البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

وقد تحذف نونها ، قال [الله] (١) تعالى : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) (يوسف : ٢٥). [و] (٢) (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (ق : ٢٣).

[حرف الميم]

٧١ ـ ما

تكون على اثني عشر وجها : ستة منها أسماء ، وستة حروف.

فالاسمية ضربان : معرفة ونكرة ؛ لأنه إذا حسن موضعها «الذي» فهي معرفة ، أو «شيء» فهي نكرة ؛ وإن حسنا معا جاز الأمران ، كقوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) (النساء : ٤٨) و (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (ق : ٢٣).

والنكرة ضربان : ضرب تلزمه الصفة ، وضرب لا تلزمه ، فالذي [لا] (٣) تلزمه الاستفهامية والشرطية والتعجب ، وما عداها تكون منه نكرة ، فلا بد لها من صفة تلزمها.

فالأول من الستة : الأسماء الخبرية ، وهي الموصولة ، ويستوي فيها التذكير والتأنيث ، والإفراد والتثنية والجمع ، كقوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (النحل : ٩٦) ، وقوله (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (البقرة : ٤) (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (النحل : ٤٩).

فإن كان المراد بها المذكر كانت للتذكير ، بمعنى «الذي» ، وإن كان المراد بها المؤنث كانت للتأنيث بمعنى «التي».

وقال السهيليّ (٤) : كذا يقول النحويون ، إنها بمعنى «الذي» [وإن كان المراد بها المؤنث كانت للتأنيث بمعنى التي] (٣) مطلقا ، وليس كذلك ، بل بينهما تخالف في المعنى وبعض الأحكام.

أمّا المعنى ؛ فلأن «ما» اسم مبهم في غاية الإبهام ؛ حتى إنه يقع على المعدوم ، نحو : «إنّ الله عالم بما كان وبما لم يكن».

__________________

(١) لفظ الجلالة زيادة من المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) هو عبد الرحمن بن عبد الله تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢.

٣٤١

وأما في الأحكام فإنها لا تكون نعتا لما قبلها ، ولا منعوتة ، لأن صلتها تغنيها عن النعت ولا تثنى ولا تجمع. انتهى.

ثم لفظها مفرد ومعناها الجمع ، ويجوز مراعاتها في الضمير.

ونحوه من مراعاة المعنى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) (يونس : ١٨) ، [ثم] (١) قال : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) (يونس : ١٨) لما أراد الجمع.

وكذلك قوله [تعالى] : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) (النحل : ٧٣).

ومن مراعاة اللفظ : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) (البقرة : ٩٣).

وأصلها أن تكون لغير العاقل ، كقوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) (النحل : ٩٦).

وقد تقع على من يعقل عند اختلاطه بما لا يعقل تغليبا ، كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ]) (٢) (الأعراف : ١٨٥) [فإنه عبارة عن مطلق الموجودات ، وقوله (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)] (٢) (الحشر : ١) ، وقوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) (الأنبياء : ٩٨) ، الآية بدليل نزول الآية بعدها مخصصة : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) (الأنبياء : ١٠١).

قالوا : وقد تأتي لأنواع من يعقل ، كقوله [٣١٦ / ب] تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (النساء : ٣) أي الأبكار إن شئتم أو الثيّبات.

ولا تكون لأشخاص من يعقل على الصحيح ؛ لأنها اسم مبهم يقع على جميع الأجناس ، فلا يصح وقوعها إلا على جنس.

ومنهم من جوزه ، محتجا بقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) ، والمراد آدم. وقوله : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (الشمس : ٥) وقوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (الكافرون : ٣) ، أي الله.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

٣٤٢

فأما الأولى فقيل إنها مصدرية. وقال السهيليّ (١) : بل إنها وردت في معرض التوبيخ على امتناعه من السجود ، ولم يستحق هذا من حيث كان السجود لما يعقل ، ولكن لعلة أخرى ، وهي المعصية والتكبّر [على ما لم يخلقه] (٢) ؛ فكأنه يقول : لم عصيتني وتكبرت على ما خلقته وشرفته؟ فلو قال : ما منعك أن تسجد لمن؟ كان استفهاما مجردا من توبيخ ، ولتوهّم أنه وجب السجود له من حيث كان يعقل ، أو لعلة موجودة فيه أو لذاته ؛ وليس كذلك.

وأما آية السماء ؛ فلأنّ القسم تعظيم للمقسم به من حيث ما في خلقها من العظمة والآيات ، فثبت لهذا (٣) القسم بالتعظيم كائنا ما كان (٣). وفيه إيحاء إلى قدرته تعالى على إيجاد هذا الأمر العظيم ، بخلاف قوله : «من» لأنه كان يكون المعنى مقصورا على ذاته دون أفعاله. ومن هذا يظهر غلط من جعلها بتأويل المصدر.

وأما (ما أَعْبُدُ) فهي على بابا ؛ لأنها واقعة على معبوده عليه‌السلام على الاطلاق ؛ لأن الكفار كانوا يظنون أنهم يعبدون الله وهم جاهلون به ، فكأنه قال : أنتم لا تعبدون معبودي.

ووجه آخر ، وهو أنهم كانوا يحسدونه ويقصدون مخالفته كائنا من كان معبوده ، فلا يصح في اللفظ إلا لفظة «ما» لإبهامها ومطابقتها لغرض أو لازدواج [الكلام] (٥) ؛ لأن معبودهم لا يعقل ، وكرر الفعل على بنية المستقبل حيث أخبر عن نفسه ، إيماء إلى عصمة الله [تعالى] له عن الزيغ والتبديل ، وكرره بلفظ حين أخبر عنهم بأنهم يعبدون أهواءهم ، ويتبعون شهواتهم ؛ بفرض أن يعبدوا اليوم ما لا يعبدونه غدا.

