البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

تارة تعمل عمل «إن» ، وهي النافية للجنس ، وهي تنفي ما أوجبته «إنّ» ، فلذلك تشبّه بها في الأعمال ، نحو : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) (يوسف : ٩٢) ، (لا مُقامَ لَكُمْ) (الأحزاب : ١٣) ، (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) (النحل : ٦٢).

ويكثر حذف خبرها إذا علم ، نحو : (لا ضَيْرَ) (الشعراء : ٥٠) ، (فَلا) [٣٠٨ / ب] (فَوْتَ) (سبأ : ٥١). وتارة تعمل عمل «ليس».

وزعم الزمخشري في «المفصّل» (١) أنها غير عاملة وكذا قال الحريري (٢) في «الدّرّة» : إنها لا تأتي إلا لنفي الوحدة.

قال ابن برّي (٣) : وليس بصحيح ؛ بل يجوز أن يريد منه العموم ، كما في النصب ، وعليه قوله : «لا ناقة لي في هذا ولا جمل» (٤) ، يعني فإنه نفي الجنس لمّا عطف.

وكذلك قولك : «لا رجل في الدار ولا امرأة» ، تفيد نفي الجنس ؛ لأن العطف أفهم للعموم.

وممن نصّ على ذلك أبو البقاء في «المحصّل» (٥) ، ويؤيده قوله تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا

__________________

(١) انظر قول الزمخشري في كتابه «المفصل» ص ٣٠ اسم ما ولا المشبهتين بليس.

(٢) هو القاسم بن علي بن محمد تقدم التعريف به في ١ / ١٦٤ وتقدم التعريف بكتابه «درة الغواص» في ٣ / ٨٧.

(٣) هو عبد الله بن بري تقدم التعريف به في ٤ / ١١١.

(٤) ذكره أبو عبيد البكري في «فصل المقال» ص ٣٨٨ برقم ١٦٨ وقال : (أول من قاله الصدوف بنت الحليس العذرية) وسرد قصته.

(٥) هو شرح لكتاب «المفصل» للزمخشري الذي يمتاز بشروح كثيرة ذكرها حاجي خليفة في «كشف الظنون» ٢ / ١٧٧٤ ـ ١٧٧٥ ، ومن شروحه ثلاثة كتب باسم «المحصل» (الأول) : «المحصل شرح المفصل» لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري ، وهو الذي ذكره الزركشي ، ويوجد منه نسخة خطية في القاهرة ٢ / ١٥٧ برقم ٢٩٢ نحو ، ومنه صورة ميكروفيلمية بمعهد المخطوطات بالقاهرة برقم ١٤٤ نحو الجزء الثاني فقط ، (والثاني) : «المحصل لكشف أسرار المفصل» للمؤيد يعقوب بن حمزة ت (٧١٢ ه‍ ـ) مخطوط في برلين برقم (٦٥٢١) ، وفي الفاتيكان (١٠٢١ ف) ، (بروكلمان الذيل ١ / ٥١٠) (والثالث) : «المحصل في شرح المفصل» لأبي محمد علم الدين القاسم بن أحمد الأندلسي ت (٦٦١ ه‍ ـ) حققه عبد الباقي عبد السلام الخزرجي كرسالة دكتوراه بجامعة الأزهر بالقاهرة (أخبار التراث العربي ٦ / ٢١) ، لكن محقق كتاب «التبيين عن مذاهب النحويين ...» لأبي البقاء العكبري ، نفى صحة نسبة «المحصل» لأبي البقاء لأنه تتبع المخطوطة المتوفرة لديه من الكتاب وهي نسخة دار الكتب المصرية برقم (٢٩٢) وخلص إلى القول (إن الكتاب من تأليف علم الدين القاسم بن أحمد الأندلسي المتوفى سنة ٦٦١ ه‍ ـ ، دون أدنى شك وإن نسبته إلى أبي البقاء العكبري خطأ محض ينبغي تغييره في فهرس دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات العربية) انظر (مقدمة التبيين عن

٣٠١

خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) (البقرة : ٢٥٤) ، قرئ بالرفع والنصب فيهما (١) ، والمعنى فيهما واحد.

وقال ابن الحاجب : ما قاله الزمخشري لا يستقيم ، ولا خلاف عند أصحاب الفهم أنه يستفاد العموم (٢) [منه ، كما في المبنية على الفتح ، وإن كانت المبنية أقوى في الدلالة عليه ؛ إمّا لكونه نصا أو لكونه أقوى ظهورا ، وسبب العموم] (٢) أنها نكرة في سياق النفي فتعمّ.

وقال ابن مالك (٣) في «التحفة» : قد تكون المشبه : ب «ليس» نافية للجنس ، ويفرق فيها بين إرادة الجنس وغيره بالقرائن. هذا كله في العاملة.

[وأما غير العاملة] (٢) ؛ فيرفع الاسم بعدها بالابتداء إذا لم يرد نفي العموم. ويلزم التكرار.

ثم تارة تكون نكرة ، كقوله : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (الصافات : ٤٧) ، (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) (إبراهيم : ٣١).

وتارة تكون معرفة كقوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) (يس : ٤٠).

ولذلك يجب تكرارها إذا وليها نعت نحو : (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) (النور : ٣٥) ، وقوله تعالى : (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) (البقرة : ٧١) فإن قيل : لم لم تكررها وقد أوجبوا تكرارها في الصفات؟ وجوابه أنه من الكلام المحمول على المعنى ، والتقدير : لا تثير الأرض ، ولا ساقية للحرث ، أي لا تثير ولا تسقي.

وقال الراغب (٤) : «هي في هذه الحالة تدخل على المتضادّين ، ويراد بها إثبات الأمرين بهما جميعا ، نحو : زيد ليس بمقيم ولا ظاعن ، أي تارة يكون كذا ، وتارة يكون كذا. وقد يراد إثبات حالة بينهما ؛ نحو : زيد ليس بأبيض ولا أسود».

__________________

مذاهب النحويين ... ص ٥٢ ـ ٦١) ، إلا أن هذا لا ينفي وجود شرح لكتاب «المفصل» من تأليف العكبري حيث توافرت على ذكره المصادر المترجمة للعكبري ، وإن تباينت في تسميته.

(١) ذكره البنافي (إتحاف فضلاء البشر) ص ١٦١ عند الآية ٢٥٤ من سورة البقرة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) هو محمد بن عبد الله بن مالك ، جمال الدين تقدم التعريف به في ١ / ٣٨١ ، وكتابه «تحفة المودود في المقصور والممدود» طبع في مصر بتحقيق إبراهيم اليازجي سنة ١٣١٩ ه‍ ـ / ١٨٩٧ م ، وطبع ضمن كتاب «الإعلام ، أو إكمال الإعلام بمثلث الكلام» بمصر سنة ١٣٢٩ ه‍ ـ / ١٩١١ م (ذخائر التراث العربي : ٢٣٤ ـ ٢٣٥).

