البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

(مسألة): وتأتي «كلّ» صفة ، ذكره سيبويه في باب النّعت (١) قال : ومن الصفة أنت الرّجل كلّ الرجل ؛ ومررت بالرجل كلّ الرجل.

قال الصّفّار (٢) : هذا يكون عند قصد التأكيد والمبالغة ، فإن قولك : «الرجل» معناه الكامل ، ومعنى «كلّ الرجل» أي هو الرجل ، لعظمته قد قام مقام الجنس ، كما تقول : أكلت شاة كل شاة وإليه أشار بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّ الصّيد في جوف الفرا» (٣) أي [أن] (٤) من صاده فقد صاد جميع الصّيد لقيامه مقامه لعظمته ، قال : وهذا إنما يجوز إذا سبقها ما فيه رائحة الصفة كما ذكرنا ، فلو كان جامدا لم يجز ، نحو : مررت بعبد الله ، كل الرجل ، لا يفهم من «عبد الله» شيء.

٥٣ ـ كلا وكلتا

هما توكيد الاثنين ؛ وفيهما معنى الإحاطة ؛ ولهذا قال [الشيخ] (٥) الراغب (٦) : هي في التثنية ككلّ في الجمع ، ومفرد اللفظ مثنى المعنى ؛ عبّر عنه مرة بلفظه ، ومرّة بلفظ الاثنين ، اعتبارا بمعناه ؛ قال تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) (الإسراء : ٢٣).

قلت : لا خلاف أن معناها التثنية. واختلف في لفظها ، فقال البصريون : مفرد ، وقال الكوفيون : تثنية.

والصحيح الأول ؛ بدليل عود الضمير إليها مفردا في قوله : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) (الكهف : ٣٣) فالإخبار عن «كلتا» بالمفرد دليل على أنها مفرد ؛ إذ (٧) لو كان مثنى لقال : «آتتا» ، ودليل إضافتها (٨) إلى المثنى في قوله : (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) (الإسراء : ٢٣) ، ولو كان

__________________

(١) في الكشاف ٢ / ١٢ ـ ١٣ ، (باب مجرى نعت المعرفة عليها).

(٢) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٣) ذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» ص ٥١٥ الحديث ٨٢٦ من رواية نصر بن عاصم الليثي وعزاه للرامهرمزي في الأمثال ، وقال : (ونحوه عند ابن عساكر).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) انظر المفردات في غريب القرآن.

(٧) في المخطوطة (فلو) بدل (إذ لو).

(٨) في المخطوطة (وبإضافتها) بدل (ودليل إضافتها).

٢٨١

مثنى لم يجز إضافته إلى التثنية ؛ لأنه لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه. والفصيح مراعاة اللفظ ؛ لأنّه الذي ورد به القرآن ؛ فيقال : كلا الرجلين خرج ، وكلتا المرأتين حضرت.

وقد نازع بعض المتأخرين وقال : ليس معناه التثنية على الإطلاق كما ذكره النحاة ، ولو كان كذلك لكثرت مراعاة [٣٠٥ / أ] المعنى ؛ كما كثرت مراعاته في «من» و «ما» الموصولتين ؛ لكنّ أكثر ما جاء في لسان العرب عود الضمير مفردا [كقوله تعالى] (١) : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) (الكهف : ٣٣) ، وما جاء فيه مراعاة المعنى في غاية القلة.

قال : فالصواب أن معناها مفرد صالح لكلّ من الأمرين المضاف إليهما. وأما [مجيء] (١) مراعاة التثنية فيه فعلى سبيل التوسّع ؛ ووجه التوسّع أن كل فرد في جانب الثبوت معه غيره ؛ فجاءت التثنية بهذا الاعتبار ؛ فالإفراد فيه مراعاة المعنى واللفظ ، والتثنية مراعاة المعنى من بعض الوجوه.

(فائدة): وقع في شعر أبي تمام (٢) «كلا الآفاق» ، وخطّأه المعرّي ؛ لأن «كلا» يستعمل في الاثنين (٣) لا الجمع.

قال : ولم يأت في المسموع : كلا القوم ، ولا كلا الأصحاب ؛ وإنما (٤) يقال : كلا الرجلين ونحوه ؛ فإن أخذ من الكلأ ؛ من قولك : كلأت الشيء إذا رعيته وحفظته ، فالمعنى يصحّ ؛ إلاّ أن المتكلم يقصر ؛ وهي ممدودة.

٥٤ ـ كم

نكرة لا تتعرّف ؛ لأنها مبهمة في العدد ، ك «أين» في الأمكنة ، و «متى» في الأزمنة ، و «كيف» في الأحوال.

وقول سيبويه (٥) : كم أرضك جريبا (٦)؟ : «كم» مبتدأ ، و «أرضك» مبنيّ عليه ؛ مجاز ليس بحقيقة ؛ وإنما «أرضك» مبتدأ ، و «كم» الخبر ، مثل كيف زيد؟.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) هو حبيب بن أوس تقدم التعريف به في ٣ / ١٨٧.

(٣) في المخطوطة (للاثنين).

(٤) في المخطوطة (وان).

(٥) في الكتاب ٢ / ١٦٠ (باب كم) بتصرف.

(٦) عبارة سيبويه (كم جريبا أرضك).

٢٨٢

وهي قسمان :

استفهامية تحتاج إلى جواب ؛ بمعنى : أيّ عدد (١)؟ ، فينصب ما بعدها ، (٢) [نحو : كم رجلا ضربت؟ وخبرية لا تحتاج إلى جواب ؛ بمعنى : عدد كثير ، فيجرّ ما بعدها] (٢) ؛ نحو : كم عبد (٣) ملكت.