وهاهنا ضابط حسن للفرق بين الخبرية والاستفهامية ، وهو أن «ما» إذا جاءت قبل «ليس» أو «لم» أو «لا» ، أو بعد «إلا» ، فإنها تكون خبرية ، كقوله : (ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) (المائدة : ١١٦) ، (ما لَمْ يَعْلَمْ) (العلق : ٥) ، (ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة : ١٦٩) ، (إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا) (البقرة : ٣٢) ، وشبهه.

__________________

(١) لفظ الجلالة زيادة من المخطوطة.

(٢) هو عبد الرحمن بن عبد الله تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢.

(٣) العبارة ساقطة من المطبوعة.

(٤) عبارة المخطوطة (القسم به التعظيم لآيته ما كان).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٣٤٣

وكذلك إذا جاءت بعد حرف الجر ، نحو : «ربما» و «عمّا» و «فيما» ونظائرها ؛ إلا بعد كاف التشبيه. وربما كانت مصدرا بعد الباء ، نحو : (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) (الأعراف : ١٦٢) ، (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة : ١٠) ، (بِما تَعْمَلُونَ) (١) (الفتح : ١١).

وإن (٢) وقعت بين فعلين سابقهما علم أو دراية أو نظر ، جاز فيها الخبر والاستفهام ، كقوله تعالى : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (البقرة : ٣٣). (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (٣) (النحل : ١٩) ، (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) (هود : ٧٩). (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ) (يوسف : ٨٩). (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (الأحقاف : ٩). (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ) (الحشر : ١٨).

الثاني : الشرطية ، ولها صدر الكلام ، ويعمل فيها ما بعدها من الفعل ، نحو : ما تصنع أصنع ، وفي التنزيل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ [أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها]) (٤) (البقرة : ١٠٦).

(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) (البقرة : ١٩٧) (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة : ٢١٥). (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) (البقرة : ١١٠). (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) (فاطر : ٢) ف «ما» في هذه المواضع في موضع نصب بوقوع الفعل عليها.

الثالث : الاستفهامية ، بمعنى «أيّ شيء» ، ولها صدر الكلام كالشرطية (٥) ويسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته ، وعن أجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم ، قال تعالى : (ما هِيَ) (البقرة : ٧٠) ، و (ما لَوْنُها) (البقرة : ٦٩) ، و (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (طه : ١٧).

قال الخليل (٦) في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (العنكبوت : ٤٢). ما : استفهام ، أي : أيّ شيء تدعون من دون الله؟.

__________________

(١) الآية في المخطوطة (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام : ١٢٧.

(٢) في المخطوطة (وإذا).

(٣) الآية في المخطوطة (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (التغابن : ٤).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المطبوعة (كالشرط).

(٦) ذكر قوله الراغب الأصفهاني في المفردات : ٤٧٩.

٣٤٤

ومثال مجيئها لصفات من يعلم قوله تعالى : (وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) (الفرقان : ٦٠) ، ونظيرها ـ لكن في الموصولة ـ (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) [٣١٧ / أ] (مِنَ النِّساءِ) (النساء : ٣).

وجوّز بعض النحويين أن يسأل بها عن أعيان من يعقل أيضا. حكاه الراغب (١) ؛ فإن كان مأخذه قوله تعالى عن فرعون : [(وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)] (٢) (الشعراء : ٢٣) ، فإنما هو سؤال عن الصفة ؛ لأن الربّ هو المالك والملك صفة ، ولهذا أجابه موسى [عليه‌السلام] بالصفات (٣). ويحتمل أن «ما» سؤال عن ماهيّة الشيء ، ولا يمكن ذلك في حق الله تعالى ، فأجابه موسى تنبيها على صواب السؤال (٤) [ونظيره في تنبيه المخاطب للمتكلم على الكلام ما حكى سيبويه عن بعض العرب أنه قال ذهبت معهم فقال المجيب مع من ، فالمتكلم بنى كلامه على أن المخاطب عالم بالمكنى عنه ، ولم يكن عالما بهم فلذلك أجابه ب «من] (٤).

ثم فيه مسألتان : إحداهما في إعرابها ؛ وهو بحسب الاسم المستفهم عنه ، فإن كانت هي المستفهم عنها كانت في موضع (٥) [رفع بالابتداء ، نحو قوله تعالى : (ما لَوْنُها) (البقرة : ٦٩) و (ما هِيَ) (البقرة : ٧٠) (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) (النساء : ٧٩).

وإن كان ما بعدها هو المسئول عنه ، كانت في موضع] (٥)) الخبر ، كقوله : (وَمَا الرَّحْمنُ) (الفرقان : ٦٠) وقوله : (مَا الْقارِعَةُ مَا الْحَاقَّةُ).

الثانية : في حذف ألفها ؛ ويكثر في حالة الخفض ، قصدوا مشاكلة اللفظ للمعنى ؛ فحذفوا الألف كما أسقطوا الصلة ، ولم يحذفوا في حال النصب والرفع ، كيلا تبقى الكلمة على حرف واحد ، فإذا اتصل بها حرف الجر أو مضاف اعتمدت عليه ؛ لأن الخافض والمخفوض بمنزلة الكلمة الواحدة ، كقوله تعالى : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) (النازعات :

__________________

(١) انظر المفردات : ٤٧٩ مادة (ماء).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) وهو قوله تعالى : (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

٣٤٥

٤٣) ، (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) (التحريم : ١) ، (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (الحجر : ٥٤) (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) (النبأ : ١).

