البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

الثالث عشر : الزائدة ، ولها شرطان عند البصريين : أن تدخل على نكرة ، وأن يكون الكلام نفيا ، نحو ما كان من رجل. أو نهيا ، نحو لا تضرب من رجل ، أو استفهاما ، نحو هل جاءك من رجل؟

وأجرى بعضهم الشرط مجرى النفي ، نحو : إن قام [من] (١) رجل قام عمرو. وقال الصفّار (٢) : الصحيح المنع.

ولها في النفي معنيان :

أحدهما : أن تكون للتنصيص على العموم ، وهي الداخلة على ما لا يفيد العموم ، نحو : ما جاءني من رجل ؛ فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة ؛ فإذا دخلت «من» تعيّن نفي الجنس (٣) ، وعليه قوله تعالى : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ) (المائدة : ٧٣) ، (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها) (الأنعام : ٥٩). (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (الملك : ٣).

وثانيهما : لتوكيد العموم ، وهي الداخلة على الصيغة المستعملة في العموم ، نحو ما جاءني من أحد ، أو من ديّار ؛ لأنك لو أسقطت «من» لبقي العموم على حاله ؛ لأن «أحدا» (٤) لا يستعمل إلا للعموم في النفي (٤).

وما ذكرناه من تغاير المعنيين خلاف ما نص عليه سيبويه من تساويهما.

قال الصفار : وهو الصحيح عندي ؛ وأنها مؤكدة في الموضعين ، فإنها لم تدخل على : «جاءني رجل» إلا وهو يراد به «ما جاءني أحد» لأنّه قد ثبت فيها تأكيد الاستغراق (٥) [مع «أحد» ، ولم يثبت لها الاستغراق] (٥) ، فيحمل هذا عليه ، فلهذا كان مذهب سيبويه أولى.

قال : وأشار إلى أنّ المؤكدة ترجع لمعنى التبعيض ، فإذا قلت : «ما جاءني من رجل» فكأنه قال : «ما أتاني بعض هذا الجنس ولا كله» ، وكذا «ما أتاني من أحد» ، أي بعض من الأحدين. انتهى.

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٣) في المخطوطة (الوحدة).

(٤) تكررت في المخطوطة عبارة (على الصيغة المستعملة في العموم النفي).

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٣٦١

وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير (١) : نصّ [الأستاذ] (٢) سيبويه (٣) على أنها نصّ في العموم ، قال : فإذا قلت : ما أتاني رجل ، فإنه يحتمل ثلاثة معان (٤).

أحدها : [أن] (٥) تريد ما أتاك من رجل في قوته ونفاده ، بل أتاك الضعفاء.

الثاني : أن تريد أنه ما أتاك رجل واحد ، [بل أكثر من واحد] (٥).

والثالث : أن تريد ما أتاك رجل واحد ، ولا أكثر من ذلك.

فإن قلت : ما أتاني من رجل (٦) ، كان نفيا لذلك كلّه ، قال : هذا معنى كلامه.

والحاصل أن «من» في (٧) سياق النفي تعمّ وتستغرق.

ويلتحق بالنفي الاستفهام ، كقوله تعالى : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (الملك : ٣).

وجوز الأخفش (٨) زيادتها في الإثبات ، كقوله : (٩) [نكفّر عنكم من سيّئاتكم (البقرة : ٢٧١) و] (٩) (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (نوح : ٤) ، والمراد الجميع ، بدليل : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (الزمر : ٥٣) ، فوجب حمل الأول على الزيادة دفعا للتعارض. وقد نوزع في ذلك ، بأنّه إنما يقع التعارض لو كانتا في حقّ قبيل واحد ، وليس كذلك ، فإن الآية التي فيها «من» لقوم نوح ، والأخرى لهذه [الأمة] (١٠).

فإن قيل : فإذا غفر للبعض كان البعض الآخر معاقبا عليه ، فلا يحصل كمال الترغيب في الإيمان ، إلا بغفران الجميع.

__________________

(١) هو أحمد بن إبراهيم تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) الكتاب ٤ / ٢٢٥ ، (باب عدّة ما يكون عليه الكلم).

(٤) تفاوت ترتيب هذه الأقسام في المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (ما أتاني رجلا).

(٧) العبارة في المخطوطة (في نفي سياق النفي).

(٨) انظر كتابه معاني القرآن ١ / ٩٨ ـ ٩٩. باب زيادة (من).

(٩) الآية ليست في المطبوعة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر (ونكفّر) ، وحفص وابن عامر (ويكفّر) ، والباقون (ونكفّر). بالجزم (التيسير : ٨٤).

(١٠) ساقطة من المخطوطة.

٣٦٢

وأيضا : فكيف يحسن التبعيض فيها ، مع أن الإسلام يجبّ ما قبله ، فيصحّ قول الأخفش ، فالجواب من وجوه :

أحدها : أن المراد بغفران (١) بعض الذنوب في الدنيا ، [لأن إغراق قوم نوح عذاب لهم ، وذلك إنما كان في الدنيا] (٢) مضافا إلى عذاب الآخرة ، فلو آمنوا لغفر لهم من الذنوب ما استحقوا به الإغراق في الدنيا ، وأما غفران الذنب بالإيمان في الآخرة فمعلوم.

والثاني : أن الكافر إذا آمن فقد بقي عليه ذنوب وهي مظالم العباد ، فثبت التبعيض بالنسبة للكافر.

