البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

(الثالث): لو المصدرية ، وعلامتها أن يصلح موضعها «أن» المفتوحة ، كقوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) (البقرة : ٩٦).

(١) [وقوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) (البقرة : ١٠٩). (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) (النساء : ١٠٢) ، (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي) (المعارج : ١١) ، أي الافتداء.

ولم يذكر الجمهور مصدرية «لو» وتأولوا الآيات الشريفة على حذف مفعول «يودّ» ، وحذف جواب «لو» ، أي يود أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة] (١) ليسرّ بذلك.

وأشكل قول الأولين بدخولها على [«أنّ»] (١) المصدرية ، في نحو قوله تعالى : ([وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ] (٢) تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ) (آل عمران : ٣٠) ، والحرف المصدري لا يدخل على مثله!.

وأجيب : بأنها إنما دخلت على فعل محذوف مقدر تقديره «يود لو ثبت أنّ بينها» فانتفت مباشرة الحرف المصدريّ لمثله.

وأورد ابن مالك السؤال (٣) في : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) (الشعراء : ١٠٢) وأجاب بهذا ، وبأن هذا من باب توكيد اللفظ بمرادفه ، نحو : (فِجاجاً سُبُلاً) (الأنبياء : ٣١).

وفي كلا الوجهين نظر ، أما الأول وهو دخول «لو» على «ثبت» [مقدرا] (٤) ، إنما هو مذهب المبرد ، وهو لا يراه فكيف يقرره في الجواب! وأما الثاني ، فليست هنا مصدرية بل للتمني كما سيأتي. ولو سلّم فإنه يلزم ذلك وصل «لو» بجملة اسمية مؤكدة ب «أن». وقد نص ابن مالك وغيره ؛ على أنّ صلتها لا بد أن تكون فعلية بماض أو مضارع.

قال ابن مالك : وأكثر وقوع هذه بعد «ود» أو «يودّ» أو [ما] (٤) في معناهما من مفهم

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) انظر كلام ابن مالك في «مغني اللبيب» ١ / ٢٦٦ ضمن حرف اللام ، لو فقد نقل الزركشي العبارة منه.

(٤) ليست في المخطوطة.

٣٢١

تمنّ. وبهذا يعلم غلط من عدّها حرف تمن ، ولو صح [ذلك] (١) لم يجمع بينها وبين فعل تمن ، كما لا يجمع بين ليت وفعل تمن.

(الرابع): لو التي للتمني ، وعلامتها أن يصح (٢) موضعها «ليت» ، نحو : لو تأتينا فتحدّثنا ، كما تقول : ليتك تأتينا فتحدثنا ، ومنه قوله تعالى : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) (الشعراء :

١٠٢ ـ) ، ولهذا نصب ، فيكون في جوابها ؛ لأنها أفهمت التمني ، كما انتصب (فَأَفُوزَ) (النساء : ٧٣) ، في جواب «ليت» : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ) (النساء : ٧٣) ، وذكر بعضهم قسما آخر وهو التعليل كقوله : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (النساء : ١٣٥).

٦١ ـ لو لا

مركّبة عند سيبويه (٣) من «لو» و «لا» ، حكاه الصّفّار (٤). والصحيح أنها بسيطة.

[لأن] (٥) من التركيب ما يغير ، ومنه ما لا يغيّر ، فمما لا يغيّر «لو لا». ومما يتغير بالتركيب «حبذا» صارت للمدح والثناء ، وانفصل «ذا» عن أن يكون مثنى أو مجموعا أو مؤنثا ، وصار بلفظ واحد لهذه الأشياء ؛ وكذلك «هلاّ» زال عنها الاستفهام جملة.

ثم هي على أربع (٦) أضرب :

الأول : حرف امتناع لوجوب ، وبعضهم يقول : لوجود ، بالدال. قيل : ويلزم [٣١٣ / أ] على عبارة سيبويه في «لو» أن تقول حرف لما [كان] (٥) سيقع ، لانتفاء ما قبله.

وقال صاحب «رصف المباني» (٧) : «الصحيح أن تفسيرها بحسب الجمل التي تدخل

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (أن تضع موضعها).

(٣) انظر كلام سيبويه في «الكتاب» ٤ / ٢٢٢ باب عدة ما يكون عليه الكلم.

(٤) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (على ثلاثة).

(٧) هو أحمد بن عبد النور بن أحمد بن راشد أبو جعفر المالقي ولد سنة (٦٣٠ ه‍) أخذ القراءات عن الحجاج بن أبي ريحانة وقرأ على ابن المفرج المالقي وتقدم في العربية والعروض ، وكانت وفاته في ربيع الآخر سنة (٧٠٢ ه‍) (ابن حجر ، الدرر الكامنة ١ / ١٩٤) ، وكتابه «رصف المباني في شرح حروف المعاني» مطبوع في دمشق بتحقيق أحمد محمد الخراط بمجمع اللغة العربية الطبعة الأولى سنة ١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م ، الطبعة الثانية بدار القلم دمشق سنة ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م ، وانظر قوله في كتابه ص ٣٦٢ باب لو لا.

٣٢٢

عليها ؛ فإن كانت الجملتان بعدها موجبتين ، فهي حرف امتناع لوجوب ؛ نحو : لو لا زيد لأحسنت إليك ؛ فالإحسان امتنع لوجود زيد ، وإن كانتا منفيّتين ، فحرف وجود (١) لامتناع ، نحو : (٢) [لو لا عدم قيام زيد لم أحسن إليك ، وإن كانتا موجبة ومنفية فهي حرف وجوب لوجوب نحو : لو لا زيد لم أحسن إليك ، وإن كانتا منفية وموجبة فهي حرف امتناع لامتناع نحو] (٢) لو لا عدم زيد لأحسنت إليك». انتهى.

ويلزم [في] (٣) خبرها الحذف ، ويستغنى بجوابها عن الخبر. والأكثر في جوابها المثبت اللام ، نحو : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (سبأ : ٣١) ، (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات : ١٤٣ ـ ١٤٤). وقد يحذف للعلم به ، كقوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (النور : ١٠).

وقد قيل في قوله تعالى : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (يوسف : ٢٤) ، لهمّ بها ، لكنه امتنع همّه بها لوجود [رؤية] (٤) برهان ربه ، فلم يحصل منه همّ البتة ، كقولك : لو لا زيد لأكرمتك ؛ المعنى أنّ الإكرام ممتنع لوجود زيد ؛ وبه يتخلّص من الإشكال الذي يورد : وهو كيف يليق به الهم! وأما جوابها إذا كان منفيا فجاء القرآن بالحذف ، نحو : (ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) (النور : ٢١). وهو يردّ قول (٥) ابن عصفور أنّ النفي ب «ما» الأحسن باللام.