(١) [وقال بعض النحويين : «إما أن يستفهم بها مبنيا أو لا ، فالأول لا يحذف إلا مع الخافض كقوله (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (الحجر : ٥٤) ونظائره ، والثاني يحذف مع غير الخافض فإذا قال : رأيت شيئا حسنا قلت ما رأيت أو رأيت منه». انتهى] (١).

وأمّا قوله : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) (يس : ٢٦ ـ ٢٧) ، فقال المفسرون : معناه بأيّ شيء غفر لي [ربي] (٢) ، فجعلوا «ما» استفهاما. وقال الكسائي : معناه بمغفرة ربّي ، فجعلها مصدرية.

قال الهرويّ (٣) : إثبات الألف في «ما» بمعنى الاستفهام مع اتصالها بحرف الجر لغة ، وأما قوله : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي (٤) [لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) (الأعراف : ١٦) ، فقيل : إنها للاستفهام ، أي : بأيّ شيء أغويتني؟ ثم] (٤) ابتدأ (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ). وقيل مصدرية والباء متعلقة بفعل القسم المحذوف ، أي فبما أغويتني أقسم بالله لأقعدنّ ، أي بسبب إغوائك أقسم.

ويجوز أن تكون الباء للقسم ، أي فأقسم بإغوائك لأقعدنّ ، وإنما أقسم بالإغواء لأنه كان مكلّفا ، والتكليف من أفعال الله ، لكونه تعريفا لسعادة الأبد ، وكان جديرا أن يقسم به. فإن قيل : تعلقها ب (لَأَقْعُدَنَ) ، قيل : يصدّ عنه لام القسم ، ألا ترى أنك لا تقول : والله لا بزيد (٥) لأمرّنّ.

والرابع : التعجبية ، كقوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (البقرة : ١٧٥).

(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (عبس : ١٧). ولا ثالث لهما في القرآن إلا في قراءة سعيد (٦) بن جبير : ما أغرّك بربّك الكريم (الانفطار : ٦).

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) هو علي بن محمد الهروي صاحب كتاب «الأزهية» تقدم التعريف به في ٤ / ٢١٦.

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (تريد لأمر).

(٦) ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ٣٥٣ (سورة الانفطار).

٣٤٦

وتكون في موضع رفع بالابتداء و «ما» خبر ، وهو قريب مما قبله ؛ لأن الاستفهام والتعجب بينهما تلازم ؛ لأنك إذا تعجبت من شيء [فبالحريّ] (١) أن تسأل عنه.

والخامس : نكرة بمعنى «شيء» ، ويلزمها النعت ، كقولك : رأيت ما معجبا لك ، وفي التنزيل : ([ما] (٢) بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (البقرة : ٢٦) ، (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) (النساء : ٥٨) أي نعم شيئا يعظكم به.

والسادس : نكرة بغير صفة ولا صلة ، كالتعجب ، وموضعها نصب على التمييز ، كقوله : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) (البقرة : ٢٧١) ، أي فنعم شيئا (٣) هي ، كما تقول : نعمّ ، رجلا زيد ، أي نعم الرجل رجلا زيد ، ثم قام «ما» مقام الشيء.

فائدة : قال بعضهم : وقد تجيء «ما» مضمرة ، كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ) (الإنسان : ٢٠) [أي ما ثمّ] (٤) ، وقوله (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) (الكهف : ٧٨) أي ما بيني. (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (الأنعام : ٩٤) أي ما بينكم.

وأما الحرفية فستة :

الأول : النافية ، ولها صدر الكلام. وقد تدخل على الأسماء والأفعال ، ففي الأسماء ك «ليس» ترفع وتنصب في لغة أهل الحجاز ، ووقع في القرآن في ثلاثة مواضع : قال تعالى : (ما هذا بَشَراً) (يوسف : ٣١). وقوله تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [٣١٧ / ب] (المجادلة : ٢) على قراءة كسر التاء (٥). وقوله : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (الحاقة : ٤٧). وعلى الأفعال فلا تعمل ، وتدخل على الماضي [بمعنى] (٦) «لم» نحو [ما خرج ، أي لم يخرج] (٦). وقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (البقرة : ١٦).

وعلى المضارع لنفي الحال ، [بمعنى «لا] (٦) ، نحو ما يخرج زيد ، أي لا يخرج ، [نفيت أن يكون منه خروج في الحال] (٦).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (شيء).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) وهي قراءة الجمهور ، وقرأ ابن مسعود رضي‌الله‌عنه بأمهاتهم بزيادة الباء انظر البحر المحيط ٧ / ٢٣٢.

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٣٤٧

ومنهم من يسميه جحدا ، وأنكره بعضهم. وسبق الفرق بين الجحد والنفي في الكلام على قاعدة المنفيّ.

وقال ابن الحاجب (١) : هي لنفي الحال في اللغتين الحجازية والتميمية ، نحو : ما زيد منطلقا ومنطلق ؛ ولهذا جعلها سيبويه في النفي جوابا ل «قد» في الإثبات ؛ ولا ريب أن «قد» للتقريب من الحال ، فلذلك جعل جوابا لها في النفي.

قال : ويجوز أن تستعمل للنفي في الماضي والمستقبل عند قيام القرائن ، قال تعالى حكاية عن الكفار : (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) (الدخان : ٣٥) (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (الأنعام : ٢٩).

