زواج بغير اعوجاج

المؤلف:

حسين هادي الشامي


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مؤسسة النعمان
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٠

البيت أنت عماده فترفقي

بالبيت لا تطغي عليه يداك

لك في نواصيه شؤون جمة

لا تتركيه يعيث فيه سواك

عودي إليه فأنت أنت سراجه

كم بات من هجرانه ينعاك

لولاك ما انحلت عراه ولا وهت

أركانه وتحطمت لولاك

* * *

والزوج ما لك قد حقرت مقامه

من ذا الذي بحقوقه أغراك

للزوج أنت فسارعي لرضائه

إن أنت راعيت الحقوق رعاك

وإذا نشزت وملت عن نهج الهدى

فعرا كما قد آذنت بفكاك

* * *

والطفل من للطفل غيرك ؟ نش‍

‍ئيه على المكارم وارفقي بفتاك

قودي الى سبل الفضيلة خطوه

فسيهتدي في سيره بخطاك

حتى يشب على الفضائل والعلى

يحمي حماه من الردي وحماك

* * *

للبنت كوني خير أم إنها

حقا تقلد أمها وتحاكي

مرآتها في الناس انت وسعيها

رهن بما تسعى لها قدماك

فإذا غويت فأمرها لغواية

وإذا اهتديت استرشدت بهداك

وإذا صلحت ففيك مبعث أمة

ونجاتها من فتنة وهلاك

* * *

لك في رحاب الدين أكرم عصمة

فتفيئ فيها ضلال هداك

واحيى حياة الطهر لا تلك التي

فيها صباحك عابث ومساك

هذا الجمال الحق لا ما قد بدا

في قبح عريك أو بريق طلاك

ليس الجمال صباغة وصناعة

هو صبغة الله الذي سواك

٦١

فتطلبي عز الحياة ومجدها

وجمالها فيما إليه دعاك

لبي نداء الدين واجتنبي الردى

وكفاك ما عانيت من مسعاك

هذا هدى الإسلام دوى صوته

عودي لرشدك وارجعي لهداك

* * *

١٤ ـ أخي العزيز ! أختي العزيزة ! إياكما أن تعتبرا في الزواج التكافؤ في السن ، بل يجب عليكما أن تعتبراه في الدين وحسن الخلق. فرب كبير في السن بالنسبة لزوجته وكبيرة في السن بالنسبة لزوجها يكونان كبيرين في السيرة والسريرة ، فيتحقق التلاؤم والتلاحم بينهما فيتمتعان بحياة طيبة. ورب صغير في السن بالنسبة لزوجته وصغيرة في السن بالنسبة لزوجها ، يكونان صغيرين في الفضيلة وحقيرين في مظهر التقوى .. فلا نشاهد لهما وفاقاً ولا نسمع عنهما إلا شقاقاً ونفاقاً. وبالتالي فتلك الأحوال قد تسبب بينهما طلاقا وفراقا. والجدير بالذكر هو أن الزوج في سن الخمسين أو الستين قد يكون أصح جسما وأوفر نشاطا وأبهى منظرا من الزوج في سن العشرين أو الثلاثين ، فتعيش معه الزوجة الشابة آمنة مطمئنة سعيدة به وبأولادها منه.

١٥ ـ أخي العزيز : إذا أردت الزواج فلا تجعل همك أن تكون الزوجة بكراً ، بل يجب عليك أن تهتم بصلاحها وأخلاقها الحميدة. وإن كانت البكر أفضل مع إحراز فضيلتها وسلامة إنسانيتها ، فرب ثيب توفر لزوجها السعادة والهناء ، وتعينه في السراء والضراء ، ورب بكر تجلب لزوجها الشقاء والعناء ، وتؤدي بحياته إلى الهباء والفناء.

ونهاية المطاف : قال الله سبحانه وتعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ).

أجل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تزوج « خديجة بنت خويلد » وكانت ثيبا وأكبر منه في السن بخمسة عشر عاماً أو عشرين

٦٢

ـ كما نقل ـ ، فعاشت معه مخلصة له ومجاهدة ومساندة له في الشدائد والنوائب ، وبذلت له في سبيل الدعوة إلى الإسلام جميع أموالها الطائلة ، وفي نفس الحال كان لها نعم الزوج الرؤوف بها والمُوفى لحقوقها والمحترم لفضلها .. وبلغ الحزن به لوفاتها مبلغاً عظيماً. وقد نُقل أنه قد سمي العام الذي توفيت فيه ( عام الحزن ). وكذلك قد تزوج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « عائشة » وكان أكبر منها في السن بخمس وأربعين سنة ـ كما نُقل ـ ومع ذلك فقد كانت تفخر بجماله وتشيد بكماله.

بهاء الزواج بذرية طيبة

إن الهدف الأسمى للزواج هو إنشاء ذرية طيبة تحيا بها الأسرة حياة آمنة كريمة ، ولا يتحقق ذلك إلا بتربية الأولاد تربية قويمة بفرعيها ، ألا وهما ( التربية البدينة ـ التربية الروحية ).

