شرح الكافية البديعية

صفي الدين الحلّي

شرح الكافية البديعية

المؤلف:

صفي الدين الحلّي


المحقق: الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي
الموضوع : الشعر والأدب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

فلئن رحلت فقد تركت بدائعا

غصبت فصول الحكم من لقمان

فجميل صنعكم أجل صنائعا

وبديع فضلكم أدقّ معاني

ومع أننا نقف في ديوان شعره على قصائد لآل ارتق وابن قلاوون وكاتب سره ، إلّا أن ذلك لم يمنعه أن يمتدح سلاطين آخرين ، كالسلطان الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل ابن الملك الأفضل ابن أيوب صاحب (حماة) عند وروده إليها وقد كان اقترح عليه بحرا وقافية ، فنظم فيهما هذه القصيدة :

لا راجع الطرف باللّقا وسنه

إن ذاق غمضا من بعدكم وسنه

طال على الصب عمر جفوتكم

فكل يوم من الفراق سنه

يقول فيها :

ولو بمدح المؤيد اعتبروا

لبدلت سيئاتهم حسنه

من آل أيوب الذين لهم

حماسة بالسماح مقترنه (١)

ومن أولئك أيضا الصاحب المعظم شمس الدين ابن عبشون المستوفي بسنجار. وقد تلقاه بإقامة ، وهدايا فنظم فيه قصيدة شكر (٢). وكذلك شكر في قصيدة أخرى الصاحب المعظم فخر الدين إبراهيم بن عبد الله المصري صاحب الديوان بحلب (٣). ولم ينس الشاعر وهو في اغترابه وبعده عن أهله ووطنه وحلته الفيحاء أن يكتب بشعره إلى ذويه وأصدقائه ويتشوق إلى الحلة الفيحاء ، ومن ذلك قصيدته (٤) :

__________________

(١) انظرها في الديوان : ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٢) الديوان : ١٥٤ و ١٩٢.

(٣) نفسه : ١٥٥.

(٤) الديوان : ١٨١ ـ ١٨٣.

٤١

أخلاي بالفيحاء إن طال بعدكم

فأنتم إلى قلبي كسحري من نحري

وإن يخل من تكرار ذكري حديثكم

فلم يخل يوما من مديحكم شعري

ويتألم خلالها على الربوع الفيحاء التي تركها وراءه فيقول :

بكيت لفقد الأربع الخضر منكم

على الرملة الفيحاء بالأربع الخضر

سقى روضه السعدي من أرض بابل

سحاب ضحوك البرق منتحب القطر

ويذكر خلال هذه القصيدة الشيخ العالم مهذب الدين محمود بن يحيى النحوي الحلي ، ويصف له حاله في ماردين ، وإقبال سلطانها عليه :

فيا أيها الشيخ الذي عقد حبسه

تنزل مني منزل الروح من صدري

إذا كان ذكر المرء شيخ حياته

فإن طريف المال كالواو في عمرو

ولكن لي في ماردين معاشرا

شددت بهم لما حللت بها أزري

أسوق إلى البحر الخضم جواهري

وأهدي إلى أبناء بابل من سحري

فمنّ فدتك النفس بالعذر منعما

عليّ وشاور حسن رأيك في الأمر

لقد كان تقلب الشاعر صفي الدين الحلي في البلاد كثيرا يتنقل بين بغداد وسوريا ، وماردين ومصر والحجاز ، فكان يترك في كل هذه المواطن آثارا حميدة من شعره ، وحسن علاقاته ، حتّى ودع الحياة وهو قد نيف على السبعين عاما من عمره ، سنة (٧٥٠ ه‍) فيقول الكتبي معاصره : «وكانت

٤٢

وفاته في أوائل سنة خمسين وسبعمائة» (١) غير أن المترجمين قد ذكروا له سنوات أخرى في وفاته ، كما اختلفوا في المكان الذي توفي فيه. فقد نقل صاحب النجوم الزاهرة أنه توفي سنة (٧٥٠ ه‍) كما ذكر الكتبي (٢) في حين نقل ابن حجر في الدرر الكامنة سنة (٧٥٢ ه‍) (٣) ووضعوا له تاريخا بحساب الجمل وهو (الجنة مأوى الصفي) وهو مجموع : (الجنة) ٤٨٤+ ٥٧ (مأوى) + ٢١١ (الصفي) ٧٥٢ ه‍. وهي السنة التي أقرّها الصفدي في الوافي بالوفيات (٤). وأكدها كحالة في معجم المؤلفين (٥) أما سركيس فقد وضع له في مقدمة اسمه سنتي مولده ووفاته (٦٧٧ ه‍ ـ ٧٥٠ ه‍) أي : هو يأخذ سنة الكتبي التي ذكرها في الفوات (٦). ولكن كتابه (العاطل الحالي) ثبت سنة (٧٤٩ ه‍) خلافا لكل ما تقدم. أما خليفة في كشف الظنون فقد ذكر أن وفاته كانت سنة (٧٥٧ ه‍) حين ذكر له بديعيته (٧) ثم ذكر له سنة أخرى بعيدة عن الواقع حين أورد اسم ديوانه في مسرد الدواوين فقال ديوان الصفي الحلي عبد العزيز بن سرايا ... المتوفى سنة ٨٥٩ ه‍ ـ كذا ـ تسع وخمسين وسبعمائة (٨). فقد أخطأ في عدد القرون رقما وصححه كتابه ، وهو ـ لا شك ـ خطأ مطبعي ، ولكنه زاد سنتين أخريين على سنة

