البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

٢٢ ـ أيّان

في «الكشاف» (١) في آخر سورة الأعراف. قيل اشتقاقه (٢) : من «أيّ» «فعلان» (٣) منه ، لأن معناه ، أيّ وقت ، وأيّ فعل ، من أويت إليه ، لأن البعض آو إلى الكلّ ، متساند (٤) إليه. وهو بعيد. وقيل : أصله : أيّ [أوان] (٥).

وقال السكاكي (٦) : جاء «أيان» بفتح الهمزة وكسرها ، وكسر همزتها يمنع من أن يكون أصلها أيّ أوان (٧) ، كما قال بعضهم ، حذفت الهمزة من أوان (٨)» والياء الثانية من «أيّ «فبعد قلب الواو واللام ياء أدغمت الياء الساكنة [فيها] (٩). وجعلت الكلمتان واحدة.

وهي في الأزمان ، بمنزلة «متى» (١٠) [إلا أن «متى» أشهر منها ، وفي «أيان» تعظيم ولا تستعمل إلا في موضع التفخيم ، بخلاف «متى»] (١٠) قال تعالى : (أَيَّانَ مُرْساها) (الأعراف : ١٨٧) (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل : ٢١) ، (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) (الذاريات : ١٢) ، (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) (القيامة : ٦). و [كذا] (١٢) قال صاحب (١٣) «البسيط» : إنها (١٤) تستعمل في الاستفهام عن الشيء المعظّم أمره.

قال : وسكت الجمهور عن كونها شرطا. وذكر بعض المتأخرين مجيئها ، لدلالتها بمنزلة «متى» ، ولكن لم يسمع ذلك.

__________________

(١) الكشاف ٢ / ١٠٧.

(٢) في المخطوطة (استفهامه).

(٣) في المخطوطة (فعلا زمنه).

(٤) في المخطوطة (متساندا).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) هو يوسف بن محمد السكاكي تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣ وانظر قوله في كتابه مفتاح العلوم : ٣٠٨ الباب الثاني في الاستفهام بتصرف.

(٧) في المخطوطة (أي وأن).

(٨) في المخطوطة (أن).

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(١٢) ساقطة من المخطوطة.

(١٣) هو حسن بن محمد الأسترآباذي تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٤٦٤.

(١٤) في المخطوطة (إنما).

٢٢١

٢٣ ـ إي

حرف جواب بمعنى «نعم» ، كقوله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) (يونس : ٥٣) ، ولا يأتي قبل النهي صلة لها.

٢٤ ـ حرف الباء

أصله للإلصاق ، ومعناه اختلاط الشيء بالشيء ، ويكون حقيقة ، وهو الأكثر ، نحو : «به داء» ، ومجازا ك (١) «مررت به» ، إذ معناه (٢) : جعلت مروري ملصقا بمكان قريب منه ، لا به ، فهو وارد على الاتساع. وقد جعلوا منه قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (المائدة : ٦).

وقد تأتي زائدة : إمّا مع الخبر ؛ نحو : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (الشورى : ٤٠). وإما مع الفاعل ، نحو : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (النساء : ٧٩) ف «الله» فاعل و «شهيدا» نصب على الحال أو التمييز ، والباء زائدة ، ودخلت (٣) لتأكيد الاتصال ، أي لتأكيد شدّة ارتباط الفعل بالفاعل ، لأنّ الفعل يطلب فاعله طلبا لا بدّ منه ، والباء توصل الأول إلى الثاني ، فكأنّ الفعل يصل إلى الفاعل ، وزادته الباء اتصالا.

قال ابن الشجري (٤) : فعلوا ذلك ؛ إيذانا بأن الكفاية من الله ليست كالكفاية من غيره في عظم المنزلة ، فضوعف لفظها ليضاعف (٥) معناها. وقيل : دخلت الباء لتدلّ على المعنى ؛ لأن المعنى : اكتفوا بالله. وقيل : الفاعل مقدر (٦) ، والتقدير كفى الاكتفاء بالله ، فحذف المصدر وبقي معموله دالا عليه. وفيه نظر ، لأن الباء إذا سقطت ارتفع اسم الله على الفاعلية ، كقوله :

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا (٧)

__________________

(١) في المخطوطة (نحو مررت).

(٢) في المخطوطة (ومعناه).

(٣) في المخطوطة (دخلت).

(٤) انظر الأمالي الشجرية : ١٠٢ (التتمة) المجلس الثالث والثمانون. بتصرف.

(٥) في المخطوطة (لتضاعف).

(٦) في المخطوطة (مصدر).

(٧) البيت لسحيم ، عبد بني الحساس ، ذكره ابن الشجري في الأمالي : ١٠٢ (التتمة) ، والبغدادي في الخزانة ١ / ٢٧٣ ، وصدره :

عميرة ودّع إن تجهّزت غاديا

٢٢٢

وإما مع المفعول ، كقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة : ١٩٥). وقوله : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (الممتحنة : ١) ، أي تبذلونها لهم. وقوله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [الَّذِي خَلَقَ]) (١) (العلق : ١).

(٢) [قال الفارسي وهي زائدة كقوله لا تقراان بالسور] (٢) وقوله تعالى] : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (القلم : ٦) [إن] (٣) جعلت «المفتون» اسم مفعول لا مصدرا ، كالمعقول والمعسور والميسور. وقوله : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (الإنسان : ٦). (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) (الحج : ٢٥). (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (المؤمنون : ٢٠). وقوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (المائدة : ٦) ، ونحوه.

والجمهور على أنها لا تجيء زائدة ، وأنّه (٤) إنما يجوز الحكم بزيادتها إذا تأدى المعنى المقصود بوجودها وحالة عدمها على السواء ، وليس [٢٩٣ / ب] كذلك هذه الأمثلة ، فإن معنى : ([وَكَفى] (٥) بِاللهِ شَهِيداً) (النساء : ٧٩) ، كما هي في : أحسن بزيد (٦)! ومعنى (امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) : اجعلوا المسح ملاصقا برءوسكم ، وكذا (بِوُجُوهِكُمْ) ، أشار إلى مباشرة العضو بالمسح ، وإنما لم يحسن في آية الغسل «فاغسلوا بوجوهكم» لدلالة الغسل على المباشرة ، وهذا كما تتعين المباشرة في قولك : «أمسكت به» وتحتملها في «أمسكته».