وقد تدخل عليها [«من»] (٤) ، كقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) (الأعراف : ٤) ، (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) (الأنبياء : ١١).

وليست الاستفهامية أصلا للخبرية ؛ خلافا للزمخشري (٥) حيث ادّعى ذلك في سورة «يس» عند الكلام على : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا) (الآية : ٣١).

ولم تستعمل الخبرية غالبا إلاّ في مقام الافتخار والمباهاة ؛ لأن معناها التكثير ؛ ولهذا ميزت بما يميز العدد الكثير ، وهو مائة وألف ؛ فكما أن «مائة» تميّز بواحد مجرور ، فكذلك «كم».

واعلم أن «كم» مفردة اللفظ ، ومعناها الجمع ؛ فيجوز في ضميرها الأمران بالاعتبارين ، قال تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ) (النجم : ٢٦) ، ثم قال : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) (النجم : ٢٦) ، فأتى به جمعا. [وقال] (٦) : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) (الأعراف : ٤) ، ثم قال : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (الأعراف : ٤).

٥٥ ـ كيف

استفهام عن حال الشيء لا عن ذاته ؛ كما أن «ما» سؤال عن حقيقته ، و «من» عن مشخصاته ؛ ولهذا لا يجوز أن يقال في «الله» «كيف».

وهي مع ذلك منزّلة منزلة الظرف ؛ فإذا قلت : كيف زيد؟ كان «زيد» مبتدأ ، و «كيف» في محلّ الخبر ، والتقدير : على أيّ حال زيد؟

هذا أصلها في الوضع ؛ لكن قد تعرض لها معان تفهم من سياق الكلام ، أو من قرينة الحال ؛ مثل معنى التنبيه والاعتبار وغيرهما.

__________________

(١) في المخطوطة (عددت).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (عبدا).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في الكشاف ٣ / ٢٨٥.

(٦) ليست في المخطوطة.

٢٨٣

وقال بعضهم : لها ثلاثة أوجه :

أحدها : سؤال محض عن حال ؛ نحو كيف زيد؟

وثانيها : حال لا سؤال معه ، كقولك : لأكرمنّك كيف أنت ، أي على [أي] (١) حال كنت.

وثالثها : معنى التعجّب [المردود للخلق] (٢).

وعلى هذين تفسير قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (البقرة : ٢٨). قال الراغب (٣) في «تفسيره» : كيف هنا استخبار لا استفهام ؛ والفرق بينهما أن الاستخبار قد يكون تنبيها للمخاطب وتوبيخا ؛ ولا يقتضي عدم المستخبر ، والاستفهام بخلاف ذلك.

وقال في «المفردات» (٤) : كلّ ما أخبر الله بلفظ «كيف» عن نفسه فهو إخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو توبيخ ؛ نحو : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) (البقرة : ٢٨).

(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً) (آل عمران : ٨٦). (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) (التوبة : ٧). (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) (الإسراء : ٤٨) ، (الفرقان : ٩) ، (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (العنكبوت : ٢٠). (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (العنكبوت : ١٩).

وقال غيره : قد تأتي للنّفي والإنكار ، كقوله : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ [وَعِنْدَ رَسُولِهِ]) (٥) (التوبة : ٧). (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا [بَعْدَ إِيمانِهِمْ]) (٥) (آل عمران : ٨٦).

ولتضمّنها معنى الجحد [شاع] (٥) أن يقع بعدها «إلاّ» (٦) ، كقوله : (إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) (التوبة : ٧).

وللتوبيخ ، كقوله : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) (آل عمران : ١٠١) ، (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً [فَأَحْياكُمْ]) (٥) (البقرة : ٢٨).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) هو الحسين بن محمد الأصفهاني تقدم التعريف به في ١ / ٢١٨ ، وبكتابه في ٢ / ٢٠٤.

(٤) المفردات في غريب القرآن : ٤٤٤ مادة (كيف).

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٦) العبارة في المخطوطة («ألا» المفتوحة في قوله).

٢٨٤

وللتحذير ، كقوله : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) (النمل : ٥١).

وللتنبيه والاعتبار ؛ كقوله [٣٠٥ / ب] : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١) (الإسراء : ٢١).

وللتأكيد وتحقيق ما قبلها ؛ كقوله [تعالى] : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) (البقرة : ٢٥٩) ، وقوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) (النساء : ٤١) ، فإنه توكيد لما تقدّم [من خبر] (٢) وتحقيق لما بعده ؛ على تأويل : إن الله (٣) لا يظلم الناس شيئا (٣) في الدنيا فكيف في الآخرة! وللتعظيم والتهويل : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) (النساء : ٤١) ، أي فكيف حالهم إذا جئنا! وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الله بن عمرو : «كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس» (٤)! وقيل : وتجيء مصدرا ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) (الفرقان : ٤٥) ، (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (الروم : ٥٠).

وتأتي ظرفا في قول سيبويه (٥) ؛ وهي عنده في قوله [تعالى] : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) (البقرة : ٢٨) ، (آل عمران : ١٠١) منصوبة على التشبيه بالظرف ، أي في حال تكفرون.

وعلى الحال عند الأخفش (٦) ، أي على حال تكفرون.

وجعل منه بعضهم قوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [وَجِئْنا]) (٧) (النساء : ٤١) ؛ فإن شئت قدرت بعدها اسما ، وجعلتها خبرا ، أي كيف صنعكم أو حالكم؟ وإن شئت قدرت بعدها فعلا ، تقديره : كيف تصنعون؟

وأثبت بعضهم لها الشرط ؛ كقوله تعالى : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) (المائدة : ٦٤) ،

__________________

(١) تكررت بعدها في المخطوطة الآية (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (لا يظلم مثقال ذرة).

