البحرين في صدر الإسلام

الدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني

البحرين في صدر الإسلام

المؤلف:

الدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٨

وأوال والزرقاء (١) ، ولعل هذه الخلافات تعود إلى نقص في أصول الكتب المطبوعة ، وأخطاء في الطبع ، وإلى تبدل أحوال البحرين.

لقد اقتصرت المصادر على تعداد هذه الأماكن دون الإشارة إلى أصنافها الإدارية وعلاقتها مع بعضها ، ما عدا المقدسي الذي ذكر أن الإحساء قصبة هجر (٢).

لقد ذكرت بعض المصادر منابر في البحرين ، وفي أماكن أخرى من جزيرة العرب ، ولا ريب أن المقصود بالمنبر المكان الذي تقام فيه الجمعة ، ويتفق الفقهاء على أن من شريطة وجوده وجود مجتمع مقيم ذو عدد كاف ، ويرى البعض ضرورة وجود وال فيه دون أن يعينوا مكان ذلك الوالي (٣) ، فيذكر الحربي أن «بهجر منبران عظيمان بينهما فراسخ أحدهما في مملكة ابن عياش من عبد القيس نحم اهجر والآخر في مملكة موسى بن عمران بن الرجاف وهو بجبلة وساكنها عبد القيس» (٤) ، وبالعقير منبر لنبي الرجاف من عبد القيس ، وفي ثاج منبر ، وفي القليعة منبر (٥) ، وفي يبرين منبران (٦) ، وفي القطيف منبر (٧). واضح من سياق كلام المؤلف أنه يقصد بها هنا المواضع

__________________

(١) أحسن التقاسيم / ٧١.

(٢) أحسن التقاسيم / ٧١.

(٣) العلي / إدارة الحجاز / ٨ «محاضرات ألقيت على طلبة ماجستير التاريخ الإسلامي لسنة ١٩٦٨ ـ ١٩٦٩.

(٤) المناسك / ٦٢١.

(٥) المناسك / ٦٢٠ ـ ٦٢١.

(٦) ن. م. / ٦٢١ ، انظر أيضا ياقوت / ٤ / ١٠٠٥ ـ ١٠٠٦ ، مراصد الاطلاع / ٣ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ، تاج العروس / ٣ / ٦٢٥.

(٧) ديوان الفرزدق / ١ / ٥١.

١٦١

التي فيها الولاة ، غير أنه لا يحدد فيما إذا كانت هذه الأماكن وحدات إدارية كل منها تتبع القصبة هجر أم أن بعضها وحدات إدارية صغرى تتبع وحدة أكبر متصلة بهجر ، والواقع أنه ليس في المعلومات المتجمعة من قوائم الجغرافيين ما يثبت أن كافة الأماكن التي ذكرها الحربي كانت مراكز إدارية ، إذ أنها لا تعتبر ثاج والقليعة ويبرين مراكز إدارية.

ومن التعابير الإدارية التي استعملتها بعض المصادر والتي قد تدل على التقسيمات الإدارية «المسجد الجامع» يقول ابن الفقيه «والمسجد الجامع في المشقر» (١) ، وروي عن ابن عباس أنه قال «أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثا من البحرين» (٢).

ذكرت المصادر أسماء ولاة البحرين ، وقد جمعتها في الملحق الثاني غير أنها لم تذكر أسماء ولاة الأقسام الإدارية ، ولا بد أن سلطات هؤلاء كانت محدودة ، وأنهم كانوا يرتبطون بوالي البحرين ويخضعون له ، إذ كان يتولى أمر تعيينهم ، كما أنه لم يرد في الأخبار شيء عن تنظيمات البدو والعشائر ، ويبدو أنهم احتفظوا بتنظيماتهم القبلية ، وأنهم كانوا يخضعون لشيوخهم ورؤسائهم ، وأن سلطة الوالي عليهم كانت ضعيفة محدودة.

__________________

(١) مختصر كتاب البلدان / ٣٠ ، انظر ياقوت / ٤ / ٥٤١ ، مراصد الاطلاع / ٣ / ١٠٥.

(٢) البخاري / الجامع الصحيح / ٣ / ١٦٥ ، انظر أبو داود / السنن / ١ / ٢٦٤.

١٦٢

الفصل السابع

الخوارج في البحرين

يربط المؤرخون نشأة الخوارج بحادثة التحكيم في حرب صفين ، فالخوارج في أصل نشأتهم هم الذين خرجوا على الإمام علي (رض) عند قبوله التحكيم في صفين وهم لا يقرون بالتحكيم القائم على المناقشات النظرية (١) ، وقد اتخذوا شعارهم «لا حكم إلا لله» ، وقد حاول الإمام علي إقناعهم بصحة عمله ولما لم يفلح في ذلك قاتلهم في النهروان وقتل منهم عددا كبيرا (٢) ، ولكنه لم يقض على حركتهم ،

__________________

(١) لقد بحث نشأة الخوارج عدد كبير من المؤلفين القدماء والمحدثين ، راجع مثلا ولهاوزن : الخوارج والشيعة ١ ـ ٣١ ، ترجمة عبد الرحمن بدوي ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ١٩٥٨.

وكولدزيهر : العقيدة والشريعة في الإسلام : ١٧٠ ، ترجمة محمد يوسف وآخرون ، دار الكتاب العربي ، القاهرة ١٩٤٦.

قلماوي : أدب الخوارج في العصر الأموي : ٢ ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ١٩٤٥.

عرفان عبد الحميد : دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية : ٦٦ ـ ٧٦ ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ١٩٦٧ ، ولم أفصل في نشأتهم لأنها خارجة عن نطاق دراستي.