وأما قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) (البقرة : ١٩٥) ، فحذف المفعول للاختصار. وأما (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (الممتحنة : ١) فمعناه : تلقون إليهم النصيحة بالمودة. وقال ابن النحاس (٧) : معناه تخبرونهم بما يخبر به الرجل أهل مودته. وقال السهيلي (٨) : [ضمّن] (٩) (تُلْقُونَ) معنى «ترمون» (١٠) ، من الرمي بالشيء ، يقال (١١) : ألقى زيد إليّ بكذا ، أي رمى به ؛ وفي (١٢) الآية إنما هو إلقاء بكتاب أو برسالة ، فعبّر عنه بالمودة ، لأنه من أفعال أهل

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (فإنه).

(٥) ليست من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (أذن زيد).

(٧) لعله محمد بن إبراهيم ، ابن النحاس ، تقدمت ترجمته في ٣ / ٣٤٣.

(٨) انظر قوله في كتابه «الروض الأنف» ٤ / ٩٨ بدء فتح مكة ، معنى (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ).

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (يرمون).

(١١) في المخطوطة (تقول).

(١٢) في المخطوطة (وهو).

٢٢٣

المودة ، فلهذا جيء بالباء.

وأما قوله : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء : ١٤) ، فليست زائدة ، وإلاّ للحق الفعل قبلها علامة التأنيث ، لأنه للنفس ، وهو مما يغلب تأنيثه. وجوز في الفعل وجهان : (أحدهما) أن تكون «كان» مقدرة بعد «كفى» ، ويكون «بنفسك» صفة له قائمة مقامه. (والثاني) : أنه مضمر يفسره المنصوب بعده ، أعني «حسيبا» ، كقولك (١) : نعم رجلا (٢) زيد.

وتجيء للتعدية ، وهي القائمة مقام الهمزة في إيصال الفعل اللازم إلى المفعول به ، نحو : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ [وَأَبْصارِهِمْ]) (٣) (البقرة : ٢٠) ، أي أذهب. كما قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ [أَهْلَ الْبَيْتِ]) (٤) (الأحزاب : ٣٣).

ولهذا لا يجمع بينهما ، فهما متعاقبتان ؛ وأما قوله تعالى (أَسْرى بِعَبْدِهِ) (الإسراء : ١) ، فقيل : «أسرى» و «سرى» بمعنى ، كسقى وأسقى ، والهمزة ليست للتعدية ، وإنما المعدّى (٥) الباء في «بعبده».

وزعم ابن عطية (٦) أن مفعول «أسرى» محذوف ، وأن التعدية بالهمزة ، أي أسرى الليلة بعبده.

ومذهب الجمهور أنها بمعنى الهمزة ، لا تقتضي مشاركة الفاعل للمفعول.

وذهب المبرّد (٧) والسّهيلي (٨) أنها تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في الفعل بخلاف الهمزة.

ورد بقوله [تعالى] : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) (البقرة : ١٧) ، (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) (البقرة : ٢٠) ، ألا ترى أن الله [تعالى] لا يذهب مع سمعهم ، فالمعنى : لأذهب سمعهم.

وقال الصّفّار (٩) : وهذا لا يلزم ، لأنه يحتمل أن يكون فاعل «ذهب» البرق ، ويحتمل أن

__________________

(١) في المخطوطة (كقوله).

(٢) في المخطوطة (رجل).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (التعدي).

(٦) هو عبد الحق بن غالب الغرناطي تقدم التعريف به في ١ / ١٠١.

(٧) انظر قوله في «المقتضب» ٤ / ١٤٢ باب الإضافة ، وأما الباء ...

(٨) انظر قوله في «الروض الأنف» ٢ / ١٤٨ شرح ما في حديث الإسراء.

(٩) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

٢٢٤

يكون الله تعالى ، ويكون الذهاب على صفة تليق به سبحانه ، كما قال : (وَجاءَ رَبُّكَ) (الفجر : ٢٢).

قال : وإنما الذي يبطل مذهبه قول الشاعر :

ديار الّتي كانت ونحن على منّى

تحلّ بنا لو لا نجاء الرّكائب (١)

أي تجعلنا حلالا ، لا محرمين ، وليست الديار داخلة معهم في ذلك.

واعلم أنّه لكون (٢) الباء بمعنى الهمزة ، لا يجمع بينهما ، فإن قلت : كيف جاء (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (المؤمنون : ٢٠) والهمزة في «أنبت» للنقل؟ قلت : لهم في الانفصال عنه ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون الباء زائدة.

والثاني : أنها باء الحال ، كأنه قال : تنبت ثمرها وفيه الدهن ، أي وفيهما الدّهن ، والمعنى : تنبت الشجرة بالدهن ، أي ما هو موجود منه ، وتختلط به القوة بنبتها ، على موقع المنّة ، ولطيف القدرة ، وهداية إلى استخراج صبغة الآكلين.

والثالث : أنّ «نبت» و «أنبت» بمعنى.

وللاستعانة (٣) ، وهي الدالة على آلة الفعل ، نحو كتبت بالقلم ، ومنه في أشهر الوجهين : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة : ١).

وللتعليل بمنزلة اللام ، كقوله : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) (البقرة : ٥٤) ، (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) (النساء : ١٦٠) ، (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) (العنكبوت : ٤٠).

وللمصاحبة بمنزلة «مع» ، وتسمى باء الحال ، كقوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِ) (النساء : ١٧٠) أي مع الحق أو محقا. (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) (هود : ٤٨).

__________________

(١) البيت لقيس بن الخطيم من قصيدة له في حرب حاطب مطلعها : أتعرف رسما كاطّراد المذاهب. انظر الديوان : ٧٧ (طبعة دار صادر بيروت). والنجاء : السرعة في السير اللسان ١٥ / ٣٠٥ ، مادة (نجا).