وفي الماضي ، نحو : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) (المائدة : ١٩) ، فإنه ورد للتعليل ، على معنى كراهة أن يقولوا عند إقامة الحجة عليهم : ما جاءنا في الدنيا من بشير ولا نذير ؛ وهذا للماضي المحقق ، وأمثال ذلك كثير.

قال : ثم إن سيبويه (٢) جعل فيها معنى التوكيد ؛ لأنها جرت موضع «قد» في النفي ، فكما أن «قد» فيها معنى التأكيد ، فكذلك ما جعل جوابا لها.

وهنا ضابط ؛ وهو إذا ما أتت بعدها «إلا» في القرآن ؛ فهي من نفي «إلا في ثلاثة عشر (٣) موضعا» :

أولها : في البقرة قوله [تعالى :] (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا) (الآية : ٢٢٩).

الثاني : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ) (البقرة : ٢٣٧).

الثالث : في النساء قوله : (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ) (الآية : ١٩).

الرابع : (ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ) (النساء : ٢٢).

الخامس : في المائدة (وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ) (الآية : ٣).

__________________

(١) هو عثمان بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٢) انظر الكتاب ٤ / ٢٢١ ، (باب عدة ما يكون عليه الكلم).

(٣) في المخطوطة (ثلاثة وعشرين).

٣٤٨

السادس : في الأنعام (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ [إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) (١) (الآية : ٨٠).

السابع : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ) (الأنعام : ١١٩).

الثامن والتاسع : في هود (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ) (الآية : ١٠٧ ـ ١٠٨) ، في موضعين ، أحدهما : في ذكر أهل النار ، والثاني : في ذكر أهل الجنة.

العاشر والحادي عشر : في يوسف : (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً) ، (الآية : ٤٧) ، وفيها : (ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ) (الآية : ٤٨).

الثاني عشر : في الكهف (وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ) (الآية : ١٦) ، على خلاف فيها.

الثالث عشر : (وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِ) (الحجر : ٨٥) حيث كان.

والثاني : المصدرية ، وهي قسمان : وقتية وغير وقتية.

فالوقتية هي التي تقدر بمصدر نائب عن ظرف الزمان ، كقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (هود : ١٠٧) ، وقوله : (إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) (آل عمران : ٧٥) ، و (ما دُمْتُمْ حُرُماً) (المائدة : ٩٦) ، أي مدة دوام السموات والأرض ، (٢) [ووقت دوام قيامكم وإحرامكم ، وتسمى ظرفية أيضا.

وغير الوقتية هي التي تقدر مع الفعل ، نحو بلغني ما صنعت ، أي صنعك ، قال تعالى (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (التوبة : ٧٧) ، أي بتكذيبهم ، أو بكذبهم على القرآن.

وقوله : (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ ، بِما رَحُبَتْ)] (٢) (التوبة : ١١٨) وقوله : (كَما آمَنَ النَّاسُ) (البقرة : ١٣) و (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً) (البقرة : ١٥١) و (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا) (البقرة : ٩٠) أي كإيمان الناس ، وكإرسال الرسل (٣) ، وبئس اشتراؤهم. وكلّما أتت بعد كاف التشبيه أو «بئس» فهي مصدرية على خلاف فيه.

__________________

(١) الآية بين الحاصرتين ليست في المخطوطة.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (الناس).

٣٤٩

وصاحب «الكتاب» (١) يجعلها حرفا ، والأخفش (٢) يجعلها اسما. وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء.

والثالث : الكافّة للعامل عن عمله ، وهو [ما] (٣) يقع بين ناصب ومنصوب ، أو جار ومجرور ، أو رافع ومرفوع.

فالأول : كقوله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (النساء : ١٧١) ، (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (فاطر : ٢٨) ، (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (آل عمران : ١٧٨).

والثاني : كقوله : ربما رجل أكرمته ، وقوله [تعالى] : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (الحجر : ٢).

والثالث : كقولك : قلما تقولين ، وطالما تشتكين (٤).

والرابع : المسلطة ، وهي التي تجعل اللفظ [متسلطا بالعمل] (٥) بعد أن لم يكن عاملا ؛ نحو : «ما» في «إذ ما» و «حيثما» ؛ (٦) [لأنك (٧) تقول : إذ ما أفعل وحيثما أفعل فإذا وجب] (٦) لا يعملان (٨) بمجردهما في الشرط ، ويعملان عند دخولها عليهما (٩).

والخامس : أن تكون مغيّرة للحرف عن حاله ، كقوله في «لو» لو ما ، غيّرتها إلى معنى «هلا» ، قال تعالى : (لَوْ ما تَأْتِينا) (الحجر : ٧).

__________________

(١) في المخطوطة (الكشاف) ، وانظر الكتاب ٣ / ١٠ ـ ١١ (باب وجه دخول الرفع في هذه الأفعال) وانظر إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري : ١٧ (طبعة دار الكتب العلمية).

(٢) قول الأخفش ذكره ابن هشام في المغني ١ / ٣٠٥ (ما) المصدرية.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (تسكتين).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٧) في المطبوعة (لأنهما).

(٨) في المخطوطة (يعمل).

(٩) في المخطوطة : (عليها).

٣٥٠

والسادس : المؤكد للّفظ ويسميه [بعضهم صلة] (١) ، وبعضهم زائدة ، والأول أولى ، ٤ / ٤٠٩ لأنه ليس في القرآن حرف إلا وله معنى. ويتّصل بها الاسم والفعل ، وتقع أبدا حشوا أو آخرا ، ولا تقع ابتداء (٢) [لأن الابتداء بها يقتضي العناية بها وهي تنافي زيادتها ،] (٢) ، وإذا وقعت حشوا فلا تقع إلا بين الشيئين المتلازمين ؛ وهو مما يؤكد زيادتها لإقحامها بين ما هو كالشيء الواحد.