(٤) قطعة من حديث أوله «يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت ...» أخرجه البخاري في الصحيح ٢ / ٥٦٥ ، كتاب الصلاة (٨) ، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره (٨٨) ، الحديث (٤٨٠).

(٥) في الكتاب ١ / ٤٠٩ ، باب ما ينتصب من الأماكن والوقت.

(٦) هو سعيد بن مسعدة تقدم التعريف به في ١ / ١٣٤. وقد ذكر قوله ابن هشام في المغني ١ / ٢٠٦ ، (كيف).

(٧) ليست في المطبوعة.

٢٨٥

(يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) (آل عمران : ٦) ، (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) (الروم : ٤٨) وجوابه في ذلك محذوف ؛ لدلالة ما قبلها.

ومراد هذا القائل ، الشرط المعنويّ ؛ وهو إنّما يفيد الربط فقط ؛ أي ربط جملة بأخرى كأداة الشرط ، لا اللفظيّ ، وإلا لجزم الفعل.

وعن الكوفيين أنها تجزم ، نحو : كيف تكن أكن وقد يحذف الفعل بعدها ، قال تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) (التوبة : ٨) أي كيف توالونهم!

٥٦ ـ اللام

قسمان : إمّا أن تكون عاملة ، أو غير عاملة.

القسم الأول

غير العاملة

وتجيء لعشرة معان : معرّفة ، ودالة على البعد ، ومخفّفة ، (١) [وفارقة ، ومحققة] (١) وموجبة ، ومؤكدة ، ومتمّمة ، وموجّهة ، ومسبوقة ، والمؤذنة ، [والموطئة] (٢).

فالمعرّفة : التي معها ألف الوصل ، عند من يجعل المعرّفة اللام وحدها ، وينسب لسيبويه. وذهب الخليل (٣) إلى أنه ثنائيّ ، وهمزته همزة قطع ، وصلت لكثرة الاستعمال.

وتنقسم المعرّفة إلى عهدية واستغراقية ، وقد سبقا في قاعدة التنكير والتعريف. وزاد قوم طلب الصّلة ، وجعل منه : (رَكِبا فِي السَّفِينَةِ) (الكهف : ٧١) ، (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) (يوسف : ١٧).

وللإضمار ، (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) (النازعات : ٣٩) ، ولا خلاف أن الإضمار

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة. (والمخففة والفارقة) اسمان لقسم واحد كما ذكره الزركشي وسيأتي.

(٢) ساقطة من المخطوطة (والمؤذنة والموطئة) اسمان لقسم واحد كما ذكره الزركشي وسيأتي.

(٣) انظر قول الخليل وسيبويه في الكتاب ٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٥ ، باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد ، وفي ٤ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ، باب ما يتقدم أول الحروف وهي زائدة ...

٢٨٦

بعدها مراد ؛ وإنما اختلفوا في تقديره ؛ فعند الكوفيين : «هي مأواه» ، وعند البصريين : هي المأوى له.

واللام في التعريف مرققة إلا في اسم الله فيجب (١) [تفخيمها ؛ إذا كان قبلها ضمة أو فتحة ، وهي في الأسماء تفخيم الجرس ، وفي المعنى توقير المسمّى وتعظيمه ، سبحانه] (١).

والدالة على البعد الداخلة على أسماء الإشارة ؛ إعلاما بالبعد أو توكيدا له ، على الخلاف [فيه] (٢).

والمخفّفة التي يجوز معها تخفيف «إنّ» المشدّدة ؛ نحو : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (الطارق : ٤). وتسمّى لام الابتداء ، والفارقة ؛ لأنها تفرق بينها وبين إن النافية.

والمحققة (٣) هي التي تحقق الخبر مع المبتدأ (٤) ؛ كقوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) (الشورى : ٤٣) ، (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (التوبة : ١٢٨).

والموجبة : بمعنى «إلاّ» عند الكوفيين ، كقوله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (يس : ٣٢) ، (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (الزخرف : ٣٥) أي ، ما كلّ ، فجعلوا : «إن» بمعنى «ما» [واللام] (٥) بمعنى «إلاّ» في الإيجاب.

وقرأ (٦) الكسائي : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (إبراهيم : ٤٦) بالرفع والمراد : «وما كان مكرهم إلا لتزول منه».

والمؤكدة ؛ وهي الزائدة أول الكلام ؛ وتقع في موضعين :

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (المخففة).

(٤) في المخطوطة (المسند).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) قرأ الكسائي (لتزول منه) بفتح اللام الأولى ورفع الثانية والباقون بكسر الأولى ونصب الثانية.

٢٨٧

أحدهما : المبتدأ ، وتسمّى لام الابتداء ؛ فيؤذن بأنّه المحكوم [عليه] (١) ؛ قال تعالى (٢) : [٣٠٦ / أ] (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) (التوبة : ١٠٨) ، (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُ) (يوسف : ٨) (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) (الحشر : ١٣).

ثانيهما : في باب «إن» ، على اسمها إذا تأخر [نحو] (٣) : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) (النازعات : ٢٦).

وعلى خبرها ، نحو : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (الفجر : ١٤) ، (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ) (هود : ٧٥) ، (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) (البروج : ١٢).

ف «إنّ» في هذا توكيد لما يليها ؛ واللام لتوكيد الخبر ، وكذا في «أنّ» المفتوحة ، كقراءة (٤) سعيد (إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ [الطَّعامَ]) (٣) (الفرقان : ٢٠) ، بفتح الهمزة ؛ فإنه ألغى اللام ؛ لأنها لا تدخل إلاّ على «إنّ» المكسورة ، أو على ما يتّصل بالخبر إذا تقدّم عليه ؛ نحو : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر : ٧٢) ، فإن تقديره : «ليعمهون في سكرتهم».