الثالث : أن قوله : (ذُنُوبِكُمْ) يشمل الماضية والمستقبلة ، فإنّ الإضافة تفيد العموم ، فقيل : «من» لتفيد أن المغفور الماضي ، وعدم إطماعهم في غفران المستقبل بمجرد الإسلام [٣٢٠ / أ] حتى يجتنبوا المنهيات.

وقيل : [إنها] (٢) لابتداء الغاية وهو حسن ، لقوله : (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (الأنفال : ٣٨) ، وسيبويه (٣) يقدّر في نحو ذلك مفعولا محذوفا ، أي يغفر لكم بعضا من ذنوبكم محافظة على معنى التبعيض.

وقيل : بل الحذف للتفخيم ، والتقدير : «يغفر لكم من ذنوبكم ما لو كشف لكم عن كنهه لاستعظمتم ذلك» ، والشيء إذا أرادوا تفخيمه أبهموه ، كقوله : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) (طه : ٧٨) ، أي أمر عظيم.

وقال الصّفّار (٤) : «من» للتبعيض على بابها ، وذلك أن «غفر» تتعدى لمفعولين :

أحدهما : باللام ، فالأخفش (٥) يجعل المفعول المصرح «الذنوب» وهو المفعول الثاني ، فتكون «من» زائدة ، ونحن نجعل المفعول (٦) محذوفا ، وقامت «من ذنوبكم»

__________________

(١) في المخطوطة (بالغفران).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) الكتاب ٤ / ٢٢٥ (باب عدّة ما يكون عليه الكلم).

(٤) هو القاسم بن علي البطليوسي الصفار تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٥) في المخطوطة (فالأحسن بجعل).

(٦) في المخطوطة (المصرح).

٣٦٣

مقامه ، أي جملة من ذنوبكم ، وذلك أن المغفور لهم بالإسلام ما اكتسبوه في حال الكفر لا [في] (١) حال الإسلام ، والذي اكتسبوه في حال الكفر بعض ذنوبهم لا جميعها.

وأما قوله في آية الصدقة : ونكفّر (٢) عنكم من سيّئاتكم (البقرة : ٢٧١) فللتبعيض ، لأن أخذ الصدقة لا يمحو (٣) كل السيئات.

ومما احتجّ به الأخفش (٤) أيضا قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) (النور : ٣٠) ، أي أبصارهم ، وقوله : (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (محمد : ١٥) ، أي كلّ الثمرات. وقوله : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام : ٣٤).

وهذا ضعيف أيضا ، بل هي في الأول للتبعيض ، لأن النظر قد يكون عن تعمّد و [عن] (٥) غير تعمد ، والنهي إنما يقع على نظر العمد فقط ، ولهذا عطف عليه قوله [تعالى] : (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور : ٣٠) ، من غير إعادة «من» ، لأنّ حفظ الفروج واجب مطلقا ، ولأنه يمكن التحرّز منه ، ولا يمكن في النظر لجواز وقوعه اتفاقا ، وقد يباح للخطبة وللتعليم ونحوهما.

وأما الثانية ؛ فإنّ الله [تعالى] وعد أهل الجنة أن يكون لهم فيها كلّ نوع من أجناس الثمار مقدار ما يحتاجون إليه وزيادة ، ولم يجعل جميع الذي خلقه الله من الثمار عندهم ؛ بل عند كلّ منهم من الثمرات ما يكفيه ، وزيادة على كفايته ، وليس المعنى على أن جميع الجنس عندهم حتى لم تبق معه بقية ؛ لأنّ في ذلك وصف ما عند الله بالتناهي.

وأما الثالثة : فللتبعيض ، بدليل قوله : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) (النساء : ١٦٤).

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) تصحفت في المطبوعة إلى (ويكفّر) ، وانظر الصفحة السابقة فقد تقدم فيها تخريج القراءة.

(٣) في المخطوطة (تمحص).

(٤) انظر كتابه معاني القرآن ١ / ٩٨ ـ ٩٩ (باب زيادة من).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

٣٦٤

(لطيفة) : إنها حيث وقعت في خطاب المؤمنين لم تذكر ، كقوله في سورة الصّف : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ [مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ]) (١) (الآية : ١٠) إلى قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (الآية : ١٢).

وقوله في سورة الأحزاب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) (الآية : ٧٠) إلى قوله : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (الآية : ٧١).

وقال في خطاب الكفار في سورة نوح : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (الآية : ٤).

وفي سورة الأحقاف : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (الآية : ٣١) ؛ وما ذاك إلا للتفرقة بين الخطابين ، لئلا يسوّى بين الفريقين في الوعد ، ولهذا إنه في [سورة] (٢) نوح والأحقاف وعدهم مغفرة بعض الذنوب بشرط الإيمان ، لا مطلقا ، وهو غفران ما بينه وبينهم ، لا مظالم العباد.

الرابع عشر (٣) : الملابسة ، كقوله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) (التوبة : ٦٧) ، أي يلابس بعضهم بعضا ويواليه ، وليس المعنى على النسل والولادة ؛ لأنه قد (٤) يكون من نسل المنافق مؤمن وعكسه. ونظيره قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (التوبة : ٧١). وكذا قوله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران : ٣٤) كما يتبرأ الكفّار ، كقوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) (البقرة : ١٦٦).

فأما قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (النساء : ٢٥) أي بعضكم يلابس بعضا ويواليه في ظاهر الحكم ، من حيث يشملكم الإسلام.