(٢) في المخطوطة (تكون).

(٣) في المخطوطة (والاستغناء به).

٢٢٥

وللظرفية بمنزلة «في» وتكون مع المعرفة ، نحو : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ) [٢٩٤ / أ] (عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَبِاللَّيْلِ) (الصافات : ١٣٧ ـ ١٣٨) ، (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات : ١٨).

ومع النكرة ، نحو : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ [وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ]) (١) (آل عمران : ١٢٣).

(نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) (القمر : ٣٤).

قال أبو الفتح (٢) في «التنبيه» : وتوهّم بعضهم أنها لا تقع إلا مع المعرفة ، نحو : كنا بالبصرة ، وأقمنا بالمدينة.

وهو محجوج بقول الشماخ (٣) :

وهنّ وقوف ينتظرن قضاءه

بضاحي عداة (٤) أمره وهو ضامز

أي في ضاحي وهي نكرة.

وللمجاوزة ك «عن» (٥) ، نحو : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (الفرقان : ٥٩). (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (المعارج : ١). (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) (الفرقان : ٢٥) ، أي عن الغمام. (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (التحريم : ٨) ، أي وعن أيمانهم.

وللاستعلاء ، كعلى (٦) : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) (آل عمران : ٧٥) ، (٧) [أي على قنطار] (٧) ؛ كما قال : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ) (يوسف : ٦٤). ونحو : (وَإِذا مَرُّوا

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) هو عثمان بن جني تقدم التعريف به في ١ / ٣٦١ ، وبكتابه في ٢ / ٤٤٩.

(٣) هو الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان أبو سعيد الغطفاني ، كان شاعرا مشهورا ذكره ابن سلام الجمحي في الطبقات : ٥٣ و ٥٦ ، وقال كان شديد متون الشعر أشد أسر الكلام من لبيد. أدرك الإسلام وأسلم وحسن إسلامه وقال المرزباني : «توفي في غزوة موقان في زمن عثمان» (الإصابة ٢ / ١٥١) بتصرف. والبيت في ديوانه : ٤٤. «والضاحي : من الأرض البارز والظاهر ، والعداة : الأرض الطيبة التربة الكريمة النبت ، والضامر : الرجل الساكت ، والضامر من الإبل الممسك عن الجرة». الأمالي الشجرية ١ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، المجلس التاسع والعشرون.

(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (غداة).

(٥) في المخطوطة (كمن).

(٦) في المخطوطة (كقوله).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

٢٢٦

بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) (المطففين : ٣٠) ، أي عليهم ، كما قال : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) (الصافات : ١٣٧).

وللتبعيض ك «من» ، نحو : (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (الإنسان : ٦) ، أي منها ، وخرّج عليه : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (المائدة : ٦).

والصحيح أنها باء الاستعانة ، فإن «مسح» يتعدى إلى مفعول ، وهو المزال عنه ، وإلى آخر بحرف الجرّ وهو المزيل (١) ؛ فيكون التقدير : «فامسحوا أيديكم برءوسكم».

٢٥ ـ بل

حرف إضراب عن الأول ، وإثبات للثاني ؛ يتلوه جملة ومفرد.

فالأول الإضراب فيه ، إما بمعنى ترك الأول والرجوع عنه بإبطاله ، وتسمى حرف ابتداء ، كقوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (الأنبياء : ٢٦) أي بل هم عباد. وكذا : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) (المؤمنون : ٧٠).

وإما الانتقال من حديث إلى حديث آخر ، والخروج من قصة إلى قصة ؛ من غير رجوع (٢) عن الأول ؛ وهي في هذه الحالة عاطفة. كما قاله الصفار ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (الأنعام : ٩٤). (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) (الكهف : ٤٨). وقوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) (السجدة : ٣) ؛ انتقل من القصة الأولى إلى ما هو أهمّ منها. (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ* بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) (النمل : ٦٥ ـ ٦٦) ليست للانتقال ، بل هم متصفون بهذه الصفات [كلها] (٣).

وقوله : (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) (الشعراء : ١٦٦). وفي موضع [آخر] (٤) : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (النمل : ٥٥). وفي موضع : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (الأعراف : ٨١). والمراد تعديد خطاياهم ، واتصافهم بهذه

__________________

(١) في المخطوطة (المزيد).

(٢) في المخطوطة (أن الرجوع).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) ساقطة من المطبوعة.

٢٢٧

الصفات ، وبل لم ينو ما أضافه إليهم ، من إتيان الذكور والإعراض عن الإناث ؛ بل استدرك بها بيان (١) عدوانهم ؛ وخرج من تلك القصة إلى هذه الآية.

وزعم صاحب (٢) «البسيط» وابن مالك أنها (٣) لا تقع في القرآن إلا بهذا المعنى ؛ وليست كذلك لما سبق ، وكذا (٤) قال ابن الحاجب (٥) في «شرح المفصل» ، «إبطال ما للأول (٦) وإثباته للثاني ، إن كان في الإثبات ، نحو جاء زيد بل عمرو ؛ فهو من باب الغلط ؛ فلا يقع مثله في القرآن ، ولا في كلام فصيح. وإن كان ما في النفي نحو : ما جاءني زيد بل عمرو.

ويجوز أن يكون من باب الغلط ، يكون عمرو غير جاء ، ويجوز أن يكون مثبتا لعمرو المجيء ، فلا يكون غلطا». انتهى.

ومنه أيضا [قوله] (٧) : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى* بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (الأعلى : ١٤ إلى ١٦). وقوله : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ* بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ [مِنْ هذا]) (٨) (المؤمنون : ٦٢ ـ ٦٣).

وقوله : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) (ص : ١ ـ ٢) ، ترك الكلام الأول ، وأخذ ب «بل» في كلام ثان ، ثم قال حكاية عن المشركين : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) (ص : ٨) ، ثم قال : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) (ص : ٨) ، [ثم] (٩) ترك الكلام الأول ، وأخذ ب «بل» في كلام آخر (١٠) ، فقال : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (ص : ٨). (١١) [وقيل [٢٩٤ / ب] إن قوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (ص : ٢) بمعنى أن لا فالقسم لا بدّ له من جواب] (١١).