(٢) المبرد : الكامل في اللغة والأدب والنحو والتصريف : ٣ / ٨٩٢ ـ ٨٩٣ ، ٩١٠ ـ ٩١٢ ، ٩١٦ ـ ٩١٧ ، ٩٢٥ ، ٩٣٨ ، ٩٤٢ ـ ٩٤٥ ، تحقيق زكي مبارك ، مطبعة

١٦٣

وقد قام أحد رجالهم باغتياله (١).

وقد أدّى تأييد أهل الكوفة للإمام علي ومناصرتهم العلوية ، وكذلك تضييق الولاة الأمويين عليهم إلى ضعف حركتهم في الكوفة ، وقد حاولوا اتخاذ البصرة مركزا لهم غير أنهم لم يحضوا بنجاج كبير بسبب تطرفهم ولأنّ أهل البصرة أخذوا يعتمدون في حياتهم على التجارة والحياة الاقتصادية التي تتطلب الاستقرار والهدوء ، ولذلك كان أهل البصرة مؤيدين للدولة الأموية ، وقد أتاح ذلك للولاة الأمويين استعمال الشدة لقمع حركات الخوارج في البصرة (٢).

ولما حدثت الفتنة على أثر وفاة يزيد بن معاوية ، وانقسم العالم الإسلامي نشط الخوارج من جديد ، وحاولوا الاتصال بابن الزبير ومناصرته ، ثم اختلفوا معه وتبرأوا منه وانصرفوا عنه ، فذهب جماعة منهم إلى البصرة واختاروا نافعا بن الأزرق رئيسا لهم ، وذهب سالم بن مطر مولى (٣) بني زمان بن مالك بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، وأبو فديك عبد الله بن ثور بن قيس بن ثعلبة ، وعطية بن الأسود الحنفي إلى اليمامة (٤).

__________________

مصطفى البابي الحلبي وألاده ، مصر ١٩٣٧. والطبري : ١ / ق ٦ / ٣٣٦٠ وما بعدها.

(١) المبرد : الكامل في اللغة : ٣ / ٩٢٦ ـ ٩٢٩. والطبري : ١ / ق ٦ / ٣٤٥٦ وما بعدها.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ، ج ٤ ورقة ٢٥ ب ، ٢٦ أ، مخطوطة مصورة في مكتبة معهد الدراسات الإسلامية العليا ـ الملغى ـ برقم ١٦٣٤ ـ ١٦٤٤.

المبرد : الكامل في اللغة ، ٣ / ٩٨٥ ـ ٩٩٠ ، ٩٩٤ ـ ٩٩٧ ، ١٠٠١ ، ١٠٠٤ ، ١٠٠٧ ، ١٠١٧ ـ ١٠٢٠.

(٣) في بعض الروايات أنه من بني زمان وليس مولاهم. أنساب الأشراف : ج ٤ ، ق ٢ / ٩٥. وابن الأثير : الكامل ٤ / ١٦٧.

(٤) أنساب الأشراف : ج ٤ ، ق ٢ / ٩٥ ـ ٩٦ ، ج ٦ ، ورقة ١٥ ب ، الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول / ١٢٦. الطبري : ٢ / ق ١ / ٤٢٥ ، ٥١٣ ـ ٥١٧.

١٦٤

ولا بد أن هؤلاء الخوارج اختاروا اليمامة لإدراكهم بأن الأوضاع في اليمامة تلائم مجيء الخوارج إليها وإن لهم فيها من يسندهم ويعطف عليهم ، ولعل للشعور القبلي أثر في ذلك وأنهم من عشائر اليمامة.

في سنة ٦٥ ه‍ اختار خوارج اليمامة أبا طالوت رئيسا لهم على أن يكون لهم حق إبداله ومبايعة من هو أفضل منه عندما يجدون ذلك (١). وقد استولى أبو طالوت على الخضارم في اليمامة ـ وكانت في الأصل لبني حنيفة ثم أخذها معاوية بن أبي سفيان وجعل فيها أربعة آلاف من الرقيق وأسرهم ـ وقد وزع أبو طالوت العبيد على أتباعه ، فكان في عمله هذا يناقض مبدأ المساواة الذي نادي به الخوارج ويظهر أن المساواة التي يدّعونها تقتصر على الأحرار دون العبيد ، وقد أقام أبو طالوت أشهرا ازداد خلالها عدد أتباعه (٢) ، ولا بد أن يكون بعضهم من الأعراب الذين انضموا إليه طمعا في الغنائم ، والبعض الآخر من بكر وحنيفة ، وقد أيدوا الخوارج بسبب العصبية القبلية ، وسخطهم على الحكم الأموي ، ولأن طبيعة الخوارج تنسجم مع روح البداوة التي تمجد القتال.

ولما خرج نافع بن الأزرق وأتباعه من البصرة إلى الأهواز سنة

__________________

ابن الأثير : الكامل ٤ / ١٢٣ ، ١٦٥ ـ ١٦٧. الذهبي : تاريخ الإسلام ٢ / ٣٦٧. المبرد : الكامل في اللغة ٣ / ١٠٢١ ـ ١٠٣٠.

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. وانظر الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١١٦.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٢٦ ـ ١٢٧. ابن الأثير : الكامل ٤ / ٢٠١ ، ابن خلدون : ٣ / ٣١٣. ياقوت : ٢ / ٤٥٠.

