيس عند دار سلمان بن ربيعة بينهما الطريق ، واستقطع سعد بن أبي وقاص لنفسه الدار التي بدار عمر بن سعد (١).

وأقطع خالد بن عرفطة ، وخباب بن الأرت (٢) ، وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار وعمارة بن رويبة التميمي.

وأقطع أبا مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري (٣) ، وأقطع بني شمخ بن فزارة (٤) مما يلي جهينة (٥) ، وأقطع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص (٦) شهار سوج خنيس (٧).

وأقطع شريح بن الحارث الطائي (٨) ، وأقطع عمر أسامة بن زيد (٩) دارا ما بين المسجد إلى دار عمرو بن الحارث بن أبي ضرار.

وأقطع أبا موسى الأشعري (١٠) نصف الآري وكان فضاء عند المسجد ، وأقطع

__________________

(١) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ، المدني ، أمير من القادة الشجعان ، أرسل المختار الثقفي من قتله بالكوفة سنة ٦٦ ه‍ / ٦٨٦ م.

(٢) خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد التميمي ، أبو يحيى أو أبو عبد الله ، صحابي ، قيل : أسلم سادس ستة ، وهو أول من أظهر إسلامه ، نزل الكوفة فمات فيها وهو ابن ٧٣ سنة ، أي سنة ٣٧ ه‍ / ٦٥٧ م.

(٣) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري ، البدري ، أبو مسعود ، من الخزرج ، صحابي ، شهد العقبة وأحدا وما بعدها ، ونزل الكوفة ، وتوفي فيها سنة ٤٠ ه‍ / ٦٦٠ م.

(٤) شمخ بن فزارة من عدنان ، جدّ جاهلي ، بنوه بطن من فزارة ، قال السمعاني منهم كثير من المتقدّمين والمتأخّرين.

(٥) جهينة : هي من قضاعة من القحطانية ، وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث. وهو من ضرب به المثل : عند جهينة الخبر اليقين. (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص ٢٠٤).

(٦) هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، صحابي ، خطيب من الفرسان ، يلقب بالمرقال ، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص ، أسلم يوم فتح مكة ، كان مع علي يوم صفين وقتل في آخر أيامها سنة ٣٧ ه‍ / ٦٥٧ م.

(٧) شهارسوج : فارسي معرّب وهي محلة في الكوفة تنسب إلى خنيس بن سعد أخي النعمان بن سعد جد أبي يوسف القاضي ، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٢٥).

(٨) شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي ، أبو أمية ، من أشهر القضاة ، الفقهاء في صدر الإسلام ، أصله من اليمن ، عمّر طويلا ومات في الكوفة سنة ٧٨ ه‍ / ٦٧٤ م.

(٩) أسامة بن زيد بن حارثة من كنانة عوف ، أبو محمد ، صحابي ، جليل ، ولد بمكة سنة ٧ ق. ه / ٦١٥ م ، ونشأ على الإسلام ، توفي في المدينة سنة ٥٤ ه‍ / ٦٧٤ م.

(١٠) أبو موسى الأشعري : هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب ، من بني الأشعر ، من ـ

١٤٨

حذيفة بن اليمان (١) مع جماعة من عبس نصف الآري وهو فضاء كانت فيه خيل المسلمين.

وأقطع عمرو بن ميمون الأودي الرحبة التي تعرف بعلي بن أبي طالب عليه السّلام ، وأقطع أبا جبيرة الأنصاري وكان على ديوان الجند.

وأقطع عدي بن حاتم وسائر طيّىء ناحية جبانة بشر ، وأقطع الزبير بن العوام ، وأقطع جرير بن عبد الله البجلي وسائر بجيلة قطيعة واسعة كبيرة.

وأقطع الأشعث بن قيس (٢) الكندي وكندة من ناحية جهينة إلى بني أود ، وجاء قوم من الأزد فوجدوا فرجة فيما بين بجيلة وكندة فنزلوا ، وتفرقت همدان بالكوفة ، وجاءت تميم وبكر وأسد فنزلوا الأطراف.

وأقطع أبا عبد الله الجدلي في بجيلة فقال جرير بن عبد الله لم نزل هذا فينا وليس منا ، فقال له عمر انتقل ما خير لك فانتقل إلى البصرة وانتقلت عامة أحمس عن جرير بن عبد الله إلى الجبانة.