٧٤ ـ مع

للمصاحبة بين أمرين لا يقع بينهما مصاحبة واشتراك إلا في حكم يجمع بينهما ، ولذلك

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (الثالث عشر).

(٤) في المخطوطة (لأنه لا يكون).

٣٦٥

لا تكون الواو التي بمعنى «مع» إلا بعد فعل لفظا أو تقديرا ، لتصح (١) المعيّة. وكمال معنى المعية الاجتماع في الأمر الذي به الاشتراك (٢) [في زمان ذلك الاشتراك وتستعمل أيضا لمجرد الأمر الذي به الاجتماع والاشتراك] (٢) دون زمانه (٣) [٣٢٠ / ب].

فالأول يكثر في أفعال الجوارح والعلاج ، نحو : دخلت مع زيد ، وانطلقت مع عمرو ، وقمنا معا ، ومنه قوله تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) (يوسف : ٣٦) ، (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) (يوسف : ١٢) ، (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا) (يوسف : ٦٣) ، (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ) (يوسف : ٦٦).

والثاني يكثر في الأفعال المعنوية ، نحو آمنت مع المؤمنين وتبت مع التائبين ، وفهمت [المسألة] مع من فهمها ، ومنه قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (آل عمران : ٤٣). وقوله : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة : ١١٩).

(وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (التحريم : ١٠) (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (طه : ٤٦). (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء : ٦٢). (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (التوبة : ٤٠) ، [أي] (٤) بالعناية والحفظ. (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) (التحريم : ٨) ، يعني الذين شاركوه في الإيمان ، وهو الذي وقع فيه الاجتماع والاشتراك من الأحوال والمذاهب.

وقد ذكروا الاحتمالين المذكورين في قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) (الأعراف : ١٥٧) ، قيل : إنه من باب المعية في الاشتراك ، [فتمامه] (٥) الاجتماع في (٦) الزمان على حذف مضاف ؛ إما أن يكون تقديره أنزل مع نبوته ، وإما أن يكون التقدير مع اتباعه.

وقيل : لأنه فيما وقع به الاشتراك دون الزمان ، وتقديره : واتبعوا معه النور.

__________________

(١) في المخطوطة (فيصح معنى المعية).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (زمان).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) عبارة المخطوطة (والاجتماع والزمان).

٣٦٦

وقد تكون المصاحبة في الاشتراك بين المفعول وبين المضاف ، كقوله : شممت طيبا مع زيد.

ويجوز أن يكون منه قوله تعالى : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (الكهف : ٦٧) ، نقل ذلك أبو الفتح القشيري (١) في شرح «الإلمام» عن بعضهم ، ثم قال : وقد ورد في الشعر استعمال «مع» في معنى ينبغي أن يتأمّل ليلحق بأحد الأقسام ، وهو قوله :

يقوم مع الرّمح الرّدينيّ قامة

ويقصر عنه طول كلّ نجاد

وقال الراغب (٢) : «مع تقتضي الاجتماع ، إمّا في المكان ، نحو : هما معا في الدار ، أو في الزمان ، نحو : ولدا معا ، أو في المعنى كالمتضايفين ؛ نحو : الأخ والأب ؛ فإن أحدهما صار أخا للآخر [في حال ما صار الآخر أخاه] (٣) ، وإمّا في الشرف والرتبة ، نحو : هما معا في العلوّ ، وتقتضي معنى (٤) النصرة والمضاف إليه لفظ «مع» هو المنصور (٥) ، نحو : قوله تعالى : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (التوبة : ٤٠). (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) (النحل : ١٢٨) ، (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (الحديد : ٤) ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة : ١٩٤) ، (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء : ٦٢). انتهى.

وقال ابن مالك (٦) : إن «معا» إذا أفردت تساوي «جميعا» معنى ، وردّ عليه الشيخ أبو حيان (٧) بأن بينهما فرقا. قال ثعلب : إذا قلت : قام زيد وعمرو جميعا احتمل أن يكون القيام في وقتين ، وأن يكون في [وقت] (٨) واحد ، وإذا قلت : قام زيد وعمرو معا ؛ فلا يكون إلا في وقت واحد. والتحقيق ما سبق.

__________________

(١) هو محمد بن علي بن وهب تقدم التعريف به في ١ / ١١٧ ، وبكتابه في ٢ / ٤١٦.

(٢) انظر كتابه «المفردات في غريب القرآن» : ٤٧٠ مادة (مع).

(٣) العبارة بين الحاصرتين ليست في المخطوطة.

(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (مع). والتصويب من المخطوطة والمفردات.

(٥) عبارة المخطوطة (هو مع منصور).

(٦) هو محمد بن عبد الله تقدم التعريف به في ١ / ٣٨١. وقد ذكر قوله وقول ثعلب ابن هشام في مغني اللبيب ١ / ٣٣٤ (مع).

(٧) هو محمد بن يوسف تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠.

(٨) ساقطة من المطبوعة.

٣٦٧

ويكون بمعنى النصرة والمعونة والحضور ، كقوله : (إِنَّنِي مَعَكُما) ؛ أي ناصركما ، (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) (النحل : ١٢٨) أي معينهم. (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (الحديد : ٤) ، أي عالم بكم ومشاهدكم ؛ فكأنه حاضر معهم ؛ وهو ظرف زمان عند الأكثرين ، إذا قلت : كان زيد مع عمرو ، أي زمن مجيء عمرو ، ثم حذف الزمن والمجيء وقامت «مع» مقامهما.