(٣) [ولا يخلو ذلك من أربعة أحوال : إما أن يقع بين الرافع [٣١٨ / أ] ومرفوع وناصب ومنصوب وجار ومجرور وجازم ومجزوم فالأول ومثال الناصب والمنصوب قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (البقرة : ٢٦) ومثال الناصب والمنصوب ومثال الجازم والمجزوم] (٣).

[نحو] (٤) : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) (البقرة : ١٤٨). (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) (النساء : ٧٨) [فقوله أين منصوبة بقوله يكونوا مجزومة بقوله أين وقد وقعت بين الناصب والمنصوب والجازم والمجزوم].

وكذا قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة : ١١٥). (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (الإسراء : ١١٠). [ومثال الجار والمجرور] (٥) (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (آل عمران : ١٥٩. (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (النساء : ١٥٥). (عَمَّا قَلِيلٍ) (المؤمنون : ٤٠).

(أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) (القصص : ٢٨). (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) (نوح : ٢٥).

(٦) [فإن قلت «هلا جعلت نكرة غير موصوفة ويكون ذلك أولى من زياداتها ويكون «نقضهم» بدلا ، قلت : عدلوا عنه لقلة مجيئها نكرة غير موصوفة] (٦).

وجعل منه سيبويه (٧) في باب الحروف الخمسة قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٨) (الطارق : ٤) ، قال : [«إنما هي لعليها»] (٦) فجعلها زائدة (٨).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) العبارة ساقطة من المطبوعة.

(٦) انظر الكتاب ٣ / ١٣٩ (باب الحروف الخمسة التي تعمل فيما بعدها ...).

(٧) قرأ (لمّا) بالتشديد ابن عامر وعاصم وحمزة والباقون بالتخفيف (لما) (التيسير : ٢٢١).

(٨) في المخطوطة (جائزة).

٣٥١

وأجاز الفارسيّ زيادة اللام ، والمعنى : إن كل نفس ما عليها حافظ (١) [ولا يختل المعنى لأنه جعل «إن» بمنزلة «ما» فكأنه قال «كل نفس ما عليها حافظ»] (١).

ثم قال سيبويه : وقال تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ [لَدَيْنا مُحْضَرُونَ]) (٢) (يس : ٣٢) ، (٣) [إنما هو : لجميع ، و «ما» لغو] (٣).

قال الصّفّار (٤) : والذي دعاه إلى أن يجعلها لغوا ولم يجعلها موصولا ؛ لأن بعدها مفرد ، فيكون من باب : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (الأنعام : ١٥٤). فإن قيل : فهلاّ جعلها في (لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) موصولة لأن بعدها الظرف؟ قلنا : منع من ذلك وقوع «ما» على آحاد من يعقل ، ألا ترى كلّ نفس! وهذا يمنع في الآيتين من الصلة. انتهى ، وكان ينبغي أن يتجنب عبارة اللغو.

٧٢ ـ من

لا تكون إلا اسما لوقوعها فاعلة ومفعولة ومبتدأة ، ولها أربعة أقسام متفق عليها : الموصولة ، والاستفهامية ، والشرطية ، والنكرة الموصوفة.

فالموصولة كقوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (الأنبياء : ١٩). (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الرعد : ١٥).

والاستفهامية ، وهي التي أشربت معنى النفي ، ومنه : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ) (آل عمران : ١٣٥) و (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) (الحجر : ٥٦). ولا يتقيد

__________________

(١) ما بين الحاصتين ليس في المطبوعة.

(٢) ليست في المطبوعة. وقرأ (لمّا) بالتشديد ابن عامر وعاصم وحمزة والباقون بالتخفيف (لما) (التيسير : ١٢٦).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

٣٥٢

جواز ذلك بأن يتقدمها الواو ، خلافا لابن مالك (١) في «التسهيل» ، بدليل (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) (البقرة : ٢٥٥) والشرطية كقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) (فصلت : ٤٦) و (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (الأنعام : ١٦٠).

والنكرة الموصوفة ، كقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) (البقرة : ٨) ، أي فريق يقول.

وقيل : موصولة (٢) ، وضعّفه أبو البقاء (٣) بأن «الذي» يتناول أقواما بأعيانهم ، والمعنى هاهنا على الإيهام.

وتوسط الزمخشري (٤) فقال : إن كانت «أل» للجنس فنكرة ، أو للعهد فموصولة ؛ وكأنه قصد مناسبة الجنس للجنس ، والعهد للعهد ، لكنه ليس بلازم ، بل يجوز أن تكون للجنس ومن موصولة ، وللعهد ومن نكرة. ثم الموصولة قد توصف بالمفرد وبالجملة ، وفي التنزيل : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (الرحمن : ٢٦) ؛ في أحد الوجهين ، أي كل شخص مستقر عليها.

قالوا : وأصلها أن تكون لمن يعقل ، وإن استعملت في غيره فعلى المجاز.

هذه عبارة القدماء ، وعدل جماعة إلى قولهم : «من يعلم» لإطلاقها على الباري ، كما في قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) (الرعد : ١٦) ، وهو سبحانه يوصف بالعلم لا بالعقل ، لعدم الإذن فيه. وضيق سيبويه (٥) العبارة فقال : هي للأناسيّ.