__________________

(١) في المخطوطة (بإتيان).

(٢) هو الحسن بن شرف شاه ركن الدين الأسترآباذي تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٤٦٤.

(٣) في المخطوطة (أن لا).

(٤) في المخطوطة (كذا).

(٥) هو عثمان بن عمر بن يونس ، تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦ وبكتابه في ٢ / ٥٠٦.

(٦) في المخطوطة (الأول) بدل (ما للأول).

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (ثاني).

(١١) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

٢٢٨

والثاني (١) ـ أعني ما يتلوها مفرد ـ فهي عاطفة. ثم إن تقدمها إثبات نحو : اضرب زيدا بل عمرا ، وأقام زيد بل عمرو ، فقال النحاة : هي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه (٢) ، فلا يحكم عليه بشيء ، ويثبت ما بعدها. وإن تقدمها نفي أو نهي ، فهي لتقرير ما قبلها على حاله. وجعل ضده لما بعدها ، نحو : ما قام زيد بل عمرو ، (٣) [ولا يقم زيد بل عمرو] (٣). ووافق المبرّد (٤) على ما ذكرنا ، غير أنه أجاز مع ذلك أن تكون ناقلة مع النهي أو النفي إلى ما (٥) بعدها.

وحاصل الخلاف أنه إذا وقع قبلها النفي هل (٦) تنفي الفعل أو توجبه؟

٢٦ ـ بلى

لها موضعان :

أحدهما : أن تكون ردّا لنفي يقع قبلها ، كقوله تعالى : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) (النحل : ٢٨) ، أي عملتم السوء. وقوله : (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى) (النحل : ٣٨). وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (آل عمران : ٧٥) [ثم] (٧) قال : (بَلى) (آل عمران : ٧٦) ، [أي] (٧) عليهم سبيل (٨).

والثاني : أن تقع جوابا لاستفهام ، دخل عليه نفي حقيقة ، فيصير معناها التصديق لما قبلها ، كقولك (٩) : «ألم أكن صديقك!» «ألم أحسن إليك!» فتقول : «بلى» أي كنت صديقي. ومنه قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) (الملك : ٨ ـ ٩). ومنه (١٠). (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢) ، أي أنت ربنا. فهي في هذا الأصل تصديق لما قبلها ، وفي الأول ردّ لما قبلها وتكذيب. وقوله : (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى) (الحديد : ١٤) ، أي كنتم معنا. (١١) ويجوز أن يقرن (١١) النفي بالاستفهام مطلقا ، أعم من

__________________

(١) في المخطوطة (وللثاني).

(٢) في المخطوطة (عنها).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) انظر المقتضب ١ / ١٢ ، باب حروف العطف بمعانيها. ومغني اللبيب ١ / ١١٢ (بل).

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (إلا بعدها).

(٦) في المخطوطة (أو).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (سبيلي).

(٩) في المخطوطة (كقوله).

(١٠) في المخطوطة (وقوله).

(١١) عبارة المخطوطة (ونحو لن يقرن).

٢٢٩

الحقيقي والمجازي ، فالحقيقي كقوله : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى) (الزخرف : ٨٠) (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى) (القيامة : ٣ ـ ٤).

ثم قال الجمهور : التقدير : بل نحييها قادرين ؛ لأن الحساب إنما يقع من الإنسان على نفي جمع العظام ، و «بلى» (١) ، إثبات فعل النفي ، فينبغي أن يكون الجمع بعدها مذكورا على سبيل الإيجاب.

وقال الفراء (٢) : التقدير فلنحيها قادرين ؛ لدلالة «أيحسب» عليه ، وهو ضعيف (٣) [لأن بلى حينئذ لم تثبت ما نفي من قبل التقدير بل نقدر وهو ضعيف] (٣) ؛ لأنه عدول عن مجيء الجواب ، على نمط السؤال.

والمجازيّ كقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢) ، فإنّ الاستفهام هنا ليس على حقيقته ، بل هو للتقرير ، لكنهم أجروا النفي مع التقرير (٤) مجرى النفي المجرد في رده ب «بلى».

وكذلك قال ابن عباس : لو قالوا (٥) : نعم لكفروا (٦). ووجهه أن «نعم» تصديق لما بعد الهمزة ، نفيا كان أو إثباتا.

ونازع السهيليّ (٧) وغيره في المحكيّ عن ابن عباس من وجه أن الاستفهام التقريري إثبات قطعا ، وحينئذ فنعم في الإيجاب تصديق له ، فهلاّ أجيب بما أجيب به الإيجاب! فإنّ قولك : ألم أعطك درهما! بمنزلة أعطيتك.

والجواب من أوجه :

__________________

(١) في المخطوطة (بل) بدل (وبلى).

(٢) في معاني القرآن ٣ / ٢٠٨. سورة القيامة الآية (٤).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (التقدير).

(٥) في المخطوطة (ولو قال).

(٦) في المخطوطة (كفروا) ، وانظر قول ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ، في «الجامع لأحكام القرآن» ٢ / ١٢ عند تفسير الآية ٨١ من سورة البقرة.

(٧) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢. وقوله ذكره ابن هشام في المغني ١ / ١١٣.

٢٣٠

أحدها : ذكره الصفّار (١) ، أن المقرّر (٢) قد يوافقه المقرّر فيما يدعيه وقد لا. فلو قيل في جواب : ألم أعطك! «نعم» لم يدر : هل أراد : نعم لم تعطني ، فيكون مخالفا للمقرّر ، أو نعم أعطيتني فيكون موافقا. فلما كان يلتبس أجابوا (٣) على اللفظ ، ولم يلتفتوا إلى المعنى.

(٤) [الثاني : وبه تخلص بعضهم فقال : إذا أتت بعد كلام منفيّ فتارة تكون جوابا وتارة لا تكون ، فإن كان جوابا فواضح ، وإن كان لغير الجواب لم يكن كذلك.