٧٥ ـ [حرف] (١) النون

للتأكيد ، وهي إن كانت خفيفة كانت بمنزلة تأكيد الفعل مرتين ، [وإن كانت] (٢) شديدة فمنزلة تأكيده ثلاثا ، وأما قوله تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) (يوسف : ٣٢) ، من حيث أكدت السجن بالشدّة (٣) دون ما بعده (٤) إعظاما. ولم يقع التأكيد بالخفية في القرآن إلا في موضعين : هذا ، وقوله : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) (العلق : ١٥).

وفي (٥) القواعد أنها إذا دخلت على فعل الجماعة الذكور (٦) كان ما قبلها مضموما ، نحو : يا رجال اضربنّ زيدا ، ومنه قوله تعالى : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) (آل عمران : ٨١) ، فأما قوله تعالى : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (الأعراف : ١٣٤) ، فإنّما جاء قبلها مفتوحا ، لأنها دخلت على فعل الجماعة المتكلمين ، وهو بمنزلة الواحد ، ولا تلحقه واو الجماعة ، لأن الجماعة إذا أخبروا عن أنفسهم قالوا : نحن نقوم ، ليكون فعلهم كفعل الواحد ، والرجل الرئيس إذا أخبر عن نفسه قال كقولهم ، فلما دخلت النون هذا الفعل مرة أخرى بني آخره على الفتح [٣٢١ / أ] لمّا كان لا يلحقه واو الجمع ، وإنّما يضمّون ما قبل النون في الأفعال التي تكون للجماعة ، ويلحقها واو الجمع التي هي ضميرهم ، وذلك أن واو الجمع يكون ما قبلها مضموما ، نحو قولك : يضربون ، فإذا دخلت النون حذفت نون الإعراب لدخولها ، وحذف الواو لسكونها وسكون النون ، وبقي ما قبل الواو مضموما ، ليدل عليه (٧).

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المطبوعة (أو شديدة).

(٣) في المخطوطة (بالتشديد).

(٤) في المخطوطة (بعدها).

(٥) في المخطوطة (ومن).

(٦) في المخطوطة (المذكورين).

(٧) في المخطوطة (عليها).

٣٦٨

ومثله : (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١) (الأعراف : ١٤٩).

فإن كان ما قبل الواو مفتوحا لم يحذفها ، ولكنها تحركها لالتقاء الساكنين ؛ نحو اخشونّ زيدا.

٧٦ ـ [حرف] (٢) الهاء

تكون ضميرا للغائب ، وتستعمل في موضع الجرّ (٣) والنصب ، نحو : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) (الكهف : ٣٧). (٤) وتكون لبيان السكت. وتلحق (٤) وقفا لبيان الحركة ، وإنما تلحق بحركة (٥) بناء ، لا تشبه حركة الإعراب ، نحو (ما هِيَهْ) (القارعة : ١٠) ، وكالهاء في (كِتابِيَهْ) (الحاقة : ٢٥) ، و (حِسابِيَهْ) (الحاقة : ٢٠) ، و (سُلْطانِيَهْ) (الحاقة : ٢٩) ، و (مالِيَهْ) (الحاقة : ٢٨).

وكان حقها أن تحذف وصلا وتثبت وقفا ، وإنما أجرى الوصل مجرى الوقف ، أو وصل بنيّة الوقف في : (كِتابِيَهْ) و (حِسابِيَهْ) اتفاقا ، فأثبتت الهاء كذا عند جميع القراء إلا حمزة (٦) ؛ فإنه حذف الهاء من هذه الكلم الثلاث ، وأثبتها وقفا. أعني [في] (٧) «ماليه» و «سلطانيه» و «ماهيه» في القارعة (٨) ؛ لأنها في الوقف يحتاج إليها لتحصين حركة الموقوف عليه ، وفي الوصل يستغنى عنها (٩).

فإن قيل : فلم لا (١٠) يفعل ذلك في (كِتابِيَهْ) و (حِسابِيَهْ)؟ قيل : إنه جمع بين اللغتين (١١).

__________________

(١) الآية في المخطوطة (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (الزمر : ٦٥).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (الخبر).

(٤) العبارة في المخطوطة (تكون للسكت وهو يلحق).

(٥) في المخطوطة (بعد حركة).

(٦) انظر التيسير : ٢١٤ ، (الحاقّة) و: ٢٢٥ ، (القارعة).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة تصحفت إلى (المضارعة).

(٩) في المطبوعة (عنه).

(١٠) في المخطوطة (لم).

(١١) في المخطوطة (الفعلين).

٣٦٩

٧٧ ـ ها

كلمة تستعمل على ضربين :

أحدهما : أن تكون اسما سمي به الفعل.

وثانيها : للتنبيه ، ولها موضعان :

أحدهما : أن تلحق الأسماء المبهمة المفردة ، نحو : هذا ، وتتنزل منزلة حرف من الكلمة ، ولهذا يدخل حرف الجر عليه ، كقوله تعالى : (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) (العنكبوت : ٤٧).

ويفصل به بين المضاف والمضاف إليه ، كقوله : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (الصافات : ٦١).

الثاني : أن تدخل على الجملة ، كقوله : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) (آل عمران : ١١٩) ، (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ [عَنْهُمْ]) (١) (النساء : ١٠٩).