١٦٥

٦٤ ه‍ ، تبنى آراء متطرفة منها أن التقية غير جائزة مستدلا بقوله تعالى : (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً)(١) ، وأن مخالفيهم مشركين كفرة لا تحل مناكحتهم وموارثتهم ، أو أكل ذبائحهم ، ولا يجب ردّ أماناتهم ، وأباح قتل نساء وأطفال من لم يعتنق مذهبهم ، واكفر القعدة منهم ، وامتحن المهاجر إليه ، غير أن هذه الآراء المتطرفة لم يقبلها عدد من الخوارج الذين كانوا معه فتركه نجدة بن عامر الحنفي وأصحابه وخرجوا حيث انفصلوا عنه لأنهم اعتبروا آراءه التي نادى بها مخالفة للقرآن والسنة ولآراء الخوارج القدماء ، وقد أطلق عليهم «أهل الوقوف» لأنهم وقفوا عند الشبهة فقالوا لنافع «أحدثت ما لم يكن عمله السلف من أهل النهروان وأهل القبلة فقال : هذه حجة قامت عليّ لم تقم عليهم» (٢) ، وكان نجدة يرى أن التقية جائزة مستدلا بقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)(٣) ، وقوله عز وجل : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) ، وأن القعود جائز والجهاد إذا أمكن أفضل ، وقد قال الله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)(٤) ، وأن ردّ الأمانات إلى أهلها واجب ، ولم يقبل بقتل الأطفال ، وأن المقام في دار الكفر (محل إقامة المسلمين) حلال ، ولم يؤمن بالامتحان (٥).

__________________

(١) القرآن الكريم : سورة النساء ، آية : ٧٧.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب ، الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ٨٠ ، ١٢٦. ابن الأثير : الكامل ٤ / ١٦٧. المبرد : الكامل في اللغة ٣ / ١٠٣٠ ـ ١٠٣٢. الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ٩٣.

(٣) الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ٧٨ ـ ٧٩.

(٤) القرآن الكريم : سورة آل عمران ، الآية : ٢٨.

(٥) القرآن الكريم : سورة المؤمن ، الآية : ٢٨.

١٦٦

إن الآراء الشديدة الغالية التي تبناها نافع بن الأزرق وضعت الخوارج في بداية مرحلة خطيرة ، فقد فتحت مجالا واسعا أمام مجتهديهم لمناقشات نظرية واسعة استمرت فترة من الزمن ، وأدت إلى ظهور آراء متباينة ومواقف مختلفة ، وكانت سببا في تفرقهم ، ولا ريب أن الاتجاه المعتدل الذي يمثله النجدات هو أقرب إلى آراء عامة المسلمين.

إن جماعة من الخوارج الذين انشقوا على نافع بن الأزرق بزعامة نجدة بن عامر الحنفي ساروا إلى اليمامة ونزلوا بأباض (١) ، ولا بد أن يكون سبب اختيارهم لليمامة هو عزلتها وتذمر أهلها ، وحضارتها القديمة وثروتها ، والنزاع بين شرقي الجزيرة والحجاز ، ولعل للشعور القبلي أثر في ذلك وأنهم من عشائر اليمامة.

واعترض نجدة عند جبلة (٢) قافلة من البصرة كانت في طريقها

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ٨١. ابن الأثير : الكامل ٤ / ٢٠١. المبرد : الكامل في اللغة ٣ / ١٠٣١ ـ ١٠٣٢. ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ٢ / ١٠. وأباض : قرية بعرض اليمامة. ياقوت : ١ / ٧٢. وفي رواية أخرى أن نجدة لم يكن مع نافع في الأهواز وإنما كان في اليمامة مع جماعة من أتباعه ، ولكنه أراد الذهاب واللحوق بنافع فاستقبله عدد من الخوارج كانوا قد انفصلوا عن نافع بعد أن أظهر البراءة من القعدة عنه بعد أن كانوا على رأيه وسماهم مشركين واستحل قتل أطفال ونساء مخالفيه ، وهم أبو فديك وعطية بن الأسود احنفيو راشد الطويل ومقلاص وأيوب الأزرق وجماعة من أتباعهم ، فأخبر هؤلاء نجدة بن عامر وأتباعه بأحداث نافع وردوهم إلى اليمامة وبايعوا نجدة وأكفروا من قال بأكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم وأكفروا من قال بإمامة نافع البغدادي الفرق بين الفرق : ٨٧.

(٢) جبلة : من أرض تميم على خمس ليال من حجر. أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب.

١٦٧

إلى مكة التي كان يسيطر عليها ابن الزبير ، واستولى عليها وجلب الغنائم إلى أبي طالوت بالخضارم ، حيث وزعت ، وقد نصح نجدة الخوارج بأن يردوا العبيد الذين وزعهم عليهم أبو طالوت من قبل إلى الأرض لاستثمارها لصالحهم (١) ، أي أنه أبقى الرق ولم يلغه ، وبذلك أقر بأن المساواة التي يدعو إليها هي بين الأحرار ، ولكنه أراد متباعة سياسة الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في تثبيت ملكية الدولة دون الأفراد ، فاستحسن الخوارج هذا الرأي وبايعوه وبايعه أبو طالوت خليفة لهم على ألا يخلع إلّا بجور ظاهر وذلك في سنة ٦٦ ه‍ (٢) ، وكان عمره يومئذ ٣٠ سنة (٣) ، وصار هؤلاء الخوارج يسمون بالنجدات أو النجدية نسبة إلى الرئيس الذي اختاروه (٤).