واختلف في اللام في قوله : [(لَمَنْ ضَرُّهُ)] (٥) (الحج : ١٣) ؛ فقيل هي مؤخّرة ، والمعنى : يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه.

وجاز تقديمها وإيلاؤها المفعول ؛ لأنها لام التوكيد واليمين ؛ فحقها أن تقع صدر الكلام.

واعترض بأن اللام في صلة «من» فتقدّمها على الموصول ممتنع. وأجاب الزمخشري بأنها حرف لا يفيد غير التوكيد ؛ وليست بعاملة ، ك «من» المؤكدة ، في نحو : ما جاءني من أحد ، دخولها وخروجها سواء ؛ ولهذا جاز تقديمها.

ويجوز ألا تكون هنا موصولة ، بل نكرة ، ولهذا قال الكسائيّ : اللام في غير موضعها (٦) ؛

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (كقوله).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٠ ، سورة (الفرقان) الآية (٢٠).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (موضوعها).

٢٨٨

و «من» في موضع نصب ب «يدعو» ، والتقدير : «يدعو من ضرّه أقرب من نفعه» ، أي (١) يدعو إلها ضرّه أقرب (١) من نفعه.

قال المبرد : يدعو في موضع الحال ، والمعنيّ في ذلك هو الضلال البعيد في حال دعائه إياه ، وقوله : (لَمَنْ) مستأنف مرفوع بالابتداء ، وقوله : (ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) (الحج : ١٣) في صلته ، و (لَبِئْسَ الْمَوْلى) (الحج : ١٣) خبره.

وهذا يستقيم لو كان في موضع «يدعو» ، «يدعى» (٢) ، لكن مجيئه بصيغة فعل الفاعل ، وليس فيه ضميره يبعده.

والمتممة ، كقوله تعالى : (إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) (الإسراء : ٤٢) ، (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ [وَضِعْفَ الْمَماتِ]) (٣) (الإسراء : ٧٥) ؛ فاللام هنا لتتميم الكلام قال الزمخشري (٤) : «إذن» دالة على أن ما بعدها (٥) جواب (٦) [وجزاء. والموجّهة ، في جواب] (٦) «لو لا» كقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ) (الإسراء : ٧٤) فاللام في (لَقَدْ) توجّه للتثبيت.

(٧) [وسماها ابن الحاجب (٨) مؤذنة «لأن» ، ليؤذن بأن ما دخلت عليه هو اللازم لما دخل عليه الأول نحو «إن جئتني لأكرمتك» فاللام مؤذنة بالدخول عليه اللازم المجيء] (٧).

__________________

(١) العبارة في المخطوطة (أي لما ضرّه أقرب).

(٢) في المخطوطة (بدعاء).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) انظر كتابه المفصّل : ٣٢٣ (فصل وإذن جواب وجزاء). والكشاف ٢ / ٣٦٢ و ٣٧٠ ، سورة الإسراء الآية ٤٢ ـ ٧٥.

(٥) في المخطوطة (بعد هذا).

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٨) هو عثمان بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

٢٨٩

والمسبوقة في جواب «لو» ؛ كقوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) (الواقعة : ٦٥) ؛ أي تفيد تأخره لأشدّ العقوبة ؛ كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً [كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ]) (١) (يونس : ٢٤) وهذا بخلاف قوله : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) (الواقعة : ٧٠) بغير لام ؛ فإنّه يفيد التعجيل ، أي جعلناه أجاجا لوقته.

والمؤذنة : الداخلة على أداة الشرط بعد تقدم القسم لفظا أو تقديرا ، لتؤذن أن الجواب له ، لا للشرط ، أو للإيذان بأن ما بعدها مبنيّ على قسم قبلها. وتسمّى الموطئة (٢) ؛ لأنها وطّأت الجواب للقسم ، أي مهّدته.

وقول المعربين : إنّها موطئة للقسم فيه تجوّز ؛ وإنما هي موطّئة لجوابه ، كقوله : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) (الحشر : ١٢) ، وليست جوابا للقسم ؛ وإنّما الجواب ما يأتي بعد الشرط. ويجمع هذه الأربعة المتأخرة ؛ قولك : لام الجواب.

وقد اجتمعا في قوله تعالى : (كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً) (العلق : ١٥) ، فاللام في «لئن» مؤذنة [بالقسم] (٣) ، وقوله : (لَنَسْفَعاً) جواب القسم المقدر ؛ تقديره : والله لنسفعن.

ومن جواب القسم قوله (٤) : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) (البقرة : ٨٧ والقصص : ٤٣). وزعم الشيخ أثير الدين (٥) في «تفسيره» أنها لام التوكيد [٣٠٦ / ب] ؛ وليس كما قال ؛ وقد قال الواحدي (٦) في «البسيط» : إنها لام القسم ، ولا يجوز أن تكون لام ابتداء ؛ لأن لام الابتداء لا تلحق إلاّ الأسماء ، وما يكون بمنزلتها كالمضارع.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (الشرطية).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة زيادة (مُوسى بِالْبَيِّناتِ) (البقرة : ٩٢).

(٥) انظر البحر المحيط ١ / ٢٤٥ عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ ...) (البقرة : ٦٥).

(٦) هو علي بن أحمد الواحدي تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ١٠٥.

٢٩٠

القسم الثاني (١)

العاملة

وهي على ثلاثة أقسام : جارّة ، وناصبة ، وجازمة.

الأولى : الجارّة ، وتأتي لمعان : للملك الحقيقيّ ؛ كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) (الأعراف : ١٢٨) ، (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) (البقرة : ١٠٧) ، (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الفتح : ٤).