__________________

(١) الفوات : ١ / ٥٩٤.

(٢) النجوم الزاهرة : ٦ / ٢٧٥.

(٣) الدرر الكامنة : ٢ / ٣٧١.

(٤) مقدمة العاطل والحالي : للحلي : ٥ والبابليات : ١ / ١٠٦.

(٥) معجم المؤلفين : ٥ / ٢٤٧.

(٦) معجم سركيس : ٧٨٩.

(٧) الكشف : ١ / ٢٣٣.

(٨) الكشف : ١ / ٧٩٧.

٤٣

(٧٥٧ ه‍) ولعل الأقرب إلى الصحة هي سنة (٧٥٠ ه‍) وكما ذكر الكتبي (٧٦٤ ه‍) وأكدتها معظم المصادر الأخرى التي ترجمت له ، إلّا إذا ثبت أنه توفي في أواخر (٧٤٩ ه‍) كما ذكر في العاطل. أما مكان وفاته فقد ذكرت مدينة (ماردين) ، ومدينة (بغداد) والأقرب إلى الصحة مدينة بغداد وذلك أن الشاعر في السنوات الأخيرة من عمره اختلف إلى بغداد وتردد بينها وبين ماردين والشام وبغداد .. وفي سنة (٧٤٧ ه‍) رآه مجد الدين محمد بن يعقوب صاحب القاموس المحيط في بغداد ، فقال في كتاب (البلغة) : اجتمعت سنة سبع وأربعين وسبعمائة بالأديب الشاعر صفي الدين بن سرايا الحلي ـ رحمه‌الله ـ بمدينة بغداد ، فرأيته شيخا كبيرا. له قدرة تامة على النظم والنثر ... (١) ولعله استقر فيها حتى سنة وفاته (٢)

مؤلفاته

لم يكن الحلي شاعرا فحسب ، بل كان له باع طويل في النثر وفي علوم العربية الأخرى ، وليس اطلاعه على سبعين كتابا من كتب البلاغة لرفد قصيدته البديعية بأصناف البديع إلّا دليلا على ولعه ، بفروع علم العربية ، ومنها علم البلاغة ، وفي قول مجد الدين عند لقائه به ما يدل على ذلك فقد قال فيه : «له قدرة على النظم والنثر ، وخبرة بعلوم العربية والشعر ...» وقال فيه الخوانساري : (كان عالما فاضلا منشئا) وقال الكتبي : (الإمام العلامة القدوة البليغ الناظم الناثر ، شاعر عصره على الإطلاق).

__________________

(١) مقدمة كتاب العاطل والحالي والمرخص الغالي : ص ٥.

(٢) انظر : ريحانة الأدب : ٣ / ٣٤٢ شعراء الخلة : ٣ / ٢٧٠ وأمل الآمال : ٢ / ١٣٩ وروضات الجنات : ٥ / ٨٠ ـ ٨٣.

٤٤

فمن مجموع هذه الصفات نخلص إلى أنه كان له يد راسخة في النثر فضلا عن الشعر ، وقد ألف فيهما كتبا متنوعة الاتجاهات والأغراض ، وأهم هذه المؤلفات التي وصلت إلينا ، فطبع بعضها ـ ولا يزال بعضها الآخر ينتظر الطبع هي :

ـ أنوار الربيع في أنواع البديع ، ذكره الخوانساري وهو في شرح البديعية.

ـ الخدمة الجلية في القدمة الأفضلية. ذكره صاحب الهدية في ترجمته ، ولم يشر أحد إلى موضوعه ، والمعروف أنه وضعّه في وصف الصيد بالبندق ، وغيرها ، مما كان يستخدمه ملوك عصره.

ـ الدر النفيس في أقسام التجنيس ، وقد ورد في اسمه (في أجناس التجنيس). وهو في أنواع البديع وفي هذا الكتاب اختراع نوعا من البديع سماه المشكل يتكون من ثلاثة جناسات في صدر البيت وثلاثة في عجزه.

