البحرين في صدر الإسلام

الدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني

البحرين في صدر الإسلام

المؤلف:

الدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٨

أو فلسطين ومصر ، وكان الطريق المار عبر الخليج العربي إلى العراق هو المفضل ، لأنه أقصر الطرق وأقلها كلفة ، وليست فيه جزر مرجانية (١) ، غير أن تجارة الهند عبر الخليج العربي تناقصت إلى حد ما في العهود الساسانية نظرا لتشجيع خصومهم البيزنطيين التجارة عن طريق البحر الأحمر الذي كان رغم بعده آمن وأسلم بسبب بعده عن هيمنة الساسانيين ، وقد أدى هذا إلى أن تصبح التجارة المارة بالخليج العربي مقتصرة بالدرجة الأولى على ما تستهلكه الإمبراطورية الساسانية ، غير أن مجيء الدولة الإسلامية أدى إلى توحيد الشرق الأوسط وإلى نشر الأمن والسلام في ربوعه ، كما زالت معظم الحواجز والعقبات من طريقه ، مما أدى إلى أن تتحول التجارة تدريجا من البحر الأحمر وصارت تسلك طريق الخليج العربي الذي هو أقصر وأسلم وأقل كلفة (٢) ، وقد انتفعت موانىء البحرين التجارية من هذا التحول ، ومن أهم مراكز تجارة الهند : دارين : ـ وكانت دارين من أسواق العرب المشهورة ، قال الأعشى يذكر قوما تجارا (٣) :

يمرون بالدهنا خفافا عيابهم

ويخرجن من دارين بجر الحقائب

وفي أوائل العصر الإسلامي كانت من المراكز العربية الهامة للتجارة وخاصة المسك ، حتى لقد سمي بائع المسك والطيب بالداري نسبة إليها (٤) ،

__________________

(١) العلي / محاضرات في تاريخ العرب / ١ / ٣٦ ـ ٣٧.

(٢) العلي / التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ (الطبعة الأولى).

(٣) المبرد / الكامل في اللغة / ١ / ١٥٥ ـ ١٥٦ ، انظر لسان العرب / ٤ / ٢٩٩ ، القاموس المحيط / ٢ / ٣٢.

(٤) تهذي اللغة / ١٤ / ١٥٤ ، الصحاح / ٥ / ٢١١٢ ، المخصص / ٥ / ٣٤ ، المعرب / ١٤٧ ، لسان العرب / ٤ / ٢٩٩ ـ ٣٠ ، النويري / ١٢ / ١٥ ، القاموس المحيط / ٢ / ٣٢ ، البكري / معجم ما استعجم / ٥٠٤ ، ياقوت / ٢ / ٥٣٧ ، مراصد الاطلاع / ١ / ٣٨٦ ، ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث / ٢ / ٣٥ ، السيوطي / الدر النثير /

١٢١

كما نسب إليها الداري صاحب الشراع (١).

وقد تردد ذكر دارين والمسك كثيرا في أشعار العرب في الجاهلية وصدر الإسلام ، قال الأعشى (٢) :

لها أرج في البيت عال كأنما

ألم به من تجر دارين أركب

وقال الفرزدق يفتخر (٣) :

وإني لمن قوم يكون غسولهم

قرى فأرة الداري تضرب في الغسل

وقال يمدح هشام بن عبد الملك ويهجو جريرا وبني كليب (٤) :

كأن تريكة من ماء مزن

وداري الذكي من المدام

وقال جرير يمحد عمر بن عبد العزيز (٥) :

ذكرتنا مسك داري له أرج

وبالمعني خزامى طلها الرهم

وكانت دارين تستورد المسك من الهند وتتاجر به في جزيرة العرب (٦) ، وكان للمسك الداري شهرة في كافة أنحاء الجزيرة العربية ، وكان التجار الداريون يصدرونه إلى البصرة ومدن شرقي الجزيرة وحتى إلى الحجاز حيث كانت لهم في المدينة المنورة جالية كبيرة يبلغ عدد

__________________

٢ / ٣٥ ، ابن خلدون / ٤ / ١٩٧.

(١) المخصص / ١٠ / ٢٩ ، لسان العرب / ٤ / ٣٠ ، النهاية في غريب الحديث / ٢ / ٣٥ ، الدر النثير / ٢ / ٣٥.

(٢) ديوان الأعشى / ٢٠٣.

(٣) النقائض / ١ / ١٣٢.

(٤) النقائض / ٢ / ١٠٠٧.

(٥) ديوان جرير / ٤١٤.

(٦) المخصص / ٥ / ٣٥ ، لسان العرب / ٤ / ٢٩٩ ، النويري / ١٢ / ١٥ ، القاموس المحيط / ٢ / ٣٢ ، معجم ما استعجم / ٥٣٨ ، ياقوت / ٢ / ٥٣٧ ، مراصد الاطلاع / ١ / ٣٨٦ ، ابن خلدون / ٤ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

١٢٢

أفرادها حوالي ٤٠٠ رجل كانوا عطارين (١) ، كما كان التجار الداريون يأتون إلى البصرة للمتاجرة ، فابن حنبل يروي بسند عن محمد «فذكر قصة فيها قال فلما قدم خير عبد الله بين ثلاثين ألفا وبين آنية من قضة ، قال فاختار الآنية قال فقدم تجار من دارين فباعهم إياها العشرة ثلاثة عشر» (٢) ، وتعود شهرة دارين بالمسك دون غيرها من المدن في ذلك الوقت إلى وقوعها في جزيرة مما جعلها تصلح لاستقبال السفن الشراعية الآتية من الهند ، بينما كانت أغلب سواحل المنطقة ضحلة لا تصلح للملاحة.