والتمليك ، نحو وهبت لزيد دينارا ؛ ومنه (٣) : (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) (مريم : ٥٠).

والاختصاص ، ومعناها أنها تدلّ على أن بين الأول والثاني نسبة باعتبار ما دلّ عليه متعلّقه ؛ نحو : هذا صديق لزيد ، وأخ له (٤) [ونحو (إِنَّ لَهُ أَباً) (يوسف : ٧٨) ، كان لنا منه جدة] (٤) ؛ ومنه : الجنّة للمؤمنين.

وللتخصيص ، ومنه : (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) (الأحزاب : ٥٠).

وللاستحقاق ، كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (المطففين : ١) ، (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد : ٢٥).

والفرق بينه وبين الملك ؛ أن الملك لما [قد] (٤) حصل وثبت ، وهذا لما لم يحصل بعد ؛ لكن هو في حكم الحاصل ، من حيث ما قد استحقّ. قاله الراغب (٥).

وللولاية ، كقوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الروم : ٤).

ويجوز أن تجمع هذه الثلاثة ، كقولك : الحمد لله ؛ لأنه يستحق الحمد ، ووليه ، والمخصوص به ؛ فكأنه يقول : الحمد لي وإليّ.

__________________

(١) من أقسام (اللاّم).

(٢) الآية في المخطوطة (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (آل عمران : ١٨٩).

(٣) في المخطوطة (نحو).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٥) انظر كتابه مفردات القرآن : ٤٥٩. مادة (لام).

٢٩١

وللتعليل ؛ وهي التي يصلح موضعها «من أجل» ، كقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات : ٨) ؛ أي من أجل حبّ الخير (١).

وقوله [تعالى] : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (قريش : ١) ، وهي متعلقة بقوله : (فَلْيَعْبُدُوا) (قريش : ٣) أو بقوله : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ [مَأْكُولٍ]) (٢) (الفيل : ٥) ؛ ولهذا كانتا في مصحف أبيّ سورة واحدة (٣) ، وضعّف بأن جعلهم كعصف [مأكول] (٢) ؛ إنما هو لكفرهم (٤) وتجرّئهم على البيت.

وقيل : متعلّق بمحذوف ، أي «اعجبوا».

وقوله [تعالى] : (سُقْناهُ لِبَلَدٍ [مَيِّتٍ]) (٢) (الأعراف : ٥٧) ، أي لأجل بلد ميت ؛ بدليل : (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) (الأعراف : ٥٧) ، هذا قول الزمخشري (٥) ؛ وهو أولى من قول غيره إنها بمعنى «إلى» وقوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (النساء : ١٠٥) ؛ أي لا تخاصم الناس لأجل الخائنين.

قال الراغب (٦) : ومعناه كمعنى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) (النساء : ١٠٧) وليست كالتي في قولك : لا تكن لله خصيما ، لدخولها على المفعول ؛ أي لا تكن خصيم الله.

وبمعنى «إلى» كقوله [تعالى] : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) (الرعد : ٢) بدليل قوله : (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (إبراهيم : ١٠).

وقوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (الأنعام : ٢٨). (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) (الأعراف : ٤٣). (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) (آل عمران : ١٩٣).

وقوله : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (الزلزلة : ٥) ، بدليل : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)

__________________

(١) في المخطوطة (حبّه) بدل (حب الخير).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ذكر ذلك ابن هشام في المغني ١ / ٢٠٩.

(٤) في المخطوطة (للكفر).

(٥) في الكشاف ١ / ٦٦. الآية ٥٧ من سورة الأعراف.

(٦) انظر كتابه مفردات القرآن : ٤٥٩ مادة (لام).

٢٩٢

(النحل : ٦٨) وزيّفه الراغب (١) لأنّ الوحي للنحل ، جعل ذلك له بالتّسخير (٢) والإلهام ، وليس كالوحي الموحى إلى الأنبياء ؛ فاللام على جعل ذلك الشيء له بالتّسخير».

وبمعنى «على» ، نحو : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) (الإسراء : ١٠٩). (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (الصافات : ١٠٣). وقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (الإسراء : ٧) ؛ أي فعليها ؛ لأن السيئة على الإنسان لا له ؛ بدليل قوله تعالى : (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) (هود : ٣٥) ، وقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) (فصلت : ٤٦) ، وقوله : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (البقرة : ١٩٦) ، أي [على] (٣) من لم يكن. وقوله : (لَهُمُ اللَّعْنَةُ [وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ]) (٤) (الرعد : ٢٥).

وبمعنى «في» كقوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (الأنبياء : ٤٧) ، (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (الفجر : ٢٤).

(لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ) (الأعراف : ١٨٧).

وبمعنى «بعد» ، [نحو] (٥) : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (الإسراء : ٧٨). وقال ابن أبان (٦) : الظاهر أنها للتعليل.

وبمعنى «عن» مع القول ، كقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) (٧) [لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا] (٧) (الأحقاف : ١١) أي عن الذين آمنوا ، وليس المعنى خطابهم [٣٠٧ / أ] بذلك ، وإلا لقيل : «سبقتمونا». وقيل لام التعليل ، وقيل للتبليغ ، والتفت عن الخطاب إلى الغيبة.

وكقوله : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) (الأعراف : ٣٨) ، وأما قوله : (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) (الأعراف : ٣٩) ؛ فاللام للتبليغ ؛ كذلك قسمها [ابن مالك] (٤) ، كقوله تعالى : ([قالَ] (٨) أَلَمْ أَقُلْ لَكَ) (الكهف : ٧٥).

__________________

(١) انظر المفردات : ٤٥٩ مادة (اللام).