وقد تغيرت الخطط وصارت تعرف بقوم اشتروا بعد ذلك وبنوا ، وكان لكل قبيلة جبانة تعرف بهم وبرؤسائهم ، منها : جبانة عرزم ، وجبانة بشر ، وجبانة أزد ، وجبانة سالم ، وجبانة مراد ، وجبانة كندة ، وجبانة الصائديين ، وصحراء أثير ، وصحراء بني يشكر ، وصحراء بني عامر.

وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد أن يجعل سكك الكوفة خمسين ذراعا بالسواء ، وجعلت السوق من القصر ، والمسجد إلى دار الوليد إلى القلائين إلى دور ثقيف وأشجع وعليها ظلال بواري إلى أيام خالد بن عبد الله القسري فإنه بنى الأسواق وجعل لأهل كل بياعة دارا وطاقا وجعل غلالها للجند ، وكان ينزلها عشرة آلاف مقاتل.

__________________

ـ قحطان ، صحابي ، من الشجعان ، الولاة الفاتحين ، وأحد الحكمين اللذين رضي بهما علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، سكن في الكوفة وتوفي فيها سنة ٤٤ ه‍ / ٦٦٥ م.

(١) حذيفة بن اليمان : وهو حذيفة بن حسل بن جابر العبسي ، أبو عبد الله ، واليمان لقب حسل ، صحابي من الولاة الشجعان الفاتحين ، كان صاحب سر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنافقين. توفي في المدائن سنة ٣٦ ه‍ / ٦٥٦ م.

(٢) الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي ، ولد سنة ٢٣ ق. ه / ٦٠٠ م ، أبو محمد ، أمير كندة في الجاهلية والإسلام ، ورد إلى الكوفة وتوفي فيها سنة ٤٠ ه‍ / ٦٦١ م.

١٤٩

المنازل من الكوفة إلى المدينة ومكة

من أراد أن يخرج من الكوفة إلى الحجاز خرج على سمت القبلة في منازل عامرة ومناهل قائمة.

فيها قصور لخلفاء بني هاشم ، فأول المنازل القادسية (١) ، ثم المغيثة (٢) ، ثم القرعاء ، ثم واقصة ، ثم العقبة ، ثم القاع ، ثم زبالة ، ثم الشقوق ، ثم بطان ، وهي قبر العبادي.

وهذه الأربعة الأماكن ديار بني أسد والثعلبية ، وهي مدينة عليها سور ، وزرود والأجفر منازل طيّىء ، ثم مدينة فيد (٣) ، وهي المدينة التي ينزلها عمال طريق مكة وأهلها طيّىء وهي في سفح جبلهم المعروف بسلمى ، وتوز (٤) وهي منازل طيّىء ، وسميراء (٥) والحاجر (٦).

وأهلهما قيس وأكثرهم بنو عبس ، والنقرة ومعدن النقرة وأهلها أخلاط من قيس وغيرهم.

ومنها يعطف من أراد مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بطن نخل ، ومن قصد مكة فإلى مغيثة الماوان وهي ديار محارب ، ثم الربذة ، ثم السليلة ، ثم العمق ، ثم معدن بني سليم ، ثم أفيعية ، ثم المسلح ، ثم غمرة ، ومنها يهل بالحج ، ثم ذات عرق ، ثم بستان ابن عامر ، ثم مكة.

__________________

(١) القادسية : القادس السفينة العظيمة ، بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا ، وروى ابن عيينة قال : مرّ إبراهيم بالقادسية فرأى زهرتها ، ووجد هناك عجوزا فغسلت رأسه فقال : قدّست من أرض ، فسميت القادسية. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٣١).

(٢) المغيثة : منزل في طريق مكة بعد العذيب نحو مكة ، وكانت أولا مدينة ، شرب أهلها من المطر. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٩٠).

(٣) فيد : بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة ، عامرة يودع الحجاج فيها أزوادهم ، وما يثقل من أمتعتهم عند أهلها. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٢٠).

(٤) توز : منزل في طريق الحاج بعد فيد للقاصد إلى الحجاز ودون سميراء لبني أسد وهو جبل.(معجم البلدان ج ٢ / ص ٦٨).

(٥) سميراء : منزل سمّي برجل من عاد اسمه سميراء ، وهو منزل بمكة بعد توز مصعدا ، وقبل الحاجز. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٩٠).

(٦) الحاجر : موضع قبل معدن النقرة ، ويقال : هو موضع في ديار بني تميم. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٢٣٦).