ولكن يبدو أن دارين أخذت تضعف تدريجيا بعد إنشاء البصرة التي صارت المركز الرئيسي لتجارة الهند فأدى ذلك إلى تضاؤل أهمية دارين (٣) ، كما أن الجالية الدارينية في المدينة المنورة اشتركت في موقعة الحرة ضد الأمويين الأمر الذي أغاظ يزيد الأول ففرض عليهم غرامة ثقيلة تقدر بأربعمائة ألف درهم عقابا لهم على عملهم (٤) ، ولم نعد نسمع عنهم منذ ذلك الحين شيئا في أخبار العصرين الأموي والعباسي.

التجارة البحرية : ـ

ولما كانت الطرق البحرية معرضة لكثير من الأخطار الطبيعية كالعواصف والدوامات والحيوانات البحرية أو البشرية كهجمات

__________________

(١) البلاذري / أنساب الاشراف / ج ٤ ق / ٢ / ٤٣.

(٢) المسند / ٥ / ٥٢.

(٣) العلي / التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري / ٢٥٨ (الطبعة الثانية).

(٤) البلاذري / أنساب الإشراف / ج ٤ ق / ٢ / ٤٣.

١٢٣

القرصان ، لذلك كان التجار يتحاشونها ما استطاعوا ، غير أن أهمية سلع الهند والشرق الأوسط اضطرت التجار على ركوب البحار لها ، ولكنهم كانوا يسيرون سفنهم بالقرب من سواحل البحرين ، أو ينزلون السلع في البحرين ثم يسلكون بها الطريق البري ، وبذلك اكتسبت البحرين أهمية خاصة وقد لعب سكان البحرين وخاصة الداريون دورا مهما في هذا النوع من التجارة وخاصة مع الهند.

ومع أن الساسانيين كانوا مسيطرين على الملاحة قبل الإسلام ، إلا أنهم لم يحتكروها ، فلدينا إشارات إلى أناس من البحرين كانوا يمتلكون السفن من غير الفرس ، فقد جاء في معلقة طرفة بن العبد الذي نشأ في البحرين إشارة إلى نوعين من السفن :

عدولية أو من سفين ابن يامن

يجور بها الملاح طورا ويهتدى (١)

فالعدولية منسوبة إلى ميناء عدول في الصومال (٢) ، والأخرى سفن ابن يامن الذي يدل اسمه على أنه يهودي من أهل هجر ، كان يمتلك عددا من السفن التي تبحر في الخليج العربي (٣).

ويظهر أن معظم التجار يشتغلون بالتجارة لحسابهم الخاص ويقومون بأعمالهم بأنفسهم وحدهم ، وقد يقيمون في المنطقة فيشترون البضائع من المستوردين ويبيعونها ، كما هو الحال بالنسبة للجالية الدارينية في المدينة المنورة.

__________________

(١) ابن الأنباري / شرح القصائد السبع / ١٣٧ ، الزوزني / شرح المعلقات السبع / ٨٣ ، التبريزي / شرح القصائد العشر / ٣٠ ـ ٣١.

(٢) العلي / التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري / ٢٤٧ (ط ١).

(٣) انظر صناعة السفن.

١٢٤

والراجح أن البعض منهم ينيبون وكلاء عنهم لشراء البضائع لهم ، وبذلك يتمكنون من إنجاز معاملات التجارة الخارجية المعقدة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السفر.

ولا تذكر المصادر وجود دور لسك النقود في البحرين مما يدل على أنها كانت تستورد النقود المستعملة في الشرق الأوسط وخاصة من العراق.

د ـ الصيد : ـ

١ ـ صيد اللؤلؤ : ويعد اللؤلؤ من الموارد المهمة لسكان البحرين ، وقد اشتهر لؤلؤ البحرين بالجودة والحسن (١) ، والغوص من المهن الرئيسية التي يمارسها سكان السواحل ، وتوجد مغاصاته في الخليج العربي قرب هجر ، وأوال (٢) ، وقد اشتهرت المغاصات التي في قطر (٣) ، وفي القطيف (٤) ، ويكون الغوص من أول نيسان إلى آخر أيلول (٥).

٢ ـ صيد الأسماك : وهو من المهن التي يمارسها سكان السواحل ، ففي مياه الخليج توجد أنواع متعددة من الأسماك ، وكانت الزارة من أهم مناطق صيده (٦) ، ويعتمد سكان أوال في غذائهم على

__________________

(١) البيروني / تتمة كتاب الجماهير / ٧ ، ٩ ، آثار البلاد / ٧٧ ـ ٧٨ ، صبح الأعشى / ٢ / ٩٥ ، ابن المجاور / تاريخ المستبصر / ٢ / ٣٠١.

(٢) المقدسي / أحسن التقاسيم / ١٠١ ، ابن المجاور / تاريه المستبصر / ٢ / ٣٠ ـ ٣٠١.

(٣) مروج الذهب / ١ / ١٤٨ ، البيروني / تتمة كتاب الجماهير / ٩.

(٤) بنيامين التطيلي / الرحلة / ١٦٤.

(٥) مروج الذهب / ١ / ١٤٨ ، انظر البيروني / الجماهير في معرفة الجواهر / ١٤١ ، وعن كيفية الغوص انظر الجماهير في معرفة الجواهر / ١٤٣ ، رحلة بنيامين التطيلي / ١٦٤ ، رحلة ابن بطوطة / ٢٧٩.

(٦) الحربي / المناسك / ٦٢١.