الثاني : التحضيض ، [فتختصّ] (٦) بالمضارع ، نحو : (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) (النمل : ٤٦). (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) (المائدة : ٦٣). (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) (المنافقون : ١٠).

__________________

(١) في المخطوطة (حرف امتناع لوجود).

(٢) زيادة على الأصول من عبارة المالقي في «رصف المباني» لصحة المعنى.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (وهو يرد قولي) ، وابن عصفور هو علي بن مؤمن بن محمد تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٦) ليست في المخطوطة.

٣٢٣

والتوبيخ (١) والتنديم ، فتخص بالماضي ، نحو : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) (النور : ١٣). (٢) [(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) (الأحقاف : ٢٨) (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) (النور : ١٦)] (٢).

(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) (الأنعام : ٤٣).

وفي كلّ من القسمين (٣) تختص بالفعل ؛ لأن التحضيض والتوبيخ لا يردان إلا على الفعل ؛ هذا هو الأصل.

وقد جوّزوا فيها إذا وقع الماضي بعدها أن يكون تحضيضا أيضا ، وهو حينئذ يكون قرينة صارفة للماضي عن المضي إلى الاستقبال ، فقالوا في قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) (التوبة : ١٢٢) ، يجوز بقاء «نفر» على معناه في المضيّ ، فيكون «لو لا» توبيخا. ويجوز أن يراد به الاستقبال ، فيكون (٤) تحضيضا.

قالوا : وقد تفصل من الفعل بإذ وإذا معمولين له ، وبجملة شرطية معترضة.

فالأول : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) (النور : ١٦) (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) (الأنعام : ٤٣).

والثاني والثالث : نحو : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ* وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ* فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَها [إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ]) (٥) (الواقعة : ٨٣ إلى ٨٧) ، المعنى : فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم مؤمنين ؛ وحالتكم أنّكم شاهدون ذلك ، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا ، أو بالملائكة ، ولكنكم لا تشاهدون ذلك. ولو لا الثانية تكرار للأولى.

الثالث : للاستفهام بمعنى هل ، نحو : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) (المنافقون : ١٠). (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) (الأنعام : ٨). قاله الهرويّ (٦) : ولم يذكره الجمهور ؛

__________________

(١) هذا قسم من أقسام (لو لا) ، وذكره ابن هشام في «المغني» ١ / ٢٧٤ وعده الوجه الثالث من أوجه (لو لا).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) إشارة إلى القسم الثاني : التحضيض ، والقسم الذي يليه : التوبيخ والتنديم.

(٤) في المخطوطة (فيكون قولا تحضيضا).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) هو علي بن محمد أبو الحسن الهروي تقدم التعريف به ، وبكتابه «الأزهية» الآتي ذكره في ٤ / ٢١٦.

٣٢٤

والظاهر أن الأولى للعرض ؛ والثانية مثل : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) (النور : ١٣).

الرابع : للنفي بمعنى «لم» نحو قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) (يونس : ٩٨) ، أي لم تكن. (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ) (هود : ١١٦) ، أي فلم يكن ، ذكره ابن فارس في كتاب «فقه العربية» (١) والهروي في «الأزهية» (٢).

والظاهر أنّ المراد «فهلا» ، ويؤيده أنها في مصحف أبيّ (٣) فهلاّ كانت قرية ، نعم ، يلزم [من] (٤) ذلك الذي ذكراه [معنى المضيّ] (٤) ، لأن اقتران التوبيخ بالماضي يشعر بانتفائه.

وقال ابن الشجريّ (٥) : «هذا يخالف أصحّ الإعرابين ؛ لأن المستثنى بعد النفي يقوى فيه البدل ، ويجوز [فيه] (٤) النصب ، ولم يأت في الآيتين إلاّ النصب» ، أي فدلّ على أن الكلام (٦) [٣١٣ / ب] موجب ، وجوابه ما ذكرنا ، من أنّ فيه معنى النفي.

وجعل ابن فارس (٧) منه : (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) (الكهف : ١٥) ، المعنى : اتخذوا من دون (٨) الله آلهة ولا يأتون عليه بسلطان.

ونقل ابن برّجان (٩) في تفسيره في أواخر سورة هود ، عن الخليل ، أن جميع ما في القرآن من «لو لا» فهي بمعنى «هلاّ» إلا قوله في سورة الصافات : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ

__________________

(١) هو أحمد بن فارس بن زكريا تقدم التعريف به في ١ / ١٩١ ، وتقدم التعريف بكتابه «الصاحبي في فقه اللغة» في ٢ / ١٢ وانظر قوله في كتابه «الصاحبي» ص ١٣٥ باب (لو ولو لا).

(٢) تصحف في المخطوطة إلى (الأزهرية).

(٣) ذكره الزمخشري في «الكشاف» ٢ / ٢٠٣ عند تفسير الآية من سورة يونس فقال (وقرأ أبيّ وعبد الله : فهلا كانت) ، وذكره ابن هشام في «مغني اللبيب» ١ / ٢٧٥ حرف اللام ، لو لا.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) انظر قوله في «الأمالي الشجرية» ٢ / ٢١٢ المجلس السادس والستون.

(٦) في المخطوطة (فدل على أنه).

(٧) لم ترد هذه الآية من شواهد ابن فارس ضمن كلامه على (لو لا) في كتابه «الصاحبي» ص ١٣٥.

(٨) في المخطوطة (من دونه).

(٩) هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبد السلام تقدم التعريف به في ١ / ١١١.

٣٢٥

الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ) (الصافات : ١٤٣ ـ ١٤٤) ؛ لأن جوابها بخلاف غيرها. وفيه نظر لما سبق.

٦٢ ـ لو ما

هي قريب من «لو لا» ، كقوله تعالى : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) (الحجر : ٧) ، قال ابن فارس (١) : هي بمعنى «هلاّ».

٦٣ ـ لم

نفي المضارع وقلبه ماضيا ، وتجزمه ، نحو : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (الإخلاص : ٣). ومن العرب من ينصب بها ، وعليه قراءة (٢) : (أَلَمْ نَشْرَحْ) (الشرح : ١) ، بفتح الحاء ؛ وخرجت على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ، ففتح لها ما قبلها ، ثم حذفت ونويت.