أقام نجدة بعد مبايعته باليمامة أشهرا كثر خلالها اتباعه ، ولا بد أن يكون أكثرهم من بكر بن وائل وحنيفة ، وهما القبيلتان التي تكونان

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. انظر الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٢٦ ـ ١٢٧. الكامل : ٤ / ١٦٨ ، ٢٠١. ابن خلدون : ٣ / ٣١٣.

وفي رواية أخرى أن القافلة كانت قادمة من البحرين في طريقها إلى مكة. انظر أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٢٧. الكامل : ٤ / ٢٠١. ابن خلدون : ٣ / ٣١٣.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. انظر أيضا الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٢٧ ـ ١٢٨. الكامل : ٤ / ٢٠١. ابن خلدون : ٣ / ٣١٣. المبرد : الكامل في اللغة ٣ / ١٠٣٢ ـ ١٠٣٣.

(٣) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٢٨.

(٤) عن النجدات النظر البغدادي : الفرق بين الفرق : ٨٧. ابن حزم : الفصل في الملل والأهواء والنحل : ٤ / ١٩٠. الإسفراييني : التبصير في الدين ، ٣٠. الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ٩١. فخر الدين الرازي : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين / ٤٧. القلقشندي : صبح الأعشى ٢ / ٨.

١٦٨

أكثر سكان اليمامة ، فسرح نصر بن مالك الحنفي مع ٣٠٠ رجل إلى البحرين ، ولكن سعيد بن الحارث الأنصاري عامل البحرين ضد هجومهم ، فوجه نجدة حملة أخرى مع قدامة بن المنذر بن النعمان في ٣٠٠ رجل (١) ، ولكن هجوم صبني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة على سوق ذي المجاز بالقرب من عرفة ونهبهم إياه جعلت نجدة يعدل عن مهاجمة البحرين ، فكتب إلى قدامة بن المنذر وأبي سعدة العجلي والذين وجههم إلى البحرين فردهم ، ووجه حر بن وائل وقدامة بن المنذر بن النعمان مع ٣٠٠ رجل إلى بني كعب بن ربيعة وهم بذي المجاز ثم تبعهم نجدة في ٤٠٠ رجل (٢) فالتقوا هناك ، فهزمهم نجدة وقتل منهم عددا كبيرا (٣) ، وكانت العصبية القبلية سببا في اهتمامه بذي المجاز (٤) ، ثم عاد نجدة إلى اليمامة ، وفي الطريق انضم إليه عدد كبير من الناس ، فكثر اتباعه حتى بلغ عددهم ثلاثة آلاف (٥) ، فاستخلف باليمامة عمارة بن سلمى (٦) من ولد الدول بن حنيفة المشهور بعمارة

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول ، ١٢٨.

(٢) عن النجدات انظر البغدادي : الفرق بين الفرق : ٨٧. ابن حزم : الفصل في الملل والأهواء والنحل : ٤ / ١٩٠. الاسفراييني : التبصير في الدين ، ٣٠. الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ٩١. فخر الدين الرازي : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين / ٤٧. القلقشندي : صبح الأعشى ٢ / ٨.

(٣) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول ، ١٢٨.

(٤) ويقال في ٥٠ رجل. أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٢٩.

(٥) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. وانظر الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣١. الكامل : ٤ / ٢٠٢. ابن خلدون : ٣ / ٣١٣.

(٦) في الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣١ «عمارة بن سلم».

١٦٩

الطويل (١) ، وتقدم سنة ٦٧ ه‍ نحو البحرين ، وقد رحب به الأزد وانضموا إليه ، أما عبد القيس فلم يذعنوا له وقرروا محاربته ، والتقوا معه بالقطيف ، ولكنهم انهزموا وقتل منهم جمع كبير ، وسبى نجدة من قدر عليه من أهل القطيف (٢). وقد أقام نجدة بالقطيف بعد فتحها ، ووجه ابنه المطرح ليتعقب فلول المنهزمين من عبد القيس ، فالتقى بهم في الثوير (٣) ولكن المطرح قتل وجماعة من أصحابه (٤) ، وفي ذلك يقول جمال بن سلمة (٥) :

إن تقتلونا بالقطيف فإننا

قتلناكم يوم الثوير وصحصحا

وإن تقتلوا منا وكيعا وعاصما

فإنا قتلنا طارقا والمطرحا

ثم أرسل نجدة أيضا سرية إلى الخط بقيادة داود العكلي (٦) فظفر

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣١.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب ، انظر أيضا الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣١ ـ ١٣٢. الكامل : ٤ / ٢٠٢. ابن خلدون : ٣ / ٣١٣ ، وفي ياقوت ٤ / ١٤٤ «وكان أبو نجدة الحروري أنفذ ابنه المطرح في خيل إلى عبد القيس بالقطيف ليتصدفهم فقتل المطرح في الحرب ثم انتصرت الخوارج عليهم». ويذكر الذهبي إن فتح نجدة للبحرين كان في سنة ٦٦ ه‍. تاريخ الإسلام : ١ / ٣٣. العبر في خبر من غبر : ١ / ٧٤.

(٣) الثوير : أبيرق أبيض لبني أبي بكر بن كلاب قريب من سواج من جبال حمى ضرية. ياقوت : ١ / ٩٣٩ ـ ٩٤٠.

(٤) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. انظر الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٢. الكامل : ٤ / ٢٠٢.

(٥) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٢.

(٦) نسبة إلى بني عكل بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ابن حزم : جمهرة أنساب العرب : ٤٨٠.

١٧٠

بأهله (١) ، وهكذا اتسع سلطانه إلى جزء كبير من البحرين والخط.