١٢٥

التمور والأسماك (١).

طرق المواصلات : ـ

إن موقع البحرين على ساحل البحر وكثرة موانيها ، وعدم وجود التضاريس المعيقة لسير المواصلات فيها أدى إلى ازدهار الحياة الاقتصادية والفكرية ، ولا ريب أن أهم ما يتحكم في هذه الطرق هو المراكز الحضارية والمياه. ويمر بالبحرين عدد من الطرق التي تربط بينها وبين الأقاليم الأخرى ، ويمكن أن نقسم طرق المواصلات إلى قسمين :

أـ البرية.

ب ـ البحرية.

أـ الطرق البرية : وتستخدم لنقل السلع ، ويسلكها الناس أيضا للحج والمناسك ، وقد ذكرت المصادر أبعاد الطرق بالمراحل ، مما يدل على أن الدول التي حكمت الشرق الأوسط لم تهتم بهذه الطرق التي كانت تهم أصحاب القوافل بالدرجة الأولى.

ومن أهم الطرق التي ذكرتها المصادر : ـ

طريق البحرين ـ البصرة : ـ

يذكر الاصطخري أن بين البحرين والبصرة نحو ١٥ مرحلة (٢) ، ويذكر ابن الفقيه أن بين هجر والبصرة مسيرة ١٥ يوما على الإبل (٣) ،

__________________

(١) ابن المجاور / تاريخ المستبصر / ٢ / ٣٠١.

(٢) الأقاليم / ١٥ ، وفي الاصطخري / مسالك الممالك / ٢٨ بينها ١٨ مرحلة.

(٣) البلدان / ٣٠ ، انظر ياقوت / ١ / ٥٠٧ ، مراصد الاطلاع / ١ / ١٣٠.

١٢٦

ويذكر ابن حوقل أن الطريق على الجادة (١) ١١ مرحلة ، وعلى الساحل ١٨ مرحلة (٢) ، ويذكر ناصري خسرو أن بين الإحساء والبصرة ١٥٠ فرسخا (٣).

والراجح هو ما ذكره الاصطخري ، وأن هذه الاختلافات في المراحل هي من خطأ النساخ.

وقد انفرد لغده في وصفه الطريق بين الاحساء والبصرة وهو أقدم وأوسع وصف ، فذكر : بعد الخروج من الاحساء تأتي الأجواف وهي قرى ومياه ، ثم بطن غر فيه قرى وماءتان ثباءات وكنهل ، ثم الستار وفيه أكثر من مائة قرية منها ثاج ، وملج ، ونطاع ، وبعد الستار تأتي قاعة بني سعد وفيها مياه كثيرة ، ثم ماء العتيد ، بعده ماء الطريفة ، ثم طويلع وفيه قريتان ثيتل والنباج (٤) ، وبعد طويلع الشيطان وهما واديان ، فإذا انحدر المسافر من الشيطين يسير في طرق سهلة بين جبال شبه القرون ، وبعد الشيطين تأتي الوريعة وهي جبل معترض ، وقبل أن يصل المسافر الوريعة على الطريق إن شاء وطئة أو تيامن عنه الشبكة ، ربما وجد فيه ماء أو لم يجد ، وبين الوريعة وطويلع ليلة ، وبعد أن يجتاز المسافر الوريعة يستقبل الدو ، وبعد الدو كفة العرفج ، وفي منقطع الدوحين يجوزه وهو يريد البصرة وادي السيدان ، أما القاصد منها للطريق فماء النحيحية ، وعن يمينها ماء الرياطية ، وبعد أن يجوز المسافر السيدان منحدرا يريد البصرة يكون عن يمينه مياه من

__________________

(١) الجادة : الطريق المستقيمة. لسان العرب / ٣ / ٧٩ ـ ٨٠.

(٢) صورة الأرض / ٤١.

(٣) سفرنامة / ٩٢.

(٤) بلاد العرب / ٣٤٤ ـ ٣٤٨.

١٢٧

ثماد (١) أحدهما ثمد الرقاعي ، أما إذا اجتاز النحيحية منحدرا إلى البصرة فعن يمينه جبل تياس ، وقريبا منه ثمد الفارسي وعليه قبتان مبنيتان ، وعن يمين ذلك الجبل جبل الرحا ، وعن يمين الطريق إذا اجتاز المسافر هذا كله الرقاعي ، وقريبا منه ثمد الكلب ، ثم يقطع المسافر إلى موضع يسمى المخارم (٢) حتى يهبط إلى كاظمة ، وبعد كاظمة يصعد في النجفة ، ثم يجتازها إلى الصليب (الصليف) ، ثم يهبط من الصليب في أودية سهلة ، حتى ينتهي إلى ايرمي الركبان ، وهو علم (٣) مبني من الحجارة للطريق وهو شبه إنسان ، فإذا اجتاز ايرمي الركبان عن يمينه مائة المعرقبة (٤) ، إن شاء وردها أو لم يردها ، وهي لعيسى بن سليمان وعليها قصر مبني واثلتان كبيرتان ، ثم يمضي في الحزيز حتى يهبط إلى ماء سفوان ، وفيه بيوت مبنية وتجار ، وبين سفوان والبصرة بياض يوم أو أقل ، ثم يخرج فيعبر رميلة له وطريقا نهاما (٥) فيه محاج (٦) كثيرة ، حتى يهبط الأحواض ، وهو ماء وضع للسانية عليه قصر وقبتان ، ثم يخرج من الأحواض منحدرا في الطريق وهو ينظر إلى البصرة حتى يدخلها (٧). ويقول الاصطخري في وصفه «أنه في قبائل العرب ومياههم ، مسلوك غير أنه مخوف» (٨).