فأورد عليه أنها تكون للملك ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) (الحج : ١٨) فكان حقه أن يأتي بلفظ يعم الجميع ، بأن يقول «لأولي العلم».

__________________

(١) هو محمد بن عبد الله بن مالك تقدم التعريف به في ١ / ٣٨١ وبكتابه في ٢ / ٤٥٨. وقد ذكر قوله ابن هشام في المغني ١ / ٣٢٧ (من).

(٢) في المخطوطة (موصوفة).

(٣) هو عبد الله بن الحسين تقدم التعريف به في ١ / ١٥٩ وانظر كتابه إملاء ما منّ به الرحمن : ١ / ١٦ (طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت) إعراب الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا ...) (البقرة : ٨).

(٤) في الكشاف ١ / ٢٩.

(٥) في الكتاب ٤ / ٢٢٨ و ٢٣٣ باب عدة ما يكون عليه الكلم.

٣٥٣

وأجيب بأن هذا يقلّ فيها ، فاقتصر على الأناسيّ للغلبة.

وإذا أطلقت على ما لا يعقل ؛ فإما لأنه عومل معاملة من يعقل ، وإما لاختلاطه [به] (١).

فمن الأول قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) ، والذي لا يخلق المراد به الأصنام ؛ لأن الخطاب مع العرب لكنه لمّا عوملت بالعبادة عبر عنها ب «من» ، بالنسبة إلى اعتقاد المخاطب. ويجوز [٣١٨ / ب] أن يكون المراد ب «من» لا يخلق العموم الشامل لكل ما عبد من دون الله من العاقلين وغيرهم ، فيكون مجيء «من» هنا للتغليب الذي اقتضاه الاختلاط في قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ...) (النور : ٤٥) الآية ، فعبّر بها عمّن يمشي على بطنه ، وهم الحيات ، وعمّن يمشي على أربع وهم البهائم ، لاختلاطها مع من يعقل في صدر الآية ؛ لأن عموم الآية يشمل العقلاء وغيرهم ، فغلّب على الجميع حكم العاقل.

(فائدة) قيل : إنما كانت (٢) «من» لمن يعقل و «ما» لما لا يعقل ؛ لأن مواضع «ما» في الكلام أكثر من مواضع «من» ، وما لا يعقل أكثر ممن يعقل ، فأعطوا ما كثرت مواضعه للكثير ، وأعطوا ما قلّت مواضعه للقليل ، وهو من يعقل ، للمشاكلة والمجانسة.

(تنبيه) ذكر الأبياري (٣) في شرح «البرهان» أن اختصاص «من» بالعاقل و «ما» بغيره مخصوص بالموصولتين ، أما الشرطيتين (٤) فليست من هذا القبيل ؛ لأن الشرط يستدعي الفعل ولا يدخل على الأسماء.

(تنبيه) وقد سبق في قاعدة مراعاة اللفظ والمعنى بيان حكم «من» في ذلك ، وقوله تعالى : (إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (البقرة : ١١١) ، فجعل اسم «كان» مفردا حملا على

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المطبوعة (كان).

(٣) هو علي بن إسماعيل بن علي شمس الدين الأبياري ، كان من العلماء الأعلام وأئمة الإسلام ، بارعا في علوم شتى كالفقه وأصوله وعلم الكلام ، وانتفع به جماعة وله تصانيف منها «شرح البرهان» لأبي المعالي الجويني وله «سفينة النجاة» على طريقة «الإحياء» وغيرها ت ٦١٦ ه‍ ـ (ابن فرحون ، الديباج المذهب : ٢١٣).

(٤) في المطبوعة (الشرطية).

٣٥٤

لفظ «من» ، وخبرها جمعا حملا على معناها ، ولو حمل الاسم والخبر على اللفظ (١) معا لقال «إلا من كان يهوديا أو نصرانيا» ؛ ولو حملهما على معناها لقال : «إلاّ من كانوا هودا أو نصارى» فصارت الآية الشريفة بمنزلة قولك : [لا] (٢) يدخل الدار إلا من كان عاقلين ، وهذه المسألة منعها ابن السراج (٣) وغيره ، وقالوا : لا يجوز أن يحمل الاسم والخبر معا على اللفظ ، فيقال : «إلا من كان عاقلا» ، أو يحملا معا على المعنى فيقال : «إلا من كانوا عاقلين» ، وقد جاء القرآن بخلاف قولهم.

٧٣ ـ من

حرف يأتي لبضعة عشر معنى :

الأول : ابتداء الغاية ، إذا كان في مقابلتها «إلى» التي للانتهاء. وذلك إمّا في اللفظ ، نحو سرت من البصرة إلى الكوفة ، وقوله تعالى : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (الإسراء : ١).

وإمّا في المعنى ؛ نحو زيد أفضل من عمرو ؛ لأن معناه زيادة الفضل على عمرو ، وانتهاؤه في الزيادة إلى زيد. ويكون في المكان اتفاقا ، نحو : من المسجد الحرام. وما نزّل منزلته ، نحو من فلان ، ومنه : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) (النمل : ٣٠) ، وقولك : ضربت من الصغير إلى الكبير ، إذا أردت البداءة من الصغير والنهاية بالكبير. وفي الزمان عند الكوفيين ، كقوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) (التوبة : ١٠٨). وقوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الروم : ٤). فإن «قبل» و «بعد» ظرفا زمان.

وتأويله مخالفوهم على حذف مضاف ، أي من تأسيس أول يوم ، ف «من» داخلة في التقدير على التأسيس ، وهو مصدر ، وأما «قبل» و «بعد» فليستا ظرفين في الأصل ، وإنما هما صفتان.

