البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

(الأعراف : ١٨٢) ، بالكسر تحتملها. وتحتمل [لفظ] (١) البناء على الكسر. وقد ذكروا الوجهين في قراءة (٢) : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (الأنعام : ١٢٤) بفتح الثاء. والمشهور أنها ظرف لا يتصرف.

وجوز الفارسيّ (٣) وغيره في هذه الآية كونها مفعولا به على السعة ، قالوا : ولا تكون ظرفا ، لأنه تعالى لا يكون في مكان أعلم منه في مكان. وإذا كانت مفعولا لم يعمل فيها «أعلم» لأن «أعلم» ؛ لا يعمل في المفعول به ، فيقدر لها فعل. واختار الشيخ أثير الدين (٤) أنها باقية على ظرفيتها مجازا. وفيه نظر.

٣٢ ـ دون (٥)

نقيض «فوق» ، ولها معان (٦) :

أحدها (٧) : من ظروف المكان المبهم (٨) ؛ لاحتمالها الجهات الستّ. وقيل : هي ظرف يدلّ على السّفل في المكان أو المنزلة ، كقولك (٩) : زيد دون عمرو.

وقال سيبويه (١٠) : وأما «دون» فتقصير عن الغاية. قال الصّفّار (١١) : لا يريد الغاية على الإطلاق ، بل الغاية التي تكون بعدها ، فإذا قلت : أنا دونك في العلم ، معناه : أنا مقصّر عنك ، وهو ظرف مكان متجوّز فيه ، أي أنا في موضع [٢٩٧ / أ] من العلم لا يبلغ موضعك. ونظيره : فلان فوقك في العلم.

الثاني : اسم ، نحو : (مِنْ دُونِهِ) (النساء : ١١٧). الثالث : صفة ، نحو : هذا الشيء دون ، أي رديء ، فيجري بوجوه الإعراب.

وقد تكون صفة لا بمعنى رديء ، ولكن على معناه من الظرفيّة ؛ نحو : رأيت رجلا دونك.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٤ / ٢١٦.

(٣) ذكر قوله ابن هشام في المغني ١ / ١٣١.

(٤) انظر البحر المحيط ٤ / ٢١٦.

(٥) في المخطوطة (تحت).

(٦) في المخطوطة (معنيان).

(٧) في المخطوطة (أحدهما).

(٨) في المخطوطة (المبهمة).

(٩) في المخطوطة (كقوله).

(١٠) في الكتاب ٤ / ٢٣٤.

(١١) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

٢٤١

ثم قد يحذف هذا الموصوف وتقام الصفة مقامه ؛ وحينئذ فللعرب فيه لغتان : أحدهما : إعرابها كإعراب الموصول وجريها بوجوه الإعراب ، والثانية : إبقاؤها على أصلها من الظرفية ، وعليها جاء قوله [تعالى] : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) (الجن : ١١) ، قرئ بالرفع والنصب. وقال الزمخشريّ (١) : معناه : «أدنى» مكان من الشيء.

ومنه الدّون للحقير ، ويستعمل للتفاوت في الحال ، نحو : زيد دون عمرو ، أي في الشرف والعلم ، واتسع فيه ، فاستعمل في تجاوز حدّ إلى حدّ ، نحو قوله تعالى : (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (النساء : ١٤٤) ، أي لا يتجاوزون ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين.

وقيل : إنه مشتق من «دون» فعل ، يقال : دان يدون دونا ، وأدين إدانة ؛ والمعنى على الحقارة والتقريب. وهذا دون ذلك ، أي قريب منه ودوّن الكتب إذا جمعها ؛ لأن جمع الأشياء إدناء بعضها من بعض وتقليل المسافة بينها ، ودونك هذا ، أصله خذه من دونك ، أي من أدنى [مكان] (٢) منك فاختصر.

٣٣ ـ ذو وذات

بمعنى صاحب ، ومنه قوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) (البروج : ١٥) ، وقوله : (ذَواتا أَفْنانٍ) (الرحمن : ٤٨). ولا يستعمل إلا مضافا ، ولا يضاف إلى صفة ، ولا إلى ضمير.

وإنما وضعت وصلة إلى وصف الأشخاص بالأجناس ، كما أن «الذي» وضعت وصلة (٣) إلى وصل المعارف بالجمل ، وسبب ذلك أن الوصف إنما يراد به التوضيح والتخصيص ، والأجناس أعمّ من الأشخاص فلا يتصور تخصيصها لها ؛ فإنك إذا قلت : مررت برجل علم ، أو مال أو فضل ؛ ونحوه لم يعقل ؛ ما لم يقصد به المبالغة ؛ فإذا قلت : بذي [علم] (٤) ، صحّ (٥) الوصف ، وأفاد التخصيص (٥) ؛ ولذلك كانت الصفة تابعة للموصوف في إعرابه ومعناه.

__________________

(١) انظر قوله في كتابه «اساس البلاغة» ص ١٣٩ مادة «دون».

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (وصلته).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) عبارة المخطوطة (صحيح الوصف والتخصيص).

٢٤٢

وأما قراءة ابن مسعود (١) : وفوق كلّ ذي عالم عليم (يوسف : ٧٦) ، فقيل : «العالم» هنا مصدر ، كالصالح والباطل ، وكأنه قال : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ) (يوسف : ٧٦) ؛ فالقراءتان في المعنى سواء. وقيل : «ذي» زائدة. وقيل : من إضافة المسمّى إلى الاسم ، [أي] (٢) وفوق كل ذي شخص يسمى عالما ، أو يقال له عالم عليم. ولا يضاف إلى ضمير الأشخاص ، ولهذا لحنوا قول بعضهم : «صلى الله على محمد وذويه».

واختلفوا هل تضاف «ذو» إلى ضمير الأجناس ، فمنعه الأكثرون. والظاهر الجواز ؛ لأن ضمير الجنس هو الجنس في المعنى. (٣) [كقوله إنما يعرف الفضل من الناس ذووه] (٣).