وجعل أمثلته من نظمه. ذكره خليفة في الكشف (الدر النفيس في أجناس التجنيس) (*).

ـ درر البحور في مدائح الملك المنصور ، وورد باسم (درر النحور ..) وهي قصائد نظم مجموعها في تسعين يوما في الملك المنصور غازي بن أرتق سنة (٧٠١ ه‍) عند ما قصد ماردين وكان ابن أرتق صاحبها وهي تسع وعشرون قصيدة على حروف الهجاء أول أبياتها كفوا فيها من الحروف وكمل تسعة وعشر بيتا وهي مطبوعة في مطبعة وهبي ، سنة ١٢٨٣ ه‍ ثم طبعت ثانية سنة ١٣٢٢ ه‍ ، وطبعت مع ديوانه المطبوع سنة ١٢٩٧ ه‍ / ١٨٩٢ م (١). وهذا الكتاب هو المعروف بالقصائد الأرتقيات ولكن خليفة ذكرها باسم (درر البحور ..) (**).

__________________

(١) انظر معجم بركيس : ٧٨٨ ـ ٧٨٩.

٤٥

ـ ديوان شعره ، ويقع في ثلاثة أجزاء كتبه بخط يده ، وضمنه القصائد المذكورة ، وشعره في السلاطين والملوك الذين امتدحهم وقد وضعه على اثنتي عشر بابا ، في ثلاثين فصلا منوعة طبع في المطبعة الوهبية سنة ١٢٨٣ ه‍ ، وثانية ١٢٩٧ ه‍ / ١٨٩٢ م وثالثة سنة ١٩٥٦ في العراق ، ورابعة في دار صادر بيروت ، وقد مرت الإشارة إلى ذلك.

ـ ديوان شعر صغير. ذكره الخوانساري (١).

ـ شرح الكافية البديعية. وقد طبع سنة ١٣١٦ ه‍ ، وله أسماء أخرى كما سيأتي.

ـ صفوة الشعراء وخلاصة البلغاء ، ذكره صاحب الهدية (٢). ويبدو أنه في

ـ البديع أيضا ـ وتوظيفه في الشعر.

ـ العاطل الحالي والمرخص الغالي. نشره محققا ولهلم هو نرباخ عام ١٩٥٥ م. في مطبعة فرانتز شتاينز ويسبادن / ألمانيا.

ـ القصائد الأرتقية ، وهي التي نظمها في سلاطين ماردين وقد طبعت ضمن ديوانه الذي جمعه بيده ، وهي المعروفة. بدور النحور.

ـ الكافية البديعية ، في مدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضمنها أنواع البديع ، وهي مائة وخمسة وأربعون بيتا في واحد وخمسين ومائة نوع بديعي ، وهي هذه التي بين يدي القارئ مشروحة ، بقلم المؤلف نفسه. وهي التي نشرت باسم (شرح الكافية البديعية). وقد سماها المؤلف (نتائج الألمعية).

ـ المثالث والمثاني في المعالي والمعاني. ذكره كحالة (٣) في ترجمته.

__________________

(١) روضات الجنات : ٥ / ٨٠.

(٢) هدية العارفين : ١ / ٥٨٢.

(٣) معجم المؤلفين : ٥ / ٢٤٧.

٤٦

ـ نتائج الألمعية في شرح الكافية البديعية ، هكذا ذكره صاحب الهدية (١) ، وقد ذكر الكتاب باسم (النتائج الإلهية ...) ولعل ذلك من قبيل التصحيف ، وهو غير الشرح المذكور في أول أسماء كتبه المعروف ب (أنوار الربيع) ..

بديعية الحلي بين من تقدمه ومن تأخر عنه :

ابتداء نقول : إن الصفي الحلي يعدّ مبتدع الشعر البديعي في مدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أعني : أنّ القصائد البديعيات تكون قد ولدت في القرن الثامن الهجري ، وتناسلت لها قصائد نبوية بديعية خلال العصور الإسلامية حتّى هذا اليوم.

ولقد كانت قبل الحلي تعرف بالقصائد النبوية المدحية ، إذ كان الشاعر يتغنى بحب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويمتدح صفاته ، وأخلاقه وقيمه ومثله .. يدعوه إلى ذلك إخلاصه لدينه ، واعتناقه لمبادئه ، وإيمانه بصحة تشريعاته ومعتقداته.

كان الشاعر المداح يهدف من وراء قصيدة المدح إلى المنفعة المادية ، دون النظر إلى عقيدة الممدوح ، أو صلتها بعقيدته هو ولذلك نرى مثل قول الشاعر زهير (٢) :

من يلق يوما على علاقة هرما

يلق السماحة منه والندى خلقا

ونرى مثل قوله :

__________________

(١) هدية العارفين : ١ / ٥٨٢.