__________________

(١) الثمد : الماء الضعيف. لسان العرب / ٣ / ١٠٥.

(٢) المخارم : الطرق في الأرض الغليظة.

(٣) العلم : حجارة تجمع فوق المكان المرتفع لترشد إلى الموضع.

(٤) المعرقبة : لعلها أم قصر. بلاد العرب / ٣٢٢ هامش.

(٥) النهام : الطريق الواسع الواضح.

(٦) المحاجي : جمع محجي وهو المكان الذي يجد فيه المرء ما يستظل به ويمتنع به من البرد أو العدو.

(٧) نغدة / بلاد العرب / ٣١٥ ـ ٣٢٥.

(٨) الاصطخري / مسالك الممالك / ٢٨ ، انظر الأقاليم / ١٥ ، صورة الأرض / ٤١.

١٢٨

طريق البحرين ـ اليمامة ـ مكة : ـ

يذكر ابن الفقيه الهمذاني أن بين اليمامة والبحرين مسيرة عشرة أيام (١) ، ويقول الهمداني في وصفه «ثم تصعد منها قاصدا لليمامة فيكون من عن يمينك خرشيم وهي هضاب وصحراء مطرحة إلى الحفرين وإلى السلحين ، والحفران هما حفر الرمانتين وهن مياه العرفة ، وأمام وجهك وأنت مستقبل مغرب الشمس مطلعك من الجيش فالحابسية ثم مزلقة ... ثم الموارد ثم الفروق الأدنى ثم الفروق الثاني ، ثم تطلع من الفروق في الخوار خوار الثلغ ثم الصليب ، وعن يمينك الصلب صلب المعي والبرقة برقة الثور ثم الصمان ... ثم ترجع إلى طريق زرى قاصدا إلى اليمامة» (٢) ، فمن عن يسار المسافر ماء الدبيب وهو يجتاز الصحصحان ، ومن عن يمينه ماء الدحرض ، ثم يقطع المسافر بطن قوثم السمراء وهي أرض شهب ، ثم يأخذ في الدهناء ، وهي هناك مسيرة يوم ، ثم ينثني من طريق زرى ويأخذ على الشجرة وهي شجرة ذي الرقة التي مات تحتها وكتب فيها شعره ، ثم يخرج من الجبال والشقاق إلى العثاعث وهي السلاسل ، والمسافر في ذلك يأخذ طريق الخل وهو خل الرمل ، وأول ماء يرده من العرمة من عن يساره ماء قلت هبل ، ومن عن يمينه قلات يقال لها نظيم الجفنة ، ومن عن يمين ذلك على ميسرة شباك العرمة والغرابات ، ثم يقطع العرمة فيرد وسيعا وهو من مياه العرمة ثم يسير في السهباء ثم يقطع جبيلا يسمى أنقذ ثم الروضة ثم يرد الخضرمة جو الخضارم مدينة وقرى وسوق وهي أول اليمامة من قصد البحرين (٣).

__________________

(١) البلدان / ٣٠ ، انظر ياقوت ١ / ٥٠٧.

(٢) الهمداني / صفة جزيرة العرب / ١٣٨.

(٣) الهمداني / صفة جزيرة العرب / ١٣٨ ـ ١٣٩.

١٢٩

ويذكرنا صرى خسرو أن المسافة من اليمامة إلى الحسا أربعين فرسخا (١) ، ويذكر أبو الفدا أن الحسا والقطيف شرق اليمامة على نحو أربع مراحل (٢) ، ولا يتيسر الذهاب من اليمامة إلى الحسا إلا في فصل الشتاء إذ تتجمع مياه الأمطار فيشرب الناس منها ، أما في الصيف فتنعدم المياه (٣).

ومن اليمامة إلى ضرية ، ومنها إلى مكة ، والضرية ملتقى حجاج البصرة والبحرين ، حيث يفترقون إذا انصرفوا من الحج ، يأخذ حجاج البصرة ذات الشمال ، وحجاج البحرين ذات اليمين (٤).

ب ـ الطرق البحرية : ـ

إن وقوع البحرين على الساحل الغربي من الخليج العربي أكسبها أهمية كبيرة ، إذ تمر به أهم الطرق البحرية التجارية (٥) ، وقد أدى ذلك إلى اتصالها بالعالم بالطرق البحرية ، فهي ترتبط بفارس والهند والشرق الأقصى ، كما ترتبط بعبادان (٦) والابلة ، والبصرة (٧) ، وعمان (٨) ،

__________________

(١) سفرنامة / ٩٢.

(٢) تقويم البلدان / ٩٧.

(٣) سفرنامة / ٩٢ ، ويذكر ياقوت برجد طريقا بين اليمامة والبحرين ١ / ٥٥٠ «مادة برجد» ، انظر أيضا مراصد الاطلاع / ١ / ١٣٩.

(٤) ابن رستة / الأعلاق النفيسة / ١٨٢.

(٥) عن أهمية طريق الخليج للتجارة انظر «التجارة مع الهند».

(٦) الاصطخري / مسالك الممالك / ٢٨ ، الأقاليم / ١٥ ، صورة الأرض / ٤١ ، وتذكر المصادر وجود طريق بري قفر غير مسلوك. مسالك الممالك / ٢٦ ـ ٢٧ ، ابن حوقل / ٣٩ ، تقويم البلدان / ٨٤ ، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب / ١٦.

(٧) انظر التجارة مع الهند ، والبصرة.

