البحرين في صدر الإسلام

الدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني

البحرين في صدر الإسلام

المؤلف:

الدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٨

الفرس ، في هجر (١) ، والقطيف ، والزارة (٢) ، والغابة (٣) ، ويبدو أنهم استقروا في المراكز الساحلية التي كان يسيطر عليها الفرس ، ويتخذ الأسطول الساساني فيها مراكزه.

إن السكان الفرس في البحرين من قبل الساسانيين يعد عملية استعمارية للسيطرة والاستغلال ، وتحويل البحرين العربية إلى فارسية.

وليس لدينا معلومات عن تنظيمات الفرس في البحرين وعلاقتهم بأهل البلاد ، ويبدو أن غالبيتهم يملكون الأراضي ويعملون في الزراعة (٤) ، وكانت علاقتهم بالساسانيين وثيقة ، فقد كان مرازبة البحرين يرعون مصالحهم (٥).

وكانت سلطة الفرس في البحرين ضعيفة فيما يظهر ، وقد أسلم بعض العجم وذلك عندما أبلغ الرسول دعوته البحرين عام ٨ ه‍ (٦) ، أما غالبيتهم فقد احتفظوا بمجوسيتهم ودفعوا الجزية للمسلمين (٧) ، وكان الأعاجم فيما يبدو يتحينون الفرص للانقضاض على الإسلام والتخلص من الحكم الإسلامي ، وربما كان ذلك بتوجيه ودعم من الدولة الساسانية ، فاستغلوا حوادث الردة عام ١١ ه‍ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتنعوا عن أداء الجزية ، واعلنوا العصيان في عدة مدن

__________________

(١) ابن سعد : ١ ق ٢ / ٧.

(٢) ن. م. / ٤ ق ٢ / ٧٨ ، فتوح / ٨٥ ، ياقوت ١ / ٥١١.

(٣) خليفة بن خياط : التاريخ ١ / ١٣ ، فتوح / ٨٥.

(٤) فتوح ٧٨ ، الكامل ٢ / ١١٥ ، ياقوت ١ / ٥٠٨.

(٥) عن المرازبة انظر الفصل السادس «الادارة».

(٦) البلاذري : فتوح / ٧٨ ، ياقوت ١ / ٥٠٨.

(٧) البلاذري : فتوح / ٧٨ ـ ٧٩ ، الكامل : ٢ / ٢١٥ ، ياقوت ١ / ٥٠٨.

٦١

منها القطيف (١) ، والزارة (٢) ، والغابة (٣) ، غير أن العلاء الحضرمي قضى على حركتهم ، ولم نعد نسمع عنهم بعد الردة شيئا ، وربما يعود ذلك إلى قلة شأنهم في البحرين وخاصة بعد زوال الامبراطورية الساسانية.

السيابجة (٤) :

وأصلهم من السند (٥) ، ويذكر البلاذري أنهم كانوا في جند الفرس ممن سبوه وفرضوا له العطاء (٦) ، وكانت رواتبهم ضئيلة جدا (٧) ، وكانوا عند سواحل الخليج العربي والخط (٨) ، وكانوا يستأجرون للقيام بحراسة السفن لصد ما تتعرض له من هجمات القرصان ولصوص البحر (٩).

__________________

(١) انظر القطيف في الفصل الثالث.

(٢) انظر الزراة في الفصل الثالث.

(٣) انظر الغابة في الفصل الثالث.

(٤) ويسمون ايضا بالسبابجة.

(٥) النقائض ١ / ١١٥ ، انظر الازهري : تهذيب اللغة ١٠ / ٥٩٨ ، الصحاح : ١ / ٣٢١ ، المخصص ١٠ / ٢٩ ، المعرب / ١٨٣ ، لسان العرب ٢ / ٢٩٤ ، تاج العروس : ٢ / ٥٦ ، فتوح / ٣٧٥ ، وينقل كايتاني رأي دي غويه في ان البحرية بين ساحل الخليج العربي وشرقي آسيا. العلي : التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري : ٧٠ هامش (الطبعة الاولى) ، انظر دائرة المصارف الإسلامية ١٢ / ٤٠٣ (الترجمة العربية).

(٦) فتوح : ٣٧٥.

(٧) من النار جيل إلى النخيل للاستاذ قاضي المهر المبارك بوري في مجلة ثقافة الهند : مجلد ١٦ العدد ٣ لسنة ١٩٦٥.

(٨) فتوح : ٣٧٣ ، الطبرى ١ ق ٤ / ١٩٦١ ، الكامل ٢ / ٣٦٨ ، وفي الاغاني ١٤ / ٤٥ عن الطبري انهم كانوا في القطيف وهجر.

(٩) تهذيب اللغة ١٠ / ٥٩٨ ، المخصص ١٠ / ٢٩ ، المعرب ١٨٣ ، لسان العرب : ٢ / ٢٩٤ ، تاج العروس ٢ / ٥٦.

٦٢

ويبدو أن السيابجة كانوا قوة عسكرية تخدم في الأسطول الساساني عند سواحل الخليج العربي ، وكان منهم في الخط حامية عند ظهور الإسلام ، وقد انضموا إلى المرتدين في البحرين (١) ، وبعد الردة لا يرد اسم اليابجة في حوادث البحرين ، ويبدو أنهم كانوا قد خرجوا منها ، وقد أسكنهم أبو موسى الأشعري البصرة (٢) ، ووكل إليهم حراسة بيت المال والمسجد الجامع ودار الإمارة والسجن ، وبذلك صاروا يقومون بدور البوليس في المدينة ، ولم يشتركوا في الفتوحات الإسلامية ، غير أنهم أخذوا بعدئذ يخدمون في الأسطول الإسلامي في الخليج العربي (٣).