(٢) ديوانه : ٥٣ ونقد الشعر : ٢٣ والطراز : ٣ / ١٠٥.

٤٧

تراه إذا ما جئته متهلّلا

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

ونرى مثل قول الشاعر الحماسي (١) :

رهنت يدي بالعجز عن شكر بره

وما فوق شكري للشكور مزيد

فإن المعاني التي يضمنها الشاعر أبياته لا تخلو من الإشادة بعطاء الممدوح ، وكثرة إغداقه على مادحه ، وعجز المادح عن شكر البر والإحسان إليه .. إلى غير ذلك من معاني المديح المادي المعروف في تاريخ الشعر العربي.

غير أن انبثاق الرسالة الإسلامية ، وانتشار مبادئ الدين الجديد ، وتوجه الشاعر إلى شخصية الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي يمثل الرمز الكبير في حياة الجماعة الإسلامية ، في سلوكه وأخلاقه ، وتشريعاته ومعتقده. أدّى إلى أن ينتقل المدح من النظرة المادية إلى النظرة الروحية الخالصة ، فأصبح الشاعر يتغنى بالعقيدة والمبدأ في شخص نبي الأمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومن هنا صرنا نجد ، مثل قول كعب بن زهير :

إنّ الرسول لنور يستضاء به

مهند من سيوف الله مسلول

يزفه إلى النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غير أن يطلب نوالا ، أو يرجو مالا ، وتعدّى هذه الحال أن نرى شاعرا يوجّه قصيدة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يكن مسلما ،

__________________

(١) نهاية الأدب : ٧ / ١٢٥.

٤٨

بل يدفعه الروح الديني العام لمدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول الأعشى (١) :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وعادك ما عاد السليم المسهّدا

وتعد هذه القصيدة أول قصيدة مدح بها النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتغنى الشعراء الإسلاميون بشخصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل عبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، وحسان بن ثابت ، والنابغة الجعدي وكعب بن زهير (٢).

وكان الاتجاه المدحي في قصائد هؤلاء الشعراء هو المنافحة عن العقيدة ، والدفاع عن المبادئ ، والإشادة بالقيم التي جاءت بها الرسالة الإسلامية في حياة الأمة ، واحتفظ لنا التاريخ الشعري والأدبي الغربي بوجود اتجاه شعري ديني خالص يتوخى الروح الديني والعزوف عن الدنيا والزهد في ملذاتها وبهرجها ، فينتج من ذلك ظهور شعر التصوّف والزهد ، كالذي نراه عند سابق البربري وعبد الله بن المبارك ، وشعراء الزهد في العصر العباسي في قصائد ومقطعات. وكان منه ما يتغنى بال البيت ، كما في شعر دعبل الخزاعي :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومجلس وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالركن والتعريف والجمرات

__________________

(١) انظر : المدائح النبوية في الأدب العربي : زكي مبارك : ص ١٨.

(٢) كما في قصيدته التي أشرت إلى بيت منها : انظر ديوانه بشرح السكري : ص ٦.

٤٩

قفا نسأل الدار التي خف أهلها

متى عهدها بالصوم والصلوات

وأين الأولى شطت بهم غربة النوى

أفانين في الآفاق مفترقات (١)

ومنه ما يتغنى بمدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومنه ما ينحو المنحى التصوفي الصرف في التوحيد والتنزيه ، والحب الإلهي ، كما فعل ابن الفارض ، وقبله محمود الوراق ، من العصور العباسية. ويعد المديح النبوي من الشعر الصوفي ـ كذلك ـ لأن التغني بشخصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر صفاته وأخلاقه وكرمه ، وحلو شمائله ، يتبعه الإيمان بالله ـ تعالى ـ ومبادئ الشريعة الإسلامية ، بقوله ـ تعالى ـ : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، لذا كان أصحاب المدائح النبوية ـ غالبا ما ـ ممن عرفوا بالتقوى والدين والصلاح ، وهذا محمد بن سعيد بن حماد البوصيري (٢) كان ميالا إلى التصوف ، وتلقى مبادئه على أبي العباس المرسي الذي خلف أبا الحسن الشاذلي في طريقته ، حتّى ظهر أثر ذلك في شعره. وحكى عن نفسه في نظم قصيدته :

أمن تذكّر جيران بذي سلم

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

إنه كان قد نظم قصائد قبلها في مدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير أنه أصابه مرض الفالج ، فأبطل نصفه ، ففكر في عمل قصيدة فعملها ، واستشفع بها

__________________

(١) انظر مقدمة ديوانه : ص ٧ ـ ١١.