٦٤ ـ لمّا

على ثلاثة أوجه :

أحدها : تدخل على المضارع ، فتجزمه وتقلبه ماضيا ، ك «لم» ، نحو : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) (آل عمران : ١٤٢) ، (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (ص : ٨) ، أي لم يذوقوه. (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) (البقرة : ٢١٤) لكنها تفارق «لم» من جهات :

أحدها : أنّ «لم» لنفي فعل ، و «لما» لنفي «قد [فعل] (٣)» ، فالمنفي بها آكد. قال الزمخشري في «الفائق (٤)» : لمّا مركبة من «لم» و «ما» وهي نقيضة «قد» ، وتنفي ما تثبته من الخبر المنتظر.

__________________

(١) انظر قوله في كتابه «الصاحبي» ص ١٣٥ ضمن (لو ولو لا).

(٢) قال الزمخشري في «الكشاف» ٤ / ٢٢١ عند تفسير سورة الانشراح : (وعن أبي جعفر المنصور أنه قرأ : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ) بفتح الحاء).

(٣) ليست في المخطوطة : وعبارة المخطوطة (و «لما» نفي ل قد).

(٤) كتاب «الفائق في غريب الحديث» للزمخشري مطبوع في حيدرآباد الدكن بدائرة المعارف النظامية سنة ١٣٢٤ ه‍ / ١٩٠٦ م ، ثم طبع في القاهرة بدار إحياء الكتب العربية بتحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو

٣٢٦

وهذا أخذه من أبي الفتح (١) ، فإنه قال : «أصل «لمّا» «لم» زيدت عليها «ما» ، فصارت نفيا ، [لقوله «قد كان» ولم ، تنفي «فعل»] (٢) تقول : قام (٣) زيد ، فيقول المجيب بالنفي : لم يقم [فإن قلت : قد قام ، قال : لما يقم] (٤) ؛ لما زاد في الإثبات «قد» زاد في النفي «ما» ، إلا أنهم لما ركبوا «لم» مع «ما» حدث لها معنى ولفظ ، أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفا ، فقالوا : لما قمت قام زيد ، أي وقت قيامك قام زيد. وأما اللفظ ، فلأنه يجوز الوقف عليها دون مجزومها ، نحو جئتك ولمّا. أي ولما تجىء». انتهى.

ويخرج من كلامه ثلاثة فروق : ما ذكرناه أولا ، وكونها قد تقع اسما هو ظرف ، وأنه يجوز الوقف عليها دون المنفي ، بخلاف «لم».

ورابعها : يجب (٥) اتصال منفيّها بالحال ، والمنفي بلم لا يلزم فيه ذلك ، بل قد يكون منقطعا ، نحو : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الإنسان : ١) ، وقد يكون متصلا نحو : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (مريم : ٤).

وخامسها : أنّ الفعل بعد «لمّا» يجوز حذفه اختيارا (٦) [وهي أحسن ما تخرج عليه قراءة (٧) (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) (هود : ١١١) ، ولا يجوز حذفه بعد لم إلا في ضرورة وهذا يرجع للثالث] (٦).

__________________

الفضل إبراهيم سنة ١٣٦٩ ه‍ / ١٩٤٨ م ، والطبعة الثانية سنة ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧١ م (ذخائر التراث العربي ص ٥٥١) ، وصورت هذه الطبعة دار المعرفة في بيروت سنة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، ودار الفكر سنة ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م ، وقوله في «لما» ذكره الزمخشري في «المفصل» ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ومن أصناف الحرف حروف العطف ، فصل لم ولما ، وليس في «الفائق» كما ذكر الزركشي.

(١) هو عثمان بن جني تقدم التعريف به في ١ / ٣٦١.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة زيادة (تقول قد قام).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المطبوعة (يجيء).

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في هذه الآية قراءات كثيرة ومثلها من أوجه الإعراب فانظرها في «التيسير» للداني ص ١٢٦ عند ذكر الآية من سورة هود ، وفي «البحر المحيط» ٥ / ٢٦٦ عند تفسير سورة هود ، وفي «رصف المباني» ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣ باب لما ، و «مغني اللبيب» ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ حرف اللام : لما ، و «النشر» ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩١ عند سورة هود ، «إتحاف فضلاء البشر» ص ٢٦٠.

٣٢٧

سادسها : أنّ «لم» تصاحب أدوات الشرط بخلاف ، «لما» (١) فلا يقال : «[إن] (٢) لما يقم» ، وفي التنزيل (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) (المائدة : ٦٧) ، (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا) (المائدة : ٧٣).

سابعها : أن منفي «لمّا» متوقّع ثبوته ، بخلاف منفيّ «لم» ، ألا ترى أن معنى : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (ص : ٨) ؛ أنهم لم يذوقوه إلى الآن ، وأنّ ذوقهم له متوقّع.

قال الزمخشري (٣) في قوله تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات : ١٤) «ما في «لمّا» من معنى التوقع دالّ على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد».

وأنكر الشيخ أبو حيان (٤) دلالة «لما» على التوقع ، فكيف يتوهم أنه يقع بعد.

وأجاب بعضهم بأن «لما» ليست لنفي المتوقّع حيث يستبعد توقعه ؛ وإنما هي لنفي الفعل المتوقّع ؛ كما أن «قد» لإثبات الفعل المتوقع ؛ وهذا معنى قول النحويين : إنها موافقة ل «قد فعل» : أي يجاب بها في النفي حيث يجاب ب «قد» في الإثبات ؛ ولهذا قال ابن السّراج (٥) : جاءت «لمّا» ، بعد فعل ، يقول القائل : «لما يفعل» ، فتقول : قد فعل [فانظر كيف أجاب «بقد» الدالة على أن النافي «بلمّا» متوقّع لما نفاه] (٦)

الوجه الثاني : أن تدخل على ماض ؛ فهي حرف وجود لوجود ، أو وجوب (٧) لوجوب ، فيقتضي وقوع الأمرين جميعا ؛ عكس «لو» نحو : لما جاءني [زيد] (٨) أكرمته. وقال [٣١٤ / أ] ابن السّراج والفارسي (٩) : ظرف بمعنى «حين».

__________________

(١) في المخطوطة (فإنه لا يقال).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) انظر قوله في «الكشاف» ٤ / ١٧ عند تفسير الآية من سورة الحجرات.

(٤) انظر قوله في «البحر المحيط» ٨ / ١١٧ عند تفسير سورة الحجرات.