التربية البدنية

للتربية البدنيه شعبتان : الأولى ـ أثناء الحمل. الثانية ـ بعد الولادة.

أثناء الحمل :

١ ـ يجتنب الزوج الخمر والبيرة والتدخين وتناول المخدرات ، ويعالج مرض فقر الدم والأمراض السارية .. خصوصاً الزهرية منها إذا كان مصابا بها. ويجب أن يتم العلاج قبل الزواج.

٢ ـ رعاية صحة الزوجة كما يأتي :

(أ) أمنها من الانفعالات النفسية.

(ب) تجتنب الخمر والبيرة والتدخين والمخدرات.

(ج) تتناول الأغذية الصحية التي مر ذكرها صفحة ٥٨. وإضافة

٦٣

إلى ذلك تتناول كوبين من اللبن « الحليب » يومياً لبناء عظام الجنين.

(د) معالجتها لمرض السكر وفقر الدم والأمراض السارية ـ خصوصاً الزهرية منها إذا كانت مصابة بها ـ ويتم ذلك قبل الزواج.

بعد الولادة :

أولا : أخي الزوج ! أختي الزوجة ! لا تعصيا ربكما واحذرا أن تتعاونا على إثم كبير وعدوان صارم على أولادكم بعدم تغذيتهم باللبن الذي أعده الله سبحانه وتعالى لهم في مستودعه الخاص ، وهو ثدي المرأة ، وذلك في مدة قررها لا تزيد على عامين قمريين ولا تنقص عن ٢١ شهراً قمرياً. وإياكما أن تغفلا عن زق الطفل بالمادة الصفراء التي تخرج من الثدي قبل اللبن ، وهي المسماه « اللباء » ، فإنها من أهم مقومات صحته. واعلما بأن حرمان الطفل من رضاعة الثدي يؤدي إلى تخلفات عديدة أهمها :

(أ) فقدان الطفل لحنان أمه الذي يتلقاه أثناء مص الثدي ، فيؤدي ذلك إلى تخلفه عن النمو الكامل.

(ب) سرعة حمل المرأة التي لا ترضع الرضاعة المقررة بصورة قد تضر صحتها.

(ج) تقلص رحم المرأة ببطء في حال إرضاع طفلها من غير ثديها. وذلك ما يهم الزوج بصورة ملموسة ..

(د) يكون الطفل عرضة لأمراض عديدة منها ترتبط بالقلب وأخرى بالشرايين والأعصاب والدماغ ، وبالتالي يفقد المناعة ضد الأمراض العامة. والجدير بالذكر هو أن التغذية الصحيحة للمرضعة توفر الحليب الكافي للطفل. ومن أهم الأغذية التي تزيد كمية الحليب .. التمر « البلح » مع كوبين من لبن البقر صباحاً ـ العدس ـ الزيتون ـ التين. فلا تغفلا بصورة خاصة عن العدس الأسود أو الأخضر لا الأحمر ، وكذلك سبع تمرات على الاقل يومياً ( راجعا صفحة ٥٩ ) خصوصاً الخبز الأسمر بنخالته.

٦٤

ثانياً : (أ) يتغذى الطفل بعد فطامه بالأغذية الحية التي مر ذكرها ، وأنادي الوالدين مرة أخرى لاجتنابهما عن الخبز الأبيض الذي نزعت عنه نخالته ، وليكرهانه إلى أولادهما. وأنبهما إلى البطاطس فهي من أحسن الأغذية ولكن بشرطين :

١ ـ تؤكل مسلوقة لا مقلية.

٢ ـ لا يُنزع قشرها عند الأكل ـ كما ثبت في علم الأغذية ـ ( النصحية للوالدين أيضاً ).

(ب) يجتنب الأولاد شدة الحرارة والبرودة في الأطعمة والمشروبات فإنها تضر صحتهم ، خصوصاً بالنسبة إلى « الللوزتين ». ( النصيحة للوالدين أيضا ).

(ج) أيها الوالدان : مرنا أولادكما على المضغ الجيد للطعام ، ففي ذلك الفائدة العظمى لصحتهم. ( النصحية لكما أيضا ).

(د) أيها الوالدان : دربا أولادكما على النظافة ، خصوصاً تقليم الأظفار مرة واحدة على الأقل خلال الأسبوع ، وعلى تنظيف الأسنان ورعاية صحتها ( كما في صفحة ٤٦ ) (١). وكذلك درّباهم على استقامة الظهر عند القراءة والكتابة بتهيئة ما يجتنبون به انحناء العمود الفقري. واحذرا أن يتعود اولادكم بالجلوس أمام التليفزيون بمسافة تكون أقل من مترين ، ففي ذلك خطر على أبصارهم ( النصيحة لكما أيضا ).

(ه) أيها الوالدان : بادرا إلى معالجة مرض السعال إذا أصيب به أحد أولادكما ، ويجب عليكما وقايته من المشروبات الباردة بشدة ، وتناول الحوامض والأطعمة الممزوجة بالفلافل والبهارات والمقليات. فالإهمال قد

__________________

(١) خصوصاً المضمضة مباشرة بعد تناول السكريات السائلة ، والأطعمة الحلوة ، بعد إخراج أجزائها بالعيدان أو الخيوط الطبية ، وكذلك تنظيفها بالفرشاة والمعجون عندما النوم.