يتبين مما مر أن حركة الخوارج بدأت في اليمامة ، وأنها اعتمدت على بكر وحنيفة (٢) ، وأن أهل البحرين لم يؤيدوا الخوارج في هذه المرحلة مما حمل الخوارج على إخضاعهم بالقوة ، كما أن البحرين لم تساهم في الحركة في مراحلها الأولى عندما كانت في اليمامة ، وكانت عبد القيس في هذا الوقت معادية لهم ، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها : ـ

١ ـ الروح المحلية : إذ أن البحرين قاومت بدافع الحفاظ على شخصيتها واستقلالها ـ محاولات خوارج اليمامة للسيطرة عليها ، فإن البحرين كانت وحدة جغرافية تفصلها عن جزيرة العرب رمال الصمان ، وكان أهلها أكثرهم من عبد القيس.

٢ ـ الروح القبلية : فإن عبد القيس وقامت ـ بدافع العصبية القبلية ـ حركة خوارج اليمامة التي اعتمدت على بكر بن وائل وحنيفة.

أما الأزد فقد أيدوا حركة الخوارج في هذه المرحلة مدعين إنكار نجدة الظلم (٣) ، ولا بد أن هذا كان بسبب الروح القبلية والرغبة في تحقيق مصالحهم وتقوية مركزهم ، إذ كانوا أقلية في البحرين.

ومما ساعد نجدة على فتح البحرين الانقسامات بين أهلها ، كما

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٢. الكامل : ٤ / ٢٠٢. ابن خلدون : ٣ / ٣١٤.

(٢) انظر ولهاوزن : أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام ـ الخوارج والشيعة : ٧٥.

(٣) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣١ ـ ١٣٢. الكامل : ٤ / ٢٠٢. ابن خلدون : ٣ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

١٧١

أن الوضع العام في الدولة الإسلامية كان مساعدا للنجدات لتوسيع نفوذهم ، فالانقسامات والمشاكل الداخلية في العراق أضعفت حكومة ابن الزبير ، أما الأمويون في الشام فلم يكن يهمهم في هذه الفترة سوى القضاء على حركة ابن الزبير.

الحرب بين نجدة وابن الزبير : ـ

هدد هذا النمو في قوة نجدة في الجزيرة العربية مباشرة سلطة عبد الله بن الزبير ، وقد حاول حمزة بن عبد الله بن الزبير الذي كان واليا على البصرة من قبل أبيه إخراج نجدة من البحرين ، فأرسل ضده عبد الله بن عمير الليثي مع جيش من ١٤ ألف مقاتل من أهل البصرة سنة ٦٧ ه‍ ، ولما اقترب من جيش نجدة اعتزل داود العكلي وجماعة من الخوارج القتال لعوامل لا تذكرها المصادر ، وربما يعود ذلك إلى اختلافهم مع نجدة ، وقد ثبت نجدة فيمن بقي معه ، وهاجم معسكر ابن عمير على حين غرة فقاتلهم طويلا ثم افترقوا ، وأصبح ابن عمير فهاله ما رأى في عسكره من القتلى والجرحى ، فتشاغل ومن في عسكره بموتاهم وجرحاهم ، فباغتهم نجدة فلم يلبثوا أن انهزموا وغنم ما في عسكرهم (١) ، وبذلك اتسع نطاق سلطانه وازدادت قوته.

وبعد هزيمة ابن عمير وسيطرة نجدة في البحرين بعث جيشا إلى

__________________

(١) ديوان الفرزدق : ٢ / ٤٧ (رواية أبي عبيدة). أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٢. الطبري : ٢ ق ٢ / ٧٥١ ـ ٧٥٢ (عن المدائني) ، وفي رواية أخرى أن الموجه للحملة هو مصعب بن الزبير عامل البصرة سنة ٦٩ ه‍. أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، اليعقوبي : ٢ / ٣٢٥. الكامل : ٤ / ٢٠٢. ابن خلدون : ٣ / ٣١٤.

١٧٢

عمان بقيادة عطية بن الأسود الحنفي ، وكان يحكمها عباد بن عبد الله الجلندي ، وأبناه سعيد وسليمان يعشران السفن ويجبيان البلاد ، فهاجمها عطية وقتل حاكمها واستولى عليها ، وأقام بها أشهرا ثم عاد إلى البحرين تاركا في عمان نائبه أبا القاسم الذي قتله العمانيون (١).

في هذا الوقت اختلف عطية بن الأسود الحنفي مع نجدة (٢) ، فعاد إلى عمان ولكنه لم يستطع دخولها بسبب مقاومة العمانيين له ، فتوجه إلى كرمان حيث حقق نجاحا وضرب الدراهم العطوية (٣) ، غير أن المهلب أرسل إليه جيشا فهرب إلى سجستان ثم إلى السند حيث قتله جيش المهلب في قندابيل (٤).

إخضاع شمال البحرين : ـ

وفي سنة ٦٨ ه‍ أخضع نجدة المناطق الشمالية من البحرين ، وقاتل بني تميم في كاظمة وطويلع وأجبرهم على أن يؤدوا له الصدقة ، وبذلك امتد سلطانه إلى أطراف العراق ، ثم سار مع قوة صغيرة إلى

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ أ. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٥. ابن الأثير : الكامل ٤ / ٢٠٣. ابن خلدون : ٣ / ٣١٤.

(٢) عن أسباب الخلاف بين نجدة ، وعطية بن الأسود الحنفي انظر الخلاف بين نجدة وأتباعه.

