البلدان

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]

البلدان

المؤلف:

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3419-1
الصفحات: ٢٢٤

حصينة لا يوصل إليها يقال لها حزربدين لا يوصل إليها لما دونها من الجبال الخشنة والمسالك الحزنة والأودية الصعبة والقلاع المنيعة ، ولها طريق من كرمان وطريق من سجستان وبها ملك منيع لا يكاد يؤدي الطاعة إلا أن الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك لما ولي خراسان للرشيد سنة ست وسبعين ومائة (١) ، وجه إلى أرض كابل شاه جيوشا عليهم إبراهيم بن جبريل وأنهض معه الملوك من بلاد طخارستان والدهاقين.

وكان في الملوك الحسن الشير ملك باميان فصاروا إلى البلاد وفتحوا مدينة الغوروند ، وفج غوروند ، وسار حود ، وسدل إستان ، وشاه بهار التي فيها الصنم الذي يعبدونه فهدم وحرق بالنار واستأمن إلى الفضل بن يحيى من ملوك مدن كابل شاه أهل مدينة كاوسان مع عفريكس ملكهم ، وأهل مدينة المازران ، وأهل مدينة سرحرد مع ملوكهم فأعطاهم الأمان ووجهوا بالرهائن.

ومدينة كابل العظمى التي يقال لها : جروس افتتحها عبد الرحمن بن سمرة في خلافة عثمان بن عفان ، وهي منغلقة في هذا الوقت إلا أن التجار يدخلون إليها ويحملون الإهليلج الكابلي الكبار.

مرو رود

وأما البلدان التي من مدينة مرو إلى مدينة بلخ فمن مدينة مرو إلى مرو رود (٢) خمس مراحل ، ومرورود افتتحها الأحنف بن قيس ، وهو من قبل عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان سنة إحدى وثلاثين ، ومن مرو رود إلى بلخ ومن سلك منها إلى زم ، وهي على نهر بلخ ، وإلى آمل وهي على نهر بلخ أيضا وبينها وبين مرو ست رحلات ، فهذه البلدان التي تلي بحر الهند من كور خراسان.

فأما البلدان التي تيمن نهر بلخ فالترمذ وهي مدينة جليلة على نهر بلخ الأعظم في الجانب الشرقي منه لأن مدينة بلخ من الجانب الغربي من النهر ، وهي مدينة آهلة

__________________

(١) في ترجمة الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك : أن الرشيد استوزره مدة قصيرة ، ثم ولاه خراسان سنة ١٧٨ ه‍. (الأعلام ج ٥ / ص ١٥١).

(٢) مرو رود : ضبطها صاحب معجم البلدان مرو الروذ ، المرو : الحجارة البيض تقتدح بها النار ، ولا يكون أسود ولا أحمر ، والروذ بالفارسية النهر ، فكأنه مرو النهر ، وهي مدينة قريبة من مرو الشاهجان ، وهي على نهر عظيم. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٣٢).

١٢١

واسعة ، وإلى جانب الترمذ على النهر أيضا مدينة القواذيان (١) نظيرة الترمذ ، ثم منها إلى مملكة هاشم بن بانيجور وهي وخش ، وهلاورد مدينتان جليلتان لهما منعة ، ثم إلى مدينة شومان وهي متصلة بمملكة هاشم بن بانيجور وآل هاشم ، ثم الأحد يلي وهي مدينة داود بن أبي داود ، ثم إلى الواشجرد (٢) ، وهي مدينة ثغر عظيم ، وبلد واسع فيه سبعمائة حصن حصينة وذلك أنهم يغزون الترك ، وبينهم وبين أرض ترك إستان أربعة فراسخ ، ومن الترمذي إلى الصغانيان أربع مراحل.

والصغانيان بلد جليل واسع فيه كور وعدة مدن فمن كورة حردن ، ونهاران ، وكاسك.

ومن الصغانيان إلى مملكة الختّل ثلاث مراحل ، ومدينة الختّل العظمى وواشجرد وهي التي ذكرنا أن فيها سبعمائة حصن وأنها متاخمة الترك.

ختّل

ومن الختّل (٣) إلى بخارستان العليا ومملكة حماربك : ملك شقنان وبذخشان ، ومنه الوادي الأعظم إلى شقنان ، وهذه كلها مملكة طخارستان العليا.

وما كان من وراء نهر بلخ على الخط الأعظم فأول ذلك مدينة فربر وهي مرو وذلك أن الترك تصير إلى هذه المدينة فينفر إليها أهل مرو وما اتصل بها.

ومن فربر إلى باكند مرحلة ، وباكند مدينة جليلة وبها أخلاط من الناس. ومن باكند إلى مدينة بخارا (٤) مرحلتان.

__________________

(١) القواذيان : ضبطها صاحب معجم البلدان بالدال القواديان : وهي مدينة وولاية على جيحون فوق الترمذ بينها وبين الختّل ، وهي أصغر من الترمذ ، وهي مجاورة للصغانيان. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٦٥).

(٢) واشجرد : من قرى ما وراء النهر ، مدينة نحو الترمذ وشومان أصغر منها ، ويرتفع من واشجرد وشومان قرب الصغانيان زعفران كثير يحمل إلى سائر الآفاق. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٠٧).

(٣) الختّل : كورة واسعة كثيرة المدن ، منهم من ينسبها إلى بلخ وذاك خطأ لأنها خلف جيحون وإضافتها إلى هيطل وهي أجلّ من صغانيان وأوسع خطة ، وأكبر مدنا ، وأكثر خيرا ، وهي على تخوم السند. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٩٦).

(٤) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة ، وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

١٢٢

بخارا (١)

وبخارا (٢) بلد واسع فيه أخلاط من الناس من العرب والعجم ولم يزل شديد المنعة.

افتتح (٣) بخارا (٤) سعيد بن عثمان بن عفان في أيام معاوية (٥) ، ثم خرج عنها يريد سمرقند فامتنع أهلها فلم تزل منغلقة حتى افتتحها سلم بن زياد في أيام يزيد بن معاوية.

ثم انتقضت وامتنعت حتى صار إليها قتيبة بن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك فافتتحها.

وخراج البلد أعني بلد بخارا (٦) يبلغ ألف ألف درهم ، ودراهمهم شبيه بالنحاس.

الصغد

ومن بخارا (٧) إلى بلد الصغد (٨) لمن أخذ نحو القبلة سبع مراحل ، وبلد الصغد

__________________

(١) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

(٢) بخارا : وهي بخارى من أعظم مدن وراء النهر وأجلّها ، يعبر إليها من آمل الشطّ ، وبينها وبين جيحون يومان من هذا الوجه ، وكانت قاعدة ملك السامانية ، يقول صاحب كتاب البلدان في تسميتها : وأما اشتقاقها وسبب تسميتها بهذا الاسم فإنّي تطلّبته فلم أظفر به ، ولا شك أنها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدتها. (معجم البلدان ج ١ / ص ٤١٩).

(٣) افتتحها سعيد بن عثمان بن عفان في أيام معاوية سنة ٥٥ ه‍ ، تقريبا.

(٤) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة ، وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

(٥) سعيد بن عثمان بن عفان الأموي القرشي ، وال من الفاتحين ، نشأ في المدينة ، وبعد مقتل أبيه وفد على معاوية فولّاه خراسان سنة ٥٦ ه‍ ، ففتح سمرقند ، وأصيبت عينه بها ، وعزل عن خراسان سنة ٥٧ ه‍ ، ولما مات معاوية انصرف إلى المدينة ، فقتله أعلاج كان قدم بهم من سمرقند وكان مقتله سنة ٦٢ ه‍ / ٦٨٢ م.

(٦) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

(٧) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

(٨) الصغد : كورة عجيبة قصبتها سمرقند ، وقيل هما صغدان : صغد سمرقند ، وصغد بخارى ، ـ

١٢٣

واسع ، وله مدن جليلة منيعة حصينة منها : دبّوسية (١) ، وكشّانية (٢) ، وكشّ ، ونسف (٣) ، وهي نخشب.