( زواج بغير اعوجاج )

٦٥

يؤدي إلى إصابة الرئتين بالتدرن ( نعوذ بالله ) وكذلك إذا شكا أحد أولادكما التهابا في إحدى أذنيه فلا تستهينا شكواه ، بل سارعا إلى درء الخطر قبل تفاقمه ( النصيحة لكما أيضا ).

(و) أيها الوالدان : قويا إرادتكما وكونا مسيطرين على شهوتكما وهواكما باتباع أمور تجلب لكما الصحة في تعذيتكما ، وربيا أولادكما على ذلك :

(أ) اجتناب الشاي مع الطعام أو بعده مباشرة ، فإنه يصد نفوذ مادة الحديد الموجودة في الطعام إلى الدم ، فلا يُشرب إلا بعد ساعتين من تناول الطعام على الأقل ( كما ورد في علم التغذية ) (١) ومن ضعفت إرادته في طعام الصباح فليقو إرادته عند طعام الظهر والعشاء.

(ب) كلا الفاكهة قبل الطعام ( كما ورد إجماع الأطباء على هذا الأمر ) ولا تتبعا ما هو المتعارف بين الناس.

(ج) حاولا أن تكون مائدة الطعام محتوية على ما يأتي :

١ ـ الملح ( تناول مقدار نصف حمصة ابتداء ومثله اختتاما للطعام ) (٢).

٢ ـ الخضرة ( البقدونس ـ النعناع ـ الفجل وغيرها ).

٣ ـ التمر « البلح ».

٤ ـ اللبن « الزبادي ».

(د) وهذا الأمر الأخير هو أهم الأمور فإنه الإسراف في الطعام والشراب ، فقد ثبت في علم الطب أن أكثر الأمراض تطرأ نتيجة امتلاء المعدة بصورة كلية. ويكفينا تحذيرا قول الله سبحانه وتعالى : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) وقد روى أن رجلا سأل الحسن بن علي

__________________

(١) تتركز حيوية الإنسان وقوته على غنى دمه بالحديد ، فنعوذ بالله من مرض « فقر الدم ».

(٢) راجع ( صفحة : ٤٧ ).

٦٦

عليهما‌السلام عن أمور يستغني باتباعها عن الطبيب ، فأجابه قائلاً ما مضمونه « اقبل إلى الطعام وأنت تشتهيه ، وقم عنه وأنت تشتهيه ، وامضغ الطعام مضغاً جيدا ، وعرض نفسك على بيت الخلاء عند النوم ».

(ه) أيها الوالدان : أناديكما مخلصا مرة أخرى ، إذا كنتما مدمنين بالتدخين فأقول لكما باختصار : « عجبا لحالكما ! كيف تفرحان وتبتهجان لإحراق سيكارتكما ، ولا تحزنان لإحراق كيان صحتكما وصحة أولادكما (١) ، وكذلك الجنين في بطن أمه » فإن أعرضتم عن قولي فإنا لله وإنا إليه راجعون.

التربية الروحية

أيها الوالدان : اعلما وعلما أولادكما ما يأتي :

أولاً : يجب على الإنسان أن يعلم بأن الله سبحانه وتعالى لم يخلقه عبثاً (٢) ، بل خلقه لتحقيق الهدف السامي وهو البحث عن كنه مسيره في هذه الحياة وبعدها ، فيسأل كيف بدأ المسير وإلى أين ينتهي؟ فالجواب هو قول الله سبحانه وتعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) ( المؤمنون / ١١٥ ).

وقوله تعالى أيضاً : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ( الذاريات / ٥٦ ).

ولا تتحقق عبادة الإنسان لربه إلا بتشييده لبناء الدين الحنيف في قلبه ، وذلك هو بناء الإسلام الذي علمه سبحانه وتعالى كيفية إقامته ليكون قاعدة رصينة لتقويم مدنيته وحضارته ، وبالتالي لإحراز سعادته في الدنيا والآخرة ،

__________________

(١) يتلوث هواء المسكن بالدخان فيضر الساكنين.

(٢) راجع صفحة (٣١).

٦٧

كما قال تعالى : ( اقرأ باسم ربّك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربّك الأكرم * الذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم ) ( أوائل سورة العلق ).