الزط :

وقد اختلف في أصلهم ، جاء في النقائض أنهم قوم من السند (٤) ، ويروى المدائني أنهم كانوا في الطفوف (السواحل) يتتبعون الكلأ (٥) ، أما عوانة فيذكر أنهم كانوا في جند الفرس ممن سبوه وفرضوا له من أهل السند (٦) ، ويذكر الليث أنهم جيل من الهند (٧) ،

__________________

(١) الطبري : ١ ق ٤ : ١٩٦١ ، الكامل : ٢ / ٣٦٨ ، الاغاني : ١٤ / ٤٥ ، انظر دائرة المعارف الإسلامية : ١٢ / ٤٠ (الترجمة العربية) ، مجلة ثقافة الهند ١٦ / ٣ / ٤٣.

(٢) فتوح : ٣٧٥.

(٣) العلي : التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري ٧٠ ـ ٧١ (الطبعة الاولى).

(٤) النقائض ١ / ١١٥.

(٥) البلاذري : فتوح البلدان : ٣٧٣.

(٦) ن. م. / ٣٧٥.

(٧) الازهري : تهذيب اللغة ١٣ / ١٥٩ ، انظر لسان العرب ٧ / ٣٠٨ ، تاج العروس ٥ / ١٤٦.

٦٣

وهم قوة أخرى كانت تنزل الخط من البحرين (١). ويظهر من النصوص أن الزط سلالة هندية الأصل ، وأنهم كانوا من سكان بلوخستان وملتان والديبل والسند وما جاورها (٢) ، وقد هاجروا من الهند وانضم معظمهم إلى الجيش الساساني منذ عهد قباذ (٣) ، وكانت مرتبتهم ومنزلتهم أقل من الجند الفرس (٤) ، ولعلهم كانوا يتجولون في الخليج العربي قبل الإسلام (٥) ، ويبدو أنهم كانوا قوة عسكرية ساسانية ساحلية ترابط في الخط ، وقد انضموا إلى المرتدين في البحرين عام ١١ ه‍ (٦) ، ثم خرجوا منها بعد الفتح ، وانضموا إلى المسلمين عند تقدمهم نحو فارس ، وقد أسكنهم أبو موسى الأشعري البصرة (٧) وأودع إليهم حراسة دار الإمارة والمسجد الجامع مع السيابجة (٨) ، وبعضهم عاد إلى الهند (٩).

الحياة الدينية في البحرين قبل الإسلام :

إن أهل البحرين بعدد من الديانات التي دخلتها من الخارج ،

__________________

(١) الطبري : ١ ق ٤ / ١٩٦١ ، الكامل : ٢ / ٣٦٨ ، وفي الاغاني ١٤ / ٤٥ عن ابن جرير انهم كانوا في القطيف وهجر ، انظر مجلة ثقافة الهند ١٦ / ١ / ١٠٤ ـ ١٠٥ لسنة ١٩٦٥.

(٢) ثقافة الهند : ١٦ / ١ / ١٠١.

(٣) ن. م.

(٤) ن. م. / ١٠٤.

(٥) البلاذري : فتوح / ٣٧٣ ، انظر ثقافة الهند ١٦ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٦) الطبري : ١ ق ٤ / ١٩٦١ ، الكامل ٢ / ٣٦٨ ، الاغاني ١٤ / ٤٥.

(٧) البلاذري : فتوح : ٣٧٥.

(٨) العلي : التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري ٧١ (الطبعة الاولى).

(٩) ثقافة الهند : ١٦ / ١٠٥.

٦٤

بحكم مركزها التجاري وصلتها بالأقطار الأخرى ، وأهم العقائد السائدة هناك :

الوثنية :

وذكرت المصادر من الأصنام التي عبدت في البحرين :

ذو اللبا : وكان بالمشقر ، وتعبده عبد القيس ، وسدنته منهم بنو عامر (١).

أوال : وهو صنم كان لبكر وتغلب ابني وائل (٢) ، وربما سميت جزيرة أوال باسمه.

النصرانية :

تسربت النصرانية إلى البحرين على يد البعثات التبشيرية المسيحية (٣) ، وكان لاتصالها بطرق القوافل البرية والبحرية في البلاد التي انتشرت فيها النصرانية ، ومجيء التجار النصارى والمبشرين مع القوافل إليها أثر في انتشارها هناك (٤) وأهم طريق دخلت النصرانية منه إلى البحرين هو من الطرق خاصة (٥) ، بعد أن دان بها المناذرة الذين امتد نفوذهم إليها (٦) ، وكان المذهب النسطوري هو المذهب السائد في البحرين ، وقد أخذوه من نصارى الحيرة عن طريق رجال دينهم الذين جاؤوا إلى هذه المنطقة للتبشير ، فبذروا فيها مذهبهم ، ونشروه

__________________

(١) ابن حبيب : المحبر / ٣١٧ ، ابن حزم : جمهرة انساب العرب : ٤٩٣ ، ياقوت ٤ / ٣٤٥.

(٢) ياقوت ١ / ٣٩٥ ، القاموس المحيط ٣ / ٣٣١ ، تاج العروس ٧ / ٣١٦.

(٣) العلي : محاضرات في تاريخ العرب : ١ / ١٧٠.

(٤) جواد علي : تاريخ العرب قبل الإسلام ٦ / ٥٩ ـ ٦٠.

(٥) ن. م. / ٦ / ٢١١.

(٦) عن علاقة المناذرة بالبحرين انظر الفصل السادس «الادارة».

٦٥

بين من أقبل على النصرانية من العرب (١).

وقد انتشرت النصرانية في ربيعة حتى أوشكت أن تشمل كل بطونها وفروعها ، فنرى الأخباريين العرب إذ ذكروا النصرانية في الجاهلية ذكروا ربيعة ، يقول ابن قتيبة «كانت النصرانية في ربيعة وغسان وبعض قضاعة» (٢) ، ومن قبائل البحرين التي اعتنقت النصرانية عبد القيس ، وبكر بن وائل (٣) ، ومن أشراف النصارى عند ظهور الإسلام بشر بن عمرو المعروف بالجارود ، وكان سيد عبد القيس ، وقد أسلم وحسن اسلامه (٤) ، واعتنق النصرانية من بني تميم بنو امرىء القيس بن زيد مناة (٥) ، وإلى نصرانيتهم يشير ذو الرمة إذ يقول (٦) :

ولك نأصل امرىء القيس معشر

يحل لهم لحم الخنازير والخمر

وقد أسلم معظم بني عبد القيس بعد إسلام الجارود (٧) ، أما من بقي على نصرانيته فقد دفع الجزية (٨) ، وقد أبقاهم الخليفة عمر بن الخطاب عندما اخرج النصارى من الجزيرة العربية (٩) ، وربما كان ذلك بسبب كثرتهم.