(٣) يوجد الآن من نقوده قطع أشارWalker في الجزء الأول من كتابه : A Catalogue of the Muhammedan coins ص ١٩٦ إلى محلات وجودها والمقالات التي كتبت عنها ، كما وذكر في صفحة ١١١ وصف الدرهم العطوي وهو مطبوع على الطراز الساساني وباللغة البهلوية ولكن كتب عليه بالعربية «باسم الله ولي الأمر».

(٤) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٥. ابن الأثير : الكامل ٤ / ٢٠٣. ابن خلدون : ٣ / ٣١٤.

وفي رواية أخرى أن الخوارج قتلوه. أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ، الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٥. الكامل : ٤ / ٢٠٣. وقندابيل مدينة بالسند وهي قصبة لولاية يقال لها السندهة. ياقوت : ٤ / ١٨٣.

١٧٣

صنعاء فدخلها حيث بايعه أهلها خوفا منه ، وجبى من مخاليفها الصدقة ، وكانت اليمن في حالة ضعف ، فمن المعلومات أنها كانت عند ظهور الإسلام مفككة ، يسود فيها كثير من الأذواء المتقاتلين ، ولما دخلت في حظيرة الإسلام خرج عدد كبير من رجالها مع الجيوش الإسلامية للقيام بالفتوحات التي كانت متجهة نحو الشمال ، فأصاب اليمن الإهمال وأدى هذا إلى ضعفها ، ثم أرسل نجدة أبا فديك عبد الله بن ثور إلى حضرموت فجبى الصدقات من أهلها أيضا (١).

وفي تلك السنة (٢) ذهب نجدة مع ما يقرب من ألف (٣) من أتباعه إلى مكة للحج (٤) ، ثم توجه بعد الحج إلى المدينة فاستعد أهلها لقتاله ، وكان من بينهم عبد الله بن عمر ، فلما كان بنخل (٥) وأخبر باستعداد ابن عمر إلى مقاومة الخوارج رجع أدراجه (٦) ، لأنه أدرك أن خروج عبد الله بن عمر يدل على أنه سيلقي مقاومة من المتدينين

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ. انظر أيضا الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٦ ـ ١٣٧. الكامل : ٤ / ٢٠٣. ابن خلدون : ٣ / ٣١٤.

(٢) في خليفة بن خياط : التاريخ ١ / ٢٠٦ أنه حج سنة ٦٦ ه‍ ، ويذكر ابن الأثير أنه حج في سنة ٦٩ ه‍. الكامل : ٤ / ٢٠٣. وفي أنساب الأشراف ج ٦ ، ورقة ١٦ أ. وفي الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٧ أنه حج سنة ٧٠ ه‍.

(٣) في أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ. «١٦٠٠ رجل» ، وفي الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ، ١٣ «٢٦٠٠». وفي الكامل : ٤ / ٢٠٣. وابن خلدون : ٣ / ٣١٤. «تسعمائة وقيل ألفين».

(٤) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٧. اليعقوبي : ٢ / ٣١٤. الطبري : ٢ ق ٢ / ٧٨١ ـ ٧٨٣. الكامل : ٤ / ٢٠٣. البداية والنهاية : ٨ / ٢٩٤. ابن خلدون : ٣ / ٣١٤.

(٥) نخل : منزل من منازل بني ثعلبة ، من المدينة على مرحلتين. ياقوت : ٤ / ٧٦٨.

(٦) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ، الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٧. الكامل : ٢٠٣ ـ ٢٠٤. ابن خلدون : ٣ / ٣١٤.

١٧٤

وذوي المكانة عند المسلمين ، وفي هذا خطر كبير عليه لأنه سيؤدي إلى إثارة المسلمين ضد الخوارج (١).

ثم توجه نجدة إلى الطائف فبايعه عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي عن قومه ، ثم سار إلى تبالة (٢) وعاد منها إلى البحرين ، وفي طريق عودته تحقق نجدة من قوته وسيطرته على تلك المناطق فعين الحاروق الحنفي على الطائف وتبالة والسراة وسعد الطلائع على نجران ، ووجه حاجب بن حميصة لجمع صدقات بني هلال ونمير (٣).

الخلاف بين نجدة وأتباعه : ـ

وبالرغم من نجاح نجدة وامتداد نفوذه ، فإنه كانت هناك تيارات تعمل لهدم سلطته ، فقد دب الخلاف بين نجدة وأتباعه ، ويرجع هذا الخلاف إلى عدّة أسباب منها : ـ

١ ـ عدم المساواة في توزيع الفيء بين أتباعه ، فقد وجد سرية برا وأخرى بحرا وفضل الذين بعثهم في البر على الذين بعثهم في البحر في العطاء ، فنازعوه على ذلك وبينوا أنه ليس من حقه أن يفضل بعضهم على بعض (٤) ، وهذا يظهر تزمت الخوارج وتطرف آرائهم ،

__________________

(١) يري ولهاوزن أن سبب تراجع نجدة يعود إلى أن سائر الخوارج كانوا يوقرون أباه عمر بن الخطاب (رض) توقيرا شديدا. الخوارج والشيعة : ٨٠.

(٢) تبالة : موضع باليمن بينها وبين مكة ٥٢ فرسخا نحو مسيرة ثمانية أيام ، وبينها وبين الطائف ستة أيام. ياقوت : ١ / ٨١٦ ـ ٨١٧.

(٣) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٧ ـ ١٣٩. الكامل : ٤ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤. ابن خلدون : ٣ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٤) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أـ ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٢ ـ ١٤٣. ابن خلدون : ٣ / ٣١٥. الفرق بين الفرق : ٨٨. وفي رواية أخرى أنه فضل سرية البحر على سرية البر. انظر الاسفراييني : التبصير في الدين / ٣١. الكامل : ٤ / ٢٠٥.