ويدلّ على دخول حرف التنبيه على الجملة ، أنه لا يخلو إمّا أن يقدّر به الدخول على الاسم المفرد ، أو الجملة ؛ لا يجوز الأول ، لأن المبهم في الآيتين دخل عليهما حرف الإشارة ؛ فعلم أنّ دخولها إنما هو [على] (٢) الجملة. ذكره أبو عليّ (٣).

٧٨ ـ هل

للاستفهام ، قيل : ولا يكون المستفهم معها إلا فيما لا ظن له فيه البتة ؛ بخلاف الهمزة ، فإنه لا بدّ أن يكون معه إثبات. فإذا قلت : أعندك زيد؟ فقد هجس في نفسك أنه عنده فأردت أن تستثبته ؛ بخلاف «هل». حكاه ابن الدّهان (٤).

وقد سبق فروق في الكلام على معنى الاستفهام.

وقد تأتي بمعنى «قد» ؛ كقوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (طه : ٩) ،

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) هو الحسن بن أحمد تقدم التعريف به في ١ / ٣٧٥.

(٤) هو سعيد بن المبارك بن علي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٩٢.

٣٧٠

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) (الغاشية : ١) ، (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) (الإنسان : ١) (١) [وإنما حملوها على الحرف لأنه ورد من عالم بما يدخل عليه فأخرجوها عن معنى الاستفهام إلى معنى الاخبار حملوها على الحرف الموجب وهو «قد» وكان أولى من غيره لأنه لا يختص بصيغة اختصاص السين وسوف ، وهذا إنما يصح إذا ورد بعدها فعل ، فإن كان اسما فعلى معنى قد ، إلا أن يراد أن معناها الإيجاب لما بعدها كما يدّعي الفراء باللام في الإيجاب في قولك : «إن زيدا لقائم» إنما هو بمعنى قد ، وإنّ «قد» لا تدخل على الاسم وإنما يريد أن الكلام إيجاب ، ومنع قوم من كون «هل» بمعنى «قد» ولم يخرجوها من بابها ، وتأولوا «هل» في الآية إلى شيء يرجع إلى المخلوق في السؤال] (١).

وذكر بعضهم أن «هل» تأتي للتقرير والإثبات ، كقوله تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (الفجر : ٥) ، أي في ذلك قسم. وكذا قوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) (الإنسان : ١) ، على القول بأن المراد آدم ، فإنه توبيخ لمن ادّعى ذلك.

وتأتي بمعنى «ما» كقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (البقرة : ٢١٠) وبمعنى «ألا» كقوله [٣٢١ / ب] : (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (الكهف : ١٠٣). وبمعنى الأمر ، نحو : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة : ٩١) وبمعنى السؤال : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (ق : ٣٠).

وبمعنى التمنّي : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ [لِذِي حِجْرٍ]) (٢) (الفجر : ٥).

وبمعنى «أدعوك» ، نحو : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) (النازعات : ١٨) ؛ فالجار والمجرور متعلّق به.

٧٩ ـ هيهات

لتبعيد الشيء ؛ ومنه (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) (المؤمنون : ٣٦) ، قال الزجاج (٣) : البعد لما توعدون قيل : وهذا غلط من الزجاج أوقعه فيه اللام ؛ فإن تقديره : بعد الأمر لما توعدون ، أي لأجله.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) انظر كتابه «معاني القرآن وإعرابه» ٤ / ١٢.

٣٧١

[٨٠ ـ [حرف] (١) الواو

حرف يكون عاملا وغير عامل. فالعامل قسمان : جار وناصب.

فالجار واو القسم ، نحو : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (الأنعام : ٢٣).

وواو «ربّ» على قول كوفيّ. والصحيح أن الجر ب «ربّ» المحذوفة لا بالواو.

والناصب ثنتان : واو «مع» فتنصب المفعول معه عند قوم ، والصحيح أنه منصوب بما قبل الواو من فعل أو شبهه بواسطة الواو.

والواو التي ينتصب (٢) المضارع بعدها في موضعين : في الأجوبة الثمانية ، وأن يعطف بها الفعل على المصدر ، على قول كوفيّ. والصحيح أن الواو فيه عاطفة والفعل منصوب [بأن مضمرة] (٣).

ولها قسم آخر عند الكوفيين ؛ تسمى واو الصرف ، ومعناها : أن الفعل كان يقتضي إعرابا فصرفته الواو عنه إلى النصب ، كقوله تعالى : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) (البقرة : ٣٠) على قراءة النصب (٤).

وأما غير العاملة فلها معان :

الأول : وهو أصلها ـ العاطفة تشرك في الإعراب والحكم. وهي لمطلق الجمع على الصحيح ، ولا تدلّ على أنّ الثاني بعد الأول ، بل قد يكون كذلك ، وقد يكون قبله وقد يكون معه ، فمن الأول : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (الزلزلة : ١ ـ ٢) ؛ فإنّ الإخراج متأخر عن الزلزال ؛ وذلك معلوم من قضية الوجود لا من الواو.

ومن الثاني : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (آل عمران : ٤٣) ، والركوع قبل السجود ، لم ينقل أنّ شرعهم كان مخالفا لشرعنا في ذلك.

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (تنصب).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) وهي قراءة عبد الرحمن الأعرج ذكرها ابن خالويه في المختصر : ٤.