افتتح هذه الكور أعني كور الصغد قتيبة بن مسلم الباهلي أيام الوليد بن عبد الملك.

سمرقند

ومن كشّ إلى مدينة الصغد العظمى أربع مراحل ، وسمرقند (٤) من أجل البلدان وأعظمها قدرا وأشدها امتناعا وأكثرها رجالا وأشدها بطلا وأصبرها محاربا وهي نحر الترك.

انغلقت سمرقند بعد أن افتتحت عدة مرارا لمنعتها وشجاعة رجالها وشدة أبطالها.

افتتحها قتيبة بن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك وصالح دهاقينها وملوكها ، وكان عليها سور عظيم فانهدم فبناه الرشيد أمير المؤمنين.

ولها نهر عظيم يأتي من بلاد الترك كالفرات يقال له : باسف يجري في أرض سمرقند ، ثم إلى بلاد الصغد ، ثم إلى أسروشنة (٥) ، ويعم بلاد سمرقند ، وإشتاخنج ،

__________________

ـ وقيل : جنان الدنيا أربع : غوطة دمشق ، وصغد سمرقند ، ونهر الأبلة ، وشعب بوّان. وهي قرى متصلة خلال الأشجار والبساتين من سمرقند إلى قريب من بخارى لا تبين القرية حتى تأتيها لالتحاف الأشجار بها ، وهي من أطيب أرض الله ، كثيرة الأشجار غزيرة الأنهار متجاوبة الأطيار. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٦٤).

(١) دبّوسيّة : بليد من أعمال الصغد من ما وراء النهر. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٤٩٩).

(٢) كشانية : بلدة بنواحي سمرقند شمالي وادي الصغد ، بينها وبين سمرقند اثنا عشر فرسخا ، وهي قلب مدن الصغد ، وأهلها أيسر من جميع مدن الصغد. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٥٢٤).

(٣) نسف : هي مدينة كبيرة الأهل والرستاق بين جيحون وسمرقند ، لها ربض وأربعة أبواب. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٢٩).

(٤) سمرقند : ويقال لها بالعربية سمران ، بلد معروف مشهور ، قيل : إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر ، وهو قصبة الصّغد مبنية على جنوبي وادي الصغد مرتفعة عليه. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٧٩).

(٥) أسروشنة : هي مدينة بما وراء النهر. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢١٠).

١٢٤

وأسروشنة ، وشاش ، ومن سمرقند إلى أسروشنة مملكة أفشين خمس مراحل مشرقا.

ومملكة أسروشنة واسعة جليلة يقال : إن فيها أربعمائة حصن ، ولها عدة مدن كبار منها : أرسمندة ، وزامن (١) ، ومانك ، وحصنك ، ولها واد عظيم يأتي من باسف نهر سمرقند.

وتوجد في ذلك الوادي سبائك ذهب ، وليس بخراسان ذهب بموضع من المواضع إلا ما بلغني أنه يوجد في هذا الوادي وفي جميع مدن خراسان قوم من العرب من مضر (٢) وربيعة (٣) وسائر بطون اليمن إلا بأسروشنة ، فإنهم كانوا يمنعون العرب أن يجاوروهم حتى صار إليهم رجل من بني شيبان فأقام هناك وتزوج فيهم ، ومن مدينة أسروشنة إلى فرغانة مرحلتان.

فرغانة

ومدينة فرغانة (٤) التي ينزلها الملك يقال لها كاسان وهي مدينة جليلة القدر عظيمة الأمر وكل هذه المدن مضافة إلى عمل سمرقند.

إشتاخنج

وإشتاخنج (٥) وهي مدينة جليلة لها حصون ورساتيق وكانت مملكة منفردة وكان

__________________

(١) زامن : ضبطها صاحب معجم البلدان زامين ، بليدة من نواحي سمرقند ، أكبر مدن أسروشنة.(معجم البلدان ج ٣ / ص ١٤٣).

(٢) مضر : قبيلة من العدنانية ، وهم بنو مضر بن معد بن عدنان ، قال في العبر : وكانت مصر أهل الكثرة والقلب بالحجاز من سائر بني عدنان ، وكانت لهم الرياسة بمكة والحرم. (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، ص ٣٧٧).

(٣) ربيعة : بطن من شنوءة بن عامر من صعصعة العدنانية ، قال في العبر : ومنهم حيّ بأفريقية يتنجعون مع آل رياح بن هلال. (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، ص ٢٤٠).

(٤) فرغانة : مدينة كبيرة في أول بلاد تركستان وراء نهر سيحون وراء شاش ، ولها قلعة حصينة وعلى بابها وادي أفسيكث. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٤٨٨).

(٥) إشتاخنج : ضبطها صاحب معجم البلدان إشتيخن ، وهي من قرى صغد سمرقند ، قال الإصطخري : وأما إشتيخن فهي مدينة مفردة في العمل عن سمرقند ، ولها رساتيق وقرى ، وهي على غاية النزهة ، وكثرة البساتين ، والخصب ، والأشجار ، والثمار ، والزروع ، ولها مدينة وربض وأنهار مطّردة وضياع. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٣٣).

١٢٥

المعتصم قد جعل مملكة إشتاخنج إلى عجيف ومنها إلى سمرقند مرحلتان ، ومن فرغانة إلى الشاش خمس مراحل ، والشاش مدينة جليلة من عمل سمرقند.

ومن أخذ من سمرقند إلى الشاش سار إلى خجندة وهي مدينة من مدن سمرقند سبع مراحل ، ثم من خجندة إلى الشاش أربع مراحل.

الشاش

ومن الشاش (١) إلى ثغر أسبيشاب الأعظم مرحلتان وهو البلد الذي يحارب منه الترك وهو آخر عمل سمرقند.

فهذا ما وراء النهر من مدن طخارستان والصغد وسمرقند والشاش وفرغانة على الخط الأعظم. وما وراء ذلك فبلاد الشرك وعامة بلاد الترك المحيطة بخراسان وسجستان فترك إستان.

والترك عدة أجناس عدة ممالك فمنها : الخزلخية ، والتغزغز ، وتركش ، وكيماك ، وغز.

ولكل جنس من الترك مملكة منفردة ، ويحارب بعضهم بعضا ، وليس لها منازل ولا حصون وإنما ينزلون القباب التركية المضلعة ومساميرها سيور من جلود الدواب ، والبقر ، وأغشيتها لبود ، وهم أحذق قوم بعمل اللبود لأنها لباسهم.

ولبس بترك إستان زرع إلا الدخن وهو الجاورس وإنما غذاؤهم البان الحجور ويأكلون لحومها وأكثر ما يأكلون لحوم الصيد.

والحديد عندهم قليل وهم يعملون سهامهم من عظام إلا أنهم يحيطون بأرض خراسان ويحاربون من كل ناحية ويغزون ، فليس بلد من بلدان خراسان إلا وهم يحاربون الترك وتحاربهم الترك من سائر الأجناس.

فهذه مدن خراسان وسجستان وكورها ومسافة ما بين كل مدينة وأحوالها ، فلنذكر الآن ولأنها مذ فتحت إلى هذه الغاية ومبلغ خراجها.

__________________

(١) الشاش : هي ما وراء نهر سيحون متاخمة لبلاد الترك وأهلها شافعية المذهب ، وليس بخراسان ، وما وراء النهر إقليم على مقداره من المساحة أكثر منابر منها ، ولا أوفر قرى وعمارة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٤٩).