(٥) هو أبو بكر محمد بن السري بن سهل تقدم التعريف به في ٢ / ١٢ وانظر قوله في كتابه «الأصول في النحو» ٢ / ٢٣٣ باب التقديم والتأخير ، الضرب الثاني منه الحروف التي لا تعمل فمنها.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (أو وجود لوجوب).

(٨) ليست في المخطوطة.

(٩) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار تقدم التعريف به في ١ / ٣٧٥ ، وانظر قوله في «رصف المباني» ص ٣٥٤ باب لمّا.

٣٢٨

وردّه ابن عصفور (١) بقوله : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) (الكهف : ٥٩) قال : لأن الهلاك لم يقع حين ظلموا ؛ بل كان بين الظلم والهلاك (٢) إرسال الرسل وإنذارهم إياهم ؛ وبعد ذلك [وقع] (٣) الإهلاك فليست بمعنى «حين» ؛ وهذا الردّ لا يحسن إلاّ إذا قدرنا الإهلاك أول ما ابتدأ الظلم ؛ وليس كذلك ، بل قوله : (ظَلَمُوا) في معنى «استداموا الظلم» [أي] (٣) وقع الإهلاك لهم [في] (٤) حين ظلمهم أي في حين استدامتهم الظلم ، وهم متلبّسون به.

ومن أمثلتها قوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) (الإسراء : ٦٧). وقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (القصص : ٢٣). (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) (هود : ٧٧).

(إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا) (يونس : ٩٨). (لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (٥) (غافر : ٨٥).

وأما جوابها فقد يجيء ظاهرا كما ذكرنا ، وقد يكون جملة اسمية مقرونة [بالفاء ؛ نحو : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) (لقمان : ٣٢).

أو مقرونة] (٦) بما النافية ، كقوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ) (فاطر : ٤٢).

أو بإذا المفاجئة ، نحو : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) (الأنبياء : ١٢).

(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (الزخرف : ٥٧). (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت : ٦٥). (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (الزخرف : ٥٠).

وبهذا ردّ على من زعم أنها ظرف بمعنى «حين» فإن «ما» النافية «وإذا» الفجائية لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما ؛ فانتفى أن يكون ظرفا.

وقد يكون مضارعا ، كقوله [تعالى] : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا) (هود : ٧٤) وهو بمعنى الماضي ، أي جادلنا.

__________________

(١) هو علي بن مؤمن تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٢) في المخطوطة (الإهلاك).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) الآية في المطبوعة (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) وستأتي للاستشهاد قريبا ، ثم في المخطوطة تكرار للآية السابقة (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا).

(٦) ليست في المخطوطة.

٣٢٩

وقد يحذف ، كقوله [تعالى] : (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) (لقمان : ٣٢) ، قال بعضهم : التقدير انقسموا قسمين ، منهم مقتصد ، ومنهم غير ذلك ، لكن الحق أن (مُقْتَصِدٌ) هو الجواب ؛ هو الذي ذكره ابن مالك ، ونوزع في ذلك من جهة أن خبرها مقرون بالفاء يحتاج لدليل.

وقوله : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) (هود : ٨٠) ؛ جوابه محذوف ؛ أي لمنعتكم.

وأما قوله عزوجل : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (البقرة : ٨٩). قيل جواب «لما» الأولى «لما» الثانية ؛ وجوابها ، ورد باقترانه. وقيل : (كَفَرُوا بِهِ) جواب لهما ؛ لأن الثانية تكرير للأولى. وقيل : جواب الأولى (١) محذوف ، أي أنكروه.

واختلف في قوله تعالى : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) (البقرة : ١٧) ، فقيل : الجواب (ذَهَبَ اللهُ). وقيل : محذوف استطالة للكلام مع أمن اللبس ، أي حمدت.

وكذلك قوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ) (يوسف : ١٥) : قيل الجواب قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) (يوسف : ١٥) ، على جعل الواو زائدة. وقيل : الجواب محذوف ، أي أنجيناه وحفظناه.

وقوله : (٢) [(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا) (هود : ٧٤) ، قيل : الجواب (وَجاءَتْهُ) على زيادة الواو. وقيل : الجواب محذوف ، أي] (٢) أخذ يجادلنا. وقيل : (يُجادِلُنا) مؤوّل ب «جادلنا».

وكذلك قوله : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (الصافات : ١٠٣) ، أي أجزل له الثواب وتلّه.

وأما قوله : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) (السجدة : ٢٤) ، فما تقدم من قوله (وَجَعَلْنا) يسدّ مسدّ الجواب ، [لا أنه الجواب ؛ لأن الجواب لا يقدّم عليها] (٣).

وكذا قوله : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) (الكهف : ٥٩) ، فما (٤) تقدم من

__________________

(١) في المخطوطة العبارة مكررة (وقيل جواب الأولى).

(٢) ليست في المخطوطة ، وعبارة المخطوطة (ولما جاءت رسلنا أخذ يجادلنا).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (فقد تقدم).

٣٣٠

قوله : (أَهْلَكْناهُمْ) ، يسدّ مسدّ الجواب ، لا أنّه الجواب ، لأن الجواب لا (١) يقدم عليها.

وقوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً) (فاطر : ٤٢) ؛ فإنما وقع جوابها بالنفي ؛ لأن التقدير : فلما جاءهم نذير زادهم نفورا ، أو ازداد نفورهم.

تنبيه : يختلف المعنى بين تجردها من «أن» ودخولها عليها ؛ وذلك أنّ من شأنها أن تدل على أن الفعل الذي هو ناصبها قد تعلق بعقب الفعل الذي هو خافضته من غير مهلة (٢) ؛ وإذا انفتحت «أن» بعدها أكدت هذا المعنى وشددته ، ذكره الزمخشري في «كشافه القديم» (٣) قال : ونراه مبنيا في قوله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) (العنكبوت : ٣٣ ـ) الآية ، كأنه قال : لما أبصرهم لحقته المساءة ، وضيق الذّرع في بديهة الأمر وغرته (٤).

الوجه [٣١٤ / ب] الثالث : حرف استثناء ، كقوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (الطارق : ٤) على قراءة تشديد الميم (٥). وقوله : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (الزخرف : ٣٥).

٦٥ ـ لما

المخفّفة

مركبة من حرفين : اللام وما النافية. وسيبويه (٦) يجعل «ما» زائدة ، والفارسي يجعل اللام ؛ وسيأتي في حرف الميم.