أجل : ( علّم الإنسان ما لم يعلم ) منذ وهبه الطاقات الجبارة للكشف عن كل مجهول ، وذلك بالتعبير الرائع ( ما لم يعلم ). والجدير بالذكر هو أن الله سبحانه وتعالى فرض على الإنسان أن يتعلم بقلب واع يتحلى بحرية البحث ، ويتخلى عن الشهوات والأهواء ، ويتنزه عن التحيز لما لديه من الآراء والتعصب لاتباع الآباء ، فلا يبني عقيدته وسيرته على ما لقّنه وعلّمه أبواه فيُلقى الشك على ما هو عليه ، ويبدأ باحثا متحررا التحقيق الحق ودحض الباطل. وأقدم للقراء الأعزاء شخصية نبيلة قد تحررت من قيود تقليد الآباء ، وتنزهت عن الأهواء والعواطف ، ألا وهي شخصية الدكتور « نظمي لوقا » الذي نصّره أبواه فكان مسيحيا ، ولكن نور الحرية الفكرية قد سطع في قلبه فبحث ومحص وفكر وتدبر في الأديان والعقائد ، وكانت النتيجة أنه اعترف بأن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو خاتم النبيين ، وقد أرسله رب العالمين إلى الناس أجمعين ، وقد اصدر هذا الدكتور كتابين قيمين : ( وامحمداه ـ محمد الرسالة والرسول ) بين فيهما للقراء الأحرار عظمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدق رسالته.

أيها القراء الأعزاء : تدبروا قوله الرائع في كتابه « محمد الرسالة والرسول :

« من شك في صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمعناه أنه قد شك في مظهر الصدق في العالم ، ويجب عليه أن يطعن في كل من يراه أو يسمع به يزعم التحلي بفضيلة الصدق ».

وتدبروا وفكروا أيضا في قوله المجيد الذي جاء في كتابه « وامحمداه » (١) :

« فأي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من أبي القاسم ـ يعني محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة رب العالمين. ومن الضياع والانحلال إلى السمو والإيمان ، ولم يفد من

__________________

(١) صفحة ( ٢٢ ـ ٢٣ ).

٦٨

جهاده لشخصه أو آله شيئا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام ؟

« حفاظا على معنى الشرف ، وصيانة لحق المروءة ، أوجبت على نفسي ذلك الإنصاف لشخص أبي القاسم ، وللرسالة التي حملها إلى الناس في أمانة وصدق وتحرج لا يباري .. ».

« أوجبت ذلك على نفسي منذ عرفت قدره ، وأدركت خطره ، والواجب فرع ـ عند ذوي الأمانة عن الإدراك .. فشهادة الحق من أوجب الأمانات ، والساكت عن الحق شيطان .. فمن يجهل الحق لا لوم عليه .. والملام كل الملام على من يدرك الحق كرائعة النهار ، ثم يتخاذل عن إعلانه ويترك رايته تنتكس بين السفلة والطغام ، وتوطأ بأقدام الجهلة والظلمة واللئام .. وساء ذلك صنعا إنه كان إثما وبيلا .. ».

« ضنّاً بنفسي عن هذا الخزي الموبق تصديت لتلك الغاية ، ولا جناح على من اتخذ الى ربه سبيلا .. ».

ونهاية المطاف : أنادي القراء الأعزاء الذين ابتغوا غير الإسلام دينا وابتغوا دين آبائهم ـ خصوصاً غير المسلمين ـ فأرسلها إليهم صيحة ناصحة مخلصة : إنكم ستحشرون جميعا يوم القيامة بعد موتكم ، وسيحاسبكم ربكم على دينكم. فكيف بكم إذا سأل كل طائفة منكم بهذا السؤال ؟ هل فكرتم ؟ هل بحثتم في دينكم وعرفتم أنكم على الحق والأديان الأخرى هي الباطل؟ فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا.

ولا أدري كيف يكون حال غير المسلمين إذا وقفوا أمام رب العالمين يوم القيامة ، فسألهم : « لماذا لم تكونوا مسلمين ، والإسلام اشترط كمال الإيمان بالاعتقاد بالأنبياء السابقين ومنهم موسى وعيسى عليهما‌السلام ؟ لماذا

٦٩

اقتصرتم على الاعتقاد ببعض الأنبياء ولم تعتقدوا بجميعهم وخاتمهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ لماذا أصبح الدكتور المسيحي « نظمي لوقا » مسلما ( كما مر ذكره سابقا ) وكذلك كثير من العلماء الأوربيين (١) غير المسلمين استناروا بنور الإسلام ، وأنتم بقيتم على دينكم ؟ ليس الجواب إلا أن تعترفوا قائلين : « ربَّنا إنا كنا لآبائنا تابعين ومقلّدين ، ولو كنا نبحث أو نفكر ما كنا عن الإسلام معرضين » ، فويل يومئذ للكافرين الذي كذّبوا الصادق الأمين محمداً سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه المنتجبين الميامين.

ثانيا : تعلما كتاب الله ـ أيها الوالدان ـ وعلماه أولادكما ، وهو القرآن المجيد الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو النور الساطع الذي يهدي البشرية جمعاء إلى سبل السلام ، ويخرجهم من ظلمات الباطل إلى نور الحق .. من ظلمات الجهل إلى نور العلم .. من ظلمات الخوف إلى نور الأمن .. من ظلمات الفقر إلى نور الغنى ... من ظلمات المرض إلى نور الصحة .. من ظلمات الذل إلى نور العزة .. من ظلمات الضعف إلى نور القوة ، وهو الحصن الراسخ الشامخ ، والظهير النصير لصد عدوان المعتدين ومكافحة المستعمرين الظالمين والمستعبدين الطاغين. لذلك نرى أحد رؤساء وزراء إحدى الدوله الغربية في القرن التاسع عشر ، وقف أمام مجلس البرلمان وقد أمسك بيده القرآن ، وتحدث في صراحة فقال : « مادام هذا الكتاب بين أيدي العرب والمسلمين ، فلن يقرّ لنا قرار في بلادهم » (٢).