١٢٦

ولاة خراسان

أول من دخل خراسان عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس كتب إليه عثمان بن عفان في سنة ثلاثين وكان يومئذ على البصرة ، وكتب إلى سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس (١) ، وكان عامله بالكوفة يأمرهما بالنفوذ إلى خراسان ويقول لكل واحد منهما أنه إن سبق إلى خراسان فهو أمير عليها ، وكان قد صار إلى عبد الله بن عامر كتاب ملك طوس فقال له : أنا أسبق بك على أن تملكني على نيسابور ، فسبق به فكتب له كتابا هو عند ولده إلى هذه الغاية ، فافتتح عبد الله بن عامر عدة كور من خراسان في سنة إحدى وثلاثين ، وكان على مقدمته عبد الله بن حازم السلمي ، وكان معه الأحنف بن قيس التميمي ، ثم انصرف عبد الله بن عامر وولي خراسان قيس بن الهيثم بن أسماء بن الصلت السلمي وخلف معه الأحنف بن قيس ، ثم ولى عبد الله حاتم بن النعمان الباهلي فأقام بخراسان يفتح ويغزو حتى قتل عثمان سنة خمس وثلاثين.

وولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام على خراسان جعدة بن هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي وكان قد قدم على علي بن أبي طالب عليه السّلام ، وهو بالبصرة ماهويه مرزبان مرو فصالحه ، وكتب له كتابا وهو بمرو إلى هذه الغاية ، ولما قتل علي عليه السّلام ولى معاوية عبد الله بن عامر خراسان فوجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم السلمي وعبد الرحمن بن سمرة فسارا جميعا وحطا على بلخ حتى افتتحاها.

__________________

(١) سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، الأموي ، القرشي ، صحابي من الأمراء الولاة الفاتحين ، ولد سنة ٣ ه‍ / ٦٢٤ م ، وربي في حجر عمر بن الخطاب ، وولاه عثمان الكوفة وهو شاب ، فلما بلغها خطب في أهلها ، فنسبهم إلى الشقاق والخلاف ، فشكوه إلى عثمان بن عفان فاستدعاه إلى المدينة ، فأقام فيها إلى أن كانت الثورة ، فدافع سعيد عن عثمان وقاتل دونه إلى أن قتل عثمان ، فخرج إلى مكة فأقام إلى أن ولي معاوية الخلافة ، فعهد إليه بولاية المدينة ، فتولّاها إلى أن مات ، وهو فاتح طبرستان ، وأحد الذين كتبوا المصحف لعثمان ، اعتزل فتنتي الجمل وصفين ، وكان قويا ، فيه تجبّر وشدّة ، سخيّا ، فصيحا ، وما زالت آثار قصره شاخصة في المدينة إلى اليوم ، قيل : توفي سنة ٥٣ ه‍ ، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ـ حوادث سنة ٥٩ ـ «فيها توفي سعيد بن العاص الأموي على الصحيح».

١٢٧

ثم انصراف عبد الرحمن بن سمرة فسلم خراسان إلى عبد الله بن خازم السلمي ، ثم ولى معاوية زياد بن أبي سفيان البصرة ، وخراسان ، وسجستان فوجه زياد إلى خراسان الحكم بن عمرو الغفاري (١) صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أميرا فخرج إلى خراسان سنة أربع وأربعين وكان جميل السيرة فاضل المذهب ، وكتب إليه زياد لما افتتح ما افتتح من كور خراسان : أن أمير المؤمنين معاوية كتب إليّ أن اصطفي له البيضاء والصفراء فلا تقسمن شيئا من الذهب والفضة.

فلم يلتفت الحكم إلى كتابه ورفع الخمس وقسم ما بقي بين الناس ، وكتب إلى زياد : إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين معاوية ولو أن السماء والأرض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجا والسّلام.

وكان المهلب بن أبي صفرة أحد رجال الحكم بن عمرو ومات الحكم بخراسان.

ثم وجه زياد الربيع بن زياد بن أنس بن الديان بن قطن بن زياد الحارثي (٢) أميرا على خراسان وكان الحسن البصري (٣) كاتبه ، وولى معاوية خالد بن معمر

__________________

(١) الحكم بن عمرو بن مجدّع الغفاري ، صحابي ، له رواية ، وحديثه في البخاري وغيره ، صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أن مات ، وانتقل إلى البصرة في أيام معاوية ، فوجهه زياد إلى خراسان ، وكان صالحا فاضلا مقداما ، فغزا وغنم ، وأقام بمرو ، ومات بها سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، وفي المؤرّخين من يذكر أن معاوية عتب عليه في شيء فأرسل عاملا غيره فحبسه وقيّده فمات في قيوده.

(٢) الربيع بن زياد بن أنس بن الديان بن قطن بن زياد الحارثي من بني الديان ، أمير فاتح ، أدرك عصر النبوة ، وولي البحرين ، وقدم المدينة في أيام عمر ، وولاه عبد الله بن عامر سجستان سنة ٢٩ ه‍ ، ففتحت على يديه ، له مع عمر بن الخطاب أخبار ، وولاه عبد الله بن عامر سجستان سنة ٢٩ ه‍ ، ففتحت على يديه ، له مع عمر بن الخطاب أخبار ، وكان شجاعا تقيّا ، قال عمر لأصحابه يوما : دلوني على رجل إذا كان في القوم أميرا فكأنه ليس بأمير ، وإذا لم يكن بأمير فكأنه أمير ، فقالوا : ما نعرفه إلا الربيع بن زياد ، فقال صدقتم. توفي سنة ٥٣ ه‍ / ٦٧٣ م في إمارته.

(٣) الحسن البصري : هو الحسن بن يسار ، أبو سعيد ، تابعي ، كان إمام أهل البصرة ، وحبر الأمة في زمنه ، وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النسّاك ، ولد في المدينة سنة ٢١ ه‍ / ٦٤٢ م وشبّ في كنف علي بن أبي طالب ، واستكتبه الربيع بن زياد والي خراسان في عهد معاوية ، وسكن البصرة ، وعظمت هيبته في القلوب ، فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم ، لا يخاف في الحق لومة ، وكان أبوه من أهل ميسان مولى لبعض الأنصار. قال الغزالي : كان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء ، وأقربهم هديا من الصحابة ، وكان غاية في الفصاحة ، تتصبب الحكمة من فيه ، وله مع الحجاج بن يوسف مواقف ، وقد ـ

١٢٨

السدوسي (١) خراسان فسار يريدها فدس إليه زياد سما فمات ولم يصل إلى خراسان ، فولى زياد خراسان عبد الله بن ربيع بن زياد مكان أبيه ثم عزله وولى عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب.

ثم توفي زياد فأقر معاوية عبد الرحمن على سجستان وولى عبيد الله بن زياد خراسان وأنفذه في جيوش وأمره أن يعبر النهر من بلاد طخارستان فخرج في جمع وغزا بلاد طخارستان (٢) ، والمهلب بن أبي صفرة مدبر الأمر وصاحب الحرب.

وأقام عبيد الله بن زياد بخراسان سنتين ، ثم انصرف إلى معاوية واستخلف على خراسان أسلم بن زرعة بن عمرو بن الصعق الكلابي وولى عبيد الله البصرة وولى أخاه عبد الله بن زياد خراسان فأقام أربعة أشهر وبلغه ضعفه ومهانته فعزله.

وولى معاوية بعد عبد الله بن زياد عبد الرحمن بن زياد خراسان فلم يحمده فعزله ، وولى معاوية سعيد بن عثمان ، وكان سعيد بن عثمان قد امتنع وكلمه بكلام غليظ فنفذ إلى خراسان وغزا سمرقند.

ويقال : إنه أول من قطع إلى ما وراء النهر ، وغزا طخارستان وبخارا (٣) وسمرقند.

وكان على خراج خراسان أسلم بن زرعة الكلابي فطلب منه سعيد بن عثمان المال فلم يعطه وجعل يحمله إلى عبيدالله بن زياد ، وهو أمير البصرة ، ثم هرب أسلم بن زرعة من خراسان ، وكتب إلى معاوية بخبره وأن سعيد بن عثمان أراد أخذ

__________________

ـ سلم من أذاه ، ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه : إني قد ابتليت بهذا الأمر فانظر لي أعوانا يعينونني عليه ، فأجابه الحسن : أما أبناء الدنيا فلا تريدهم وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك فاستعن بالله. توفي في البصرة سنة ١١٠ ه‍ / ٧٢٨ م.