١٥٠

مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

ومن قصد مدينة (١) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ من المنزل الذي يقال له : معدن النقرة إلى بطن نخل (٢) ، ثم العسيلة (٣) ، ثم طرفة (٤) ثم المدينة.

والمدينة كما سماها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيبة في مستواها من الأرض عذبة برية جبلية وذلك أن لها جبلين أحدهما أحد والآخر عير ، وأهلها المهاجرون والأنصار والتابعون وبها قبائل العرب من قيس بن عيلان من مزينة وجهينة وكناية وغيرهم.

ولها أربعة أودية يأتي ماؤها في وقت الأمطار والسيول من جبال بموضع يقال له حرة بني سليم على مقدار عشرة فراسخ من المدينة وهي وادي بطحان ، والعقيق الكبير ، والعقيق الصغير ، ووادي قناة ، فمياه هذه الأودية تأتي في وقت السيول ، ثم تجتمع كلها بموضع يقال له : الغابة ، وتخرج إلى واد يقال له : وادي أضم ، ثم يخرج العقيق الكبير ، والعقيق الصغير في آبار منها بئر رومة وهي حفير بني مازن ، وبئر عروة فيشرب أهل المدينة سائر السنة من هاتين البئرين وغيرهما من الآبار التي ليست لها شهرة هاتين البئرين ، وبها آبار يسقى منها النخل والمزارع تجرها النواضح وهي الإبل التي تعمل في الزرانيق.

وبالمدينة عيون نابعة معينة فمنها : عين الصورين ، وعين ثنية مروان ، وعين الخانقين ، وعين أبي زياد وخيف القاضي ، وعين برد ، وعين أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وأكثر أموال أهلها النخل ومنه معاشهم وأقوانهم.

وخراجها من أعشار النخل والصدقات ، والبحر الأعظم منها على ثلاثة أيام

__________________

(١) مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم : هي يثرب ، قدرها مقدار نصف مكة ، وهي في حرّة سبخة الأرض ، ولها نخيل كثير وماء ، ونخيلهم وزروعهم تسقى من الآبار ، وللمدينة سور ، والمسجد نحو وسطها.

وقبر النبي صلّى الله عليه وسلّم في شرقي المسجد ، وهو بيت مرتفع ليس بينه وبين سقف المسجد إلّا فرجة وهو مسدود لا باب له وفيه قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٩٧).

(٢) بطن نخل : قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة ، بينهما الطرف على الطريق. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٣٣).

(٣) العسيلة : ماء في جبل القنان شرقي سميراء. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٤١).

(٤) طرفة : ضبطها صاحب معجم البلدان طرف ، وهو موضع ماء قريب من المدينة المنورة.(معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٥).

١٥١

وساحلها موضع يقال له : الجار وإليه ترسى مراكب التجار والمراكب التي تحمل الطعام من مصر.

ومن المدينة إلى قباء (١) ستة أميال وبها كانت منازل الأوس والخزرج قبل الإسلام وبها نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يصير إلى موضع المدينة فإنه صلّى الله عليه وسلّم نزل بقباء على كلثوم بن الهدم ثم مات كلثوم فنزل على سعد بن خيثمة الأنصاري (٢) ، ودار سعد بن خيثمة إلى جانب مسجد قباء ثم انتقل إلى المدينة فكتب معاقلها واختط الناس بها الخطط وكانوا قبل ذلك مفترقين واتصل البنيان بعضه ببعض حتى صارت مدينة.

ومن المدينة إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة ، فأولها ذو الحليفة ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا من المدينة وهي على أربعة أميال من المدينة ومنها إلى الحفيرة وهي منازل بني فهر من قريش ، وإلى ملل ، وهي هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالب ، وإلى السيالة وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام ، وكان بها قوم من قريش وغيرهم.

وإلى الروحاء وهي منازل مزينة ، وإلى الرويئة وبها قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب. وإلى العرج وهي أيضا منازل مزينة ، وإلى سقيا بني غفار وهي منازل بني كنانة ، وإلى الأبواء وهي منازل أسلم.

وإلى الجحفة وبها قوم من بني سليم ، وغدير خم (٣) من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق ، وإلى قديد وبها منازل خزاعة ، وإلى عفان ، وإلى مر الظهران وهي منازل كنانة وإلى مكة.