وعن ابن برّي (٤) أنها تضاف إلى ما يضاف إليه صاحب ، لأنها [رديفته] (٥) ؛ وأنّه لا يمتنع إضافتها للضمير إلا إذا كانت وصلة ، وإلا فلا يمتنع (٦).

وقال المطرّزي (٧) في «المغرب» : «ذو بمعنى الصاحب تقتضي شيئين : موصوفا ومضافا إليه ؛ تقول : جاءني رجل ذو مال ، بالواو في الرفع ، وبالألف في النصب ، وبالياء في الجرّ ، ومنه : ذو بطن خارجة ، أي جنينها ، وألقت الدجاجة ذا بطنها (٨) ، أي باضت أو سلحت. وتقول للمؤنث : امرأة ذات مال ، وللبنتين ذواتا مال ، وللجماعة ذوات مال.

قال : هذا أصل الكلمة ، ثم اقتطعوا عنها مقتضاها ؛ وأجروها مجرى الأسماء التّامة المستقلة ، غير المقتضية لما سواها ، فقالوا : ذات متميزة ، وذات قديمة ومحدثة ، ونسبوا إليها كما هي من غير تغيير علامة [٢٩٧ / ب] التأنيث ، فقالوا : الصفات الذاتية (٩) ، واستعملوها استعمال النفس والشيء. وعن أبي سعيد ـ يعني السيرافي (١٠) ـ [في] (١١) كلّ شيء ذات ، وكل

__________________

(١) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٥ / ٣٣٣.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٤) هو عبد الله بن برّي تقدم التعريف به في ٤ / ١١١.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة زيادة بعدها وهي (كالبيت السابق).

(٧) هو ناصر بن أبي المكارم تقدم التعريف به في : ٤ / ١٢٤ وانظر قوله في كتابه : ١٧٨ (الذال مع الواو).

(٨) في المخطوطة (بيضها).

(٩) في المخطوطة (الدانية).

(١٠) هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان تقدم التعريف به في ١ / ٤١٤.

(١١) ساقطة من المطبوعة.

٢٤٣

ذات شيء. وحكى صاحب (١) «التكملة» قول العرب : جعل ما بيننا في ذاته ، وعليه قول أبي تمام (٢) :

ويضرب في ذات الإله فيوجع (٢)

قال شيخنا ـ يعني الزمخشري : إن صح هذا ، فالكلمة عربية ، وقد استمر المتكلمون في استعمالها ، وأما قوله [تعالى] : (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (هود : ٥) ، وقوله : «فلان قليل ذات اليد» ، فمن الأول. والمعنى الإملاك (٣) ، لمصاحبة اليد. وقولهم : «أصلح الله ذات بينه» ، و «ذو اليد أحق». انتهى.

وقال السّهيليّ (٤) : «والإضافة ل «ذي» أشرف من الإضافة لصاحب ، لأن : قولك : «ذو» يضاف إلى التابع ، و «صاحب» يضاف إلى المتبوع ، تقول : أبو هريرة صاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا تقول : النبيّ صاحب أبي هريرة إلا على جهة ما ، وأما (٥) «ذو» فإنك تقول فيها : ذو المال ، وذو العرش ، فتجد الاسم [للاسم] (٦) الأوّل متبوعا غير تابع ، ولذلك سمّيت أقيال (٧) حمير بالأذواء ، نحو قولهم : ذو جدن (٨) ، وذو (٩) يزن ، [وذو عمرو] (١٠) ، وفي (١١) الإسلام أيضا : ذو

__________________

(١) هو الحسن بن محمد الصغاني تقدم التعريف به في ١ / ١٩٩ ، وكتابه ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ٢ / ١٠٧٢ وقال : «وألف الإمام الصغاني «التكملة على الصحاح» وهي أكبر حجما من الصحاح» انتهى بتصرف ، وقد طبع الكتاب باسم «التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية» في القاهرة مط. دار الكتب العربية في الأعوام ١٣٩٠ ـ ١٣٩٩ ه‍ ـ / ١٩٧٠ ـ ١٩٧٩ م ٦ مج حقق الأول والرابع عبد العليم الطحاوي ، والثاني والخامس إبراهيم الأبياري ، والثالث والسادس محمد أبو الفضل إبراهيم (ذخائر التراث العربي ٢ / ٦٤١).

(٢) هو حبيب بن أوس الطائي تقدم التعريف به في ٣ / ١٨٧. والبيت في ديوانه : ١٦٨ طبعة دار صعب بيروت من قصيدة له يمدح بها محمد بن يوسف. وصدره :

يقول فيسمع ويمشي فيسرع

(٣) في المخطوطة والمطبوعة (الإقلال) وتصويبه من المغرب : ١٧٨.

(٤) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي تقدم في ١ / ٢٤٢ ، وانظر قوله في التعريف والإعلام : ١١٣ ، ١١٤ ، سورة الأنبياء ، مع تصرف وتقديم وتأخير.

(٥) في المخطوطة (فأرادوا).

(٦) زيادة على الأصول من التعريف والاعلام لصحة العبارة.

(٧) : القيل : الملك من ملوك حمير يتقيّل من قبله من ملوكهم وجمعه أقيال وقيول. (لسان العرب ١١ / ٥٨٠) مادة (قيل).

(٨) في المخطوطة (ذو الخدود).

(٩) في المطبوعة (ذو).

(١٠) ساقطة من المطبوعة.

(١١) في المطبوعة (في).

٢٤٤

العين ، وذو الشهادتين ، وذو السّماكين ، وذو اليدين ؛ هذا كله تفخيم للشيء ، وليس ذلك في لفظة «صاحب» ، وبنى على هذا الفرق أنه سبحانه قال في سورة الأنبياء : (وَذَا النُّونِ) (الآية : ٨٧) ، فأضافه إلى «النون» وهو الحوت ، وقال في سورة القلم : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (الآية : ٤٨) ، قال : والمعنى واحد ، لكن بين اللفظين تفاوت كبير في حسن الإشارة إلى الحالتين ، وتنزيل الكلام في الموضعين ، فإنه [حين] (١) ذكر في موضع الثناء عليه (ذَا) (٢) النُّونِ ولم يقل صاحب النون ، لأن الإضافة ب «ذي» أشرف من صاحب ، ولفظ النون أشرف من الحوت ، لوجود هذا الاسم في حروف الهجاء أوائل السور ، وليس في اللفظ الآخر ما يشرفه لذلك. فالتفت إلى تنزيل الكلام في الآيتين يلح لك ما أشرنا إليه في هذا الغرض ؛ فإن التدبّر لإعجاز القرآن واجب ومفترض».