__________________

(١) جواد علي : تاريخ العرب قبل الإسلام ٦ / ٢١١.

(٢) المعارف : ٦٧١ ، انظر الاعلاق النفيسة : ٢١٧ ، التوحيدي : البصائر والذخائر ٢ / ٤٥ ، ابن صاعد : طبقات الامم : ٤٣.

(٣) ابن حزم : جمهرة انساب العرب : ٤٩١.

(٤) ابن سعد : الطبقات : ٥ / ٤٨ ، وعن الجارود انظر الفصل الخامس «الفتح الإسلامي للبحرين».

(٥) اليعقوبي : التاريخ ١ / ٢٩٨.

(٦) ديوان ذي الرمة : ٢١٩.

(٧) انظر وفود عبد القيس على الرسول في الفصل الخامس «الفتح الإسلامي للحبرين».

(٨) البلاذري : فتوح ٧٨ ـ ٧٩ ، الكامل ٢ / ٢١٥ ، ياقوت ١ / ٥٠٨.

(٩) البكري : معجم ما استعجم / ١٢ (عن الخليل).

٦٦

وقد كان للنصارى في قطر مطرنة (١) ، وكانوا يسمونها بالآرامية : «بيت قطرايا» (٢) ، ويمتد سلطاتها إلى ساحة أوسع من قطر الحالية ، وكان لها عدد من الأسقفيات خاضعة لرئيس أساقفة فارس ، وكان الأزمات التي تحدث في فارس تنعكس على بيت قطرايا ، ففي سنة ٥٢٤ ـ ٥٣٧ م شملت عمليات التصفية التي قام بها الجاثليق «اليشاع» البحرين أيضا ، فقد عزل رؤساء الأساقفة المعارضين له ، وعين آخرين بدلهم ، وفي سنة ٦٤٩ ـ ٦٥٩ م امتدت الاختلافات التي وقعت في بلاد فارس في عهد «يشوعياب الثالث» إلى بيت قطرايا التي كانت حتى ذلك الوقت تتبع أسقفية فارس ، ولا سيما تسمية الأساقفة ، وقد شجع «يشوعياب» الأسقفيتين الفارسية وبيت قطرايا إلى التحرر من الحماية ، كما دعاهم إلى ذلك ، حتى أصبحتا تتمتعان بالنفوذ الكامل ، ولهما الحرية في تسمية كل واحدة منهما لأسقافتها كالهراطقة ، وقد أصبحت بيت قطرايا حرة ولها مطران (٣) ، وقد ورد اسم قطر في المجمع الذي عقده الجاثليق «يشوعياب» في سنة ٥٨٥ م للنظر في الشؤون الخاصة بنصارى البحرين ، ومنها وجوب ترك الأعمال في أيام الآحاد أن أمكنهم وإلا أعفوهم من ذلك في حالة الضرورة ، ويظهر من مجمع نسطوري آخر عقد سنة ٦٧٦ م دبّر فيه الآباء عدة أمور دينية أن بلاد البحرين كانت حافلة بالكنائس والأديرة ودعاة الدين ، وكان إذ ذاك على قطر أسقف اسمه توما (٤).

__________________

(١) العلي : محاضرات في تاريخ العرب : ١ / ١٧٠.

(٢) شيخو : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية : ١ / ٧١.

(٣) Fiey ,Le Bet ,Qatraye ,P.٠١٢.

(٤) شيخو : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية / ٧١ ، انظر جواد علي : تاريخ العرب قبل الإسلام ٦ / ٢١٢.

٦٧

وفي سنة ٦٧٦ م اجتمع الجاثليق جرجيس الأول مع رئيس الأساقفة توماس ، كما اجتمع بأساقفة دارين ، ومزون (عمان) ، وهجر ، والخط ، وقد دون مشرعوا الكنيسة كابن الطيب وأوديشو قوائم في المتنصبين ، وحددوا كذلك الجلسات الافتتاحية للهيئات ، ولكنهم لم يذكروا بيت قطرايا ، والنص الوحيد الذي ذكر مطرانية بيت قطرايا ورد في المجمع النسطوري الذي عقد برئاسة جرجيس الأول في سنة ٦٧٦ م ، ويفيد توماس أسقف المرج بأن الجاثليق جرجيس الأول قد نزل في بيت قطرايا ليجتمع بالأهالي الذين خرجوا عن الطاعة ، وتمردوا على أسقف روي ارداشير في فارس ، ويتضح من النص أن بيت قطرايا قد حصلت على استقلالها عن فارس ، وأن أحد أساقفها وهو توماس قد اغتصب لقب المطران ، إلا أن هذا اللقب غير معترف به رسميا في نصوص المحاضر لأعمال المجمع ، إلا أن رئيس الأساقفة أحب أن يستعمله ولو مرة واحدة ، مدعيا أن هذا العمل هو في خدمة السلام ، ولا نعلم فيما إذا كان هناك شخص آخر قد حمل هذا اللقب الرسمي بعد توماس ، وقد جرت هذه الحوادث في بداية القرن الثامن ، وهذا ما يعتقده البروفسور دوفلبير ، أما الأب لامينس فيرى أن ذلك كان في القرن التاسع ، هذا وأن آخر ذكر للمسيحية في عهد الجاثليق أوانيس الثالث ٨٩٣ ـ ٨٩٩ م ، وقد عامل أبو سعيد الجنابي القرمطي المسيحيين معاملة حسنة (١).