مكة وأعمالها

ومن المدينة إلى مكة (٤) مائتان وخمسة وعشرون ميلا ، والحاج ينزلون هذه

__________________

(١) قباء : وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة ، فيها آبار ومياه عذبة ، وبها مسجد الضرار. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٤٢).

(٢) سعد بن خثيمة بن الحارث الأوسي الأنصاري ، أبو عبد الله ، صحابي ، كان أحد النقباء الاثني عشر بالعقبة ، واستشهد يوم بدر سنة ٢ ه‍ / ٦٢٤ م.

(٣) غدير خم : بين مكة والمدينة. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢١٣).

(٤) مكّة : بيت الله الحرام ، أما اشتقاقها ففيه أقوال : قال أبو بكر بن الأنباري : سمّيت مكة لأنها تمكّ الجبارين أي تذهب نخوتهم ، ويقال : إنما سميت مكة لازدحام الناس بها من قولهم : ـ

١٥٢

المنازل وغيرها من المناهل ويطول قوم ويقصر آخرون على ما يذهبون إليه في المسير من السرعة والإبطاء ، فيدخل الناس إلى مكة من ذي طوى وهي أسفل مكة ، ومن عقبة المدنيين وهي أعلى مكة ومنها دخول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ومكة بين جبال عظام وهي أودية ذات شعاب فجبالها المحيطة بها : أبو قبيس الجبل الأعظم منه تشرق الشمس على المسجد الحرام ، وقعيقعان ، وفاضح ، والمحصب ، وثور عند الصفا ، وجراء وثبير ، وتفاحة ، والمطابخ ، والفلق ، والحجون ، وسقر.

ولها من الشعاب : شعب الحجون ، وشعب دار مال الله ، وشعب البطاطين ، وشعب فلق ابن الزبير ، وشعب ابن عامر ، وشعب الجوف ، وشعب الخوز ، وشعب أذاخر ، وشعب خط الحزامية ، وشعب الصفا ، وشعب الرزازين ، وشعب الخبير بين ، وشعب الجزارين ، وشعب زقاق النار ، وشعب جبل تفاحة ، وشعب الحجاج ، وشعب العطارين ، وشعب جياد الكبير ، وشعب جياد الصغي ، وشعب النفر ، وشعب ثور وخيام عنقود ، وشعب يرني ، وشعب علي ، وشعب ثنية المدنيين ، وشعب الحمام.

والمسجد الحرام بين جياد وقعيقعان ، وآخر من بنى المسجد الحرام وزاد فيه ووسعه حتى صارت الكعبة في وسطه المهدي في سنة أربع وستين ومائة ، فذرع المسجد الحرام مكسرا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع ، وطول المسجد من باب بني جمح إلى باب بني هاشم الذي عند العلم الأخضر أربعمائة ذراع وأربع أذرع ، وعرضه من باب الندوة إلى باب الصفا ثلاثمائة ذراع وأربع أذرع ، وفيه من العمد الرخام أربعمائة وأربع وثمانون عمودا طول كل عمود عشر أذرع ، وفيه أربعمائة طاق وثمانية وتسعون طاقا وثلاثة وعشرون بابا.

والمهدي أمير المؤمنين بنى العلمين الأخضرين اللذين بين الصفا والمروة وبين كل علم وصاحبه مائة واثنتا عشرة ذراعا وبين الصفا والمروة سبعمائة ذراع وأربع وخمسون ذراعا وارتفاع سمك الكعبة ثمان وعشرون ذراعا ، ومن الركن الأسود إلى الركن الشامي خمس وعشرون ذراعا ومن الركن الغربي في الحجر إلى الركن الشامي اثنتان وعشرون ذراعا ومن الركن الغربي إلى الركن اليماني خمس وعشرون ذراعا ومن

__________________

ـ قد أمتك الفصيل ضرع أمه إذا مصّه مصّا شديدا ، وسمّيت بكّة لازدحام الناس بها ، يقال مكّة اسم المدينة ، بكّة اسم البيت. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٢١٠).

١٥٣

الركن اليماني إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود إحدى وعشرون ذراعا. وشرب أهل مكة من آبار ملحة ومن القنوات التي حفرتها أم جعفر بنت جعفر بن أمير المؤمنين المنصور في خلافة الرشيد أمير المؤمنين وأجرتها من الموضع الذي يقال له : المشاش في قنوات رصاص وبينهما اثنا عشر ميلا فشرب أهل مكة والحاج من بركة أم جعفر.