(١) خالد بن معمر بن سليمان السدوسي ، قائد من الرؤساء في صدر الإسلام ، أدرك عصر النبوة ، ثم كان رئيس بني بكر في عهد عمر ، وكان مع علي بن أبي طالب يوم الجمل ويوم صفين ، من أمراء جيشه ، وولاه معاوية إمرة أرمينية ، فقصدها ، فمات في طريقه إليها بنصيبين سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م.

(٢) طخارستان : هي ولاية واسعة كبيرة تشتمل على بلاد عدّة ، وهي من نواحي خراسان ، وهي طخارستان العليا والسفلى ، فالعليا شرقي بلخ وغربي جيحون ، وأما السفلى فهي غربي جيحون أيضا وهي مدينة في مستو من الأرض. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٦).

(٣) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

١٢٩

المال ، فعزل معاوية سعيد بن عثمان وولى أسلم بن زرعة. فخرج أسلم إلى خراسان حتى قدم مرو الشاهجان (١) ، وبها سعيد بن عثمان وكان أسلم في جمع كثيف فطعن بعض أصحابه سرادق سعيد بن عثمان بالرمح فقتل جارية له ، فكتب إلى معاوية ، فكتب إليه وإلى أسلم أن أقدما جميعا عليّ ، وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب قد خرج إلى سعيد بن عثمان فمات بمرو ، وكان مالك بن الريب (٢) الشاعر مع سعيد بن عثمان وكان معه يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري (٣) فانصرف سعيد بن عثمان عن خراسان.

وولى عبيد الله بن زياد أخاه عبّاد بن زياد خراسان فخرج إليها فاستصحب يزيد بن مفرّغ ، فترك ابن مفرّغ سعيدا وصحبه فلم يحمده ، وصحبته ، فهو حيث هجاه وهجا آل زياد.

__________________

(١) مرو الشاهجان : هذه مرو العظمى ، أشهر مدن خراسان وقصبتها. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٣٢).

(٢) مالك بن الريب بن حوط بن قرط المازني التميمي ، شاعر ، من الظرفاء الأدباء الفتّاك ، اشتهر في أوائل العصر الأموي ، ورويت عنه أخبار في أنه قطع الطريق مدة. ورآه سعيد بن عثمان بن عفان ، بالبادية في طريقه بين المدينة والبصرة ، وهو ذاهب إلى خراسان وقد ولّاه عليها معاوية سنة ٥٦ ه‍ ، فأنبه سعيد على ما يقال عنه من العيث وقطع الطريق واستصلحه واصطحبه معه إلى خراسان ، فشهد فتح سمرقند وتنسّك ، وأقام بعد عزل سعيد ، فمرض في مرو. توفي سنة ٦٠ ه‍ / ٦٨٠ م.

(٣) يزيد بن ربيعة الملقب بمفرّغ الحميري ، أبو عثمان ، شاعر غزل ، هو الذي وضع «سيرة تبّع وأشعاره» كان من أهل تبالة وهي قرية بالحجاز مما يلي اليمن ، واستقر بالبصرة ، وكان هجّاء مقذعا ، وله مديح ، ونظمه سائر ، وهو صاحب البيت الشائع من قصيدة أوردها المرصفي :

العبد يقرع بالعصا

والحرّ تكفيه الملامه

وفد على مروان بن الحكم فأكرمه ، وصحب عبّاد بن زياد بن أبيه ، فأخذه معه إلى سجستان ، وقد ولي عبّاد إمارتها فأقام عنده زمنا. ولم يظفر بخيره ، فهجاه ، وسجنه عبّاد ، مدة ، ثم رقّ له وأخرجه ، فأتى البصرة ، وانتقل إلى الشام. وجعل يتنقّل ، ويهجو عبّادا وأباه وأهله ، فقبض عليه عبيد الله بن زياد في البصرة ، وحبسه ، وأراد أن يقتله ، فلم يأذن له معاوية ، وقال أدّبه ، فقيل : إنه أمر به فسقي مسهّلا ، وأركب حمارا ، وطيف به في أسواق البصرة ، واتّسخ ثوبه من المسهل فقال :

يغسل الماء ما صنعت ، وشعري

راسخ منك في العظام البوالي!

وقيل : كان ابن مفرّغ يكتب هجاءه لعبّاد على الجدران ، فلما ظفر به عبيد الله ألزمه محوه بأظفاره ، وطال سجنه ، فكلّم فيه بعض الناس معاوية ، فوجّه بريدا إلى البصرة بإخراجه ، فأطلق ، وسكن الكوفة إلى أن مات سنة ٦٩ ه‍ / ٦٨٨ م.

١٣٠

ثم ولى عبد الرحمن بن زياد خراسان فانصرف عنها واستخلف بها قيس بن الهيثم السلمي (١) ، ثم ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان ، وكان بينه وبين أخيه عبيد الله بن زياد عناد شديد ، فخرج معه المهلب بن أبي صفرة وعبد الله بن خازم ، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي وهو طلحة الطلحات وعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي (٢) ، وعبّاد بن حصين الحبطي (٣) ، وعمران بن فضيل البرجمي ، وغير هؤلاء من وجوه الناس من أهل البصرة فهدم عبيد الله بن زياد دور جميع من خرج معه أخيه ، فكتب إليه يزيد بن معاوية أن يبنيها بالجص والآجر والساج من ماله فبناها.

وغزا سلم خوارزم وافتتح مدينة كنداكين (٤) وبخارا (٥).

ومات يزيد بن معاوية وكانت فتنة ابن الزبير فانصرف سلم واستخلف عرفجة بن الورد السعدي وسار عبد الله بن خازم السلمي مع سلم متبعا له فرده وكتب عهده على خراسان فلما رجع امتنع عرفجة أن يسلم إليه فتحاربوا بالسهام فأصاب عرفجة سهم فمات ، وأقام عبد الله بن خازم بخراسان يغزو ويفتح وهو في طاعة ابن الزبير إلى أن قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير فوجه برأسه إلى عبيد الله بن خازم وكتب يدعوه إلى طاعته فأخذ رأس مصعب فغسله وحنطه وكفنه ودفنه ، وأجاب عبد الملك

__________________

(١) قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت بن حبيب السلمي ، من الخطباء الشجعان ، من أعيان البصرة في صدر الإسلام ، كان من أنصار بني أمية فيها ، ثم قام بدعوة عبد الله بن الزبير ، وصحب أخاه مصعبا في ثورته ، إلى أن قتل ، فتوجه إلى عبد الملك بن مروان فعفا عنه وأكرمه ، توفي في البصرة سنة ١٨٨ ه‍ / ٨٠٤ م.

(٢) عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي القرشي ، أمير من القادة الشجعان الأشداء ، ومن أجواد قريش ، ولاه عثمان بن عفان قيادة جيش الفتح في أطراف إصطخر ، ونشبت معارك استشهد في إحداها ، وكان ذلك سنة ٢٩ ه‍ / ٦٥٠ م ، وبلغ من قوته أنه كان يأخذ عظم البقر الشديد الذي لا يكسر إلّا بالفؤوس فيكسره بيده ويأخذ مخّه.

(٣) عبّاد بن الحصين بن يزيد بن عمرو الحبطي التميمي ، أبو جهضم ، فارس تميم في عصره ، ولي شرطة البصرة أيام ابن الزبير ، وكان مع مصعب أيام قتل المختار ، وشهد فتح كابل مع عبد الله بن عامر وأدرك فتنة ابن الأشعث ، وهو شيخ مفلوج ، ورحل إلى كابل فقتله العدو هناك سنة ٨٥ ه‍ / ٧٠٥ م.