وفي قامة المطارنة التي دونها إلي (Elie) لا نجد أي اسقف في هذه المنطقة ما عدا سماهيج ، وهذا بعيد الاحتمال ، أما صلوات رسمات المطارنة التي الفها أبو حليم (١١٧٦ ـ ١١٩٠ م) فإنها تحوي على صلوات

__________________

(١) Fiey ,P.٠١٢ ـ ٢١٢.

٦٨

خاصة برسامة أساقفة بيت قطرايا (١).

إن أول أسقفية وجدت في بيت قطرايا منصوصا عليها هي أسقفية سماهيج ، ويظهر أنها أقدم أسقفية ، وقد تولى تدبير شؤونها الأسقف باطاي ، وقد عزله المجمع الكنسي الذي عقد سنة ٤١٠ م ، وعين مكانه الأسقف ايليا (Elie) ، ومن أساقفتها أيضا سركيس (Serge) سنة ٥٧٦ م ، وفي سنة ٦٤٩ ـ ٦٥٩ م كان الأسقف إبراهام أحد رؤساء المتمردين في بيت قطرايا ضد أشوايا الثالث الذي كان يحكم سماهيج ، غير أنه كان منذ زمن قريب من أسمى الأساقفة ، ولم يحضر المجمع النسطوري الذي دعا إلى عقده جرجيس الأول في دارين عام ٦٧٦ م (٢).

وكان في دارين أسقفية تأسست عام ٤١٠ م وكان أول أسقف لها (٣) ، وقد وردت أسماء أساقفة من النساطرة تولوا رعاية شؤون طائفتهم في دارين ، وهم يعقوب سنة ٥٨٥ م ، ويشوعياب سنة ٦٧٦ م (٤).

وفي سنة ٦٧٦ م دعا جرجيس الأول إلى عقد مجمع نسطوري ليضع حدا للنزاع القائم في بيت قطرايا على عرش البطريركية ، وكان يشوعياب يومئذ أسقفا على دارين ، وفي مجمع الأساقفة ورد ذكر موضع Toduru مع دارين والتي يعتقد أنها جزيرة تاروت (٥).

__________________

(١) Op.cit.,P.٢١٢.

(٢) Fiey ,P.٢١٢ ـ ٣١٢ ، انظر شيخو : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية : ١ / ٧١ ، جواد علي : تاريخ العرب قبل الإسلام : ٦ / ٦٧ ، ٢١٢.

(٣) Fiey ,P.٣١٢.

(٤) شيخو : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ١ / ٧١ ، جواد علي ٦ / ٦٧ ، ٢١٢.

(٥) Fiey ,P.٤١٢.

٦٩

وفي هجر أسقفية ورد ذكرها لأول مرة في المجمع النسطوري الذي عقد سنة ٥٧٦ م وقد حضره إسحاق أسقف هجر والخط (بيت أردشير) (١) ، كما ذكر اسم اسقف يدعى «فوسي» اشترك في مجمع ٦٧٦ م وكان أسقفا على هجر ، أما أسقفية الخط فإنها تأسست سنة ٥٧٦ ـ ٦٧٦ م وقد ادمجت في البداية مع أسقفية هجر تحت رئاسة أسقف واحد هو إسحاق كما مر سابقا ، وفي مجمع جرجيس الأول عام ٦٧٦ م نجد إلى جانب أسقف هجر شاهين أسقف الخط (٢).

إن ورود أسماء هؤلاء الأساقفة في مجامع الكنيسة النسطورية ، ووجود الكنائس يدل على وجود اتباع لهذا المذهب في المناطق الآنفة الذكر ، ويدل أيضا على أن النصرانية قد بقيت في البحرين حتى بعد الإسلام ، وأنهم لا زالوا يزاولون طقوسهم ويدبرون أمورهم الدينية بحرية تامة في ظل الإسلام.

اليهودية :

تسربت اليهودية إلى البحرين من الخارج ، عن طريق التجارة والهجرة (٣) ، ولا نعلم زمن دخولها أو تطورها ، والديانة اليهودية قومية غير تبشيرية ، وصلبة شديدة الطقوس (٤) ، فلم تنتشر بين العرب إلا بنطاق ضيق جدا ، وقد بقي اليهود مقيمين في البحرين بعد الإسلام

__________________

(١) Fiey ,P.٤١٢ ـ ٨١٢ ، انظر شيخو : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ١ / ٧١ ، جواد علي : ٦ / ٢١٢.

(٢) Fiey ,P.٨١٢ ، انظر شيخو النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ١ / ٧١ ، جواد علي : ٦ / ٦٧ ، ٢١٢.

(٣) جواد علي : تاريخ العرب قبل الإسلام ٦ / ٥٥.

(٤) العلي : محاضرات في تاريخ العرب : ١ / ١٧١.

٧٠

يدفعون الجزية (١) ، وأبقاهم الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما أخن اليهود من جزيرة العرب (٢) ، ويذكر بنيامين التطيلي في رحلته عام ٥٦٩ ه‍ أن في القطيف نحو خمسة آلاف يهودي (٣) ، وهي مبالغة ظاهرة. ويظهر أنه لم يكن لليهود في البحرين قبل الإسلام أثر واضح مهم ، فلم يتجاوز محيط التجارة والاتجار ، ومنهم ابن يامن ، وهو يهودي من أهل هجر وكان يمتلك عددا من السفن التي تبحر في الخليج العربي (٤) ، قال طرفة بن العبد في معلقته (٥) :

عدولية أو من سفين ابن يامن

يجور بها الملاح طورا ويهتدى

وكان يمتلك أيضا النخيل (٦) ، أما بعد الإسلام فيبدوا أنهم بقوا يعملون في التجارة والزراعة.

المجوسية :

يذكر البلاذري وجود بيت نار للمجوس في البحرين ولكنه لا يحدد موضعه (٧) ، وقد أخذ الرسول الجزية من مجوس هجر على أن

__________________

(١) البلاذري : فتوح / ٧٨ ـ ٧٩ ، الكامل ٢ / ٢١٥ ، ياقوت : ١ / ٥٠٨.