والطائف من مكة على مرحلتين ، والطائف منازل ثقيف وهي من أعمال مكة مضمومة إلى عامل مكة.

ولمكة من الأعمال رعيلاء الهوذة ورعيلاء البياض وهي معادن سليم وهلال وعقيل من قيس.

وتبالة وأهلها خثعم ونجران لبني الحارث بن كعب كانت منازلهم في الجاهلية.

والسراة وأهلها الأزد وعشم معدن ذهب وبيش ، والسرين ، والحسبة وعثر ، وجدة وهي ساحل البحر ، ورهاط ، ونخلة ، وذات عرق ، وقرن ، وعسفان ، ومر الظهران ، والجحفة.

وحول مكة من قبائل العرب من قيس : بنو عقيل وبنو هلال وبنو نمير وبنو نصر.

ومن كنانة : غفار ودوس وبنو ليث وخزاعة وخثعم وحكم والأزد.

ولمكة عيون كثيرة بها أموال الناس بمر الظهران وعرفة ورهاط وتثليث وبها معدن ذهب بعشم وذو علق وعكاظ.

وخراجها من أعشار وصدقات والميرة تحمل إليها من مصر إلى ساحلها وهو جدة.

ومن مكة إلى اليمن

من مكة إلى صنعاء (١) إحدى وعشرون مرحلة (٢) فأولها الملكان (٣) ، ثم

__________________

(١) صنعاء : منسوبة إلى جودة الصنعة في ذاتها ، والنسبة إليها صنعاني على غير القياس ، وهي باليمن ، قال أبو القاسم الزجاجي : كان اسم صنعاء في القديم أزال ، فلما وافتها الحبشة قالوا : نعم نعم ، فسمّي الجبل نعم أي انظر ، فلما رأوا مدينتها وجدوها مبنية بالحجارة حصينة فقالوا : هذه صنعة ومعناه حصينة فسمّيت صنعاء بذلك. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٨٣).

(٢) المرحلة هي المسافة التي يقطعها المسافر في يوم وتقدّر عندهم بثمانية فراسخ.

(٣) الملكان : جبل بالطائف. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٢٢٤).

١٥٤

يلملم (١) ومنها يحرم حاج اليمن ، ثم الليث ، ثم عليب ، ثم قربا ، ثم قنونا ، ثم يبة ، ثم المعقر ، ثم ضنكان ، ثم زنيف ، ثم ريم ، ثم يبش ، ثم العرش من جازان ، ثم الشرجة ، ثم السلعاء ، ثم بلحة ، ثم المهجم ، ثم العارة ، ثم المروة ، ثم سودان ، ثم صنعاء ، وهي المدينة العظمى التي ينزلها الولاة والأشراف العرب.

واليمن أربعة وثمانون مخلافا وهي شبيه بالكور والمدن وأسماؤها : اليحصبين ، ويكلي ، وذمار ، وطمؤ ، وعيان ، وطمام ، وهمل ، وقدم ، وخيوان ، وسنحان ، وريحان ، وجرش ، وصعدة ، والأخروش ، ومجنح ، وحراز ، وهوزن ، وقفاعة ، والوزيرة ، والحجر ، والمعافر ، وعنة ، والشوافي ، وجبلان ، ووصاب ، والسكون ، وشرعب ، والجند ، ومسور ، والثلجة ، والمزارع ، وحيران ، ومأرب ، وحضور ، وعلقان ، والعرش من جازان ، والخصوف ، والساعد ، وبلحة وهي مور ، والمهجم ، والكدراء وهي سهام ، والمعقر وهي ذوال ، وزبيدة ، ورمع ، والركب ، وبني مجيد : ولحج ، وأبين ، وبين الواديين ، والهان ، وحضرموت ، ومقرا ، وحيس ، وحرض ، والحقلين ، وعنس ، وبني عامر ، ومأذن ، وحملان ، وذي جرة ، وخولان ، والسرو ، والدثينة ، وكبيبة ، وتبالة.

جزائر اليمن

زيلع (٢) وهي حيال المندب ، ثم دهلك (٣) وهي حيال غلافقة (٤) وهي جزيرة

__________________

(١) يلملم : ويقال ألملم والململم ، موضع على ليلتين من مكة ، وهو ميقات أهل اليمن ، وفيه مسجد معاذ بن جبل. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٥٠٤).