(٤) انظر قوله في كتابه «المفردات» ص ٤٥٩.

٣٠٢

ومنه قوله تعالى : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) (النور : ٣٥) ، قيل : معناه أنها شرقية وغربية. وقيل : معناه مصونة عن الإفراط والتفريط ، وأما الداخلة على الأفعال ؛ فتارة تكون لنفي الأفعال المستقبلة ، كقوله تعالى : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) (فاطر : ١٤) ؛ لأنه جزاء ، فلا يكون إلا مستقبلا. ومثله : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) (الحشر : ١٢).

وقد ينفى المضارع مرادا به نفي الدوام ، كقوله تعالى : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (سبأ : ٣).

وقد يكون للحال ، كقوله [تعالى] : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١). (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ) (المعارج : ٤٠) (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (الواقعة : ٧٥) ، (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (النساء : ٦٥).

وقوله : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ) (النساء : ٧٥). يصحّ أن تكون في موضع الحال ، أي ما لكم غير مقاتلين وقيل : ينفى بها الحاضر على التشبيه [ب «ما»] (١) ، كقولك في جواب من قال : «زيد يكتب الآن» : لا يكتب.

والنفي بها يتناول فعل المتكلم ، نحو : لا أخرج اليوم ولا أسافر غدا ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) (الشورى : ٢٣). وفعل المخاطب ، كقولك : إنك لا تزورنا ، ومنه قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (الأعلى : ٦) ، (فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ) (الرحمن : ٣٣).

وتدخل على الماضي في القسم والدعاء ، نحو : والله لا صلّيت ، ونحو : لا ضاق صدرك.

وفي غيرها نحو : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (القيامة : ٣١). والأكثر تكرارها ، وقد جاءت [غير] (٢) مكرّرة في قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (البلد : ١١).

قال الزمخشريّ (٣) : «لكنّها مكررة في المعنى ؛ لأن المعنى : لا فكّ رقبة ، ولا أطعم مسكينا ، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك»؟ وقيل : إنه دعاء ، [أي] (٢) أنه يستحق أن

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) انظر قوله في «الكشاف» ٤ / ٢١٣ عند تفسير الآية من سورة البلد.

٣٠٣

يدعى عليه [٣٠٩ / أ] بأن يفعل خيرا وقد يراد الدعاء في المستقبل والماضي ، كقولك : لا فضّ الله فاك ، وقوله : «لا يبعدن قومي».

الثانية : أن تكون للنهي ، ينهى بها الحاضر والغائب ، نحو : لا تقم ولا يقم. وقال تعالى : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (الممتحنة : ١). (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ [مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ]) (١) (آل عمران : ٢٨) ، (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً* إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الكهف : ٢٣ ـ ٢٤). (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) (آل عمران : ١٨٨). (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) (الحجرات : ١١). (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) (الحجرات : ١١). (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) (الأعراف : ٢٧). (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ) (النمل : ١٨).

وتخلّص المضارع للاستقبال ، نحو : (لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) (القصص : ٧). وترد للدعاء ، نحو : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) (البقرة : ٢٨٦) ، ولذلك قال بعضهم : «لا الطلبية» لتشمل النهي وغيره.

وقد تحتمل النفي والنهي ، كقوله تعالى : (أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ) (هود : ٢) ، (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ) (النساء : ٧٥).

الثالثة : أن تكون جوابيّة ، أي ردّ في الجواب ، مناقض ل «نعم» أو بلى ، فإذا قال مقرّرا : ألم أحسن إليك؟ قلت : لا ، أو بلى ، وإذا قال مستفهما : هل زيد عندك؟ قلت : لا ، أو نعم ، قال تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢) ، (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) (الأعراف : ٤٤).

الرابعة : أن تكون بمعنى «لم» ، ولذلك اختصّت بالدخول على الماضي ، نحو :

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

٣٠٤

(فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (القيامة : ٣١) ، أي لم يصدق ولم يصل. ومثله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (البلد : ١١).

الخامسة : أن تكون عاطفة تشرك ما بعدها في إعراب ما قبلها ، وتعطف بعد الإيجاب ، نحو يقوم زيد لا عمرو. وبعد الأمر ، نحو اضرب زيدا لا عمرا ، وتنفي عن الثاني ما ثبت للأول ، نحو : خرج زيد لا بكر.

فإن قلت : ما قام زيد ولا بكر ، فالعطف للواو دونها ، لأنها أمّ حروف العطف.

السادسة : أن تكون زائدة ، في مواضع : الأول : بعد حرف العطف المتقدّم عليه النفي أو النهي ، فتجيء مؤكدة له كقولك : ما جاءني زيد ولا عمرو ، وقوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) (سبأ : ٣٧). (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) (المائدة : ١٠٣). وقوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) (الفاتحة ٧).

قال أبو عبيدة (١) : وقيل : إنما دخلت هنا مزيلة لتوهم أن (الضَّالِّينَ) هم (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ، والعرب تنعت بالواو ، وتقول : مررت بالظريف والعاقل. فدخلت لإزالة التوهم وقيل : لئلا يتوهم عطف (الضَّالِّينَ) على (الَّذِينَ).

ومثال النهي قوله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) (المائدة : ٢) ، ف «لا» زائدة ، وليست بعاطفة ، لأنها إنما يعطف بها في غير النهي (٢) ، وإنما دخلت هنا لنفي احتمال أن يكون المقصود نفي مجيئها جميعا ، تأكيدا للظاهر من اللفظ ، ونفيا للاحتمال الآخر ، فإنه يفيد النفي عن كلّ واحد منهما نصا ، ولو لم يأت ب «لا» ، لجاز أن يكون النفي عنهما على جهة الاجتماع ولكنه خلاف الظاهر ؛ فلذلك كان القول ببقاء الزيادة أولى ، لبقاء الكلام بإثباتها على حالة عند عدمها ، وإن كانت دلالته عند مجيئها أقوى.

وأما قوله : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) (فصلت : ٣٤) ، فمن قال : المراد أن

__________________

(١) انظر قوله في كتابه «مجاز القرآن» ١ / ٢٥ ـ ٢٦ عند سورة الفاتحة وقد ساقه الزركشي بمعناه.

(٢) في المخطوطة (النفي).

٣٠٥

الحسنة لا تساوي السيئة ، ف «لا» عنده زائدة ، ومن قال : إن [المراد أن] (١) جنس الحسنة لا يستوي إفراده ، وجنس السيئة لا يستوي إفراده ـ وهو الظاهر من سياق الآية ـ فليست زائدة ، والواو عاطفة جملة على جملة ، وقد سبق فيها مزيد كلام في بحث الزيادة.