(٢) البكري : معجم ما استعجم / ١٢.

(٣) بنيامين التطيلي : الرحلة / ١٦٤.

(٤) ديوان امرىء القيس : ٥٧ (رواية الاصمعي) ، ابن الانباري : شرح القصائد السبع / ١٣٧ ، الزوزني : شرح المعلقات السبع / ٨٣ ، معجم ما استعجم ١٢٣٣ ، التبريزي : شرح القصائد العشر / ٣١ ، انظر العلي : التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري : ٢٤٧ (الطبعة الاولى).

(٥) ابن الانباري : شرح القصائد السبع (١٣٧ ، الزوزني : شرح المعلقات السبع ٨٣ ، التبريزي : شرح القصائد العشر / ٣٠.

(٦) ديوان امرىء القيس : ٥٧ (رواية الاصمعي).

(٧) البلاذري : فتوح البلدان / ٧٩.

٧١

لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم (١) ، ولا بد أن معظم معتنقي هذه الديانة من الفرس المقيمين في البحرين ، أما انتشارها بين العرب فتذكر المصادر دخول نفر من تميم فيها ، فقد تمجس زرارة بن عدس ، وابنه حاجب ، والأقرع بن حابس ، وأبو سود جد وكيع بن حسان (٢) ، وقيل لقيط بن زرارة (٣) ، ولا ريب أن عددهم قليل جدا ، وقد تمجس هؤلاء باتصالهم الفرس ، وباحتكاكهم بهم ، وفي دخول هذا النفر من العرب في المجوسية شك ، وربما يكون تزويرا من خصومهم. إن قلة انتشار المجوسية بين العرب ربما يعود إلى أنها ديانة قومية غير تبشيرية (٤) ، وإلى طبيعة الديانة المجوسية فهي تتعارض مع أخلاق العرب وعاداتهم وتقاليدهم ، وخاصة لما تحله من المحارم.

وقد بقي المجوس في البحرين بعد الإسلام ، يؤدون الجزية ثم انقرضت المجوسية في البحرين ولم نعد نسمع عن بيوت النار شيئا ، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها إنها ديانة عديمة الجذور في البحرين ، غريبة عن السكان ، ولم يعتقدها العرب ، ومنها ارتباطها مصيريا بالفرس المقيمين في البحرين ، وهؤلاء أسلم بعضهم ، والبعض الآخر قتل بسبب تمردهم (٥).

__________________

(١) ابو يوسف : الخراج / ٦٧ ، ١٢٩ ـ ١٣١ ، ٢٠٦ ، الشافعي : الرسالة ٤٣٠ ـ ٤٢٩ ، أبو عبيد : الاموال / ٣١ ـ ٣٣ ، ابن سعد : ١ ق ٢ / ١٩ ، ابن حنبل : المسند : ١ / ١٩١ ، البلاذري : فتوح / ٧١ ، ٧٩ ، ٨٠ ، انساب الاشراف ج ٧. ورقة ٨ ب البيهقي : السنن : ٩ / ١٩٢.

(٢) ابن قتيبة : المعارف / ٦٢١ ، انظر ابن رستة : الاعلاق النفيسة / ٢١٧ ، المطهر القدسي : البدء والتاريخ : ٤ / ٣١ ، التوحيدي : البصائر والذخائر ٢ / ٤٥.

(٣) ابن حزم : جمهرة انساب العرب : ٤٩١ ، الكامل : ١ / ٥٨٧.

(٤) جواد علي : تاريخ العرب قبل الإسلام : ٦ / ٢٨٧.

(٥) انظر الجالية الفارسية في البحرين في الفصل الثاني «السكان».

٧٢

الديانة الأسبذية (عبادة المخيلي):

واسمها مشتق من الأسب أي الفرس أو الحصان ، وهو يدل على إنها فارسية (١) ، وإن كنا لا نعلم تفاصيل هذا الدين أو ممن أخذ ، إذ لم يعرف عن العرب أنهم عبدوا الحصان (٢).

وكان يدين بها بنو عبد الله بن دارم من تميم فنسبوا إليها ، ومنهم المنذر بن ساوي ، وفي رواية أخرى أنهم نسبوا إلى قرية أسبذ (٣).

ويذكر أبو عمرو أن الأسابذ قوم من الفرس كانوا مسلمة المشقر ومنهم المنذر بن ساوى (٤) ، ويذكر أبو عبيدة أن اسبذ قائد فارسي لكسرى على البحرين ، قال طرفة بن العبد (٥) :

خذوا حذركم أهل المشقر والصفا

عبيد أسبذ والقرض يجزي من القرض

ويروى عن ابن عباس أنه قال : «جاء رجل من الأسبذيين من أهل البحرين وهم مجوس أهل هجر ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمكث

__________________

(١) ابو عبيد : الاموال / ٢١ ، البلاذري / فتوح / ٧٨ ، الزمخشري : الفائق في غريب الحديث ١ / ٣١ ، ابن الاثير / النهاية في غريب الحديث ١ / ٣٠ ـ ٣١ ، الجواليقي : المعرب / ٣٩ ، ياقوت : ١ / ٢٣٧.

(٢) العلي : محاضرات في تاريخ العرب ١ / ١٧١.

(٣) أبو عبيد : الاموال / ٢١ ، فتوح / ٧٨ ، ياقوت ١ / ٢٣٧ (عن ابن الكلبي).

(٤) فتوح : ٧٨ ، ابن حزم : جمهرة انساب العرب / ٢٣٢ ، ياقوت ١ / ٢٣٧ (عن ابن الكلبي) وعن الهيثم بن عدى انما قيل لهم الاسبذيون أي الجماع ياقوت ١ / ٢٣٧.

(٥) الجواليقي : المعرب / ٣٨. وفي ياقوت : ١ / ٢٣٨ في تفسير قول طرفه «قال ابو عمرو الشيباني ... اسبذ اسم ملك كان من الفرس ملكة كسرى على البحرين ، فاستعبدهم وآذلهم ، وإنما اسمه بالفارسية «اسبيدويه» أي الابيض الوجه فسرّب فنسب العرب أهل البحرين إلى هذا الملك على جهة الذم فليس يختص بقوم دون قوم».