(٨) البكري / المسالك والممالك. ورقة ٢٢٢ ، ويذكر أن الطريق يمر بين جبلي كسير وعوير ثم دردور ثم إلى حرثان من ساحل عمان ، انظر أيضا المنجم / آكام

١٣٠

وكانت سفن البحرين تصل إلى ميناء الجار في الحجاز (١).

__________________

المرجان / ١١ ، ابن بطوطة / الرحلة / ٢٨٠ ، وتذكر المصادر أن الطريق بين عمان والبحرين كان في البر. الاصطخري / مسالك الممالك / ٢٧ ، صورة الأرض / ٣٩ ، ياقوت / ١ / ٥٠٦ ـ ٥٠٧ ، تقويم البلدان / ٨٤ ، مراصد الاطلاع / ١ / ١٣٠ ، التنبيه والإشراف / ٣٩٤ ، وقد طمرته الرمال فتحول إلى البحر. البكري / المسالك والممالك. ورقة ٢٢٢ ، آكام المرجان / ١١ ، رحلة ابن بطوطة / ٢٨٠.

(١) عرام / جبال تهامة / ٨ / ٣٩٨ في نوادر المخطوطات لعبد السلام هارون.

١٣١
١٣٢

الفصل الخامس

الفتح الإسلامي للبحرين

انضمت البحرين إلى الإسلام في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم دون قتال (١) ، وذلك بعد أن بعث صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي (٢) إلى المنذر بن ساوى ومعه رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام (٣).

وتختلف المصادر في تحديد زمن المراسلة ، فبعض الروايات تجعلها قبل فتح مكة (٤) ، ..........................

__________________

(١) أبو عبيد / الأموال / ٣٢ ـ ٣٣ ، ١٠٠ ، البخاري / الجامع الصحيح / ٣ / ٦٨ ، ٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، القسطلاني / إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري / ٥ / ١٨٥ ، ابن قتيبة / المعارف / ٥٧٠ ، البلاذري / فتوح البلدان / ٨٠ ، ابن الأثير / الكامل / ٢ / ٢١٥ ، معجم ما استعجم / ١٣٠ ، ٢٢٨ ، ٥٦٥ ، ياقوت / ١ / ٥٠٩.

(٢) هو العلاء بن ضماد بن سلمى بن أكبر من حضرموت وكان حليفا لبني أمية بن عبد شمس بن مناف. ابن سعد / ٤ ق ٢ / ٧٦.

(٣) ابن سعد / ١ ق ٢ / ١٩ ، البلاذري / فتوح / ٧٨ ، اليعقوبي / ٢ / ٨٣ ـ ٨٤ ، الطبري / ١ ق ٣ / ١٥٥٩ ، وما بعدها ، ابن سيد الناس / عيون الأثر / ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، ياقوت / ١ / ٥٠٨ ، وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عمرو بن العاص إلى البحرين. ابن سعد / ٧ ق ٢ / ١٩٢ ، انظر أيضا ابن الأثير / أسد الغابة في معرفة الصحابة / ٢٠٣٤ ـ ٢٠٤.

(٤) سيرة ابن هشام / ٤ / ٢٤٣ (عن ابن إسحاق) انظر ابن حزم / جوامع السيرة / ٢٩ ،

١٣٣

وتحددها في سنة ٧ ه‍ (١) ، وروايات أخرى تجعلها بعد فتح مكة ، وفي سنة ٨ ه‍ (٢) ، ونحن نرجع أن المراسلة تمت بعد الفتح ، حيث زادت قوة الرسول وعلت سمعته بعد أن تخلص من العدو الأكبر الذي كان يقف بوجه الإسلام ويستنزف شغله ، ولذا بدأ في توسيع نطاق الدعوة في أطراف الجزيرة ، ومن الصعب أن نعتبر الرسائل قبل فتح مكة ، لأن هذا العمل قد يستفز قريش فتجدد عدائها للإسلام.

وقد بعث الرسول مع العلاء إلى البحرين أبا هريرة وأوصاه به خيرا (٣) ، وقد أسلم المنذر بن ساوى بكتاب ..............

__________________

ابن قيم الجوزية / زاد المعاد / ١ / ٣١ ، الطبري / ١ ق ٤ / ١٧٣٧ ، الكامل / ٢ / ٢٩٨ ، ابن كثير / البداية والنهاية / ٥ / ٤٨ ، ابن خلدون / ٢ / ٨٣٣ ـ ٨٣٤ ، الديار بكري / تاريخ الخميس / ٢ / ١١٦ ، ١٨٣ ، الزرقاني / شرح الزرقاني على المواهب اللدنية / ٣ / ٣٦٧ ، العسقلاني / الإصابة في تمييز الصحابة / ٣ / ٤٣٩.

(١) المطهر القدسي / البدء والتاريخ / ٤ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، انظر المسعودي / التنبيه والإشراف / ٢٥٩ ، ابن سيد الناس / عيون الأثر / ٢ / ٢٥٩ ، وفي رواية أخرى أن المراسلة كانت في سنة ٦ ه‍ بعد الحديبية. ابن هشام / السيرة / ٤ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩ (بسند عن أبي بكر الهذلي) ، انظر أيضا البلاذري / فتوح (٧٩ ، التنبيه والإشراف / ٢٦١ ، ابن حزم / جوامع السيرة / ٢٩ ، ياقوت / ١ / ٥٠٩.