(٢) في المطبوعة (للتسخير) وما أثبتناه من المفردات والمخطوطة.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) هو أحمد بن أبان اللغوي تقدم التعريف به في ١ / ٣٩٤.

(٧) الآية بين الحاصرتين ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المطبوعة. وانظر قوله في المغني ١ / ٢١٣.

٢٩٣

وغيره يسمّيها لام التبليغ ، فإن عرف من غاب عن القول حقيقة أو حكما ، فللتعليل نحو : (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا) (آل عمران : ١٥٦) ، (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) (هود : ٣١).

وذكر ابن مالك وغيره ضابطا في اللام المتعلقة بالقول ؛ وهو [أنه] (١) إن دخلت على مخاطبة القائل ؛ فهي لتعدية القول للمقول له ، نحو : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (النساء : ٨) (٢) [فإن دخلت على غير المخاطب القائل فهي للتعليل كقوله تعالى] (٢). (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا) (آل عمران : ١٥٦). وقوله : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا) (آل عمران : ١٦٨) ، وقوله : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) (النحل : ١١٦). وقوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً* [إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ]) (٣) (الكهف : ٢٣ ـ ٢٤) وهو كثير.

وبمعنى «أن» المفتوحة الساكنة. قاله الهرويّ (٤) : وجعل منه : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) (الصف : ٨). (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) (النساء : ٢٦). (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (الأنعام : ٧١). وهذه اللام لا تكون إلا بعد «أردت» ، و «أمرت» ، وذلك لأنّهما يطلبان المستقبل ، ولا يصلحان في الماضي ، فلهذا جعل معهما بمعنى «أن» ؛ وبذلك صرح صاحب «الكشاف» (٥) في تفسير سورة الصفّ ، فقال : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) (الآية : ٨) ، كما جاء في سورة براءة.

وللتعدية ، وهي التي تعدى العامل إذا عجز ، نحو : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (يوسف : ٤٣) ، فاللام فيه للتعدية ؛ لأن الفعل يضعف بتقديم المفعول عليه.

وسمّاها ابن الأنباريّ : آلة الفعل ، وذكر أنّ البصريّين يسمّونها لام الإضافة ، كقوله تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) (لقمان : ١٤) ، (أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) (٦) (هود : ٣٤).

وقال الراغب (٧) : «التعدية ضربان : تارة لتقوية الفعل ، ولا يجوز حذفه ، نحو : (وَتَلَّهُ

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٣) الآية بين الحاصرتين ليست في المخطوطة.

(٤) هو علي بن محمد الهروي صاحب كتاب «الأزهية» ، تقدم التعريف به في ٤ / ٢١٦.

(٥) في الكشاف ٤ / ٩٤.

(٦) الآية في المخطوطة (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) (الأعراف : ٧).

(٧) في المفردات : ٤٥٩ ، مادة (لام) ، مع تصرف بالعبارة.

٢٩٤

لِلْجَبِينِ) (الصافات : ١٠٣) ، وتارة يحذف (١) ، نحو : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) (النساء : ٢٦) ، (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ [يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً]) (٢) (الأنعام : ١٢٥) ، فأثبت في موضع وحذف في موضع». انتهى.

وللتبيين [أي متعلقة بمحذوف استوفى للتبيين] (٢) ؛ كقوله تعالى : (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) (يوسف : ٢٣) ؛ أي أقبل وتعال أقول لك.

وذكر ابن الأنباريّ أنّ اللام المكسورة تجيء جوابا للقسم ، كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ) (النجم : ٣١) ، والمعنى (٣) «ليجزينّ» ، بفتح اللام والتوكيد بالنون ، فلما حذف النون أقام المكسورة مقام المفتوحة. وهذا ضعيف ، وذكر مثله عن أبي حاتم (٤). ويحتمل أن يكون قبلها فعل مقدّر ؛ أي آمنوا ليجزي.

الثاني : الناصبة على قول الكوفيين في موضعين : لام كي ، [ولام الجحود] (٥).

ولام الجحود هي الواقعة بعد الجحد ؛ أي النفي ؛ كقوله [تعالى] : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران : ١٧٩) ، (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) (الأنفال : ٣٣) ؛ (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) (النساء : ١٦٨).

وضابطها أنها لو سقطت تمّ الكلام بدونها ؛ وإنما ذكرت توكيدا لنفي الكون ؛ بخلاف لام كي.

قال الزّجّاج : اللام في قوله : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا [إِلَى اللهِ زُلْفى]) (٦) (الزمر : ٣) ، لام كي ، لأن لام الجحود إذا سقطت لم يختلّ الكلام ؛ ولو سقطت اللام من الآية بطل المعنى. ولأنه [يجوز] (٧) إظهار «أن» بعد لام «كي» ، ولا يجوز بعد لام الجحود ؛ لأنها في

__________________

(١) في المخطوطة (وتارة قد يحذف).

(٢) ما بين الحاصرتين ليست في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (وإن المعنى).

(٤) هو سهل بن محمد السجستاني تقدم التعريف به في ١ / ٣٠٩.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

٢٩٥

كلامهم نفي للفعل المستقبل ؛ فالسين بإزائها ، فلم يظهر بعدها ما لا يكون بعدها ، كقوله [تعالى] : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (الأنفال : ٣٣) ، فجاء بلام الجحد حيث كانت نفيا لأمر متوقع مخوف في المستقبل ، ثم قال [تعالى] : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال : ٣٣) فجاء باسم الفاعل الذي لا يختصّ بزمان ؛ حيث أراد نفي [وقوع] (١) العذاب بالمستغفرين [٣٠٧ / ب] على العموم في الأحوال.

ومثله : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى) (هود : ١١٧) ، ثم قال : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى) (القصص : ٥٩).