وأما قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ...) (فاطر : ١٩) الآية ، فالأولى (٢) والثانية غير زائدة ، والثالثة والرابعة والخامسة زوائد.

وقال ابن الشّجري (٣) : «قد تجيء مؤكّدة للنفي في غير موضعها الذي تستحقه ، كقوله [٣٠٩ / ب] تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) (غافر : ٥٨) ، لأنك (٤) تقول : ما يستوي زيد ولا عمرو ، (٥) [ولا تقول : ما يستوي زيد ، فتقتصر على واحد».

ومثله : (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) (فاطر : ٢٠ ـ ٢١) ، (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (الأنبياء : ٩٥).

وقال غيره : «لا» هاهنا صلة ؛ لأن المساواة لا تكون إلا بين شيئين ، فالمعنى : ولا الظلمات والنور ، حتى تقع المساواة بين شيئين ، كما قال تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) (غافر : ٥٨) ، ولو قلت : ما يستوي زيد ولا عمرو] (٥) لم يجز إلا على زيادة «لا».

الثاني : بعد «أن» المصدرية الناصبة للفعل المضارع ، كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ) (الأعراف : ١٢).

و [قيل] (٥) : إنما زيدت توكيدا للنفي المعنوي الذي تضمنه : (مَنَعَكَ) ، بدليل الآية الأخرى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (ص : ٧٥).

وقال ابن السّيد (٦) : إنما دخلت لما يقتضيه معنى المنع لا يحتمل حقيقة اللفظ ؛ لأنّ

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (فما الأولى ، والثالثة غير زائدة ، والثانية والرابعة والخامسة زوائد).

(٣) انظر قوله في كتابه «أمالي ابن الشجري» ٢ / ٢٣١ المجلس السابع والستون.

(٤) في المطبوعة (لأنك لا تقول) والصواب ما في المخطوطة ، كما جاء في «أمالي ابن الشجري».

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) هو عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي تقدم التعريف به في ١ / ٣٤٣.

٣٠٦

المانع من الشيء يأمر الممنوع ، بألاّ يفعل ، مهما كان المنع في تأويل الأمر بترك الفعل ، والحمل على تركه أجراه مجراها.

ومن هنا قوله تعالى : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (الحديد : ٢٩) أي لئن يعلم (١) ، لأن المعنى يتم بذلك. وقيل : ليست زائدة والمعنى عليها.

وهذا كما تكون محذوفة لفظا مرادة معنى ، كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (النساء : ١٧٦) ، المعنى ألاّ تضلوا ؛ لأن البيان إنما يقع لأجل ألاّ تضلوا. وقيل : على حذف مضاف ، أي كراهة أن تضلوا.

وأما السّيرافيّ فجعلها (٢) على بابها ، حيث جاءت ، زعم أن الإنسان إذا فعل شيئا لأمر ما ، قد [يكون] (٣) فعله لضدّه ، فإذا قلت : جئت لقيام زيد ، فإن المعنى أنّ المجيء وقع لأجل القيام ، وهل هو لأن يقع أو لئلا يقع؟ محتمل ، فمن جاء للقيام فقد جاء لعدم القيام ، ومن جاء لعدم القيام فقد جاء للقيام ؛ برهان ذلك أنّك إذا نصصت على مقصودك ، فقلت : جئت لأن يقع ، أو أردت أن يقع ، فقد جئت لعدم القيام (٤) [أي لأن يقع عدم القيام ، وهو ـ أعني عدم الوقوع ـ طلب وقوعه. وإن قلت : وقصدي ألاّ يقع القيام ، ولهذا جئت ، فقد جئت لأن يقع عدم القيام] (٤) ، فيتصور أن تقول : جئت للقيام وتعني به عدم القيام.

وكذلك قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (النساء : ١٧٦) أي يبين الضلال ، أي لأجل الضلال يقع البيان : هل [هو] (٤) لوقوعه أو عدمه؟ المعنى : يبين ذلك (٥).

وكذلك قوله تعالى : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ) (الحديد : ٢٩) أي فعل الله هذا لعدم علمهم : هل وقع أم لا؟ وإذا علموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ، يبين لهم أنهم لا يعلمون ، فقوله : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ) باق على معناه ، ليس فيه زيادة.

الثالث : قبل قسم ، كقوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١) ، المعنى أقسم ،

__________________

(١) العبارة في المطبوعة (لئن لم).

(٢) عبارة المخطوطة (وجعلها السيرافي على حيث) ، وهو الحسن بن عبد الله بن المرزبان تقدم التعريف به في ١ / ٤١٤.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة زيادة (فبذلك يكون وأما أن لا يكون عالم فيها ، فذكره لعدم العلم ، هل وقع عدم العلم أو لم يقع كقولك : هو عالم ... ، دليل على أن المراد بعدم العلم وقوعه).

٣٠٧

بدليل قراءة ابن كثير (١) : لأقسم وهي قراءة قويمة لا يضعفها عدم نون التوكيد مع اللام ؛ لأن المراد بأقسم فعل الحال ، ولا تلزم النون مع اللام. وقيل إنها غير زائدة ، بل هي نافية.

وقيل : على بابها ، ونفى بها كلاما تقدم منهم ، كأنه قال : ليس [الأمر] (٢) كما قلتم من إنكار القيامة ، ف (لا أُقْسِمُ) جواب لما حكي من جحدهم البعث ، كما كان قوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (القلم : ٢) جوابا لقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر : ٦) ، لأن القرآن يجري مجرى السورة الواحدة وهذا أولى من دعوى الزيادة ، لأنها تقتضي الإلغاء ، وكونها صدر الكلام يقتضي الاعتناء بها ، وهما متنافيان.

قال ابن الشجري (٣) : «وليست «لا» في قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (الواقعة : ٧٥) ، وقوله : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ) (المعارج : ٤٠) ، ونحوه بمنزلتها في قوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١) ، كما زعم بعضهم ، لأنها ليست في أول السورة لمجيئها بعد الفاء ، والفاء عاطفة كلمة على كلمة (٤) تخرجها عن كونها بمنزلتها في : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١) ، فهي إذن زائدة للتوكيد». وأجاز الخارزنجيّ (٥) في : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١) ، كون «لا» [فيه] (٦) بمعنى الاستثناء ، فحذفت الهمزة وبقيت «لا».

وجعل الزمخشري (٧) «لا» في قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ) [٣١٠ / أ] (لا يُؤْمِنُونَ) (النساء : ٦٥) ، «مزيدة لتأكيد معنى القسم ، كما زيدت في : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ) ، لتأكيد وجوب العلم ، و (لا يُؤْمِنُونَ) جواب القسم ، ثم قال : [فإن قلت] (٨) : هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر «لا» في (لا يُؤْمِنُونَ)؟.