(٢) ابن سعد / الطبقات / ٤ ق ٢ / ٧٦ ، ١ ق ٢ / ١٩ ، انظر الإصابة / ٢ / ١٧١ ، فتوح / ٧٨ ، الطبري / ١ ق ٣ / ١٦٠٠ (عن الواقدي) ، الكامل / ٢ / ٢٣٠ تاريخ الخميس / ٢ / ١١٦ ، ياقوت / ١ / ٥٠٨ ، النويري / نهاية الأرب / ١٨ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ، زاد المعاد / ١ / ٣١ ، الزرقاني / ٣ / ٣٦٧ وفي رواية أخرى أنها كانت سنة ٩ ه‍. الزيلعي / نصب الراية لأحاديث الهداية / ٤ / ٤١٩ ـ ٤٢٠ ، وفي رواية ثالثة أن إرسال العلاء كان بين الحديبية ووفاته صلى الله عليه وسلم. الطبري / ١ ق ٣ / ١٥٦٠ ـ ١٥٦١ ، انظر أيضا ابن خلدون / ٢ / ٧٨٨.

(٣) ابن سعد / ١ ق ٢ / ١٩ ، ٤ ق ٢ / ٧٧ ، انظر الإصابة / ٤ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، البداية والنهاية / ٨ / ١١٣ ، وفي رواية أخرى لابن سعد أن النبي بعث مع العلاء جماعة غير أبي هريرة ٤ ق ٢ / ٧٧ ، انظر الزبلعي / نصب الراية / ٤ / ٤٢٠.

١٣٤

رسول الله (١) فأسلم معه جميع العرب وبعض العجم (٢).

أما أهل الأرض من المجوس واليهود والنصارى الذين فضلوا الاحتفاظ بأديانهم فقد صالحوا العلاء وكتب بينه وبينهم كتابا هذا نصه «بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين ، صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر ، فمن لم يف بهذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (٣) ، أما الجزية فقد كانت على كل حالم دينار (٤).

إن شروط الصلح هذه لا يمكن أن تتم في هذه الفترة المبكرة من انضمام البحرين إلى الإسلام ، كما أن ظروف الدولة آنذاك لا تمكن العلاء من فرض هذه الشروط ، يضاف إلى ذلك أنه إذا أخذت مثل هذه المبالغ فكيف كانت موارد الرسول قليلة في أيامه الأخيرة كما تذكر المصادر؟ والراجح أن هذه الشروط مختلقة.

__________________

(١) سيرة ابن هشام / ٤ / ٢٤٣ ، انظر عيون الأثر / ٢ / ٢٦٧ ، زاد المعاد / ١ / ٣١ ، الزرقاني / ٣ / ٣٦٧ ، فتوح / ٧٨ ، البدء والتاريخ / ٢ / ٢٢٩ ، تاريخ الخميس / ٢ / ١٨٣ ، نصب الراية / ٤ / ٤٢٠ ، وفي رواية أخرى أن المنذر بن ساوى وفد على النبي سنة ٩ ه‍ مع الجارود العبدي في وفد عبد القيس فأسلموا. تاريخ خليفة بن خياط / ١ / ٥٧ ، ابن خلدون / ٢ / ٦٢٢ ، ابن عبد البر / الاستيعاب / ١ / ٢٦٢ د ٤ / ١٤٤٨ ، أسد الغابة / ٥ / ٩ ، الإصابة / ٣ / ٥١٥ ، الزرقاني / ٣ / ٣٥٠ ، دحلان / السيرة النبوية / ٢ / ١٩٩ ، وقد انقضها عدد من الرواة ، انظر أسد الغابة / ٥ / ٩ ، الإصابة / ٣ / ٤٣٩ ، عيون الأثر / ٢ / ٢٦٧ ، الزرقاني / ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، دحلان / السيرة النبوية / ٢ / ١٩٩.

(٢) فتوح / ٧٨ ، انظر ياقوت / ١ / ٥٠٨.

(٣) البلاذري / فتوح / ٧٨ ، وفي ياقوت / ١ / ٥٠٨ «... ويقاسمونا الثمر».

(٤) فتوح / ٧٨ ـ ٧٩ ، وفي ابن الأثير / الكامل / ٢ / ٢١٥ أنهم صالحوا العلاء على الجزية فقط ، ياقوت / ١ / ٥٠٨.

١٣٥

إن إسلام المنذر بن ساوى لا يمكن أن يكون بالسهولة التي ذكرها المؤرخون ، والراجح أن ما ذكره السهيلي (١) كلام مختلق ، وإن أسباب تأييد المنذر للاسلام واتباعه النبي رغم بعد المسافة بينهما أعمق وأبعد.

إن الاتصال بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أهالي البحرين ، وإرسال الممثلين والوفود ، وتحصيل الضرائب حقيقة ثابتة لا تقبل الشك ، كما أنه توجد قناعة ثابتة بأن هناك بعض الجماعات في البحرين كانوا يدافعون عن الإسلام في حياة الرسول (٢) ، ويتبين من كتاب (٣) الرسول إلى المنذر أنه ارتبط بالنبي لعوامل سياسية وذلك للاحتفاظ بسلطته في البحرين ، وتثبيتها وتوسيعها ، والواقع أنه بعد إسلامه بقي في السلطة حتى وفاته عام ١١ ه‍ ، أما عمال الرسول إلى البحرين فكان عملهم محدودا في نطاق الأمور المالية ولم يكن لهم سلطان سياسي (٤) ، ولعله حاول نشر الإسلام في البحرين ، ووافق على دخول الجباة المرسلين من المدينة إليها ، وعلى إرسال أموال الجباية إلى المدينة لأنها تزيد من قوته (٥) ، ويرى كايتاني أن قضية دخول البحرين في الإسلام ، والحوادث المروية من قبل المحدثين حولها مبالغ فيها ، إن

__________________

(١) انظر السهيلي / الروض الآنف / ٢ / ٣٥٦ حيث يذكر حوارا بين العلاء الحضرمي وبين المنذر بن ساوى وعلى أثره أسلم المنذر ، انظر أيضا الحلبي / السيرة الحلبية / ٣ / ٨٤ ، دحلان / السيرة النبوية / ٢ / ١٩٨ ـ ١٩٩ ، الزرقاني / ٣ / ٣٥١ ـ ٣٥٢.