ومثال لام «كي» و «كي» مضمرة معها ، قوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً) (الكهف : ٢) ، [وقوله] (١) : (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) (الفرقان : ٣٢) ، (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) (يوسف : ٢٤) ، (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ) (النحل : ٣٩) ، وقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ) (البقرة : ١٤٣) ، يريد : «كي تكونوا». وقوله : (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) (يونس : ٩٢).

وقد تجيء معها «كي» نحو : (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) (النحل : ٧٠) ، (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) (الأحزاب : ٣٧) ، (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) (٢) (آل عمران : ١٥٣).

وربّما جاءت «كي» بلا لام ، كقوله : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ) (الحشر : ٧) وفي معناه لام الصّيرورة ، كقوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (القصص : ٨) ، (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : ٥٦).

وتسمّى لام العاقبة ؛ فإنّ (٣) من المعلوم أنهم (٣) [لم يلتقطوه] (٤) لذلك ؛ بل لضدّه ، بدليل قوله : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) (القصص : ٩).

وحكى ابن قتيبة (٥) عن بعضهم أنّ علامتها جواز تقدير الفاء موضعها ؛ وهو يقتضي أنّها

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) الآية في المخطوطة (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) (الحديد : ٢٣).

(٣) عبارة المخطوطة (المعلوم من أنهم).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) هو عبد الله بن مسلم تقدم التعريف به في ١ / ١٦٠.

٢٩٦

لام التعليل ؛ لكن الفرق بينها وبين لام التعليل التي في نحو قوله : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) (الفرقان : ٤٩) ، أن لام التعليل تدخل على ما هو غرض لفاعل الفعل ، ويكون مرتبا على الفعل وليس في لام الصيرورة إلا الترتب فقط.

وقال الزمخشري (١) في تفسير سورة المدّثر : «أفادت اللام نفس العلّة والسبب ، ولا يجب في العلّة أن تكون غرضا ؛ ألا ترى إلى قولك : خرجت من البلد مخافة الشرّ ، فقد جعلت المخافة علّة لخروجك ، وما هي بغرضك».

ونقل ابن فورك (٢) عن الأشعريّ : أن كلّ لام نسبها الله إلى نفسه ؛ فهي للعاقبة والصّيرورة دون التعليل ؛ لاستحالة الغرض» (٣).

واستشكله الشيخ عز الدين (٤) بقوله : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) (الحشر : ٧) ، وقوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ [ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ]) (٥) (الفتح : ١ ـ ٢) [قال :] (٥) فقد صرّح فيه بالتعليل ، ولا مانع من ذلك ؛ إذ هو على وجه التفضل.

وأقول : ما جعلوه للعاقبة هو راجع للتعليل ؛ فإن التقاطهم (٦) أفضى إلى عداوته ؛ وذلك يوجب صدق الإخبار بكون الالتقاط للعداوة ؛ لأنّ ما أفضى إلى الشيء يكون علّة ، وليس من شرطه أن يكون نصب العلّة صادرا عمّن نسب الفعل إليه لفظا ؛ بل جاز أن يكون ذلك راجعا إلى من ينسب الفعل إليه خلقا ؛ كما تقول : جاء الغيث لإخراج الأزهار ، وطلعت الشمس لإنضاج الثمار ، فإنّ الفعل يضاف إلى الشمس والغيث (٧) [وجاعلها علتي معلولها خالقها وخالق الفعل المنسوب إليها] (٧).

كذلك التقاط آل فرعون موسى ؛ فإنّ الله [تعالى] (٥) قدّره لحكمته ، وجعله علّة لعداوته ، لإفضائه إليه بواسطة حفظه وصيانته ؛ كما في مجيء الغيث بالنسبة إلى إخراج الأزهار. وإليه

__________________

(١) في الكشاف ٤ / ١٦٠ ، عند تفسير قوله تعالى (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً ...) الآية : ٣١.

(٢) هو محمد بن الحسن تقدم التعريف به في ١ / ٣٢٤.

(٣) جاء في المخطوطة زيادة عبارة بعد هذا الموضع ونصّها : (فكان المخبر في لام الصيرورة إلا الترتيب فقط ، وقال فقلت هذا بعدها إلا انه غرض لي).

(٤) هو عبد العزيز بن عبد السلام تقدم التعريف به في ١ / ١٣٢.

(٥) ما بين الحاصرتين ليست في المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (التخاصم).

(٧) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

٢٩٧

يشير [قول] (١) الزمخشريّ (٢) أيضا : التحقيق أنها لام العلة (٣) ، وأنّ التعليل بها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة ؛ لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط كونه لهم عدوّا وحزنا ؛ بل المحبّة والتبنّي ، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته ؛ شبّه بالدّاعي الذي يفعل [الفاعل] (٤) الفعل لأجله ، فاللام مستعارة لما يشبه التعليل.

وقال ابن خالويه (٥) في كتاب «المبتدأ» في النحو : «فأمّا قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ) (القصص : ٨) ، فهي لام «كي» عند الكوفيين ، ولام الصيرورة عند البصريين ، والتقدير : فصار عاقبة أمرهم إلى ذلك ؛ لأنهم لم يلتقطوه لكي يكون (٦) عدوا». انتهى.

وجوّز [٣٠٨ / أ] ابن الدهّان (٧) في الآية وجها غريبا : على التقديم والتأخير ، أي فالتقط آل فرعون ، و (عَدُوًّا وَحَزَناً) حال من الهاء [في] (٨) : (لِيَكُونَ لَهُمْ) : أي ليتملّكوه.

قال : ويجوز أن يكون التقدير : فالتقطه آل فرعون ؛ لكراهة أن يكون لهم عدوّا وحزنا [أي يروه غير مستفيد لهم] (٩).