٧٣

عنده ثم خرج فسألته ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال شرا ، قلت صه؟ قال الإسلام أو القتل ـ قال وقال عبد الرحمن بنم عوف قبل منهم الجزية ـ قال ابن عباس وأخذ الناس بقول عبد الرحمن بن عوف وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي» (١).

الراجح أن الأسبذيين من بني عبد الله بن دارم نسبوا إلى عبادة الفرس ، وليس إلى قرية أسبذ ، لأن مساكنهم ليست أسبذ فقط ، وإنما استقروا أيضا في مناطق أخرى من البحرين (٢).

إن اعتناق بني عبد الله بن دارم الأسبذية ربما قلل من مكانتهم بالنسبة للعشائر العربية القاطنة في البحرين ، ونسب العرب بني دارم إلى هذه الديانة قد يكون من باب الذم لأن هذه الديانة غريبة عن العرب ، إذ لم يعرف عنهم أنهم عبدوا حيوانا قط ، ولكن ربما يكون اعتناقهم هذا الدين قد رفع من مكانتهم بالنسبة إلى الفرس ، إذ ملكوهم على البحرين ، وكان منهم المنذر بن ساوى الذي أسلم في عهد الرسول (٣).

__________________

(١) البيهقي : السنن ٩ / ١٩٠ ، وفي الجواليقي : المعرب / ٤٠ ـ ٤١ بنفس السند ، رأيت رجلا من الاسبذيين ضرب من المجوس من أهل البحرين جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل ثم خرج قلت : ما قضى فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال الإسلام أو القتل» ..

(٢) عن مساكن بني دارم انظر الفصل الثاني (السكان ـ تميم).

(٣) عن إسلام المنذر بن ساوى انظر الفصل الخامس.

٧٤

الفصل الثالث

المدن والقرى

مدن البحرين :

ذكرت المصادر عددا من المدن في البحرين في العهود الإسلامية الأولى منها :

هجر :

مدينة داخلية بعيدة عن الساحل (١) ، وهي أهم مدينة في اقليم البحرين حتى سماه بعض المؤلفين باسمها (٢) ، ذكر الهمداني إنها مدينة البحرين العظمى (٣) ، ووصفها ابن حوقل بأنها أكبر أعمال البحرين

__________________

(١) في البكري / المساكل والممالك ، ورقة ٢١٨ : تبعد هجر ١٢ فرسخا عن الساحل ، والراجح أنه غير صحيح ، لأن الإحساء القريبة منها تبعد سبعة فراسخ عن الساحل كما ذكر ناصري حسرو في سفرنامة / ص ٩٤.

(٢) المقدسي / أحسن التقاسيم / ٧١ ، ياقوت / ٤ / ٩٥٣ ، المشترك / ٤٣٨ ، شيخ الربوة / نخبة الدهر / ٢٢٠ ، أبو الفدا / تقويم البلدان / ٩٩ ، مرراصد الاطلاع / ٣ / ٣٠٧ ، ابن خلدون / ٢ / ٦٢٢ ، القاموس المحيط / ٢ / ١٥٨ ، القلقشندي / صبح الاعشى / ٥ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٣) الهمداني / صفة جزيرة العرب / ١٣٦ ، انظر الاصطخري / مسالك الممالك / ١٩ ، الاقاليم / ١٠ ، ابن الفقيه / البلدان / ٣٠.

٧٥

ومدنها (١) ، وكانت عند ظهور الإسلام وفي صدره قاعدة البحرين وقصبتها (٢) ، وكان يقيم فيها مرزبان فارسي ، وكان مرزبانها عند ظهور الإسلام اسيبخت بن عبد الله (٣) ، وكانت هجر مركزا تجاريا مهما ، وفيها إحدى أسواق العرب السنوية قبل الإسلام (٤) ، وقد نزل الحطم بن ضبيعة هجر عند ردته عام ١١ ه‍ (٥) ، فقاتله العلاء بن الحضرمي فيها (٦) ، وكان فيها في القرن الثالث الهجري على ما يقول الحربي : «منبران عظيمان بينهما فراسخ ، أحدهما في مملكة ابن عياش من عبد القيس ومنزله فخم أهجر ، والآخر في مملكة موسى بن عمران بن الرجاف وهو بجبلة وساكنها عبد القيس» (٧). وفي أوائل القرن الرابع الميلادي (٨) ، غزا عرب البحرين وبلاد عبد القيس وكاظمة وهجر

__________________

(١) ابن حوقل / صورة الأرض / ٣١ ، انظر البكري / معجم ما استعجم / ١٣٤٦.

(٢) المنجم / آكام المرجان / ١١ ، ياقوت / ٤ / ٩٥٣ ـ ٩٥٤ ، انظر القزويني / آثار البلاد / ٢٨٠ ، ابن سعيد المغربي / بسط الأرض / ٥٢ ، مراصد الإطلاع / ٣ / ٣٠٧ ، القلقشندي / نهاية الأرب في معرفة انساب العرب / ١٨.

(٣) عن معنى المرزبان ، واسيبخت انظر الفصل السادس (الادارة).

(٤) عن سوق هجر انظر الفصل الرابع (الحياة الاقتصادية).

(٥) الطبري ١ / ق ٤ / ١٩٦١ ، وانظر الكامل : ٢ / ٣٦٨ ، الاغاني ، ١٤ / ٤٥ ، وفي ابن خلدون : ٢ / ٨٨٢ نزل بين القطيف وهجر.

(٦) الطبري : ١ / ق ٤ / ١٩٦٧ ، وانظر الكامل : ٢ / ٣٧٠ ، ابن خلدون : ٢ / ٨٨٣ ، الاغاني : ١٤ / ٤٦.