٦٦ ـ [لن

صيغة] (٧) مرتجلة للنفي في قول سيبويه ، ومركبة عند الخليل (٨) من «لا» [و] (٧) «أن»

__________________

(١) في المخطوطة (لما تقدم).

(٢) في المخطوطة زيادة عبارة (فإنهما وقعا في مهلة ، وإذا انفتحت ...).

(٣) «الكشاف القديم» للزمخشري تقدم التعريف به في ١ / ١٠٥.

(٤) انظر معنى هذا القول موجزا في «الكشاف» ٣ / ١٩٠ عند تفسير الآية من سورة العنكبوت.

(٥) قال الداني في «التيسير» ص ٢٢١ عند سورة الطارق (قرأ عاصم وابن عامر وحمزة (لَمَّا عَلَيْها) بتشديد الميم والباقون بتخفيفها).

(٦) انظر «الكتاب» ٤ / ٢٢٣ باب عدة ما يكون عليه الكلم.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) انظر قول سيبويه والخليل في «الكتاب» ٣ / ٥ باب إعراب الأفعال المضارعة للأسماء.

٣٣١

واعترض بتقديم المفعول عليها ، نحو : زيدا لن أضرب. وجوابه : يجوز في المركبات ما لا يجوز في البسائط. وكان ينبغي أن تكون جازمة ، وقد قيل به ؛ إلا أن الأكثر النصب.

وعلى كلّ قول ؛ فهي لنفي الفعل في المستقبل ؛ لأنها في النفي نقيضة السين وسوف وأن في الإثبات ؛ فإذا قلت : سأفعل أو سوف أفعل كان نقيضه «لن أفعل».

وهي في نفي الاستقبال آكد من «لا» ، وقوله تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) (يوسف : ٨٠) آكد من قوله : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) (الكهف : ٦٠). وليس معناها النفي على التأبيد ؛ خلافا لصاحب «الأنموذج» (١) بل إن النفي مستمر في المستقبل (٢) ؛ إلا أن يطرأ ما يزيله ، فهي لنفي المستقبل «ولم» لنفي الماضي ، و «ما» لنفي الحال.

ومن خواصها أنها تنفي ما قرب ، ولا يمتد معنى النفي فيها كامتداد معناها ، وقد جاء في قوله تعالى : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) (الجمعة : ٧) بحرف «لا» في الموضع الذي اقترن به حرف الشرط بالفعل ، فصار من صيغ العموم يعمّ الأزمنة ، كأنه يقول : متى زعموا ذلك لوقت من الأوقات وقيل لهم : تمنوا الموت ، فلا يتمنونه. وقال في البقرة : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) (البقرة : ٩٥) ، فقصر من صيغة النفي ، لأن قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) (البقرة : ٩٤) ، وليست «لن» مع «كان» من صيغ العموم ؛ لأن «كان» لا تدخل على حدث ؛ وإنما هي داخلة على المبتدإ والخبر ، عبارة عن قصر الزمان الذي كان فيه ذلك الحدث ؛ كأنه يقول : إن كان قد وجب لكم الدار الآخرة ، فتمنّوا الموت ، ثم قال في الجواب : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) ، فانتظم معنى الآيتين.

__________________

(١) هو الزمخشري محمود بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ١٠٥ ، وكتابه «الأنموذج في النحو» طبع بتحقيق خريستيانيا سنة ١٢٧٦ ه‍ / ١٨٥٩ م ثم سنة ١٢٩٧ ه‍ / ١٨٧٩ م ، وطبع في مصر بمطبعة مدارس الملكية سنة ١٢٨٩ ه‍ / ١٨٧٢ م ، وطبع في استانبول مع نزهة الطرف للميداني سنة ١٢٨٩ ه‍ / ١٨٧٢ م ، ثم طبع في قازان باعتناء شمس الدين حسين أوغلي مع شرحه للأردبيلي وحاشية للمولوي داود سنة ١٣١٥ ه‍ / ١٨٩٧ م ، ثم سنة ١٣٢٥ ه‍ / ١٩٠٧ م ، ثم صور في بيروت بدار الآفاق الجديدة مع نزهة الطرف سنة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م (ذخائر التراث العربي ١ / ٥٥٠).

(٢) وقد رد ابن هشام قول الزمخشري في «مغني اللبيب» ١ / ٢٨٤ حرف اللام لن ، فقال : (ولا تفيد لن توكيد النفي خلافا للزمخشري في «كشافه» ولا تأبيده خلافا له في «أنموذجه» وكلاهما دعوى بلا دليل).

٣٣٢

وأما التأبيد فلا يدل على الدّوام ، تقول : زيد يصوم أبدا ، ويصلي أبدا ؛ وبهذا يبطل تعلّق المعتزلة بأن «لن» تدل على امتناع الرؤية (١) ؛ ولو نفي ب «لا» لكان لهم فيه متعلق ؛ إذ لم يخصّ بالكتاب أو بالسنة ، وأما الإدراك الذي نفي ب «لا» فلا يمنع من الرؤية ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنّكم ترون ربكم» (٢) ، ولم يقل : «تدركون ربكم» ، والعرب تنفي المظنون ب «لن» (٣) والمشكوك ب «لا».

وممن صرح بأن التأبيد عبارة عن الزمن الطويل لا عن الذي لا ينقطع ابن الخشاب (٤).

وقد سبق مزيد كلام فيها في فصل التأكيد (٥) وأدواته. قيل : وقد تأتي للدعاء كما أتت «لا» لذلك ، ومنه قوله تعالى : (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) (القصص : ١٧).

ومنعه آخرون ، لأن فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم ؛ بل إلى المخاطب والغائب ، نحو : يا رب لا عذبت فلانا! ونحوه : لا عذب الله عمرا.

٦٧ ـ لكن

للاستدراك مخففة ومثقّلة ؛ وحقيقته رفع مفهوم الكلام السابق ، تقول : ما زيد شجاعا ولكنه (٦) كريم ، فرفعت ب «لكن» ما أفهمه الوصف بالشجاعة من ثبوت الكرم له ، لكونهما

__________________

(١) انظر «الكشاف» ٢ / ٨٩ ـ ٩٠ عند تفسير سورة الأعراف ، فقد ذكر استدلال المعتزلة على نفي الرؤية ، وانظر «مغني اللبيب» ١ / ٢٨٤ حرف اللام لن ، حيث رد قول الزمخشري وما فيه من استدلال المعتزلة.