الثاني : الغاية ، وهي التي تدخل على فعل هو محلّ لابتداء الغاية وانتهائه معا ، نحو :

__________________

(١) عبارة المخطوطة (واللفظ على الخبر).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) هو محمد بن سهل تقدم التعريف به في ٢ / ١٢.

٣٥٥

أخذت من التابوت ، فالتابوت محل ابتداء الأخذ وانتهائه. وكذلك أخذته من زيد ، ف «زيد» محل لابتداء الأخذ وانتهائه (١) كذلك. قاله الصفار (٢). وغاير (١) بينه (٣) وبين ما قبله ، قال : وزعم بعضهم أنها تكون لانتهاء الغاية ، نحو قولك : رأيت الهلال من داري من خلل السحاب ، فابتداء الرؤية [وقع] (٤) من الدار ، وانتهاؤها من خلل السحاب ، وكذلك : شممت الريحان من داري من الطريق ، فابتداء الشمّ من الدار وانتهاؤه إلى الطريق.

قال : وهذا لا حجة فيه ، بل هما لابتداء الغاية ، فالأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل ، والثانية لابتداء الغاية في حق المفعول ، ونظيره كتاب أبي عبيدة بن الجراح إلى عمر بالشام ، وأبو عبيدة لم يكن وقت كتبه (٥) إلى عمر بالشام ، بل الذي كان في الشام عمر ، فقوله «بالشام» ظرف للفعل بالنسبة إلى المفعول.

قال : وزعم ابن الطراوة (٦) أنها إذا كانت لابتداء الغاية في الزمان لزمها إلى الانتهاء فأجاز : سرت من يوم الجمعة إلى يوم الأحد ؛ لأنّك لو لم تذكر لم يدر (٧) إلى أين انتهى السير.

قال الصفار : وهذا الذي قاله غير محفوظ من كلامهم ، وإذا أرادت العرب هذا أتت فيه بمذ ومنذ ، ويكون الانتهاء إلى زمن الإخبار.

الثالث : التبعيض ، ولها علامتان : أن يقع البعض موقعها وأنّ يعم ما قبلها ما بعدها إذا حذفت كقوله تعالى : (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران : ٩٢) ، ولهذا في مصحف ابن مسعود : «بعض ما تحبون» (٨). وقوله : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) (البقرة : ٢٥٣).

__________________

(١) العبارة في المخطوطة (كذا قال الصفار وغاير بينه).

(٢) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٣) في المطبوعة (قبله) وتصويبه من المخطوطة.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (نسبه).

(٦) هو سليمان بن محمد بن عبد الله تقدم التعريف به في ٢ / ٤٣٢.

(٧) عبارة المخطوطة (إلى لم يدر).

(٨) القراءة ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٢ / ٥٢٤.

٣٥٦

وقوله : (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) (إبراهيم : ٣٧) ؛ فإنه كان [٣١٩ / أ] نزل ببعض ذريته.

الرابع : بيان الجنس. وقيل : إنها لا تنفك (١) عنه مطلقا ، حكاه التراس (٢) ؛ ولها علامتان : أن يصح وضع «الذي» موضعها ، وأن يصح وقوعها صفة لما قبلها.

وقيل : هي أن تذكر شيئا تحته أجناس ، والمراد أحدها ، فإذا أردت واحدا منها بينته ، كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (الحج : ٣٠) (٣) [فالرجس يشمل الأوثان] (٣) وغيرها ، فلما اقتصر عليه لم يعلم المراد ، فلما صرح بذكر الأوثان علم أنها المراد من الجنس. وقرنت ب «من» للبيان ؛ فلذلك قيل : إنها للجنس ، وأما اجتناب غيرها فمستفاد من دليل آخر ، والتقدير : واجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ، أي اجتنبوا الرجس الوثنيّ ، فهي راجعة إلى معنى الصفة.

وهي بعكس التي للتبعيض ؛ فإنّ تلك يكون ما قبلها بعضا مما بعدها. فإذا قلت : أخذت درهما من الدراهم كان الدرهم بعض الدراهم. وهذه ما بعدها بعض مما قبلها ، ألا ترى أن الأوثان بعض الرجس. ومنه قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (النور : ٥٥) أي الذين هم أنتم ؛ لأنّ الخطاب للمؤمنين ، فلهذا لم يتصور فيها التبعيض.

وقد اجتمعت المعاني الثلاثة في قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) (النور : ٤٣) ، ف «من» الأولى لابتداء الغاية ، أي ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية للتبعيض ؛ أي بعض جبال منها ، والثالثة لبيان الجنس ؛ لأنّ الجبال تكون بردا وغير برد.

ونظيرها : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (البقرة : ١٠٥) ، فالأولى للبيان ؛ لأن الكافرين نوعان : كتابيون ومشركون ، والثانية : مزيدة لدخولها على نكرة منفية ، والثالثة : لابتداء الغاية.

وقوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (الكهف :

__________________

(١) في المخطوطة (تنفذ).

(٢) في المخطوطة (القواس). ولعله عبد العزيز بن زيد بن جمعة الموصلي الشهير (بابن القواس) تقدم التعريف به في ٤ / ٢١٥.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٣٥٧

٣١) ؛ فالأولى : لابتداء الغاية ، والثانية : لبيان الجنس ، أو زائدة ، بدليل قوله : (وَحُلُّوا أَساوِرَ [مِنْ فِضَّةٍ]) (١) (الإنسان : ٢١). والثالثة : لبيان الجنس أو التبعيض (٢).