__________________

(١) ذكره البنا في «إتحاف فضلاء البشر» ص ٢٤٧ عند سورة يونس ، الآية (١٦).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) انظر قوله في كتابه «أمالي ابن الشجري» ٢ / ٢٢١ المجلس السابع والستون.

(٤) كذا في المطبوعة والمخطوطة وفي «الأمالي» (عاطفة جملة بعد جملة).

(٥) هو أحمد بن محمد البشتي الخارزنجي ، إمام أهل الأدب بخراسان في عصره بلا مدافعة. شهد له أبو عمر الزاهد ومشايخ العراق بالتقدم. وله من التصانيف «التكملة» أراد انه كمّل كتاب «العين ، المنسوب إلى الخليل بن أحمد وله أيضا «التفصلة» و «كتاب تفسير أبيات أدب الكاتب» وغيرها. توفي سنة (٣٤٨) (ياقوت ، معجم الأدباء ٤ / ٢٠٣).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) انظر قوله في «الكشاف» ١ / ٢٧٧ عند تفسير الآية من سورة النساء.

(٨) ليست في المخطوطة.

٣٠٨

وأجاب بأنه يمنع من ذلك استواء النفي والإثبات فيه (١) ، وذلك قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ* وَما لا تُبْصِرُونَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة : ٣٨ إلى ٤٠). انتهى.

وقد يقال : هب أنه لا يتأتّى في آية الواقعة (٢) ، فما المانع من تأتّيه في النساء؟ إلا أن يقال استقر بآية الواقعة أنها تزاد لتأكيد معنى القسم فقط ، ولم يثبت زيادتها متظاهرة [لها] (٣) في الجواب.

السابعة : تكون اسما في قول الكوفيين ، أطلق بعضهم نقله عنهم وقيل : إن ما قالوه ، إذا دخلت على نكرة ، وكان حرف الجرّ داخلا عليها ، نحو غضبت من لا شيء ، وجئت بلا مال ، وجعلوها بمنزلة [«غير»] (٣) وكلام ابن الحاجب يقتضي أنه أعمّ من ذلك ، فإنه قال : جعلوا «لا» بمعنى «غير» لأنه يتعذر فيها الإعراب ، فوجب أن يكون إعرابها على ما هو من تتمتها ، وهو ما بعدها ، كقولك : جاءني رجل لا عالم ولا عاقل.

ومنه قوله تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) (البقرة : ٦٨) ، (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) (الواقعة : ٤٣ ـ ٤٤) ، وقوله : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) (الواقعة : ٣٣).

٥٨ ـ لات

قال سيبويه (٤) : «لات» مشبهة ب «ليس» في بعض المواضع ، ولم تتمكّن تمكّنها ، ولم يستعملوها إلا مضمرا فيها ؛ لأنها [ليست] (٥) ك «ليس» في المخاطبة ، والإخبار عن غائب ، ألا ترى أنك تقول : لست ، وليسوا ، وعبد الله ليس ذاهبا ، فتبني على [المبتدإ وتضمر فيه] (٥) ، ولا يكون هذا في «لات» (٦) ، قال تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) (ص : ٣) ، أي ليس حين مهرب وكان بعضهم يرفع «حين» لأنها عنده بمنزلة «ليس» والنصب بها الوجه.

__________________

(١) في المخطوطة (في الجواب).

(٢) هنا في عبارة المخطوطة تقديم للجملة التي ستأتي في المطبوعة وهي (أنها تزاد لتأكيد معنى القسم فقط).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) انظر قوله في «الكتاب» ١ / ٥٧ باب ما أجري مجرى ليس ... ، نقله الزركشي مختصرا ، وقد تصحفت بعض العبارات وتصويبها من عبارة «الكتاب».

(٥) زيادة من عبارة سيبويه في «الكتاب» لصحة النص.

(٦) تصحفت العبارة في المطبوعة والمخطوطة إلى (ولات فيها ذلك) والتصويب من عبارة «الكتاب».

٣٠٩

٥٩ ـ لا جرم

جاءت في القرآن في خمسة مواضع متلوة بأنّ واسمها ، ولم يجيء بعدها فعل.

الأول في هود (١) ، وثلاثة في النحل (٢) ، والخامس (٣) في غافر ، وفيه فسرها الزمخشري (٤) و «ذكر اللغويون والمفسرون في معناها أقوالا :

أحدها : أنّ «لا» نافية ردا للكلام المتقدم ، و «جرم» فعل معناه حقّ ، و «أنّ» مع ما في حيزها فاعل ، أي حق ، ووجب بطلان دعوته». وهذا مذهب الخليل وسيبويه (٥) والأخفش ، فقوله تعالى : (لا جَرَمَ) ، [معناه] (٦) أنه ردّ على الكفار وتحقيق لخسرانهم.

الثاني : [أن] (٧) «لا» زائدة و «جرم» معناه كسب ، أي كسب [لهم] (٨) عملهم الندامة ، وما في خبرها على هذا القول في موضع نصب ، وعلى الأوّل في موضع رفع.

الثالث : لا جرم ، كلمتان ركبتا وصار معناهما حقا ، وأكثر المفسرين يقتصر على ذلك.

والرابع : أن معناها «لا بدّ» وأنّ الواقعة بعدها في موضع نصب ، بإسقاط الخافض (٩).

٦٠ ـ لو على خمسة أوجه :

(أحدها): الامتناعية ؛ واختلف في حقيقتها ، فقال سيبويه (١٠) : «هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره». ومعناه كما قال الصّفّار (١١) : أنّك إذا قلت : لو قام زيد قام عمرو ، دلّت

__________________

(١) الآية (٢٢) (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ).

(٢) الآية (٢٣) (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) والآية (٦٢) (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) والآية (١٠٩) (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ).

(٣) الآية (٤٣) (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ).

(٤) انظر قوله في «الكشاف» ٣ / ٣٧٢ عند تفسير الآية من سورة غافر.

(٥) انظر قوله في «الكتاب» ٣ / ١٣٨ باب من أبواب تكون أن ، تكون أنّ فيه مبنية على ما قبلها.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) عبارة المخطوطة (بإسقاط حرف الجر).

(١٠) انظر قوله في «الكتاب» ٤ / ٢٢٤ باب عدة ما يكون عليه الكلم.

(١١) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

٣١٠

[على] (١) أن قيام عمرو كان يقع لو وقع من زيد. وأما أنه امتنع قيام زيد ، هل يمتنع قيام عمرو أو يقع القيام من عمرو بسبب آخر؟ فمسكوت عنه لم يتعرض له اللفظ ، وقال غيره : هي لتعليق ما امتنع بامتناع غيره ..

وقال ابن مالك (٢) : هي حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه.

وهي تسمى امتناعية شرطية ، ومثاله قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) (الأعراف : ١٧٦) ، دلّت على أمرين :

أحدهما : أن مشيئة الله لرفعه منتفية ، ورفعه منتف ؛ إذ لا سبب لرفعه إلا المشيئة.