قال : وابن عباس إنما قال : لو قالوا في الجواب «نعم» كفروا ، لأن الجواب لست ربنا ، ولو قالوا في التصديق نعم لكان محض الإيمان أي نعم أنت ربنا.

وتلخص أن الذي منعه ابن عباس كون «نعم» جوابا ، وإن كان جوابا فهي تصديق لما بعد ألف الاستفهام ، والذين أجازوا إنما هو على أن يكون غير جواب] (٤).

[٢٩٥ / أ] تنبيهات

الأول : ما ذكرنا من كون «بلى» إنما يجاب بها النفي ، هو الأصل ، وأمّا قوله تعالى : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) (الزمر : ٥٩) ، فإنه لم يتقدمها نفي لفظا لكنه مقدّر ؛ فإن معنى (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) (الزمر : ٥٧) [ما هداني] (٥) ، فلذلك أجيب ب «بلى» التي هي جواب النفي المعنوي ، ولذلك حققه بقوله : (قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) (الزمر : ٥٩) وهي من أعظم الهدايات.

ومثله : (بَلى قادِرِينَ) (القيامة : ٤) ، فإنه سبق نفي ، وهو (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) (القيامة : ٣) ، فجاءت الآية على جهة التوبيخ لهم في اعتقادهم أن الله لا يجمع عظامهم ؛ فردّ عليهم (٦) [بقوله] (٧) : (بَلى قادِرِينَ) (٨) (القيامة : ٤).

__________________

(١) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٢) في المخطوطة (المفرد).

(٣) في المطبوعة (أجابوه).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (عليه).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) عبارة المخطوطة. (بلى أي نحن قادرين).

٢٣١

وقال ابن عطية (١) : «حق «بلى» أن تجيء بعد نفي عليه تقرير (٢). وهذا القيد الذي ذكره في النفي لم يذكره غيره ، وأطلق النحويون أنها جواب النفي».

وقال الشيخ أثير الدين (٣) : «حقها أن تدخل على النفي ، ثم حمل التقرير (٤) على النفي ، ولذلك [لم] (٥) يحمله عليه بعض العرب ، وأجابه بنعم».

وسأل الزمخشري (٦) : «هلاّ قرن الجواب بما هو جواب له ، وهو قوله : (أَنَّ اللهَ هَدانِي)؟ (الزمر : ٥٧) ، وأجاب بأنه (٧) إن تقدم على إحدى القرائن الثلاث فرق بينهن وبين النظم ، فلم يحسن ، وإن تأخرت القرينة الوسطى نقض الترتيب وهو التحسر على التفريط في الطاعة ، ثم التعليل بفقد الهداية ، ثم تمنّى الرجعة ؛ فكان (٨) الصواب ما جاء عليه ، وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها. ثم أجاب عما اقتضى الجواب من بينها».

٤ ـ / ٢٦٤ الثاني : اعلم أنك متى رأيت «بلى» أو «نعم» بعد كلام يتعلّق بها تعلّق الجواب ، وليس قبلها ما يصلح أن يكون جوابا له ، فاعلم أن هناك سؤالا مقدرا ، لفظه لفظ الجواب ، ولكنه اختصر وطوي ذكره ، علما بالمعنى ، كقوله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (البقرة : ١١٢) فقال المجيب : «بلى» ، ويعاد (٩) السؤال في الجواب.

وكذلك قوله : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) (البقرة : ٨١) ، ليست (١٠) «بلى» فيه جوابا لشيء قبلها ، بل (١١) ما قبلها دال (١٢) على ما هي جواب له ، والتقدير : ليس (١٣) من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته خالدا (١٤) في النار أو يخلّد في النار ، فجوابه الحق «بلى».

__________________

(١) هو عبد الحق بن غالب الغرناطي تقدم التعريف به في ١ / ١٠١.

(٢) في المخطوطة (تقدير).

(٣) هو محمد بن يوسف الأندلسي تقدم في ١ / ١٣٠.

(٤) في المخطوطة (التقدير).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في الكشاف ٣ / ٣٥٣ ، وبقية السؤال «ولم يفصل بينهما بآية».

(٧) في المخطوطة (أنه).

(٨) في المخطوطة (وكان).

(٩) في المخطوطة (وأعاد).

(١٠) في المخطوطة (ليس).

(١١) في المخطوطة (بلى).

(١٢) في المخطوطة (وإن).

(١٣) في المخطوطة (أليس).

(١٤) في المخطوطة زيادة عبارة تقدمت وهي (ليست بلى فيه جوابا لشيء).

٢٣٢

وقد يكتفى بذكر بعض الجواب دالا على باقيه ، كما قال تعالى : (بَلى قادِرِينَ) (القيامة : ٤) ، أي [بلى] (١) نجمعها قادرين فذكر (٢) الجملة بمثابة ذكر الجزاء من الجملة (٢) ، وكان (٣) عنها (٤) من القواعد النافعة : أن الجواب إما أن يكون لملفوظ به أو مقدّر.

فإن كان لمقدر ، فالجواب بالكلام ؛ كقولك لمن تقدره مستفهما عن قيام زيد : قام زيد ، أو لم يقم زيد ، ولا يجوز أن تقول «نعم» ولا «لا» ، لأنه لا (٥) يعلم ما يعني بذلك ؛ وإن كان الجواب لملفوظ به ؛ فإن أردت التصديق قلت : (٦) نعم وفي تكذيبه «بلى» (٦) ، فتقول في جواب من قال : ما (٧) قام زيد؟ «نعم» إذا صدقته (٨) [و «بلى» إذا كذبته.

وكذلك إذا أدخلت أداة الاستفهام على النفي ، ولم ترد التقرير ، بل أبقيت الكلام على نفيه ، فتقول] (٩) في تصديق النفي : «نعم» وفي تكذيبه «بلى» نحو ألم (١٠) يقم زيد؟ فتقول في تصديق النفي : «نعم» ، وفي تكذيبه : «بلى». (١١) [ولا يجوز في هذا الموضع أن ترد ... (١٢)

مخافة اللبس لاحتمال أن يكون المعنى تكذيبه أو تصديقه فلهذا تعين «بلى» لأن معنى تكذيبه ، فإن يكن جوابا لبقي صريح بل لا بجواب محض كان رد وتصديقه «بنعم» فإذا قيل قام زيد فإن كذبته قلت «لا» وإن صدقته قلت «نعم»] (١٢).