١٧٥

وكان له أثر بيّن في تصدع كيانهم وظهور جبهات المعارضة ، وكان نجدة ضحية لذلك ، وهذا أيضا كان من أسباب الخلاف بين نجدة وعطية بن الأسود.

٢ ـ المراسلة بينه وبين عبد الملك بن مروان ، حيث كتب عبد الملك إلى نجدة يدعوه إلى طاعته وبيعته على أن يهدر له ما أصاب من الدماء والأموال ، وأن يوليه اليمامة وما حولها ، ولكن نجدة رفض ذلك ، فطعن عليه أصحابه ، وكان ذلك من أسباب الخلاف بينه وبين عطية بن الأسود (١).

٣ ـ عدم موافقته على معاقبة أحد أتباعه بسبب شرب الخمر بحجة أنه شديد النكاية على العدو ، فاتهمه أتباعه بتعطيله الحد في شرب الخمر (٢).

٤ ـ إرجاعه بنتا لعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان كانت قد أسرت في إحدى الغارات فاشتراها نجدة من ابن بحدج الذي كانت في يده وردها إلى عبد الملك بن مروان ، فنقم عليه أتباعه لأنه ردّ جارية لهم إلى عدوهم (٣).

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أـ ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٢ ـ ١٤٣. الكامل : ٤ / ٢٠٥. ابن خلدون : ٣ / ٣١٥. وفي الأشعري : مقالات الاسلاميين / ٩٢. والشهرستاني : الملل والنحل ١ / ٩٢ : «وكاتب عبد الملك بن مروان فأعطاه الرضا».

(٢) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٣. الكامل : ٤ / ٢٠٥. مقالات الإسلاميين : ٩١. الفرق بين الفرق : ٨٩. الملل والنحل : ١ / ٩٢.

(٣) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٣٧ ـ ١٣٨. اليعقوبي : ٢ / ٣٢٥. الكامل : ٤ / ٢٠٤. الفرق بين الفرق : ٨٨. التبصير في الدين : ٣١.

١٧٦

٥ ـ وكلم نجدة في رجل فأعطاه فرسا فاتهموه بأنه يعطي على الشفاعة ، وهذا أيضا كان من عوامل الاختلاف بين نجدة وعطية بن الأسود (١).

٦ ـ ومن أسباب النقمة عليه أنه أعذر أهل الخطأ في الاجتهاد بالجهالات ، إذ أنه بعث قوة إلى القطيف بقيادة ابنه المطرح ، فغنموا وسبوا ، فأخذوا عدة من نسائهم فقوموا كل واحدة منهن بقيمة على أنفسهم ، واتفقوا إن صارت قيمهن من حصتهم فهو ما أرادوه وإلا فإنهم يؤدون الفصل ، وأخذوا من الغنائم قبل أن تقسم ، فلما رجعوا وأخبروا نجدة بذلك بين لهم أن ذلك لا يحق لهم فأخبروه أنهم كانوا لا يعرفون أن ذلك لا يحق لهم ، فعذرهم نجدة بجهالتهم (٢).

٧ ـ ولما وافى مالك بن مسمع ثاج يوم الجفرة (٣) ، كتب هميان بن عدي السدوسي إلى نجدة ، وهو خليفة على البحرين «أنه قد ورد علينا قوم لهم شرف وقيم لو قدموا على أبي بكر وعمر لعرفا مكانهم فإن رأيت إن أعطيهم من سهم المؤلفة قلوبهم فعلت ، فكتب إليه نجدة : ليس في عطية المؤلفة وقت معلوم ، فأعطهم ما ترى أن يحل أن يعطي مثلهم» (٤) ، فأعطاهم هميان كل ما كان في بيت المال (٥) ، ويقدر ما أعطى مالك بن

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٢) مقالات الإسلاميين : ٩٠. الفرق بين الفرق : ٨٨ ـ ٨٩. ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ٢ / ٨.

(٣) عن يوم الجفرة انظر البلاذري : أنساب الأشراف ، ج ٤ ق ٢ / ١٥٥ وما بعدها.

(٤) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. انظر الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٥) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٧.

١٧٧

مسمع بعشرة آلاف درهم (١) ، فنقموا عليه لأنه يمنع المال عن ذوي الحاجة منهم (٢) ، وهذا يظهر تمسك الخوارج بمبدأ المساواة.

إن أكثر الاتهامات التي وجهت إلى نجدة فردية ، وهي إن صحت ، حجج ظاهرية ، ولكنها تخفي وراءها شعورا متناميا ضده يعمل على هدم سلطته والتخلص منه ، ولا بد أن يكون للتعصب القبلي بين قيس بن ثعلبة وحنيفة أثر بيّن في ذلك ، إذ أن أبا فديك عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة لعب دورا رئيسا في خلع نجدة وقتله ، وكان الهدف الرئيسي لبني قيس بن ثعلبة من ذلك قيادة الحركة ونقل مركزها إلى البحرين حيث كان معظمهم يقطن هناك ، وهذا يظهر لنا الدور الذي لعبته البحرين في توجيه الخلافات بين خوارج اليمامة ، وقد تحقق بالفعل ما كان يصبو إليه بنو قيس بن ثعلبة ، حيث تولى أبو فديك زعامة الخوارج ، ونقل مركزه إلى البحرين ، كما أن الموالي لعبوا دورا مهما في الخلافات بين نجدة وأتباعه ، وذلك للسيطرة على حركة الخوارج وتوجيهها لصالحهم (٣).