الثاني : استلزام مشيئة الرفع للرفع ؛ إذ المشيئة [٣١٠ / ب] سبب والرفع مسبّب ؛ وهذا بخلاف : «لو لم يخف الله لم يعصه» (٣) ، إذ لا يلزم من انتفاء «لم يخف» انتفاء «لم يعص» حتى يكون خاف وعصى ، لأن انتفاء العصيان له سببان : خوف العقاب والإجلال ، وهو أعلى ، والمراد أن صهيبا لو قدّر خلوه عن الخوف لم يعص للإجلال ؛ كيف والخوف (٤) حاصل!

ومن فسّرها بالامتناع اختلفوا ، فقال الأكثرون إن الجزاء ـ وهو الثاني ـ امتنع لامتناع الشرط ـ وهو الأول ـ فامتنع الثاني وهو الرفع ، لامتناع الأول ، وهو المشيئة.

قال ابن الحاجب ومن تبعه كابن جمعة الموصلي (٥) وابن خطيب زملكا (٦) : امتنع الأول لامتناع الثاني ، قالوا لأن امتناع الشرط لا يستلزم امتناع الجزاء ، لجواز إقامة [شرط] (١) آخر مقامه ؛ وأما امتناع الجزاء فيستلزم امتناع الشرط مطلقا.

وذكروا أن لها مع شرطها وجوابها أربعة أحوال :

أحدها : أن تتجرد من النفي ، نحو : لو جئتني لأكرمتك ؛ وتدلّ حينئذ على انتفاء الأمرين ، وسموها حرف وجوب لوجوب ؛ ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء : ٨٢).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) انظر شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم ص ٧١٠ فصل لو.

(٣) قطعة من الأثر «نعم العبد صهيب ...» وسيأتي تخريجه قريبا حيث يرد بتمامه.

(٤) في المخطوطة (كيف والإجلال حاصل).

(٥) هو عبد العزيز زيد بن جمعة الموصلي تقدم التعريف به في ٤ / ٢١٥ ، وله شرح لكافية ابن الحاجب.

(٦) هو عبد الواحد بن عبد الكريم تقدم التعريف به وبحفيده في ١ / ١٣٥.

٣١١

(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) (التوبة : ٤٦) ، وقوله : (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (الزمر : ٥٧) ، أي ما هداني بدليل قوله بعده : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) (الزمر : ٥٩) ؛ [لأن] (١) «بلى» جواب للنفي.

وثانيها : إذا اقترن (٢) بها حرف النفي ، تسمّى حرف امتناع لامتناع نحو : لو لم تكرمني لم أكرمك ، فيقتضي ثبوتهما لأنهما للامتناع ، فإذا اقترن بهما حرف نفي ، (٣) [سلب عنها الامتناع ، فحصل الثبوت ، لأن سلب السلب إيجاب. (٣)

ثالثها : أن يقترن حرف النفي] (٤) بشرطها دون جوابها ، وهي حرف امتناع لوجوب ، نحو : لو [لم] (٥) تكرمني أكرمتك ، ومعناه عند الجمهور انتفاء الجزاء وثبوت الشرط.

رابعها : عكسه وهو [حرف] (٦) وجوب لامتناع ، نحو : لو جئتني لم أكرمك ، فيقتضي ثبوت الجزاء وانتفاء الشرط ، ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) (المائدة : ٨١).

واعلم أن تفسير سيبويه لها مطرد في جميع مواردها ، ألا ترى أن مفهوم الآية (٤) عدم نفاد كلمات الله مع فرض شجر الأرض أقلاما والبحر ممدودا بسبعة أبحر مدادا ، ولا يلزم ألاّ يقع عدم نفاد الكلمات إذا لم يجعل الشجر أقلاما والبحر مدادا.

وكذا في «نعم العبد صهيب» فإن مفهومه أنّ عدم العصيان كان يقع عند عدم الخوف ، ولا يلزم ألاّ يقع عدم العصيان إلا عند [عدم] (٩) الخوف ، وهكذا الباقي.

وأما [في] (٧) تفسير من فسّرها بأنها حرف امتناع لامتناع ، وذكر لها هذه الأحوال الأربعة فلا يطّرد ، وذلك لتخلّف هذا المعنى في بعض الموارد ؛ وهو كل موضوع دلّ الدليل فيه على أن الثاني ثابت مطلقا ؛ إذ لو كان منفيا لكان النفاد حاصلا ، والعقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفد مع كثرة هذه الأمور فلأن [لا] (٧) تنفد مع قلتها وعدم بعضها أولى.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) عبارة المخطوطة (أن يقرن).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) إشارة إلى الآية (٢٧) من سورة لقمان (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ).

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ليست في المطبوعة.

٣١٢

وكذا قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) (الأنعام : ١١١). وكذا قوله : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) (الأنفال : ٢٣) ، فإن التولّي عند عدم الإسماع أولى.

وأما [سياق الكلام وك] (١) قوله : «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» (٢) فنفي العصيان ثابت ، إذ لو انتفى نفي العصيان لزم وجوده ؛ وهو خلاف ما يقتضيه سياق الكلام في المدح.

ولما لم يطّرد لهم هذا التفسير مع اعتقادهم صحته ، اختلفوا في تخريجها على طرق :

[٣١١ / أ] الأول : دعوى أنها في مثل هذه المواضع ـ أعني الثابت فيها الثاني دائما ـ إنما جاءت لمجرد الدلالة على ارتباط الثاني بالأول ، لا للدلالة على الامتناع ، وضابطها : ما يقصد به الدلالة على مجرد الارتباط دون امتناع كل موضع قصد فيه ثبوت شيء على كل حال ، فيربط ذلك الشيء بوجود أحد النقيضين لوجوده دائما ، ثمّ لا يذكر إذ ذاك إلا النقيض الذي يلزم من وجود ذلك الشيء [على تقدير وجوده] (٣) ، على تقدير وجود النقيض الآخر ، فعدم النّفاد في الآية الكريمة واقع على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلام ، وكون البحر مده من [بعده] (٣) سبعة أبحر ؛ فعدم النفاد على تقدير انتفاء كون هذين الأمرين أولى. وكذا عدم عصيان صهيب واقع على تقدير عدم خوفه (٤) ، [فعدم عصيانه] (٤) على تقدير وجود الخوف أولى. وعلى هذا يتقرر جميع ما يرد عليك من هذا الباب.