(٤) كنداكين : ضبطها صاحب معجم البلدان كندكين ، وهي من قرى سمرقند ، ثم من قرى الدبّوسيّة والصغد. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٥٤٨).

(٥) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

١٣١

جوابا غليظا ولم يقبل ما جعل له عبد الملك بن مروان فوثب عليه أهل خراسان فقتلوه ، قتله وكيع بن الدورقية وبايع لعبد الملك بن مروان وبعثوا برأسه إليه.

ولما استقامت الأمور لعبد الملك بن مروان ولى خراسان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس فقطع أمية إلى ما وراء النهر وصار إلى بخارا (١) ، ثم خلف عليه بكير بن وسّاج (٢) فرجع ولم يزل أمية على خراسان حتى ولي الحجاج العراق.

فلما ولي الحجاج كتب إلى عبد الملك يخبره أن أمر خراسان قد اضطرب فرد إليه الأمر ، فولى المهلب بن أبي صفرة خراسان ، وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان.

ولما صار المهلب إلى خراسان أقام مدة ، ثم سار إلى طخارستان ، ثم إلى كش مدينة الصغد ، ثم اعتل المهلب فرجع إلى مرو رود وهو عليل من أكلة وقعت في رجله ، ثم مات المهلب بخراسان ، وقد عهد إلى ابنه يزيد بن المهلب فأقام مدة.

ثم عزل الحجاج يزيد بن المهلب وولى المفضل بن المهلب (٣) خراسان فلم يزل

__________________

(١) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

(٢) بكير بن وسّاج التميمي ، أحد الأمراء الأشراف في العصر المرواني ، كان شجاعا قوي المراس ، ولاه أمية بن عبد الله ، أمير خراسان ، على طخارستان ، فتجهّز ، ثم خافه أمية فمنعه من السفر إلى طخارستان ، وأمره بالتجهيز لغزو ما وراء النهر ، فتهيّأ ، وخشي أمية أن يخرج عليه ، فأمره بالعدول عن الغزو ، وسيره واليا على مرو ، فلما جاءها استقلّ بها ، فحاربه أمية ثم صالحه ، وبلغه عنه بعد ذلك العزم على الخروج فقبض عليه وقتله بخراسان سنة ٧٧ ه‍ / ٦٩٦ م.

(٣) المفضل بن المهلّب بن أبي صفرة الأزدي ، أبو غسان ، وال من أبطال العرب ووجوههم في عصره ، كانت إقامته في البصرة ، وولاه الحجّاج خراسان سنة ٨٥ ه‍ ، فمكث سبعة أشهر ، وولاه سليمان بن عبد الملك جند فلسطين ، ثم شهد مع أخيه يزيد قيامه على بني مروان في العراق ، قال ابن الأثير يصف تلك الوقائع : «فما كان من العرب أضرب بسيفه ولا أحسن تعبئة للحرب ، ولا أغشى للناس من المفضل». لما قتل أخوه ، وتفرّق الناس عنهما ، مضى بمن بقي معه إلى واسط ، وقد أصيبت عينه ، ثم انتقل إلى قندابيل بالسند فأدركه هلال بن أحوز التميمي ، وكان قد سيّره مسلمة بن عبد الملك بن مروان لقتاله ، فقاتله المفضّل وأصحابه ، وتكاثر عليهم أصحاب مسلمة ، فقتل المفضّل على أبواب قندابيل سنة ١٠٢ ه‍ / ٧٢٠ م.

١٣٢

بخراسان حتى وثب الحجاج بيزيد بن المهلب وحبسه.

ولما وثب الحجاج بيزيد بن المهلب كتب إلى قتيبة بن مسلم الباهلي وكان عامله بالرّيّ بولاية خراسان وأمره أن يقبض على المفضل وسائر آل المهلب فيحملهم إليه في الأصفاد ففعل ذلك.

وقدم قتيبة بن مسلم خراسان فحمل آل المهلب إلى الحجاج وصار إلى بخارا (١) فافتتحها ، ثم صار إلى الطالقان وقد عصي «باذام» ، فحاربه حتى ظفر به وقتله.

وولي الوليد بن عبد الملك وقتيبة بخراسان وقد جل أمره وقوي على البلد وقتل «نيزك طرخان» ، وسار إلى خوارزم ، ثم سار إلى سمرقند ففتحها وصالح «غوزك» إخشيد سمرقند.

وولي سليمان بن عبد الملك وتوفي الحجاج قبل ذلك بشهور فولى يزيد بن المهلب العراق وأمره أن يقصد أسباب الحجاج ، فلما بلغ قتيبة ابن مسلم أراد أن يخلع ، فوثب عليه وكيع بن أبي سود التميمي فقتله ، وهو لا يشك أن سليمان يوليه خراسان فلم يفعل.

وولي سليمان يزيد بن المهلب خراسان مع العراق ، فشخص يزيد بن المهلب إلى خراسان بنفسه فتتبع أصحاب قتيبة وحبس وكيع بن أبي سود وناله بكل مكروه.

وخالفت كور خراسان على يزيد بن المهلب ففرق أخوته وولده في كور خراسان وولاهم أعمالها.

وولي عمر بن عبد العزيز بن مروان فلما بلغ يزيد ولايته شخص من خراسان واستخلف بها مخلدا ابنه وتحمل بجميع أمواله ، فأشار عليه قوم أن لا يفعل فلم يقبل ووافى البصرة ، وقد عزله عمر بن عبد العزيز وولى عدي بن أرطاة الفزاري فأخذه عدي بالشخوص إلى عمر فشخص فحبسه.

وولى عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله الحكمي (٢) خراسان وأمره أن يأخذ

__________________

(١) وردت في المتن «بخارا» بالألف الممدودة وضبطها صاحب معجم البلدان بالألف المقصورة ، وكذا شأنها في معظم كتب البلدان.

(٢) الجراح بن عبد الله الحكمي ، أبو عقبة ، أمير خراسان ، وأحد الأشراف الشجعان ، دمشقي الأصل والمولد ، ولي البصرة للحجّاج ، ثم خراسان وسجستان لعمر بن عبد العزيز ، وعزله لشدّة بلغته عنه ، فأقام إلى أن ولاه يزيد بن عبد الملك إمارة أرمينة وأذربيجان فانصرف إليها ـ

١٣٣

مخلد بن يزيد بن المهلب (١) فيستوثق منه ففعل. وقدمت وفود التبت عليه يسألونه أن يبعث إليهم من يبصرهم دين الإسلام ، ثم عزل عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله وولى عبد الرحمن بن نعيم الغامدي وكتب إليه أن ينقل عيالات المسلمين وذراريهم مما وراء النهر إلى مرو فلم يفعلوا وأقاموا.

وولي يزيد بن عبد الملك بن مروان فولى مسلمة بن عبد الملك (٢) العراق وخراسان ، فولى مسلمة خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص ، فحارب ملك فرغانة وحاصر خجندة (٣) من بلاد الصغد وقتل وسبى ، ثم عزله مسلمة وولى سعيد بن عمرو الحرشي (٤) من أهل الشام ، ثم جمعت خراسان والعراق

__________________

ـ بجيش كثيف ، وغزا الخزر وغيرهم ، فافتتح حصن بلنجر وحصونا أخرى ، ومات يزيد فأقرّه ، هشام بن عبد الملك زمنا ، ثم عزله سنة ١٠٨ ه‍ ، وأعاده سنة ١١١ ه‍ ، فانصرف إلى الغزو ، والفتح ، فاستشهد غازيا بمرج أردبيل سنة ١١٢ ه‍ / ٧٣٠ م قتله الخزر. قال الزرقي : كان الجرّاح يد الله على خراسان كلها ، حربها وصلاتها ومالها. وقال الواقدي : كان البلاد بمقتل الجرّاح على المسلمين عظيما فبكوا عليه في كل جند.