(٢) قطعة من حديث متفق عليه من رواية جرير بن عبد الله رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٢ / ٣٣ كتاب مواقيت الصلاة (٩) ، باب فضل صلاة العصر (١٦) ، الحديث (٥٥٤) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٤٣٩ كتاب المساجد (٥) ، باب فضل صلاتي الصبح والعصر (٣٧) ، الحديث (٢١١ / ٦٣٣).

(٣) في المخطوطة (العرب تنفي المظنون ب «لا»).

(٤) هو عبد الله بن أحمد تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣ ، وفي المخطوطة عقب ذكر ابن الخشاب زيادة عبارة غير واضحة (في كتاب السون).

(٥) تصحفت في الأصول إلى (التأبيد) ، والصواب ما أثبتناه (التأكيد) حيث ذكره الزركشي في النوع السادس والأربعين ٢ / ٥١٦ ـ ٥١٨ ضمن كلامه عن أساليب القرآن وفنونه البليغة ، ومنها الأسلوب الأول التأكيد ، ثم ذكر أدوات التأكيد وقال : (رابعا «لن»).

(٦) عبارة المطبوعة (ولكنه غير كريم).

٣٣٣

كالمتضايفين (١) ؛ فإن رفعنا ما أفاده منطوق الكلام السابق فذاك استثناء ؛ وموقع الاستدراك بين متنافيين بوجه [ما] (٢) فلا يجوز وقوعها بين متوافقين ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) (الأنفال : ٤٣) ، (٣) [لكونه جاء في سياق «لو» ، «ولو» تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره ؛ فدل على أن الرؤية ممتنعة في المعنى ؛ فلما قيل] (٣) : (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) علم إثبات ما فهم إثباته أولا وهو سبب التسليم ؛ وهو نفي الرؤية ، فعلم أن المعنى [٣١٥ / أ] ولكن الله ما أراكهم كثيرا ليسلّمكم ، فحذف السبب وأقيم المسبب مقامه.

قال ابن الحاجب (٤) : الفرق بين «بل» و «لكن» ؛ وإن اتفقا في أنّ الحكم للثاني ؛ أنّ «لكن» (٥) وضعها على مخالفة ما بعدهما لما قبلهما ، ولا يستقيم تقديره إلا مثبتا لامتناع تقدير النفي في المفرد ؛ وإذا كان مثبتا وجب أن يكون ما قبله نفيا ، كقولك : ما جاءني زيد لكن عمرو ؛ ولو قلت : جاءني زيد لكن عمرو ، لم يجز لما ذكرنا. وأما بل فللإضراب مطلقا ، موجبا كان الأول أو منفيا.

وإذا ثقّلت فهي من أخوات «إنّ» تنصب الاسم وترفع الخبر ؛ ولا يليها الفعل.

وأما وقوع المرفوع بعدها في قوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) (الكهف : ٣٨) ، و «هو» ضمير الرفع ، فجوابه أنها هنا ليست المثقّلة بل [هي] (٦) المخففة ؛ والتقدير : لكن أنا هو الله ربي ؛ ولهذا تكتب في المصاحف بالألف ؛ ويوقف عليها بها ؛ إلا أنهم ألقوا حركة الهمزة على النون ؛ فالتقت النونان ، فأدغمت الأولى في الثانية ، وموضع «أنا» رفع

__________________

(١) كذا في الأصول والعبارة غير ظاهرة ، وعبارة ابن هشام أظهر حيث قال في «مغني اللبيب» ١ / ٢٩١ حرف اللام ، لكن : (وفسروا الاستدراك برفع ما يتوهّم ثبوته نحو «ما زيد شجاعا لكنه كريم» لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان ، فنفي أحدهما يوهم انتفاء الآخر) ، وعليه لعل صواب عبارة الكتاب (فرفعت ب «لكن» ما أفهمه نفي الوصف بالشجاعة من نفي ثبوت الكرم له ...) والله أعلم.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة ، وإنما في المخطوطة (لأن المعنى ولكن الله ما أراكهم كثيرا فاستقام بهذا المعنى ، وإنما فهم ذلك من قوله ...).

(٤) هو عثمان بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (لم يكن).

(٦) ليست في المخطوطة.

٣٣٤

بالابتداء ، وهو مبتدأ ثان و «الله» مبتدأ ثالث ، و «ربّي» خبر المبتدأ الثالث ، والمبتدأ الثالث وخبره خبر الثاني ، والثاني هو خبر الأول ، والراجع إلى الأول [الياء] (١).

ثم المخفّفة قد تكون مخففة من الثقيلة ، فهي عاملة ، وقد تكون غير عاملة ، فيقع بعدها المفرد ، نحو ما قام زيد لكن عمرو ، فتكون عاطفة على الصحيح ، وإن وقع بعدها جملة كانت حرف ابتداء.

وقال صاحب «البسيط» (٢) : إذا وقع بعدها جملة ؛ (٣) فهل هي للعطف (٣) ، أو حرف ابتداء. قولان ؛ كقوله تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) (النساء : ١٦٦). قال : وتظهر (٤) فائدة الخلاف في جواز الوقف على ما قبلها ؛ فعلى العطف لا يجوز ، وعلى كونها حرف ابتداء يجوز. قال : وإذا دخل عليها الواو انتقل العطف إليها ، وتجردت للاستدراك.

وقال الكسائيّ : المختار عند العرب تشديد النون إذا اقترنت بالواو ، وتخفيفها إذا لم تقترن بها ؛ وعلى هذا جاء أكثر القرآن العزيز ، كقوله تعالى : (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام : ٣٣). (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الأعراف : ١٣١). (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) (النساء : ١٦٦). (لكِنِ الرَّسُولُ [وَالَّذِينَ آمَنُوا]) (٥) (التوبة : ٨٨).

([لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا]) (٦) (آل عمران : ١٩٨). (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ) (مريم : ٣٨). وعلّل الفراء [ذلك] (٦) بأنها مخففة تكون عاطفة فلا تحتاج إلى واو معها ك «بل» (٧) ، فإذا كان قبلها واو لم تشبه «بل» لأن «بل» لا تدخل عليها الواو ، وأما إذا كانت مشدّدة فإنها تعمل عمل «إن» ولا تكون عاطفة.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) هو الحسن بن شرف شاه ركن الدين الأسترآباذي تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٤٦٤.

(٣) عبارة المخطوطة (فهي للعطف).

(٤) في المطبوعة (ونظير).

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) انظر «رصف المباني» ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ باب لكن الخفيفة.