الثالث (١٢) : يجوز الإثبات والحذف بعد «بلى» ؛ فالإثبات كقوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) (الملك : ٨ ـ ٩). وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) (سبأ : ٣).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) عبارة المخطوطة (فذكر الجزاء من الجملة بمثابة ذكر الجملة).

(٣) في المطبوعة (وكاف).

(٤) في المطبوعة زيادة (الثالث).

(٥) في المخطوطة (لم).

(٦) العبارة في المخطوطة (وإن أردت قلت «بلى»).

(٧) في المطبوعة (أما).

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (لم).

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(١١) بياض في الأصل مقدار كلمتين.

(١٢) في المطبوعة (الرابع).

٢٣٣

ومن الحذف قوله تعالى : (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلى إِنْ تَصْبِرُوا) (آل عمران : ١٢٤ ـ ١٢٥) ، فالفعل المحذوف بعد «بلى» في هذا الموضع «يكفيكم» [٢٩٥ / ب] ، أي بلى يكفيكم إن تصبروا.

وقوله : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) (البقرة : ٢٦٠) ، أي (١) قد آمنت وقوله : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً) (٢) (البقرة ٨٠) ، ثم قال : «بلى» ، أي (٣) تمسسكم أكثر من ذلك ، وقوله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (البقرة : ١١١) ، ثم قال : بلى ، (٤) [أي يدخلها غيرهم. وقوله : (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى) (الحديد : ١٤).

وقد تحذف «بلى»] (٤) وما بعدها ، كقوله تعالى : (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (الكهف : ٧٥) ، أي بلى قلت لي.

٢٧ ـ ثمّ

للترتيب مع التراخي ، وأمّا قوله (٥) : (لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (طه : ٨٢) ، والهداية سابقة على ذلك ، فالمراد «ثم دام على الهداية» ، بدليل قوله : (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) (المائدة : ٩٣).

وقد تأتي لترتيب الأخبار ، لا لترتيب المخبر عنه ، كقوله تعالى : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) (يونس : ٤٦). وقوله : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) (هود : ٩٠) ، وتقول : زيد عالم كريم ، ثم هو شجاع.

قال ابن برّي (٦) : قد تجيء «ثم» كثيرا لتفاوت ما بين رتبتين في قصد (٧) المتكلّم فيه تفاوت [ما] (٨) بين مرتبتي الفعل مع السكوت عن تفاوت رتبتي الفاعل ، كقوله تعالى :

__________________

(١) في المخطوطة (بمعنى).

(٢) الآية في المخطوطة (قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) (آل عمران : ٢٤).

(٣) في المخطوطة (بل).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (وقوله تعالى).

(٦) هو عبد الله بن بري تقدم التعريف به في ٤ / ١١١.

(٧) في المخطوطة (فضل).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

٢٣٤

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام : ١) ، ف «ثم» هنا لتفاوت رتبة الخلق والجعل من رتبة العدل ، مع السكوت عن وصف العادلين. ومثله قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (البلد : ١١) ، إلى قوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (البلد : ١٧) ، دخلت لبيان تفاوت رتبة الفكّ والإطعام ، من رتبة الإيمان ، إلا أن فيها زيادة تعرّض لوصف المؤمنين بقوله : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد : ١٧).

وذكر غيره في قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام : ١) : أن «ثم» دخلت لبعد ما بين الكفر وخلق السموات والأرض.

وعلى ذلك جرى الزمخشري في مواضع كثيرة من «الكشاف» ، كقوله تعالى : ([وَإِنِّي] (١) لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (طه : ٨٢). وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) (الأحقاف : ١٣) ، قال (٢) : «كلمة التراخي دلّت على [تباين] (٣) المنزلتين ؛ دلالتها على تباين الوقتين ، في «جاءني زيد ثم عمرو ـ أعني أن منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه ؛ لأنها أعلى منها وأفضل».

ومنه قوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (المدثر : ١٨ إلى ٢٠) (٤) «إن قلت : ما معنى «ثم» الداخلة في تكرير الدعاء؟ قلت : الدلالة على أن الكرّة الثانية [من الدعاء] (٥) أبلغ من الأولى».

وقوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (البلد : ١٧) ، قال (٦) : «جاء ب «ثمّ» لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة على العتق والصدقة ، لا في الوقت ، لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره».

وقال الزمخشري (٧) في قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (النحل : ١٢٣) : «إن «ثم» [ما] (٨) فيها من تعظيم منزلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإجلال محلّه والإيذان بأنّه

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في الكشاف ٢ / ٤٤٣ ، سورة الآية (٨٢).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) الكشاف ٤ / ١٥٨.

(٥) ساقطة من المخطوطة والكشاف.

(٦) في الكشاف ٤ / ٢١٤.

(٧) في الكشاف ٢ / ٣٤٨.

(٨) ساقطة من المطبوعة.

٢٣٥

أولى وأشرف ما أوتي خليل (١) الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] من الكرامة ، وأجلّ ما أوتي من النعمة أتباع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ملّته».

واعلم أنّه بهذا التقدير يندفع الاعتراض بأن «ثم» قد تخرج عن الترتيب والمهلة وتصير كالواو ؛ لأنه إنما يتم على أنها تقتضي الترتيب الزماني لزوما ، أما إذا قلنا : إنها ترد لقصد التفاوت والتراخي عن الزّمان لم يحتج إلى الانفصال عن شيء مما ذكر من هذه الآيات الشريفة ، (٢) لا أن تقول (٢) : إن «ثمّ» قد تكون بمعنى الواو.

والحاصل أنها للتراخي في الزمان ، وهو المعبّر عنه بالمهلة ، وتكون للتباين في الصفات وغيرها (٣) من غير قصد مهلة زمانية ، بل ليعلم موقع ما يعطف (٤) بها وحاله ، وأنه لو انفرد لكان كافيا فيما قصد [٢٩٦ / أ] فيه ، ولم يقصد في هذا ترتيب زمانيّ ، بل تعظيم الحال فيما عطف عليه وتوقعه ، وتحريك النفوس لاعتباره.