وقد استتابه أكثر أتباعه فاعلن توبته ، ثم أن طائفة رأوا أن استتابته خطأ لأنه أمام وله الاجتهاد ، ولا يحق لهم استتابته وطلبوا منه أن يتوب من توبته وأن يستتب الذين استتابوه وإلا نابذوه ، ففعل ذلك فافترق عليه أصحابه (٤).

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٣. اليعقوبي : ٢ / ٣٢٥.

(٢) مقالات الإسلاميين : ٩٢.

(٣) انظر التفصيلات في «خلع نجدة ومقتله ومبايعة أبي فديك».

(٤) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٣. الكامل : ٤ / ٢٠٥. مقالات الإسلاميين : ٩٢. التبصير في الدين : ٣١. الملل والنحل : ١ / ٩٢.

١٧٨

وقد استغل أعداء الخوارج الخلاف بين نجدة وأتباعه وما نتج عنه من ضعف وانقسام في صفوفهم ، فثاروا على عماله ، فقد ثار أهل الطائف على عامله الحاروق الحنفي فهرب ، ثم قتله في عقبة (١) عبد الله بن النعمان الدوسي رئيس أزد السراة ، كما أن سعد الطلائع عامله على نجران ، قتله ناجية الجرمي بعد أن منعه الصدقة (٢).

عزل نجدة ومقتله ومبايعة أبي فديك : ـ

وقد أدت الخلافات بين نجدة وأتباعه إلى خلعه ، وولوا أمرهم أحد الموالي وثابت التمار ، مما يدل على تأثير الموالي القوى في حركة الخوارج ، ومحاولتهم قيادتها ، ولكن سرعان ما تبينوا أنه لا بد لمن يكون أميرهم أن يكون عربيا خالصا ، فأظهروا أن شعورهم القبلي أقوى من عقيدتهم الخارجية ، والواقع أن الخوارج في هذه الفترة التي تميزت بالتعصب القبلي لا يمكن أن يبايعوا بالأمرة عليهم رجلا من الموالي ومعظمهم من العرب ، وقد طلبوا من ثابت التمار أن يختار لهم خليفة ، فاختار زوج أخته أبا فديك عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة فنال البيعة (٣).

__________________

(١) عقبة : منزل في طريق مكة بعد واقصة وهو ماء لبني عكرمة بن بكر بن وائل. ياقوت : ٣ / ٦٩٢.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ أ. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول. ١٤٠ ـ ١٤١ الكامل : ٤ / ٢٠٥.

(٣) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب ، ٣٧ ب. انظر أيضا الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٣. اليعقوبي : ٢ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦. الكامل : ٤ / ٢٠٥. مقالات الإسلاميين : ٩٢. الفرق بين الفرق : ٨٩. التبصير في الدين : ٣٠ ـ ٣١. الملل والنحل : ١ / ٩٢. ولهاوزن : الخوارج والشيعة / ٨٣. وفي رواية أخرى أنهم عهدوا إلى نجدة ليختار لهم إماما فاختار أبا فديك. انظر الفرق بين الفرق : ٨٩. ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ٢ / ٨.

١٧٩

ثم خشى نجدة من أبي فديك فاختفى في إحدى قرى حجر ، ونزل أبو فديك باباض وبرىء أصحابه من نجدة ، وشعر أبو فديك بضرورة التخلص من نجدة وقتله لأن بقاءه مصدر خطر عليه (١) ، فأرسل جماعة من أتباعه في طلب نجدة (٢) ، كما أرصد جائزة عشرة آلاف درهم لمن يدلهم عليه ، وأن أي مملوك يدلهم عليه فهو حر (٣) ، ففر نجدة إلى أخواله بني تميم واستخفى عندهم ، ثم أراد اللجوء إلى عبد الملك ومبايعته ، ولكنه قتل سنة ٧٢ ه‍ ، وتولى قتله جماعة من أصحاب أبي فديك فيهم أبو طالوت وثابت التمار (٤).

وقد أثار قتل نجدة جماعة من أصحاب أبي فديك ففارقوه ، ثم طعنه أحد أتباعه مسلم بن جبير بسكين ، ولكنه برىء ، وقد قتل المعتدي وهو حجازي كان قد انضم إلى الخوارج واستقر باليمامة (٥).

وقد سار أبو فديك من اليمامة إلى البحرين وجعل مقره في

__________________

(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٣ ـ ١٤٤. الكامل : ٤ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦. ابن خلدون : ٣ / ٣١٥.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٣. الكامل : ٤ / ٢٠٦.

(٣) البغدادي : الفرق بين الفرق / ٩٠.

(٤) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. انظر الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٣ ـ ١٤٥. الطبري : ٢ ق ٢ / ٨٢٩. الكامل : ٤ / ٣٢٥. الذهبي : تاريخ الإسلام ٣ / ١١١. العبر في خبر من غبر : ١ / ٧٧. البداية والنهاية : ٨ / ٣٢٤. ابن خلدون : ٣ / ٣١٥. مقالات الإسلاميين : ٩٢. الفرق بين الفرق : ٩٠. التبصير في الدين : ٣١. الملل والنحل : ١ / ٩٢. وفي رواية أخرى أنه قتل عام ٧٠ ه‍. خليفة بن خياط : التاريخ ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤. ويذكر الذهبي أنه قتل عام ٦٩ ه‍. العبر في خبر من غبر : ١ / ٧٧.

(٥) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٦ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ١٤٧. الكامل : ٤ / ٢٠٦. ابن خلدون : ٣ / ٣١٦.

١٨٠