(٢) انظر : الأخبار حول هذه القصيدة في الأغاني : ٨ / ٤٢.

٥٠

إلى الله سبحانه في أن يعافيه من الفالج ، وتوسّل بها إلى الله ، فنام ، فرأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

يقول البوصيري : «فمسح وجهي بيده المباركة ، وألقى عليّ بردة ، فانتبهت ، ووجدت فيّ نهضة ، فقمت وخرجت من بيتي ..» (١).

ومهما يكن من أمر هذا الفالج ، ومما دار حوله من تقولات تذهب إلى إنكار هذا الخبر ، أو إلى أن البوصيري افتعله (٢) ليضفي على القصيدة شيئا من المسحة الروحية إلّا أنّ إنسانا لا يستطيع أن ينكر قيمتها الدينية ، ومكانتها بين قصائد المديح النبوي في تاريخ الأدب العربي. فلقد أطلق عليها المؤلف اسم (البرأة) لما ذكر من أنه قد شفي من الفالج بعد رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ببركتها.

أو اسم (البردة) لإهداء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بردته إليه ، وهو الاسم الذي اشتهرت به ، يقول خليفة : «البردة الموسومة : بالكواكب الدرية في مدح خير البرية الشهيرة بالبردة الميمية للشيخ شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد الدولاصي ثم البوصيري (٦٩٧ ق) ..

وهي مائة واثنان وستون بيتا منها : اثنا عشر في المطلع ، وستة عشر في ذكر النفس وهواها ، وتسعة عشر في مولده ، وعشرة في يمن دعائه ، وسبعة عشر في مدح القرآن ، وثلاثة عشر في ذكر معراجه واثنان وعشرون في جهاده وأربعة عشر في الاستغفار وتسعة في المناجاة ..» (٣) ثم ذكر قصة الفالج وتبرك النّاس بالقصيدة والاستفادة منها في أمور دنياهم

__________________

(١) فوات الوفيات : الكتبي : ٣ / ٣٦٨ وانظر : المدائح النبوية : ١٧١.

(٢) انظر : البديعيات في الأدب العربي : ص ٢ فما بعد.

(٣) كشف الظنون : ٢ / ١٣٣١.

٥١

ودينهم. وقد أفاض خليفة في ذكر أخبار كثيرة عنها ، وعن عناية النّاس بها ، في الشروح عليها باللغات العربية والتركية والفارسية ، وفي تخميساتها وإعرابها ولغات ألفاظها (١). وانتشرت هذه القصيدة انتشارا منقطع النظير ، وحاول الكثير من شعراء العربية مجاراتها ، والنسج على منوالها ، ومعارضتها حتّى كانت (الميم) مطية كل الذين سايروا البوصيري في مدائحهم ، مع أن البوصيري مسبوق بقصيدة ابن الفارض الميمية من البسيط أيضا. وليس بين البوصيري والحلي إلّا أن الثاني اتجه بقصيدة المدح النبوي إلى تضمين أصناف البديع في أبياتها ، ولم يكن البوصيري يخليها من هذه الأصناف البديعية ، ولكن لم يقصد إليها قصدا ، ويبني البيت من أجلها كما فعل الحلي. ومن هنا كان البوصيري أبا المدائح النبوية ، وكان الحلي أبا البديعيات في هذه المدائح ، ولذا كان الحلي مطوّر فنّ المديح النبوي إلى التجميل والتحسين والصنعة اللفظية التي يستحقها هذا الفن من الشعر العربي.

ولقد ساعد الحلي على أن ينتهج هذا المنهج الجديد في بناء قصيدة المديح النبوي أنه اطلع على آثار العلماء البديعيين كابن أبي الإصبع في كتابيه : (تحرير التحبير) و (بديع القرآن) (٢). وغيرها من الكتب التي ذكرها ، حتّى بلغت السبعين كتابا. مما وفّر له بين يديه جملة كبيرة ، من أصناف البديع ، فوضعها في قصيدة واحدة ضمنها أمرين :

الأول : مدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) انظر في ذلك كله : الكشف : ٢ / ١٣٣١ ـ ١٣٣٦ وانظر كذلك المدائح النبوية : د. زكى مبارك : ١٨١ فما بعد.

(٢) العرفي سنة (٦٥٤ ه‍) : انظر كتابه التحرير : ط : د. حقي محمد شرف : القاهرة.

٥٢

الثاني : حصر الأصناف البديعية التي اطلع عليها ، وفهم معانيها ، وأدرك أسرارها ، لتكون القصيدة ممارسة فعلية وتطبيقا عمليا للأنواع البديعية التي تجمعت لديه.