وقوله تعالى : (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) (الأنفال : ١) أي الحال بينكم ، وأزيلوا المشاجرة. وتكون للإرادة والنية ، كقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران : ١٥٤) ، أي السرائر.

٣٤ ـ رويد

تصغير «رود» ، وهو المهل ، قال تعالى : (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق : ١٧) ، أي قليلا.

قال ابن قتيبة (٣) : وإذا لم يتقدمها «أمهلهم» ؛ كانت بمعنى «مهلا» ولا يتكلم بها إلا مصغرا مأمورا بها.

٣٥ ـ ربّما

لا يكون الفعل بعدها إلا ماضيا ؛ لأن [دخول] (٤) «ما» لا يزيلها عن موضعها في اللغة ، فأما قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (الحجر : ٢) ، فقيل على إضمار (٥) «كان» ،

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المطبوعة (ذو).

(٣) هو عبد الله بن مسلم تقدم التعريف به في ١ / ١٦٠. وانظر قوله في تأويل مشكل القرآن : ٥٩٩ مادة (رويدا).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (احتمال).

٢٤٥

تقديره «ربما كان يود الذين كفروا» (١).

٣٦ ـ السين

حرف استقبال. قيل : وتأتي للاستمرار ، كقوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) (النساء : ٩١).

وقوله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) (البقرة : ١٤٢) ؛ لأن ذلك إنما نزل بعد قولهم : (ما وَلاَّهُمْ) ، فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال.

قال الزمخشري (٢) : «أفادت السين وجود الرحمة لا محالة ، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد إذا قلت : سأنتقم منك».

ومثله قول سيبويه (٣) في قوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ [وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]) (٤) (البقرة : ١٣٧) : معنى السين أن ذلك كائن لا محالة ، وإن تأخرت إلى حين.

وقال الطيبي (٥) : مراد الزمخشري أن السين في الإثبات مقابلة «إن» في النفي ؛ وهذا مردود [٢٩٨ / أ] ؛ لأنه لو أراد ذلك لم يقل : السين توكيد للوعد ، بل كانت حينئذ توكيدا للموعود به ، كما أن «لو» تفيد تأكيد النفي بها.

وتأتي زائدة ، كقوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) (الإسراء : ٥٢) ، أي تجيبون. وقوله : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) (الشورى : ٢٦).

٣٧ ـ سوف

حرف يدل على التأخير والتنفيس ، وزمانه أبعد من زمان السين ؛ لما فيها من إرادة التسويف. ومنه (٦) قيل : فلان يسوّف فلانا ، قال تعالى : (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (الزخرف :

__________________

(١) في المخطوطة زيادة عبارة (ومعنى حكاية الحال أن يحكى ما لم يقع فإنه الآن واقع أو ما وقع كأنه الآن واقع كقوله تعالى : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) (القصص : ١٥) أي كان حالهما لما وجد هذه الحالة.

(٢) انظر قوله في كتابه الكشاف ٢ / ١٦٤. سورة براءة الآية (٧١) ، وذكر قوله ابن هشام في المغني ١ / ١٣٨.

(٣) الكتاب ١ / ٣٥ بتصرف ، وانظر الكشاف ١ / ٩٧. عند تفسير الآية.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) هو الحسن بن محمد بن عبد الله الطيبي تقدم التعريف به في ٣ / ٢٨.

(٦) في المخطوطة (فصل).

٢٤٦

٤٤). وقال : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ) (البقرة : ١٤٢) ، فقرّب القول.

وممن صرح بالتفاوت بينهما الزمخشري (١) وابن الخشاب (٢) في «شرح الجمل» ، وابن يعيش (٣) وابن أبان (٤) وابن بابشاذ (٥) ، وابن عصفور (٦) وغيرهم.

ومنع ابن مالك (٧) كون التراخي في «سوف» أكثر ، بأن الماضي والمستقبل (٨) [متقابلان ، والماضي لا يقصد به إلا مطلق المضيّ دون تعرض لقرب الزمان أو بعده ، فكذا المستقبل] (٨) ، ليجري المتقابلان على سنن واحد ، ولأنهما قد استعملا في الوقت الواحد ، وقال تعالى في سورة : «عمّ» (٩) (كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) (النبأ : ٤ ـ ٥) ، وفي سورة التكاثر : (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (الآية : ٣ ـ ٤) وقوله : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء : ١٤٦) (١٠) [وفي موضع آخر (سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) (النساء : ١٥٢)] (١٠) قلت : ولا بدّ من دليل على أن قوله تعالى : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ) (النساء : ١٤٦) ، وقوله : (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) (النساء : ١٧٥) معبّرا به عن معنى واحد.

ولمانع أن يمنعه مستندا إلى أن الله تعالى وعد المؤمنين أحوال خير في الدنيا والآخرة ، فجاز أن يكون ما قرن بالسين لما في الدنيا ، وما قرن بسوف لما في الآخرة ، ولا يخفى خروج قوله : (كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) (النبأ : ٤) ، وقوله : (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (التكاثر : ٣) عن دعواه ؛ لأن الوعد والوعيد مع «سوف» لا إسكان (١١) فيه ، ومع السين للمبالغة وقصد تقريب الوقوع ، بخلاف سيقوم زيد ، وسوف يقوم ؛ مما القصد فيه الإخبار المجرد.

__________________

(١) انظر المفصّل : ٣١٧. حروف الاستقبال.