(٧) الحربي : المناسك / ٦٢٠ ، وابن عياش : هو عياش بن سعيد رئيس بني محارب حاكم هجر قبل احتلالها من قبل القرامطة. انظر : المسعودي : التنبيه والاشراف / ٣٩٤ ، ديوان ابن مقرب / ٦٣٩ هامش «في هامش ه» ، شرح ديوان ابن مقرب نقلا عن الاحسائي : تحفة المستفيد ١ / ٢٥٦ ، وعبارة (معجم اهجر) كذا وردت في النص. الحربي : المناسك / ٦٢٠ ، هامش حمد الجاسر.

(٨) دائرة المعارف الإسلامية : ٤ / ٤٣ «الترجمة العربية».

٧٦

السواحل الإيرانية المقابلة لهم ، وسيطروا على ابرشهر ، وسواحل اردشيرخرة (١) ، وأسياف فارس ، واستولوا على الأرض والمواشي والنخيل ، وذلك لضيق معاشهم وللضنك الذي حل بهم في عهد سابور ذي الاسكتاف (٢) (سابور الثاني) منتهزين فرصة اضطراب الأمن في فارس ، وضعف الحكومة بسبب صغر سن الملك (٣) ، ويروى الطبري أن العرب بقوا في فارس إلى أن كبر سابور فجمع جموعه وسار بها إلى الغازين من العرب ففتك بهم ، وأسر منهم خلقا كثيرا ، ثم عبر البحر فورد الخط واستقرى البحرين يقتل أهلها ، ثم سار إلى هجر وبها أناس من اعراب تميم وبكر بن وائل وعبد القيس فسفك دماءهم ، ثم عطف على بلاد عبد القيس فأباد أهلها إلا من هرب منهم إلى الرمال ، ثم أتى اليمامة فحل بها ما حل ببلاد عبد القيس ، وكان لا يمر في طريقه إلا طمّه ، حتى وصل قرب المدينة فقتل من وجد هناك من العرب وأسر ، ثم عطف نحو بلاد بكر وتغلب فيما بين مملكة فارس ومناظر الروم بأرض الشام فقتل وسبى وطم مياههم ، واسكن من بني تغلب من البحرين دارين وسماهيج والخط ، ومن كان من عبد القيس وطوائف من تميم هجر ، ومن كان من بكر بن وائل كرمان وهم الذين يدعون بكر أبان ، ومن كان منهم من بني حنظلة

__________________

(١) اردشير خرة : كورة فارسية قديمة أكثرها يمتد على البحر وعاصمتها سيراف ، انظر : ياقوت : ١ / ١٩٩.

(٢) سمته العرب بذلك لأنه كان ينزع اكتاف رؤسائهم. الطبري : ١ / ق ٢ / ٨٤٣ ـ ٨٤٤.

(٣) ابن قتيبة : المعارف / ٦٥٦ ، النويري : نهاية الإرب ١٥ / ١٧٢ ، الدينوري : الاخبار الطوال / ٤٨ ، الطبري : ١ / ق ٢ / ٨٣٦ ، الثعالبي : غرر السير / ٥١٤ ـ ٥١٥ ، الكامل : ١ / ٣٩٢ ، ابن خلدون : ٢ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨.

٧٧

بالرميلة من الأهواز (١) ، وقد تأثر عرب الشام بما فعله سابور ، فاتفقوا مع الروم وانتقموا منه (٢) ، ولكن سابور بعد انتصاره على الروم عاد فاتبع سياسة استرضاء العرب ، فاستصلحهم واسكن بعض قبائل تغلب وعبد القيس وبكر بن وائل كرمان وتوج والأهواز (٣) ، وذلك حوالي عام ٣٥٠ م (٤).

وفي حديث الإخباريين عن حملة سابور على بلاد العرب ووصوله إلى مقربة من المدينة ، وعن تنكيله بالعرب ، وحرقه المدن ، وطمه المياه مبالغ فيها ولا شك ، أخذت من موارد فارسية بولغ فيها ، وليس في روايات المؤرخين الروم عن هذا الحادث ما يؤيد هذا الزعم (٥) ، ثم أن الإسكان الإجباري في أرض بعيدة عن الوطن الأم ليس نوعا من الاستصلاح أو الاسترضاء.

يتبين مما مرّ أن هجر قاعدة تجارية ذات علاقة بالساحل الشرقي للخليج العربي الذي كان العرب يردونه وربما استوطنوه. وقد درست

__________________

(١) الطبري : ١ / ق ٢ / ٨٣٦ ـ ٨٣٩ ، وانظر المسعودي : مروج الذهب / ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٦ ، الثعالبي : غرر السير / ٥١٧ ـ ٥٢١ ، الكامل : ١ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣ ، ابن الوردي : تاريخ ابن الوردي ١ / ٤١ ـ ٤٢ ، ابن خلدون : ٢ / ٢٤٧ ـ ٣٤٨ ، ابن قتيبة : المعارف / ٦٥٧ ، النويري : نهاية الارب ١٥ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٢) الطبري : ١ / ذ ٢ / ٨٤٠ ـ ٨٤٢.

(٣) الطبري : ١ / ق ٢ / ٨٤٥ ، وفي الثعالبي : غرر السير / ٥٢٩ واستصلح العرب فاسكن كلا من سباهم ما يوافق بلادهم نم الارضين ، فاسكن بني تغلب دارين ، وعبد القيس وقبائل من تميم هجر ، ووكر بن وائل كرمان ، وبني حنظلة توج من كور فارس ، واسكن وجوههم مدينتها لمسماة فيروز سابور».

(٤) دائرة المعارف الإسلامية : ٤ / ٤٣ «الترجمة العربية».

(٥) جواد علي : تاريخ العرب قبل الإسلام ٤ / ٣٠٢.

٧٨

هجر ، وموقعها اليوم هو مدينة الهفوف الحالية (١).

وفي منطقة هجر عدد من القرى تابعة لها منها طريبيل (٢) ، وهي اليوم قرية عامرة قريبة من الهفوف ، ويعتمد سكانها على الزراعة ، ولها سوق يعقد مرة في كل أسبوع (٣). ومن قرى هجر أيضا اسبذ (٤) ، والسعايم (٥) ، والجريب (٦) ، والوجير (٧) ، والبدى (٨).