__________________

(١) اقرأ كتاب ( أوربا والاسلام ) للدكتور عبد الحليم محمود.

(٢) راجع كتاب ( الإسلام على مفترق الطرق ) للمؤلف ( ليوبولد فايس ) الذي أسلم وسمى نفسه « محمدا ».

٧٠

والقرآن الكريم هو المعجزة الكبرى لنبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ومعنى المعجزة هو صدور حادث أو وقوع أمر من قبل الله تعالى على يد نبيه لإثبات نبوته ، ولا يستطيع الناس ويعجزون عن الإتيان بمثل ذلك الحادث أو الأمر. فالاختراع مثلا ليس معجزة ، لأنه قد يظهر اختراع آخر يماثله ويضاهيه. وينقسم الإعجاز القرآني إلى ثلاثة أقسام :

أولا : الإعجاز البلاغي : وهو أن البلغاء والمتفننين والبارعين في اللغة العربية لم يستطيعوا أن يأتوا بمثل القرآن ، بل بسورة من مثله ، مع العلم أن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أميا لا يعرف القراءة والكتابة. والدعامة الرصينة المتينة التي يتركز عليها الإعجاز البلاغي هي التحدي والإعلان بالعجز. ولإيضاح ذلك أقدم مثلا واحداً للقراء الأعزاء :

إذا وجد رسام بارع في مدرسة وكان متفوقا على جميع التلاميذ في فن الرسم ، فهل يستطيع أن يتحدى التلاميذ بقوله : « إن جميع التلاميذ لا يقدرون مجتمعين أن يأتوا بمثل رسمي ؟ » كلا ، لأنه لا يعلم ذلك ولا يدري ما في العقول من ملكات وقابليات للإنتاج خصوصاً إذا اجتمعت واتحدث ، فلا يتفوه بذلك ولا يزج نفسه في ميدان الفشل والخجل المجتمعين ، وكذلك الحداد والنجار وغيرهما إذا كانا متفوقين على غيرهما ».

والآن : نأتي إلى القرآن الكريم ، فإذا كان من إنشاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ـ نعوذ بالله ـ فمعنى ذلك أن محمدا قد كذب في دعوته ، فكيف إذن يستطيع أن يعلن بما يأتي :

(أ) ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) (١).

__________________

(١) الإسراء : ٨٨.

٧١

(ب) ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) (١).

أيها الاخوان ! أيتها الأخوات ! تدبروا الآيتين وأمعنوا النظر إليهما وفكروا فيهما بوعي وإخلاص ، خصوصاً في الجملة ( ولن تفعلوا ) من الآية الثانية ، فإنهما دليلان حاسمان على أن القرآن ليس من كلام البشر كمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه لا يستطيع أن يتحدى ويخاطب البلغاء والخطباء والشعراء والمتفوقين في البلاغة بالجملتين :

١ ـ ( لا يأتون بمثله ) في الآية الأولى.

٢ ـ ( ولن تفعلوا ) في الآية الثانية بل إنهما تصدران ممن هو عليم بذات الصدور ، ذلك هو رب العالمين.

ثانيا : الإعجاز العلمي : لقد ذكر القرآن بعض الأسرار العلمية ، واكتشفها العلم الحديث ، فذلك دليل على أن القرآن ليس صادر من بشر ، لأن البشرية في زمن صدور القرآن لم تكن عالمة بتلك الأسرار ، وقد بينت منها سابقا (٢) للقراء الكرام ، وأضيف هنا آيات أخرى لتركيز الإيمان في النفوس ، وقد درست وبحثت كما يلي :

(أ) ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) (٣) : لقد أثبتت البحوث العلمية الأخيرة أن حجم الكون آخذ في الزيادة شيئا فشيئاً ، وكلما ازداد حجمه ازدادت المسافة بين أجرامه ، وقد اكتشف التحليل الطيفي لرصد الأجرام السماوية أن المجرات تبتعد عنا بقياسات مختلفة من السرعة تثير الدهشة كل الدهشة ، فمنها ما يبتعد عنا بسرعة (٢٥) ألف كيلومتر في الثانية

__________________

(١) البقرة : ٢٣ ، ٢٤.

(٢) رجاء راجع صفحة (٤ ، ١٧).

(٣) ( الذاريات : ٤٧ ).

٧٢

وبعضها بسرعة (٦٥) ألف كيلومتر في الثانية (١). فأين تكون نهاية السماء ؟ وأين حافتها ؟!! فليس للتفكير إلا أن ينقلب خاسئا وهو حسير. فلقد سبق القرآن الكريم هذا الاكتشاف بمئات السنين بقوله : ( وإنا لموسعون ) والله علم.