(٢) هو عبد الله بن أحمد تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣. وكتابه ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٦٠٢ وهو شرح كتاب «الجمل في النحو» للجرجاني.

(٣) هو يعيش بن علي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٩٧. وانظر كتابه شرح المفصّل ٨ / ١٤٨ حروف الاستقبال.

(٤) هو أحمد بن أبان بن السيد تقدم التعريف به في ١ / ٣٩٤.

(٥) هو طاهر بن أحمد تقدم التعريف به في ٣ / ٢٨.

(٦) هو علي بن مؤمن الإشبيلي تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٧) هو محمد بن عبد الله بن مالك تقدم التعريف به في ١ / ٣٨١.

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٩) زيادة في المطبوعة كلمة (يتساءلون).

(١٠) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(١١) في المخطوطة (إشكال).

٢٤٧

وفرق ابن بابشاذ أيضا بينهما ، بأن «سوف» تستعمل كثيرا في الوعيد والتهديد ، وقد تستعمل في الوعد. مثال الوعيد : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان : ٤٢) ، و (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (١) (التكاثر : ٤).

وأمثالها في الوعد : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (الضحى : ٥) فأمّا قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة : ٥٤) ، لتضمّنه الوعد والوعيد جميعا ، فالوعد لأجل المؤمنين المحبين ، والوعيد لما تضمنت من جواب المرتدين بكونهم أعزّة عليهم وعلى جميع الكافرين.

والأكثر في السين الوعد ، وتأتي للوعيد. مثال الوعد : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (مريم : ٩٦). ومثال الوعيد : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء : ٢٢٧).

٣٨ ـ على

للاستعلاء حقيقة ، نحو (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) (المؤمنون : ٢٢). أو مجازا ، نحو : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) (الشعراء : ١٤). (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (البقرة : ٢٥٣).

وأما قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان : ٥٨) ، فهي بمعنى الإضافة والإسناد ، أي أضفت توكلي وأسندته إلى الله تعالى ؛ لا إلى الاستعلاء ؛ فإنها لا تفيده هاهنا.

وللمصاحبة ، كقوله [تعالى] : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) (البقرة : ١٧٧). (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (الرعد : ٦). وتأتي للتعليل ، نحو : (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) (الحج : ٣٧) أي لهدايته إياكم.

قال بعضهم : وإذا ذكرت النعمة في الغالب مع الحمد لم تقترن ب «على» ، نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (الأنعام : ١) (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (فاطر : ١) ، وإذا أريدت النعمة أتي ب «على» ، ففي الحديث : «كان إذا رأى ما

__________________

(١) في المطبوعة (كلا سيعلمون).

٢٤٨

يكره قال : الحمد لله على كل حال» (١) ، ثم أورد هذه الآية. وأجاب بأن العلو هنا رفع الصوت بالتكبير.

وتجيء للظرفية ، نحو : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) (القصص : ١٥).

ونحو : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) (البقرة : ١٠٢) ، أي في ملك سليمان ، أو في زمن سليمان ، أي (٢) زمن ملكه.

ويحتمل أن (تَتْلُوا) ضمن معنى [٢٩٨ / ب] «تقول» ، فتكون بمنزلة (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) (الحاقة : ٤٤).

وبمعنى «من» كقوله تعالى : (اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) (المطففين : ٢).

وحمل [عليه] (٣) قوله : (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) (المائدة : ١٠٧) أي منهم.

وقوله : (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (مريم : ٧١) أي كان الورود حتما مقضيا من ربك.

وبمعنى عند [نحو] (٣) (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) (الشعراء : ١٤) ، أي عندي.

والباء ، نحو : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) (الأعراف : ١٠٥) وفي قراءة أبيّ رضي‌الله‌عنه : بالباء (٤).

تنبيه

حيث وردت في حق الله تعالى ؛ فإن كانت في جانب الفضل كان معناه (٥) [تفضل لا لأنه مستحق عليه كقوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام : ٥٤) وقيل معناه القسم ، وفي جانب العدل والوعيد معناه] (٥). الوقوع وتأكيده ، كقوله : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (الرعد : ٤٠) ، وقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (الغاشية : ٢٦).

__________________

(١) قطعة من حديث عن أبي هريرة ، أوّله «كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمدان يعرفان ..» أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٣ / ١٥٧. ترجمة محمد بن المنكدر.

(٢) في المخطوطة (في زمن).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) قراءة شاذة ذكرها ابن خالويه في المختصر : ٤٥.

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

٢٤٩

٣٩ ـ عن

تقتضي مجاوزة ما أضيف إليه نحو غيره وتعدّيه عنه ، تقول : أطعمته عن جوع ، أي أزلت عنه الجوع ، ورميت عن القوس ، أي طرحت السهم عنها. وقولك : أخذت العلم عن فلان ، مجاز ، لأن علمه لم ينتقل عنه ؛ ووجه المجاز أنك لما تلقيته منه صار كالمنتقل إليك عن محلّه ، وكذلك قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) (النور : ٦٣) ، لأنهم إذا خالفوا أمره تعدوا عنه وتجاوزوه.

قال أبو محمد البصري : «عن» تستعمل أعمّ من «على» ، لأنه يستعمل في الجهات الست ، وكذلك وقع موقع «على» في قوله :

إذا رضيت عليّ بنو قشير (١)

ولو قلت : أطعمته على (٢) جوع ، وكسوته على عري ، لم يصح.

وتجيء للبدل ، نحو : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (البقرة : ٤٨).

وللاستعلاء ، نحو : (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) (محمد : ٣٨).

وقوله : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (ص : ٣٢) ، أي قدمته عليه.

وقيل : [بل هي] (٣) على بابها ، أي منصرفا عن ذكر ربّي.

وحكى الرمانيّ (٤) عن أبي عبيدة (٥) أن «أحببت» من أحبّ البعير إحبابا ؛ إذا برك فلم يقم ، ف «عن» متعلقة باعتبار معناه التضمين ، أي تثبطت عن ذكر ربّي ، وعلى هذا ف «حب الخير» ، مفعول لأجله.