وقيل : تأتي للتعجب ، نحو : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام : ١). وقوله : (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلاَّ) (المدثر : ١٥ ـ ١٦) وقيل : بمعنى واو العطف ، كقوله : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) (يونس : ٤٦) ، أي هو شهيد. وقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (القيامة : ١٩). والصواب أنها على بابها لما سبق قبله. وقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) (الأعراف : ١١) ، وقد أمر الله الملائكة بالسجود قبل خلقنا ، فالمعنى : وصوّرناكم. [وقيل] (٥) على بابها ، والمعنى : ابتدأنا خلقكم ؛ لأن الله تعالى خلق آدم من تراب ثم صوّره وابتدأ خلق الإنسان من نطفة ثم صوّره.

وأما قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً) (الأنعام : ٢) ، وقد كان قضى الأجل ، فمعناه : أخبركم أني خلقته من طين ، ثم أخبركم أني قضيت الأجل ، وهذا يكون في الجمل ، فأما عطف المفردات فلا تكون إلا للترتيب. قاله ابن فارس (٦).

قيل : وتأتي زائدة ، كقوله تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) (التوبة : ١١٨) إلى قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) (التوبة : ١١٨) ، لأن «تاب» جواب «إذا» من قوله : (حَتَّى إِذا

__________________

(١) في المخطوطة (الخليل).

(٢) في المخطوطة (ولأنا نقول).

(٣) في المخطوطة (ونحوها).

(٤) في المخطوطة (يعطفه).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) الصاحبي في فقه اللغة : ١١٩ ـ ١٢٠ باب (ثم).

٢٣٦

ضاقَتْ) (التوبة : ١١٨). وتأتي للاستئناف ، كقوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (آل عمران : ١١١).

فإن قيل : ما المانع من الجزم على العطف؟ فالجواب ، أنه عدل به عن حكم الجزاء ، إلى حكم الإخبار ابتداء ، كأنه قال : ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قيل : أيّ فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟ قيل : لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتولّيهم ، وحين رفع كان النصر وعدا مطلقا ، كأنه قال : ثم شأنهم وقصّتهم أني أخبركم عنها ، وأبشّركم بها بعد التولية أنهم مخذولون ، منعت عنهم النصرة والقوة ، ثم لا ينهضون بعدها بنجاح ، ولا يستقيم لهم أمر.

واعلم أنها وإن كانت حرف استئناف ، ففيها (١) معنى العطف ، وهو [من] (٢) عطف الخبر على جملة الشرط والجزاء ، كأنه قال : أخبركم أنهم يقاتلونكم فيهزمون (٣) ، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون فإن قيل : ما معنى التراخي [في] (٤) «ثم»؟ قيل : التراخي في الرتبة ، لأن الأخبار التي تتسلط عليهم أعظم من الإخبار بتولّيهم الأدبار ، كقوله تعالى : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ* ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) (المرسلات : ١٦ ـ ١٧).

٢٨ ـ ثمّ المفتوحة

ظرف للبعيد بمعنى هنالك ، قال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ) (الإنسان : ٢٠). وقرئ (٥) : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) (يونس : ٤٦) ، أي هنالك الله شهيد ، بدليل : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) (الكهف : ٤٤). وقال الطبريّ (٦) في قوله : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) (يونس : ٥١) ، معناه : أهنالك ، وليست «ثم» العاطفة. وهذا وهم اشتبه عليه المضمومة بالمفتوحة.

__________________

(١) في المخطوطة (يفهم).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (فتهزموا).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) وهي قراءة ابن أبي عبلة انظر البحر المحيط ٥ / ١٦٤.

(٦) تفسير الطبري ١١ / ٨٥. وللفائدة انظر البحر المحيط ٥ / ١٦٧.

٢٣٧

٢٩ ـ حاشا

اسم يأتي بمعنى التنزيه ، كقوله [تعالى] : (حاشَ لِلَّهِ) (يوسف : ٥١) ، بدليل [قول بعضهم] (١) : «حاشا لله» بالتنوين (٢) ، كما قيل : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) (التوبة : ١) من كذا ، أي حاشا لله بالتنوين كقولهم (٣) : رعيا لزيد. وقراءة ابن مسعود (٤) حاشا الله بالإضافة ، فهذا مثل سبحان الله ، ومعاذ الله.

وقيل : [فعل] (٥) بمعنى (٦) جانب يوسف المعصية (٦) لأجل الله ، وهذا لا يتأتى في : (حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً) (يوسف : ٣١). قال الفارسيّ (٧) : وهو فاعل ، من الحشا الذي هو الناحية ، أي صار في ناحية ، أي بعد مما رمي به وتنحّى عنه فلم يغشه ولم يلابسه.

فإن قلت : إذا قلنا باسميّة «حاشا» ، فما وجه ترك التنوين في قراءة الجماعة (٨) وهي غير مضافة؟ قلت : قال ابن مالك : والوجه أن تكون «حاشى» المشبّهة بحاشى الذي هو حرف ، وأنه شابهه لفظا ومعنى ، فجرى مجراه في البناء.

٣٠ ـ حتّى

ك «إلى» لكن يفترقان ؛ في أنّ ما بعد «حتى» يدخل في حكم ما قبلها [قطعا] (٩) ، كقولك : قام القوم حتى زيد ؛ ف «زيد» هاهنا دخل في القيام ، ولا يلزم ذلك في قام القوم [٢٩٦ / ب] إلى (١٠) زيد. ولهذا قال سيبويه (١١) : «إنّ «حتى» تجري مجرى الواو «وثم» في التشريك».

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) وهي قراءة أبي السمال ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٥ / ٣٠٣.

(٣) في المخطوطة (كقوله بعد).

(٤) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٥ / ٣٠٣.

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (جار الوصية يوسف).

(٧) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، تقدم التعريف به في ١ / ٣٧٥.