(٢) كايتاني / إسلام تاريخي / ٦ / ١١٨ ـ ١١٩.

(٣) انظر نص الكتاب في الملحق الأول.

(٤) انظر الفصل السادس.

(٥) كايتاني / ٦ / ١٢١.

١٣٦

الإسلام انتشر على نطاق ضيق وبصورة ضعيفة ، وقبلت به أقلية قليلة من السكان ، كما أن انتشاره في تلك المناطق كان لعوامل سياسية ولم يكن نتيجة ميل وحب داخلي بل كان نتيجة ضغط الحاكم (١) ، ويبني كايتاني رأيه هذا على أساسين هما :

١ ـ بعد البحرين عن الحجاز وصعوبة وصول الرسول إليها ، وذلك بسبب وجود الصحارى في جنوب الجزيرة التي لا يمكن اجتيازها ، كما أن قبائل حنيفة الأشداء في اليمامة يكونون فاصلا بين الرسول صلى الله عليه وسلم والبحرين ، وكذلك الصحارى الموجودة في وسط الجزيرة والتي تكون فاصلا بين اليمامة والحجاز كانت تسكنها قبائل قوية مثل أسد ، وغطفان وسليم ، وتميم وغيرها ، ولم يكن للرسول أي نفوذ أو حكم عليها.

كما أنه لا توجد علاقة بين الحجاز والبحرين ، وبناء على ذلك فلم يكن للسكان أي سبب للخوف من الرسول ، كما أنهم لن يستفيدوا شيئا من الخضوع له (٢).

٢ ـ قوة حركة الردة التي حدثت في البحرين سنة ١١ ه‍ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والقوة التي أظهرها المرتدون تجاه المسلمين (٣).

إن رأي كايتاني فيما يتعلق بانتشار الإسلام في البحرين ضعيف ، فالإسلام انتشر هناك على نطاق واسع ، حيث تؤكد المصادر أن جميع العرب وبعض العجم قد أسلموا (٤) ، كما أن الحجج التي استند عليها كايتاني ضعيفة ، فهو يجعل البحرين منفصلة تماما عن الحجاز ، وأن

__________________

(١) كايتاني / ٦ / ١٢١ ـ ١٢٣.

(٢) كايتاني / ٦ / ١١٩ ـ ١٢٠.

(٣) ن. م. / ٦ / ١٢٠ ، ١٢٣.

(٤) فتوح / ٧٨ ، ياقوت / ١ / ٥٠٨.

١٣٧

وصول الرسول إليها أمرا مستحيلا ، أما المصادر فتؤكد على صلة البحرين التجارية بالحجاز قبل الإسلام وبعده (١) ، أما الردة فلم تكن بالقوة التي يتصورها كايتاني ، وقد استطاع العلاء الحضرمي أن يقضي على المرتدين (٢).

وفادة عبد القيس على الرسول صلى الله عليه وسلم : ـ

ذكرت المصادر لعبد القيس أنه أرسل وفدان على رسول الله ، فأما الوفادة الأولى فهي برئاسة الأشج (٣) : ـ

يروى ابن سعد أن الأشج أرسل صهره وابن أخته عمرو بن عبد قيس مع قافلة تحمل التمور إلى مكة للتجارة بها ، وأوصاه بالحصول على المعلومات الكافية عن النبي ، وقد وصلت القافلة عام الهجرة وأسلم عمرو ، وطلب منه الرسول أن يدعو خاله الأشج إلى الإسلام ، ثم عاد إلى البحرين وأخبر خاله بما رآه وسمعه ، وعندئذ أسلم الأشج وكتم إسلامه ثم وفد مع نفر من أهل هجر على رسول الله في المدينة فأسلموا (٤).

__________________

(١) عن علاقة البحرين التجارية بالحجاز انظر الفصل الرابع.

(٢) انظر يوم جواثا في الفصل الثالث «جواثا».

(٣) اسمه المنذر بن عائذ وسوف تأتي ترجمته فيما بعد.

(٤) ابن سعد / ٥ / ٤١١ ، انظر ابن قتيبة / المعارف / ٣٣٨ ، وفي ابن حجر / الإصابة / ٢ / ١٧١ «كان الأشج أشج عبد القيس واسمه المنذر بن عائذ بن الحارث بن المنذر بن النعمان العبدي صديقا لراهب ينزل بدارين فكان يلقاه في كل عام ، فلقيه عاما بالزارة فأخبر الأشج أن نبيا يخرج بمكة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه علامة ، يظهر على الأديان ثم مات الراهب فبعث الأشج ابن أخته من بني عامر بن عصر يقال له عمرو بن عبد قيس ... وبعث معه تمرا يبيعه وملاحف ...» ، وفي رواية أخرى أن منقذ بن حيان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية فشخص إليها بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة

١٣٨

ويرجع كتمان الأشج وجماعته إسلامهم عند خروجهم من هجر إلى خوفهم من مشركي اليمامة وتميم ، وتشير الرواية إلى صلة البحرين التجارية والفكرية بالحجاز ، كما أنها تعكس حالة القلق الفكري في البحرين ، وتلقي الضوء على بداية إسلام عبد القيس واتصالهم بالرسول والتي تبدو غامضة.