ولذلك جاءت قصيدته البديعية التي سماها : (نتائج الألمعية) كتابا علميا في فن البديع ، بحثا ، وأمثلة ، وتطبيقا على الأنواع ، فضلا عن أنها قد حفلت بأدق المعاني ، وأجمل الصور الشعرية في حقّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا هو الذي جعل الذين يتأثرون بنظم القصائد البديعية ، يتخذون من قصيدة الحلي (الكافية البديعية) منطلقا للمعارضة ، والمطارحة والنسج على أصولها البديعية.

ولقد ذكرت كتب الأدب جملة من أصحاب هذه البديعيات ممن نسجوا على منوال الصفي الحلي.

١. بديعية أبي بكر علي بن حجة الحموي (٨٣٧ ه‍) التي سماها ب : (تقديم أبي بكر رضي‌الله‌عنه). وقد صرح بمجاراته للحلي ، بقوله (١) : «وأجاري الحلة برقة السحر الحلال الذي ينفث في عقد الأقلام. وحدّد منهجه في مجاراة الصفي بقوله : «وجاريت الحلي مقيّدا بتسمية النوع وهو من ذلك محلول العقال ، وسميتها تقديم أبي بكر ، عالما أنه لا يسمع من الحلي والموصلي في هذا التقديم مقال».

وأشار في مواطن أخرى من خزانته إلى بعض أنواع مجاراته للصفي ، من نحو قوله : «قد صدّرت بديعيتي هذه بالجناس المركب والمطلق ، حسبما رتبه الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته» (٢).

__________________

(١) خزانة الأدب : ص ٣.

(٢) نفسها : ص ٢٢.

٥٣

والذي بطالع بديعية ابن حجة ، وبنظر إلى تعليقاته وشروحه ، على أبياتها في (خزانته) يقع على جملة كبيرة من وجهات النظر النقدية ، لأبيات الحلي ، تتعاقب بين الاستحسان والاستملاح من جهة ، والتعريض والنقد اللاذع من جهة ثانية. ولست هنا في معرض بيان موقف ابن حجة من قصيدة الحلي (١) ، فقد سبق أن عرفنا أنه أعجب بها ، فاختارها طريقا لمجاراته ومعارضته.

ومطلع هذه القصيدة الحموية :

لي في ابتدا مدحكم يا عرب ذي سلم

براعة تستهلّ الدّمع في العلم (٢)

واشتملت هذه البديعية على مائة وستة وثلاثين نوعا بديعيا في مائة وثلاثة وأربعين بيتا. وقال خليفة في شرحه عليها : «شرحها شرحا مفيدا ، وهو مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره ، ولعل مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية ...» (٣) ولم يكتف ابن حجة بهذا الموقف منه مع الحلي بل ألف مختصرا فشرح بديعيته أسماها «ثبوت الحجة على الموصلي والحلي».

٢. بديعية الحميدي : عبد الرحمن بن أحمد بن علي المسماة : (فتح البديع بشرح تمليح البديع بمدح الشفيع) وعليه مختصر باسم : (منح السميع

__________________

(١) تنظر الخزانة : الصفحات : ٢٢ ، ٢٦ ـ ٢٧ و ٤١ ـ ٤٢ وص ٤٦ حين تحدث عن بيت الحلي في (٧١ شطرار) .. الخ.

(٢) الخزانة : ص ٣.

(٣) كشف الظنون : ١ / ٢٣٣.

٥٤

بشرح تمليح البديع) فرغ من تأليفه سنة (٩٩٢ ه‍) وتوفي سنة (١٠٠٥ ه‍).

يقول خليفة في الكشف : «حذا فيها حذو الصفي الحلي وضمنها زيادة أنواع ثم شرحها» (١). يقول الخفاجي في (ريحانة الألباء) عن صاحبها : «الأديب الذي تفتحت بصبا اللطف أنوار شمائله. ورقت على منابر الآداب خطباء بلابله ..» (٢).

ومطلع قصيدة الحميدي :

رد ربع اسما واسمى ما يرام رم

وحيّ حيّا حواها معدن الكرم

وهي في مائة وأربعين بيتا ، وفيها مائة وثمانية وستون صنفا بديعيا ، مما يدل على إضافته أجناسا أخرى على بديعية الحلي التي نظم قصيدته في مجاراتها. وقد ذكر هذه الأعداد ، وزمن نظمها مؤرخا فقال في بيت منها :

جا نوعه (مصلح) أبياته (منن)

أرّخته (ناظما) للحاسب الفهم

ف (مصلح) هي : ١٦٨ نوعا. (م : ٤٠+ ص : ٩٠+ ل : ٣٠+ ح : ٨).

و (منن) هي : ١٤٠ بيتا. (م : ٤٠+ ن : ٥٠+ ن : ٥٠).

و (ناظما) هي : ٩٩٢ ه‍ ، وهو تاريخ نظمها ، كما سبقت الإشارة.