__________________

(١) صدر بيت عجزه :

لعمر الله أعجبني رضاها

وقائله هو القحيف العقيلي من قصيدة له يمدح بها حكيم بن المسيب انظر خزانة الأدب ٤ / ٢٤٧ ، وهو من شواهد الخصائص لابن جني ٢ / ٣١١ ، باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض. والمغني لابن هشام ١ / ١٤٣ (على).

(٢) في المطبوعة (من).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) هو علي بن عيسى الرماني تقدم التعريف به في ١ / ١١١.

(٥) هو معمر بن المثنى تقدم التعريف به في ١ / ٣٨٢ ، وانظر قوله في كتابه مجاز القرآن ٢ / ١٨٢ بتصرف.

٢٥٠

وللتعليل ، نحو : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ) (التوبة : ١١٤). (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) (هود : ٥٣).

وبمعنى «بعد» ، نحو : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (المؤمنون : ٤٠). (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (المائدة : ١٣) ، بدليل أن في مكان آخر «من بعد مواضعه». (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (الانشقاق : ١٩).

وبمعنى «من» [نحو] (١) (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (الشورى : ٢٥).

(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) (الأحقاف : ١٦) ، بدليل : (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) (المائدة : ٢٧).

وبمعنى «الباء» نحو : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (النجم : ٣). (١) [وقيل : على حقيقتها ، أي : وما يصدر قوله عن هوى. وقيل : للمجاوزة ؛ لأن نطقه متباعد عن الهوى] (١) ، ومتجاوز عنه.

وفيه نظر ، لأنها إذا كانت بمعنى الباء ، نفي عنه النطق في حال كونه متلبّسا بالهوى ، وهو صحيح ، وإذا كانت على بابها نفي عنه التعلق حال كونه مجاوزا عن الهوى ، فيلزم أن يكون النطق حال كونه متلبسا بالهوى. وهو فاسد.

٤٠ ـ عسى

للترجي في المحبوب ، والإشفاق في المكروه. وقد اجتمعا في قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (البقرة : ٢١٦).

قال ابن فارس (٢) : «وتأتي للقرب والدنوّ ، كقوله تعالى : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) (النمل : ٧٢) ، قال : وقال الكسائيّ : كل ما في القرآن من «عسى» على وجه الخبر

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) هو أحمد بن فارس تقدم التعريف به في ١ / ١٩١ ، وانظر قوله في الصاحبي في فقه اللغة : ١٢٧ ـ ١٢٨.

٢٥١

فهو موحد ، نحو : (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) (الحجرات : ١١) ، (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) (البقرة : ٢١٦) ، ووحّد على «عسى الأمر أن يكون كذا». وما كان على الاستفهام فهو يجمع ، كقوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) (محمد : ٢٢). قال أبو عبيدة (١) معناه : هل عدوتم ذلك؟ هل جزتموه؟».

وروى البيهقي في «سننه» (٢) عن ابن عباس ، قال : «كل «عسى» في القرآن فهي واجبة».

وقال الشافعيّ [رضي‌الله‌عنه] : يقال : عسى من الله واجبة.

وحكى ابن الأنباريّ (٣) عن بعض المفسرين أن «عسى» في جميع القرآن (٤) واجبة ، إلا [٢٩٩ / أ] [في موضعين] (٥) في سورة بني إسرائيل.

(عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) (الإسراء : ٨) ، يعني بني النضير ، فما رحمهم‌الله ، بل قاتلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (٦) [وأوقع عليهم العقوبة.

وفي سورة التحريم : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) (التحريم : ٥) ، ولازمنه حتى قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٦).

وعمّم بعضهم القاعدة ، وأبطل الاستثناء ، لأن تقديره أن يكون على شرط ، أي في وقت من الأوقات ، فلما زال الشرط وانقضى الوقت ، وجب عليكم العذاب ، فعلى هذا لم تخرج عن بابها الذي هو الإيجاب.

وكذلك قوله : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ) (التحريم : ٥) تقديره : واجب أن يبدله أزواجا خيرا منكن ، أي لبت طلاقكن ، ولم يبت طلاقهنّ ، فلا يجب التبديل.

وقال صاحب (٧) «الكشاف» في سورة التحريم : (عَسى رَبُّكُمْ) (٨) (التحريم : ٨) :

__________________

(١) هو معمر بن المثنى تقدم التعريف به في ١ / ٣٨٢ ، وانظر قوله في مجاز القرآن ١ / ٧٧ عند تفسير الآية (٢٤٦) من سورة البقرة.

(٢) أخرجه في السنن الكبرى ٩ / ١٣ ، كتاب السير ، باب ما جاء في عذر المستضعفين ، وأخرج أيضا قول الشافعي الآتي.

(٣) هو محمد بن القاسم تقدم التعريف به في ١ / ٢٩٩. وانظر قوله في الإتقان ٢ / ٢٠٤ (عسى).

(٤) في المخطوطة (كتاب الله).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٧) الكشاف ٤ / ١١٧.

(٨) في المطبوعة هي (ربّه).

٢٥٢

«إطماع من الله تعالى لعباده. وفيه وجهان : أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة ب «لعلّ» وعسى ، ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبتّ. والثاني أن تجيء تعليما للعباد وجوب الترجيح بين الخوف والرجاء».

٤١ ـ عند

ظرف مكان بمعنى «لدن» إلا أن «عند» معربة. وكان القياس بناءها لافتقارها إلى ما تضاف إليه ، ك «لدن» و «إذ» ، ولكن أعربوا «عند» لأنهم توسعوا فيها ، فأوقعوها على ما هو ملك الشخص ، حضره أو غاب عنه ، بخلاف «لدن» فإنه لا يقال : لدن فلان ؛ إلا إذا كان بحضرة القائل ، ف «عند» بهذا الاعتبار أعمّ من «لدن» ؛ ويستأنس له بقوله : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف : ٦٥) ، أي من العلم الخاصّ بنا ، وهو علم الغيب.