وقد وصل الوفد عام ٨ ه‍ أي قبل فتح مكة (١) ، ويذكر ابن سعد

__________________

النبي ، فبينما منقذ جالس إذ مر به النبي فنهض فسأله النبي عن حاله وقومه فأسلم وتعلم سورة الفاتحة و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وكتب النبي معه إلى جماعة من عبد القيس كتابا ورجع منقذ إلى هجر وكتم الكتاب ثم أخبر الأشج والد زوجته بكتاب رسول الله فأسلم وأخذ الكتاب فقرأه على قومه عصر ومحارب فأسلموا وأجمعوا السير إلى رسول الله فسار الوفد. النووي / صحيح مسلم بشرح النووي / ١ / ١٨١ ، انظر أيضا الكرماني / صحيح مسلم بشرح الكرماني / ١ / ٢١١ ، العيني / عمدة القاري / ١ / ٣٠٩ ، الزرقاني / شرح الزرقاني على المواهب اللدنية / ٤ / ١٥ ، وفي رواية أخرى لابن سعد عن الواقدي أن الرسول كتب إلى أهل البحرين أن يقدم عليه عشرون رجلا فقدم عليه عشرون رجلا رأسهم عبد الله بن عوف الأشج / ١ ق ٢ / ٥٤ ، ٥ / ٤٠٦ ، انظر أيضا النويري / ١٨ / ٦٥ ـ ٦٦ ، وفي رواية أخرى لابن سعد عن الواقدي أيضا أن الرسول كتب إلى العلاء بن الحضرمي أن يقدم عليه بعشرين رجلا من عبد القيس فقدم عليه بعشرين رجلا رأسهم عبد الله بن عوف الأشج ٤ ق ٢ / ٧٧ ، انظر أيضا الإصابة / ٢ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨.

(١) ابن سعد / ١ ق ٢ / ٥٤ ، الإصابة / ١ / ٦٦ ، النووي / صحيح مسلم بشرح النووي / ١ / ١٨٤ ، الكرماني / صحيح مسلم بشرح الكرماني / ١ / ٢٠٩ ، العنيي / عمدة القاري / ١ / ٣٠٩ ، القسطلاني / إرشاد الساري / ١ / ١٢٠ ، الحلبي / السيرة الحلبية / ٣ / ٢٥٠ ، دحلان / السيرة النبوية / ٢ / ١٧٠ ، وفي رواية أخرى أن قدوم الوفد كان في سنة ٥ ه‍ أو قبلها. القسطلاني / فتح الباري / ٩ / ١٤٧ ، الزرقاني / ٤ / ١٥ ، ويذكر السهيلي أن قدوم الأشج كان في «سنة الوفود» ٩ ه‍. الروض الانف / ٢ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ، انظر أيضا ابن قيم الجوزية / زاد المعاد / ٣ / ٢٩ ـ ٣٠ ، البداية والنهاية / ٥ / ٤٠ ، وفي رواية أخرى أنهم قدموا عام ١٠ ه‍. الإصابة / ٦ / ٦٦.

١٣٩

أن النبي أسكن الوفد في دار رملة بنت الحارث حيث مكثوا عشرة أيام ، كان الأشج خلالها يسائل رسول الله عن القرآن ، وكان أبي بن كعب يقرأ عليه بعض السور (١) ، كما تعلم أعضاء الوفد بعض سور القرآن (٢). والراجح ما ذكره ابن حجر من أنهم بقوا إلى ما بعد فتح مكة عام ٨ ه‍ (٣). وقد بين أعضاء الوفد للرسول أنهم بسبب الكفار من مضر لا يستطيعون المجيء إليه إلا في شهر حرام حيث إن جميع القبائل تعظم الأشهر الحرم وتوقف القتال فيها وطلبوا منه أن يعلمهم من أمور الإسلام ليعملوا بها وليدعوا إليها أقوامهم ، فأمرهم الرسول بالإيمان بالله وحده وفسره لهم بأنه شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن يؤدوا من المغانم الخمس ، ونهاهم عن الانتباذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت (٤).

إن الأحاديث المروية عن الرسول حول منعه عبد القيس من الانتباذ في الأوعية المذكورة تبدو مختلفة لأنها ليست المحرمات الأساسية في الإسلام.

ويذكر ابن حجر في ترجمة المنذر بن الأشوع العبدي أنه «قدم في وفد عبد القيس فقالوا يا رسول الله جئنا سلما غير حرب ، ومطيعين غير عاصين فاكتب لنا كتابا يكون في أيدينا تكرمة على سائر العرب ، فسر النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم ونهاهم ووعظهم وكتب لهم كتابا» (٥).

__________________

(١) ابن سعد / ١ ق ٢ / ٥٤ ، ٥ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧.

(٢) ابن حنبل / المسند / ٣ / ٤٣٢.

(٣) الإصابة / ٢ / ١٧١.

(٤) أبو عبيد / الأموال / ١٢ ، النجاري / الصحيح / ١ / ٢٢ ، ٣٤ ، ١٤٢ ، ٣٥٥ ، ٣ / ١٦٤ ، مسلم / الصحيح / ١ / ٤٦ ـ ٤٨ ، ٣ / ١٥٧٩ ، البيهقي / السنن / ٦ / ٢٩٤ ، وذكر ابن حنبل أن الرسول أمرهم بالحج إضافة إلى ما ذكر. المسند / ١ / ٣٦١.

(٥) ابن حجر / الإصابة / ٣ / ٤٣٨.

١٤٠