(١) مخلد بن يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة ، أمير ، من بيت رياسة وبطولة ، كان مع أبيه في أكثر وقائعه وولاياته ، ولما صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز ونقم عمر على أمير خراسان يزيد بن المهلب ، كتب إليه أن يستخلف على عمله ويحضر إليه فاستخلف يزيد ابنه مخلدا ، فقام بشؤون خراسان ، ثم رحل مخلد إلى الشام وافدا على الخليفة عمر بن عبد العزيز ، يلتمس الإفراج عن أبيه ، وكان في سجن عمر ، فناظره عمر ورأى من عقله ما أعجبه حتى قال : هذا فتى العرب! ولم يعش بعد ذلك غير أيام ، ومات في الشام.

(٢) مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ، أمير ، قائد ، من أبطال عصره من بني أمية في دمشق ، يلقّب بالجرادة الصفراء ، له فتوحات مشهورة ، سار في مائة وعشرين ألفا لغزو القسطنطينية في دولة أخيه سليمان ، سنة ٩٦ ه‍ ، وولاه أخوه يزيد امرأة العراقين وأرمينية ، وغزا الترك والسند سنة ١٠٩ ه‍ ، ومات بالشام سنة ١٢٠ ه‍ / ٧٣٨ م ، وإليه نسبة بني مسلمة ، وكانت منازلهم في بلاد الأسمونيين في مصر ، قال الذهبي : كان أولى بالخلافة من سائر إخوته.

(٣) خجندة : هي بلدة مشهورة بما وراء النهر على شاطىء سيحون ، بينها وبين سمرقند عشرة أيام مشرقا ، وهي مدينة نزهة ليس بذلك الصّقع أنزه منها ولا أحسن فواكه ، وفي وسطها نهر جار والجبل متّصل بها. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٩٧).

(٤) سعيد بن عمرو الحرشي ، قائد ، من الولاة الشجعان من أهل الشام ، وهو الذي قتل شوذب الخارجي ، وفتك بمن معه سنة ١٠١ ه‍ ، وولاه ابن هبيرة خراسان سنة ١٠٣ ه‍ ، ثم بلغ ابن هبيرة أنه يكاتب الخليفة ولا يعترف بإمارته ، فعزله وسجنه ، ثم أخرجه خالد القسري وأكرمه ، فعاد إلى الشام ، فولاه هشام غزو الخزر سنة ١١٢ ه‍ ، فرحل إلى أرمينية ، ثم أمره ـ

١٣٤

لعمر ابن هبيرة الفزاري فولى خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي فقدم خراسان ، فغزا فلم يعمل شيئا وقاتله أهل فرغانة حتى هزموه.

وولي هشام بن عبد الملك بن مروان ، وقد ظهر بخراسان دعاة لبني هاشم فولى خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز القسري العراق وخراسان وأمره أن يوجه إلى خراسان من يثق به ، فوجه خالد أخاه أسد بن عبد الله (١) فبلغه خبرهم ، فأخذ جماعة اتهمهم فقطع أيديهم وأرجلهم ، وبلغ هشاما اضطراب خراسان فولى من قبله أشرس بن عبد الله السلمي (٢) ، ثم عزله وولى الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان المري (٣) ، ثم عزله وولى عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي وبلغ هشاما أن خراسان قد افتتنت فضمها ثانية إلى خالد بن عبد الله القسري فوجه إليها أخاه أسد بن عبد الله ، ومات أسد بن عبد الله بخراسان واستخلف عليها جعفر بن حنظلة البهراني من أهل الشام.

وعزل هشام خالد بن عبد الله عن العراق ، وولى يوسف بن عمر الثقفي وأمره أن يوجه إليه برجل له علم بخراسان فوجه إليه بعبد الكريم بن سليط بن عطية الحنفي فسأله عن خراسان وحالها ورجالها فجعل يقص عليه حتى أسمى له نصر بن سيار الليثي

__________________

ـ هشام بالعودة إليه ، توفي سنة ١١٢ ه‍ / ٧٣٠ م.

(١) أسد بن عبد الله القسري البجلي ، أمير من الأجواد الشجعان ، ولد ونشأ في دمشق ، وولاه أخوه خالد بن عبد الله خراسان سنة ١٠٨ ه‍ ، فأقام فيها زمنا ، وجدّد بناء بلخ وأنزل بها جيشه ، ثم اختارها لإقامته ، وكان دهاقنة الفرس راضين عنه وعن حكمه ، وأسلم على يديه سامان ، جد السامانيين ، وسمّى أسدا على اسمه ، وفي أيامه جاشت الترك في خراسان سنة ١١٧ ه‍ ، وأغاروا حتى أتوا مرو الروذ ، فسار إليهم أسد ، فكانت له وقائع معهم انتهت بهزيمتهم توفي سنة ١٢٠ ه‍ / ٧٣٨ م في بلخ.

(٢) أشرس بن عبد الله السلمي ، أمير من الفضلاء ، كانوا يسمّونه الكامل ، لفضله ، ولاه هشام بن عبد الملك إمارة خراسان سنة ١٠٩ ه‍ ، فقدمها وسرّ به الناس ، واستمر إلى سنة ١١٢ ه‍ ، قال الذهبي : «فيها ـ أي هذه السنة ـ غزا المسلمون مدينة فرغانة وعليهم أشرس بن عبد الله السلمي ، فالتقاهم الترك وأحاطوا بالمسلمين ، وبلغ الخبر هشام بن عبد الملك فبادر بتولية جنيد بن عبد الرحمن المري على بلاد ما وراء النهر ليحفظ ذلك الثغر. وكانت وفاته سنة ١١٢ ه‍ / ٧٣٠ م.

(٣) الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان المري الدمشقي ، أمير خاسان ، وأحد الشجعان الأجواد الممدوحين ، ولاه هشام بن عبد الملك سنة ١١١ ه‍ ، فثبت في الولاية إلى أن مات في خراسان سنة ١١٥ ه‍ / ٧٣٣ م.

١٣٥

فكتب بعهده على خراسان وكان قبل ذلك يتولى كورة من كور خراسان ، فعزل جعفر بن حنظلة وتولى البلد ، وأخذ يحيى بن زيد بن علي بن الحسين (١) من بلخ فحبسه في القهندز ، وكتب إلى هشام فوافى كتابه وقدمات هشام ، وولي الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

واحتال يحيى بن زيد حتى هرب من الحبس وصار إلى ناحية نيسابور ، فوجه نصر بن سيار سلم بن أحوز الهلالي فلحقه بالجوزجان فحاربه وأتي بسهم غرب فقتل يحيى بن زيد وصلبه سلم بن أحوز على باب الجوزجان ، فلم يزل يحيى بن زيد مصلوبا ، حتى غلب أبو مسلم فأنزله وكفنه ودفنه وقتل كل من شايع على قتله ، وكثرت دعاة بني هاشم بخراسان في سنة مائة وست وعشرين.

وحارب نصر بن سيار جديع بن علي الكرماني الأزدي (٢) ، وقتل الوليد وولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان وأمر خراسان مضطرب ودعاة بني هاشم قد كثروا ، ونصر بن سيار قد اعتزله ربيعة واليمن.

__________________

(١) يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه المولود سنة ٩٨ ه‍ / ٧١٦ م ، أحد الأبطال الأشداء ، ثار مع أبيه على بني مروان ، وقتل أبوه وصلب بالكوفة ، فانصرف إلى بلخ ، ودعا إلى نفسه سرا ، فطلبه أمير العراق يوسف بن عمر فقبض عليه نصر بن سيار ، وكتب يوسف إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، بخبره ، فكتب الوليد يأمره بأن يؤمنه ويخلي سبيله ، فأطلقه نصر ، وأمره أن يلحق بالوليد ، فسار إلى سرخس فأبطأ بها ، فكتب نصر إلى عامل سرخس أن يسيره عنها ، فانتقل يحيى إلى بيهق ثم إلى نيسابور ، وامتنع ، فقاتله واليها عمرو بن زرارة وهو في عشرة آلاف ويحيى في سبعين رجلا ، فهزمهم يحيى ، وقتل عمرا ، وانصرف إلى هراة ، ثم سار عنها ، فبعث نصر بن سيار صاحب شرطته سلم بن أحوز المازني التميمي في طلبه ، فلحقه في الجوزجان فقاتله قتالا شديدا ، ورمي يحيى بسهم أصاب جبهته فسقط قتيلا ، في قرية يقال لها : أرغويه ، وحمل رأسه إلى الوليد ، وصلب جسده بالجوزجان ، وبقي مصلوبا إلى أن ظهر أبو مسلم الخراساني واستولى على خراسان ، فقتل سلم بن أحوز وأنزل جثة يحيى فصلى عليها ودفنت هناك كان ذلك سنة ١٢٥ ه‍ / ٧٤٣ م.