٣٧٢

وقوله تعالى مخبرا عن منكري البعث : (ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) (١) (الجاثية : ٢٤) أي نحيا ونموت. وقوله : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) (الحاقة : ٧) ، والأيام هنا قبل الليالي ، إذ لو كانت الليالي قبل الأيام كانت الأيام مساوية للّيالي وأقلّ.

قال الصفّار (٢) : ولو كان على ظاهره لقال : «سبع ليال وستة أيام» ، أو «سبعة أيام» ، وأما «ثمانية» فلا يصح على جعل الواو للترتيب.

(فائدة) : قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (المدثر : ١١) ، (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) (المزمل : ١١) أجاز أبو البقاء (٣) كون الواو عاطفة ، وهو فاسد ؛ لأنّه يلزم فيه أن يكون الله تعالى أمر نبيه عليه‌السلام أن يتركه ، وكأنه قال : اتركني واترك من خلقت وحيدا ، وكذلك : اتركني واترك المكذبين ، فتعيّن أن يكون المراد : خلّ بيني وبينهم ، وهو واو «مع» كقولك : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها.

(٤) [ومن الثالث قوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (القيامة : ٩) فلا يتصور أن يتقدم أحدهما الآخر] (٤).

والثاني : واو الاستئناف ، وتسمى واو القطع والابتداء ؛ وهي التي يكون بعدها جملة غير متعلقة بما قبلها في المعنى ، ولا مشاركة في الإعراب ، ويكون بعدها الجملتان. فالاسمية ، كقوله تعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (الأنعام : ٢).

والفعلية ، كقوله : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) (الحج : ٥) (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا* وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) (مريم : ٦٥ ـ ٦٦) والظاهر أنّها الواو العاطفة ؛ لكنها تعطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب لمجرد الربط ؛ وإنّما سميت واو الاستئناف لئلا يتوهم أن ما بعدها من المفردات معطوف على ما قبلها.

__________________

(١) الآية في المخطوطة (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) (المؤمنون : ٣٧).

(٢) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٣) انظر كتابه إملاء ما منّ به الرحمن (طبعة دار الكتب العلمية) ٢ / ٢٧١ (المزمّل) ٢٧٣ ، (المدثر).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

٣٧٣

الثالث : واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية ؛ وهي عندهم مغنية عن ضمير صاحبها ، كقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ) (آل عمران : ١٥٤). وقوله : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) (يوسف : ١٤). وقوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (الأنفال : ٥).

وقد يجتمعان نحو : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة : ٢٢).

(وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [٣٢٢ / أ] (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) (البقرة : ٤٤).

(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (البقرة : ١٨٧). (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) (البقرة : ٢٤٣). (١) [(لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)] (١) (آل عمران : ٧٠) (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) (آل عمران : ٩٨). (وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران : ١٠٢).

(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) (البقرة : ٢٦٧). (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) (الأنعام : ٩٣) ، (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) (مريم : ٢٠).

الرابع : للإباحة ، نحو جالس الحسن وابن سيرين ؛ لأنك أمرت بمجالستهما معا (٣) [وتقول أيضا «هذا وائت زيدا» فهما جميعا أهل المجالسة ، وإن أردت ... لم يكن ماضيا] (٢).

قال : وعلى هذا [أخذ] (٣) مالك [رحمه‌الله] (٤) : قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ...) (التوبة : ٦٠) (الآية) (٣) (٤) [وعلى المعنى الأول أخذ الشافعي وهو أظهر ، وقول مالك يمكن أن عضد بدليل خارج] (٤).

__________________

(١) الآية بين الحاصرتين ليست في المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة ، وموضع النقط كلمة غير واضحة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

٣٧٤

الخامس : واو الثمانية ، والعرب تدخل الواو بعد السبعة إيذانا بتمام العدد ؛ فإن السبعة عندهم هي العقد التامّ كالعشرة عندنا فيأتون بحرف العطف الدالّ على المغايرة بين (١) المعطوف والمعطوف عليه ، فتقول : خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، فيزيدون الواو إذا بلغوا الثمانية. حكاه البغوي (٢) عن عبد الله بن جابر (٣) عن أبي بكر بن عبدوس ، ويدل عليه قوله تعالى : (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) (الحاقة : ٧).

ونقل عن ابن خالويه (٤) وغيره ، ومثلوه بقوله تعالى : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) (الكهف : ٢٢) بعد ما ذكر العدد مرتين بغير واو. وقوله تعالى في صفة الجنة : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) (الزمر : ٧٣) ، بالواو لأنها ثمانية ، وقال تعالى في صفة النار : (فُتِحَتْ أَبْوابُها) (الزمر : ٧١) ، بغير واو لأنها سبعة ، وفعل ذلك فرقا بينهما. وقوله : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة : ١١٢) ، بعد ما ذكر قبلها من الصفات بغير واو.

وقيل : دخلت فيه إعلاما بأن الآمر بالمعروف ناه عن المنكر في حال أمره بالمعروف ، فهما حقيقتان متلازمتان.

وليس قوله : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) (التحريم : ٥) من هذا القبيل ، خلافا لبعضهم ؛ لأن الواو لو أسقطت منه لاستحال المعنى ، لتناقض الصفتين.

ولم يثبت المحققون واو الثمانية ، وأوّلوا ما سبق على العطف أو واو الحال وإن دخلت في آية الجنة ، لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم ، وحذفت في الأول لأنها كانت مغلقة قبل مجيئهم.