والتحقيق أنها تفيد امتناع الشرط كما سبق من الآيات الشريفة. وتحصّل أنها تدلّ على أمرين :

أحدهما : امتناع شرطها ، والآخر كونه مستلزما [لجوابها] (٥) ، ولا يدل على امتناع الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته ؛ فإذا قلت : لو قام زيد لقام عمرو ، فقيام زيد محكوم بانتفائه

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ذكره الفخر الرازي في «التفسير» ١٥ / ١٤٥ عند الآية (٢٣) من سورة الأنفال فقال : (وأما الخبر فقوله عليه‌السلام «نعم الرجل صهيب ...) وذكره ابن منظور في «لسان العرب» ٩ / ١٠٠ مادة (خوف) فقال : (وفي حديث عمر رضي‌الله‌عنه : نعم العبد صهيب ...) ، وذكره العجلوني في «كشف الخفاء» ٢ / ٤٢٨ ونقل عن ابن حجر أنه ظفر به في «مشكل الحديث» لابن قتيبة من غير إسناد ، وانظر بقية كلامه عن الحديث.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (عدم عصيانه).

(٥) ليست في المخطوطة.

٣١٣

فيما مضى ، وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو ، وهل لقيام عمرو وقت (١) آخر غير اللازم عن قيام زيد ، أو ليس له؟ لا يعرض في الكلام لذلك ؛ ولكن الأكثر كون الثاني والأول غير واقعين.

وقد سلب الإمام فخر الدين (٢) الدلالة على الامتناع مطلقا ، وجعلها لمجرد الربط ، واحتج بقوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ [وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) (٣) (الأنفال : ٢٣) ، قال : «فلو أفادت «لو» انتفاء الشيء لانتفاء غيره لزم التناقض ؛ لأن قوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ)] (٣) ، يقتضي أنه ما علم فيهم خيرا (٤) [وما أسمعهم ، وقوله : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) ، يفيد أنه تعالى ما أسمعهم ولا تولّوا ؛ لكن عدم التولي خير ، فيلزم أن يكون : وما علم فيهم خيرا] (٤). قال : فعلمنا أن كلمة «لو» لا تفيد إلا الربط». هذا كلامه.

وقد يمنع قوله : «إن عدم التولي خير» ؛ فإن الخير إنّما هو عدم التولي ، بتقدير حصول الإسماع ، والفرض أن الإسماع لم يحصل ، فلا يكون عدم التولي على الإطلاق خيرا ، بل عدم التولي المرتب على الإسماع.

الطريق الثاني : أنّ قولهم : لامتناع الشيء لامتناع غيره ، معناه أنّ ما كان جوابا لها كان يقع لوقوع الأول ، فلما امتنع الأول امتنع أن يكون الثاني واقعا لوقوعه ، فإن وقع فلأمر آخر ؛ وذلك لا ينكر فيها ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت : لو قام زيد قام عمرو ، (٥) [دلّ ذلك على امتناع قيام عمرو الذي كان يقع منه لو وقع قيام زيد ، لا على امتناع قيام عمرو] (٥) لسبب آخر. وكذلك «لو لم يخف الله لم يعصه» ، امتنع عدم العصيان الذي كان سيقع عند عدم الخوف لو وقع ، ولا يلزم امتناع عدم العصيان عند وجود الخوف.

الثالث : أن تحمل [«لو»] (٥) فيما جاء من ذلك ؛ على أنّها محذوفة الجواب فيكون قوله [تعالى] : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ [مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ]) (٥) (لقمان : ٢٧) معناه ، لو كان

__________________

(١) عبارة المخطوطة (وهل لعمرو قيام آخر).

(٢) انظر قوله في تفسيره «التفسير الكبير» ١٥ / ١٤٤ ـ ١٤٥ عند تفسير الآية من سورة الأنفال ، نقله الزركشي بتصرف.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ليست في المخطوطة.

٣١٤

هذا لتكسرت الأشجار ، وفني المداد ، ويكون قوله : (ما نَفِدَتْ) مستأنف ، أو على حذف حرف العطف ، أي وما نفدت.

الرابع : أن تحمل «لو» في هذه المواضع على التي بمعنى «إن» ، قال أبو العباس (١) : «لو أصلها في الكلام أن تدلّ على وقوع الشيء لوقوع غيره ، تقول : لو جئتني لأعطيتك. ولو كان زيد هناك لضربتك ، ثم تتسع فتصير في معنى «إن» الواقعة للجزاء ، تقول : أنت لا تكرمني ولو أكرمتك ، تريد «وإن» ، قال تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (يوسف : ١٧).

وقوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) (آل عمران : ٩١) ، تأويله عند أهل اللغة : لا يقبل أن يتبرر به وهو مقيم على الكفر ، ولا يقبل وإن افتدى به.

فإن قيل : كيف يسوغ هذا في قوله [تعالى] : (وَلَوْ أَنَّ ما) [٣١١ / ب] (فِي الْأَرْضِ) ، فإنّ «إن» الشرطية لا يليها إلا الفعل «وأنّ» المشددة مع ما عملت فيه اسم ؛ فإذا كانت «لو» بمنزلة «إن» فينبغي ألاّ تليها.

أجاب الصفار (٢) : بأنه قد يلي «أنّ» الاسم في اللفظ ، فإ [ذا] (٣) جاز ذلك في «إن» نفسها ، فأولى أن يجوز في «لو» المحمولة عليها ، وكما جاز ذلك في «لو» قبل خروجها إلى الشرط ؛ مع أنها من الحروف الطالبة للأفعال. قال : والدليل على أنّ «لو» في الآيتين السابقتين بمعنى «إن» [أنّ] (٤) الماضي بعدها في موضع المستقبل ، «ولو» الامتناعية تصرف معنى المستقبل إلى الماضي ، فإن المعنى «وإن يفتد به».

واعلم أن ما ذكرناه من أنها تقتضي امتناع ما يليها أشكل عليه قوله تعالى : (وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) ؛ فإنهم لم يقروا بالكذب.

وأجيب بوجهين : أحدهما أنها بمعنى «إن» ، والثاني قاله الزمخشري (٥) إنه على الفرض ، أي ولو كنا من أهل الصدق عندك.

__________________

(١) هو محمد بن يزيد المبرّد تقدم ذكره في ٢ / ٤٩٧ ، وانظر قوله في كتابه «المقتضب» ٣ / ٧٦ ـ ٧٨ باب لو لا ، بتصرف.

(٢) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) انظر قوله في «الكشاف» ٢ / ٢٤٦ عند تفسير الآية من سورة يوسف.

٣١٥

وقال الزمخشري فيما أفرده على سورة الحجرات : «لو» تدخل على جملتين فعليتين ، تعلق ما بينهما بالأولى تعلّق الجزاء بالشرط ؛ ولما لم تكن مخلّصة بالشرط «كإن» ولا عاملة مثلها ، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا ؛ من حيث إفادتها في مضموني جملتها. أنّ الثاني امتنع لامتناع الأول ؛ وذلك أن تكسو الناس فيقال لك : هلا كسوت زيدا ، فتقول : لو جاءني [زيد] (١) لكسوته ؛ افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على التعليق ، فزيدت اللام ، ولم تفتقر إلى مثل ذلك «إن» لعملها في فعلها ، وخلوصها (٢) للشرط.