وأما قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) (الفتح : ٢) ، فحكى الهرويّ (١٠) عن أبي حاتم (١١) أن اللام جواب القسم ، والمعنى : ليغفرنّ الله لك ؛ فلما حذفت النون كسرت اللام ، وإعمالها إعمال «كي» ؛ وليس المعنى : فتحنا لك لكي يغفر الله لك ، فلم يكن الفتح سببا للمغفرة.

قال : وأنكره ثعلب ، وقال : هي لام «كي» ، ومعناه : لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة ، فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع ، حسن معه «كي».

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في الكشاف ٣ / ١٥٧ ـ ١٥٨. الآية (٨) من سورة القصص.

(٣) في المخطوطة (التعليل).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) هو الحسين بن خالويه تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٣٦٩.

(٦) في المخطوطة (يدعون).

(٧) هو سعيد بن المبارك تقدم التعريف به في ٢ / ٤٩٢.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) العبارة ساقطة من المطبوعة.

(١٠) هو علي بن محمد الهروي تقدم التعريف به في ٤ / ٢١٦.

(١١) هو سهل بن محمد السجستاني تقدم التعريف به في ١ / ٣٠٩.

٢٩٨

وكذلك قوله [تعالى] : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة : ١٢١).

وأما قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) (يونس : ٨٨) ، فقال الفرّاء (١) لام كي.

وقال قطرب (٢) والأخفش : لم يؤتوا المال ليضلّوا ، ولكن لما كان عاقبة أمرهم الضلال كانوا كأنهم أوتوها ، لذلك فهي لام العاقبة.

هذا كلّه على مذهب (٣) الكوفيين ، وأمّا البصريون فالنصب عندهم [بعدها] (٤) بإضمار «أن» ، وهما جارتان للمصدر ، واللام الجارّة هي لام الإضافة.

واعلم أن الناصبة للمضارع تجيء لأسباب :

منها القصد والإرادة ؛ إما في الإثبات ، نحو : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى [وَمَنْ حَوْلَها]) (٤) (الأنعام : ٩٢) ، أو النفي [نحو] (٥) : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ) (البقرة : ١٤٣) ، فهو على تقدير حذف المضاف ؛ أي لنعلم ملائكتنا وأولياءنا.

ويجوز أن يكون تعالى خاطب الخلق بما يشاكل طريقتهم في معرفة البواطن والظواهر على قدر فهم المخاطب.

وقد تقع موقع «أن» ، وإن كانت غير معلولة لها في المعنى ، وذلك إن كان الكلام متضمّنا لمعنى القصد والإرادة [نحو : (وَأُمِرْنا] (٦) لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (الأنعام : ٧١) ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها) (التوبة : ٥٥) ومنها العاقبة على ما سبق.

الثالث : الجازمة ؛ وهي الموضوعة للطلب ، وتسمّى لام الأمر ، وتدخل على المضارع لتؤذن أنه مطلوب للمتكلم ؛ وشرطها أن يكون الفعل لغير [الفاعل] (٧) المخاطب (٧) [نحو : ليضرب عمرو ولنضرب ، ولأضرب أنا إلا في لغة قليلة يدخلونها على الفعل ، وإن كان الفاعل المخاطب] (٧) ، فيقولون : لتضرب أنت ، ومنه قراءة بعضهم : فبذلك فلتفرحوا (يونس : ٥٨).

__________________

(١) انظر كتابه معاني القرآن ١ / ٤٧٧.

(٢) هو محمد بن المستنير تقدم التعريف به في ٢ / ٣٧٦.

(٣) في المخطوطة (قول).

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ساقطة من المطبوعة.

٢٩٩

ووصفها أن تكون مكسورة إذا ابتدئ بها ، نحو : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ [مِنْ سَعَتِهِ]) (١) (الطلاق : ٧) (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) (النور : ٥٨).

وتسكن بعد الواو والفاء ، نحو : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) (البقرة : ١٨٦).

(فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف : ٢٩).

ويجوز الوجهان بعد «ثم» ، كقوله تعالى : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج : ٢٩) ، قرئ في السبع (٢) بتسكين (لْيَقْضُوا) وبتحريكه (٣).

وتجيء لمعان : منها : التكليف ، كقوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) (الطلاق : ٧).

[والتكلف] (٤) ومنها أمر المكلّف نفسه ؛ كقوله تعالى : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) (العنكبوت : ١٢). والابتهال ، وهو الدعاء ، نحو : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) (الزخرف : ٧٧) ، والتهديد نحو : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف : ٢٩) ، والخبر ، نحو : ([قُلْ] مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (٤) (مريم : ٧٥) ، أي يمدّ. ويحتمله : (وَلْنَحْمِلْ) (العنكبوت : ١٢) ، أي ونحمل.

ويجوز حذفها ورفع الفعل ، ومنه قوله : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (الصف : ١١) ، ويدلّ على أنّه للطلب ، قوله تعالى بعد : (يَغْفِرْ لَكُمْ) (الصف : ١٢) مجزوما ؛ (٥) [فلو لا أنّه طلب لم يصحّ الجزم ، لأنه ليس ثمّ وجه سواه] (٥).

٥٧ ـ لا

[على ستة أوجه :

أحدها : أن تكون للنفي ، و] (٦) تدخل على الأسماء والأفعال فالداخلة على الأسماء تكون عاملة [وغير عاملة] (٦). فالعاملة قسمان :

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (بالسبع) ، وانظر التيسير : ١٥٦.

(٣) في المخطوطة (أو تحريكه).

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٦) ليست في المخطوطة.

٣٠٠