(ب) ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ) (٢) : الله أكبر ! سبحان الله ! لماذا قال في ( ظلمات ثلاث ) ولم يقل في ظلمة واحدة وهي جوف البطن. قال ذلك ليعلمنا قبل العلم الحديث أن الجنين له ثلاثة أغشية سماها ( ظلمات ) وهي : ( الغشاء المنباري ـ الغشاء الخوربوني ـ الغشاء اللفائفي ) (٣) مع أنها لا تظهر بالتشريح الدقيق ، وتظهر كأنها غشاء واحد بالعين المجردة ( والله أعلم ).

(ج‍( ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما ) (٤) تبين هذه الآية أن النار كلما أكلت جلود الكفار بدلهم الله جلودا غيرها. والحكمة في ذلك هي أن أعصاب الألم في الطبقة الجلدية ، وأما الأنسجة والعضلات والأعضاء الداخلية فالإحساس فيها ضعيف. ولذلك يعلم الطبيب أن الحرق البسيط الذي لا يتجاوز الجلد يحدث ألما شديدا بخلاف الحرق الشديد الذي يتجاوز الجلد إلى الأنسجة الداخلية ، لأنه مع شدته وخطره لا يُحدث ألما كثيرا. فالله تعالى يقول لنا : إن النار

__________________

(١) راجع الكتابين : « السماء وأهل السماء ـ عبد الرزاق نوفل ». « المُحيرات الفلكية ـ الدكتور عبد الرحيم بدر ».

(٢) ( الزمر / ٦ ).

(٣) ( كتاب الإسلام والطب الحديث. تأليف الدكتور عبد العزيز إسماعيل ).

(٤) ( النساء / ٥٦ ).

٧٣

كلما أكلت الجلد الذي فيه الأعصاب ، نجدده كي يستمر الألم بلا انقطاع .. وكان الله عزيزا حكيماً (١) ( والله أعلم ).

ثالثا : إعجاز الإخبار بحوادث المستقبل : لا يستطيع الإنسان أن يتنبأ بحوادث المستقبل بصورة حاسمة إلا ما يتعلق بالعلوم المادية ، كالأنواء الجوية والحوادث المرضية ، والطوارئ الجيولوجية وغيرها. وقد يخطئ أحيانا في بعض التنبؤات. أما التطورات الاجتماعية فيستحيل معرفة مستقبلها ، مع العلم أننا الا´ن في القرن العشرين في عصر الذرة والرادار والأقمار الاصطناعية والعقل الإلكتروني. فلو كان ذلك ممكنا لعلمت كل دولة بمستقبلها وعملت لدرء أخطاره واجتناب شرورة. ولكننا نرى القرآن قد اخبر ببعض حوادث المستقبل في مناسبات خاصة ، وكان صادقا في ذلك فتجلى البرهان على أنه ليس من كلام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل هو كلام الله الذي يحيط بكل شيء علما.

ومن أهم تلك الحوادث ما يلي :

(أ) جاء في أوائل سورة الروم : ( الم * غلبت الرّوم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ).

الشرح : جرت معركة بين الروم والفرس في أوائل الإسلام ، فانتصر الفرس على الروم فضاقت صدور المسلمين لأن الفرس كانوا يؤمئذ مجوسا يعبدون النار ، والروم كانوا يعبدون الله وهم أهل كتاب ، فوعد الله المسلمين بعودة نشوب الحرب بين الروم والفرس خلال بضع سنوات ـ وهي دون

__________________

(١) الإسلام والطب الحديث ـ الدكتور عبد العزيز إسماعيل.

٧٤

العشر وفوق الثلاث (١) ـ وبشرهم بانتصار الروم على الفرس .. فتحقق ذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى. فهذه الحادثة تثبت لنا أن الآيات التي مر ذكرها ( أوائل سورة الروم ) هي من الله سبحانه وتعالى وليست من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك لإخبارها بحادث غيبي في المستقبل ، وهو غلبة الروم على الفرس مع تحديد المدة وهي « بضع سنين » ( كما فسرت الآيات ) والله أعلم.

(ب) ذُكر أن « الوليد بن المغيرة » عرض المال على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليرجع عن دينه ويتخلى عن دعوته. فأنزل الله تعالى آيات وبخه بها : ( ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * منّاع للخير معتد أثيم ) .. ( سنسمّه على الخرطوم ) (٢). المعنى سنضع علامة على أنفه وقد جرى ذلك فعلا في وقعة بدر فخطف أنف الوليد بالسيف ( كما فسرت الآية ) والله أعلم.

محاولة مُزيّفة لتشويه الحق

يحاول بعض الجاهلين الغافلين الذين لم يفكروا بوعي وإخلاص تشويه الحقيقة للرسالة المحمديّة ، فيزعمون أنهم يعتقدون بأن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان صادقا أمينا متحليا بسلامة السريرة وإخلاص النية ، ولكنهم يشكون في نزول القرآن من الله سبحانه وتعالى عليه ، فيحتملون أن مفاهيم القرآن هي انطلاقات إنسانية فاضلة صدرت من عقله الكامن المتصف بالفضيلة ، وجرت على لسانه وتُليت على من حوله.