وقوله : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) (آل عمران : ٨) ، الظاهر أنها بمعنى «عندك» ؛ وكأنها أعمّ من «لدن» لما ذكرنا ، فهي أعمّ «من بين يدي» ؛ لاختصاص هذه بجهة (١) «أمام» ؛ فإن من حقيقتها الكون من جهتي مسامتة البدن.

وتفيد معنى القرب.

وقد تجيء بمعنى «وراء» و «أمام» ، إذا تضمّنت معنى «قبل» ك «بين يدي الساعة».

وقد تجيء «وراء» بمعنى «لدى» المضمن (٢) معنى «أمام» ؛ كقوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) (الكهف : ٧٩). (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) (إبراهيم : ١٦). (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) (البقرة : ٩١). وقوله : (مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) (الحشر : ١٤) ، يتناول الحالين بالتضايف.

وقد يطلق لتضمنه معنى الطواعية وترك الاختيار مع المخاطب ، كقوله تعالى : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات : ١) ، من النهي عن التقديم ، أو التقدّم على وجه المبادرة بالرأي والقول ، أي لا تقدموا القول ، أو لا تقدموا بالقول بين يدي قول الله. وعلى هذا يكون المعنى بقوله [تعالى] : (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أملأ بالمعنى.

وإذا ثبت أن «عند» و «لدي» (٣) للقرب ، فتارة يكون حقيقيا ، كقوله [تعالى] : (وَلَقَدْ رَآهُ

__________________

(١) في المخطوطة (الجملة).

(٢) في المخطوطة (المضمر).

(٣) في المخطوطة (عندي ولديّ بالقرب).

٢٥٣

نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (النجم : ١٣ إلى ١٥). (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) (يوسف : ٢٥).

وتارة [يكون] (١) مجازيا ، إما قرب المنزلة والزلفى ، كقوله : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران : ١٦٩). (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) (الأعراف : ٢٠٦) [إني أبيت عند ربي] (٢) وعلى هذا قيل : الملائكة المقرّبون.

أو قرب التشريف ، كقوله : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) (التحريم : ١١) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اغفر لي خطئي [وعمدي] (٣) ، وهزلي وجدّي ، كل ذلك عندي» (٤) ، أي في دائرتي ، إشارة لأحوال أمته ؛ وإلا فقد ثبتت له العصمة.

وتارة بمعنى الفضل ؛ ومنه : (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) (القصص : ٢٧) ، أي من فضلك وإحسانك.

وتارة يراد به الحكم ، كقوله [تعالى] : (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) (النور : ١٣). (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (النور : ١٥) أي في حكمه تعالى.

وقوله [تعالى] : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) (الأنفال : ٣٢) أي في حكمك.

وقيل بحذف «عند» في الكلام ؛ وهي مرادة للإيجاز ، كقوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) (البقرة : ١٤٧) ، (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) (البيّنة : ٢). (عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) (مريم : ٤٥) ، أي من عند الرحمن ؛ لظهور : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) (المائدة : ١٥).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة ، ثم هو قطعة من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٢٥٣ ، ولفظه قال : «واصل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنهاهم وقال : «إني لست مثلكم إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني» ، وذكره ابن حجر في فتح الباري ٤ / ٢٠٧ ، كتاب الصوم (٣٠) ، باب التنكيل لمن أكثر الوصال ...

(٤٩) ، فقال : «وقد رواه أحمد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة كلهم ... عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه بلفظ «إني أظلّ عند ربي ...» وأخرجه الإسماعيلي في حديث عائشة رضي‌الله‌عنها أيضا ... بلفظ «أظل عند الله يطعمني ويسقيني» ... ، وعند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من مرسل الحسن بلفظ «أبيت عند ربي».

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) قطعة من حديث أبي موسى الأشعري رضي‌الله‌عنه ، وأوله «أنه كان يدعو اللهم اغفر لي خطيئتي ...». أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ، كتاب الدعوات (٨٠) ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اغفر لي ...» (٦٠) ، الحديث (٦٣٩٨ / ٦٣٩٩) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٨٧ ، كتاب الذكر ... (٤٨) ، باب التعوذ من شرّ ما عمل ... (١٨) ، الحديث (٧٠ / ٢٧١٩).

٢٥٤

وقد تكون «عند» للحضور ، نحو : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) (النمل : ٤٠). وقد يكون [٢٩٩ / ب] الحضور والقرب معنويين ، نحو : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) (النمل : ٤٠). ويجوز : وأنزل عندك.

٤٢ ـ غير

متى [ما] (١) حسن موضعها [«لا»] (١) كانت حالا ، ومتى حسن موضعها «إلا» كانت استثناء.

ويجوز أن تقع صفة لمعرفة ، إذا كان مضافها إلى ضد الموصوف ، بشرط أن يكون له ضدّ واحد ، نحو مررت بالرجل الصادق غير الكاذب ؛ لأنه حينئذ يتعرف.

ومنه قوله تعالى : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة : ٧) ، فإن الغضب ضد النعمة ، والأول هم المؤمنون والثاني هم الكفار.

وأورد عليه قوله تعالى : (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) (فاطر : ٣٧) ، فإنه أضيف إلى الذين كانوا يعملون ، وهو ضد الصالح كأنّه قيل : «الصالح».

وأجيب بأنّ الذين كانوا يعملونه بعض الصالح فلم يتمحّض فيهما.

٤٣ ـ الفاء

ترد عاطفة ، وللسببية ، وجزاء ، وزائدة.

(النوع الأول): العاطفة ، ومعناها التعقيب ، نحو قام زيد فعمرو ؛ أي أنّ قيامه بعده بلا مهلة ، والتعقيب في كل شيء بحسبه ؛ نحو (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) (البقرة : ٣٦).

وأمّا قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) (الأعراف : ٤) ، والبأس في الوجود قبل الهلاك ـ وبها احتجّ الفرّاء (٢) على أنّ ما بعد الفاء [قد] (٣) يكون سابقا ـ ففيه عشرة أوجه :

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) انظر قوله في معاني القرآن ١ / ٣٧١ نقله الزركشي بتصرف.