(٢) زيلع : هم جيل من السودان في طرف أرض الحبشة ، وهم مسلمون ، وأرضهم تعرف بالزيلع.

وقال ابن الحائك : ومن جزائر اليمن جزيرة زيلع ، فيها سوق يجلب إليه المعزى من بلاد الحبشة ، فتشترى جلودها ، ويرمى بأكثر مسائحها في البحر. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٨٤).

(٣) دهلك : اسم أعجمي معرب ، ويقال : دهيك ، وهي جزيرة في بحر اليمن ، وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة ، وهي بلدة ضيّقة حرجة حارة ، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٦٠).

(٤) غلافقة : وهو بلد على ساحل بحر اليمن مقابل زبيد ، وهي مرسى زبيد وبينها وبين زبيد خمسة عشر ميلا. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٣٥).

١٥٥

النجاشي ورحسوا وهي حيال الدهلك وباضع (١) وهي حيال عثر وهي ساحل بيش بلاد كنانة.

سواحلها

فعدن (٢) وهي ساحل صنعاء وبها مرفأ مراكب الصين ، وسلاهط ، والمندوب ، وغلافقة ، والحردة ، والشرجة (٣) ، وهي شرجة القريص ، وعثر (٤) ، والحسية ، والسرين ، وجده.

تسمية من يسكن كل بلد من قبائل العرب باليمن

بيش أهلها الأزد وبها قوم من بني كنانة ، والخصوف والساعد أهلها حاء (٥) وحكم (٦) والكدراء والمهجم أهلها عك والحصيب أهلها زبيد والأشعريون.

وحيس وهي مدينة الركب وبني مجيد ، وحرض مدينة المعافر ، والجند مدينة شرعب ، ومدينة جيشان لحمير ، وتبالة لخثعم ، ونجران لبني الحارث بن كعب ، وصعدة لخولان ، وشرعب ، وقفاعة ، والحجر بلاد كندة.

__________________

(١) باضع : جزيرة في اليمن ، نساء أهل باضع يخرقن آذانهن خروقا كثيرة ، وكلامهم بالحبشية.(معجم البلدان ج ١ / ص ٣٨٥).

(٢) عدن : وهو من قولهم عدن بالمقام إذا أقام به ، وبذلك سميت عدن ، وهي مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن ردئة لا ماء بها ولا مرعى وشربهم من عين بينها وبين عدن مسيرة نحو يوم. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٠٠).

(٣) الشرجة : من أوائل أرض اليمن وهو أول كورة عثر. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٧٩).

(٤) عثر : بلدة باليمن بينها وبين مكة عشرة أيام ، وهي معروفة بكثرة الأسود. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٩٦).

(٥) حاء : بالمدحي من مذحج في اليمن.

(٦) حكم : محركة هو حيّ فيها أيضا.

١٥٦

الربع الثالث الجربي وهو ربع الشمال

قد ذكرنا التيمن وهو ربع القبلة فلنذكر الآن ربع الجربي وهو ربع الشمال وما فيه من المدائن والكور.

من أراد من بغداد إلى المدائن وما والاها مما على حافتي دجلة من المدن والطساسيج : واسط ، والبصرة ، والأبلة ، واليمامة ، والبحرين ، وعمان ، والسند ، والهند خرج من بغداد فسلك أي الجانبين أحب الشرقي من دجلة ، أو الغربي في قرى عظام فيها ديار الفرس حتى يصير إلى المدائن وهي على سبعة فراسخ من بغداد.

والمدائن دار ملوك الفرس ، وكان أول من نزلها أنو شروان وهي عدة مدن في جانبي دجلة ، فالجانب الشرقي فيه المدينة التي يقال لها : العتيقة فيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرون من بناه ، وفيها المسجد الجامع الذي بناه المسلمون لما افتتحت.

وفي الجانب الشرقي أيضا المدينة التي يقال لها : أسبانير (١) ، وفيها إيوان كسرى العظيم الذي ليس للفرس مثله ، ارتفاع سمكة ثمانون ذراعا وبين المدينتين مقدار ميل ، وفي هذه كان ينزل سلمان الفارسي ، حذيفة بن اليمان وبها قبراهما.

ثم تلي هاتين المدينتين مدينة يقال لها الرومية التي يقال أن الروم بنتها لما غلبت على ملك فارس وبها كان أمير المؤمنين المنصور لما قتل أبا مسلم.