__________________

(١) إشارة إلى معنى كلمة ( بضع أو بضعة ).

(٢) القلم ( ١٠ ـ ١٦ ).

٧٥

أقول : إن الاحتمال الذي صدر من هؤلاء الشاكين في صدور القرآن من الله سبحانه وتعالى باطل ، لظهور أمور عديدة هامة تطمس معالم ذلك الاحتمال وتنسف بناءه.

الأمر الأول : نرى عشرات من الا´يات القرآنية تتضمن كلمة ( قل ) فمن تدبرها وأمعن النظر فيها وجد أن هناك مُخاطباً ومُسمعاً ومُلقيا للكلام غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الله سبحانه وتعالى. وإليكم من الآيات :

(أ) ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد ... ) ( نهاية سورة الكهف ).

(ب) ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين ) ( الأنعام / ١٦٢ ).

(ج‍( ( قل هو الله أحد ... ) ( سورة الإخلاص ).

(د) ( قل يا أيّها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون ... ) ( سورة الكافرون ).

(ه‍( ( قل أعوذ بربّ الفلق ... ) ( سورة الفلق ).

(و) ( قل أعوذ بربّ الناس ... ) ( سورة الناس ).

(ز) ( وقل ربّ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) ( الاسراء / ٨٠ ).

(ح) ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ( الإسراء / ٨١ ).

الأمر الثاني : إذا اعتقد هؤلاء بصدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنزهه عن الافتراء على الله الكذب ـ كما زعموا ـ فكيف يحتملون صدور ما يخالف صدقه وأمانته بانطلاق ألفاظ تصدر من عقله الكامن المتصف الفضيلة ـ كما تصوروا ـ وتخاطبه معلنة انه رسول الله سبحانه وتعالى ؟!!

٧٦

فليتدبر القراء الأعزاء الآيات الآتية :

(أ) ( يا أيّها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيراً * وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) ( الأحزاب / ٤٦ ).

(ب) ( يس * والقرآن الحكيم * إنّك لمن المرسلين * على صراط مستقيم ) ( اوائل سورة يس ).

(ج‍( ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليماً حكيماً * واتّبع ما يوحى إليك من ربّك إن الله كان بما تعملون خبيرا ) ( الأحزاب / ١ ـ ٢ ).

(د) ( يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) ( المائدة / ٦٧ ).

الأمر الثالث : وهو من أهم الأمور التي تركز الإيمان برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك أن القرآن قد أعلن بأن الرسالة قد ورد ذكرها سابقا في التوراة والإنجيل .. كتابي موسى وعيسى عليهما‌السلام ، كما قال الله سبحانه وتعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ... ) ( الأعراف / ١٥٧ ).

فلو لم تكن رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقيقة لا شك فيها ولا في ورودها في التوراة والإنجيل ، لم يصدر الإعلان ليكذبه ويفضحه علماء اليهود والنصارى. وبالفعل لم يصدر تكذيب منهم ، ولكن التعصّب والهوى صدّا استنارتهم بنور الإسلام. وأنبه القراء الأعزاء بأن التوراة والإنجيل المتداولين في العصر الحاضر ليسا هما الأصليين ، بل بُدِّلا وحُرّفا لطوارئ تاريخية حققها الباحثون الواعون ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

٧٧

الأمر الرابع : لقد ذكر القرآن أن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو خاتم النبيين ، كما قال تعالى : ( ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً ) ( الاحزاب / ٤٠ ).

فهل يشك باحث عاقل بعد تدبر الآية الكريمة في صدور القرآن من الله سبحانه وتعالى؟ وهل يحتمل صدوره من شخصية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كلا ـ لأنّ الحكم بختام النبوة وبلوغ نهايتها يستحيل أن يصدر من إنسان نبوته باطلة ، لأنّه لا مُحفز ولا داعي للإصدار ، فيدعى ذلك الإنسان النبوة ، ولا يفضح نفسه بنبوة إلهية حقة قد تظهر في زمانه ، ويركز شخصيته في قلوب الناس ويعتبر نبوته كالأنبياء السابقين الإلهيين الذين لم يتبين من أحدهم زعم لختام نبوته.

وأختم قولي : « اللهم إنا نعوذ بك من أن نشك في دينك أو أن نضل في هداك ، فلا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ».

ثالثها : أيها الوالدان : اجتهدا بكل طاقاتكما في تركيز الإيمان بالله سبحانه وتعالى في قلوب أولادكما ، لأنه هو أصل الدين وأساسه الذي يقوم عليه بناء الأعمال الصالحة ، فليراجع جميعكم بدقة وتكرار مواضيع الإيمان بالله في هذا الكتاب من صفحة (٣) إلى (٢٢) ، واقرأوا واحفظوا بصورة خاصة الموضوع الذي عنوانه « خمس كلمات » صفحة ( ١١ ـ ١٦ ) فإنه نور الله الساطع.

رابعاً : أيها الوالدان : يجب عليكما أن تقيما فريضة الصلاة بصورة صحيحة ، وعلماها أولادكم عند بلوغهم سبع سنين ، وذلك كما يأتي :

(أ) مراجعة صفحة ( ٢٦ ـ ٢٧ ) من هذا الكتاب لبيان أهمية الصلاة.