٣٣٥

وقد اختلف القرّاء (١) في (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) (الأحزاب : ٤٠) ، فأكثرهم على تخفيفها ونصب (رَسُولَ [اللهِ]) (٢) بإضمار «كان» أو بالعطف على (أَبا أَحَدٍ). والأوّل أليق ، لكن ليست عاطفة لأجل الواو ، فالأليق لها أن تدخل على الجمل ك «بل» العاطفة. وقرأ أبو عمرو (٣) بتشديدها على أنها عاملة ، وحذف خبرها ؛ [أي] (٤) ولكن رسول الله هو ، أي محمد (٥).

٦٨ ـ لعلّ

تجيء لمعان :

الأول للترجي في المحبوب ، نحو : لعل الله يغفر لنا ، وللإشفاق في المكروه ، نحو : لعلّ الله يغفر للعاصي. ثم وردت في كلام من يستحيل عليه الوصفان ، لأنّ الترجي للجهل بالعاقبة وهو محال على الله وكذلك الخوف والإشفاق.

فمنهم من صرفها إلى المخاطبين. قال سيبويه في قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه : ٤٤) ، معناه : كونا على رجائكما في ذكرهما (٦) ، يعني أنه كلام منظور فيه إلى جانب موسى وهارون عليهما‌السلام ؛ لأنهما لم يكونا جازمين بعدم إيمان فرعون.

وأما استعمالها في الخوف ؛ ففي قوله تعالى : (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (٧) (الشورى : ١٧) ، فإن الساعة مخوفة في حق المؤمنين ، بدليل قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها)

__________________

(١) انظر الآية واختلاف القراء فيها في «البحر المحيط» ٧ / ٢٣٦ عند تفسير سورة الأحزاب.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) هو أبو عمرو بن العلاء تقدم التعريف به في ١ / ١٥٠ ، وانظر قراءته في «البحر المحيط» ٧ / ٢٣٦.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (أي هو محمد).

(٦) انظر قول سيبويه في «معاني القرآن وإعرابه» للزجاج ١ / ٩٨ عند الآية (٢١) من سورة البقرة ، وانظر «معالم التنزيل» ٣ / ٢١٩ عند تفسير سورة طه ، و «البحر المحيط» ٦ / ٢٤٥ عند تفسير الآية من سورة طه ، و «مغني اللبيب» ١ / ٢٨٨ حرف اللام ، لعل.

(٧) في المخطوطة (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) الأحزاب : ٦٣.

٣٣٦

(الشورى : ١٨). وفي هذا ردّ على الزمخشري (١) [٣١٥ / ب] حيث أنكر أن تكون هذه الآية من هذا القبيل.

فإن قلت : ما معنى قولهم : «لعل من الله واجبة» (٢)؟ هل ذلك من شأن المحبوب ، أو مطلقا؟ وإذا كانت في المحبوب فهل ذلك إخراج لها عن وضع الترجي إلى وضع الخبر ، فيكون مجازا أم لا؟

قلت : ليس إخراجا لها عن وضعها ؛ وذلك أنهم لما رأوها من الكريم للمخاطبين في ذلك المحبوب تعريض بالوعد ، وقد علم أن الكريم لا يعرض بأن يفعل إلا بعد التصميم عليه ، فجرى الخطاب الإلهي مجرى خطاب عظماء الملوك من الخلق. وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ...) الآية إلى (تَتَّقُونَ) (البقرة : ٢١) ، إطماع المؤمن بأن يبلغ بإيمانه درجة التقوى العالية ، لأنه بالإيمان يفتتحها وبالإيمان يختتمها ، ومن ثم قال مالك وأبو حنيفة : الشرع ملزم.

وقد قال الزمخشري (٣) : «وقد جاءت على سبيل الإطماع في مواضع من القرآن ، لكنّه كريم رحيم ، إذا أطمع (٤) فعل ما يطمع لا محالة ، فجرى إطماعه مجرى وعده» ، فلهذا قيل : إنّها من الله واجبة.

وهذا فيه رائحة الاعتزال في الإيجاب العقلي ، وإنما يحسن الإطماع دون التحقيق ، كيلا (٥) يتّكل العباد ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ [سَيِّئاتِكُمْ]) (٦) (التحريم : ٨).

__________________

(١) انظر قوله في «المفصل» ص ٣٠٢ ومن أصناف الحرف الحروف المشبهة بالفعل ، لعل ، حيث جعل الآية للترجي.

(٢) تقدم تخريج هذا القول في ٤ / ٢٥٢ ضمن «عسى» فهي بمعنى «لعل» ، وانظر «معالم التنزيل» للبغوي ١ / ٥٥ عند تفسيره لسورة البقرة الآية (٢١) ، وفي ٣ / ٢١٩ عند تفسير سورة طه قال : (وقال أبو بكر محمد بن عمر الوراق : لعل من الله واجب).

(٣) انظر قوله في «الكشاف» ١ / ٤٥ عند تفسير الآية من سورة البقرة.

(٤) في المخطوطة زيادة (فإذا عرف فعل).

(٥) في المخطوطة (في لا).

(٦) ليست في المطبوعة.

٣٣٧

وقال الراغب (١) : «لعل» طمع وإشفاق. وذكر بعض المفسرين أن «لعل» من الله واجبة ، وفسّر في كثير من المواضع ب «كي» (٢) وقالوا : إن الطمع والإشفاق لا يصح على الله [تعالى]. قال : ولعلّ ـ وإن كان طمعا ـ فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب ، [وتارة طمع المخاطب] (٣) ، وتارة طمع غيرهما ، فقوله تعالى : (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) (الشعراء : ٤٠) ، فذلك طمع منهم في فرعون. وفي قوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه : ٤٤) ، [إطماع موسى وهارون ، ومعناه : قولا له قولا لينا راجيين أن يتذكر أو يخشى] (٣). وقوله : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) (هود : ١٢) ، أي تظنّ بك الناس. وعليه قوله تعالى : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) (الشعراء : ٣) ، وقوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال : ٤٥) ، أي راجين الفلاح. كما قال : (يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) (٤) (الإسراء : ٥٧).

وزعم بعضهم بأنها لا تكون للترجي إلا في الممكن ، لأنه انتظار ، ولا ينتظر إلا [في] (٥) ممكن ؛ فأمّا قوله تعالى : ([لَعَلِّي] (٥) أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ...) (غافر : ٣٦) الآية ، فاطلاع فرعون إلى الإله مستحيل ، وبجهله اعتقد إمكانه ، لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان ، تعالى الله عن ذلك!