(ن : ٥٠+ أ: ١+ ظ : ٩٠٠+ م : ٤٠+ أ: ١).

__________________

(١) كشف الظنون : ١ / ٢٣٤ وانظر المدائح النبوية في الأدب العربي ٢٠٨ فما بعد.

(٢) ريحانة الألباء : ٢ / ١١٤.

٥٥

٣. بديعية شهاب الدين أحمد العطار (٧٩٤ ه‍) ، اسمها : «الفتح الآلي في مطارحة الحليّ» (١) فقد وضع لها هذا الأديب الشاعر عنوانا يتبين من خلاله أنه طارح الصفي في قصيدته ، وبنى على نسجه ومنواله (٢).

٤. بديعية الموصلي علي بن الحسين عز الدين الموصلي المتوفى سنة ٧٨٩ ه‍ سماها مع شرحها : «التوصل بالبديع إلى التوسل بالشفيع» (٣).

يقول العسقلاني في هذه البديعية : «وله البديعية المشهورة ، قصيدة نبوية ، عارض بها بديعية الصفي الحلي» (٤) والجديد الذي أضافه على الحلي في هذه البديعية ، أنه خالف الحلي في إعطاء المثال على النوع.

ولكنه ذكر اسمه في مفردات البيت ، فخرج بذلك عما عمله الحلي في بديعيته (٥). ومن ذلك قوله في مطلعها يذكر (براعة الاستهلال) :

(براعتي تستهل) الدمع في العلم

عبارة عن نداء المفرد العلم

ويقول في ذكر الطباق ـ مثلا آخر ـ :

تبكي فيضحك من درّ (مطابقة)

حتّى تشابه منثور بمنتظم

فقد أورد لفظ (المطابقة) وهو مصطلح بديعي ، ومثل له في داخل البيت ب (تبكي ـ يضحك) و (منثور ـ منتظم). وهذا ـ وحده ـ غاية في البراعة والتمكن.

__________________

(١) كشف الظنون : ١ / ٢٣٤.

(٢) انظر هدية العارفين : ١ / ١١٦.

(٣) الكشف : ١ / ٢٣٤.

(٤) الدرر الكامنة : ٣ / ١١٢.

(٥) خزانة الأدب : ٢٧.

٥٦

٥. بديعية شعبان الأثاري ، ابن محمد بن داود المتوفى سنة (٨٢٨ ه‍) (١).

وهي (البديعية الصغرى) التي سمّاها (بديع البديع في مدح الشفيع) ، فهذه القصيدة هي التي عارض بها قصيدة الحلي ، وقد صرّح بذلك في مقدمة هذه القصيدة بقوله : «مدحت بها حضرة الجناب الرفيع وعارضت بها من عارض البردة من أهل الحلة ، وهو عبد العزيز بن سرايا» (٢). أما البديعيتان الأخريان فهما (الكبرى) و (الوسطى) فلا علاقة لهما بقصيدة الحلي ، يقول في مطلعها :

إن جئت بدرا فطب وانزل بذي سلم

سلّم على من سبا بدرا على علم

وأخلى القصيدة من ذكر الأنواع بأسمائها ، ولكنه مثل لها كما كان الحلي يفعل ، وبلغت (١٦٩) بيتا وقد تضمنت (٢٠١) من أنواع البديع (٣).

وبذلك يكون قد أضاف على بديعية الحلي أصنافا أخرى لم يذكرها الحلي.

بديعية عيسى بن حجاج بن عيسى بن شداد السعدي المتوفى سنة (٨٠٧ ه‍). وبديعيته هذه عارض بها الحلي ولكنه جعل قافيتها الراء يقول السخاوي في الضوء اللامع : «وعمل بديعية على طريقة الحلي ،

__________________

(١) الكشف : ١ / ٢٣٤.

(٢) بديعيات الأثاري : ١٩.

(٣) البديعيات : ٨٨.

٥٧

لكنها على قافية الراء» (١). ثم قال : «وكان ـ أي المجد إسماعيل الحنفي ـ يجله ـ أي : ـ يجل ابن حجاج ـ بل شرح بديعيته التي عارض بها الحلي (٢).

ومطلع هذه البديعية قوله :

سل ما حوى القلب في سلمى من العبر

فكلما خطرت أمسى على خطر

وكون هذه البديعية قد نظمها ابن حجاج على (الراء) هو خروج آخر عن قوافي الميم لسائر أصحاب البديعيات الذين اتخذوا من قصيدة الحلي منوالا ينسجون عليه وزنا وقافية ، ورويا.

٧. شرح على قصيدة الحلي لعبد الغني الرافعي المتوفى سنة (١٣٠٨ ه‍) وسمى شرحه هذا باسم «الجوهر السنيّ في شرح بديعية الصفيّ» (٣).