ويتعلق ب «لو» الامتناعية مسائل :

الأولى : إنها كالشرطية في (٣) اختصاصها بالفعل ، فلا يليها إلا فعل أو معمول فعل يفسره ظاهر بعده ، كقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) (الإسراء : ١٠٠) ، حذف الفعل فانفصل (٤) الضمير. وانفردت «لو» بمباشرة «أنّ» ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) (الحجرات : ٥) ، وهو كثير.

[واختلف في موضع «أنّ» بعد «لو» ، فقال سيبويه (٥) : في موضع رفع بالابتداء] (٦) ، واختلف عنه في الخبر ، فقيل محذوف ، وقيل لا يحتاج إليه وقال الكوفيون : فاعل بفعل مقدر تقديره : «ولو ثبت أنهم» ، وهو أقيس لبقاء الاختصاص.

الثانية : قال الزمخشري (٧) : يجب كون خبر «أنّ» الواقعة بعد «لو» فعلا ، ليكون عوضا عن الفعل المحذوف. وقال أبو حيان (٨) : هو وهم ، وخطأ فاحش ، قال الله [تبارك] (٩)

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (وحلولها).

(٣) في المخطوطة (باختصاصها).

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (فاتصل).

(٥) انظر كلامه في «الكتاب» ٣ / ١٢١ من أبواب «أن» ، وانظر هذا الفصل في «مغني اللبيب» ٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ضمن حرف اللام ، لو ، ففيه النقول التي يوردها الزركشي.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) انظر كلامه على الآية في «الكشاف» ٣ / ٢١٥ عند تفسير سورة لقمان.

(٨) انظر كلامه في «البحر المحيط» ٧ / ١٩٠ ـ ١٩١ عند تفسير الآية من سورة لقمان.

(٩) ليست في المخطوطة.

٣١٦

وتعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) (لقمان : ٢٧). وكذا رده ابن الحاجب وغيره بالآية ، وقالوا : إنما ذاك في الخبر المشتق ، لا الجامد كالذي في الآية.

وأيّد بعضهم كلام الزمخشري ، بأنه إنما جاء من حيث إن قوله [تعالى] : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) (لقمان : ٢٧) ، لمّا التبس بالعطف بقوله : (ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) صار خبر الجملة المعطوفة ، وهو (يَمُدُّهُ) كأنه خبر الجملة المعطوف عليها لالتباسها بها.

قال الشيخ في «المغني» (١) : «وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر [اسما] (٢) مشتقا ولم يتنبّه لها الزمخشري ، كما لم يتنبّه لآية لقمان ، و [لا] (٣) ابن الحاجب وإلا لمنع [من] (٤) ذلك.

قلت : [وهذا عجيب ، فإن «لو» في الآية للتمنّي ، والكلام في الامتناعية ، بل أعجب من ذلك كلّه] (٥) أن مقالة الزمخشري سبقه إليها السيرافيّ (٦). وهذا الاستدراك وما استدرك به

__________________

(١) هو عبد الله بن يوسف بن أحمد أبو محمد جمال الدين المعروف بابن هشام الأنصاري المصري ولد بالقاهرة سنة (٧٠٨ ه‍) ، تلا على ابن السّراج وحدّث عن ابن جماعة ، تخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم وانفرد بالفوائد الغريبة ، قال عنه ابن خلدون : ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه ، وله مصنفات كثيرة كلها نافع مفيد منها «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» وتوفي سنة ٧٦١ ه‍ (ابن حجر ، الدرر الكامنة ٢ / ٣٠٨) ، وكتابه مطبوع مرارا : بطهران سنة ١٢٦٨ ه‍ / ١٨٥١ م ، ثم ١٢٧١ ه‍ / ١٨٥٥ م ، ثم ١٢٧٤ ه‍ / ١٨٥٧ م ، وطبع في تبريز طبع حجر سنة ١٢٧٦ ه‍ / ١٨٥٩ م ، ثم طبع في القاهرة مطبعة بولاق على هامش حاشية الدسوقي سنة ١٢٨٤ ه‍ / ١٨٦٧ م ، ثم سنة ١٢٨٦ ه‍ / ١٨٦٩ م ، ثم طبع بالقاهرة مطبعة مصطفى البابي الحلبي وبهامشه حاشية الأمير عليه سنة ١٣٠٢ ه‍ / ١٨٨٤ م ، وطبع بمصر سنة ١٣٠٥ ه‍ / ١٨٨٧ م ، ثم سنة ١٣٠٧ ه‍ / ١٨٨٩ م ، ثم سنة ١٣١٧ ه‍ / ١٨٩٩ م ، ثم طبع بالقاهرة الجزء الأول بمطبعة الشرفية سنة ١٣٢٨ ه‍ / ١٩١٠ م والجزء الثاني بمطبعة الجمالية ١٣٢٩ ه‍ / ١٩١١ م ، ثم طبع في القاهرة بالمكتبة التجارية الكبرى بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد سنة ١٣٧٧ ه‍ / ١٩٥٩ م ، وأعيدت الطبعة نفسها سنة ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٥ م ، ثم طبع في دمشق بدار الفكر بتحقيق مازن مبارك محمد علي حمد الله سنة ١٣٨١ ه‍ / ١٩٦٤ م ، وأعيدت الطبعة نفسها سنة ١٣٨٦ ه‍ / ١٩٦٩ م ، ثم صور في بيروت عن طبعة القاهرة بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، صورته دار الكتاب العربي ، ودار إحياء التراث (معجم سركيس ٢٧٦ ، وذخائر التراث العربي ٢٧٠ ـ ٢٧١) ، وانظر قوله في كتابه «المغني» ١ / ٢٧٠ حرف اللام ، لو.

(٢) زيادة من عبارة «المغني» لتمام المعنى.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان تقدم التعريف به في ١ / ٤١٤.

٣١٧

منقول قديما في «شرح الإيضاح» لابن الخباز (١) ؛ لكن في غير مظنته ؛ فقال في باب إنّ وأخواتها : قال السّيرافي : تقول لو أن زيدا أقام لأكرمته ، ولا تجوز : لو أن زيدا حاضر لأكرمته ؛ لأنك لم (٢) تلفظ بفعل يسد مسدّ ذلك الفعل.

هذا كلامهم ، وقد قال الله تعالى : (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) [٣١٢ / أ] (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) (الأحزاب : ٢٠) ، فأوقع خبرها صفة. ولهم أن يفرقوا بأنّ هذه للتمني ، فأجريت مجرى «ليت» كما تقول : ليتهم بادون. انتهى كلامه.