وقيل : زيدت في صفة الجنة علامة لزيادة رحمة الله على غضبه وعقوبته ، وفيها زيادة كلام سبق في مباحث الحذف.

وزعم بعضهم أنها لا تأتي في الصفات إلا إذا تكررت [النعوت] (٥) ، وليس كذلك (١) «بل

__________________

(١) في المخطوطة (من المعطوف).

(٢) انظر تفسير البغوي ٣ / ١٥٦ الآية (٢٢) من سورة (الكهف).

(٣) في المخطوطة (حامد).

(٤) هو الحسين بن خالويه تقدم التعريف به في ٢ / ٣٦٩. وقد ذكر قوله ابن هشام في المغني ٢ / ٣٦٢. القسم التاسع من أقسام الواو.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٣٧٥

يجوز دخولها من غير تكرار» (١) ، قال تعالى : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) (الكهف : ٢٢).

وقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (الأنبياء : ٤٨) وتقول : جاءني زيد والعالم.

السادس : الزائدة (٢) للتأكيد ، كقوله تعالى : (إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (الحجر : ٤) ، بدليل الآية الأخرى.

قال الزمخشري (٣) : دخلت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف ، (٤) [الدالة على أنّ اتصافه] (٤) بها أمر ثابت مستقر.

وضابطه أن تدخل على جملة صفة (٥) للنكرة ، نحو جاءني رجل ومعه ثوب آخر ، وكذا (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) (الكهف : ٢٢).

وقال الشيخ جمال الدين بن مالك (٦) في باب الاستثناء من «شرح التسهيل» ، وتابعه ، الشيخ أثير الدين (٧) : إنّ الزمخشري تفرّد بهذا القول ؛ وليس كذلك ؛ فقد ذكر الأزهري (٨) في «الأزهرية» ؛ فقال : «وتأتي الواو للتأكيد ، نحو : ما رأيت رجلا إلا وعليه ثوب حسن. وفي القرآن منه : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (الحجر : ٤) ، وقال : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ) (الشعراء : ٢٠٨). انتهى.

__________________

(١) عبارة المخطوطة (ويجوز دخولها على تكرار).

(٢) في المطبوعة (الزيادة).

(٣) الكشاف ٣ / ١٢٨ ـ ١٢٩ الآية (٢٠٨) من سورة (الشعراء).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) عبارة المخطوطة (صفة جملة للنكرة).

(٦) هو محمد بن عبد الله بن مالك تقدم التعريف به في ١ / ٣٨١ ، وكتابه «شرح التسهيل» طبع بتحقيق عبد الرحمن بن محمد السيد بالقاهرة عام ١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٤ م (فهرست الكتب النحوية المطبوعة : ١١٨). وقد ذكر قوله أبو حيان في البحر المحيط ٥ / ٤٤٥.

(٧) انظر قوله في كتابه البحر المحيط ٥ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦ الآية (٤) من سورة (الحجر).

(٨) هو محمد بن أحمد بن الأزهر تقدم التعريف به في ١ / ٣٠٩.

٣٧٦

وأجازه أبو البقاء (١) أيضا في الآية ، وفي قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة : ٢١٦) ، فقال : يجوز أن تكون الجملة في موضع نصب صفة ل «شيء» وساغ دخول [٣٢٢ / ب] الواو ، لمّا كانت صورة الجملة هنا كصورتها إذا كانت حالا.

وأجاز أيضا في قوله تعالى : (عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ) (البقرة : ٢٥٩) ، فقال : الجملة في موضع جرّ صفة ل «قرية» (٢).

وأما قوله : (فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) (ص : ٤٤) ، فقيل : الواو زائدة ، ويحتمل أن يكون مجزوما جواب الأمر ، بتقدير : اضرب به ولا تحنث. ويحتمل أن يكون نهيا. قال ابن فارس (٣) : «والأول أجود. وكذلك قوله : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ) (يوسف : ٢١) ، قيل : الواو زائدة. وقيل : ولنعلّمه فعلنا ذلك. كذلك : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ) (الصافات : ٧) أي وحفظا فعلنا ذلك».

وقيل في قوله : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) (الزمر : ٧٣) : إنها زائدة للتأكيد ، والصحيح أنها عاطفة ، وجواب «إذا» محذوف ، أي سعدوا وأدخلوا.

(٤) [وقيل : وليعلم فعلنا ذلك ، وكذلك : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ) (الصافات : ٧) ، أي وحفظا فعلنا ذلك] (٤).

وقيل في قوله : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) (الصافات : ١٠٣ ـ ١٠٤) ، [أي ناديناه] (٥). والصحيح أنها عاطفة ، والتقدير : عرف صبره وناديناه : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام : ٧٥).

__________________

(١) انظر كتابه إملاء ما منّ به الرحمن ١ / ٥٤.

(٢) إملاء ما منّ به الرحمن ١ / ٦٤.

(٣) في المخطوطة (ابن مالك). وانظر كتاب ابن فارس الصاحبي في فقه اللغة : ٩١. باب الواو.

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) ليست في المخطوطة.

٣٧٧

وقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (الأنبياء : ٤٨) [أي ضياء] (١).

وقوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ) (آل عمران : ١٤٠) ، أي ليعلم. وقوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) (آل عمران : ٩١).