(٣) ليست في المطبوعة.

٢٥٥

أحدها : أنه حذف السبب وأبقى المسبّب ؛ أي أردنا إهلاكها.

الثاني : أن الهلاك على نوعين : استئصال ، والمعنى : وكم قرية أهلكناها بغير استئصال للجميع ، فجاءها [بأسنا] (١) باستئصال الجميع.

الثالث : أنه لما كان مجيء البأس مجهولا للناس ، والهلاك معلوم لهم ، وذكره عقب الهلاك ، وإن كان سابقا ؛ لأنه لا يتّضح إلا بالهلاك.

الرابع : أن المعنى : قاربنا إهلاكها ؛ فجاءها بأسنا فأهلكناها.

الخامس : أنه على التقديم والتأخير ؛ أي جاءها بأسنا فأهلكناها.

السادس : أن الهلاك ومجيء البأس ، لما تقاربا في المعنى ، جاز تقديم أحدهما على الآخر.

السابع : أن معنى : (فَجاءَها) أنّه لما شوهد الهلاك ، علم مجيء البأس ، وحكم به من باب الاستدلال بوجود الأثر [على المؤثّر] (٢).

الثامن : أنها عاطفة للمفصّل على المجمل ؛ كقوله تعالى : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً) (الواقعة : ٣٥ إلى ٣٧).

التاسع : أنها للترتيب الذّكري.

العاشر : ... (٣).

وتجيء للمهلة [ك «ثمّ»] (٤) ، كقوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) (المؤمنون : ١٤) ؛ ولا شكّ أن بينها وسائط.

وكقوله : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى * فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (الأعلى : ٤ ـ ٥) ، فإنّ بين الإخراج والغثاء وسائط (٥).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) بياض في الأصول.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة زيادة عبارة غير واضحة وهذا ما قرئ منها (فهو من حيث الوسائط يقابل قول الشاعر : صار التزيد في رءوس العيدان).

٢٥٦

وجعل منه ابن مالك قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (الحج : ٦٣). وتؤولت على أنّ «تصبح» معطوف على محذوف تقديره «أتينا به فطال النبت ، فتصبح».

وقيل : بل هي للتعقيب ، والتعقيب على ما بعد في العادة ، تعقيبا لا على سبيل المضايفة ، فربّ سنين بعد الثاني عقب الأول في العادة ؛ وإن كان بينهما أزمان كثيرة ، كقوله [تعالى] : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا). قاله ابن الحاجب (١).

وقيل : بل للتعقيب الحقيقي على بابها ؛ وذلك لأن أسباب الاخضرار عند زمانها ؛ فإذا تكاملت أصبحت مخضرّة بغير مهلة ، والمضارع بمعنى الماضي يصحّ عطفه على الماضي ، وإنما لم ينصب على جواب الاستفهام لوجهين :

أحدهما : أنه بمعنى التقرير ، أي قد رأيت ، فلا يكون له جواب ؛ لأنه خبر.

والثاني : أنّه إنما ينصب ما بعد الفاء ؛ إذا كان الأول سببا له [٣٠٠ / أ] ، [ورؤيته] (٢) لإنزال الماء ليست سببا لاخضرار الأرض ؛ إنما السبب هو إنزال الماء ؛ ولذلك عطف عليه.

وأما قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) (النحل : ٩٨) ، (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (المائدة : ٦) ، فالتقدير : فإذا أردت ؛ فاكتفى بالسبب عن المسبب. ونظيره : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) (٣) (الأعراف : ١٦٠) ، أي فضرب فانفجرت.

وأما قوله : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ (٤) [عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً] (٤)) (المؤمنون : ١٤) ، فقيل : الفاء في (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ) ، (٥) [وفي (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ)] (٥) وفي (فَكَسَوْنَا) بمعنى «ثم» لتراخي معطوفها.

وقال صاحب (٦) «البسيط» : طول المدة وقصرها بالنسبة إلى وقوع الفعل (٧) [فيهما ؛ فإن كان الفعل] (٧) يقتضي زمنا طويلا [طالت] (٧) المهلة وإن كان في التحقيق وجود الثاني

__________________

(١) هو عثمان بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (البحر) وعليه تكون الآية (٦٣) من سورة الشعراء ، وليست موضع الشاهد.

(٤) ما بين الحاصرتين من الآية ليس في المخطوطة.

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٦) هو الحسن بن شرف شاه الأسترآباذي تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٤٦٤.

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٢٥٧

عقيب (١) الأول بلا مهلة ، وإن كان الفعل يقتضي زمنا قصيرا ظهر التعقيب بين الفعلين ؛ فالآية واردة على التقدير الأول (٢) [لأن بين النطفة وبين العلقة ، وبين زمن العلقة وزمن المضغة طولا كما ورد في الخبر (٣) وعند انقضاء زمن الأول يشرع في الثاني بلا مهلة] (٢) ؛ فلا ينافي معنى الفاء.

والحاصل أن المهلة بين الثاني والأول بالنسبة إلى زمن الفعل ؛ (٤) [وأما بالنسبة إلى الفعل] (٤) فوجود الثاني عقب الأول من غير مهلة بينهما ، هذا كله في سورة المؤمنين.

وقال في سورة الحج : (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) (الآية : ٥) فعطف الكل ب «ثم» ، ولهذا قال بعضهم : ثمّ لملاحظة أول (٥) زمن المعطوف عليه ، والفاء لملاحظة آخره ؛ وبهذا يزول سؤال أن المخبر عنه واحد وهو مع أحدهما بالفاء وهي للتعقيب ، وفي (٦) الأخرى بثم وهي للمهلة ، وهما متناقضان.

وقد أورد الشيخ عز الدين (٧) هذا السؤال في قوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزمر : ٧) ، وفي أخرى : (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ) (الأنعام : ٦٠).