المشقر :

وهو حصن هجر (٩) ، يقع شمالها وعلى مقربة منها (١٠) ، وقد وصفه ابن الأعرابي بأنه «مدينة عظيمة قديمة ، في وسط قلعة ، على

__________________

(١) دائرة معارف البستاني : ٧ / ١٨٧ ، الهمداني : صفة جزيرة العرب / ٣٢٢ تعليق ابن بليهد ، الدباغ : جزيرة العرب ١ / ١٨٢ ، قطر ماضيها وحاضرها : ١ / ١٦١ (هامش).

(٢) ياقوت : ٣ / ٥٤٣ ، مراصد الإطلاع : ٢ / ٢٠٣.

(٣) ابن بليهد : صحيح الاخبار ٥ / ٢٣٦ ، الاحسائي : تحفة المستفيد ١ / ١٩.

(٤) البلاذري : فتوح البلدان ، ٧٨ ، ابن حزم : جمهرة انساب العرب / ٢٣٢ ، ياقوت :

١ / ٢٣٧ ، وفي الجواليقي : المعرب / ٣٩ : «انها مدينة بهجر معربة».

(٥) ياقوت : ٣ / ٩١ ، وقد وصفنا بانها نخيل مما يلي السهلة.

(٦) ن. م : ٢ / ٦٧.

(٧) ابن الفقيه : البلدان / ٣١. وذكرها ياقوت باسم وجر (٤ / ٠٥.

(٨) ياقوت : ١ / ٥٢٨ ، وانظر مراصد الاطلاع : ١ / ١٣٤.

(٩) ديوان الفرزدق : ١ / ١٣٠ ، ١٤٤ (رواية السكري بسند عن ابي عبيدة) ، وانظر الطوسي : شرح ديوان لبيد / ٥٦ ، ابن دريد : جمهرة اللغة ٢ / ٣٤٦ ، الاشتقاق : ١ / ١٩٧ ، الاصفهاني : الاغاني ١٦ / ٧٦ ، الازهري : تهذيب اللغة ١٨ / ٣١٤ ، الجوهري : الصحاح ٢ / ٧٠٢ ، الميداني : مجمع الامثال ٢ / ٣٩٩ ، الطبري : ١ / ق ٢ / ٩٥٨ ، الهمداني : صفة جزيرة العرب / ١٧٨ ، الزمخشري : الجبال والامكنة والمياة / ٨٥ ، ياقوت : ٤ / ٥٤١ ، القزويني : آثار البلاد / ١١٠ ـ ١١١ ، مراصد الاطلاع : ٣ / ١٠٥.

(١٠) ياقوت : ٤ / ٥٤١ ، وانظر آثار البلاد : ١١٠ ـ ١١١ ، مراصد الاطلاع : ٣ / ١٠٥.

٧٩

قارة تسمى عطالة ، وفي أعلاها بئر تثقب القارة حتى تنتهي إلى الأرض ، وتذهب في الأرض ، وماء هجر يتحلب إلى هذه البئر في زيادتها» (١) ، ويبدو أن المشقر كان مركزا إداريا ، وكان فيه المسجد الجامع (٢) ، وكان من المراكز التجارية المهمة ، وكان فيه إحدى أسواق العرب السنوية قبل الإسلام (٣) ، وقد حدثت فيه إحدى المعارك بين العرب والفرس ، وهي يوم المشقر (الصفقة) الذي ادخل فيه المعكبر (٤) الفارسي بني تميم الحصن وقتلوا فيه ، وذلك بسبب اعتدائهم على أموال مرسله إلى كسرى من اليمن (٥) ، بعد ظهور الدعوة الإسلامية في مكة ، وقبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة (٦). وقد اندرس المشقر فلا يعرف موضعه اليوم (٧).

الصفا :

حصن قرب المشقر (٨) ، وهي مدينة مهمة حيث كانت قصبة

__________________

(١) البكري : معجم ما استعجم / ١٢٣٣ ، وانظر الميداني : مجمع الأمثال ٢ / ١٣٦.

(٢) ابن الفقيه : البلدان / ٣٠ ، وانظر ياقوت : ٤ / ٥٤١ ، مراصد الاطلاع : ٣ / ١٠٥.

(٣) عن سوق المشقر انظر فصل (الحياة الاقتصادية ـ التجارة).

(٤) انظر المكعبر في الفصل السادس «مرزبان الزارة».

(٥) ديوان الفرزدق : ١ / ١٣٨ ـ ١٤٦ ، النقائض : ١ / ١٤٩ ، ابن عبد ربه : العقد الفريد ٥ / ٢٢٤ ، الاغاني : ١٦ / ٧٥ ـ ٧٧ ، ابن رشيق : العمدة / ١ / ٢٠٦ ، الميداني : مجمع الأمثال ٢ / ١٣٦ و٣٩٩ ، الزمخشري : المستقصى في أمثال العرب ٢ / ٢٠٢ ، الطبري : ١ / ق ٢ / ٩٨٤ ـ ٩٨٧ ، حمزة الاصفهاني : تاريخ سني ملوك الارض والانبياء / ١١٦ و١١٩ ، الكامل : ١ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩ و٦٢٠ ـ ٦٢١ ، ابن خلدون : ٢ / ٣٦٠ ، ياقوت : ٤ / ٧٩١ ـ ٧٩٢ ، آثار البلاد : ١١٠ ـ ١١١.

(٦) ابن الأثير : الكامل ١ / ٦٢١ ، وانظر جرجي زيدان : العرب قبل الاسلام / ٢٥٦.

(٧) ابن بليهد : صحيح الاخبار ١ / ٥٩ ، الاحسائي : تحفية المستفيد ١ / ٢٨.

(٨) الطبري : ١ / ق ٢ / ٩٨٥ ، ياقوت : ٣ / ٣٩٨ ، المشترك : ٢٨٤ ، مراصد الاطلاع : ٢ / ١٥٩ و٣ / ١٠٥.

٨٠