(ب) تطهير البدن واللباس من النجاسات ، وهي :

٧٨

البول. الغائط (١). المني. الدم (٢). الكافر. الكلب. الخنزير. الخمر والبيرة. الميتة ، ونجاسات أخرى (٣) .. وقد اختلف الفقهاء في نجاسة بعض ما ذكر فعلى القارئ العزيز أن يبحث ذلك عند من يثق به من علماء الدين. وأخص بالبحث هنا حول البول والغائط للإنسان ، وهو كيفية التطهير منهما بأمور عديدة :

١ ـ يخص الذكور وهو التأكد من عدم بقاء أجزاء من البول ، فبعد الانقطاع تُجرى عملية تسمى « الاستبراء » ، وهي المسح بقوة ثلاث مرات من مخرج الغائط ( بعد غسله طبعا ) إلى أصل عضو البول ـ والمسح بقوة ثلاث مرات أيضا من أصل عضو البول الى نهايته ـ والمسح ثلاث مرات أخرى شبه العصر للحشفة ، ثم التطهير بالماء بعد دلك المخرج لاحتمال خروج مادة جنسية وترسبها عليه قبل التبول تسمى « المذى » أو خروج مادة بعد الانتهاء من التبول تسمى « الودي » ، وبعد الدلك يُجرى المُتطهّر الماء على المخرج مرتين يجب أن تكونا منفصلتين ( على الأحوط ) ، ثم تطهير اليد مرتين منفصلتين كذلك لتنجسها بالدلك.

٢ ـ وأما الأنثى فلا استبراء لها ، بل تشترك مع الذكر في ذلك المخرج وكيفية إجراء الماء ومع ذلك فليراجع القارئ العزيز للتأكد من التطبيق علماء الدين المتقين. وأنادي الآباء والأمّهات راجياً أن يمرّنوا أولادهم الصغار بكيفية التطهير في بيت الخلاء « الحمام » وليحذروا إهمالهم يتبولون واقفين لا يعبأون بأي نجاسة تصل إليهم.

__________________

(١) يُستثنى بول وفضلات الحيوانات التي يحل أكل لحمها ومنها الخيل والحمير على كراهة فلا نجاسة فيها.

(٢) يُستثنى دم البعوض والسمك فهو طاهر ، إلا حين مصّ البعوض لدم الإنسان.

(٣) كعرق الجنب من الحرام على الأحوط.

٧٩

٣ ـ غسل الجسم مع النية وتطهيره من الأحداث الثلاثة ( الجنابة ـ مسّ الميّت ـ خروج دم الحيض والنفاس والاستحاضة ( في بعض أحوالها ) ، وسيأتي شرحه بمشيئة الله بعد موضوع الوضوء.

(د) الأداء الصحيح لألفاظ الصلاة وأفعالها ـ أما الألفاظ فتجب القراءة باللغة العربية الصحيحة ، لذا يجب على المسلم أن يصحح قراءته من أول الصلاة إلى نهايتها عند علماء الدين المتقين ، فلا عذر له يوم القيامة. فيجب الاتصال بهم بواسطة كتبهم أو مقابلتهم أو بواسطة التلفون فإنه ـ كما قلنا ـ نعم العون. يجب على المسلم أن يصحح كل كلمة وكل حرف خصوصاً مخرج الظاء أخت الطاء ، والضاء أخت الصاد ، فلا يتلفظهما « بالزاء » فيقرأ « المغزوب. الزالين. العزيم » كما أسمع ذلك من بعض العرب وبعض الأعاجم. وهنا أقول منبها أن القراء الأعزاء الذين لا يستطيعون بكل محاولاتهم إلا التلفظ بحرف « الزاي » في سورة الفاتحة فهم معذورون. أما في الركوع فلا عذر لهم لأنهم يستطيعون أن يبدّلوا الذّكر الذي دأبوا عليه بكلمة « سبحان الله » ثلاث مرات ، فبدل « سبحان ربّي العزيم وبحمده » يسبحون هكذا ( سبحان الله ـ سبحان الله ـ سبحان الله ).

وأما الأفعال فيجب ثبات البدن عند الوقوف والقراءة ، وثبات البدن عند القراءة في الركوع ، فلا يقرأ إلا بعد أن يُثبّت انحناءه ، ثم يقول من الركوع ويثبت قليلا ، ثم يهوى إلى السجود فلا يقرأ إلا بعد أن يُثبّت تماما المواضع السبعة « الجبهة ـ باطنا الكف ـ الركبتان ـ حافتا الإبهام » ثم يرفع راسه من السجود ويجلس تماماً ويثبت قليلا ، ثم يهوى مرة أخرى إلى السجود ويُثبت نفسه كالمرة الأولى ثم يقرأ (١).

__________________

(١) والجدير بالذكر هو أنه إذا طرأت للمصلى أثناء قراءته حركة غير اختيارية يجب عليه إعادة ما قرأه متحركا.

٨٠