تنبيه

ذكر الزمخشري بعد كلامه السابق في سورة الحجرات سؤالا ، وهو : ما الفرق بين قولك : لو جاءني [زيد] (٣) لكسوته ، ونظيره قوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى) (الزمر : ٤) وبين قوله : [لو زيد جاءني لكسوته ، ومنه قوله] (٣) تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) (الإسراء : ١٠٠) ، وبين قوله : [لو] (٤) أن زيدا جاءني لكسوته ، ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) (الحجرات : ٥).

وأجاب بأن القصد في الأولى أن الفعلين تعليق أحدهما بصاحبه لا غير ، من غير تعرض لمعنى زائد على التعليق الساذج على الوجه الذي بينته ، وهو المعنيّ في الآية الأولى ؛ لأنّ الغرض نفي أن يتّخذ الرّحمن ولدا ، وبيان تعاليه عن ذلك ؛ وليس لأداء هذا الغرض إلا تجديد الفعلين للتعلق ، دون أمر زائد عليه ، وأما في الثاني فقد انضم إلى التعليق بأحد معنيين ؛ إما نفي الشك أو الشبهة ، أن المذكور الذي هو زيد مكسوّ لا محالة لو وجد منه المجيء ولم يمتنع ، وإما بيان أنه هو المختص بذلك دون غيره. وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ ...) (٥) (الإسراء : ١٠٠) محتمل المعنيين جميعا ، أعني أنهم لا محالة يملكون ، وأنهم المخصوصون ، بالإمساك لو ملكوا ، إشارة إلى أن الإله الذي هو مالكها ، وهو الله الذي وسعت رحمته كل شيء لا يمسك.

__________________

(١) هو أحمد بن الحسين بن أحمد الإربلي تقدم التعريف به في ٣ / ١٤.

(٢) في المخطوطة (لأنك لا تلفظ بلفظ)

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) الآية في المطبوعة (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) وليست في موضع الشاهد.

٣١٨

فإن قلت : «لو» لا تدخل إلا على فعل ، و «أنتم» ليس بمرفوع بالابتداء ، ولكن ب «تملك» مضمرا ، وحينئذ فلا فرق بين «لو تملكون» وبين «لو أنتم تملكون» لمكان (١) القصد إلى الفعل في الموضعين دون الاسم ؛ وإنما يسوغ هذا الفرق لو ارتفع بالابتداء.

قلت : التقدير وإن كان على ذلك ، إلا أنه لمّا كان تمثيلا لا يتكلم به ، ينزّل الاسم في الظاهر منزلة الشيء تقدم لأنه أهمّ ، بدليل «لو ذات سوار لطمتني» (٢) ، في ظهور قصدهم (٣) إلى الاسم ، لكنه أهمّ فيما ساقه المثل لأجله.

وكذا قوله [تعالى] : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ [فَأَجِرْهُ]) (٤) (التوبة : ٦) ، وإن كان «أحد» مرفوعا بفعل (٥) مضمر في التقدير.

وأما في الثالث ، ففيه ما في الثاني مع زيادة التأكيد الذي تعطيه «أنّ» وفيه إشعار بأن زيدا كان حقه أن يجيء ، وأنه بتركه المجيء قد أغفل حظه. فتأمل هذه الفروق ، وقس عليها نظائر التراكيب في القرآن العزيز ، فإنها لا تخرج عن واحد من الثلاثة.

الثالثة : الأكثر في جوابها المثبت ، اللام المفتوحة ؛ للدلالة على أنّ ما دخلت عليه هو اللازم (٦) لما دخلت عليه «لو» ، قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا) (الأنبياء : ٢٢) ، ففي اللام إشعار بأن الثانية لازمة للأولى.

وقوله [تعالى] : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) (الواقعة : ٦٥) ويجوز حذفها : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ [أُجاجاً]) (٧) (الواقعة : ٧٠).

الرابعة : يجوز حذف جوابها للعلم به ، وللتعظيم ، كقوله تعالى : (٧) [(لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) (هود : ٨٠) ، وقوله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (الرعد : ٣١) ، وهو كثير ، سبق في باب الحذف على ما فيه من البحث ، وأما قوله :] (٧) (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) (لقمان : ٢٧) فيحتمل أن يكون جواب «لو» محذوفا والتقدير لنفدت هذه الأشياء ، وما

__________________

(١) في المخطوطة (لأن القصد).

(٢) هو مثل ذكره أبو عبيد في كتابه «فصل المقال» ص ٣٨١.

(٣) في المخطوطة (في ظهور قولهم إلى الاسم لكونه).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (بعد فعل).

(٦) في المخطوطة (هو الجواب لما دخلت عليه لو).

(٧) ليست في المخطوطة.

٣١٩

نفدت كلمات الله ، وأن يكون (ما نَفِدَتْ) هو الجواب مبالغة في نفي النفاد ؛ لأنه إذا كان نفي النفاد لازما على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلاما والبحر مدادا كان لزومه على تقدير عدمها أولى.

وقيل : تقدر هي وجوابها ظاهرا ، كقوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ [بِما خَلَقَ) (المؤمنون : ٩١) ، تقديره : ولو كان معه آلهة إذا لذهب كل إله] (١). وقوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت : ٤٨) ، [٣١٢ / ب] أي ولو يكون وخططت ، إذن لارتاب [المبطلون] (٢).

(الوجه الثاني) (٣) : من أوجه «لو» أن تكون شرطية ، وعلامتها أن يصلح موضعها «إنّ» المكسورة ، وإنما أقيمت مقامها ، لأنّ في كل واحدة منهما معنى الشرط ، وهي مثلها فيليها المستقبل ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) (الأحزاب : ٥٢) ، (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا) (يس : ٦٦).

وإن كان ماضيا لفظا صرفه للاستقبال ، كقوله : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة : ٣٣).

ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (يوسف : ١٧) ، وقوله : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ) (النساء : ٩) ، (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) (آل عمران : ٩١) ، ونظائره.

قالوا : ولو لا أنها بمعنى الشرط لما اقتضت جوابا ؛ لأنه لا بدّ لها من جواب ظاهر أو مضمر ، وقد قال المبرّد في «الكامل» (٤) : «إن تأويله عند أهل اللغة : لا يقبل منه أن يفتدى به وهو مقيم على الكفر ، ولا يقبل إن افتدى به».

قالوا : وجوابها يكون ماضيا لفظا كما سبق ، وقوله [تعالى] : (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) (فاطر : ١٤) ، ومعنى ؛ ويكون باللام غالبا ، نحو : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) (البقرة : ٢٠).

وقد يحذف نحو : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) (الواقعة : ٧٠) ، ولا يحذف غالبا إلا في صلة ، نحو : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا ...) (النساء : ٩) ، الآية.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) تقدم الوجه الأول من وجوه (لو) الخمسة في ٤ / ٣١٠.

(٤) انظر قوله في «الكامل» ١ / ٣٦١.

٣٢٠