وما بين هذه المدن الثلاث متقارب الميلين والثلاثة الأميال. في الجانب الغربي من دجلة مدينة يقال لها : بهر سير ، ثم ساباط المدائن على فرسخ من بهر سير فما كان من جانب دجلة الشرقي فشربه من دجلة ، وما كان من جانب دجلة الغربي فشربه من الفرات يأتي من نهر يقال له : نهر الملك يأخذ من الفرات.

__________________

(١) أسبانير : هو اسم أجلّ مدائن كسرى وأعظمها ، وهي التي فيها إيوان كسرى. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٠٤).

١٥٧

افتتحت هذه المدائن كلها سنة أربع عشرة افتتحها سعد بن أبي وقاص ، ومن المدائن إلى واسط خمس مراحل أولها دير العاقول (١) وهي مدينة النهروان الأوسط وبها قوم دهاقين أشراف ، ثم جرجرايا وهي مدينة النهروان الأسفل وهي ديار أشراف الفرس ومنهم رجاء بن أبي الضحاك وأحمد بن الخصيب.

ثم النعمانية وهي مدينة الزاب الأعلى ويقرب منها منازل آل نوبخت وفي مدينة النعمانية دير هزقل الذي يعالج المجانين.

ثم جبل وهي مدينة قديمة عامرة ثم مادرايا وهي منزل أشراف العجم قديمة ، ثم المبارك نهر قديم ، وبعد النعمانية من الجانب الغربي من دجلة القرية المعروفة بنعماذ وهي فرضة ينتقل منها مير دجلة إلى النيل.

ثم نهر سابس وهي في الجانب الغربي وهي بإزاء المبارك لأن مدينة المبارك من الجانب الشرقي منها يسلك إلى طسوجي باداريا وباكسايا ، ثم قناطر الخيزران من الجانب الشرقي. ثم فم الصلح وبه منازل الحسن بن سهل وإلى هذا الموضع صار المأمون لما زار الحسن بن سهل وابتنى بابنته بوران.

ثم واسط وهي مدينتان على جانبي دجلة فالمدينة القديمة في الجانب الشرقي من دجلة ، وابتنى الحجاج مدينة في الجانب الغربي وجعل بينهما جسرا بالسفن ، وبنى الحجاج قصره بهذه المدينة الغربية ، والقبة الخضراء التي يقال لها خضراء واسط والمسجد الجامع وعليها السور نزلتها الولاة بعد الحجاج ، وبها كان يزيد بن عمرو بن هبيرة الفزاري لما انهزم من أصحاب قحطبة وتحصن فيها أعطي الأمان ، وسكان هاتين المدينتين أخلاط من العرب والعجم.

ومن الدهاقين فمنزله بالمدينة الشرقية وهي مدينة كسكر. وخراجها داخل في خراج طساسيج السواد ، وإنما سميت واسط لأن منها إلى البصرة خمسين وإلى الكوفة خمسين وإلى الأهواز خمسين فرسخا وإلى بغداد خمسين فرسخا فلذلك سميت واسط ، ويتصل بها نهر أبان وبه يصنع الفرش الذي يعمل منه الأرمني ثم يحمل إلى أرمينية فيغزل وينسج ، ثم إلى عبداسي (٢) ، ثم إلى المذار وهي مدينة ميسان.

__________________

(١) دير العاقول : بين مدائن كسرى والنعمانية ، بينه وبين بغداد خمسة عشر فرسخا على شاطىء دجلة. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٩٠).

(٢) جرجرايا : بلد من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي ، وقد خرج ـ

١٥٨

ومدينة المذار (١) على دجلة أيضا ، ومما يلي المذار كورة أيزقباذ (٢) والمدينة يقال لها فسى.

ومن واسط إلى البصرة في البطائح وإنما سميت البطائح لأنه تجتمع فيها عدة مياه ، ثم يصير من البطائح في دجلة العوراء ، ثم يصير إلى البصرة فيرسى في شط نهر ابن عمر (٣).

البصرة

والبصرة (٤) كانت مدينة الدنيا ومعدن تجاراتها وأموالها وهي مدينة مستطيلة تكون مساحتها على أصل الخطة التي اختطت عليها في وقت افتتاحها في ولاية عمر بن الخطاب في سنة سبع عشرة فرسخين في فرسخ فالباطنة منها وهي الجانب الذي يلقى

__________________

ـ منها جماعة من العلماء والشعراء والكتاب والوزراء. (معجم البلدان ج ٢ / ص ١٤٣).