٨. وثمة شرح آخر على البديعية للحلي لم يعرف المؤلف ، ذكرته مجلة معهد المخطوطات العربية المصورة (٤).

وهذان الكتابان ، وكتاب ثالث ، لابن زاكور سنذكره بعد قليل. يؤكد لنا أهمية بديعية الصفي الحلي وموقعها المتميز ، عند (البديعيين) من بعده ، فعلى الرغم من عناية الناظم نفسه بشرحها الذي أسماه :

ب «النتائج الإلهية». وهو شرح لم يعوزه شيء من الدقة والجمال فإنها حظيت باهتمام الأدباء غيره.

__________________

(١) الضوء اللامع : ٦ / ١٥١.

(٢) الكشف : ١ / ٢٣٤.

(٣) البديعيات : ٧٤ و ١٩٣.

(٤) م / ٤ / عدد : ٢ / ص : ٢٦٩. وانظر البديعيات : ص : ٧٤ و ١٩٣.

٥٨

٩. شرح بديعية الحلي : لمحمد بن القاسم بن زاكور المتوفى سنة (١١٢٠ ه‍). ذكرها البغدادي في إيضاح المكنون (١). والهدية (٢).

وابن زاكور الفاسي أديب مشهور ذكر له البغدادي في الهدية جملة كبيرة من المؤلفات في علوم العربية.

ومع أننا أوردنا هنا جملة من (البديعيات) ، كان الكثير منها في معارضة الصفي الحلي ، وبعضها في شرح بديعيته نفسها ، إلّا أننا مطمئنون إلى أن هناك شروحا على بديعيته ، لم تصل إلينا محفوظة في طوايا المكتبات لم تمتد إليها يد فتخرجها إلى الباحثين ، ومن الطبيعي أنّ الكثيرين من أصحاب (البديع) ناظمي البديعيات ، كانوا قد اطلعوا على قصيدة الحلي ، فتأثروا بها ، وجاروها من بديعياتهم وإن لم يصرحوا بهذه المجاراة ، كقصيدة ابن جابر الأندلسي المشهورة ب (بديعية العميان) التي أسماها ابن جابر باسم (الحلة السيرا في مدح خير الورى) (٣) ، فقد بلغ عدد أبياتها (١٧٧ بيتا) ، وزاد فيها على الحلي أنواعا من البديع (٤) ولئن كان بعض أصحاب البديعيات قد عارض الحلي كابن حجة الحموي ، فإنّ قصائدهم قد عورضت بقصائد أخرى ، كما فعلت عائشة بنت يوسف الباعونية (٩٤٢ ه‍) في معارضتها لابن حجة في قصيدتها (الفتح المبين في مدح الأمين) التي مطلعها :

__________________

(١) إيضاح المكنون : ١ / ١٧٣.

(٢) هدية العارفين : ٢ / ٣١٠.

(٣) الدرر الكامنة : ٣ / ٤٢٩.

(٤) البديعيات : ٧٦.

٥٩

عن مبتدا خبر الجرعاء من أضم

حدّث ولا تنس ذكر البان والعلم

وقصيدتها الأخرى التي مطلعها :

في حسن مطلع أقماري بذي سلم

أصبحت في زمرة العشاق كالعلم (١)

فهي تعتمد في الشرح ، وعقد الأنواع البديعية ـ غالبا ـ على ابن حجة الحموي ، من ذلك قولها في براعة المطلع : «قال العلامة ابن حجة ـ رحمه‌الله تعالى ـ : براعة المطلع عبارة عن كون أهلة المعاني واضحة في استهلالها ، وأن لا يتجافى جنوب الألفاظ عن مضاجع الرقة ، وأن يكون التشبيب بنسيبها مرقصا ..» (٢) وعدة أبياتها (١٢٧ بيتا) تحتوي على (١٢٩) نوعا بديعيا.

وكذلك الحال في بديعيتي عبد الغني بن إسماعيل النابلسي (١١٤٣ ه‍) فقد حاكى في الأول منهج الحلي في عدم ذكر الأنواع البديعية ، ومطلعها :

يا منزل الركب بين البان والعلم

من سفح كاظمة حيّيت بالدّيم

واعتذر عن ذكر هذه الأنواع ، وأنها لو ذكرت لأدّت إلى «تنافر الكلمات وغرابة المعاني ، وقلاقة المباني ..» (٣) وسمى شرحه عليها باسم : «نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبيّ المختار».

__________________

(١) مطبوعة مع شرحها في حاشية الخزانة : للحموي : ص ٣١١.

(٢) حاشية الخزانة : ٣١١.

(٣) النفحات : ص : ٥.

٦٠