(٢) جديع بن علي الأزدي المعني ، شيخ خراسان ، وفارسها في عصره ، وأحد الدهاة الرؤساء ، ولد بكرمان ، وإليها نسبته ، وأقام في خراسان إلى أن وليها نصر بن سيار ، فخاف شرّ الكرماني فسجنه ، فغضبت الأزد فأقسم لهم نصر أنه لا يناله منه سوء ، وفرّ جديع من السجن ، فاجتمع معه ثلاثة آلاف ، فصالحه نصر ، فأقام زمنا يؤلف الجموع سرا ، ثم خرج من جرجان وتغلّب على مرو ، فصفت له ، وظهر أبو مسلم الخراساني ، فاتفق معه على قتال نصر ، فكتب نصر إلى جديع يدعوه إلى الصلح ، فرضي به ، وخرج ليكتبا بينهما كتابا ومعه مئة فارس فوجّه إليه نصر ثلاثمائة فارس قتلوه في الرحبة سنة ١٢٩ ه‍ / ٧٤٧ م.

١٣٦

ثم ولي مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ، وقد ظهر أمر أبي مسلم بخراسان وضعف عنه نصر بن سيار.

ثم طلب نصر المتاركة والكانة ثم قتل أبو مسلم نصر بن سيار (١) وغلب على خراسان سنة ثلاثين ومائة ، ووجه بعماله ورجاله ووجه قحطبة وغيره إلى العراق.

وولى أبو العباس عبد الله بن محمد أمير المؤمنين فظهرت الدولة الهاشمية المباركة وأقام أبو مسلم بخراسان إلى سنة ست وثلاثين ومائة ، ثم استأذن أبا العباس أمير المؤمنين في الحج فأذن له فقدم العراق واستخلف على خراسان أبا داود خالد بن إبراهيم الذهلي (٢).

ومات أبو العباس أمير المؤمنين وولي أبو جعفر المنصور وأبو داود خالد بن إبراهيم بخراسان خليفة لأبي مسلم ثم قتل أبو مسلم فخرج بخراسان سنفاذ يطلب بدم أبي مسلم فوجه إليه المنصور جهور بن مرار العجلي فهزمه وقتله وفرق جمعه.

وولى أبو جعفر المنصور عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي (٣) خراسان سنة

__________________

(١) نصر بن سيّار بن رافع بن مرّيّ بن ربيعة الكناني ولد سنة ٤٦ ه‍ / ٦٦٦ م ، أمير من الدهاة الشجعان ، كان شيخ مضر في خراسان ، ووالي بلخ ، ثم ولي إمرة خراسان سنة ١٢٠ ه‍ ، بعد وفاة أسد بن عبد الله القسري ، ولاه هشام بن عبد الملك ، وغزا ما وراء النهر ، ففتح حصونا ، وغنم مغانم كثيرة ، وأقام بمرو ، وقويت الدعوة العباسية في أيامه ، فكتب إلى بني مروان بالشام يحذرهم وينذرهم فلم يأبهوا للخطر ، فصبر يدبّر الأمور إلى أن أعيته الحيلة وتغلّب أبو مسلم على خراسان ، فخرج نصر من مرو سنة ١٣٠ ه‍ ، ورحل إلى نيسابور فسيّر إليه أبو مسلم قحطبة بن شبيب ، فانتقل نصر إلى قومس وكتب إلى ابن هبيرة ، وهو بواسط ، يستمدّه ، وكتب إلى مروان ، وهو بالشام ، وأخذ ينتقل منتظرا النجدة إلى أن مرض في مفازة بين الرّيّ وهمذان ومات بساوة سنة ١٣١ ه‍ / ٧٤٨ م ، قال الجاحظ في البيان والتبيين : كان نصر من الخطباء الشعراء ، يعدّ من أصحاب الولايات ، والحروب ، والتدبير ، والعقل ، وسداد الرأي.

(٢) خالد بن إبراهيم الذهلي ، أبو داود ، والي خراسان في زمن المنصور العباسي ، كان من الغزاة ، له وقائع وأخبار ، ولي خراسان سنة ١٣٧ ه‍ ، وثار جنده ، فأشرف عليهم ، يصيح بهم ، فسقط عن الحائط فمات سنة ١٤٠ ه‍ / ٧٥٧ م.

(٣) عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي ، أمير من الشجعان الأشداء الجبارين في صدر العصر العباسي ، ولاه المنصور ، إمرة خراسان سنة ١٤٠ ه‍ ، فقتل كثيرا من أهلها بتهمة الدعاء لولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم خلع طاعة المنصور ، فوجه المنصور الجند لقتاله ، فأسروه وحملوه إليه فقطعت يداه ورجلاه وضرب عنقه في الكوفة ونفي أهله وبنوه سنة ١٤٢ ه‍ / ٧٥٩ م.

١٣٧

ثمان وأربعين ومائة فخرج إليها وكان يتولى شرطة المنصور ، فلما كثرت أمواله وعدده بخراسان أظهر المعصية وكشف رأسه للخلاف ، فوجه المنصور المهدي فحاربه وأسره وحمله إلى أبي جعفر فقتله وصلبه بقصر ابن هبيرة سنة تسع وأربعين ومائة.

وكان مقام المهدي بالرّيّ فعصى قارن أصبهبذ طبرستان فوجه إليه خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلبي ففتحت طبرستان وأسر قارن.

وولي المهدي خراسان أسيد بن عبد الله الخزاعي (١) فمات بها ثم ولاها حميد بن قحطبة الطائي فأقام بها مدة ، ثم عزله المنصور وولى أبا عون عبد الملك بن يزيد ، ثم عزل عبد الملك بن يزيد.

وقد ولي الخلافة المهدي فرد حميد بن قحطبة (٢) فأقام بها حتى مات ، ثم ولي المهدي خراسان معاذ بن مسلم الرازي مولى ربيعة.

وقد خرج يوسف البرم الحروري ووجه المهدي لمحاربة يوسف البرم يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني فحاربه حتى أسره وحمله إلى المهدي فقطع يديه ورجليه.

ثم خرج بعقب يوسف البرم حكيم الأعور المعروف بالمقنع ومعاذ بن مسلم عامل خراسان ومعه عقبة بن سلم الهنائي وجبريل بن يحيى البجلي والليث مولى أمير المؤمنين ، فأفرد المهدي لمحاربة المقنع سعيدا الحرشي فلم يزل يهزمه حتى صار إلى بلاد الصغد فتحصن في قلعة بكش.

فلما اشتد به الحصار شرب هو وأصحابه السم فماتوا جميعا وفتحت القلعة.

وعزل المهدي معاذ بن مسلم عن خراسان وولاها المسيب بن زهير الضبي (٣) ، ثم عزل

__________________

(١) أسيد بن عبد الله الخزاعي ، أحد القادة الشجعان ، من ذوي الرأي ، كانت إقامته في نسا ، من مدن خراسان ، وصحب أبا مسلم الخراساني قبل ظهور الدعوة العباسيّة ، فخدمه برأيه وسعيه ، ثم كان أول من لبس السواد ، وهو شعار بني العباس ، في نسا ، وجعله أبو مسلم على مقدمة جيشه حين دخل وولي خراسان بعد ذلك وتوفي فيها سنة ١٥١ ه‍ / ٧٦٨ م.