(١) عبدسي : هو تعريب أفداسهي ، وهو اسم مصنعة كانت برستاق كسكر. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٨٧).

(٢) المذار : وهي عجمية ، والمذار في ميسان بين واسط والبصرة ، وهي قصبة ميسان ، بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيام ، فتحها عتبة بن غزوان في أيام عمر بن الخطاب بعد البصرة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٠٤).

(٣) نهر ابن عمر : نهر بالبصرة منسوب إلى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، وهو أول من احتفره ، وذلك أنه لما قدم البصرة عاملا على العراق من قبل يزيد بن الوليد بن عبد الملك شكا إليه أهل البصرة ملوحة مائهم فكتب بذلك إلى يزيد بن الوليد فكتب إليه : إن بلغت النفقة على هذا النهر خراج العراق وما كان في أيدينا فأنفقه عليه ، فحفر النهر المعروف بنهر ابن عمر.(معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٦٤).

(٤) البصرة : البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدواب ، وقيل : البصرة ، حجارة رخوة فيها بياض ، وقال ابن لأعرابي : البصرة حجارة صلاب ، قال : وإنما سميت بصرة لغلظها وشدّتها. وقال الجاحظ : بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان ، منها : أن عدد المدّ والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إلى ويرتدّ عند استغنائهم عنه ، لا يبطئ عنها إلا بقدر هضمها واستمرائها وحجامها واستراحتها ، لا يقتلها غطسا ولا غرقا ولا يغبّها ظمأ ولا عطشا ، يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة ، يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلّات متى يتخلّفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر ، فهي آية وأعجوبة ومفخرة وأحدوثة. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٢٠).

١٥٩

الشمال تشرع على نهرين لها أحدهما نهر يعرف بنهر ابن عمر وهو نهر [...](١) وخرشنة (٢) خمسمائة فارس وسلوقية (٣) خمسمائة فارس وتراقية خمسة آلاف فارس ومقدونية ثلاثة آلاف فارس فجميع جيش بلاد الروم من الجند الموظف على الرساتيق والقرى أربعون ألف فارس وليس فيهم مرتزق وإنما هم جند يوظف على كل ناحية رجال يخرجون مع بطريقها في وقت الحرب.

وقد ذكرنا أخبار بلاد الروم ورجالها ومدنها وحصونها وموانيها وجبالها وشعابها وأوديتها وبحيراتها ومواضع الغارات عليها في كتاب غير هذا ، فهذه المسالك إلى الثغور وما اتصل بها.

ومن أراد أن يسلك من حلب الطريق الأعظم إلى المغرب خرج من حلب إلى مدينة قنسرين ثم إلى الموضع الذي يقال له تلمنس وهو أول عمل جند (٤) حمص.

جند حمص

ثم منها إلى مدينة حماة (٥) وهي مدينة قديمة على نهر يقال له الأرنط ، وأهل هذه المدينة قوم من يمن والأغلب عليهم بهراء وتنوخ ثم من مدينة حماة إلى مدينة الرستن ثم إلى مدينة حمص.

ومدينة حمص (٦) من أوسع مدن الشام ولها نهر عظيم منه شرب أهلها ، وأهل

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) خرشنة : بلد قرب ملطية من بلاد الروم ، غزاه سيف الدولة الحمداني ، وفيها أسر أبو فراس الحمداني ، وهو ابن عم سيف الدولة ، وقيل سمي خرشنة باسم عامره ، وهو خرشنة بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح عليه السّلام. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤١٠).

(٣) سلوقية : كان في جبال الثغر الجوارح والكلاب السلوقية الموصوفة من بلاد سلوقية فنسبتها إليها. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٧٤).

(٤) الجند : بالضم واحد الأجناد ، وأجناد الشام خمسة ، ولعلها المدن. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣١١).

(٥) حماة : مدينة عظيمة كبيرة كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار واسعة الرقعة حفلة الأسواق ، يحيط بها سور محكم ، فيها أسواق كثيرة وجامع مفرد مشرف على نهرها المعروف بالعاصي عليه نواعير عدّة تستقي الماء من العاصي فتسقي بساتينها ، وتصب إلى بركة جامعها. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٤٤).

(٦) حمص : بلد مشهورة قديم كبير مسوّر ، وفي طرفه القبلي قلعة حصينة على تلّ عال كبير وهي ـ

١٦٠