وقد أنكر قوم من متأخري المغاربة بيان الجنس ، وقالوا : هي في الآية الشريفة لابتداء الغاية ؛ لأن الرجس جامع للأوثان وغيرها. فإذا قيل «من الأوثان» ، فمعناه الابتداء من هذا الصنف ، لأن الرجس ليس هو ذاتها ، ف «من» [في هذه] (٣) الآية كهي في : أخذته من التابوت.

وقيل : للتبعيض ، لأن الرجس منها هو عبادتها واختاره ابن أبي الربيع (٤) ، ويؤيده قوله : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) (الزمر : ١٧).

وأما قوله (منكم) فهي للتبعيض ، ويقدر الخطاب عاما للمؤمنين وغيرهم.

وأما قوله : (مِنْ جِبالٍ) فهو بدل من السماء ، لأن السماء مشتملة على جبال البرد ، فكأنه قال «وينزل من برد في السماء» ، وهو من قبيل ما أعيد فيه العامل مع البدل ، كقوله : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (الأعراف : ٧٥).

وأما قوله : (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ) (الكهف : ٣١) ، ففي موضع الصفة ، فهي للتبعيض.

وكثيرا ما تقع بعد ما ومهما ، لإفراط إبهامهما ، نحو : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) (فاطر : ٢) ، (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) (البقرة : ١٠٦) ، (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) (الأعراف : ١٣٢) ، وهي ومخفوضها في موضع نصب على الحال.

وقد تقع بعد غيرهما (٥) : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) (الكهف : ٣١) الشاهد في غير الأولى ، فإن تلك للابتداء. وقيل زائدة.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (والتبعيض).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) هو عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله تقدم التعريف به في ٢ / ٥٠٢.

(٥) في المخطوطة (غيرها).

٣٥٨

الخامس : التعليل ، ويقدر بلام (١) ، نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) (نوح : ٢٥) ، وقوله : (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) (قريش : ٤) أي من أجل الجوع.

وردّه الأبذيّ (٢) بأن الذي فهم منه العلة إنما هو لأجل المراد ، وإنما هي للابتداء ، أي ابتداء الإطعام من أجل الجوع.

السادس : البدل من حيث العوض (٣) عنه ، فهو كالسبب في حصول العوض ؛ فكأنه منه أتى ، نحو قوله تعالى : (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) (الزخرف : ٦٠) ، لأنّ الملائكة لا تكون من الإنس. وقوله : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) (التوبة : ٣٨) ، أي بدلا من الآخرة ، ومحلّها مع مجرورها النصب على الحال. وقوله : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) (آل عمران : ١١٦) ، أي بدل طاعة الله أو رحمة الله. وقوله : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) (الأنبياء : ٤٢) ، أي بدل الرحمن.

السابع : بمعنى «على» نحو : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) (الأنبياء : ٧٧) [أي على القوم] (٤) وقيل : على التضمين ، أي منعناه منهم بالنصر.

الثامن : بمعنى «عن» ، نحو : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) (الزمر : ٢٢) ، (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) (الأنبياء : ٩٧) ، وقيل : هي للابتداء [فيهما] (٤).

وقوله : (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) (قريش : ٤) ؛ فقد أشار سيبويه (٥) إلى أنّ «من» هنا تؤدي معنى «عن». وقيل : هي بمنزلة اللام للعلة ، أي لأجل الجوع. وليس بشيء ، فإن

__________________

(١) في المخطوطة (باللام).

(٢) هو علي بن محمد بن محمد تقدم التعريف به في ٣ / ٢٢٨.

(٣) في المخطوطة (المعوض).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) الكتاب ٤ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ، (باب عدّة ما يكون عليه الكلم).

٣٥٩

الذي فهم منه العلة إنما هو «أجل» لا «من». واختار الصفّار (١) أنها لابتداء الغاية. (٢) [وكأنه قال ابتداء فعلي لسبب كذا أي ابتداء الطعم [٣١٩ / ب] من أجل الجوع ، فكان الجوع ابتداء وقوع سبب الجوع] (٢).

التاسع : بمعنى الباء ، نحو : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) (الشورى : ٤٥) ؛ حكاه البغوي (٣) عن يونس. وقيل إنما قال : (مِنْ طَرْفٍ) لأنه لا يصحّ عنه ، وإنما نظره ببعضها.

وجعل منه ابن أبان (٤) : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (الرعد : ١١) ، أي بأمر الله.

وقوله : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ) (القدر : ٤ ـ ٥).

العاشر : بمعنى «في» نحو : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) (الجمعة : ٩) (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) (فاطر : ٤٠). وقيل : لبيان الجنس.

الحادي عشر : بمعنى «عند» نحو : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) (آل عمران : ١٠) قاله (٥) أبو عبيدة (٦) ، وقيل إنّها للبدل.

الثاني عشر : بمعنى الفصل ، وهي الداخلة بين متضادين ، نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) (البقرة : ٢٢٠) ، (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (آل عمران : ١٧٩).

__________________

(١) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) انظر تفسيره «معالم التنزيل» ٤ / ١٣١ الآية ٤٥ من سورة الشورى.

(٤) هو أحمد بن أبان تقدم التعريف به في ١ / ٣٩٤.

(٥) في المطبوعة (قال).

(٦) تصحف الاسم في المطبوعة والمخطوطة إلى (أبو عبيد). والتصويب من المغني ١ / ٣٢١ ، وانظر قول أبي عبيدة معمر بن المثنى في كتابه مجاز القرآن ١ / ٨٧ (آل عمران الآية ١٠).

٣٦٠