(٢) حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي ، أمير من القادة الشجعان ، ولي إمرة مصر سنة ١٤٣ ه‍ ، ثم إمرة الجزيرة ، ووجّه لغزو أرمينية سنة ١٤٨ ه‍ ، ولغزو كابل سنة ١٥٢ ه‍ ، ثم جعل أميرا على خراسان فأقام إلى أن مات فيها سنة ١٥٩ ه‍ / ٧٧٦ م.

(٣) المسيّب بن زهير بن عمرو الضّبي ، ولد سنة ١٠٠ ه‍ / ٧١٨ م ، أبو مسلم ، قائد من الشجعان ، كان على شرطة المنصور ، والمهدي ، والرشيد العباسيين ببغداد ، ولاه المهدي خراسان مدة قصيرة ، مات في منى ودفن أسفل العقبة سنة ١٧٥ ه‍ / ٧٩١ م.

١٣٨

المهدي المسيب في آخر خلافته ، وولى خراسان الفضل بن سليمان الطوسي فلم يزل عليها حتى مات المهدي.

وفي خلافة موسى ولى هارون الرشيد خراسان جعفر بن محمد بن الأشعث الخزاعي ففلج ومات ، وولى مكانه ابنه العباس بن جعفر بن الأشعث ، ثم عزله وولى الغطريف بن عطاء وكان خال الرشيد فلم يضبط خراسان فعزله ، وولى حمزة بن مالك بن الهيثم الخزاعي (١) ثم عزله ، وولى الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك فصار إلى بلخ وافتتح عدة كور من طخارستان ، وكابل شاه ، وشقنان.

ثم عزل الفضل بن يحيى بن خالد ، وولى علي بن عيسى بن ماهان وكان على شرطة الرشيد وقدم علي بن عيسى خراسان وقد خرج أبو عمرو الشاري فحاربه حتى قتله.

ثم خرج على علي بن عيسى بن ماهان حمزة الشاري ببادغيس فنهض إليه علي بن عيسى فهزمه واتّبعه حتى صار إلى كابل فحاربه حتى قتله.

وخرج عليه بعد حمزة أبو الخصيب بباورد فحاربه وقتله ، وصار إلى علي بن عيسى أموال جليله ، وكان علي قد وجه برافع بن الليث بن نصر بن سيار بن رافع الليثي (٢) على سمرقند فعصى رافع واشتدت شوكته وقوي أمره ، وبلغ الرشيد أن هذا تدبير من علي بن عيسى ، فوجه إليه هرثمة بن أعين (٣) فقبض عليه وحمله في الحديد

__________________

(١) حمزة بن مالك الخزاعي ، شجاع ، ثائر ، امتنع بالجزيرة في أيام الهادي العباسي ، فسيّر إليه عامل الجزيرة جيشا قاتله على مقربة من الموصل ، فهزمه حمزة وغنم أمواله ، وقوي أمره ، فأتى رجلان وصحباه ، ثم قتلاه غيلة سنة ١٦٩ ه‍ / ٧٨٥ م.

(٢) رافع بن الليث بن نصر بن سيّار بن رافع الليثي ، ثائر من بيت إمارة ورياسة ، كان مقيما فيما وراء النهر بسمرقند ، وناب فيها أيام الرشيد العباسي ، وعزل وحبس بسبب امرأة ، وهرب من الحبس فقتل العامل على خراسان واستولى عليها سنة ١٩٠ ه‍ ، وخلع طاعة الرشيد ، ودعا إلى نفسه ، وسار إليه نائب خراسان علي بن عيسى ، فظفر رافع ، وتوجّه إليه الرشيد سنة ١٩٢ ه‍ ، وانتدب لقتاله هرثمة نائب العراق ، فانهزم رافع سنة ١٩٣ ه‍ ، وضعف أمره ، واختلف المؤرّخون في مصيره ، قال ابن الأثير : أدام المأمون هرثمة على حصار سمرقند حتى فتحها وقتل رافع وجماعة من أقربائه سنة ١٩٥ ه‍ / ٨١١ م.

(٣) هرثمة بن أعين ، أمير من القادة الشجعان ، له عناية بالعمران ، بنى في أرمينية وأفريقيا وغيرهما ، ولاه الرشيد مصر سنة ١٧٨ ه‍ ، ثم وجهه إلى أفريقيا لإخضاع عصاتها ، فدخل القيروان سنة ١٧٩ ه‍ ، ولقي من أهلها ما يحبّ ، فأحسن معاملتهم ، وتقدّم في جيش كثيف ـ

١٣٩

إلى الرشيد وقبض أمواله فحملها وولى هرثمة بن أعين البلخي خراسان في سنة إحدى وتسعين ومائة.

ثم خرج الرشيد إلى خراسان واستخلف ابنه محمدا الأمين ببغداد وأخرج معه المأمون إلى خراسان وخرجت العساكر معه ، فلما صار إلى طوس اعتل فاشتدت به العلة فأنفذ المأمون ومعه هرثمة والقواد إلى مرو ، وتوفي الرشيد بطوس في جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة فقبره بطوس.

وأقام المأمون بمرو عاملا على خراسان وكورها وسائر أعمالها وأنفذ هرثمة بن أعين إلى سمرقند لمحاربة رافع بن الليث بن نصر بن سيار الليثي فلم يزل يحاربه حتى فتح سمرقند ، وخرج رافع في الأمان فحمله هرثمة إلى المأمون وحمله المأمون إلى محمد وكتب إليه بالفتح.

وأقام المأمون بمرو بقية سنة ثلاث وتسعين ومائة وسنة أربع وتسعين ومائة ، ثم كتب إليه محمد في القدوم إلى بغداد ، ووجه إليه العباس بن موسى بن عيسى ومحمد بن عيسى بن نهيك وصالحا صاحب المصلى فامتنع المأمون من القدوم وقال : هذا نقض الشرط.

فوجه إليه عصمة بن أبي عصمة السبيعي في جيش ، فأقام عصمة بالرّيّ لم يبرح ، فوجه علي بن عيسى بن ماهان وكان قد أطلقه إلى خراسان.

فلما بلغ المأمون ذلك وجه طاهر بن الحسين بن مصعب البوشنجي من مرو في أربعة آلاف فلقي علي بن عيسى بالرّيّ فقتله.

ثم وجه المأمون هرثمة بن أعين أيضا إلى العراق ، ولم يزل المأمون بمرو مقيما

__________________

ـ إلى تيهرت فقاتله ابن الجارود ، وظفر هرثمة ، وأطاعته قبائل البربر ، فعاد إلى القيروان وبنى فيها القصر المعروف بالمنستير على يد زكريا بن قادم ، وبنى سور طرابلس الغرب ، واستمر واليا على أفريقيا سنتين ونصفا ، وطلب من الرشيد أن يعفيه ، فنقله سنة ١٨١ ه‍ ، وعقد له على خراسان ، فأقام فيها ، وولاه غزو الصائفة سنة ١٩١ ه‍ ، ثم ولاه ما كان لابن ماهان ، فانتقل إلى مرو سنة ١٩٢ ه‍ ، ولما بدأت الفتنة بين الأمين والمأمون ، انحاز إلى المأمون ، فقاد جيوشه وأخلص له الخدمة حتى سكنت الفتنة بمقتل الأمين ، وانتظمت الدولة للمأمون ، فنقم عليه أميرا ، قيل : اتّهمه بممالأة إبراهيم بن المهدي أو بالتراخي في قتال الطالبيين وأبى السرايا ، فدعاه إليه ، وشتمه ، وضربه ، وحبسه ، وكان الفضل بن سهل يبغضه ، فدس إليه من قتله في الحبس سرا بمرو سنة ٢٠٠ ه‍ / ٨١٦ م.

١٤٠