وأجاب بأنّ أول ما تحاسب أمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم الأمم بعدهم ، فتحمل الفاء على أول المحاسبين ؛ ويكون من باب نسبة الفعل إلى الجماعة إذا صدر عن بعضهم ؛ كقوله تعالى : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) (آل عمران : ١٨١) ، ويحمل «ثم» على تمام الحساب.

فإن قيل : حساب الأولين متراخ عن البعث ، فكيف يحسن الفاء؟ فيعود السؤال.

__________________

(١) في المخطوطة (عقب).

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٣) إشارة إلى حديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه وأوله «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوما نطفة ...» ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣٠٣ ، كتاب بدء الخلق (٥٩) ، باب ذكر الملائكة (٦) ، الحديث (٣٢٠٨) ، ومسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٣٦) ، كتاب القدر (٤٦) ، باب كيفية الخلق الآدمي ...

(١) ، الحديث ١ / ٢٦٤٣).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) عبارة المخطوطة (لملاحظته الأول).

(٦) في المخطوطة (وهي في).

(٧) هو عبد العزيز بن عبد السلام تقدم التعريف به في ١ / ١٣٢.

٢٥٨

قلنا : نص الفارسيّ (١) في «الإيضاح» على أن «ثمّ» أشد تراخيا من «الفاء» ، فدلّ على أنّ الفاء لها تراخ ، وكذا ذكر غيره من المتقدمين ، ولم يدّع أنّها للتعقيب إلا المتأخرون. انتهى.

وتجيء لتفاوت ما بين رتبتين ؛ كقوله [تعالى] : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا* فَالزَّاجِراتِ زَجْراً* فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) (الصافات : ١ إلى ٣) تحتمل الفاء فيه تفاوت رتبة الصفّ من الزجر ورتبة الزجر من التلاوة ، ويحتمل تفاوت رتبة الجنس الصافّ من رتبة الجنس الزاجر ؛ بالنسبة إلى صفهم وزجرهم ، ورتبة الجنس الزاجر من [الجنس] (٢) التالي بالنسبة إلى زجره وتلاوته.

وقال الزمخشري (٣) : للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال :

أحدها : أنها تدل على ترتيب معانيها في الوجود ، كقوله :

يا لهف زيّابة للحارث (٤) فال

صابح فالغانم فالآئب (٥)

أي الذي أصبح فغنم فآب.

الثاني : [أن] (٦) تدل على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه ؛ نحو قولك : خذ الأكمل فالأفضل ، واعمل الأحسن فالأجمل.

الثالث : أنها تدلّ على ترتيب موصوفاتها ؛ فإنها في ذلك ، نحو «رحم الله المحلّقين فالمقصرين» (٧).

(النوع الثاني): لمجرد السببية والربط ، [نحو] (٦) : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِ) (الكوثر : ١ ـ ٢) ، ولا يجوز أن تكون عاطفة ؛ فإنه لا يعطف الخبر على الإنشاء ، وعكسه عكسها بمجرد العطف فيما سبق ، من نحو : (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (الأعلى : ٥).

__________________

(١) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار تقدم التعريف به في ١ / ٣٧٥. وبكتابه في ١ / ٥٠٤.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ذكر قوله ابن هشام في المغني ١ / ١٦٣ (الفاء).

(٤) في المخطوطة (في الحارث).

(٥) البيت لابن زيّابة ، عمرو بن الحارث بن همام ذكره المرزباني في معجم الشعراء : ٢٠٨ ، وقد شرحه ابن هشام في المغني ١ / ١٦٣ فقال : «البيت لابن زيابة يقول : يا لهف أبي على الحارث إذ صبح قومي بالغارة فغنم فآب سليما أن لا أكون لقيته فقتلته ، وذلك أنه يريد يا لهف نفسي».

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) متفق عليه من رواية عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما ، أخرجه البخاري في الصحيح ٣ / ٥٦١ كتاب الحج (٢٥) ، باب الحلق والتقصير ... (١٢٧) ، الحديث (١٧٢٧) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٢ / ٩٤٥ كتاب

٢٥٩

وقد تأتي لهما ، نحو : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) (القصص : ١٥) ، (فَتَلَقَّى) [٣٠٠ / ب] (آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) (البقرة : ٣٧) ، (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) (الواقعة : ٥٢ إلى ٥٥).

(١) [وقد تجيء في ذلك لمجرد الترتيب كقوله تعالى : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ]) (الذاريات : ٢٦ ـ ٢٧)] (١).

وأما قوله تعالى : (فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (الأعراف : ١٧٥) ، فهذه ثلاث فاءات ، وهذا هو الغالب على الفاء المتوسطة بين الجمل المتعاطفة.

وقال بعضهم : إذا ترتب الجواب بالفاء ، فتارة يتسبب عن الأول ، وتارة يقام مقام ما تسبب عن الأول.

مثال الجاري على طريقة السببية : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (الأعلى : ٦) ، (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ [إِلى حِينٍ]) (٢) (الصافات : ١٤٨) ، (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ) (الأعراف : ٦٤).

ومثال الثاني : (فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً) (الإسراء : ٦٠) ، (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ) (الأحقاف : ٢٦).

(النوع الثالث): الجزائية ، والفاء تلزم في جواب الشرط إذا لم يكن فعلا خبريا ، أعني ماضيا ومضارعا ، فإن كان فعلا خبريا امتنع دخول الفاء ، فيحتاج إلى بيان ثلاثة أمور : العلّة ، وتعاقب الفعل الخبريّ والفاء.

والجواب عن اجتماعهما في قوله تعالى (٣) [(إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ) (يوسف : ٢٦ ـ ٢٧) ومن قوله تعالى] (٣) : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ [وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ]) (٣) (النمل : ٩٠). وقوله : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) (الجن : ١٣). وقراءة حمزة (٤) : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (البقرة : ٢٨٢).

__________________

الحج (١٥) ، باب تفضيل الحلق على التقصير ... (٥٥) ، الحديث (٣١٧ / ١٣٠١) ولكن لفظهما «والمقصرين» بالواو.

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٤) ذكرها الداني في التيسير : ٨٥.

٢٦٠