(٨) وهي قوله تعالى (حاشَ لِلَّهِ) وللاستزادة من الفوائد ارجع إلى البحر المحيط ٣ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (إلا).

(١١) في الكتاب ١ / ٩٦ هذا باب يحمل فيه الاسم على اسم بني عليه الفعل مرّة ...

٢٣٨

ومن الدّليل على دخول ما بعدها فيما قبلها ؛ قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّ شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس» (١). وقوله : «أريت كلّ شيء حتى الجنة والنار» (٢).

وقال الكواشي (٣) في «تفسيره» : الفرق بينهما أنّ «حتى» تختص بالغاية المضروبة ، ومن ثمّ جاز : أكلت السمكة حتى رأسها ، وامتنع «حتى نصفها» أو «ثلثها» و «إلى» عامّة في كل غاية. انتهى.

ثم الغاية تجيء عاطفة ؛ وهي للغاية كيف وقعت ؛ إمّا في الشرف ، كجاء القوم حتى رئيسهم ، أو الضعة ، نحو «استنّت الفصال حتى القرعى» (٤).

أو تكون جملة من القول على حال هو آخر الأحوال المفروضة أو المتوهّمة ، بحسب ذلك الشأن ؛ إمّا في الشدة ، نحو : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ) (البقرة : ٢١٤) إذا أريد حكاية الحال ؛ ولو لا ذلك لم تعطف الجملة الحالية ، على الجملة الماضية. فإن أريد الاستقبال لزم النصب.

وإما في الرّخاء ، نحو شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه ، على الحكاية.

ولانتهاء الغاية ، نحو : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر : ٥) ، (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) (البقرة : ٢٣٥).

__________________

(١) أخرجه من حديث عبد الله بن عمر ، مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٤٥ ، كتاب القدر (٤٦) ، باب كل شيء بقدر (٤) ، الحديث (١٨ / ٢٦٥٥).

(٢) قطعة من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي‌الله‌عنهما وأوله «أتيت عائشة وهي تصلي فقلت ما شأن الناس ...» أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ١٨٢ ، كتاب العلم (٣) ، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس (٢٤) ، الحديث (٨٦). وأخرجه مسلم في الصحيح ٢ / ٦٢٤ ، كتاب الكسوف (١٠) ، باب ما عرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (٣) ، الحديث (١١ و ١٢ / ٩٠٥).

(٣) هو أحمد بن يوسف تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٢ ، وله ثلاثة كتب في التفسير الأول : «تبصرة المذكر وتذكرة المتدبّر» مخطوط في بطرسبرج : ٢٧٨ ، وفاس ٢ / ١٦١ ، وداماد زادة باسطنبول : ١٦٣ ، وقليج علي باشا ، باسطنبول : ٨٩ ، والمكتبة السليمانية : ١٢٦ ، وسليم آغا باسطنبول : ٤٥ ، وبومباي ص ١٦١ رقم ٨٧ ، ودار الكتب بالقاهرة ١ / ٣٥ ، والموصل : ٦٤ و ٢٣٠ ، وحلب : ٤٧٠. والثاني «تلخيص للأول» مخطوط في دار الكتب المصرية ١ / ٤٢ ، والفاتيكان : ٥٧٣ ف ٣. والثالث : «كشف الحقائق» مخطوط في مكتبة العتبة المقدسة الرضوية بمشهد إيران ٣ / ٤٩ ، رقم ١٥١ (بروكلمان الذيل ١ / ٧٣٧) ، ويوجد في مكتبة آيا صوفيا باسم تفسير الكواشي بأرقام ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ تفسير (معجم الدراسات القرآنية : ٢٧٢).

(٤) انظر «فصل المقال» ص ٤٠٢ ، وشرحه بقوله (أخذت الفصال في سنن واحد من المرح والنشاط حتى نشطت القرعى لنشاطها).

٢٣٩

والتعليل ، وعلامتها أن تحسن في موضعها «كي» نحو : «حتى تغيظ ذا الحسد» (١) ؛ ومنه قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ) (محمد : ٣١). ويحتملها : (حَتَّى [تَفِيءَ]) (٢) (الحجرات : ٩) وقوله [تعالى] : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ) (البقرة : ٢١٧). (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) (المنافقون : ٧).

قيل : وللاستثناء ، كقوله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا) (البقرة : ١٠٢) ؛ والظاهر أنّها للغاية.

وحرف ابتداء ؛ أي تبتدأ به الجملة الاسمية أو الفعلية ، كقوله [تعالى] : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) (البقرة : ٢١٤) في قراءة نافع (٣).

(٤) وكذا الداخلة على «إذا» ، في نحو : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) (آل عمران : ١٥٢) ونظائره ، والجواب محذوف (٥).

٣١ ـ حيث

ظرف مكان. قال الأخفش (٦) : وللزمان ، وهي مبنية على الضم تشبيها بالغايات ، فإن الإضافة إلى الجملة كلا إضافة ، ولهذا قال الزجّاج (٧) في قوله تعالى : (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف : ٢٧) ما بعد «حيث» صلة لها وليست بمضافة إليه ؛ يريد أنها ليست مضافة للجملة بعدها ، فصارت كالصلة لها ، أي كالزيادة. وفهم الفارسيّ (٨) أنه أراد أنها موصولة ، فردّ عليه.

ومن العرب من يعرب «حيث» ، وقراءة بعضهم (٩) : (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)

__________________

(١) في المخطوطة (والحسد).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) انظر التيسير : ٨١.

(٤) في المخطوطة زيادة عبارة قبلها وهي (وقوله حتى وقالوا).

(٥) في المخطوطة زيادة كلمة بعدها وهي (أتى).

(٦) هو سعيد بن مسعدة تقدم التعريف به في ١ / ١٣٤ ، وانظر قوله في مغني اللبيب ١ / ١٣١.

(٧) انظر كتابه معاني القرآن ٢ / ٣٢٩.

(٨) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار تقدم في ١ / ٣٧٥.

(٩) ذكرها ابن هشام في المغني ١ / ١٣١ (حيث).

٢٤٠