وزعم الأخفش أن «إذا» من قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (الانشقاق : ١) ، مبتدأ وخبرها «إذا في قوله : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) (الانشقاق : ٣) والواو زائدة والمعنى أن وقت انشقاق السماء هو وقت مدّ (٢) الأرض [وانشقاقها] (٣) ، واستبعده أبو البقاء (٤) ؛ لوجهين :

أحدهما : أن الخبر محطّ الفائدة ، ولا فائدة في إعلامنا بأن وقت الانشقاق في وقت المدّ ، بل الغرض من الآية عظم الأمر يوم القيامة.

والثاني : بأن زيادة الواو يغلب في (٥) القياس والاستعمال.

وقد تحذف كثيرا من الجمل ، كقوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ) (التوبة : ٩٢) ، أي «وقلت» ، والجواب قوله تعالى : (تَوَلَّوْا) : (التوبة : ٩٢).

وقوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد : ٢) ، وفي القول (٦) أكثر : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ* قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) (الشعراء : ٢٣ ـ ٢٤) الآية. وقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ* وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) (الواقعة : ٤٥ ـ ٤٦).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (مدّه).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) انظر كتابه إملاء ما منّ به الرحمن (طبعة دار الكتب العلمية ببيروت) ٢ / ٢٨٤ (سورة الانشقاق).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (التساؤل).

٣٧٨

٨١ ـ ويكأن

قال الكسائي : كلمة تندّم وتعجب ، قال تعالى : (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) (القصص : ٨٢) ، (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (القصص : ٨٢).

وقيل : إنه صوت لا يقصد به الإخبار عن التندم. ويحتمل أنه اسم فعل مسماه «ندمت» أو «تعجبت».

وقال الصفار (١) : قال المفسرون معناه : ألم تر ، فإن أرادوا به تفسير المعنى فمسلّم ، وإن أرادوا تفسير الإعراب فلم يثبت ذلك.

وقيل بمعنى «ويلك (٢)» فكان ينبغي كسر «إن».

وقيل «وي» تنبيه ، وكأن للتشبيه وهو الذي نص عليه سيبويه (٣).

ومنهم من جعل كأنّ زائدة لا تفيد تشبيها ... (٤) [بوضوحها والحال «وي»] (٥) ولم يثبت ، فلم يبق إلا أنها للتشبيه ، الأمر يشبه هذا ، بل هو كذا.

قلت : عن هذا اعتذر سيبويه (٣) ، فقال : «المعنى على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم ، أو نبّهوا ، فقيل لهم : أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا»!.

وهذا بديع جدا كأنهم لم يحققوا هذا الأمر ، فلم يكن عندهم إلا ظن ، فقالوا نشبه أن يكون الأمر كذا ، ونبهوا (٦). ثم قيل لهم : يشبه أن يكون الأمر هكذا على وجه (٧) التقرير انتهى.

وقال صاحب (٨) «البسيط» كأنّه على مذهب البصريين ، لا يراد به التشبيه بل القطع

__________________

(١) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٢) في المخطوطة (ويك).

(٣) في الكتاب ٢ / ١٥٤. (باب ينتصب فيه الخبر بعد الأحرف الخمسة).

(٤) بياض في المخطوطة والمطبوعة مقدار ثلاث كلمات.

(٥) العبارة بين الحاصرتين ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المطبوعة (ونهوا).

(٧) في المخطوطة (جهة).

(٨) هو الحسن بن شرف شاه الأسترآباذي تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٤٦٤.

٣٧٩

واليقين ، وعلى مذهب الكوفيين يحتمل أن تكون الكاف حرفا للخطاب ، لأنه إذا كان اسم فعل لم يضف. وذهب بعضهم إلى أنه بكماله [٣٢٣ / أ] اسم.

وذهب الكسائي (١) إلى أن أصله «ويلك» فحذفت اللام وفتحت على مذهبه أن ، باسم الفعل قبلها.

وأما الوقف فأبو عمرو ويعقوب (٢) يقفان على الكاف على موافقة مذهب الكوفيين ، والكسائي يقف على الياء ؛ وهو مذهب البصريين ؛ وهذا يدلّ على أنهم لم يأخذوا قراءتهم من نحوهم ، وإنما أخذوها نقلا ، وإن خالف مذهبهم في النحو ولم يكتبوها (٣) منفصلة ، لأنه لما كثر بها الكلام وصلت.

٨٢ ـ ويل

قال الأصمعي : «ويل» تقبيح ، قال تعالى : (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء : ١٨).

وقد توضع موضع التحسّر والتفجع [منه] (٤) ، كقوله : (يا وَيْلَتَنا) (الكهف : ٤٩) ، (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ) (المائدة : ٣١).

٨٣ ـ يا

لنداء البعيد حقيقة أو حكما ، ومنه قول الداعي : يا الله ؛ وهو (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق : ٥٠) ، استصغارا لنفسه ، واستبعادا لها من مظانّ الزلفى.

وقد ينادى بها القريب إذا كان ساهيا أو غافلا ؛ تنزيلا لهما منزلة البعيد.

وقد ينادى بها القريب الذي ليس بساه ولا غافل ؛ إذا كان الخطاب المرتّب على النداء في محل الاعتناء بشأن المنادى.

__________________

(١) ذكر قوله ابن هشام في المغني ٢ / ٣٦٩ (وي).

(٢) ذكر الداني قولهما وقول الكسائي في التيسير : ٦١ (باب ذكر الوقف على مرسوم الخط) وانظر منار الهدى في الوقف والابتداء : ٦٨. (سورة القصص).

(٣) في المخطوطة (يثبتوها).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

٣٨٠