الثاني : للتعليل كقوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام : ١٥٥). (وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (النحل : ١٥) ، أي كي. وجعل منه ثعلب : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) (طه : ٤٤) ، أي «كي» ، حكاه عنه صاحب «المحكم» (٦).

الثالث : الاستفهام ، كقوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (الطلاق : ١) (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (عبس : ٣).

__________________

(١) انظر قوله في «المفردات» ص ٤٥١ كتاب اللام ، لعل.

(٢) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (بلا) ، والتصويب من عبارة الراغب.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) كذا في المخطوطة ، وفي المطبوعة (يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) البقرة : ٢١٨ ، وعبارة المخطوطة هي الموافقة لما جاء في «المفردات» ، وهنا ينتهي نقل الزركشي عن الراغب.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) هو ابن سيده علي بن أحمد بن إسماعيل تقدم التعريف به وبكتابه «المحكم» في ١ / ١٥٩.

٣٣٨

وحكى البغوي في «تفسيره» (١) عن الواحدي (٢) أن جميع ما في القرآن من «لعلّ» فإنها للتعليل ، إلا قوله [تعالى] : (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (الشعراء : ١٢٩) ، فإنها للتشبيه.

وكونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة ، ووقع في «صحيح البخاري» (٣) في قوله [تعالى] : (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أن «لعل» للتشبيه. وذكر غيره أنها للرجاء المحض ؛ وهو بالنسبة إليهم. واعلم أن الترجي والتمني من باب الإنشاء ، كيف يتعلقان بالماضي! وقد وقع خبر «[ليت]» (٤) ماضيا في قوله [تعالى] : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) (مريم : ٢٣). وممّن نصّ على [منع] (٥) وقوع الماضي خبرا للعلّ الرّمانيّ (٦).

٦٩ ـ ليس

فعل معناه نفي مضمون الجملة في الحال ، إذا قلت : ليس (٧) زيد قائما ، نفيت قيامه في حالك هذه. وإن قلت : ليس زيد قائما غدا لم يستقم ، ولهذا لم يتصرف فيكون فيها مستقبلا. هذا قول الأكثرين ؛ وبعضهم يقول : إنها لنفي مضمون الجملة عموما. وقيل مطلقا [٣١٦ / أ] ؛ حالا كان أو غيره. وقواه ابن الحاجب.

وردّ الأول بقوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) (هود : ٨) ؛ وهذا نفي لكون العذاب مصروفا عنهم يوم القيامة ، [فهو نفي] (٨) في المستقبل ؛ وعلى هذين القولين يصح

__________________

(١) تقدم التعريف به وبتفسيره في ١ / ١٢٧ وسيأتي تخريج قوله.

(٢) تصحفت في الأصول إلى (الواقدي) والتصويب من عبارة «فتح الباري» الآتية.

(٣) انظر «الصحيح» ٨ / ٤٩٦ كتاب التفسير (٦٥) ، سورة الشعراء (٢٦) ، حيث ذكره معلقا فقال (قال ابن عباس (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) كأنكم ، ثم قال ابن حجر في شرحه «فتح الباري» ٨ / ٤٩٧ (وحكى البغوي في «تفسيره» عن الواحدي قال ...) فساق عبارة «البرهان» ثم عقّب بقوله : (كذا قال وفي الحصر نظر لأنه قد قيل مثل ذلك في قوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ).

(٤) عبارة المخطوطة (وقد وقع خبرها).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) هو علي بن عيسى أبو الحسن تقدم التعريف به في ١ / ١١١ ، ثم في المخطوطة زيادة هذا نصها (وقال صاحب [كلمة مشكلة ولعلها : «الغرة»] أريد المضي إلى فلان لعله خلا بنفسه أو مضى إلى داره لعله سكنها).

(٧) في المخطوطة (لا زيد قائما).

(٨) ليست في المخطوطة.

٣٣٩

«ليس إلا الله» ؛ وعلى الأول يحتاج إلى تأويل ، وهو أنه قد ينفي عن الحال بالقرينة ، نحو ليس خلق الله مثله.

وهل هو لنفي الجنس أو الوحدة؟ لم أر من تعرض لذلك غير ابن مالك في كتاب «شواهد التوضيح» (١) فقال في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس صلاة أثقل على المنافقين» (٢) ففيه «شاهد على استعمال «ليس» للنفي العام المستغرق به للجنس ؛ وهو مما يغفل عنه. ونظيره قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ)» (الغاشية : ٦).

٧٠ ـ لدن

بمعنى «عند» ، وهي أخصّ منها لدلالته على ابتدائها به ، نحو : أقمت عنده من لدن طلوع الشمس إلى غروبها. فتوضّح نهاية الفعل وهي أبلغ من «عند» ، قال [الله] (٣) تعالى : (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) (الكهف : ٧٦). (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) (الأنبياء : ١٧). (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (النمل : ٦). (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) (مريم : ٥).

وقد سبق (٤) الفرق بينهما في عند (٥).

__________________

(١) هو محمد بن عبد الله بن مالك جمال الدين تقدم التعريف به في ١ / ٣٨١ ، وكتابه «شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح» مطبوع بالهند بمطبعة الأنوار المحمدية بتصحيح محمد محيي الدين الجعفري سنة ١٣١٩ ه‍ / ١٩١١ م ، ثم بالقاهرة بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي بدار العروبة ١٣٧٨ ه‍ / ١٩٥٧ م (ذخائر التراث العربي : ٢٣٦) ، ثم صور في عالم الكتب ببيروت عن نسخة محمد فؤاد عبد الباقي ، سنة ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م ، وطبع في بغداد بتحقيق طه محسن ونشرته وزارة الأوقاف سنة ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م (نشرة أخبار التراث العربي ٢٧ / ٢٢) ، وحققه كرسالة ماجستير عبد الله بن عبد الرحمن المهوس بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض سنة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م (أخبار التراث العربي ٢٨ / ٢٣) ، وانظر قوله ص : ١٤١ البحث الحادي والخمسون.

(٢) متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٢ / ١٤١ كتاب الأذان (١٠) ، باب فضل العشاء في الجماعة (٣٤) : الحديث (٦٥٧) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٤٥١ كتاب المساجد (٥) ، باب فضل صلاة الجماعة (٤٢) ، الحديث (٢٥٢ / ٦٥١).

(٣) لفظ الجلالة زيادة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (وقد تبين الفرق).

(٥) انظر الكلام على «عند» في ٤ / ٢٥٣.

٣٤٠